معاني القرآن للنحاس

تفسير سورة الرعد

مدنية وآياتها 43 آية

(3/465)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة الرعد وهي مدنية 1 - من ذلك قوله جل وعز آلمر تلك آيات الكتاب (آية 1) هذا تمام الكلام ومن ذهب إلى ان كل حرف من هذه يؤدي عن معنى قال المعنى أنا االله أرى 2 - وقوله جل وعز الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها (آية 2) المعنى ترونها بغير عمد

(3/467)


ويجوز أن يكون الضمير يعود على العمد 3 - ثم قال جل وعز وسخر الشمس والقمر (آية 2) أي أنهما مقهوران مدبران فهذا معنى التسخير في اللغة 4 - ثم قال تعالى وهو الذي مد الأرض (آية 3) أي بسطها وجعل فيها رواسي أي جبالا
ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين أي صنفين وكل صنف زوج 5 - ثم قال تعالى وفي الأرض قطع متجاورات (آية 4) وفي هذا قولان قال ابن عباس يعني الطيب والخبيث والسباخ

(3/468)


والعذاب وكذلك قال مجاهد والقول الآخر أن في الكلام حذفا والمعنى وفي الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات كما قال سرابيل تقيكم الحر والمعنى وتقيكم البرد ثم حذف ذلك لعلم السامع والمتجاورات المدن وما كان عامرا وغير متجاورات الصحارى وما كان غير عامر 6 - ثم قال تعالى وجنات من أعناب (آية 4) أي وفيها جنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان (آيه 4) وقرأ صنوان بضم الصاد أبو رجاء وأبو عبد الرحمن وطلحة

(3/469)


وروى أبو إسحاق عن البراء قال الصنوان المجتمع وغير صنوان المتفرق حدثنا زهير بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال
حدثنا زهير بن معاوية قال أبو إسحاق عن البراء في قوله صنوان وغير صنوان قال الصنوان ما كان أصلحه واحدا وهو متفرق وغير صنوان التي تنبت وحدها وكذلك هو في اللغة يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان فإذا تفرقت قيل غير صنوان 7 - ثم قال جل وعز يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل (آية 4) أي في الثمر أي هي تأتي مختلفة وإن كان الهواء واحدا فقد علم أن ذلك ليس من أجل الهواء ولا الطبع وأن لها مدبرا

(3/470)


وروى سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ونفضل بعضها على بعض في الأكل قال الحلو والحامض والفارسي والدقل 8 - ثم قال تعالى وإن تعجب فعجب قولهم (آية 5) أي إن تعجب من إنكارهم البعث بعد هذه الدلائل فإن ذلك ينبغي ان يتعجب منه 9 وقوله تعالى ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة (آية 6)

(3/471)


روى معمر عن قتادة قال بالعقوبة قبل العافية قال غيره يعني قولهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء 10 - ثم قال تعالى وقد خلت من قبلهم المثلات (آية 6)
قال مجاهد يعني الأمثال وقال قتادة يعني العقوبات قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه معروف في اللغة أن يقال للعقوبة الشديدة مثلة ومثلة وروى عن الأعمش أنه قرأ المثلات بضم الميم والثاء وهذا جمع مثله وروي عنه أنه قرأ المثلات بضم الميم وإسكان الثاء

(3/472)


وهذا أيضا جمع مثلة ويجوز المثلات تبدل من الضمة فتحة لثقلها وقيل تأتي بالفتحة عوضا من الهاء وروي عن الأعمش أيضا أنه قرأ المثلات بفتح الميم وإسكان الثاء فهذا جمع مثلة ثم حذف الضمة لثقلها 11 - وقوله جل وعز وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم (آية 6) روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا عفو الله ورحمته وتجاوزه لما هنا أحدا عيش ولولا عقابه ووعيده وعذابه لاتكل كل واحد 12 - وقوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (آية 7) قال مجاهد وقتادة وهذا معنى كلامهما إنما أنت
منذر يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولكل قوم هاد أي نبي

(3/473)


يدعوهم وروى سفيان عن أبي الضحى إنما أنت منذر قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكل قوم هاد قال الله جل وعز وروى علي بن الحكم عن الضحاك ولكل قوم هاد قال الله عز وجل وقال أبو صالح المعنى لكل قوم داعي هدى أو داعي ضلالة والذي يذهب إليه جماعة من أهل اللغة أن المعنى أنهم لما اقترحوا الايات أعلم الله جل وعز أن لكل قوم نبيا يهديهم ويبين لهم وليس عليه أن يأتيهم من الآيات بما يقترحون وروى سفيان عن عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى إنما أنت منذر قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكل قوم هاد قال الله جل ذكره

(3/474)


وروى سفيان عن السدي عن عكرمة في قوله جل وعز الله يعلم ما تحمل كل أنثى قال سفيان يعني من ذكر أو أنثى 13 ثم قال تعالى وما تغيض الأرحام وما تزداد (آية 8) قال الحسن والضحاك هو نقصان الولد عن تسعة أشهر وزيادته عليها
وقال قتادة تغيض السقط وتزداد على التسعة أشهر وقال مجاهد الغيض النقصان فإذا اهراقت في المرأة الدم وهي حامل انتقص الولد وإذا لم تهرق الدم عظم الولد وتم وقال سعيد بن جبير إذا حملت المرأة ثم حاضت نقص ولدها ثم تزداد به الحمل مقدار ما جاءها الدم به وقال عكرمة الغيض أن ينقص الولد بمجئ الدم والزيادة أن يزيد مقدار ما جاءها الدم فيه حتى تستكمل تسعة أشهر

(3/475)


سوى الأيام التى جاءها الدم فيها 14 - وقوله جل وعز سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار (آية 10) قال ابن عباس السارب الظاهر قال قتادة السارب الظاهر الذاهب وقال مجاهد ومن هو مستخف بالليل أي مستتر بالمعاصي وسارب بالنهار ظاهر وقال بعض أهل اللغة ومن هو مستخف بالليل أي ظاهر من خفيته إذا أظهرته وسارب بالنهار أي مستتر من قولهم انسرب الوحش إذا دخل كناسه قال أبو جعفر القول الأول أولى لجلالة من قال به وأشبه بالمعنى لأن المعنى والله أعلم سواء منكم من أسر منطقه أو

(3/476)


أعلنه واستتر بالليل أو ظهر بالنهار وكل ذلك في علم الله
سواء وهو في اللغة أشهر وأكثر قال الكسائي يقال سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب وحكى الأصمعي خل له سربه أي طريقه 15 - ثم قال جل وعز له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله (آية 11) في الآية ثلاثة أقوال روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ملائكة يحفظونه فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه وروى معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن ابن

(3/477)


عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال بإذن الله وهي من أمر الله وهي ملائكة قال الحسن عن أمر الله قال مجاهد وقتادة وهذا لفظ قتادة وهي ملائكة تتعاقب بالليل والنهار عن أمر الله أي بأمر الله فهذا قول والقول الثاني أنه روي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال هم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو السلطان المتحرس بن من الله وذلك أهل الشرك وروى شعبة عن شرقي عن عكرمة قال هم الأمراء

(3/478)


فهذان قولان والقول الثالث أن ابن جريج قال هو مثل قوله عن اليمين وعن الشمال قعيد فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات ويحفظونه أي يحفظون عليه كلامه وفعله وأولى هذه الأقوال الأول لعلو إسناده وصحته ويقويه أن مالك بن أنس روى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لله ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار وذكر الحديث وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا قال تدور كالحرس ملائكة الليل وملائكة النهار

(3/479)


وروى ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس انه قرأ معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه فهذا قد بين المعنى وقال الحسن في المعنى يحفظونه عن أمر الله وهذا قريب من الأول أي حفظهم إياه من عند الله لا من عند أنفسهم
وروى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء في قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يريد الملائكة أيضا وعن بعضهم أنه قرأ معاقيب من بين يديه ومن خلفه ومعاقيب جمع معقب وتفسيره كتفسير الأول 16 - وقوله جل وعز وما لهم من دونه من وال (آية 11) أي ليس أحد يتولاهم من دون الله

(3/480)


