معاني القرآن للنحاس تفسير سورة المؤمنون
مكية وآياتها 118 آية
(4/439)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المؤمنون وهي
مكية 1 - من ذلك قول الله جل وعز قد أفلح المؤمنون آية 1 أي قد
نالوا الفلاح وهو دوام البقاء في الجنة 2 - ثم قال جل وعز
الذين هم في صلاتهم خاشعون آية 2 قال إبراهيم وقتادة الخشوع في
القلب قال إبراهيم وهو السكون وقال قتادة وهو الخوف وغض البصر
في الصلاة قال مجاهد هو السكون والخشوع عند بعض أهل اللغة في
القلب والبصر كأنه تفريغ القلب للصلاة والتواضع باللسان والفعل
(4/441)
قال أبو جعفر وقول مجاهد وإبراهيم في هذا
حسن وإذا سكن الإنسان تذلل ولم يطمح ببصره ولم يحرك يديه فأما
وضع البصر موضع السجود فتحديد شديد وقد روى عن علي عليه السلام
الخشوع ان لا يلتفت في الصلاة وحقيقته المنكسر قلبه إجلالا لله
ورهبة منه ليؤدي ما يجب عليه 3 - ثم قال جل وعز والذين هم عن
اللغو معرضون آية 3
قال الحسن عن المعاصي قال أبو جعفر واللغو عند أهل اللغة ما
يجب أن يلغى
(4/442)
أي يطرح ويترك من اللعب والهزل والمعاصي أي
شغلهم الجد عن هذا 4 - ثم قال جل وعز والذين هم للزكاة فاعلون
آية 4 أي مؤدون ومدح الله جل وعز من أخرج من ماله الزكاة وإن
لم يخرج منها غيرها 5 - ثم قال جل وعز والذين هم لفروجهم
حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين
آية 6 5 قال الفراء أي إلا من اللاتي أحل الله جل وعز لهم
الأربع لا تجاوزه أو ما ملكت أيمانهم في موضع خفض معطوفه على
(4/443)
أزواجهم وما مصدر أي ينكحون ما شاءوا من
الأماء حفظوا فروجهم إلا من هذين 6 - ثم قال جل وعز فمن ابتغى
وراء ذلك فأولئك هم العادون آية 7 أي فمن طلب سوى أربع نسوة
وما ملكت يمينه فأولئك هم العادون أي الجائرون إلى ما لا يحل
الذين قد تعدوا 7 - ثم قال جل وعز والذين هم لأماناتهم وعهدهم
راعون آية 8 أي حافظون
يقال رعيت الشئ اي قمت بصلاحه ومنه فلان يرعى ما بينه وبين
فلان 8 - ثم قال تعالى والذين هم على صلواتهم يحافظون آية 9
(4/444)
قال مسروق اي يصلونها لوقتها وليس من جهة
الترك لأن الترك كفر 9 - ثم قال جل وعز أولئك هم الوارثون آية
10 يقال إنما الوارث من ورث ما كان لغيره فكيف يقال لمن دخل
الجنة وارث ففي هذا أجوبة يستغنى عن ذكرها بما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى أولئك هم الوارثون قال
ليس من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن هو
أدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم
الوارثون
(4/445)
10 - ثم قال جل وعز الذين يرثون الفردوس هو
فيها خالدون آية 11 في حديث سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعا
والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها ثم قال هم فيها خالدون
فأنث على معنى الجنة 11 - ثم قال جل وعز ولقد خلقنا الإنسان من
سلالة من طين آية 12 قال قتادة استل آدم صلى الله عليه وسلم من
طين
وقال غيره إنما قيل لآدم سلالة لأنه سل من كل تربة ويقال للولد
سلالة أبيه وهو فعالة من انسل وفعالة تاتي للقليل من الشئ
(4/446)
نحو القلامة والنخالة وقد قيل إن السلالة
إنما هي نطفة آدم صلى الله عليه وسلم كذا قال مجاهد وهو أصح ما
قيل فيه ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم وآدم هو الطين لأنه
خلق منه 12 - ويدل على ذلك قوله عز وجل ثم جعلناه نطفة في قرار
مكين آية 13 ولم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل
وقوله تعالى ثم جعلنا نطفة في قرار مكين يراد ولده م خلقنا
النطفة علقة وهي واحدة العلق وهو الدم قبل أن ييبس فخلقنا
العلقة مضغة المضغة القطعة الصغيرة من اللحم مقدار ما يمضغ كما
يقال غرفة لمقدار ما يغرف وحسوة لمقدار ما يحسى
(4/447)
13 - ثم قال جل وعز فخلقنا المضغة عظاما
آية 14 ويقرأ عظما وهو واحد يدل على جمع لأنه قد علم أن
للإنسان عظاما
فكسونا العظام لحما ويجوز العظم على ذلك 14 - وقوله جل وعز ثم
أنشأناه خلقا آخر آية 14 روى عطاء عن ابن عباس والربيع بن أنس
عن أبي العالية وسعيد عن قتادة عن الحسن وعلي بن الحكم عن
الضحاك في قوله ثم أنشأناه خلقا آخر قالوا نفخ فيه الروح وروى
هشيم عن منصور عن الحسن ثم أنشاناه
(4/448)
خلقا آخر قال ذكرا وأنثى وروي عن الضحاك
قال الأسنان وخروج الشعر قال أبو جعفر واولى ما قيل فيه أنه
نفخ الروح فيه لأنه يتحول عن تلك المعاني إلى أن يصير إنسانا
والهاء في أنشأناه تعود على الإنسان أو على ذكر العظام والمضغة
والنطفة أي أنشأنا ذلك وقوله ثم إنكم بعد ذلك لميتون ونقول في
هذا المعنى لمائتون 15 - وقوله جل وعز ولقد خلقنا فوقكم سبع
طرائق آية 17 قال أبو عبيدة أي سبع سموات
(4/449)
وحكى غيره أنه يقال طارقت الشئ أي جعلت
بعضه فوق بعض فقيل للسموات طرائق لأن بعضها فوق بعض 16 - وقوله
جل وعز وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض آية 18
معنى فأسكناه في الأرض جعلناه فيها ثابتا كما روي أربعة أنهار
من الجنة في الدنيا الفرات ودجلة وسيحان وجيحان قرئ على أبي
يعقوب إسحق بن إبراهيم بن يونس عن جامع بن سوادة قال حدثنا
سعيد بن سابق قال حدثنا مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيان عن
عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله جل
وعز من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر
بلخ ودجلة والفرات وهما
(4/450)
نهرا الفرات والنيل وهو نهر مصر أنزلهما
الله جل وعز من غير واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من
درجاتها على جناحي جبريل صلى الله عليه وسلم فاستودعها الجبال
واجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس من أصناف معايشهم وذلك
قوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض فإذا
كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جل وعز جبريل عليه السلام
فرفع من الأرض القرآن والعلم وهذه الأنهار الخمسة فيرفع ذلك
إلى السماء وذلك قوله تعالى وإنا على ذهاب به لقادرون فإذا
رفعت هذه الأشياء من الأرض إلى السماء فقد أهلها خير الدين
والدنيا والآخرة 17 - وقوله جل وعز وشجرة تخرج من طور سيناء
آية 20 المعنى وأنشأنا شجرة قال أبو عبيدة الطور الجبل وسيناء
اسم
وقال الضحاك سيناء الحسن
(4/451)
قال أبو جعفر والمعروف أن سينا اسم الموضع
18 - ثم قال جل وعز تنبت بالدهن آية 20 ويقرأ تنبت بالدهن وفيه
ثلاثة أقوال أحدها أن الباء زائدة وهذا مذهب أبي عبيدة كما قال
الشاعر * هن الحرائر لا ربات أحمرة سوء المحاجر لا يقرأن
بالسور *
(4/452)
وقيل الباء متعلقة بالمصدر الذي دل عليه
الفعل فقيل نبت وأنبت بمعنى كما قال الشاعر رأيت ذوي الحاجات
حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل * وهذا القول مذهب
الفراء وأبي إسحاق ومعنى تنبت بالدهن وتنبت بالدهن عندهما واحد
والمعنى تنبت ومعها الدهن كما تقول جاء فلان بالسيف أي ومعه
السيف 19 - ثم قال جل وعز وصبغ للآكلين آية 20 وصبغ وصباغ
بمعنى واحد قال قتادة يعني الزيتون
(4/453)
20 - وقوله جل وعز إن هو إلا رجل به جنة
آية 25 جنة أي جنون فتربصوا به حتى حين قال الفراء ليس يراد
بالحين وقت بعينه انما هو كما تقول دعه إلى يوم ما 21 - وقوله
جل وعز وقل رب أنزلني منزلا مباركا آية 29 منزل وإنزال واحد
والمنزل موضع النزول والمنزل بمعنى النزول كما تقول جلس مجلسا
والمجلس الموضع الذي يجلس فيه 22 - وقوله جل وعز وأترفناهم في
الحياة الدنيا آية 33
(4/454)
معناه وسعنا عليهم حتى صاروا يؤتون بالترفه
وهي مثل التحفة 23 - وقوله جل وعز أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم
ترابا وعظاما أنكم مخرجون آية 35 قال سيبويه وهما جاء مبدلا من
هذا الباب قوله تعالى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما
أنكم مخرجون يذهب إلى أن أن الثانية مبدلة من الأولى وأن
المعنى عنده أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم قال سيبويه وكذلك أريد
بها وجئ ب أن الأولى لتدل على وقت الإخراج والفراء والجرمي
وابو العباس يذهبون إلى
أن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام كان تكريرها حسنا
(4/455)
وسلم والأخفش يذهب إلى أن الثانية في موضع
رفع بفعل مضمر دل عليه إذا والمعنى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم
ترابا وعظاما يحدث إخراجكم كما تقول اليوم القتال والمعنى عنده
اليوم يحدث القتال ويقع القتال قال الفراء وفي قراءة ابن مسعود
أيعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما عنه إنكم مخرجون قال أبو
إسحاق ويجوز أيعدكم إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم
مخرجون لأن معنى أيعدكم أيقول لكم 24 - وقوله جل وعز هيهات
هيهات لما توعدون آية 36 قال قتادة أي للبعث قال أبو جعفر
