معاني القرآن للنحاس

معاني القرآن - النحاس ج 5
معاني القرآن
النحاس ج 5

(5/)


المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث وإحياء التارث الاسلامي مركز إحياء التارث الاسلامي مكة المكرمة معاني القرآن الكريم للامام ابي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابوني الاستاذ يجامعة ام القرى الجزء الخامس

(5/1)


الطبعة الاولى 1410 هـ / 1989 م حقوق الطييع محفوظة لجامعة ام القرى

(5/2)


اني لاعجب ممن يقرا القرآن كيف يلتذ بتلاوته ولهم يفهم معناه الامام الطبري

(5/3)


تفسير سورة الفرقان

مكية وآياتها 77 آية

(5/5)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة الفرقان وهي مكية حدثني يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس بن حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول سألت مجاهدا تلخيص الآي المدني من المكي فقال مجاهد سألت ابن عباس وذكر الحديث وقال فيه نزلت سورة الفرقان بمكة فهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز تبارك الذي نزل الفرقان على عبده آية 1 وقرأ عبد الله بن الزبير على عباده

(5/7)


تبارك تفاعل من البركة وهي حلول الخير ومنه فلان مبارك أي الخير يحل بحلوله مشتق من البرك والبركة وهما المصدر والفرقان القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر والنذير المخوف عذاب الله تبارك وتعالى وكل مخوف نذير ومنذر 2 - وقوله جل وعز وخلق كل شئ فقدره تقديرا آية 2
أي قدره لكل شئ ما يصلحه ويقوم به 3 - وقوله جل وعز ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا آية 3 يقال أنشر الله الموتى فنشروا

(5/8)


4 - ثم قال تعالى وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه آية قال مجاهد وقتادة إفك أي كذب ثم قال تعالى وأعانه عليه قوم آخرون روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اليهود 5 - ثم قال جل وعز فقد جاءوا ظلما وزورا آية 4 قال مجاهد أي كذبا قال أبو جعفر والتقدير فقد جاءوا بظلم وزور 6 - ثم قال جل وعز وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا آية 5 قال مجاهد أي أحاديث الأولين قال قتادة وأصيلا أي عشيا 7 - وقوله جل وعز وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق آية 7

(5/9)


أي أي شئ له آكلا وماشيا ثم طلبوا أن يكون معه ملك شريكا فقالوا لولا أنزل إليه ملك وقد قال عز وجل ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا
وللبسنا عليهم ما يلبسون أي لو أنزلنا ملكا لم يكونوا يفهمون عنه حتى يكون رجلا وإذا كان رجلا لم يؤمنوا أيضا إلا بتأويل 8 - وقوله جل وعز تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار آية 10 روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتحها ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا

(5/10)


وإن شئت جمعنا ذلك لك في الآخرة فقال يجمع لي ذلك في الآخرة فأنزل الله عز وجل تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا آية 10 9 - وقوله جل وعز إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا آية 12 قيل في معنى هذا قولان أحدهما سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظا وزفيرا واستشهد صاحب هذا القول بقوله عز وجل لهم فيها زفير وشهيق والقول الآخر أن المعنى سمعوا لها تغيظا عليهم كما قال
تعالى تكاد تميز من الغيظ

(5/11)


والقول الثاني أولى لأنه قال سمعوا لها ولم يقل سمعوا فيها ولا منها والتقدير سمعوا لها صوت تغيظ 10 - وقوله جل وعز دعوا هنالك ثبورا آية 13 قال مجاهد والضحاك أي هلاكا قال أبو جعفر يقال ما ثبرك عن كذا أي ما صرفك عنه فالمثبور ابن هو المصروف عن الخير والمعنى يقولون واثبوراه وروى علي بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول من يكسى حلة من جهنم إبليس فيضعها على

(5/12)


جبينه ويسحبها يقول واثبوراه وتتبعه ذريته يقولون واثبوراه فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا 11 - ثم قال جل وعز قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون آية 15 وليس في ذلك خير فإنما هو على عملكم وعلى ما تفعلون 12 - ثم قال جل وعز كان على ربك وعدا مسئولا آية 16 قال محمد بن كعب أي يسأله وهو قول الملائكة صلى
الله عليه ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم

(5/13)


وقيل إن ذلك يراد به قولهم لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها 13 - وقوله جل وعز ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله آية 17 قال مجاهد المسيح وعزيرا والملائكة 14 - وقوله جل وعز حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا آية 18 قال مجاهد أي هالكين قال أبو جعفر يقال لما هلك أو فسد أو كسد بائر ومنه بارت السوق وبارت الأيم وبور يقع للواحد والجماعة على قول أكثر النحويين وقال بعضهم الواحد بائر والجمع بور كما يقال عائد وعوذ وهائد وهود 15 - ثم قال جل وعز فقد كذبوكم بما تقولون آية 19 أي بقولكم إنهم آلهة

(5/14)