ووال وولي واحد كما يقال قدير وقادر وحفيظ وحافظ 17 - وقوله جل وعز هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا (آية 12) قال الحسن ومجاهد وقتادة أي خوفا للمسافر وطمعا للحاضر والمعنى ان المسافر يخاف من المطر ويتأذى به قال الله تعالى أذى من مطر والحاضر المنتفع بالمطر يطمع فيه إذا رأى البرق 18 - ثم قال تعالى وينشئ السحاب الثقال (آية 12) قال مجاهد التي فيها المطر

(3/481)


19 - ثم قال تعالى ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته (آية 13)
روى سفيان عن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك يسبح وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الرعد ملك يسمى الرعد ألا تسمع إلى قوله ويسبح الرعد بحمده وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته وقال عكرمة الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي هذه بالإبل

(3/482)


وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له وروى مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه كان إذا سمع صوت الرعد لهي من حديثه وقال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد 20 - ثم قال تعالى ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله (آية 13) يجوز أن تكون الواو واو حال أي يصيب بها من يشاء في حال مجادلته لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخبرنا عن ربنا أهو من نحاس أو من حديد فأرسل الله صاعقة فقتلته

(3/483)


ويجوز ان يكون قوله وهم يجادلون في الله منقطعا من الأول 21 - ثم قال تعالى وهو شديد المحال (آية 13) قال ابن عباس أي الحول وقال قتادة أي الحيلة وقال الحسن المكر وروي عن الحسن أنه قال أي الهلاك وهذه أقوال متقاربة واشبهها بالمعنى والله أعلم أنه الإهلاك لأن المحل الشدة فكأن المعنى شديد العذاب والإهلاك وقد قال جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيدة وابو عبيد هو المكر من قولهم محل به وأنشد بيت الأعشى

(3/484)


فرع نبع يهتز في غصن المجد غزير الندى شديد المحال وقال أبو عبيد الشبه بقول ابن عباس ان يكون قرأ شديد المحال بفتح الميم فأما الأعرج فالمعروف من قراءته المحال بفتح الميم ومعناه كمعنى الحول من قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله فأما معنى المكر من الله فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر 22 - وقوله جل وعز له دعوة الحق (آية 14)
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا إله إلا الله وكذلك قال قتادة والضحاك

(3/485)


23 - ثم قال تعالى والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه (آية 14) قال مجاهد أي يشير إلى الماء بيده ويدعوه بلسانه وقال غيره أي الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شئ 24 - وقوله جل وعز ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها (آية 15) قيل من أسلم طوعا ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه بالسيف فكان أول دخوله كرها وقيل إنما وقع هذا على العموم لأن كل من عبد غير الله فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه والله العظيم الكبير

(3/486)


والسجود في اللغة الخضوع والانقياد وليس شئ إلا وهو يخضع لله وينقاد له 25 - ثم قال تعالى وظلالهم بالغدو والآصال (آية 15) يروى ان الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله وهذا من الانقياد والخضوع وقيل الظلال ها هنا الأشخاص
26 - وقوله جل وعز أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم (آية 16) أي هل رأوا غير الله خلق مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم

(3/487)


27 - وقوله تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها (آية 17) قال ابن جريج أخبرني ابن كثير قال سمعت مجاهدا يقول بقدر ملئها قال ابن جريج بقدر صغرها وكبرها وقرأ الأشهب العقيلي فسالت أودية بقدرها والمعنى واحد وقيل معناها بما قدر لها 28 ثم قال تعالى فاحتمل السيل زبدا رابيا (آية 17) أي طالعا عاليا قال مجاهد تم الكلام 29 - ثم قال تعالى ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله (آية 17)

(3/488)


قال مجاهد المتاع الحديد والنحاس والرصاص قال غيره الذي يوقد عليه ابتغاء حلية الذهب والفضة 30 - ثم قال تعالى فأما الزبد فيذهب جفاء (آية 17)
قال مجاهد أي جمودا قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله يقال أجفأت القدر إذا غلت حتى ينضب زبدها وإذا جمد في أسفلها قال أبو زيد وكان رؤبة يقرأ فيذهب جفالا يقال جفلت الريح السحاب إذا قطعته وأذهبته

(3/489)


31 - ثم قال تعالى وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض (آية 17) قال مجاهد وهو الماء وهذا مثل للحق والباطل أي إن الحق يبقى وينتفع به والباطل يذهب ويضمحل كما يذهب هذا الزبد وكذهاب خبث هذه الأشياء 32 - ثم قال تعالى كذلك يضرب الله الأمثال (آية 17) تم الكلام 33 - ثم قال جل وعز للذين استجابوا لربهم الحسنى (آية 18) قال قتادة هي الجنة 34 - وقوله تعالى اولئك لهم سوء الحساب (آية 18)

(3/490)


قال أبو الجوزاء عن ابن عباس يعني المناقشة بالأعمال ويدل على هذا الحديث من نوقش الحساب هلك قال فرقد قال لي إبراهيم يا فرقد أتدري ما سوء
الحساب قلت لا قال أن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شئ 35 - وقوله تعالى جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم (آية 23) أي من كان صالحا لا يدخلونها بالأنساب 36 - ثم قال تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (آية 23) أي تكرمة من الله لهم 37 - ثم قال تعالى سلام عليكم بما صبرتم (آية 24)

(3/491)


أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم 38 - ثم قال جل وعز فنعم عقبى الدار (آية 24) قال أبو عمران الجوني فنعم عقبى الدار الجنة من النار 39 - وقوله جل وعز وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع (آية 26) قال مجاهد أي تذهب 40 - قوله عز وجل قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من اناب (آية 27) أناب إذا رجع إلى الطاعة

(3/492)


41 - ثم قال تعالى الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله (آية 28) أي بتوحيده والثناء عليه 42 - ثم قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب (آية 28) أي التي هي قلوب المؤمنين قال مجاهد يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم 43 - ثم قال تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم (آية 29) قال ابن عباس وابو أمامة طوبى شجرة في الجنة وكذلك قال عبيد بن عمير وقال مجاهد هي الجنة وقال عكرمة أي نعم ما لهم وقال إبراهيم طوبى أي خير وكرامة

(3/493)


وهذه الأقوال متقاربة لأن طوبى فعلى من الطيب أي من العيش الطيب لهم وهذه الأشياء ترجع إلى الشئ الطيب 44 - ثم قال تعالى وحسن مآب (آية 29) قال مجاهد أي مرجع 45 - وقوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى (آية 31) قال ابن عباس قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم سير لنا الجبال قطع لنا الأرض أحيي لنا الموتى
وقال مجاهد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد لنا هذه الجبال وادع لنا أن يكون لنا زرع وقرب منا الشام فإنا نتجر إليه وأحيي لنا الموتى قال قتادة قالت قريش للنبي أحيي لنا الموتى حتى نسألهم عن الذي جئت به أحق هو فأنزل الله ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى

(3/494)


قال لو فعل هذا بأهل الكتاب لفعل بكم وهذه الأقوال كلها توجب أن الجواب محذوف لعلم السامع لأنهم سألوا فكان سؤالهم دليلا على جواب لو ونظيره لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد وقال الشاعر فلو لأنها نفس تموت سوية ولكنها نفس تساقط أنفسا فحذف جواب لو أي لتسلت سنة

(3/495)


وفي الحذف من الاية قولان أكثر أهل اللغة يذهب إلى أن المعنى ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن وقال بعضهم المعنى لو فعل بهم هذا لما آمنوا كما قال تعالى ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا
عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله قال أبو جعفر وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أي وهم يكفرون ولو وقع هذا 46 - وقوله جل وعز أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا (آية 31) قال أبو جعفر في هذه الاية اختلاف كثير

(3/496)


روى جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم وعكرمة عن ابن عباس أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا مختصر وفي كتاب خارجة ان ابن عباس قرأ أفلم يتبين للذين آمنوا وروى المنهال بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس افلم ييأس الذين آمنوا أي افلم يعلم واكثر أهل اللغة على هذا القول وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة قال سحيم بن وثيل اقول لهم بالشعب إذ ييسرونني الم تيأسوا أني ابن فارس زهدم