العرب تقول هيهات هيهات لما قلت وهيهات ما قلت
(4/456)
فمن قال هيهات لما قلت فتقديره البعد لما
قلت ومن قال هيهات ما قلت فتقديره البعيد ما قلت وفي هيهات
لغات ليس هذا موضع ذكرها 25 - ثم قال جل وعز إن هي إلا حياتنا
الدنيا نموت ونحيا آية 37 يقال كيف قالوا نموت ونحيا وهم لا
يقرون بالبعث
ففي هذا أجوبة أمنها في الآية تقديم وتاخير والمعنى ما هي إلا
حياتنا الدنيا نحيا فيها ونموت كما قال تعالى واسجدي واركعي
(4/457)
ب ومنها أن المعنى نموت ويحيا أولادنا ج
وجواب ثالث وهو ان يكون المعنى نكون مواتا أي نطفا ثم نحيا في
الدنيا 26 - وقوله جل وعز قال عما قليل ليصبحن نادمين آية 40
والمعنى عن قليل وما زائدة للتوكيد 27 - وقوله جل وعز فجعلناهم
غثاء آية 41 والمعنى فأهلكناهم وفرقناهم والغثاء ما علا الماء
من ورق الشجر والقمش لأنه يتفرق ولا ينتفع به 28 - وقوله جل
وعز ثم أرسلنا رسلنا تترى آية 44 قال أبو عبيدة أي بعضها في
إثر بعض قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل اللغة إلا الأصمعي
فإنه قال تترى من واترت عليه الكتب أي بينها مهلة
(4/458)
وتترى الأصل فيه من الوتر وهو الفرد فمن
قال تترى بالتنوين فالأصل عنده وترا ثم أبدل من الواو تاء كما
يقال تالله بمعنى والله
ومن قرأ تترى بلا تنوين فالمعنى عنده كهذا إلا أنه جعلها ألف
تأنيث ويقال تتر كما يقال وتر والمعنى أرسلناهم فردا فردا إلا
أنه قد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم أرسلنا رسلنا تترى
قال يقول يتبع بعضها بعضا 29 - وقوله جل وعز وجعلناهم أحاديث
آية 44
(4/459)
قال أبو عبيدة أي مثلنا بهم ولا يقال في
الخير جعلته حديثا 30 - وقوله جل وعز وجعلنا ابن مريم وأمه آية
آية 50 قال قتادة ولدته من غير أب قال أبو جعفر ولم يقل آيتين
لأن الآية فيهما واحدة ويجوز أن يكون مثل قوله تعالى والله
ورسوله أحق أن يرضوه 31 - وقوله تعالى وأويناهما إلى ربوة آية
50
(4/460)
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس
في قوله جل وعز وآويناهما إلى ربوة قال نبئت أنها دمشق قال أبو
جعفر وكذا المعروف من قراءة ابن عباس إلى ربوة ويقال ربوة بفتح
الراء ويقال رباوة بفتح الراء
والألف وقرأ بها الأشهب العقيلي ويقال رباوة بالألف وضم الراء
ويقال رباوة بكسر الراء ومعناه المرتفع من كل شئ ومعنى الربوة
ما ارتفع من الأرض يقال ربا إذا ارتفع وزاد ومنه الربا في
البيع وقد اختلف في معنى هذا الحرف فقال ابن عباس ما ذكرناه
وكذلك روى يحيي بن سعيد عن سعيد بن بن المسيب
(4/461)
وآويناهما إلى ربوة قال دمشق وروى معمر عن
قتادة قال بيت المقدس وقال كعب الأحبار بيت المقدس أقرب إلى
السماء بثمانية عشر ميلا وقال وهب بن منبه مصر وروى سالم
الأفطس عن سعيد بن جبير وآويناهما إلى ربوة قال النشز من الأرض
وقال الضحاك ما ارتفع من الأرض وقد روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أن الربوة ههنا الرملة فاما ابن زيد فقال إلى ربوة من ربى
مصر قال وليس الربى إلا بمصر والماء حين يرسل تكون الربى عليها
القرى ولولا
(4/462)
الربى غرقت تلك القرى قال أبو جعفر والصواب
أن يقال إنها مكان مرتفع ذو
استواء وماء ظاهر 32 - ثم قال تعالى ذات قرار ومعين آية 50 قال
قتادة ذات ماء وثمار وروى سالم عن سعيد بن جبير ذات قرار
مستوية معين ماء ظاهر وروى علي بن الحكم عن الضحاك ومعين قال
الماء الجاري
(4/463)
قال أبو جعفر معنى ذات قرار في اللغة يستقر
فيها والذي قال سعيد بن جبير حسن ومعين فيه ثلاث تقديرات
إحداهن أن يكون مفعولا قال أبو إسحاق هو الماء الجاري في
العيون فالميم على هذا زائدة كزيادتها في مبيع وكذلك الميم
زائدة في قول من قال إنه الماء الذي يرى بالعين وقيل إنه فعيل
بمعنى مفعول قال علي بن سليمان يقال معن الماء إذا جرى وكثر
فهو معين وممعون قال وأنشدني محمد بن يزيد بيتا لم يحفظ منه
إلا قوله وماء ممعون قال ويقول معين ومعن كما يقال رغيف ورغف
(4/464)
والقول الثالث حدثناه محمد بن الوليد عن
أحمد بن
يحيي عن ابن الأعرابي قال معن الماء يمعن معونا جرى وسهل وأمعن
أيضا وأمعنته أنا ومياه معنان 33 - وقوله جل وعز يا أيها الرسل
كلوا من الطيبات واعملوا صالحا آية 51 قال أبو إسحق هذا مخاطبة
للنبي صلى الله عليه وسلم ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا
أمروا أي كلوا من الحلال 34 - وقوله جل وعز وأن هذه أمتكم أمة
واحدة آية 52 المعنى ولأن أي ولأن دينكم دين واحد وهو الإسلام
فاتقون
(4/465)
35 - ثم خبر أن قوما فرقوا أديانهم فقال جل
وعز فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا آية 53 قال قتادة أي كتبا قال
الفراء أي صاروا يهود ونصارى وقرأ الأعمش فتقطعوا أمرهم بينهم
زبرا وهو جمع زبرة أي قطعا وفرقا 36 - ثم قال جل وعز كل حزب
بما لديهم فرحون آية 53 أي معجبون 37 - ثم قال تعالى فذرهم في
غمرتهم حتى حين آية 54
(4/466)
قال قتادة في غمرتهم أي في جهالتهم حتى حين
قال مجاهد حتى الموت 38 - ثم قال تعالى أيحسبون أنما نمدهم به
من مال وبنين نسارع
لهم في الخيرات آية 56 55 الخبر محذوف والمعنى نسارع لهم به
وهذا قول أبي إسحق ولهشام الضرير فيه قول وهو أن ما هي الخيرات
فصار المعنى نسارع لهم فيه بغير حذف أيحسبون أن ما نمدهم به من
مال وبنين مجازاة لهم وخير وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع
لهم في
(4/467)
الخيرات بالياء وكسر الراء 3 وهذا يجوز أن
يكون على غير حذف أي يسارع لهم الأمداد ويجوز أن يكون فيه حذف
ويكون المعنى يسارع الله لهم به في الخيرات 39 - وقوله جل وعز
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إلى قوله جل وعز والذين يؤتون
ما آتوا وقلوبهم وجلة آية 60 57 قال عبد الرحمن بن سعيد
الهمذاني عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن قوله تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
أهو الرجل يزني أو يسرق أو يشرب الخمر فقال لا يا ابنة الصديق
ولكنه الرجل يصلي
(4/468)
ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يتقبل منه
وروى ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله جل وعز والذين
يؤتون ما آتوا قال يعطون ما أعطوا قال أبو جعفر هكذا روي هذا
وهكذا معنى يؤتون يعطون ولكن المعروف من قراءة ابن عباس والذين
يأتون ما أتوا وهي القراءة المروية عن النبي صلى الله عليه
وسلم وعن عائشة ومعناها يعملون ما عملوا كما روي في الحديث 40
- وقوله جل وعز أنهم إلى ربهم راجعون آية 60
(4/469)
قال الفراء المعنى من أنهم وقال أبو حاتم
المعنى لأنهم إلى ربهم راجعون 41 - ثم قال تعالى أولئك يسارعون
في الخيرات آية 61 قال أبو جعفر سارع وأسرع بمعنى واحد إلا 42
- ثم قال جل وعز وهم لها سابقون آية 61 فيه ثلاثة أقوال المعنى
وهم إليها سابقون كما قال بأن ربك أوحى لها أي أوحى إليها
وأنشد سيبويه تجانف عن جو اليمامة ناقتي * وما قصدت من أهلها
لسوائكا * وقيل معنى وهم لها من أجلها أي من أجل
(4/470)
اكتسابها كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من
أجلك وقيل لما قال وهم لها سابقون دل على السبق كأنه
قال سبقهم لها 43 - وقوله جل وعز بل قلوبهم في غمرة من هذا آية
63 أي في غفلة وغطاء متحيرة ويقال غمره الماء إذا غطاه ونهر
غمر يغطي من دخله ورجل غمر تغمره آراء الناس وقيل غمرة لأنها
تغطي الوجه ومنه دخل في غمار الناس في قول من قاله معناه فيما
يغطيه من الجمع وقوله من هذا فيه قولان
(4/471)
أحدهما أن مجاهد قال بل قلوبهم في عماية من
القرآن فعلى قول مجاهد هذا إشارة إلى القرآن وقال قتادة وصف
أهل البر فقال والذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين والذين ثم
وصف أهل الكفر فقال بل قلوبهم في غمرة من هذا فالمعنى على قول
قتادة من هذا البر 44 - ثم قال تعالى ولهم أعمال من دون ذلك هم
لها عاملون آية 63 فيه قولان أحدهما أن الحسن قال ولهم أعمال
ردية لم يعملوها وسيعملونها فيه
(4/472)
قال مجاهد أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها ب
وقال قتادة رجع إلى أهل البر فقال ولهم أعمال من دون ذلك قال
أي سوى ما عدد 45 - وقوله جل وعز حتى إذا أخذنا مترفيهم
بالعذاب إذا هم يجارون آية 64 قال قتادة اي يجزعون وحكى أهل
اللغة جأر يجأر إذا رفع صوته قال مجاهد والضحاك العذاب الذي
أخذوا به السيف قال مجاهد يوم بدر
(4/473)
46 - وقوله جل وعز قد كانت آياتي تتلى
عليكم آية 66 قال الضحاك قبل أن تعذبوا بالقتل 47 - ثم قال
تعالى فكنتم على أعقابكم تنكصون آية 66 قال مجاهد تستأخرون 48
- ثم قال تعالى مستكبرين به آية 67 قال ابن عباس ومجاهد وقتادة
والضحاك والحسن وأبو مالك مستكبرين بالحرم قال أبو مالك لأمنهم
والناس يتخطفون حولهم قال أبو جعفر وقيل مستكبرين بالقرآن أي
يحضرهم عند قراءته استكبار