وحكى الفراء أنه يقرأ فقد كذبوكم بما يقولون قال أبو جعفر والمعنى على هذا فقد كذبوكم بقولهم ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء 16 - ثم قال تعالى فما يستطيعون صرفا ولا نصرا آية 19
قال يونس الصرف الحيلة من قولهم فلان يتصرف في الأشياء أي فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا ينصروها 17 - وقوله جل وعز ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا آية 19 قال الحسن الشرك 18 - وقوله جل وعز وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا آية 20

(5/15)


قال قتادة فتنة أي بلاء قال أبو جعفر الفتنة في اللغة الاختبار والمعنى جعلنا الشريف للوضيع والوضيع للشريف فتنة يروى أن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول أعير بسبقه إياي وإن بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم لم أكن غنيا وصحيحا فأسلم ثم قال جل وعز أتصبرون أي إن صبرتم فقد عرفتم أجر الصابرين 19 - ثم خبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يقترحون من الآيات ما لم يعطه أحد فقال جل وعز وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى

(5/16)


ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا آية 21 والعتو التجاوز فيما لا ينبغي 20 - ثم قال جل وعز يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا آية 22 روى عطية عن أبي سعيد الخدري حجرا محجورا قال حراما محرما قال الضحاك أي تقول لهم الملائكة حراما عليكم محرما أن تكون لكم البشرى اليوم يعني الكفار قال أبو جعفر والمعنى حراما عليكم البشرى ومن هذا حجر القاضي إنما هو منعه ومن هذا حجر الإنسان

(5/17)


21 - وقوله جل وعز وقدمنا إلى ما عملوا من عمل آية 23 قال مجاهد وقدمنا أي عمدنا قال أبو جعفر وأصل هذا أن القادم إلى الموضع يعمد له ويقصد إليه 22 - ثم قال جل وعز فجعلناه هباء منثورا آية 23 روى أبو إسحق عن الحارث عن علي قال الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة قال أبو جعفر وهباء جمع هباءة فيقال لما يكون من شعاع الشمس
وهو شبيه بالغبار هباء منثور ويقال لما يطير من تحت سنابك الخيل هباء منبث

(5/18)


وأصله من أهبأ قوله التراب إهباء له إذا أثاره كما قيل منينا كأنه أهباء 23 - وقوله جل وعز أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا آية 24 قال أبو جعفر القول في هذا كالقول في قوله تعالى أذلك خير أم جنة الخلد والفراء يذهب إلى أنه ليس في هذا سؤال البتة 24 - ثم قال جل وعز وأحسن مقيلا آية 24 قال قتادة أي مأوى ومنزلا قال أبو جعفر المقيل في اللغة هو المقام وقت القيلولة خاصة فقيل إن أهل الجنة ينصرفون إلى نسائهم مقدار وقت

(5/19)


نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ذلك الوقت 25 - ثم قال جل وعز ونزل الملائكة تنزيلا آية 25 قال قتادة تنزل ملائكة كل سماء سماء فيقول الخلائق لهم أفيكم ربنا جل وعز وذكر الحديث 26 - ثم قال جل وعز الملك يومئذ الحق للرحمن آية 26 لأن ملك الدنيا زائل

(5/20)


27 - وقوله جل وعز ويوم يعض الظالم على يديه آية 27 قال سعيد بن المسيب كان عقبة بن أبي معيط خدنا لأمية بن خلف فبلغ أمية أن عقبة عزم على أن يسلم فأتاه فقال له وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ففعل الشقي فأنزل الله جل وعز ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا وقال أبو رجاء فلان هو الشيطان واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده وكان الشيطان للإنسان خذولا والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير 28 - روى عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس أن هذا نزل في عقبة وأمية

(5/21)


وفي رواية مقسم فأما عقبة فكان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقال أأقتل دونهم فقال نعم بكفرك وعتوك فقال من للصبية فقال النار فقام علي بن أبي طالب فقتله وأما أمية بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده وكان قال والله لأقتلن محمدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أقتله إن شاء الله وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمية لعقبة
أصبأت فقال عقبة إنما صنعت طعاما فأبي محمد أن يأكل منه حتى أشهد له بالرسالة والذي قال أبو رجاء ليس بناقض لهذا لأن هذا كان

(5/22)


بإغواء الشيطان وتزيينه فيجوز أن يكون نسب إليه على هذا 29 - وقوله جل وعز وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا آية 30 قال مجاهد وإبراهيم أي قالوا فيه غير الحق قال إبراهيم ألم تر إلى المريض كيف يهجر أي يهذي وقيل مهجورا أي متروكا 30 - وقوله جل وعز وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين آية 31 قال أبو جعفر يجوز أن يكون عدوا بمعنى أعداء ويجوز أن يكون لواحد

(5/23)


وفي بعض الروايات عن ابن عباس أنه يراد به أبو جهل 31 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك آية 32 قيل هذا التمام والمعنى أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك كذلك التثبيت كما قال جل وعز ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
لأنه إذا انزله متفرقا كان فيه جواب ما يسألون في وقته فكان في ذلك تثبيت فقيل التمام قوله كذلك وقيل التمام عند قوله جملة واحدة

(5/24)