(3/497)


ويروى إذ ياسرونني عمرو فمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا ألم يعلموا
وروى معاوية بن صالح بن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله أفلم ييأس الذين آمنوا قال افلم يعلم وفي الآية قول آخر قال الكسائي لا أعرف هذه اللغة ولا سمعت من يقول يئست بمعنى علمت ولكنه عندي من اليأس بعينه والمعنى إن الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن وتقطيع الأرض وتكليم الموتى اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك فيؤمنوا فقال الله أفلم ييأس الذين آمنوا أي افلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لعلمهم أن الله لو أراد أن يهديهم لهداهم كما تقول قد يئست من فلان ان يفلح والمعنى لعلمي به

(3/498)


47 - وقوله تعالى ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة (آية 31) قال ابن عباس يعني السرايا وكذلك قال عكرمة وعطاء الخراساني إلا أن ابا عاصم روى عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال النكبة وقال مجاهد قارعة أي سرية ومصيبة تصيبهم والقارعة في اللغة المصيبة العظيمة 48 - ثم قال جل وعز أو تحل قريبا من دارهم (آية 31) قال مجاهد وعكرمة وقتادة أو تحل انت يا محمد قريبا من دارهم حدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا مخلد بن مالك

(3/499)


عن محمد بن سلمة عن خصيف قال القارعة السرايا التي كان يبعث بها رسول الله أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم قال الحسن أو تحل القارعة قريبا من دارهم 49 - ثم قال تعالى حتى يأتي وعد الله (آية 31) قال مجاهد وقتادة أي فتح مكة 50 - وقوله تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت (آية 33) قال قتادة هو الله جل جلاله وقال الضحاك يعني نفسه جل وعز وهو القائم على عباده من كان منهم برا ومن كان منهم فاجرا يرزقهم ويطعمهم وقد جعلوا لله شركاء

(3/500)


51 - قال الله قل سموهم ولو سموهم لكذبوا وأنبؤه قبل بما لا يعلمه وذلك قوله تعالى أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض (آية 33) 52 - وقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون (آية 35) روى النضر بن شميل عن الخليل قال مثل بمعنى صفة فالمعنى على هذا صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كما تقول صفة فلان أسمر لأن معناه فلان أسمر وقال أبو إسحاق مثل الله لنا ما غاب بما نراه وكذلك كلام العرب فالمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من
تحتها الأنهار

(3/501)


53 - وقوله تعالى وإليه مآب (آية 36) قال قتادة أي إليه مصير كل عبد 54 - وقوله تعالى يمحو الله ما يشاء وثبت (آية 39) وقرأ ابن عباس ويثبت روي عنه يحكم الله جل وعز أمر السنة في شهر رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الحياة والموت والشقوة والسعادة وفي رواية أبي صالح يمحو الله مما كتب الحفظة ما ليس للإنسان وليس عليه ويثبت ما له وعليه وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يمحو الله ما

(3/502)


يشاء يقول يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وكذلك قال قتادة وقال ابن جريج يمحو الله ما يشاء أي ينسخ وكأن معنى ويثبت عنده لا ينسخه فيكون محكما ويثبت بالتشديد على التكثير قال أبو جعفر ويثبت بالتخفيف أجمع لهذه الأقوال من يثبت
وكان أبو عبيد قد اختار ويثبت على أن أبا حاتم قد أوما إلى أن معناهما واحد وروى عوف عن الحسن قال يمحو من جاء أجله ويثبت من لم يجئ أجله بعد إلى أجله

(3/503)


54 - قوله عز وجل وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (آية 40) أي إما نرينك بعض ما وعدناك من إظهار دين الإسلام على الدين كله أو نتوفينك قبل ذلك فإنما عليك أن تبلغهم وعلينا أن نحاسبهم فنجازيهم بأعمالهم ثم بين جل وعز أنه كان ما وعد 55 - فقال أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها (آية 41) يظهر الإسلام بإخراج ما في يد المشركين وإظهار المسلمين عليهم

(3/504)


وفي هذه الاية أقوال هذا أشبهها بالمعنى ومن الدليل على صحته قوله جل وعز افلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون وهذا القول مذهب الضحاك وروى سلمة بن نبيط عنه أنه قال في قول الله تعالى أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها قال هو ما
تغلب عليه من بلادهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هو خراب الأرض حتى يكون في ناحية منها أي حتى يكون العمران في ناحية منها وروى سفيان عن منصور عن مجاهد ننقصها من أطرافها قال الموت موت الفقهاء والعلماء

(3/505)


56 - ثم قال تعالى والله يحكم لا معقب لحكمه (آية 41) قال الخليل لا راد لقضائه قال أبو جعفر والمعنى ليس أحد يتعقب حكمه بنقض ولا تغيير 57 - وقوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (آية 43) قال ابن جريج عن مجاهد عبد الله بن سلام وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد ومن عنده علم الكتاب هو الله تبارك وتعالى

(3/506)


وقال سليمان التيمي هو عبد الله بن سلام وقال قتادة منهم عبد الله بن سلام فإنه قال نزل في قرآن ثم تلا ومن عنده علم الكتاب وأذكر هذا القول الشعبي وعكرمة قال الشعبي نزلت هذه الآية قبل أن يسلم عبد الله بن سلام
وقال سعيد بن جبير وعكرمة هذه الاية نزلت بمكة فكيف نزلت في عبد الله بن سلام

(3/507)


وقال الحسن أي كفى بالله شهيدا وبالله مرتين يذهب إلى ان من تعود على اسم الله قال أبو جعفر وهذا احسن ما قيل في هذه الاية من وجهات إحداها أنه يبعد ان يستشهد الله بأحد من خلقه ومنها ما أنكره الشعبي وعكرمة ومنها أنه قرئ ومن عنده علم الكتاب بكسر الميم والدال والعين روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في الرواية ضعف روى ذلك سليمان بن الأرقم عن الزهري بن سالم عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومن عنده علم وكذلك روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قرآ ولا اختلاف بين المفسرين ان المعنى ومن عند الله فأن

(3/508)


يكون معنى القراءتين واحدا أحسن وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ ومن عنده علم الكتاب بضم العين ورفع الكتاب قال أبو جعفر وقول من قال هو عبد الله بن سلام وغيره يحتمل أيضا لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا
والله أعلم بحقيقة ذلك انتهت سورة الرعد

(3/509)


تفسير سورة إبراهيم

مكية وآياتها 52 آية

(3/511)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة إبراهيم وهي مكية وهي مكية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة فيمن قتل من المشركين يوم بدر وهما الم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا إلى آخر الآيتين 1 - قوله تبارك وتعالى الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم (آية 1) الظلمات الكفر والنور الإسلام على التمثيل لأن الكفر بمنزلة الظلمة والإسلام بمنزلة النور

(3/513)


والباء في قوله بإذن ربهم متعلقة بقوله لتخرج الناس والمعنى في قوله بإذن ربهم أنه لا يهتدي أحد إلا بإذن الله ويجوز ان يكون المعنى بتعليمك إياهم ثم بين النور فقال إلى صراط العزيز الحميد 2 - ومعنى قوله تعالى ويبغونها عوجا (آية 3)
ويطلبون غير القصد 3 - وقوله جل وعز وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (آية 4)

(3/514)


أي بلغة قومه ليبين لهم أي ليفهمهم لتقوم عليهم الحجة 4 - وقوله جل وعز ولقد ارسلنا موسى بآياتنا (آية 5) قال مجاهد أي بالآيات البينات يعني قوله ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات 5 - وقوله تعالى ودكرهم يحيى بأيام الله (آية 5) قال أبي بن كعب أي بنعم الله وقال غيره بإهلاكه من قبلهم وبانتقامه الرحمن منهم بكفرهم

(3/515)


6 - وقوله تعالى وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ انجاكم وكان من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم (آية 7) وفي موضع آخر يذبحون بغير واو ومعنى الواو يوجب انه قد أصابهم من العذاب شئ سوى التذبيح وإذا كان بغير واو فإنما هو تبيين الأول 7 - وقوله جل وعز ويستحيون نساءكم (آية 7) أي لا يقتلونهن من الحياة أي يدعونهن يحيين وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوا شيوخ المشركين