والقول الأول أولى والمعنى إنهم يفتخرون بالحرم فيقولون نحن
أهل حرم الله عز وجل
(4/474)
49 - ثم قال تعالى سامرا تهجرون آية 67 قال
أبو العباس يقال للجماعة يجتمعون للحديث سامر وسمار فسامر كما
تقول باقر لجماعة البقر وجامل لجماعة الجمال أي يجتمعون للسمر
وأكثر ما يستعمل سامر للذين يسمرون ليلا قال أبو العباس وأصل
هذا من قولهم لا أكلمه السمر والقمر أي الليل والنهار وقال
الثوري يقال لظل القمر السمر قال أبو إسحق ومنه السمرة في
اللون ويقال له الفخت ومنه فاخته
(4/475)
قال أبو جعفر وفي قوله تهجرون قولان قال
الحسن تهجرون نبي وكتابي وقال غيره تهجرون تهذون يقال هجر
المريض يهجر هجر إذا هذى وقرأ ابن عباس تهجرون بضم التاء وكسر
الجيم وقال يسمورن صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون
الهجر
وقال عكرمة تهجرون تشركون وقال الحسن تسبون النبي صلى الله
عليه وسلم وقال مجاهد تقولون القول السيئ في القرآن
(4/476)
قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة يقال
أهجر يهجر إذا نطق بالفحش وقال الخني وقال والإسم منه الهجر
ومعناه أنه تجاوز ومنه قيل الهاجرة إنما هو تجاوز الشمس من
المشرق إلى المغرب وقرأ أبو رجاء سمارا وهو جمع سامر كما قال
الشاعر فقالت سباك الله إنك فاضحي ألست ترى السمار والناس
أحوالي 50 - ثم قال جل وعز أفلم يدبروا القول آية 68 أي القرآن
(4/477)
51 - وقوله جل وعز ولو اتبع الحق أهواءهم
آية 71 روى سفيان عن إسماعيل عن أبي صالح ولو اتبع الحق قال
الله عز وجل وقيل المعنى بل جاءهم بالقرآن ولو اتبع القرآن
أهواءهم أي لو نزل بما يحبون لفسدت السموات والأرض ومن فيهن 52
- ثم قال الله تعالى بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون
آية 71 روى معمر عن قتادة بذكرهم قال بالقرآن
قال أبو جعفر والمعنى على قوله بل آتيناهم بما لهم فيه ذكر ما
يوجب الجنة لو اتبعوه
(4/478)
وقيل الذكر ههنا الشرف 53 - وقوله جل وعز
أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير آية 72 قال الحسن خرجا أي أجزأ
قال أبو حاتم الخراج الجعل والخراج العطاء إن شاء الله أو نحو
ذلك 54 - وقوله جل وعز وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط
لناكبون آية 74 روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول عن
الصراط لناكبون عن الحق لعادولون أنه قال أبو جعفر والصراط في
اللغة الطريق المستقيم
(4/479)
ويقال نكب عن الحق إذا عدل عنه والمعنى
إنهم عن القصد لعادلون 55 - وقوله جل وعز ولقد أخذناهم بالعذاب
فما استكانوا لربهم وما يتضرعون آية 76 ولقد أخذناهم بالعذاب
أي بالخوف ونقص الأموال والأنفس فما استكانوا لربهم أي فما
خضعوا 56 - وقوله جل وعز حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب
شديد
آية 77 قيل يعني الجوع وقيل السيف إذا هم فيه مبلسون أي
متحيرون يائسون من الخير 57 - قوله تعالى وله اختلاف الليل
والنهار آية 80
(4/480)
قال الفراء معنى وله اختلاف الليل والنهار
هو خالقها كما تقول لك الأجر والصلة 58 - وقوله جل وعز قل لمن
الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله آية 84 هذه الآية
لا اختلاف فيها واللتان بعدها يقرؤهما أبو عمرو سيقولون الله
وأكثر القراء يقرءون سيقولون لله فمن قرأ سيقولون لله جاء
بالجواب على اللفظ ومن قرأ سيقولون لله جاء به على المعنى كما
يقال لمن هذه الدار فيقول لزيد على اللفظ وصاحبها زيد على
المعنى
(4/481)
ومن صاحب هذه الدار فيقول زيد على اللفظ
ولزيد فيجزئك عن ذلك ويجوز في الأولى سيقلون وهو الله في
العربية 59 - وقوله جل وعز وهو يجير ولا يجار عليه آية 88 أي
وهو يجير من عذابه ومن خلقه ولا يجير عليه أحد
من خلقه 60 - وقوله جل وعز قل فأنى تسحرون آية 89 معنى فأنى
تسحرون فأنى تصرفون عن الحق 61 - وقوله جل وعز ما أتخذ الله من
ولد وما كان معه من أله إذا لذهب كل إله بما خلق آية 91 في
الكلام حذف أي لو كانت معه آلهة لا نفرد كل إله بخلقه
(4/482)
ولعلا بعضهم على بعض اي لغالب بعضهم بعضا
62 - وقوله جل وعز قل ربي إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني
في القوم الظالمين آية 94 93 النداء معترض والمعنى إما تريني
ما يوعدون فلا تجعلني في القوم الظالمين 63 - وقوله جل وعز
ادفع بالتي هي أحسن السيئة آية 96 قال مجاهد وعطاء وقتادة يعني
السلام إذا لقيته فسلم عليه
(4/483)
64 - وقوله جل وعز وقل رب أعوذ بك من همزات
الشياطين آية 97 أصل الهمز النخس والدفع وقيل فلان همزة كأنه
ينخس من عابه فهمز الشيطان مسه ووسوسته
65 - وقوله جل وعز حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون آية
99 يعني المذكورين الذين لا يؤمنون بالبعث قال رب ارجعون ولم
يقل ارجعن فخاطب على ما يخبر الله جل وعز به عن نفسه كما قال
إنا نحن نحي الموتى وفيه معنى التوكيد والتكرير 66 - وقوله جل
وعز كلا إنها كلمة هو قائلها آية 100
(4/484)
كلا ردع وزجر وتنبيه 67 - ثم قال جل وعز
ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون آية 100 قال أبو عبيدة أي من
أمامهم قال مجاهد البرزخ حجاب بين الموت والرجوع إلى الدنيا
قال الضحاك هو ما بين الدنيا والآخرة قال أبو جعفر والعرب تسمي
كل حاجز بين شيئين برزخا كما قاله سبحانه بينهما برزخ لا
يبغيان
(4/485)
68 - وقوله جل وعز فإذا نفخ في الصور فلا
أنساب بينهم ولا يتساءلون قال أبو عبيدة هو جمع صورة قال أبو
جعفر يذهب إلى ان المعنى فإذا نفخ في صور
الناس الأرواح وهذا غلط عند أهل التفسير واللغة روى أبو
الزعراء عن عبد الله بن مسعود فإذا نفخ في الصور قال في القرن
روى عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه
ينتظر متى يؤمر قال المسلمون يا رسول الله فما نقول قال قولوا
حسبنا الله ونعم الوكيل عليه توكلنا ولا يعرف أهل اللغة في جمع
صورة إلا صورا ولو كان جمع صورة لكان ثم نفخ فيها إلا على بعد
من الكلام
(4/486)
قال أبو جعفر وهذه الاية مشكلة لأنه قال جل
وعز فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون وقال في موضع آخر واقبل
بعضهم على بعض يتساءلون والجواب عن هذا وهو معنى قول عبد الله
بن عباس وان خالف بعض لفظه والمعنى واحد أنه إذا نفخ في الصور
أول نفخة تقطعت الأرحام وصعق من في السموات ومن في الأرض وشغل
بعض الناس عن بعض بأنفسهم فعند ذلك لا أنساب بينهم يومئذ ولا
يتساءلون قال أبو جعفر ومعنى يومئذ 6 في قوله فلا انساب بينهم
يومئذ كما تقول أنا اليوم كذا أي في هذا الوقت لا تريد وقتا
بعينه 69 - وقوله جل وعز تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون
آية 104
(4/487)
روى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال
الكالح صلى الله عليه وسلم الذي قد بدت أسنانه وتقلصت شفته
كالرأس المشيط بالنار 70 - وقوله جل وعز قالوا ربنا غلبت علينا
شقوتنا آية 106 قال مجاهد أي التي كتبت علينا 71 - وقوله جل
وعز قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون آية 108 يقال خسأته إذا باعدته
بانتهار 72 - وقوله جل وعز فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري
آية 110 قال الحسن وقتادة وأبو عمرو بن العلاء وهذا معنى ما
قالو السخري بالضم ما كان من جهة السخرة والسخري
(4/488)
بالكسر ما كان من الهزؤ 73 - وقوله جل وعز
إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون آية 111 أي لأنهم
ويجوز أن يكون المعنى إني جزيتهم الفوز 74 - وقوله جل وعز
قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين آية 113 قال مجاهد
فاسأل العادين الملائكة
(4/489)
وقال قتادة أي الحساب 75 - وقوله جل وعز
ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به آية 117 قال مجاهد أي
لا بينة له به انتهت سورة المؤمنون
(4/490)
تفسير سورة النور
مدنية وآياتها 64 آية
(4/491)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة النور وهي
مدينة 1 - من ذلك قوله جل وعز سورة أنزلناها وفرضناها آية 1 أي
هذه سورة وقرأ الأعرج ومجاهد وقتادة وأبو عمرو وفرضناها قال
قتادة أي بيناها وقال أبو عمرو أي فصلناها ومعنى فرضناها فرضنا
الحدود التي فيها أي أوجبناها بأن جعلناها فرضا
(4/493)
2 - وقوله جل وعز الزانية والزاني فاجلدوا
كل واحد منهما مائة جلدة
قال أبو جعفر ليس بين أهل التفسير اختلاف أن هذا ناسخ لقوله
تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية ولقوله
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فكان من زنى من النساء حبست حتى
تموت ومن زنى من الرجال أوذي قال مجاهد بالسب ثم نسخ ذلك بقوله
تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
واختلفوا في المعنى فقال أكثر أهل التفسير هذا عام يراد به خاص
والمعنى الزانية والزاني من الأبكار فاجلدوا كل واحد منهما
