معاني القرآن للنحاس تفسير سورة الأنعام
مكية وآياتها 165 آية
(2/395)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الانعام وهي
مكية قال أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحاس قال
حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا أبو حاتم روح بن الفرج مولى
الحضارمة قال حدثنا أحمد بن محمد (أبو بكر العمري) قال حدثنا
ابن أبي فديك قال حدثني عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص عن نافع
أبي سهيل بن مالك عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (نزلت سورة الانعام معها موكب من الملائكة سد ما بين
الخافقين لهم زجل بالتسبيح والارض لهم ترتج ورسول الله يقول
سبحان ربي العظيم ثلاث مرات
(2/397)
1 قوله جل وعز (الحمد لله الذي خلق السموات
والارض وجعل الظلمات والنور) قال قتادة خلق الله السماء قبل
الارض والليل قبل النهار والجنة قبل النار فأما قوله (والارض
بعد ذلك دحاها) فمعناه بسطها 2 وقوله جل وعز (ثم الذين كفروا
بربهم يعدلون) قال مجاهد أي يشركون
قال الكسائي يقال عدلت الشئ بالشئ عدولا إذا ساويته به وهذا
القول يرجع الى قول مجاهد لانهم إذا عبدوا مع الله غيره فقد
ساووه به وأشركوا
(2/398)
3 وقوله جل وعز (هو الذي خلقكم من طين ثم
قضى أجلا وأجل مسمى عنده) قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف
وقتادة وهذا لفظ الحسن قضى أجل الدنيا من يوم خلقك الى أن تموت
(وأجل مسمى عنده) يعني الآخرة (ثم أنتم تمترون) أي تشكون
وتعبدون معه غيره 4 وقوله جل وعز (وهو الله في السموات وفي
الارض) والالف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والاصل
عنده اله
(2/399)
فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي
الارض ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه تعالى
في السموات وفي الارض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة
ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات
وهو الله في الارض 5 وقوله جل وعز (ألم يروا كم أهلكنا من
قبلهم من قرن)
قيل القرن ستون عاما وقيل سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل
قرن وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لانه مأخوذ من
الاقتران أي عالم مقترن بعضهم الى بعض وفي الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال خير الناس القرن
(2/400)
الذي أنا فيه يعني أصحابه ثم الذين يلونهم
ثم الذين يلونهم (وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة
واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر (تعيش قرنا) فعاش مائة
سنة 6 وقوله جل وعز (وأرسلنا السماء عليهم مدرارا) أي تدر
عليهم ومدرار فإن على التكثير كما يقال امرأة مذكار إذا كثرت
ولادتها للذكور ومئناث 7 وقوله جل وعز (ولو نزلنا عليك كتابا
في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر
مبين)
(2/401)
أي قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد فإذا
رأوا آية قالوا سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق
قالوا (هذا سحر مستمر) كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من
السماء لقالوا ان هذا الا سحر مبين 8 وقوله جل وعز (وقالوا
لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا
لقضي الامر) قال ابن أبي نجيح عن مجاهد أي لقامت القيامة
والمعنى عند أهل اللغة لحتم بهلاكهم وهو يرجع الى ذلك القول 9
وقوله جل وعز (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) قال قتادة أي في
صورة بني آدم
(2/402)
10 ثم قال تعالى (وللبسنا عليهم ما يلبسون)
قال الضحاك يعني أهل الكتاب لانهم غيروا صفة النبي صلى الله
عليه وسلم في كتابهم وعصوا ما أمروا به قال الكسائي يقال لبست
عليهم الامر ألبسه لبسا إذا خلطته أي أشكلته عمر 11 وقوله جل
وعز (فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) الحيق في
اللغة ما يعود على الانسان من مكروه فعله ومنه (ولا يحيق المكر
السئ الا بأهله)
(2/403)
12 وقوله جل وعز (قل لمن ما في السموات
والارض قل لله) هذا احتجاج عليهم لانهم مقرون أن ما في السموات
والارض لله فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم
بأن الذي خلق ما في السموات والارض قادر على أن يحييهم بعد
الموت
13 ثم قال جل وعز (كتب ربكم على نفسه الرحمة) لانه أمهلهم الى
يوم القيامة ويجوز أن يكون هذا تمام الكلام ويجوز أن تكون (ما)
هذه تبيينا لان قوله (ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه)
معناه يمهلكم فهذا من رحمته جل وعز
(2/404)
14 وقوله جل وعلا (وله ما سكن في الليل
والنهار) أي ثبت وهذا احتجاج عليهم أيضا 15 وقوله جل وعز (وهو
يطعم ولا يطعم) كما تقول هو يرزق ولا يرزق ويعول ولا يعال وروي
عن الاعمش أنه قرأ (وهو يطعم ولا يطعم) وهي قراءة حسنة أي ولا
يأكل 16 وقوله جل وعز (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) المعنى من
يصرف عنه العذاب ثم حذف لعلم
(2/405)
السامع وكذلك معنى (من يصرف) 17 وقوله جل
وعز (وأوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ) المعنى ومن
بلغه القرآن ثم حذف الهاء لطول الاسم وقال مجاهد ومن أسلم من
فصيح وأعجم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بلغوا
القرآن عن الله جل وعز ومن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه
أمر الله) وقيل المعنى ومن بلغ الحلم كما يقال قد بلغ
فلان
(2/406)
18 وقوله جل وعز (الذين آتيناهم الكتاب
يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ويجوز أن يكون المعنى القرآن
والحديث يدل أن المعنى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم وروي
أن عمر قال لعبد الله بن سلام (أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم
كما تعرف ابنك فقال نعم وأكثر بعث الله أمينه في سمائه الى
أمينه في أرضه بنعته فعرفته وابني لا أدري ما كان من أمه 19
وقوله جل وعز (ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا والله ربنا ما
كنا مشركين) قال أبو سحاق تأويل هذه الآية لطيف جدا أخبر الله
جل وعز بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم
(2/407)
لم تكن حين رأوا الحقائق الا أن انتفوا من
الشرك ونظير هذا في اللغة أن ترى انسانا يحب غاويا فإذا وقع في
هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك اياه الا أن تبرأت منه
فأما معنى قولهم (والله ربنا ما كنا مشركين) وقال في موضع آخر
(ولا يكتمون الله حديثا) معطوف على ما قبله والمعنى وودوا أن
لا يكتموا النبي الله حديثا والدليل على على صحة هذا
القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله (والله ربنا ما كنا
مشركين) قال اعتذروا وحلفوا وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة
وروي عن مجاهد أنه قال لما رأوا الذنوب تغفر الا الشرك والناس
يخرجون من النار الا المشركين قال (والله ربنا ما كنا مشركين)
(2/408)
وقول بعض أهل اللغة انما قالوا هذا على
أنهم صادقون عند أنفسهم ولم يكونوا ليكذبوا وقد عاينوا ما
عاينوا وقطرب يذهب الى هذا القول وهو قول مردود لانه قال لم
يكونوا ليكذبوا وبعدها (انظر كيف كذبوا على أنفسهم) ويبين لك
الغلط في هذا القول قوله جل وعز (يوم يبعثهم الله جميعا
فيحلفون له) الآية قال مجاهد كذبهم الله وقيل معنى (ولا يكتمون
الله حديثا) أنه ظاهر عنده 20 وقوله جل وعز (ومنهم من يستمع
اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا)
(2/409)
قيل فعل بهم هذا مجازاة على كفرهم وليس
المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ولكن لما كانوا لا ينتفعون
بما يسمعون ولا
ينقادون الى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم ثم خبر
بعنادهم فقال (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها) لانهم لما رأوا
القمر منشقا قالوا سحر فأخبر الله عز وجل بردهم الآيات بغير
حجة وقال (حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا
أساطير الاولين) فخبر أن هذا مقدار احتجاجهم 21 وقوله جل وعز
(وهم ينهون عنه وينأون عنه) أكثر أهل التفسير يذهب الى أن
المعنى للكفار أي ينهون
(2/410)
عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويبعدون
عنه قال مجاهد يعني به قريش وكذلك قال قتادة والضحاك يعني به
الكفار وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال أخبرني من سمع ابن
عباس يقول نزلت في (أبي طالب) كان ينهى عن أذى النبي صلى الله
عليه وسلم ويتباعد عنه والقول الاول أشبه لانه متصل بأخبار
الكفار وقولهم
(2/411)
22 وقوله جل وعز (وان يهلكون الا أنفسهم)
أي وبال ذلك يرجع عليهم لان الله جل وعز يبدد جموعهم وينصره
عليهم 23 ثم قال جل وعز (وما يشعرون) أي وما يشعرون أن وبال
ذلك يرجع عليهم
24 وقوله جل وعز (ولو ترى إذ وقفوا على النار) في معناه ثلاثة
أقوال 1 منها أن معنى (وقفوا على النار) أدخلوها كما يقال وقفت
على ما عند فلان أي عرفت حقيقته 2 وقيل معناه رأوها 3 وقيل
جاوزا عليها وهي من تحتهم
(2/412)
25 ثم قال جل وعز (فقالوا يا ليتنا نرد ولا
نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) المعنى ونحن لا نكذب بآيات