(3/516)


واستحيوا شرخهم 8 - ثم قال تعالى وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (آية 6) قال المعنى في إنجائ روى غياكم منهم نعمة عظيمة ويكون البلاء ها هنا النعمة وقيل فيما جرى منهم عليكم بلاء أي بلية وقيل البلاء ها هنا الاختبار 9 - وقوله جل وعز وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم (آية 7) تأذن بمعنى أعلم من قولهم آذنه فأذن بالأمر وهذا كما يقال توعدته وأوعدته بمعنى واحد

(3/517)


10 - قوله تعالى والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله (آية 9) روى سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميون ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله في قوله والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله قال كذب النسابون وروي عن ابن عباس قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون وروي عن عروة بن الزبير أنه قال ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل 11 - وقوله تعالى جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا ايديهم في
أفواههم (آية 9) في معنى هذا أقوال (أ) قال مجاهد ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم

(3/518)


(ب) قال قتادة ردوا على الرسل ما جاءوا به فهذا على التمثيل وهو مذهب أبي عبيدة أي تركوا ما جاءهم به الرسل فكانوا بمنزلة من رده إلى فيه وسكت فلم يقل وقيل فردوا أيديهم في أفواههم ردوا ما لو قبلوه كان نعما في أفواههم أي بأفواههم أي بألسنتهم (ج) وقيل ردوا نعم الرسل لأن إرسالهم نعم عليهم بالنطق وبالتكذيب (د) وفي الآية قول رابع وهو أولاها وأجلها إسنادا قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله

(3/519)


فردوا أيديهم في أفواههم قال عضوا عليها غيضا قال أبو جعفر والدليل على صحة هذا القول قوله عز وجل وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قال الشاعر لو ان سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليد 12 - وقوله جل وعز ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (آية 14) أي ذلك لمن خاف مقامه بين يديه والمصدر يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول لأنه متشبث بهما

(3/520)


13 - وقوله تعالى واستفتحوا (آية 15) قال مجاهد وقتادة واستنصروا وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القتال بصعاليك المهاجرين 14 - ثم قال تعالى وخاب كل جبار عنيد (آية 15) قال أبو اسحاق الجبار عند أهل اللغة الذي لا يرى لأحد عليه حقا قال مجاهد العنيد المعاند المجانب للحق وقال قتادة العنيد الذي أبى ان يقول لا إله إلا الله 15 - ثم قال تعالى من ورائه جهنم (آية 16)

(3/521)


أي من أمامه وليس من الأضداد ولنه من توارى أي استتر 16 - ثم قال تعالى ويسقى من ماء صديد (آية 16) قال ابن عباس أي قد خالط لحمه ودمه
قال الضحاك يعني القيح والصديد وقال مجاهد هو القيح والصديد وقال غيره يجوز أن يكون هذا تمثيلا أي يسقى ما هو بمنزلة القيح والصديد ويجوز أن يكون يسقى القيح والصديد

(3/522)


17 - ثم قال تعالى يتجرعه ولا يكاد يسيغه (آية 17) أي يبلعه 18 - ثم قال تعالى ويأتيه الموت من كل مكان (آية 17) أي من كل مكان من جسده 19 - ثم قال تعالى وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ (آية 17) أي من أمامه عذاب جهنم حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا أحمد بن الحسين قال قال فضيل بن عياض في قول الله تبارك وتعالى ومن ورائه عذاب غليظ قال حبس الأنفاس 20 - ثم قال تعالى مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به

(3/523)


الريح في يوم عاصف (آية 18) أي لم يقبل منهم وعاصف على النسق أي الريح فيه شديدة ويجوز أن يكون التقدير عاصف الريح
21 - وقوله جل وعز وقال الشيطان لما قضي الأمر (آية 22) أي فرغ منه فدخل أهل الجنه الجنه وأهل النار النار إن الله وعدكم وعد الحق أي وعد من أطاعه الجنة ومن عصاه النار ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدتكم خلاف ذلك وما كان لي عليكم من سلطان أي من حجة أبينها إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي إلا أن أغويتكم فتابعتموني

(3/524)


22 - ثم قال تعالى ما أنا بمصرخكم (آية 22) قال مجاهد وقتادة أي بمغيثكم ويروى أنه يخاطب بهذا في النار ومعنى إني كفرت بما اشركتمون من قبل أي كفرت بشرككم إياي 23 - وقوله جل وعز ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة (آية 24) حدثنا محمد بن جعفر الفاريابي قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهب بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه أنبؤوني بشجرة تشبه المسلم لا يتحات ورقها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال فوقع في قلبي أنها النخلة قال فسكت القوم فقال النبي هي النخلة فقلت لأبي لقد كان وقع في قلبي أنها النخلة

(3/525)


فقال فما منعك أن تكون قلته لرسول الله لأن تكون قلته أحب إلي من كذا وكذا فقلت كنت في القوم وأبو بكر فلم تقولا شيئا فكرهت أن أقول وروى الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هي النخلة وكذلك وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله جل وعز وضرب الله مثلا كلمة طيبة قال لا إله إلا الله كشجرة طيبة قال المؤمن أصلها ثابت لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن

(3/526)


24 - ومثل كلمة خبيثة قال الشرك كشجرة خبيثة قال المشرك اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار أي ليس للمشرك أصل يعمل عليه وروى شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك كشجرة طيبة قال النخلة قال والشجرة الخبيثة الحنظلة 25 - وقوله جل وعز تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها (آية 25) روى ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال كل سنة وروى عطاء بن السائب وطارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل ستة أشهر

(3/527)


وروى أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال الحين حينان حين يعرف مقداره وحين لا يعرف مقداره فأما الذي يعرف مقداره فقوله تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها وقال عكرمة هو ستة أشهر وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الحين يكون غدوة وعشية وقال الضحاك في قوله تؤتى أكلها كل حين قال في الليل والنهار وفي الشتاء والصيف وكذلك المؤمن ينتفع بعمله كل وقت قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين

(3/528)


عند جميع أهل اللغة إلا من شذ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره وأنشد الأصمعي بيت النابغة تناذرها الراقون من سوء سمها تطلقه حينا وحينا تراجع فهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت غير أن الأشبه في الآية أن يكون الحين السنة لأن إدراك الثمرة كل عام وكذا طلعها وقد روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أدنى الحين سنة وروى سفيان عن الحكم وحماد قالا الحين سنة
ومعنى اجتثت قطعت جثتها بكمالها

(3/529)


26 - وقوله جل وعز يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (آية 27) روى معمر عن طاووس عن أبيه في يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال لا إله إلا الله وفي الآخرة عند المسألة في القبر وقال البراء بن عازب وأبو هريرة هذا عند المسألة إذا صار في القبر وروى شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر إذا سئل وروى معمر عن قتادة قال بلغني أن هذه الأمة تبتلى في

(3/530)


قبورها فيثبت الله الذين آمنوا ويروى أنه يقال له من ربك وما دينك ومن نبيك فمن ثبته الله قال الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي فهذا تثبيت في الآخرة والتثبيت في الدنيا أنه لم يوفق لها إلا وقد كان اعتقاده في الدنيا 27 - وقوله تعالى ألم تر إلى الذين بدلعوا ولم نعمة الله كفرا وأحلوا
قومهم دار البوار (آية 28) قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه هم كفار قريش

(3/531)


وقال عبد الله بن عباس رحمه الله هم قادة المشركين يوم بدر أحلوا قومهم أي الذين اتبعوهم دار البوار وهي جهنم دارهم في الآخرة قال أبو جعفر البوار في اللغة الهلاك 28 - وقوله تعالى من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (آية 31) قال أبو عبيدة البيع هاهنا الفدية قال أبو جعفر وأصل البيع في اللغة أن تدفع وتأخذ عوضا منه والذي قال أبو عبيدة حسن جدا وهو مثل قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ومثل قوله تعالى ولا يقبل منها عدل أي قيمة

(3/532)