مائة جلدة
(4/494)
وقال بعضهم هو عام على كل من زنى من بكر
ومحصن واحتج بحديث عبادة وبحديث علي رضي الله عنه أنه جلد
شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله عز
وجل ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 3 - وقوله جل
وعز ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله قال مجاهد وعطاء والضحاك
أي في تعطيل الحدود
(4/495)
والمعنى على قولهم لا ترحموهما إذا فتتركوا
حدهما إذا زنيا 4 - وقوله جل وعز وليشهد عذابهما طائفة من
المؤمنين
روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الطائفة الرجل فما
فوقه وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الطائفة الرجل فما زاد
وكذا قال الحسن والشعبي وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن
عطاء قال الطائفة الرجلان فصاعدا وقال مالك الطائفة أربعة
(4/496)
قال أبو إسحاق لا يجوز أن تكون الطائفة
واحدا لأن معناها معنى الجماعة والجماعة لا تكون لأقل من اثنين
لأن معنى طائفة قطعة يقال أكلت طائفة من الشاة أي قطعة منها
وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل وإن طائفتان
من المؤمنين اقتتلوا أنهما كانا رجلين قال أبو جعفر إلا أن
الأشبه بمعنى الآية والله أعلم أن تكون الطائفة لأكثر من واحد
في هذا الموضع لأنه إنما يراد به الشهرة وهذا بالجماعة أشبه 5
- وقوله جل وعز الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا
ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين قال مجاهد
والزهري وقتادة كان في الجاهلية نساء معلوم منهن الزنى فأراد
ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت فنزلت الآية
(4/497)
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة وهذا
القول الأول وقال الحسن الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله قال
حبيب المعلم فقال رجل لعمرو بن شعيب إن الحسن يقول كذا فقال ما
عجبك من هذا حدثني سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله
وقال إبراهيم النخعي نحوه وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
النكاح ههنا الجماع وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال
الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية من أهل القبلة أو
مشركة والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان من أهل القبلة
أو مشرك
(4/498)
قال أبو جعفر فهذه ثلاثة أقوال وفي الآية
قول رابع كأنه أولاها حدثنا إسحاق بن إبراهيم المعروف بالقطان
قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثنا
يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب أنه قال
يزعمون أن تلك الآية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة
والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك نسخت بالآيات التي بعدها
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم فدخلت
الزانية في أيامى المسلمين
وإنما قلنا كأن هذا أولى لأن حديث القاسم عن عبد الله مضطرب
الإسناد وحديث سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله قبل نزول
الآية الناسخة
(4/499)
والقول الثالث أن يكون النكاح هو الجماع
زعم أبو إسحاق أنه بعيد وأنه لا يعرف في القرآن النكاح بمعنى
الجماع وقوله تعالى وحرم ذلك على المؤمنين فدل على أنه التزويج
لأنه لا يقال في الزنى هو محرم على المؤمن خاصة وقول من قال
إنهن نساء معلومات يدل على أن ذلك كان في شئ بعينه ثم زال فقد
صار قول سعيد أولاها وأيضا فإن سعيدا قال يزعمون فدل على أنه
أخه عن غيره وإنما يأخذه عن الصحابة 6 - ثم قال جل وعز وحرم
ذلك على المؤمنين
(4/500)
قال ابن عباس يعني الزنى 7 - وقوله جل وعز
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا
الذين تابوا من بعد ذلك قال أبو جعفر في هذه الآية ثلاثة أحكام
على القاذف منها جلده وترك قبول شهادته وتفسيقه وفيها ثلاثة
أقوال
أحدها قاله الحسن وشريح وإبراهيم أن الاستثناء من قوله وأولئك
هم الفاسقون وقالوا لا تقبل شهادته وإن تاب وهذا قول الكوفيين
(4/501)
والقول الثاني أن يكون الاستثناء من قوله
تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أي إلا من تاب فإنه تقبل
شهادته وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد وطاووس ويروى عن عمر ابن
الخطاب أنه قال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك وهذا قول أهل
المدينة والقول الثالث يروى عن الشعبي أنه قال الاستثناء من
الأحكام الثلاثة فإذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته
وزال عنه التفسيق لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء وقد قال
الله عز وجل وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
(4/502)
قال أبو جعفر يجوز أن يكون الاستثناء من
قوله وأولئك هم الفاسقون كما ذكرنا في القول الأول ويكون الذين
في موضع نصب إلا أنه يجب أن يزول عنه اسم الفسوق فيجب قبول
شهادته ويكون عدلا ويجوز أن يكون الاستثناء من قوله ولا تقبلوا
لهم شهادة
أبدا ويكون الذين في موضع خفض بمعنى إلا الذين تابوا ويكون
قبول شهادته أوكد وهو أيضا متعارف عن عمر فهو أولى أيضا لهذا
ويجوز أن يكون كما روي عن الشعبي إلا أن الفقهاء على خلافه وفي
الكلام حذف المعنى والذين يرمون المحصنات بالزنى ثم حذف لأن
قبله ذكر الزانية والزاني والفائدة في قوله جل وعز ولا تقبلوا
لهم شهادة أبدا أن أبدا مقدار مدة حياة الرجل ومقدار انقضاء
قصته فإذا قلت الكافر لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام
كافرا
(4/503)
وإذا قلت القاذف لا تقبل له شهادة أبدا
فمعناه ما دام قاذفا وهذا من جهة اللغة وكلام العرب يؤكد قبول
شهادته وألا يكون أسوأ حالا من القاتل 8 - وقوله جل وعز والذين
يرمون أزواجهم في هذا قولان أحدهما أن المعنى والذين يقولون
لأزواجهم يا زواني أو يقول لها رأيتك تزنين وهذا قول أهل
الكوفة والقول الآخر أنه يقول لها رأيتك تزنين لا غير وهذا قول
أهل المدينة قال أبو جعفر والقول الأول أولى لأن الرمي في قوله
والذين يرمون المحصنات هو أن يقول لها يا زانية أو رأيتك تزنين
فيجب أن يكون هذا مثله
(4/504)
9 - ثم قال جل وعز ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم روى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كان رجل معنا
جالسا ليلة جمعة فقال إن أحدنا وجد مع امرأته رجلا فإن قتله
قتلتموه وإن تكلم حددتموه وإن سكت سكت عل غيظ اللهم احكم
فأنزلت والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى
آخر الآية وقال سهل بن سعد جاء عويمر إلى النبي صلى الله عليه
وسلم في وسط الناس فسأله وذكر الحديث وقال في آخره فطلقها
ثلاثا وقال عبد الله بن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بينهما 10 - وقوله جل وعز والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين
(4/505)
وتقرأ والخامسة بمعنى ويشهد الشهادة
الخامسة والمعنى أنه لعنة الله عليه وأنشد سيبويه * في فتية
كسيوف الهند قد علموا * أن هالك كل من يحفى وينتعل * 11 -
وقوله جل وعز ويدرأ عنها العذاب معنى يدرأ يدفع وفي معنى
العذاب ههنا قولان
أحدهما أنه الحبس والآخر أنه الحد
(4/506)
12 - وقوله جل وعز ولولا فضل الله عليكم
ورحمته وأن الله ثواب حكيم في الكلام حذف والمعنى ولولا فضل
الله عليكم ورحمته لنال الكاذب منكم عذاب عظيم 13 - وقوله جل
وعز إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم قال الضحاك هم الذين
قالوا لعائشة ما قالوا قال أبو جعفر يقال للكذب إفك وأصله من
قولهم أفكه يأفكه إذا صرفه عن الشئ فقيل للكذب إفك لأنه مصروف
عن الصدق ومقلوب عنه ومنه المؤتفكات والذين جاءوا بالإفك فيما
روي عبد الله بي أبي
(4/507)
ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت ثم قال تعالى
لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم فالمخاطبة لعائشة وأهلها
وصفوان أي تؤجرون فيه ونزل فيهم القرآن 14 - وقوله جل وعز
والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم روى ابن ابي نجيح عن مجاهد
قال الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول
وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت هو عبد الله بن أبي
(4/508)
وقرأ حميد بن قيس ويعقوب والذي تولى كبره
بضم الكاف قال يعقوب كما تقول الذي تولى عظمه قال الفراء هو
وجه جيد في النحو قال أبو جعفر وخالفه في ذلك الرؤساء من
النحويين قيل لأبي عمرو بن العلاء أتقرأ والذي تولى كبره فقال
لا إنما الكبر في النسب قال أبو جعفر يريد أنه يقال الكبر من
ولد فلان لفلان 15 - وقوله جل وعز لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون
والمؤمنات بأنفسهم خيرا
(4/509)
أي هلا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا
أي بأهل دينهم ومن يقوم مقامهم ومعنى قوله أفضتم فيه خضتم فيه
16 - وقوله جل وعز إذ تلقونه بألسنتكم قال مجاهد أي يرويه
بعضكم عن بعض وقرأت عائشة وابن يعمر إذ تلقونه بألسنتكم بكسر
اللام وضم القاف يقال ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره 17 -
وقوله جل وعز يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا
قال مجاهد أي ينهاكم
(4/510)
18 - وقوله جل وعز إن الذين يحبون أن تشيع
الفاحشة في الذين آمنوا روى سعيد عن قتادة قال أن يظهر الزنى
19 - وقوله جل وعز ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة قل أبو
جعفر فيه قولان أحدهما رواه علي بن أبي طلحة عن أبن عباس قال
لا يقسموا ألا ينفعوا أحدا والآخر أن المعنى لا يقصروا من
قولهم ما ألوت أن أفعل قال هشام ومنه قول الشاعر ألا رب خصم
فيك ألوى رددته نصيح على تعذاله غير مؤتلي *
(4/511)
قال أبو جعفر القول الأول أولى لأن الزهري
روى عن سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد
الله عن عائشة قالت كان أبو بكر ينفق على مسطح بن أثاثة
لقرابته وفقره فقال والله لا أنفق عليه بعدما قال في عائشة ما
قال فأنزل الله عز وجل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن
يؤتوا أولي القربى قال أبو جعفر والتقدير في العربية ولا يحلف
أولو الفضل
كراهة أن يؤتوا وعلى قول الكوفيين لأن لا يؤتوا ومن قال معناه
ولا يقصر فالتقدير عنده ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا فإن
قيل أولو لجماعة وفي الحديث أن المراد أبو بكر فالجواب أن علي
بن الحكم روى عن الضحاك قال قال أبو بكر
(4/512)
وغيره من المسلمين لا نبر أحدا ممن ذكر
عائشة فأنزل الله عز وجل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى
آخر الآية 20 - وقوله جل وعز إن الذين يرمون المحصنات الغافلات
المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم روى سفيان عن
خصيف قال سألت سعيد بن جبير من قذف محصنة لعن في الدنيا
والآخرة فقال هذا خاص بعائشة وروى سلمة بن نبيط عن الضحاك قال
هذا في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة قال أبو جعفر وقول
ابن عباس والضحاك أولى من القول الأول لأن قوله المحصنات يدل
على جمع
(4/513)
وقيل خص بهذا أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم فقيل لمن قذفهن ملعون في الدنيا والآخرة ومن قذف غيرهن
قيل له فاسق ولم يقل له هذا 21 - وقوله جل وعز يومئذ يوفيهم
الله دينهم الحق
الدين ههنا الحساب والجزاء كما قال تعالى ذلك الدين القيم وملك
يوم الدين 22 - وقوله جل وعز الخبيثات للخبيثين والخبيثون
للخبيثات والطيبات للطيبين والطيببون فقال للطيبات قال سعيد بن
جبير وعطاء ومجاهد أي الكلمات الخبيثات
(4/514)
للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس
للخبيثات من القول والخبيثات من الناس والطيبات من الكلام
للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من القول والطيبات
من الناس قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية والمعنى
الكلمات الخبيثات لا يقولهن إلا الخبيثون والخبيثات من الناس
والكلمات الطيبات لا يقولهن إلا الطيبون والطيبات من الناس ودل
على صحة هذا القول أولئك مبرءون مما
(4/515)
يقولون أي عائشة وصفوان مبرءون مما يقول
الخبيثون والخبيثات وجمع وإن كانا اثنين كما قال تعالى فإن كان
له إخوة هذا قول الفراء في الجمع وفي قوله تعالى الخبيثات
للخبيثين قولان آخران أقيل المعنى الخبيثات من الكلام إنما
تلصق بالخبيثين والخبيثات
من الناس لا بالطيبين والطيبات ب وقيل المعنى الخبيثون من
الرجال للخبيثات من النساء والخبيثات من النساء للخبيثين من
الرجال 23 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا
غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها قال عبد الله بن
عباس إنما هو حتى تستأذنوا
(4/516)
قال مجاهد هو التنحنح والتنخم قال أبو جعفر
الاستئناس في اللغة الاستعلام يقال استأنست فلم أر أحدا كما
قال النابغة كان رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على
مستأنس وحد أي على ثور قد فزع فهو يستعلم ذلك ومنه قول الشاعر
آنست نبأة وأفزعها القنا * ص عصرا وقد دنا الإمساء * ومنه قوله
جل وعز فإن آنستم منهم رشدا أي علمتم ويبين لك هذا الحديث
المرفوع
(4/517)
روى أبو بردة عن أبي موسى الأشعري قال جئت
الى عمر بن الخطاب أستأذن عليه فقلت السلام عليكم أندخل ثلاث
مرات فلم يؤذن لي فقال فهلا أقمت فقلت إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليستأذن المرء المسلم على
أخيه ثلاث مرات فإن أذن وإلا رجع فقال لتأتيني على هذا بمن
يشهد لك أو لتنالنك أي مني عقوبة فجئت إلى أبي بن كعب فجاء
فشهد لي قال أبو جعفر فهذا يبين لك أن معنى حتى تستأنسوا حتى
تستعلموا أيؤذن لكم أم لا 24 - وقوله جل وعز فإن لم تجدوا فيها
أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم
(4/518)
المعنى حتى يأذن لكم أصحابها بالدخول لأنه
لا ينبغي له أن يدخل إلى منزل غيره وإن علم أنه ليس فيه حتى
يأذن له صاحبه 25 - وقوله جل وعز ليس عليكم جناح أن تدخلوا
بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال مجاهد كانت بيوت في طرق
المدينة يجعل الناس فيها أمتعاتهم فأحل لهم أن يدخلوها بغير
إذن وروى سالم المكي عن محمد بن الحنفية قال هي بيوت الخانات
والسوق وقال الضحاك هي الخانات وقال جابر بن زيد ليس يعني
بالمتاع الجهاز وإنما هو البيت ينظر إليه أو الخربة يدخلها
لقضاء حاجة وكل متاع الدنيا منفعة
وقال عطاء فيها متاع لكم للخلاء والبول
(4/519)
وهذه الأقوال متقاربة وأبينها قول مجاهد
لأنه تعالى حظر عليهم بدءا أن يدخلوا غير بيوتهم ثم أذن لهم
إذا كان لهم في بيوت غيرهم متاع على جهة اكتراء أو نظيره أن
يدخلوا والذي قاله غير مجاهد جائز في اللغة لأن يقال لكل منفعة
متاع ومنه فمتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره 26 -
وقوله جل وعز قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم آية
30 قال قتادة أي عما لا يحل لهم من ههنا لبيان الجنس قال جرير
بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة
فقال اصرف بصرك
(4/520)
فأمره صلى الله عليه وسلم يصرف بصره لأنه
إذا لم يصرف بصره كان تاركا ما أمره الله جل وعز به وكان ناظرا
نظرة ثانية اختيارا كما قال أبو سلمة عن علي بن أبي طالب عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك
ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك
الآخرة 27 - وقوله جل وعز ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
آية 31 روى أبو اسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال
القرط والدملج والسوار 28 - ثم قال جل وعز إلا ما ظهر منها في
هذا اختلاف روى أبو الأحوص عن عبد الله قال الثياب
(4/521)
وهذا مبدأ أبي عبيد وروى نافع عن ابن عمر
قال الوجه والكفان وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه
والكف وبعضهم يقول عن ابن عباس الكحل والخضاب وكذلك قال مجاهد
وعطاء ومعنى الكحل والخضاب ومعنى الوجه والكف سواء وروت أم
شبيب عن عائشة قالت القلب والفتخة والفتخة الخاتم وجمعها فتخ
وفتخات قال أبو جعفر وهذا قريب من قول ابن عمر وابن عباس وهو
أشبه بمعنى الآية من الثيباب لأنه من جنس الزينة الأولى وأكثر
الفقهاء عليه ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في
(4/522)
الصلاة كل موضع منها يراه المرء وانه لا
يظهر منها إلا وجهها وكفاها والقلب السوار قال ذلك يحيى بن
سليمان الجعفي
29 - وقوله جل وعز أو نسائهن آية 31 يعني النساء المسلمات ولا
يجوز أن يبدين ذلك للمشركات لقوله سبحانه أو نسائهن 30 - ثم
قال جل وعز أو ما ملكت أيمانهن فيه أقوال الأول أن لهن أن
يبدين ذلك لعبيدهن وأن يروا شعورهن وهذا القول معروف من قول
عائشة وأم سلمة
(4/523)
جعلتا العبد بمنزلة المحرم في هذا لأنه لا
يحل أن يتزوج بسيدته ما دام مملوكا لها كما لا يحل ذلك لذوي
المحارم ويقوي هذا قوله سبحانه ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
والذين لم يبلغوا الحلم منكم والقول الثاني أنه ليس لعبيدهن أن
يروا منهن إلا ما يرى الأجنبي كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس أنه قال ولا ينظر عبدها إلى شعرها ولا نحرها وأما الخلخال
فلا ينظر إليه إلا الزوج وهو مذهب عبد الله بن مسعود ومجاهد
وعطاء والشعبي وروى أبو مالك عن ابن عباس خلاف هذا قال ينظر
العبد إلى شعر مولاته ويكون التقدير على القول الثاني أو ما
(4/524)
ملكت أيمانهن غير أولي الإربة أو التابعين