ربنا رددنا أو لم نرد قال سيبوبه ومثله دعني ولا أعود أي ولا
أعود تركتني أو لم تتركني ومن قرأ (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون
من المؤمنين) فمعناه عنده يا ليتنا وقع لنا الرد وأن لا نكذب
قال أبو اسحاق وفيه معنى ان رددنا لم نكذب وقرأ ابن عامر (يا
ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) بالنصب وقرأ
عبد الله بن مسعود (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين)
(2/413)
وقرأ أبي بن كعب (ولا نكذب بآيات ربنا
أبدا) 26 وقال جل وعز (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من
قبل) المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون
عنهم من أمر البعث والقيامة لان بعده (وقالوا ان هي الا حياتنا
الدنيا وما نحن بمبعوثين) وقال بعض أهل اللغة ولو ردوا لعادوا
لما نهوا عنه فيه شئ محذوف والمعنى ولو ردوا قبل أن يعاينوا
العذاب لانهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لان
الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون
(2/414)
هذا يوم القيامة وقد خبر جل وعز عن ابليس
أنه كفر بعدما رأى وعنهم أنهم كفروا عنادا وايثارا للرئاسة 27
وقوله جل وعز (جاءتهم الساعة بغتة) البغتة الفجاءة يقال بغتهم
الامر يبغتهم بغتا وبغتة 28 ثم قال جل وعز (قالوا يا حسرتنا
على ما فرطنا فيها) الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما
لا يجيب أن العرب إذا أرادت تعظيم الشئ والتنبيه عليه نادته
ومنه قولهم يا عجباه قال سيبويه إذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر
وتعال يا
(2/415)
عجب فان هذا من أزمانك وإن فهذا أبلغ من
قولك تعجبت ومنه قول الشاعر
فيا عجبا من رحلها المتحمل 29 وقوله جل وعز (وهم يحملون
أوزارهم على ظهورهم) واحد الاوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد
به الاثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في
النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن (ارجعن موزورات غير
مأجورات) قال أبو عبيد والعامة تقول (مأزورات) كأنه لا وجه له
عنده لانه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه
(2/416)
30 وقوله جل وعز (فانهم لا يكذبونك) هكذا
روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار
أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه
وسلم انا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل
(فانهم لا يكذبونك) وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي (لا نكذبك)
فأنزل الله جل وعز (فانهم لا يكذبونك) ويقوي هذا أنه روي أن
رجلا قرا على ابن عباس (فانهم لا يكذبونك) فقال له ابن عباس
(2/417)
(فانهم لا يكذبونك) لانهم كانوا يسمون
النبي صلى الله عليه وسلم الامين ومعنى (يكذبونك) عند أهل
اللغة ينسبونك الى الكذب ويروون عليك ما قلت
ومعنى (لا يكذبونك) لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته إذا وجدته
محمودا ويجوز أن يكون معنى المخففه لا يبينون عليك أنك كاذب
لأنه يقال أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب حدثنا محمد
بن جعفر الانباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن
هشام عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال
قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب
ما جئت به فأنزل الله عز وجل
(2/418)
(فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات
الله يجحدون) والقول في هذا مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لان
عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث وقد صح عنه أنه قرأ
بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء
بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب 31 وقوله جل وعز (فان
استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء) قال قتادة
النفق الشرب في الارض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه
النافقاء أحد جحر اليربوع
(2/419)
قال أبو اسحاق والسلم مشتق من السلامة كأنه
يسلمك الى الموضع الذي تريد والمعنى ان استطعت أن تبتغي نفقا
في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا
لعلم السامع أي ليس لك من الامر شئ 32 ثم قال جل وعز (ولو شاء
الله لجمعهم على الهدى) أي لاراهم كما آية تضطرهم الى الايمان
ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون
المعنى لطبعهم على الايمان 33 ثم قال جل وعز (انما يستجيب
الذين يسمعون) قال الحسن ومجاهد يراد به المؤمنون والمعنى
الذين
(2/420)
يسمعون سماع قبول 34 ثم قال جل وعز
(والموتى يبعثهم الله) قال الحسن ومجاهد يراد به الكفار وقال
غيرهما يراد به كل ميت 35 وقوله جل جلاله (وما من دابة في
الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم) وأكثر أهل
التفسير يذهب الى أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون
كما يبعثون وكذلك قال أبو هريرة يحشر الله جل وعز يوم القيامة
الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم
(2/421)
يقول كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر (يا
ليتني كنت ترابا) وقال مجاهد في قوله جل وعز (الا أمم أمثالكم)
قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى (يطير بجناحيه)
على التوكيد لانك قد تقول طرت في حاجتي 36 وقوله جل وعز (قل
أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة) والمعنى أو أتتكم
الساعة التي تبعثون فيها 37 ثم قال جل وعز (أغير الله تدعون ان
كنتم صادقين)
(2/422)
في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لانهم كانوا
يعبدون الاصنام فإذا وقعوا في شدة دعوا الله 38 وقال جل وعز
(بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء) هذا مجاز والمعنى
فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل (واسأل القرية) في
المجاز 39 وقوله جل وعز (ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم
بالبأساء والضراء) قيل البأساء الجوع والفقر والضراء نقص
الاموال والانفس بالمرض والثمرات 40 ثم قال جل وعز (لعلهم
يتضرعون)
(2/423)
أي ليكون العباد على رجاء من التضرع 41 ثم
قال تعالى (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) أي فهلا وأعلم الله
النبي أنه قد ارسل قبله رسولا الى قوم بلغ من قسوتهم هو أن
أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا 42 وقوله جل وعز (فلما
نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ) قال مجاهد من رخاء
الدنيا ويسرها والتقدير عند أهل اللغة فتحنا عليهم أبواب كل شئ
كان
(2/424)
مغلقا عنهم 43 وقوله جل وعز (فإذا هم
مبلسون) قال أبو عبيدة المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس
المنقطع الحجة 44 وقوله جل وعز (فقطع دابر القوم الذين ظلموا)
الدابر في اللغة الآخر يقال دبرهم يدبرهم إذا جاء آخرهم وفي
الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة الا
دبريا أي في آخر الوقت
(2/425)
45 وقوله جل وعز (قل أرأيتم ان أخذ الله
سمعكم
وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به) المعنى
من اله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر
فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل والله ورسوله أحق
أن يرضوه 46 ثم قال تعالى (انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون)
قال قتادة أي يصدفون عنها 47 وقوله جل وعز (قل أرأيتكم ان
أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة) قال مجاهد البغتة أن يأتيهم
فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون
(2/426)
48 ثم قال جل وعز (هل يهلك الا القوم
الظالمون) أي هل يهلك الا أنتم لانهم كفروا وعاندوا 49 وقوله
جل ثناؤه (وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين) أي لم نرسلهم
ليأتوا بالآيات المقترحات وانما يأتون من الآيات بما تظهر معه
براهينهم وانما مذهبهم التبشير والانذار 50 وقوله جل وعز (قل
لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) هذا متصل بقوله
جل وعز (لولا نزل عليه آية من ربه) أي لا أقول لكم عندي خزائن
الله التي يرزق منها
ويعطي ولا أعلم الغيب فأخبركم بما غاب عنكم الا بوحي (ولا أقول
لكم اني ملك) لان الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد
البشر
(2/427)
51 وقوله جل وعز (قل هل يستوي الاعمى
والبصير) قال مجاهد يعني المسلم والكافر 52 وقوله جل وعز
(وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم) أي بالقرآن وخص من
يخاف الحشر لان الحجة عليهم أوكد فان كان مسلما أنذر ليترك
المعاصي وان كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق 53 ثم قال جل
وعز (ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع) لان اليهود والنصارى
قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه
(2/428)
54 وقوله جل وعز (ولا تطرد الذين يدعون
ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) قال سعد نزلت في ستة أنا
وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه
وسلم (انا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء) فأنزل الله عز وجل (ولا
تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الى قوله
(أليس الله بأعلم بالشاكرين) قال مجاهد نزلت في بلال وعبد الله
بن مسعود
وقال غيره انما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى
الله عليه وسلم لان أتباع الانبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم
فيحتجوا
(2/429)
عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه 55
وقوله جل وعز (وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من
الظالمين) المعنى ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين
وما من حسابك من شئ فتطردهم على التقديم والتأخير 56 ثم قال جل
وعز (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) أي اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء
صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة
57 ثم قال جل وعز (ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) أي
ليقول الاغنياء 58 وقوله جل وعز (فقل سلام عليكم كتب ربكم على
نفسه الرحمة)
(2/430)
السلام والسلامة بمعنى واحد ومعنى سلام
عليكم سلمكم الله في دينكم وأنفسكم والسلام أسم من أسماء الله
جل وعز معناه ذو السلامة وقرأ الحسن وعاصم وعيسى (كتب ربكم على
نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح
فأنه غفور رحيم) بفتحها جميعا فالاولى بدل من الرحمة والثانية
مؤكدة مكررة لطول الكلام
هذا مذهب سيبويه وقرأ أبو عمر والكسائي والاعمش وابن كثير وشبل
بكسرهما جميعا والمعنى الاولى قال انه وكسر الثانية لانها
مبتدأة بعد الفاء
(2/431)
وقرأ أهل المدينة بفتح الاولى لانها تبيين
للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم 59 وقوله جل وعز (وكذلك نفصل
الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) المعنى على هذه القراءة
ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فان قيل فقد كان صلى الله عليه
وسلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله
عليه وسلم خطاب لامته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فان
قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان
(2/432)
أحدهما أنه إذا استبينت سبيل المجرمين فقد
استبينت سبيل المؤمنين والجواب الآخر أن يكون مثل قوله (سرابيل
تقيكم الحر) فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون
المعنى
ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف 60 وقوله جل وعز (قل اني على
بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به) أي ما تستعجلون
من اقتراح الآيات ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من
العذاب
(2/433)
61 ثم قال جل وعز (ان الحكم الا لله يقضي
الحق) كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن
السلمي وسعيد بن المسيب واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده
(وهو خير الفاصلين) والفصل لا يكون الا في القضاء والحكم وقرأ
ابن عباس ومجاهد والاعرج (يقص الحق) قال ابن عباس كما قال جل
وعز (نحن نقص عليك أحسن القصص) واحتج بعض من قرأ هذه القراءة
بأنه في السواد بلا ياء قال ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا
الاحتجاج لا يلزم لان مثل هذه الياء تحذف
(2/434)
كثيرا وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق
فلا يلزم أيضا لان معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى يأتي الحق
ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق 62 وقوله جل وعز (وعنده
مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو) (جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح
مفاتيح أي الوصلة الى علم الغيب
(2/435)
حدثنا محمد بن الحسن يعرف بابن بدينا قال
حدثنا أبو مصعب الزهري قال حدثنا صالح بن قدامة الجحمي عن عبد
الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها الا الله لا يعلم ما تغيض الارحام
الا الله ولا يعلم ما في غد الا الله ولا يعلم متى يأتي المطر
الا الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض
تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله جل وعز 63 وقوله تعالى
(وما تسقط من ورقة الا يعلمها) المعنى أنه يعلمها سقطت أو لم
تسقط كما تقول ما يجيئك أحد الا وأنا أعرفه فليس أنك لا تعرفه
الا في حال مجيئه و (من) للتوكيد والدليل على أنها للتوكيد أن
الحسن قرأ
(2/436)
(ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين) أي
الا يعلمه علما يقينا ويجوز أن يكون المعنى الا قد كتبه قبل أن
يخلقه والله أعلم بما أراد فان قيل ما الفائدة عل هذا الجواب
في كتبه وهو
يعلمه فالجواب عن هذا أنه لتعظيم الامر أي اعلموا أن هذا الذي
ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف بما فيه ثواب وعقاب 64 وقوله
جل وعز (وهو الذي يتوفاكم بالليل) أي ينيمكم فيتوفى الانفس
التي تميزون بها كما قال الله عز وجل (الله يتوفى الانفس حين
موتها والتي لم تمت في منامها)
(2/437)
65 ثم قال جل وعز (ويعلم ما جرحتم بالنهار)
قال ابن أبي نجيح أي كسبتم ومعروف في اللغة أنه يقال جرح إذا
كسب ومنه (وما علمتم من الجوارح مكلبين) 66 ثم قال جل وعز (ثم
يبعثكم فيه) قال ابن أبي نجيح أي في النهار 67 ثم قال جل عز
(ليقضى أجل مسمى) أي لتستوفوا أجلكم 68 وقوله جل وعز (حتى إذا
جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) قال ابراهيم النخعي يعني أعوان
ملك الموت يتوفون
(2/438)
الارواح ويدفعونها الى ملك الموت أو
يرفعونها كذا في الحديث
69 ثم قال جل وعز (وهم لا يفرطون) قال أبو عبيدة لا يتوانون
وقال غيره معنى فرطت قدمت العجز 70 وقوله جل وعز (قل من ينجيكم
من ظلمات البر والبحر) الظلمات ها هنا الشدائد والعرب تقول يوم
مظلم إذا كان شديدا فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كواكب وأنشد
سيبوبه
(2/439)
بني أسد لو تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو
كواكب أشنعا 71 ثم قال جل وعز (تدعونه تضرعا وخفية) أي تظهرون
التضرع وهو أشد الفقر الى الشئ والحاجة إليه (وخفية) أي
وتبطنون وسلم مثل ذلك فأمر الله النبي صلى الله عيه وسلم أن
يوبخهم إذ كانوا يدعون الله تبارك وتعالى في الشدائد ثم يدعون
معه في غير الشدائد الاصنام وهي لا تضر ولا تنفع 72 وقوله جل
وعز (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت
أرجلكم) قال عامر بن عبد الله كان ابن عباس يقول أما العذاب
(من فوقكم) فأئمة السوء وأما العذاب (من تحت أرجلكم) فخدم
السوء
وقال الضحاك (من فوقكم) من كباركم (أو من تحت أرجلكم) من
سفلتكم
(2/440)
قال أبو العباس (من فوقكم) يعني الرجم (أو
من تحت أرجلكم) يعني الخسف 73 ثم قال جل وعز (أو يلبسكم شيعا)
الشيع الفرق والمعنى شيعا متفرقة مختلفة لا متفقة ولبست خلطت
ويبينه قوله جل وعز (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال ابن أبي نجيح عن
مجاهد يعني الفتن والاختلاف 74 وقوله عز وجل (وكذب به قومك وهو
الحق قل لست عليكم بوكيل) هذا من قبل أن يؤمر بالحرب أي لست
أحاربكم عنه حتى
(2/441)
تؤمنوا أي لست بمنزلة الموكل بكم حتى
تؤمنوا 75 ثم قال جل وعز (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) وهذا
تهديد اما بعذاب يوم القيامة واما بالامر بالحرب 76 وقوله جل
وعز (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا
في حديث غيره) روى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين
يستهزئون بكتاب الله نهاه الله أن يجلس معهم الا أن ينسى فإذا
ذكر قام قال تعالى (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم
الظالمين) وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين
يقولون في القرآن غير الحق
(2/442)
77 ثم قال جل وعز (وما على الذين يتقون من
حسابهم من شئ) قال مجاهد أي لو جلسوا ولكن لا يجلسوا أي لان
الله قد نهاهم 79 وقوله عز وجل (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا
ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) قال قتادة هذا منسوخ نسخه قوله
تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) 80 ثم قال جل وعز (وذكر
به أن تبسل نفس بما كسبت) قال مجاهد تسلم وقال الكسائي والاخفش
أي تجزى
(2/443)
وقال الفراء أي ترتهن وهذه المعاني متقاربة
وقول مجاهد حسن أي تسلم بعملها لا تقدر على التخلص لانه يقال
استبسل فلان للموت أي رأى ما لا يقدر على دفعه وينشد وابسالي
إن بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق
قال أبو جعفر بعوناه أي جنيناه 80 وقوله جل وعز (وان تعدل كل
عدل لا يؤخذ منها)
(2/444)
قال قتادة العدل الفدية وقد بيناه فيما
تقدم 81 وقوله جل وعز (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا
يضرنا) قال مجاهد يعني الاوثان 82 ثم قال جل وعز (ونرد على
أعقابنا بعد إذ هدانا الله) أي الى الكفر قال أبو عبيدة يقال
لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه وقال أبو العباس
محمد بن يزيد معناه يعقب بالشر بعد الخير وأصله من العاقبة
والعقبى وهما ما كان تاليا للشئ راجيا أن يتبعه ومنه (والعاقبة
للمتقين) ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لانها تالية للذنب وعنه
تكون