والخلال والمخالة والخلة بمعنى الصداقة قال الشاعر صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمفلي بين الخلال ولا قالي 29 - وقوله جل وعز وآتاكم من كل ما سألتموه) (آية 34) قال مجاهد أي من كل ما رغبتم إليه فيه قال أبو جعفر وهذا قول حسن يذهب إلى أنهم قد أعطوا
مما لم يسالوه وذلك معروف في اللغة أن يقال امض إلى فلان فإنه يعطيك كل ما سألت وإن كان يعطيه غير ما سأل

(3/533)


وفي الاية قول آخر وهو أنه لما قال جل وعز وآتاكم من كل ما سألتموه لم ينف غير هذا على ان الضحاك قد قرأ وآتاكم من كل ما سالتموه وقد رويت هذه القراءة عن الحسن ايضا وفسره الضحاك وقتادة على النفي وقال الحسن أي من كل الذي سالتموه بمعنى وآتاكم من كل الأشياء التي سألتم قال أبو جعفر وقول الحسن أولى والآخر يجوز على بعد وبعده أنه بالواو أحسن عطفا بمعنى وما سألتموه إلا أنه يجوز على بعد

(3/534)


30 - وقوله جل وعز وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (آية 35) وقرأ الجحدري وعيسى واجنبني بقطع الآلف ومعناه اجعلني جانبا وكذلك معنى اجنبني وجنبني معناه ثبتني على توحيدك كما قال تعالى واجعلنا مسلمين لك وهما مسلمان 31 - ثم قال تعالى رب إنهن أضللن كثيرا من الناس (آية 36)
وهن لا يعقلن فالمعنى إن كثيرا من الناس ضلوا بسببهن وهذا كثير في اللغة يقال فتنتني هذه الدار أي استحسنتها فافتتنت بسببها فكأنها فتنتني 32 - وقوله جل وعز فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (آية 37)

(3/535)


وقرا مجاهد تهوى إليهم معنى تهوي تنزع وتهوى تحب حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا عيسى بن قرطاس قال أخبرني المسيب بن رافع قال قال ابن عباس إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع إلى قوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فلو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لغلبكم عليه الترك والديلم وقرئ على علي بن الحسين القاضي بمصر عن الحسن ابن محمد عن يحيى بن عباد قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سألت عطاء وطاووسا وعكرمة عن قوله جل وعز

(3/536)


فاجعل أفئدة من الناس قالوا الحج 33 - وقوله جل وعز رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي (آية 40)
المعنى واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة 34 - ثم قال ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب (آية 41) قيل إنما دعا بهذا أولا فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وقيل يعني بوالديه آدم وحواء وقرأ سعيد بن جبير اغفر لي الوالدي يعني أباه وقرأ النخعي ويحيى بن يعمر اغفر لي ولولدي يعني ابنيه

(3/537)


35 - وقول جل وعز مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم (آية 43) قوله مهطعين قال مجاهد وابو الضحى أي مديمي النظر وقال قتادة أي مسرعين والمعروف في اللغة أن يقال أهطع إذا أسرع قال أبو عبيدة وقد يكون الوجهان جميعا يعني الإسراع مع إدامة النظر 36 - ثم قال تعالى مقنعي رؤسهم (آية 43) قال مجاهد أي رافعيها وقال قتادة المقنع الرافع رأسه شاخصا ببصره لا يطرف

(3/538)


قال أبو جعفر وهذا قول أهل اللغة إلا أن أبا العباس قال يقال اقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلا وخضوعا قال وقد قيل في الآية القولان جميعا قال ويجوز أن يرفع راسه مديما لنظر ثم يطاطئه حديث خضوعا وذلا قال أبو جعفر والمشهور في اللغة ان يقال للرافع راسه مقنع وروي انهم لا يزالون يرفعون رؤسهم وينظرون ما يأتي من عند الله جل وعز وأنشد أهل اللغة يباكرن العضاه بمقنعات نواجذهن كالحدإ الوقيع يصف أبلا وأنهن رافعات رؤسهن كالفؤوس عند ومنه قيل مقنعة لارتفاعها

(3/539)


ومنه قنع الرجل إذا رضي وقنع إذا سال أي أتى ما يتقنع منه 37 - وقوله جل وعز لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء (آية 43) روى سفيان عن أبي إسحاق عن مرة وأفئدتهم هواء قال متخرقة لا تعي شيئا يعني من الخوف وروى حجاج عن ابن جريج قال هواء ليس فيها
شئ من الخير كما يقال للبيت الذي ليس فيه شئ هواء وقيل وصفهم بالجبن والفزع أي قلوبهم منخوبة وأصل الهواء في اللغة المجوف الخالي ومنه قول زهير كان الرحل منها فوق صعل من الظلمان جؤجؤه هواء

(3/540)


أي ليس فيها مخ ولا شئ وقال حسان ألا ابلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء 38 - وقوله جل وعز وأنذر الناس يوم ياتيهم العذاب (آية 44) أي خوفهم 39 - وقوله جل وعز أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال (آية 44) قال مجاهد أي أقسمتم انكم لا تموتون لقريش 40 - وقوله جل وعز وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (آية 46)

(3/541)


قرأ عمر بن الخطاب رحمه الله عليه وإن كاد بالدال وقرأ علي بن ابي طالب رضوان الله عليه وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال بفتح اللام ورفع الفعل وكاد
بالدال هذا المعروف من قراءته والمشهور من قراءة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وإن كاد بالدال وقرأ مجاهد وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وهي قراءة الكسائي ومجاهد وإن معناها لو أي ولو كان مكرهم لتزول منه الجبال لم يبلغوا هذا ولن يقدروا على الإسلام وقد شاء الله تبارك وتعالى ان يظهره على الدين كله

(3/542)


قال أبو جعفر وهذا معروف في كلام العرب كما يقال لو بلغت أسباب السماء وهو لا يبلغها فمثله هذا وروي في قراءة أبي بن كعب رحمه الله ولولا كلمة الله لزال مكرهم الجبال وقال قتادة وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال قال حين دعوا لله ولد وقد قال سبحانه تكاد السموات يتفطرن منه ومن قرأ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ذهب إلى ان المعنى ما كان مكرهم ليزول به القرآن على تضعيفه وقد ثبت ثبوت الجبال وقال الحسن مكرهم أوهى وأضعف من أن تزول منه الجبال وقرأ بهذه القراءة

(3/543)


وقد قيل في معنى الرفع قول آخر يروى عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ان نمروذ لما جوع النسور وعلق لها اللحم في الرماح فاستعلى فيل فقيل له أين تريد أيها الفاسق فاهبط قال فهو قوله جل وعز وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وقال عبد الله بن عباس مكرهم ههنا شركهم وهو مثل قوله تعالى تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا 41 - وقوله جل وعز يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (آية 48) روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال تبدل أرضا بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم حرام ولا يفعل فيها خطيئة

(3/544)


وقال جابر سالت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله عز وجل يوم تبدل الأرض غير الأرض قال تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ثم قرأ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام حدثنا الحسن بن فرج بغزة قال نا يوسف بن عدي قال حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله قال على الصراط وقال الحسن تبدل تلأرض كما يقول القائل لقد تبدلت يدينا
قال تذهب شمسها وقمرها ونجومها وأنهارها وجبالها فذلك هو التبديل

(3/545)


42 - وقوله جل وعز وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد (آية 49) قال قتادة في الأغلال والأقياد 43 - وقوله جل وعز سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار (آية 50) قال الحسن هو قطران الإبل وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل وأسلنا له عين القطر وقرأ ابن عباس وعكرمة سرابيلهم من قطر آن وفسراه بالنحاس قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى وأسلنا له عين القطر والسرابيل القمص

(3/546)


وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين تمت سورة إبراهيم
(آية 49) قال قتادة في الأغلال والأقياد 43 - وقوله جل وعز سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار (آية 50) قال الحسن هو قطران الإبل وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل وأسلنا له عين القطر وقرأ ابن عباس وعكرمة سرابيلهم من قطر آن وفسراه بالنحاس قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى وأسلنا له عين القطر والسرابيل القمص

(3/547)


وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين تمت سورة إبراهيم تم الجزء الثالث من معاني القرآن الكريم بحمد الله وتوفيقه في البلد الحرام مكة المكرمة