غير أولي الإربة ثم حذف كما قال الشاعر * نحن بما عندنا وأنت
بم * عندك راض والرأي مختلف * على أن يزيد بن القعقاع وعاصما
قرءا غير أولي الإربة بنصب غير فعلى هذا يجوز أن يكون
الاستثناء منهما جميعا والقول الثالث أن يكون أو ما ملكت
أيمانهن للإماء خاصة قال ذلك سعيد بن المسيب وقيل الصغار خاصة
قال أبو جعفر هذا بعيد في اللغة لأن ما عامة 31 - وقوله جل وعز
أو التابعين غير أولي الإربة قال عطاء هو الذي يتبعك وهمه بطنه
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو المغفل وقيل الطفل
وقال الشعبي هو الذي لا أرب له في النساء وقال عكرمة هو العنين
(4/525)
وهذه الأقوال متقاربة وهو الذي لا حاجة له
في النساء نحو الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين
والإربة والأرب الحاجة ومنه حديث وأيكم أملك لأربه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومن رواه لإربه فقد أخطأ لأنه يقال
قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا
32 - وقوله جل وعز أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء
الطفل ههنا بمعنى الأطفال يدل على هذا قوله الذين لم يظهروا
على عورات النساء أي لم يطيقوا ذلك كما تقول ظهر فلان على فلان
أي غلبه وقوى عليه
(4/526)
33 - ثم قال جل وعز ولا يضربن بأرجلهن
ليعلم ما يخفين من زينتهن قال أبو الجوزاء كن يضربن بأرجلهن
لتبدو خلاخيلهن وقال أبو مالك كن يجعلن في أرجلهن خرزا
ويحركنها ثنا حتى يسمع الصوت قال غيره فنهين عن ذلك لأنه يحرك
من الشهوة 34 - وقوله جل وعز وانكحوا الأيامى منكم والصالحين
من عبادكم وإمائكم آية 32 قال الضحاك هن اللواتي لا أزواج لهن
يقال رجل أيم وامرأة أيم وقد آمت تئيم
(4/527)
وقرأ الحسن والصالحين من عبيدكم يقال عبد
وعباد وعبيد 35 - وقوله تعالى إن يكونوا فقراء يغنهم الله من
فضله آية 32 وكذا قوله وإن يتفرقا يعن الله كلا من سعته أي
بالنكاح لأنه لم يجعل كل زوج مقصورا على زوج أبدا والفقر
الحاجة إلى الشئ المذكور بعقبه ومثله إنما الصدقات للفقراء أي
للفقراء إلى الصدقات وقد يكون الرجل فقيرا إلى الشئ وليس
بمسكين 36 - وقوله جل وعز والذين يبتغون الكتاب مما ملكت
أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا قيل هذا على الحض والندب
لا على الحتم والوجوب ولولا الإذن لما علمنا أن ذلك يجوز
(4/528)
وكتاب ومكاتبة بمعنى واحد كما يقال قتال
ومقاتلة 37 - ثم قال جل وعز إن علمتم فيهم خيرا قال أبو جعفر
في هذا اختلاف قال الحسن أي دينا وأمانة وقال ابراهيم النخعي
أي صدقا ووفاء وقال عبيدة إن أقاموا الصلاة وقال سعيد بن جبير
إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير قال أبو جعفر وأجمعها قول
سعيد بن جبير لأنه إذا أراد بذلك الخير استعمل الوفاء كما
يستعمل أهل الدين والوفاء والصدق والأمانة ومن يقيم الصلاة
ويرى لها حقا وفي الآية قول آخر قال مجاهد وعطاء الخير ههنا
المال
(4/529)
وهذا بعيد جدا لأنه كان يجب على هذا أن
يقول إن علمتم لهم خيرا وأيضا فإن العبد مال لمولاه فكيف يقال
إن علمتم لهم مالا وقال أشهب سئل مالك عن قوله جل وعز إن علمتم
فيهم خيرا فقال إنه ليقال الخير القوة والأداء قال أبو جعفر
وهذا قول حسن أي قوة على الاحتراف والاكتساب ووفاء بما أوجب
نفسه وصدق لهجة فأما المال وإن كان من الخير فليس هو في العبد
وإنما يكون عنده أو له 38 - ثم قال جل وعز وآتوهم من مال الله
الذي آتاكم آية 33 قال أبو جعفر في هذا ثلاثة أقوال أحدهما أن
يكون على الحض والندب كما روى ابن بريدة عن أبيه قال حثهم على
هذا ويروى هذا عن عمر وعثمان والزبير وعن ابراهيم النخعي
(4/530)
ويكون المعنى وأعطوهم ما يستعينون به على
قضاء الكتابة بدفع إليهم أو بإسقاط عنهم والقول الثاني أن يسقط
المكاتب عن مكاتبه شيئا محدودا روي عن علي بن أبي طلب قال
الربع وكذا قال مجاهد وعن ابن مسعود قال الثلث والقول الثالث
قال سعيد بن جبير قال يضع عنه شيئا
من كتابته ولم يحدوه قال أبو جعفر قيل أولاها القول الأول
لجلالة من قال به وأيضا فإن قوله تعالى وآتوهم من مال الله
الذي آتاكم معطوف على قوله فكاتبوهم فيجب في العربية أن يكون
مثله على الحض والندب
(4/531)
وأيضا فإن قول علي عليه السلام الربع وقول
عبد الله الثلث لا يوجب أن يكون ذلك حتما واجبا ويحتمل أن يكون
على الندب 39 - وقوله جل وعز ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
قال مجاهد نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول أمر أمته أن تزني
فجاءته ببرد فأمرها أن تعود إلى الزنى فأبت فأنزل الله عز وجل
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء وروى أبو سفيان عن جابر وعكرمة
عن ابن عباس قال نزلت في عبد الله بن أبي أكره أمته على الزنى
فأنزل الله جل وعز ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
(4/532)
ويسأل عن قوله جل وعز إن أردن تحصنا
فالجواب أن المعنى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء البتة وقوله
جل وعز إن أردن تحصنا متعلق بقوله سبحانه وانكحوا الأيامى منكم
إن أردن تحصنا
ومعنى قوله لتبتغوا عرض الحياة الدنيا لتبتغوا أجورهن مما
يكسبن 40 - وقوله تعالى ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن
غفور رحيم آية 33
(4/533)
قال مجاهد فإن الله للمكرهات من بعد
إكراههن غفور رحيم 41 - ثم قال جل وعز ولقد أنزلنا إليكم آيات
مبينات آية 34 قال قتادة يعني القرآن فيه بيان الحلال من
الحرام ويقرأ مبينات بكسر الياء أي بينات هاديات 42 - وقوله جل
وعز الله نور السموات والأرض آية 35 هو تمثيل أي بنوره يهتدي
أهل السموات والأرض والتقدير الله ذو نور السموات والأرض
والهدي يمثل بالنور 43 - ثم قال جل وعز مثل نوره كمشكاة فيها
مصباح آية 35 روى علي بن طلحة عن ابن عباس الله نور
(4/534)
السموات والأرض قال هادي أهل أهل السموات
والأرض كما هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضئ قبل
أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء كذا قلب المؤمن يعمل
الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على
نور
كما قال ابراهيم صلى الله عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة
حين رأى الكوكب هذا ربي من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما
أخبره الله جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه قال ابن عباس
هذا للمؤمن وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن
(4/535)
وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ
مثل نور المؤمن وقال زيد بن أسلم مثل نوره يعني القرآن قال أبو
جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن
عباس للمؤمن ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة قال
ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة وروى أبي بن كعب في قوله
تعالى لا شرقية ولا غربية أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي
شرقية غربية
(4/536)
وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق
والغروب وذلك أصفى لدهنها ثم قال تعالى يكاد زيتها يضئ أي
لصفائه ولو لم تمسسه نار تم الكلام 44 - ثم قال جل وعز نور على
نور
قال الضحاك أي الإيمان والعمل وقال غيره نور السراج على نور
الزيت والقنديل وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها
الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور
على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة
وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه
وكذا نور القرآن ونور الإيمان
(4/537)
45 - وقوله جل وعز في بيوت أذن الله أن
ترفع ويذكر فيها اسمه والمعنى كمشكاة في بيوت وقيل المعنى
المصباح في بيوت وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت قال الحسن
في بيوت أي مساجد أذن الله أن ترفع أي تعظم وتصان وقال عكرمة
هي البيوت كلها وقال مجاهد أن ترفع أي تبنى 46 - وقوله جل وعز
يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن
ذكر الله
(4/538)
قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن
حضور الصلاة في
جماعة وقال سالم جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا
حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت رجال لا
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
47 - وقوله جل وعز يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار أي
تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر
ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها
(4/539)
فتنظر ومثله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم
حديد 48 - ثم مثل جل وعز عمل الكافر بعد المؤمن فقال والذين