(2/445)
83 وقوله جل وعز (كالذي استهوته الشياطين
في الارض حيران) معنى استهوته زينت له هواه 84 ثم قال جل وعز
(له أصحاب بدعونه إلا الى الهدى ائتنا) 85 وقوله جل وعز (وهو
الذي خلق السموات والارض بالحق
ويوم يقول كن فيكون) والمعنى اتقوا يوم يقول كن فيكون ويجوز أن
يكون معطوفا على قوله تعالى (وهو الذي خلق السموات والارض
بالحق) فان قيل ما معنى وخلق يوم يقول كن فيكون فالجواب أن ما
أخبر الله جل وعز أنه كائن فهو بمنزلة ما قد كان ويجوز أن يكون
المعنى واذكروا وهذا أحسن الاجوبة لان بعده (وإذ قال ابراهيم)
(2/446)
وقيل المعنى ويوم يقول كن فيكون للصور وقيل
المعنى فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم والتمام على هذين
الجوابين عند قوله (فيكون) وقيل المعنى فيكون قوله أي فيكون
يأمر به ويكون التمام على هذا (فيكون قوله الحق) قال أبو عبيدة
الصور جمع صورة وهذا القول مما رد عليه لان عبد الله بن مسعود
قال الصور قرن وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لم يزل صاحب الصور ملتقمه فيه منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر
بالنفخ فيه
(2/447)
وقال عمرو بن عبيد قرأ عياض (يوم ينفخ في
الصور) وهذا يعني به الخلق والله أعلم 86 وقوله جل وعز (واذ
قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ أصناما
آلهة) فقرأ الحسن (آزر) بالرفع وفي حرف أبي يا آزر قال الحسن
هو اسم أبيه وذهب الحسن الى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى
آزر يا أعوج وقيل كان لابيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل
آزر اسم صنم والمعنى على هذا القول أتتخذ آزر أي أتتخذ أصناما
(2/448)
87 وقوله جل وعز (وكذلك نري ابراهيم ملكوت
السموات والارض) ملكوت في اللغة بمعنى ملك الا أن فيه معنى
المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات
وروى ابن جريج عن القاسم عن ابراهيم النخعي قال فرجت له
السموات السبع فنظر اليهن حتى انتهى الى العرش وفرجت له
الأرضون فنظر اليهن 88 وقوله جل وعز (فلما جن عليه الليل) جن
عليه وأجنة إذا ستره بظلمته 89 ثم قال جل وعز (رأى كوكبا)
(2/449)
قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة
قال السدي هو المشتري 90 ثم قال جل وعز (هذا ربي) في هذا أجوبة
قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لان الاستفهام
لا يكون الا بحرف أو يكون في الكلام (أم) وقال بعض أهل النظر
انما قال لهم هذا من قبل أن يوحى إليه واستشهد صاحب هذا القول
بقوله تعالى (لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين) قال
أبو اسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله
(2/450)
وقد أخبر الله جل وعز عن ابراهيم أنه قال
(واجنبني وبني أن نعبد الاصنام) وقال جل وعز (بقلب سليم) أي لم
يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لانهم
كانوا يعبدون الاصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز
(أين شركائي) وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على
قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا
يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز (والملائكة يدخلون
عليهم من كل باب سلام عليكم) فحذف القول
(2/451)
91 وقوله جل وعز (فلما أفل) قال قتادة أي
ذهب قال الكسائي يقال أفل النجم أفولا إذا غاب 92 وقوله جل وعز
(فلما رأى القمر بازغا) يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع 93
وقوله جل وعز (اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا)
فطر خلق والحنيف المائل الى الاسلام كل الميل 94 وقوله جل وعز
(وحاجه قومه) المعنى وحاجه قومه أي في توحيد الله 95 وقوله جل
وعز (ولا أخاف ما تشركون به الا أن يشاء ربي شيئا)
(2/452)
المعنى الا أن يشاء ربي أن يلحقني شيئا
بذنب عملته وهذا استثناء ليس من الاول 96 وقوله جل وعز (فأي
الفريقين أحق بالامن) المعنى المؤمن أحق بالامن أم المشرك 97
ثم قال جل وعز (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) يجوز أن
يكون هذا اخبار عن ابراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قاله ويجوز
أن يكون مستأنفا من قول الله جل وعز
وفي بعض الروايات عن مجاهد ما يدل أنه اخبار عن ابراهيم وروي
عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز (وتلك
(2/453)
حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه) قال هو
قوله (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم
يلبسوا إيمانهم بظلم) قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وسلمان
وحذيفة في قوله تعالى (ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) أي بشرك وروى
علقمة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت (الذين آمنوا ولم يلبسوا
ايمانهم بظلم) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقالوا أينا لا يظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس كما تظنون انما هو كما قال لقمان (ان الشرك لظلم عظيم) 98
وقوله جل وعز (ومن ذريته داود وسليمان)
(2/454)
ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان
ويكون معطوفا على (كل) ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود
وسليمان 100 وقوله جل وعز (واجتبيناهم) قال مجاهد أخلصناهم وهو
عند أهل اللغة بمعنى اخترناهم 101 وقوله تعالى (فان يكفر بها
هؤلاء)
قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام
102 (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) قال مجاهد يعني
أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز وجل
(2/455)
وهذا القول أشبه بالمعنى لانه قال بعد
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وحدثني محمد بن ادريس
قال حدثنا ابراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في
قول الله جل وعز (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) قال
هم الملائكة 103 وقوله جل وعز (وما قدروا الله حق قدره) قال
أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لان معنى
قدرت الشئ وقدرنه صلى عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا (إذ
قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ) أي لم يعرفوه حق معرفته إذ
أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا
الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر
(2/456)
والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في
بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة
ويتنعم في السر فقيل له ان في الكتاب أن الله لا يحب الحبر
السمين فقال (ما أنزل الله على بشر من شئ) 104 وقوله جل وعز
(ولتنذر أم القرى ومن حولها) المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال
قتادة كنا نتحدث أنها مكة لان الارض منها دحيت
(2/457)
وقيل انما سميت أم القرى لانها تقصد من كل
قرية 105 وقوله جل وعز (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو
قال أوحي الي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله)
قال قتادة بلغنا أن هذا أنزل في مسيلمة قال أبو اسحاق وهذا
جواب لقولهم (لو نشاء لقلنا مثل هذا) وروي عن ابن عباس الذي
افترى على الله كذبا مسيلمة والذي قال (سأنزل مثل ما أنزل
الله) (عبد الله بن سعد بن أبي سرح)
(2/458)
وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة
أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لانه عارض القرآن فقال
(والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا
فاللاقمات لقما) 106 ثم قال جل وعز (ولو ترى إذ الظالمون في
غمرات الموت) أي شدائده (والملائكة باسطوا أيديهم) أي باسطوا
أيديهم بالعذاب 107 وقوله جل وعز (لقد تقطع بينكم) قال مجاهد
أي تواصلكم ومن قرأ (بينكم) فالمعنى لقد تقطع الامر بينكم
(2/459)
108 وقوله جل وعز (ان الله فالق الحب
والنوى) قال مجاهد يعني الشق فيها وقال الضحاك فالق خالق 109
وقوله جل وعز (فالق الاصباح) ويقرأ (الاصباح) وقرأ به الحسن
وعيسى وهو جمع صبح والاصباح كما تقول الامساء وقرأ النخعي (فلق
الاصباح) 110 ثم قال جل وعز (وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر
حسبانا)
(2/460)
والحسبان والحساب واحد أي ذوي حساب يعني
دورانهما وقال ابن عباس في قوله جل وعز (الشمس والقمر بحسبان)
أي بحساب
111 وقوله جل وعز (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر
ومستودع) قال عطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وألفاظهم متقاربة
فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقرأ جماعة بالفتح وروي عن
عبد الله بن مسعود أنه قال المستقر الرحم والمستودع الارض التي
تموت بها
(2/461)
والفتح على معنى ولكم في الارحام مستقر وفي
الاصلاب مستودع والكسر بمعنى فمنكم مستقر وقال سعيد بن جبير
قال ابن عباس هل تزوجت فقلت لا فقال ان الله جل وعز يستخرج من
ظهرك ما استودعه فيه وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما
(فمستقر) بالكسر (ومستودع) وقال ابراهيم النخعي المعنى فمستقر
في الرحم ومستودع في الصلب وقال الحسن فمستقر في القبر ومستودع