(3/547)


معاني القرآن - النحاس ج 4
معاني القرآن
النحاس ج 4

(4/)


المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي مركز إحياء التراث الاسلامي مكة المكرمة من التراث الاسلامي معاني القرآن الكريم للامام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابوني الاستاذ محمد على الصابوني الاستاذ بجامعة أم القرى الجزء الرابع

(4/1)


الطبعة الاولى 1410 هـ - 1988 م حقوق الطبع محفوظة

(4/3)


إن لاعجب ممن يقرأ القرآن، كيف يلتذ بتلاوة ولم يفهم معناه " الامام الطبري "

(4/4)


تفسير سورة الحجر

مكية وآياتها 99 آية

(4/5)


سورة الحجر وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين روى سفيان عن خصيف عن مجاهد عن حماد عن إبراهيم قال يدخل قوم من الموحدين النار فيقول لهم المشركون ما أغنى عنكم إسلامكم وإيمانكم وأنتم معنا في النار فيخرجهم الله جل وعز منها فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانو مسلمين وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ذلك يوم القيامة وروى عن ابن عباس قال يقول المشركون لمن أدخل النار من الموحدين ما نفعكم ما كنتم فيه وأنتم في النار فيغضب الله

(4/7)


جل وعز لهم فيخرجون الى نهر يقال له نهر الحياة فينبتون فيه ثم تبقى على وجوههم علامة يعرفون بها يقال هؤلاء الجهنميون فيسألون الله جل وعز أن يزيل ذلك عنهم فيزيله عنهم ويدخلهم الجنة فيتمنى المشركون أن لو كانوا مسلمين وقيل إذا عاين المشركون تمنوا الإسلام فاما معنى رب ها هنا فإنما هي في كلام العرب للتقليل وأن فيها معنى التهديد وهذا تستعمله العرب كثيرا لمن
تتوعده وتتخدده أخبرنا يقول الرجل للآخر ربما ندمت على ما تفعل ويشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله بل حقيقة المعنى أنه

(4/8)


يقول لو كان هذا مما يقل أو يكون مرة واحدة لكان ينبغي أن لا تفعله وأما قول من قال أن رب تقع للتكثير فلا يعرف في كلام العرب وقيل إن هذا إنما يكون يوم القيامة إذا أفاقوا من الأهوال التي هم فيها فإنما يكون في بعض المواطن والقول الأول أصحها والدليل على أنه وعيد وتهدد قوله بعد ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون 2 - ثم قال تعالى وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم أي لا يتقدمه ولا يتأخره 3 - وقوله جل وعز لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين

(4/9)


معنى لو ما ولولا وهلا واحد وأنشد أهل اللغة * تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا *
أي هلا تعدون الكمي المقنعا وروى حجاج عن ابن جريج قال في هذا تقديم وتأخير يذهب ال أن جوابه قوله تعالى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يذهب الى أن هذا متصل بقوله تعالى لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين

(4/10)


4 - ثم قال تعالى ما ننزل الملائكة إلا بالحق قال مجاهد أي بالأرسال والعذاب 5 - ثم قال تعالى وما كانوا إذا منظرين أي لو نزلت الملائكة ما أمهلوا ولا قبلت توبتهم كما قال تعالى ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر 6 - وقوله جل وعز إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال ثابت وقتادة حفظه الله من أن تزيد الشياطين فيه باطلا أو تبطل منه حقا وقال مجاهد هو عندنا

(4/11)


7 - وقوله جل وعز ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين أي فرق الأولين 8 - وقوله جل وعز كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به روى سفيان عن حميد عن الحسين قال كذلك نسلك
الشرك وقال أبو عبيد حدثنا حجاج عن أبن جريج عن مجاهد قال نسلك التكذيب قال أبو جعفر وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير وأهل اللغة إلا من شذ منهم فإن بعضهم قال المعنى كذلك نسلك القرآن واحتج بأن النبي (صلع) لما تلا القرآن عليهم وأسمعهم إياه ووصل الى قلوبهم وكان ذلك بأمر الله وقوته كان الله عز وجل هو الذي يسلكه في قلوبهم على هذا المعنى

(4/12)


وقيل لما خلقهم خلقة يفهمون بها ما يأتيهم من الوحي فإذا خلقهم خلقه يفهمون بها ما يسلك ذلك في قلوبهم فكأنه سلكه 9 - ثم قال جل وعز وقد خلت سنة الأولين أي قد تقدمت سنتهم في التكذيب بالآيات والبراهين وكفرهم فهؤلاء يقتفون آثارهم 10 - ثم قال جل وعز ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فطلوا فيه يعرجون قال عبد الله بن عباس أي فظلوا الملائكة فيه يعرجون أي يذهبون ويجيئون قال أهل اللغة عرج يعرج إذا صعد وارتفع ومنه قول العامة عرج بروح فلان

(4/13)


11 - ثم قال تعالى لقالوا إنما سكرت أبصارنا قال ابن عباس أخذت قال أبو جعفر والمعروف من قراءة مجاهد والحسن سكرت بالتخفيف قال الحسن أي سحرت وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال سكرت أبصارهم أذا عشيها سمادير حتى لا يبصروا وقال الفراء من قرأ سكرت أخذه من سكون الريح قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربه والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء يرحمه الله قال هو من السكر في الشراب

(4/14)


وهذا قول حسن أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله وسكور الريح سكونها وفتورها وهو يرجع الى معنى التخيير 12 - وقوله جل وعز ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين قال مجاهد يعني الكواكب قال أبو جعفر ومن قال أنها إثنا عشر برجا فقوله يرجع الى هذا لأنها كواكب عظام ومعروف في اللغة أن يقال برج يبرج إذا ظهر وارتفع
فقيل لهذا الكواكب بروج لظهروها وثباتها وراتفاعها يا والبرج كبر العين

(4/15)


13 - ثم قال تعالى وحفظناها من كل شيطان رجيم أي لا يصل إليها ولا يسمع شيئا من الوحي إلا مسارقة وكان هذا من علامة نبوة محمد (صلع) ولا نعلم أحدا من الشعراء شبه شيئا بسرعة الكواكب إلا في الإسلام ولو كان هذا قبله لشبهوا به قال ابن جريج الرجيم الملعون قال الكسائي كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتيم وقيل رجيم بمعنى مرجوم أي يرجم بالكواكب

(4/16)


14 - وقوله جل وعز وأنبتنا فيها من كل شئ موزون روى معاويه بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وأنبتنا فيها من كل شئ موزون قال أي معلوم وكذلك روى علي بن الحكم عن الضحاك وقال أبو صالح وعكرمة أي مقدور وقال مجاهد أي مقدر بقدر معناه مقدر لا يزيد على قدر الله ولا ينقص فكأنه موزون
وقيل أراد بموزون ما يوزن من الذهب والفضة والحديد والرصاص وشبهه

(4/17)


والمعنى على هذا وأنبتنا في الجبال من كل شئ موزون 15 - ثم قال تعالى وجعلنا لكم فيها معايش أي في الأرض 16 - ثم قال تعالى ومن لستم له برازقين قال مجاهد يعني الدواب والأنعام وقال غيره يعني المماليك والدواب قال أبو جعفر وهذا أولى لأن من لا تكون لما لا يعقل إلا أن يختلط معه من يعقل والمعنى وجعلنا لكم المماليك والدواب والأنعام ويجوز أن يكون المعنى أعشناكم وأعشنا من لستم له برازقين

(4/18)


17 - وقوله تعالى وإن من شئ إلا عندنا خزائنه أخبر أن خزائن الأشياء بيده أي أنه جل وعز حافظها والمتولي تدبيرها 18 - وقوله جل وعز وأرسلنا الرياح لواقح قال عبد الله بن مسعود تحمل الرياح الماء فتلقح السحاب وتمريه لو فيدر كما تدر اللقحة ثم يمطر وقال ابن عباس تلقح الرياح الشجر والسحاب
وتمرية يكون وقال أبو رجاء قلت للحسن وأرسلنا الرياح لواقح فقال تلقح الشجر قلت والسحاب قال والسحاب وقال أبو عبيدة لواقح أي ملاقح يذهب الى أنه جمع ملقحة وملقح ثم حذفت منه الزوائد