كفروا أعمالهم كسراب بقيعة قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال
جيرة وجار وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد والقاع والقيعة عند
أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت
(4/540)
49 - ثم قال جل وعز يحسبه الظمآن ماء أي
العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه
ماء 50 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما
قدره ووجد أرضا لا ماء فيها وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر
يتوهم أن عمله ينفعه حتى إذا جاءه أي مات لم يجد عمله شيئا لأن
الله جل وعز قد محقه وأبطله بكفره ووجد الله عنده أي عند عمله
فوفاه حسابه أي جزاءه فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد ثم مثله
بما يرى فقال
(4/541)
51 - قال جل وعز أو كظلمات ثم في بحر لجي
وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر قال أبي بن كعب الكافر كلامه
ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة 52 - وقوله جل وعز إذا أخرج
يده لم يكد يراها 6 قال أبو عبيدة أي لم يرها ولم يكد يراها 6
أي لا يراها إلا على بعد قال أبو أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا
أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية
بعيدة ولا قريبة 53 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله يسبح له من
في السموات
(4/542)
والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته
وتسبيحه حدثنا الفريابي قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال
أخبرنا
شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله كل قد علم صلاته
وتسبيحه الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه 54 -
وقوله جل وعز ألم تر أن الله يزجي سحابا أي يسوقه ثم يؤلف بينه
أي يجمع القطع المتفرقة حتى تتألف ثم يجعله ركاما أي بعضه فوق
بعض فترى الودق يخرج من خلاله الودق المطر يقال ودقت سرته تدق
ودقا ودقة وكل خارج وادق كما قال فلا مزنة ودقت ودقها * ولا
أرض أبقل إبقالها *
(4/543)
وخلال جمع خلل يقال جبل وجبال 55 - ثم قال
جل وعز وينزل من السماء من جبال فيها من برد قيل المعنى من
جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد أي هذا خاتم
حديد في يدي كما يقال جبال من طين وجبال طين وقيل إن المعنى من
مقدار جبال ثم حذف كما تقول عند فلان جبال مال والأخفش يذهب
إلى أن من فيهما زائدة أي جبالا فيها برد
قال وقال بعضهم الجبال من برد فيها في السماء وتجعل الإنزال
منها
(4/544)
56 - وقوله جل وعز يكاد سنا برقه يذهب
بالأبصار أي ضوء برقه وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قال البرق مخاريق الملائكة وقال عبد الله بن عمرو
هو ما يكون من جبال البرد حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية
عن الأعمش عن طلحة بن مصرف أنه قرأ يكاد سنا برقه قال أحمد بن
يحيى وهو جمع برقة قال أبو جعفر البرقة المقدار من البرق
والبرقة المرة الواحدة مثل غرفة وغرفة
(4/545)
57 - وقوله جل وعز والله خلق كل دابة من
ماء يقال لكل شئ من الحيوان مميزا كان أو غير مميز دابة 58 -
ثم قال جل وعز فمنهم من يمشي على بطنه ولم يقل فمنها ولا فمنهن
لأنه غلب ما يميز فلما وقعت الكناية على ما يكون لما يميز جاء
ب من ولم يأت ب ما ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز
مع ما
لا يميز 59 - وقوله جل وعز وإن يكن لهم الحق يأتو اإليه مذعنين
(4/546)
قال عطاء أي مسرعين وهم قريش يقال أذعن إذا
جاء مسرعا طائعا غير مكره 60 - وقوله جل وعز أم يخافون أن يحيف
الله عليهم ورسوله والمعنى أم يخافون أن يحيف عليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقوله أم يخافون أن يحيف الله عليهم افتتاح
كلام ألا ترى أن قبله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم
ولم يقل ليحكما بينهم وهذا كما يقال قد أعتقك الله وأعتقتك وما
شاء الله ثم شئت 61 - وقوله جل وعز إنما كان قول المؤمنين إذا
دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم
(4/547)
خبر فيه معنى الأمر والتحضيض أي إنما ينبغي
أن يكونوا كذا قرئ على بكر بن سهل عن عمرو بن هشام وهو
البيروتي عن ابن أبي كريمة في قول الله جل عز ومن يطع الله
ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون قال ومن يطع الله
فيوحده ورسوله فيصدقه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما
بقى من
عمره فأولئك هم الفائزون قال أبو جعفر والفوز في اللغة النجاة
(4/548)
62 - وقوله جل وعز وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا قل لا تقسموا تم
الكلام ثم قال طاعة معروفة أي طاعة معروفة أمثل وهذا للمنافقين
أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل ويجوز أن يكون المعنى
لتكن منكم طاعة 63 - وقوله جل وعز فإن تولوا فإنما عليه ما حمل
وعليكم ما حملتم والمعنى فإن تتولوا ثم حذف ويدل على أن بعده
وعليكم ما حملتم ولم يقل وعليهم والمعنى فإنما على النبي صلى
الله عليه وسلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا
(4/549)
64 - وقوله جل وعز وعد الله الذين آمنوا
منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض جاء باللام لأن معنى
وعد وقال واحد والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم وليمكنن لهم
دينهم وهو الإسلام 65 - وقوله جل وعز لا تحسبن الذين كفروا
معجزين في
الأرض أي هم في قبضة الله عز وجل 66 - وقوله جل وعز يا أيها
الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم في هذه الآية أقوال
(4/550)
روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد
المملوكون وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستأذنكم
الذين ملكت أيمانكم الإناث وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد
الرحمن قال هي للنساء خاصة أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في
كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة ولا يجوز في
اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي
أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين
لهم جميعا وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن
رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز وجل ليستأذنكم الذين
ملكت أيمانكم فقال إن الله جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن
للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد
(4/551)
الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع
أهله فأمر الله جل وعز بالاستئذان فلما بسط الله الرزق واتخذ
الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض
الروايات فترك الناس العمل بالآية قال الشعبي ليست بمنسوخة
وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال
سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها أقوله
ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ب وقوله إن أكرمكم عند الله
أتقاكم ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما
(4/552)
قال عطاء ونسيت الثالثة قال أبو جعفر فهذا
من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية
من قال فترك الناس العمل بها وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله
بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى
جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي 67 - ثم بين المرات فقال
سبحانه من قبل صلاة الفجر لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه
ثيابهم يخرجون من فرشهم وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة لأنه وقت
القائلة
(4/553)
ومن بعد صلاة العشاء قال الزهري وهي التي
يسميها الناس العتمة قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما
غيرهم فيستأذنوا كل وقت 68 - ثم قال تعالى ثلاث عورت لكم أي
أوقات الاستئذان ثلاث عورات والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث
عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي في الدخول بغير
إذن طوافون عليكم أي يخدمونكم بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم على
بعض 69 - وقوله جل وعز وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا
(4/554)
قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي
هذا المعنى نزلت هذه الآية 70 - ثم قال تعالى كما استأذن الذيم
من قبلهم يعني البالغين 71 - وقوله جل وعز والقواعد من النساء
اللاتي لا يرجون نكاحا قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن
المعنى اللواتي قعدن عن الولد وقال غيره يراد بهذا العجوز