في الدنيا يوشك أن يلحق بصاحبه حدثني محمد بن ادريس قال حدثنا
ابراهيم بن مرزوق
(2/462)
قال حدثنا أبو داود عن هشيم عن أبي بشر عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز (فمستقر ومستودع) قال
المستقر ما كان في الرحم والمستودع الصلب 112 ثم قال جل وعز
(قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) قال قتادة فصلنا بمعنى بينا 113
وقوله عز وجل (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل
شئ فأخرجنا منه خضرا) (خضرا) بمعنى أخضر 114 وقوله عز وجل (ومن
النخل من طلعها قنوان دانية) قال قتادة القنوان العذوق وكذلك
هو عند أكثر أهل اللغة
(2/463)
يقال عذق وقنو بمعنى واحد فأما العذق
فالنخلة وقيل القنوان الجمار وقال البراء بن عازب دانية قريبة
والمعنى ومنها قنوان بعيدة كما قال تعالى (سرابيل تقيكم الحر)
115 وقوله جل وعز (والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه) أي
مشتبها في المنظر وغير متشابه في الطعم 116 ثم قال جل وعز
(انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه) أي ونضجه
يقال ينع وينع وأينع وينع إذا نضج وأدرك
(2/464)
وقال الحجاج في خطبته (أرى رؤوسا قد أينعت
وحان قطافها) 117 وقوله جل وعز (وجعلوا لله شركاء الجن) قيل
معناه انهم أطاعوهم كطاعة الله وقيل معناه نسبوا إليهم
الافاعيل التي لا تكون الا لله جل وعز أي فكيف يكون الشريك لله
المحدث الذي لم يكن ثم كان 118 وقوله جل وعز (وخلقهم) يحوز أن
يكون المعنى وخلق الشركاء ويجوز أن يكون المعنى وخلق الذين
جعلوا وقرأ يحيى بن يعمر (وخلقهم) باسكان اللام قال ومعناه
وجعلوا خلقهم لله شركاء
(2/465)
وسئل الحسن عن معنى (وخرقوا له بنين وبنات)
بالتشديد فقال انما هو (وخرقوا) بالتخفيف كلمة عربية كان الرجل
إذا كذب في النادي قيل خرقها ورب الكعبة وقال أهل اللغة معنى
خرقوا اختلفوا وافتعلوا خرقوا على التكثير 119 وقوله جل وعز
(أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة) أي من أين يكون له ولد
والولد لا يكون له الا من صاحبة (وخلق كل شئ) أي فليس شئ مثله
فكيف يكون له
ولد 120 وقوله جل وعز (لا تدركه الابصار) قيل معناه في الدنيا
(2/466)
وقال الزجاج أي لا يبلغ كنه حقيقته كما
تقول أدركت كذا وكذا لانه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
الاحاديث في الرؤية يوم القيامة 121 وقوله جل وعز (قد جاءكم
بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه) المعنى فلنفسه نفع ذلك (ومن
عمي فعليها) أي فعليها ضرر ذلك 122 وقوله جل وعز (وكذلك نصرف
الآيات وليقولوا درست) هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وابن
الزبير ومعناها تلوت وقرأت
(2/467)
وقرأ علي بن أبي طالب (دارست) وهو الصحيح
من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأبي عمرو وأهل
مكة قال ابن عباس معنى دارست تاليت قال سعيد بن جبير أي دارست
أهل الكتاب وقرأ قتادة (درست) أي قرئت وقرأ الحسن (درست) أي
امحت وقدمت
وروى سفيان بن عيينه عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قرأ (دارست)
وكان أبو حاتم يذهب الى أن هذه القراءة لا تجوز قال لان الآيات
لا تدارس
(2/468)
وقال غيره القراءة بهذا تجوز وليس المعنى
على ما ذهب إليه أبو حاتم ولكن معناه دارست أمتك أي دارستك
أمتك فان كان لم يتقدم لها ذكر فانه يكون مثل قوله تعالى (حتى
توارت بالحجاب) وحكى الاخفش (وليقولوا درست) وهو بمعنى درست
الا أنه أبلغ وحكى أبو العباس أنه يقرأ (وليقولوا درست) باسكان
اللام على الامر وفيه معنى التهديد أي فليقولوا ما شاءوا فان
الحق بين كما قال جل وعز (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) فأما
من كسر اللام فانها عنده لام كي قال أبو اسحاق وأهل اللغة
يسمونها لام الصيرورة أي
(2/469)
صار الى هذا كما قال جل وعز (ربنا ليضلوا
عن سبيلك) وكما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه أي فصار أمره
الى ذلك وهذه القراءات كلها يرجع اشتقاقها الى شئ واحد الى
التليين والتذليل
ودرست قرأت وذللت ودرست الدار ذلت وأمحقت وقال ودرس الحنطة أي
داسها 123 وقوله جل وعز (ولو شاء الله ما أشركوا) قيل معنا لو
شاء الله لاستأصلهم والله أعلم بما أراد
(2/470)
124 ثم قال جل وعز (وما جعلناك عليهم حفيظا
وما أنت عليهم بوكيل) وهذا قبل أن يؤمر بالقتال 125 وقوجل وعز
(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير
علم) قال قتادة كان المسلمون يسبون الاصنام فيسب المشركون الله
عدوا بغير علم وروي أن في قراءة أهل مكة (عدوا بغير علم)
والقراءة حسنة ومعنى (عدوا) بمعنى أعداء كما قال تعالى (ان
الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) وتقرأ (عدوا) يقال إذا تجاوز
في الظلم عدا يعدو
(2/471)
عدوا وعدوا وعدوانا وعداء 126 ثم قال جل
وعز (كذلك زينا لكل أمة عملهم) قيل معناه مجازاة على كفرهم
وقيل أعمالهم يعني الاعمال التي يجب أن يعملوا بها وهي الايمان
والطاعة والله أعلم بحقيقة ذلك
127 وقوله جل وعز (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) أي اجتهدوا في
الحلف (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) يعنون آية مما يقترحون 128
وقوله جل وعز (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)
(2/472)
قال مجاهد معناه وما يدريكم قال ثم ابتدأ
فقال (انها إذا جاءت لا يؤمنون) وقرأ أهل المدينة (أنها إذا
جاءت) قال الكسائي (لا) ها هنا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها
إذا جاءت يؤمنون وشبهه بقوله جل وعز (قال ما منعك الا تسجد إذ
أمرتك) وهذا عند البصريين غلط لان (لا) لا تكون زائدة في موضع
تكون فيه نافيه قال الخليل المعنى لعلها وشبهه بقول العرب ايت
السوق أنك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك
(2/473)
وروي أنها في قراءة أبي (وما يشعركم لعلها
إذا جاءت لا يؤمنون) وأنشد أهل اللغة في (أن) بمعنى (لعل)
أريني جوادا مات هزلا لانني
أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا وقيل في الكلام حذف والمعنى وما
يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا لعلم
السامع ويروى أن المشركين قالوا ادع الله أن ينزل علينا الآية
التي قال فيها (ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم
لها خاضعين) ونحن والله نؤمن فقال المسلمون يا رسول الله
(2/474)
ادع الله أن ينزلها فأنزل الله عز وجل (وما
يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) 129 ثم قال جل وعز (ونقلب
أفئدتهم وأبصارهم) و (أفئدة) جمع فؤاد 130 وقوله جل وعز (ولو
أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ
قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله) ويروى أنهم سألوا هذه
الاشياء فنزل هذا قال مجاهد (قبلا) أفواجا أي قبيلا قبيلا يذهب
الى أنه جمع قبيل وهو الفرقة وقيل هو جمع قبيل و (وقبيل) بمعنى
كفيل أي لو
(2/475)
كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا لم
يؤمنوا كما قال تعالى (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) ويجوز
أن يكون معنى (قبلا) كمعنى مقابلة كما قال
تعالى (ان كان قميصه قد من قبل) ومن قرأ (قبلا) فمعناه عنده
معاينة 131 وقوله جل وعز (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) أي كما
جعلنا لك ولامتك أعداء وعدو بمعنى أعداء 132 ثم قال جل وعز
(شياطين الانس والجن) وقرأ الاعمش (شياطين الجن والانس)
والمعنى واحد
(2/476)
133 ثم قال تعالى (يوحي بعضهم الى بعض زخرف
القول غرورا) قال مجاهد أي يزينون لهم ذاك أي يزينون لهم العمل
القبيح وكذلك الزخرف في اللغة هو التزيين ومنه قيل للذهب زخرف
134 ثم قال جل وعز (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) أي
لو شاء لمنعهم من وسوستهم الانس ولكنه يبتلي بما شاء ليجزل
الثواب 135 وقوله جل وعز (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون
بالآخرة) يقال صغى يصغى وصغا أنه يصغو وأصغى يصغي إذا مال كما
قال الشاعر
(2/477)
تصغي إذا شدها بالرحل جانحة
حتى إذا ما استوى في غرزها تثب 136 ثم قال جل وعز (وليرضوه
وليقترفوا ما هم مقترفون) أي وليكتسبوا ويقال قرفت الجلد إذا
قلعته ويقرأ (وليقترفوا) وفيه معنى التهديد قال قتادة صدقا
فيما وعد وعدلا فيما حكم 137 وقوله جل وعز (ان يتبعون الا
الظن) أعلم جل وعز أنهم ليسوا على بصائر ولا يقين وأنهم لا
يتبعون الحق ويقرأ (ان ربك هو أعلم من يضل عن سبيله)
(2/478)
وهذا على حذف المفعول وفتح الياء أحسن لان
بعده (وهو أعلم بالمهتدين) 138 وقوله جل وعز (فكلوا مما ذكر
اسم الله عليه) أي مما أخلص لله وتحريم الميتة داخل في هذا 139
ثم قال جل وعز (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه)
وروى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين لم تأكلون
ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله لكم فأنزل الله جل وعز (وان
الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم)
(2/479)
140 وقوله جل وعز (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم الا ما اضطررتم إليه)
قال قتادة فصل بين وقرأ عطية العوفي (وقد فصل لكم) خفيفة
ومعناه أبان وظهر كما قرئ (آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) أي