(4/19)


قال أبو جعفر وهذا بعيد وإنما يجوز حذف الزوائد من مثل هذا في الشعر ولكنه جمع لاقحة ولاقح على الحقيقة بلا حذف هو على أحد معنيين يجوز أن يقال لها لاقح على النسب أي ذات القاح كأنها تلقح السحاب والشجر كما جاء في التفسير وهو قول أبي عمرو ويجوز أن يقال لها لاقح أي حامل والعرب تقول للجنوب لاقح وحامل وللشمال حائل وعقيم وقال الله عز وجل حتى إذا أقلت سحابا ثقالا فأقلت وحملت واحد 19 - وقوله جل وعز ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المستقدمون القرون

(4/20)


الأولى والمستأخرون أمه محمد (صلع) وروى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال المستقدمون كل من خرج والمستأخرون كل من خرج المستأخرون كل من كان في أصلاب الرجال وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال المستقدمون مان مات
والمستأخرون الأحياء وروى سفيان عن أبان بن أبي عياش عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ولقد علمنا المستقدمين منكم الصف الأول ولقد علمنا المستأخرين الصف الأخر حدثنا محمد بن إدريس قال نا إبراهيم بن مرزوق قال نا مسلم بن ابراهيم قال نا نوح بن قيس قال نا عمرو بن

(4/21)


مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قول الله تبارك وتعالى ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال كانت امرأة جميله تصلي مع النبي (صلع) فكان رجال يتقدمون حتى لا يروها وكان رجال يتأخرون فإذا ركع النبي (صلع) وضع أحدهم يده على ركبته ونظر إليها من تحت ضبعه فأنزل الله ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين 20 - وقوله تعالى عز وجل ولقد خلقنا الانسان من صلصال فيه قولان أحدهما رواه معاوية بن صالح عن على بن أبي طلحة

(4/22)


عن ابن عباس قال الصلصال الطين اليابس وروى معمر عن قتادة هو الطين ييبس فتصير له صلصلة وقال الضحاك هو الطين الصلب والقول الآخر رواه ابن نجيح وابن جريج عن مجاهد
قال الصلصال المنتن وقال أبو جعفر والقولان يحتملان وإن كان الأول ابين القول الله جل وعز خلق الأنسان من صلصال كالفخار وحكى أبو عبيدة أنه يقال للطين اليابس صلصال ما لم تأخذه النار فإذا أخذته النار فهو فخار وأنشد أهل اللغة * كعدو المصلصل الجوال * والصلصلة الصوت

(4/23)


وقال الفراء هو طين حر يخلط برمل فيسمع له صلصلة وأما القول الثاني فالأصل فيه صلال ثم أبدل من إحدى اللامين صاد وحكى الكسائي أنه يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن 21 - ثم قال جل وعز من حما مسنون فالحمأ مع والحمأة الطين الأسود المتغير وفي المسنون أربعة أقوال روى سفيان عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال المسنون المنتن وكذلك روى قيس بن الربيع عن الأعمش عن مسلم عن سعيد ابن جبير قال خلق الإنسان من صلصال من طين لازب وهو الجيد ومن حما مسنون وهو المنتن وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هو المنتن

(4/24)


وذهب الى هذا القول من أهل اللغة الكسائي وأبو عمرو الشيباني وزعم أبو عمرو الشيباني أن قول الله لم يتسنه من هذا وأن الأصل فيه لم يتسنن فأبدل من إحدى النونين هاء فهذا قول والقول الأخر وهو مذهب أبي عبيدة أن المسنون المصبوب وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال المسنون الرطب فهذا بمعنى المصبوب لأنه لا يكون مصبوبا إلا وهو رطب وهذا قول حسن لأنه يقال سننت الشئ أي صببته وفي الحديث ان الحسن كان يسن الماء على وجهه سنا ولو كان هذا من

(4/25)


أسن الماء لكان مؤسنا سعيد والقول الثالث قول الفراء وهو المحكوك ولا يكون إلا متغيرا من سننت الحديد والقول الرابع أنه المصبوب على مثال وصورة من سنة الوجه 22 - وقوله جل وعز قال فإنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم قال سفيان بلغني أن الوقت المعلوم النفخة الأولى 23 - وقوله جل وعز قال هذا صراط علي مستقيم
أحدهما وهو مذهب مجاهد قال الحق طريقة علي وهو يرجع الى كما يقال في التوعد طريقك على فاعمل ما شئت

(4/26)


وكما قال تعالى إن ربك لبالمرصاد والقول الآخر إن هذا صراط على أمري وتحت إرادتي وقرأ قيس بن عبادة قال هذا صراط على مستقيم وقال أي رفيع ومعناه رفيع في الدين والحق 24 - وقوله جل وعز إلا من اتبعك من الغاوين أي الضالين 25 - وقوله جل وعز وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم أي لكل منزل منهم من العذاب على قدر منزلته في الذنب وروى مالك بن مغول عن حميد عن ابن عمر ان رسول الله (ص) قال لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل سيفه على أمتي أو قال على أمة محمد

(4/27)


26 - وقوله جل وعز ونزعنا ما في صدورهم من غل الغل عند أهل اللغة الشحناء والسخيمة والعداوة يقال منه غل يغل ويقال من الغلول وهو السرقة من المغنم غل يغل
ويغال بكر من الخيانة أغل يغل كما قال الشاعر * جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل * جزاء مغل بالأمانة كاذب * 27 - ثم قال جل وعز إخوانا على سرر متقابلين روى سفيان عن ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى متقابلين قال لا ينظر أحدهم الى قفا صاحبه

(4/28)


28 - ثم قال جل وعز لا يمسهم فيها نصب أي تعب 29 - وقوله جل وعز نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم أي أخبر وروى ان النبي (ص) خرج على أصحابه وهم يضحكون فقال أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار فشق ذلك عليهم فأنزل الله نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم 30 - وقوله جل وعز قالوا لا توجل معناه لا تفزع والقانطون قد اليائسون وفي

(4/29)


31 - قوله جل وعز إلا إمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين قيل قدرنا بمعنى علمنا وقدرنا على بابه أي هو في
تقديرنا وفيما أخبرناه به هكذا والغابر الباقي وقد يستعمل للذاهب والمعنى إنها لمن الباقين في الهلاك وأنشد أهل اللغة * لا تكسع الشول بأغبارها * إنك لا تدري من الناتج * الأغبار بقايا اللبن 32 - وقوله جل وعز قال إنكم قوم منكرون قال مجاهد أنكرهم لوط (ص) وقيل أنكرهم إبراهيم (ص) لأنهم لم يأكلوا من

(4/30)


طعامه وكانوا ينكرون أمر الضيف إذا لم يأكل 33 - ثم قال جل وعز قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون قال مجاهد بالعذاب قال أبو جعفر المعنى بل جئناك بما كانوا يشكون من نزول العذاب بهم 34 - وقوله تعالى فأسر بأهلك بقطع من الليل السرى لا يكون إلا بالليل إلا ان قوله تعالى بقطع يدل على ذهاب كثير من الليل 35 - ثم قال تعالى ولا يلتفت منكم أحد

(4/31)


قيل نهى عن الإلتفات الى ما في المنازل لئلا يقع الشغل به عن المضي 36 - وقوله جل وعز وقضينا إليه ذلك الأمر أي أخبرناه به ثم بينه فقال تعالى أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين أي أن آخرهم مستأصل وقال الفراء الدابر الأصل 37 - وقوله تعالى قالوا أولم ننهك عن العالمين يروى أنهم كانوا نهوه أن يضيف أحد 38 - ثم قال جل وعز قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين

(4/32)


هذا الجواب محمول على المعنى والمعنى أنهم أرادوهم للفساد فقال لهم لوط (ص) هؤلاء بناتي فتزوجوا وأحسن ما قيل في هذا أن أزواج كل نبي بمنزلة أمهات أمته وأولاد أمته بمنزلة أولاده 39 - وقوله جل عز لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال لعمرك لعيشك وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال لحياتك وروى أن إبراهيم النخعي كره أن يقول الرجل لعمري قال لأن معناه وحياتي وكذلك هو عند أهل اللغة