الكبيرة التي قعدت عن
التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية قال ربيعة هي التي
إذا رأيتها استقذرتها
(4/555)
72 - ثم قال تعالى فليس عليهن جناح أن يضعن
ثيابهن روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال يعني الرداء قال
أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد الله أن يضعن من ثيابهن 73 -
وقوله جل وعز وأن يستعففن خير لهن قال مجاهد أي يلبسن الجلباب
خير لهن 74 - وقوله جل وعز ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج
حرج ولا على المريض حرج حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا
زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم
بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان
(4/556)
المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون
إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل
الله جل وعز ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت
آبائكم إلى آخر الآية قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم
في المغازي يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم
ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه والضمنى هم
الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ما
بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن
الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى
وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك
(4/557)
ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير
طيب نفس فأنزل الله الآية ليس على الأعمى حرج قال أبو جعفر
فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شئ والقول الآخر
قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا
معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ليس عليكم
جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله جميعا أو أشتاتا وذلك لما
أنزل الله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل فقال المسلمون إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا
بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن
يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك ليس
على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج إلى قوله
(4/558)
أو ما ملكت مفاتحه وهو الرجل يوكل الرجل
بضيعته قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك
الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل
الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل
وعز ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا قال أبو جعفر
فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام
وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام
غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في
الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل
مع غيرهم وهذا معنى رواية صالح عنه 75 - فأما قوله تعالى ولا
على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم فقيل معناه من بيوت عيالكم
(4/559)
وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من
كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر
الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد وفي
غير رواية معاوية عن ابن عباس أو ما ملكتم
مفاتحه يعني العبيد وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا
للغزاة وقرأ سعيد بن جبير أو ما ملكتم مفاتحه بضم الميم وتشديد
اللام وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج ولا
وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك
ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة
(4/560)
وقيل ليس على الأعمى حرج أي في الغزو وكذا
الأعرج المريض ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أي من بيوت
أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت
الرجل ما ليس له وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له
فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء وذكر فيهم الخص والعام
لأن قوله أو بيوت إخوانكم عام
(4/561)
76 - وقوله جل وعز فإذا دخلتم بيوتا فسلموا
على أنفسكم روى عمر بن دينار عن ابن عباس فإذا دخلتم بيوتا قال
المساجد فسلموا على أنفسكم يقول السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من
المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقال
ماهان إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا
وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض
(4/562)
كما قال تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا
أنفسكم قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم قال أبو جعفر قول
الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه
لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر قد
جعلت نفسي في الأديم * يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله
نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه
والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي
بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركه طيبه ثم خبر أن السلام طيب
مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة 77 - وقوله جل وعز
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا
(4/563)
كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى
يستأذنوه قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها
استأذنوه قبل أن يذهبوا وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة
وقال قتادة والضحاك وإذا كانوا معه على أمر جامع أي على أمر
طاعة قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج
الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام
مخير في الإذن لمن رأى الإذن له فأما إذا انتقض وضوءه يوم
الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في
ذلك لأنه لا يجوز له منعه 78 - وقوله تعالى فإذا استأذنوك لبعض
شأنهم فأذن لمن شئت منهم قال قتادة وقد قال سبحانه عفا الله
عنك لم أذنت
(4/564)
لهم فنسخت هذه يعني التي في سورة النور
التي في سورة براءة 79 - وقوله جل وعز لا تجعلوا دعاء الرسول
بينكم كدعاء بعضكم بعضا قال مجاهد قولوا يا رسول الله في رفق
ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة أمروا أن يفخموه
ويشرفوه
ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها
وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله
(4/565)
والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا
لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من
الناس 80 - وقوله جل وعز قد يعلم الله الذين يتسللون منكم
لواذا قال مجاهد أي خلافا وقيل حيادا لم كما تقول لذت من فلان
أي حدت عنه وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة
قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يدل عليه فليحذر
الذين يخالفون عن أمره ولواذ حدثنا مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره
لياذ
(4/566)
وزعم أبو عبيدة أن قوله فليحذر الذين
يخالفون عن امره معناه يخالفون أمره قال أبو جعفر وهذا القول
خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي
لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة والمعنى يخالفون بعد ما أمر
كما قال الشاعر *
عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس 80 -
وقوله جل وعز قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا قال مجاهد
أي خلافا وقيل حيادا لم كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه وقيل
لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة قال أبو جعفر
وهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين
يخالفون عن أمره ولواذ حدثنا مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ
(4/567)
وزعم أبو عبيدة أن قوله فليحذر الذين
يخالفون عن امره معناه يخالفون أمره قال أبو جعفر وهذا القول
خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي
لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة والمعنى يخالفون بعد ما أمر
كما قال الشاعر * نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل * وحقيقة عن
ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل
وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز ففسق عن أمر ربه انتهت سورة
النور
(4/567)
|