استبانت 141 وقوله جل وعز (وذروا ظاهر الاثم وباطنه) قال قتادة
أي علانيته وسره وقال غيره ظاهر الاثم الزنا وباطنه اتخاذ
الاخدان والاشبه باللغة قول قتادة 142 ثم قال جل وعز (ان الذين
يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون)
(2/480)
أي يكسبون ويعملون ويقال قرفت الجلد أي
قلعته قال أبو جعفر اختلف أهل العلم في معنى (ولا تأكلوا مما
لم يذكر اسم الله عليه) فكان مذهب ابن عباس أن هذا جواب
للمشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وتخاصموا فقالوا
كيف لا نأكل مما قتل ربك ونأكل مما قتلنا فأنزل الله عز وجل
(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ورواه عنه سعيد بن
جبير وعكرمة فالمعنى على هذا ولا تأكلوا من الميتة وقال الشعبي
ومحمد بن سيرين لا يؤكل من الذبائح التي لم يسم الله جل وعز
عليها كان ذلك عمدا أو نسيانا
وقال سعيد بن جبير وعطاء إذا ترك التسمية عمدا لم يؤكل وإذا
نسي أكل وهذا حسن لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا
(2/481)
143 ومعنى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليه) مما لم يخلص لله (وانه لفسق) أي خروج من الطاعة
ويقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها 144 ثم قال جل وعز (وان
الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم) أي يوسوسون إليهم وقد
ذكرت معنى ليجادلوكم 145 ثم قال جل وعز (وان أطعتموهم انكم
لمشركون) وقال أهل النظر في هذا دليل على أنه من أحل ما حرم
الله أو حرم ما أحل الله فقد أشرك
(2/482)
وقيل له مشرك لانه اتبع غير الله فأشرك به
غيره جل وعز 146 وقوله جل وعز (أو من كان ميتا فأحييناه) قال
مجاهد المعنى أو من كان ضالا فهديناه (وجعلنا له نورا يمشي به
في الناس) أي هدى (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها)
قال مجاهد أي في الضلالة قال السدي هذا نزل في (عمر بن الخطاب
رحمة الله عليه) وأبي جهل والذي يوجب المعنى أن يكون عاما الا
أن تصح فيه رواية
(2/483)
147 وقوله جل وعز (وكذلك جعلنا في كل قرية
أكابر مجرميها) قال مجاهد أي عظماءهم وقال غيره وخص العظماء
والرؤساء لانهم أقدر على الفساد 148 ثم قال تعالى (وما يمكرون
الا بأنفسهم) أي ان وبال ذلك يرجع عليهم 149 وقوله جل وعز
(سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله) وان كانوا أعزاء في الدنيا
فستلحقهم وهو الذلة يوم القيامة وفي الآية ثلاثة أقوال أحدهما
أن المعنى سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار على التقديم
والتأخير والقول الثاني أن المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار
ثابت عند الله
(2/484)
وهذا أحسن الاقوال لان (عند) في موضعها
والقول الثالث ذكره الفراء أنه يجوز أن يكون المعنى
سيصيب الذين أجرموا صغار من عند الله وهذا خطأ عند البصريين
لان (من) لا تحذف في مثل هذا 150 وقوله جل وعز (فمن يرد الله
أن يهديه يشرح صدره للاسلام) روي أن عبد الله بن مسعود قال يا
رسول الله هل ينشرح الصدر فقال نعم يدخل القلب نور فقال وهل
لذلك من علامة فقال صلى الله عليه وسلم (التجافي عن دار الغرور
والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت
(2/485)
151 ثم قال جل وعز (ومن يرد أن يضله يجعل
صدره ضيقا حرجا) أي شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس (ضيقا حرجا)
وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما
الحرجة فقال شجرة لا تصل إليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب
الكافر لا يصل إليه شئ من الايمان والخير 152 ثم قال جل وعز
(كأنما يصعد في السماء) وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل (كأنما
يصعد في السماء) وقرأ ابن عبد الرحمن المقرئ وابراهيم النخعي
(كأنما يصاعد)
(2/486)
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ
(كأنما يتصعد) ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد
واحد والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد
الى السماء وهو لا يقدر على ذلك كأنه يستدعي ذلك ومن قرأ
(يصعد) فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه وقال
أبو عبيد من هذا قول عمر (مات صعدتني صلى الله عليه وسلم خطبة
ما تصعدتني خطبة النكاح) وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل انما
هذا من الصعود
(2/487)
وهي العقبة الشاقة قال الله جل وعز (سأرهقه
صعودا) 153 ثم قال جل وعز (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا
يؤمنون) قال مجاهد الرجس ما لا خير فيه وكذلك الرجس عند أهل
اللغة هو النتن فمعنى الآية والله أعلم ويجعل اللعنة في الدنيا
والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون 154 وقوله جل وعز (قد
فصلنا الآيات لقوم يذكرون) أي بينا 155 ثم قال جل وعز (لهم دار
السلام عند ربهم)
ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات
ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام
(2/488)
156 وقوله جل وعز (ويوم يحشرهم جميعا يا
معشر الجن قد استكثرتم من الانس) المعنى فيما يقال لهم يا معشر
الجن قد استكثرتم من الانس أي كثر من أغويتم 157 ثم قال جل وعز
(وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض) ففي هذا
قولان أحدهما ان الجن أغوت إذا الانس وقبلت الانس منهم والقول
الآخر أن الرجل كان إذا سافر في الجاهلية
(2/489)
فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما
أحذر فهذا استمتاع الانس بالجن واستمتاع الجن بالانس أنهم
يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون والقول الاول
أحسن ويدل عليه (يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس) 158 وقوله
جل وعز (قال النار مثواكم) المثوى المقام
159 ثم قال جل وعز (خالدين فيها الا ما شاء الله) في هذا قولان
أحدهما أنه استثناء ليس من الاول والمعنى على هذا الا ما شاء
الله من الزيادة في عذابهم
(2/490)
وسيبويه يمثل هذا بمعنى (لكن) والفراء
يمثله بمعنى (سوى) كما تقول لاسكننك فقال هذه الدار حولا الا
ما شئت أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله (خالدين فيه ما دامت
السموات والارض الا ما شاء ربك) أي سوى ما شاء ربك من الزيادة
قال أبو جعفر وقال أبو اسحاق معنى الاستثناء عندي ها هنا والله
أعلم انما هو من يوم القيامة أي الا ما شاء ربك من مقدار
محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب (ويوم يحشرهم جميعا) لان
هذا يراد به يوم القيامة ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز
وجل أن يعذبهم من أصناف العذاب
(2/491)
160 وقوله جل وعز (يا معشر الجن والانس ألم
يأتكم رسل منكم) والرسل من الانس ففي هذ جوابان أحدهما أنه روي
عن ابن عباس أنه قال رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم
يعني ابن عباس الذين قالوا (انا سمعنا قرآنا عجبا) وهم بمنزلة
الرسل الى قومهم لانهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في
الانس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الانس والجن
ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وان كانت الرسل من
الانس خاصة 161 وقوله جل وعز (كما أنشاكم أي من ذرية قوم
آخرين) الانشاء ابتداء الخلق
(2/492)
162 وقوله جل عز (قل يا قوم اعملوا على
مكانتكم) فيه قولان أحدهما أن المعنى على تمكنكم والقول الآخر
أنه كما تقول أثبت مكانك أي اثبت على ما أنت عليه فان قيل كيف
يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن
هذا تهدد كما قال جل وعز (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) ودل
عليه قوله (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) والمعنى على
هذا اثبتوا على ما انتم عليه ان رضيتم بالنار 163 وقوله جل وعز
(وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام
نصيبا)
(2/493)
في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لاصنامهم
نصيبا ودل عليه (فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) قال
مجاهد كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فإذا ذهب ما
لشركائهم عوضوا منه مما لله وإذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه
شيئا قال الانعام البحيرة والسائبة وقال قتادة كانوا يجعلون
لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فإذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما
لله فجعلوه لشركائهم وإذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه
وقالوا الله مستغن عن هذا وإذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز
فنحروه وأكلوه
(2/494)
164 وقال الله عز وجل (ساء ما يحكمون) فذم
الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق 165 وقوله جل وعز
(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) يعني
الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم
العيلة قال غير مجاهد (شركاؤهم) ههنا الذين يخدمون
الاصنام 166 وقوله عز وجل (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) قال
قتادة الحجر الحرام
(2/495)
وقيل هذه أشياء كانوا يجعلونها لاصنامهم لا