(4/33)


قال سيبوية العمر والعمر واحد ولا يستعملون في القسم إلا الفتح لخفته وحكى لعمري وكله بمعنى العمر وهذه فضيلة للنبي (ص) أقسم الله جل وعز بحياته قال أبو الجوزاء ما سمعت الله جل وعز حلف بحياة أحد غيره (صلى) قال سفيان سألت الأعمش عن قوله تعالى لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فقال أقسم بالنبي إنهم لفي غفلتهم يترددون 40 - وقوله جل وعز فأخذتهم الصيحة مشرقين

(4/34)


أي فأخذتهم الصيحة بالعذاب وقت إشراق الشمس 41 - وقوله جل وعز إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال مجاهد أي للمتفرسين قال الضحاك أي للناظرين قال أبو جعفر وحقيقته توسمت الشئ نظرت نظر متثبت حتى تثتب حقيقة سمة الشئ 42 - وقوله عز وجل وإنها لبسبيل مقيم يجوز أن يكون المعنى وإن الآيات ويجوز أن يكون المعنى وإن مدينة قوم لوط

(4/35)


قال مجاهد لبسبيل مقيم لبطريق معلم أي واضح
43 - وقوله جل وعز وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين قال الضحاك الأيكة كل الغيضة ذات الشجر قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال للشجرة أيكة وجمعها أيك ويروى أن شجرهم كان دوما وأما رواية من روى أن ليكة أسم القرية التي كانوا فيها والأيكة البلاد كلها فلا يعرف في اللغة ولا يصح 44 - وقوله جل وعز فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين

(4/36)


قال الضحاك أي لبطريق مستبين أي يمرون عليها في أسفارهم قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال للطريق إمام لأنه يؤتم به ويتبع 45 - وقوله جل وعز ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وروى معمر عن قتادة قال الحجر الوادي يذهب الى انه اسم له 46 - وقوله عز وجل وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين أي آمنين أن تسقط 47 - وقوله جل وعز فاصفح الصفح الجميل قال مجاهد هذا قبل أن يؤمر بالقتال

(4/37)


48 - وقوله جل وعز ولقد آتيناك سبعا من المثاني روى عبد خير عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني يعني فاتحة الكتاب وكذلك قال أبو هريرة هي فاتحة الكتاب وليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم وكذلك روى أبو يحيى عن مجاهد وكذلك روى معمر عن قتادة وروى سفيان بن منصور عن مجاهد عن أبن عباس قال آتيناك سبعا من المثاني قال السبع الطول وكذلك روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال السبع الطول البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس

(4/38)


كذلك في الحديث وكذلك قال الضحاك هي السبع الطول وكذلك روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال السبع المثاني والقرآن العظيم أم القرآن قال الضحاك القرآن العظيم سائره وقد صح عن علي بن ابي طالب انه قال السبع المثاني الحمد وقال به قتادة وفسر معناه قال لأن فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة فريضة
أو نافلة والمعنى على هذا القول ولقد آتيناك سبع آيات مما يثنى في الصلاة ومن ها هنا لبيان الجنس على هذا القول كما قال

(4/39)


تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان ويجوز ان يكون المعنى مما يثنى به على الله لأن في الحمد ثناء على الله وذكر توحيده وملكه يوم الدين وتكون من على هذا القول لبيان الجنس أيضا ويجوز أن تكون للتبعيض ويكون المعنى ولقد آتيناك سبع آيات من المثاني أي من القرآن الذي يثنى فيه الآيات والقصص ويثنى فيه على الله وهذا أحسن وهو مذهب أبي مالك لأنه قال المثاني القرآن وأما من قال هي السبع الطول فقد فسر سعيد بن جبير مذهبه فقال لأنه تثنى فيها الحدود والفرائض فتكون من على هذا لبيان الجنس

(4/40)


ويجوز ان تكون للتبعيض على ما تقدم وروى أبو عبيد أن سفيان بن عيينة كان يتلو هذه الآية يتأولها على حديث النبي (ص) ليس منا من لم يتغن بالقرآن قال أي يستغني به
قال فأمر الله جل وعز النبي (ص) أن يستغني بالقرآن عن المال فقال تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 49 - ثم قال جل وعز لاتمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم وروى عن عبد الله بن عمر أنه قال من حفظ القرآن فرأى أن أحدا أعطى أفضل مما أعطى فلقد صغر عظيما وعظم صغيرا

(4/41)


قال مجاهد في قوله تعالى لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم قال الأغنياء الأشباه أي أمثال في النعم والأزواج في اللغة الأصناف 50 - وقوله جل وعز وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين في الكلام حذف والمعنى وقل إني أنا النذير المبين عقابا كما أنزلنا على المقتسمين وفي المقتسمين أقوال أحدها إنهم قوم تحالفوا على عضه النبي (صلع)

(4/42)


والقول الآخر أنه روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله تعالى كما أنزلنا على المقتسمين فقال اليهود
والنصارى الذين جعلوا القرآن عضين قال آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وقال الضحاك المقتسمين أهل الكتاب مزقوا الكتب وفرحوا بما عندهم منها وقال مجاهد المقتسمين أهل الملل قال ابن جريج وقال عطاء هم المشركون من قريش مزقوا القول في القرآن فقال بعضهم هو شعر وقال بعضهم هو سحر وقال بعضهم هو أساطير الأولين فذلك العضون وقال عكرمة عضين سحر وكان أبو عبيدة يذهب الى ان عضين مأخوذ من الأعضاء قال أبو جعفر وهو قول حسن أي فرقوا القول وأنشد

(4/43)


* وليس دين الله بالمعضى * أي المفرق وكان الفراء يذهب الى أنه مأخوذ من العضاة وهي شجر وكان الكسائي يذهب الى أنه يجوز أن يكون مأخوذا منهما 51 - وقوله جل وعز فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين قال مجاهد أي اجهر بالقرآن في الصلاة قال ومنه تصدع القوم إذا افترقوا قال ومنه الصداع لأنه انفراق قبائل الرأس

(4/44)


قال أبو جعفر ومعروف عند أهل اللغة انه يقال صدع بالحق إذا أبانه وأظهره وكأنه أبن وأظهر وأنشد أبو عبيدة لأبي ذؤيب يصف عيرا وأتنا وأنه يحكم فيها * وكأنهن ربابه وكأنه * يسر يفيض على القداح ويصدع * ومن هذا قيل للصبح صديع كما قال كأن بياض لبته صديع * وأبو العباس يذهب إلى أن المعنى فاصدع الباطل بما تؤمر به أي افرق

(4/45)


52 - وقوله جل وعز إنا كفيناك المستهزئين حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن نافع قال نا سلمة بن شعيب بن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وعثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس في قوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين قالا المستهزءون الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب مروا رجلا رجلا على النبي (ص) ومعه جبريل عليه السلام فإذا رجل منهم قال له جبريل كيف تجد هذا فيقول بئس عبد الله فيقول جبريل كفيناكه فاما الوليد ابن المغيرة فتردى فتعلق سهم بردائه فذهب يجلس
فقطع أكحله فنزف فمات وأما الأسود بن عبد يغوث فأتى بغصن فيه شوك فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه وكان يقول دعوت على محمد دعوة ودعى علي دعوة فاستجيب لي واستجيب له دعا علي أن أعمى فعميت ودعوت عليه أن يكون وحيدا طريدا في أهل يثرب فكان كذلك وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس فإن أحدهما قام في

(4/46)


الليل وهو مطمئن ليشرب من جرة فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات وأما الآخر فلدغته حبة فمات 53 - وقوله جل وعز فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين أي كن من المصلين 54 - وقوله جل وعز واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال سالم بن عبد الله ومجاهد أي الموت

(4/47)


قال أبو جعفر ونظير هذا وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا والفائدة في هذا أنه لو قال واعبد ربك مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا وإذ اقال ما دمت حيا أو أبدا أو حتى يأتيك
اليقين كان معناه لا تفارق هذا تمت سورة الحجر

(4/48)