يأكل منها الا من يشاؤهم خدم الاصنام والحرث هو الذي يجعلونه
لنفقة أوثانهم ويحرمونها على الناس الا خدمها 167 ثم قال جل
وعز (وأنعام حرمت ظهورها) قال قتادة يعني السائبة والوصيلة 168
وقوله جل وعز (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) أي يذبحونها
لآلهتهم ولا يذكرون عليها اسم الله فأعلم الله جل وعز أنه لم
يأمرهم بهذا ولا جاءهم به نبي فقال تعالى (افتراء عليه سيجزيهم
بما كانوا يفترون) وقيل معنى (وأنعام حرمت ظهورها) هو الحامي
الذي ذكره الله جل وعز في قوله (ولا وصيلة ولا حام)
(2/496)
وقيل معنى (وأنعام لا يذكرون اسم الله
عليها) السائبة لانها لا تركب فيذكر اسم الله عليها وقيل
يذبحونها لاصنامهم فلا يذكرون اسم الله عليها والمحرمة ظهورها
(السائبة والحامي والبحيرة) وأصحها
ما بدأنا به 170 وقوله جل وعز (وقالوا ما في بطون هذه الانعام
خالصة لذكورنا) قال مجاهد يعني البحيرة والسائبة قال غيره
كانوا إذا جعلوا لاصنامهم شيئا مما في بطون الانعام فولدت
مولودا حيا ذكرا كان للذكران دون الاناث وإذا ولدت ميتا ذكرا
اشترك فين الذكران والاناث فذلك قوله تعالى (وان يكن ميتة فهم
فيه شركاء)
(2/497)
وقال قطرب إذا أتأمت عشرا فما ولدت بعد ذلك
فهو للذكور الا أن يموت فيشترك فيه أكله الذكر والانثى وقرأ
الاعمش (وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالص لذكورنا) قال
الكسائي معنى خالص وخالصة واحد الا أن (الهاء) للمبالغة كما
يقال رجل داهية وعلامة وقال الفراء الخاء لتأنيث الانعام لان
ما في بطون الانعام مثلها وقرئ (خالصه لذكورنا) والمعنى على
هذه القراءة ما خلص منه حيا لذكورنا (ومحرم على أزواجنا) أي
الاناث قال مجاهد معنى (سيجزيهم وصفهم) أي سيجزيهم كذبهم
(2/498)
والتقدير عند النحويين سيجزيهم جزاء وصفهم
الذي هو كذب 170 وقوله جل وعز (قد خسر الذين قتلوا أولادهم
سفها بغير علم) يعني قتلهم البنات جهلا 171 ثم قال جل وعز
(وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا
مهتدين) قال أبو رزين ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك 172 وقوله جل
وعز (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) أنشأ خلق
وابتدع والجنات البساتين
(2/499)
وقيل المعروشات الكروم (والنخل والزرع
مختلفا أكله) أي ثمره لانه مما يؤكل (والزيتون والرمان متشابها
وغير متشابه) قيل مشتبه في المنظر ومختلف في المطعم فيه حلو
وحامض وقيل يشبه بعضه بعضا في الطعم ومنه مالا يشبه بعضه بعضا
في الطعم 173 ثم قال جل وعز (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه
يوم
حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) في هذه الآية ثلاثة
أقوال
(2/500)
فمذهب ابن عمر وأبي الدرداء وسعيد بن جبير
وأبي العالية ومجاهد وعطاء أن عليه أن يصدق منه سوى الزكاة
المفروضة والقول الثاني أن الآية منسوخة قال ابراهيم النخعي
نسخها العشر ونصف العشر وروى عن الحسن قولان روى سفيان عن يونس
عن الحسن قال نسختها الزكاة المفروضة والقول الآخر وهو القول
الثالث في الآية رواه شعبة عن أبي الرجاء قال سألت الحسن عن
قوله جل وعز (وآتوا حقه يوم حصاده) فقال الزكاة المفروضة
(2/501)
وكذلك قال ابن عباس وأنس بن مالك وابن
الحنفية وجابر بن زيد وسعيد ابن المسيب وطاووس وقتادة والضحاك
وراه ابن وهب عن مالك قال هي الصدقة المفروضة والقول الاول
أولاها لانه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضة لان الانعام مكية
والزكاة انما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم الى
المدينة ويقوي القول الاول حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه
نهى عن
جذاذ الليل قال سفيان كي يحضر المساكين قال سعيد بن المسيب
ومعنى (ولا تسرفوا) ولا تمتنعوا
(2/502)
من الصدقة فتهلكوا وقال غيره معنى (ولا
تسرفوا) لا تدفعوا كل ما لكم الى الغرباء وتتركوا عيالكم كما
روي (ابدأ بمن تعول) السرف في اللغة المجاوزة الى ما لا يحل
وهو اسم ذم أي لا تنفقوا في الوجوه المحرمة حتى لا يجد السائل
شيئا وقيل معنى (ولا تسرفوا) لا تنفقوا أموالكم فيما لا يحل
لانه قد أخبر عنهم أنهم قالوا (وهذا لشركائنا) 174 وقوله جل
وعز (ومن الانعام حمولة وفرشا) وروى أبو الاحوص عن عبد الله بن
مسعود أنه قال (الحمولة) ما أطاق الحمل من الابل والفرش ما لم
يطق الحمل وكان صغيرا
(2/503)
قال أبو جعفر وهذا المعروف عند أكثر أهل
اللغة وقال الضحاك الحمولة من الابل والبقر والفرش الغنم
واستشهد لصاحب هذا القول بقوله (ثمانية أزواج) قال فثمانية بدل
من قوله (حمولة وفرشا) قال الحسن الحمولة الابل والفرش الغنم
175 ثم قال جل وعز (كلوا مما رزقكم الله) وهو أمر على الاباحة
176 ثم قال جل وعز (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) يعني طرقه أي
طريقه الذي يحسنه لكم
(2/504)
وقيل تخطيه الحلال الى الحرام وقيل يعني
آثاره 177 وقوله جل وعز (ثمانية أزواج) كل فرد يحتاج الى آخر
عند العرب زوج 178 ثم قال تعالى (من الضأن اثنين) وهو جمع ضائن
كما يقال راكب وركب 179 ثم قال جل وعز (ومن المعز اثنين) وهذا
احتجاج عليهم أي ان كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وان كان حرم
الاناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لانهم أحلوا ما ولد حيا
ذكرا للذكور وحرموه على الاناث ان كان انثى قال قتادة أمره
الله جل وعز أن يقول لهم (آلذكرين حرم أم الانثيين أم ما
اشتملت عليه أرحام الانثيين) ان كان ما اشتملت عليه أرحام
الانثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها إذا
حرام وان كان التحريم من جهة الذكور من
(2/505)
الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وان كان
من جهة الاناث
فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال
والنساء 180 ثم قال جل وعز (نبئوني بعلم ان كنتم صادقين) أي
ليس عندكم علم لانهم لا يؤمنون بكتاب 181 ثم قال جل وعز (أم
كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) أي لستم تؤمنون بكتاب فهل
شهدتم الله عز وجل حرم هذا 182 ثم بين ظلمهم فقال (فمن أظلم
ممن افترى على الله كذبا)
(2/506)
ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا الا بوحي
فقال (قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه) روي عن
عائشة رحمة الله عليها (على طاعم طعمه) وعن أبي جعفر محمد بن
علي (طاعم يطعمه) 184 ثم قال جل وعز (الا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا) قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة
فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال 184 ثم قال جل وعز (فانه
رجس أو فسقا أهل لغير الله به) أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير
اسم الله وسماه فسقا لانه خارج عن الدين
(2/507)
والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو
فسقا أهل لغير الله به فانه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة
داخلة في هذه الآية عند قوم لانها أصناف الميتة فأما ما لم
يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان أحدهما أنه روي عن عائشة
وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه
ليس في الحيوان محرم الا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه
الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى
هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن لحوم
الحمر الاهلية وعن
(2/508)
كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير
فقيل هذا قول قوي في اللغة لان (ما) مبهمة فقوله جل وعز (قل لا
أجد فيما أوحي الي محرما) يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره
والله أعلم بما أراد 185 ثم قال جل وعز (فمن اضطر غير باغ ولا
عاد) أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي
الذي يجاوز ما يقيم رمقه
(2/509)
186 وقوله جل وعز (وعلى الذين هادوا حرمنا
كل ذي ظفر)
قال مجاهد وقتادة والضحاك (كل ذي ظفر) الابل والنعام قال قتادة
وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو
عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد
بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير 187 ثم
قال جل وعز (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت
ظهورهما) قال قتادة هي شحوم الثروب خاصة ومذهب ابن جريج أنه كل
شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم
(2/510)
وهذا أولى لعموم الآية وللحديث المسند
(قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا
أثمانها) (الا ما حملت ظهورهما) أي الا شحوم الجنب وما علق
بالظهر فانها لم تحرم عليهم (أو الحوايا) قال مجاهد وقتادة
الحوايا المباعر قال أبو عبيدة هي عندي ما تحوى من البطن أي
استدار قال الكسائي واحدها حاوية وحوية
(2/511)
وحكى سيبويه حاوياء قيل المعنى حرمنا عليهم
شحومها ثم استثنى فقال (الا ما حملت ظهورهما) ثم عطف على
الاستثناء فقال (أو الحوايا أو ما اختلط بعظم) أي الا هذه
الاشياء فانها حلال وقيل المعنى حرمنا عليهم شحومهما أو
الحوايا أو ما اختلط بعظم الا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد
(الا) استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله
تعالى (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) و (أو) ها هنا بخلاف معنى
الواو أي لا تطع هذا الضرب وقال الكسائي (الا ما حملت ظهورهما)
(ما) في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى
وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور 188 ثم قال جل وعز
(أو ما اختلط بعظم)
(2/512)
قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي
الفراء وهذا أصح هذه الاقوال والله أعلم 189 ثم قال جل وعز
(ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون) قال قتادة حرمت عليهم هذه
الاشياء عقوبة لهم على بغيهم 190 وقوله جل وعز (فان كذبوك فقل
ربكم ذو رحمة واسعة) قال مجاهد يعني اليهود
191 وقوله جل وعز (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا
ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ) قال مجاهد يعني كفار قريش أي لو
شاء الله ما حرمنا البحيرة ولا السائبة
(2/513)
وقال غيره فأنكر الله جل وعز عليهم هذا
القول وقال (كذلك كذب الذين من قبلهم) لانه ليس لهم أن يحتجوا
بأنه من كان على معصية قد شاء الله أن تكون فهو له عذر لانه لو
كان هكذا لكان لمن خالفهم في دينهم عذر لأن الله لو شاء أن
يهديه هداه 192 ثم قال جل وعز (قل فلله الحجة البالغة) أي
بارساله الرسل واظهاره البينات 193 وقوله جل وعز (قل هلم
شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) والاصل عند الخليل (ها)
ضمت إليها (لم) ثم حذفت الالف لكثرة الاستعمال وقال غيره الاصل
(هل) زيدت عليها (لم)
(2/514)
وقيل هي على لفظها تدل على معنى (هات) وأهل
الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجماعة هلم وأهل نجد يأتون
بالعلامة كما تكون في سائر الافعال 194 وقوله حل وعز (وهم
بربهم يعدلون)
أي يجعلون له عدلا فيعبدون غيره جل وعز 195 وقوله عز وجل (قل
تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا) قيل الذي
تلاه عليهم (قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه)
الى آخر الآية ويكون معنى (أن تقولوا انما أنزل الكتاب على
طائفتين من قبلنا) (كذا هذا) أن تقولوا
(2/515)
وبعض النحويين يقول المعنى لئلا تقولوا ولا
يجوز عند البصريين حذف (لا) وقيل المعنى وصاكم أن لا تشركوا
وقيل المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أنه بين ما حرم
فقال ألا تشركوا به شيئا 197 ثم قال جل وعز (وبالوالدين
احسانا) أي وأحسنوا بالوالدين احسانا قال ابن عباس الآيات
المحكمات (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) الى آخر ثلاث آيات
197 وقوله جل وعز (ولا تقتلوا أولادكم من املاق)
(2/516)
قال قتادة الاملاق الفاقة وقال الضحاك (كان
أحدهم إذا ولدت له ابنة دفنها حية مخافة الفقر)
198 وقوله جل وعز (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)
قال قتادة يعني سرها وعلانيتها قال وكانوا يسرون الزنا بالحرة
ويظهرونه بالامة قال مجاهد (ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي
هي أحسن) التجارة فيه ولا تشتر منه شيئا ولا تستقرض 199 وقوله
جل وعز (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)
(2/517)
وقرأ ابن أبي اسحاق ويعقوب (وأن هذا صراطي
مستقيما) بتخفيف (أن) وتقرأ إن بكسر الهمزة فمن قرأ (وأن هذا)
فهو عنده بمعنى واتل عليهم أن هذا ويجوز أن يكون المعنى ووصاكم
بأن هذا ومن قرأ بتخفيف (أن) فيجوز أن يكون معناه على هذا
ويجوز أن تكون (أن) زائدة للتوكيد كما قال جل وعز (فلما أن جاء
البشير) ومن قرأ (وان هذا) قطعه مما قبله وروي عن عبد الله بن
مسعود رحمه الله أنه خط خطا في الارض فقال هكذا الصراط
المستقيم والسبل حواليه مع كل سبيل شيطان
(2/518)
قال مجاهد السبل البدع والشبهات
200 وقوله جل وعز (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن)
قال مجاهد المعنى على المؤمن المحسن وقال الحسن كان فيهم محسن
وغير محسن وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن والدليل على صحة
هذا القول أن ابن مسعود قرأ (تماما على الذين أحسنوا) وقيل
المعنى (تماما على الذي أحسن) موسى من طاعة الله واتباع أمره
(2/519)
وقرأ ابن يعمر وابن أبي اسحاق (على الذي
أحسن) والمعنى على الذي هو أحسن الاشياء فأما معنى (ثم) وهي
تدل على أن الثاني بعد الاول وقصة موسى صلى الله عليه وسلم
وايتائه الكتاب قبل هذا فان القول أنه اخبار من الله جل وعز
والمعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل ما آتينا موسى
201 وقوله جل وعز (أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من
قبلنا)
(2/520)
أحسن ما قيل في هذا كراهة أن تقولوا قال
أبو جعفر قد بينا ما قيل فيه
قال قتادة يعني بالطائفتين اليهود والنصارى وقال يعني بالدراسة
التلاوة 202 ثم قال جل وعز (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا
الكتاب لكنا أهدى منهم) (اهدى منهم) أفهم منهم لانهم يحفظون
أشعارهم وأخبارهم وهم أميون 203 وقوله عز وجل (فمن أظلم ممن
كذب بآيات الله وصدف عنها)
(2/521)
قال قتادة في قوله (وصدف عنها) أي أعرض 204
وقوله جل وعز (هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة) قال قتادة أي
بالموت (أو يأت ربك) قال قتادة يعنى يوم القيامة وقال غيره
المعنى اهلاك ربك إياهم 205 ثم قال جل وعز (أو يأتي بعض آيات
ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت
من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا) روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن
عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول
الله عز وجل (يوم يأتي بعض آيات ربك) قال طلوع الشمس من مغربها
(2/522)
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها
خيرا
وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال
(الآية التي لا ينفع نفسا ايمانها عندها إذا طلعت الشمس من
مغربها مع القمر في وقت واحد) 206 وقوله عز وجل (ان الذين
فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) الشيع الفرق ومعنى
شايعت في اللغة تابعت ومعنى (وكانوا شيعا) وكانوا فرقا كل فرقة
يتبع بعضها بعضا الا أن الشيع كلها متفقة 208 ثم قال جل وعز
(لست منهم في شئ انما أمرهم الى الله)
(2/523)
قيل هذا قبل الامر بالقتال وروى أبو غالب
عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى
(فرقوا دينهم وكانوا شيعا) قال هم الخوارج وقيل إن الآية تدل
على أن من ابتدع من خارجي وغيره فليس النبي صلى الله عليه وسلم
منهم في شئ لانهم إذا ابتدعوا تخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا 208
وقوله جل وعز (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة
فلا يجزى الا مثلها) روى الاعمش عن أبي صالح قال الحسنة لا اله
الا الله والسيئة الشرك
(2/524)
والمعنى ان ما كان عنده هو النهاية في
المجازاة أعطى عشرة أمثاله 209 وقوله جل وعز (قل انني هداني
ربي الى صراط مستقيم) الصراط الطريق والمعنى عرفني الدين الذي
هو الحق 210 ثم قال جل وعز (دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا)
والقيم المستقيم ومن قرأ (قيما) فهو مصدر مثل الصغر والكبر 211
وقوله جل وعز (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين) النسك جمع النسيكة وهي الذبيحة وأصل هذا من التقرب
لله جل وعز ومنه (قيل رجل) ناسك
(2/525)
وانما قيل هذا لانهم كانوا يذبحون لغير
الله جل وعز 213 وقوله جل وعز (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب
كل شئ) معنى أبغي أريد وأطلب 213 وقوله جل وعز (وهو الذي جعلكم
خلائف الارض) يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل لانهم آخر
الامم فقد خلفوا من كان قبلهم
الارض) يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل لانهم آخر الامم
فقد خلفوا من كان قبلهم وقيل لان بعضهم يخلف بعضا حتى تقوم
الساعة عليهم والحديث يقوي هذا القول
(2/526)
214 ثم قال جل وعز (ورفع بعضكم فوق بعض
درجات ليبلوكم فيما آتاكم) أي فضل بعضكم على بعض في الزرق
(ليبلوكم فيما آتاكم) أي ليختبركم فيما أعطاكم فينظر كيف شكركم
وقد علم ما يكون علم غيب وانما تقع المجازاة على الشهادة 215
قم قال جل وعز (ان ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) فعقابه جل
وعز وإن كان أكثره يوم القيامة فان كل آت قريب
(2/527)
وروي عن ابن عباس أنه قال نزلت سورة
الانعام بمكة جملة واحدة الا ثلاث آيات منها فانهن انزلن
بالمدينة وهو قوله جل وعز (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم
الا تشركوا به شيئا) الى آخر الآيات (تم بعونه تعالى تفسير
سورة الانعام)
(2/528)
معاني القرآن - النحاس ج 3
معاني القرآن
النحاس ج 3
(3/)
المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى
معهد البحوث العلمية واحياء التراث الإسلامي مركز إحياء التراث
الإسلامي مكة المكرمة من التراث الإسلامي 10334 معاني القرآن
الكريم للإمام أبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ
محمد على الصابونى الأستاذ بجامعة أم القرى الجزء الثالث
(3/1)
الطبعة الأولى 1409 هـ - 1988 م حقوق الطبع
محفوظة لجامعة أم القرى
(3/2)
إني لأعجب ممن يقرأ القرآن كيف يلتذ
بتلاوته ولم يفهم معناه
(الإمام الطبري)
(3/3)
|