والمعنى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كالتوراة والإنجيل ومعنى هذا لم أنزل متفرقا فقال جل وعز كذلك لنثبت به فؤادك أي أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك 32 - ثم قال جل وعز ورتلناه ترتيلا آية 32 روى مغيرة عن إبراهيم قال أنزل متفرقا وقال الحسن كلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ نزل جوابه حتى كمل نزوله في نحو من عشرين سنة 33 - ثم قال جل وعز ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا آية 33 قال الضحاك أي تفصيلا قال أبو جعفر في الكلام حذف والمعنى وأحسن تفسيرا من مثلهم ومثل هذا يحذف كثيرا 34 - ثم قال جل وعز الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا آية 34 في الحديث الشريف يحشر الناس على ثلاث طبقات

(5/25)


ركبانا ومشاة وعلى وجوههم قال أنس قيل يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم فقال إن الذي أمشاهم على
أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم 35 - وقوله جل وعز وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا آية 35 روى سعيد عن قتادة قال أي عونا وعضدا 36 - وقوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم آية 37 قيل هذا يوجب أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح صلى الله عليه وسلم فقيل من كذب نبيا فقد كذب جميع الأنبياء لأن الأنبياء كلهم يؤمنون بالله جل وعز وبجميع كتبه وقيل هذا كما يقال فلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا واحدة أي يركب هذا الجنس

(5/26)


37 - وقوله جل وعز وعادا وثمود وأصحاب الرس آية 38 قال قتادة كانوا أصحاب فلج باليمامة وآبار قال مجاهد أصحاب الرس كانوا على بئر لهم وكان اسمها الرس فنسبوا إليها قال أبو جعفر الرس عند أهل اللغة كل بئر غير مطوية ومنه قول الشاعر * تنابلة يحفرون الرساسا يعني آبار المعادن ويروى أنهم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيها

(5/27)


إلا أن قتادة قال إن أصحاب الأيكة وأصحاب الرس
أمتان أرسل إليهم جميعا شعيب صلى الله عليه وسلم فعذبتا بعذابين 38 - ثم قال جل وعز وقرونا بين ذلك كثيرا آية 38 قال قتادة بلغنا أن القرن سبعون سنة ومعنى تبرنا أهلكنا ودمرنا 39 - وقوله جل وعز ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء آية 40 قال قتادة يعني مدينة قوم لوط 40 - وقوله جل وعز بل كانوا لا يرجون نشورا آية 40 قال قتادة أي حسابا وبعثا قيل يرجون ههنا بمعنى يخافون وقال من ينكر الأضداد يرجون على بابه أي لا يرجون ثواب الآخرة فيتقوا المعاصي

(5/28)


41 - وقوله جل وعز أرأيت من اتخذ إلهه هواه آية 43 قال الحسن لا يهوى شيئا إلا اتبعه وقال غيره كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى حجرا أحسن منه أخذه وترك الأول قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول جامع أي يتبع هواه ويؤثره فقد صار له بمنزلة الإله 42 - ثم قال جل وعز أفأنت تكون عليه وكيلا آية 43 قيل حافظا وقيل كفيلا
43 - ثم قال تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا آية 44

(5/29)


لأن الأنعام تسبح وتجتنب مضارها 44 - وقوله جل وعز ألم تر إلى ربك كيف مد الظل آية 45 ترى ههنا في موضع تعلم ويجوز أن يكون من رؤية العين قال الحسن وأبو مالك وإبراهيم التيمي وقتادة والضحاك في قوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف مد الظل هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس 45 - ثم قال تعالى ولو شاء لجعله ساكنا آية 45

(5/30)


قال الحسن أي لو شاء لتركه ظلا كما هو وقال الضحاك أي لو شاء لجعل النهار كله ظلا وقال قتادة ساكنا أي دائما ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تتلوه وتتبعه ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا روى سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد يسيرا أي خفيا وقال الضحاك سريعا وقال أبو مالك وإبراهيم التيمي قبضا يسيرا هو ما تقبضه الشمس من الظل
قال أبو جعفر قول مجاهد أولى في العربية وأشبه بالمعنى لما نذكره وصف الله جل وعز لطفه وقدرته فقال ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع

(5/31)


الشمس كما قال أهل التفسير وبينته لك في قوله جل وعز في وصفه الجنة وظل ممدود 46 - ثم قال سبحانه ولو شاء لجعله ساكنا آية 45 أي دائما كما في الجنة ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تدل عليه وعلى معناه لأن الشئ يدل على ضده فيدل النور على الظلمة والحر على البرد وقيل دالة على الله عز وجل ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا أي إذا غابت الشمس قبض الظل فبضا ذلك خفيا كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة وليس يزول دفعة واحدة فهذا قول مجاهد وقول أبي مالك وإبراهيم التيمي أن المعنى ثم قبضنا الظل بمجئ الشمس ويذهبان إلى أن معنى يسيرا سهلا علينا

(5/32)


وقول مجاهد أولى لأن ثم يدل على أن الثاني بعد الأول وقوله أيضا أجمع للمعنى 33 - وقوله جل وعز وهو الذي جعل لكم الليل لباسا
آية 47 أي سترا والنوم سباتا أي راحة وجعل النهار نشورا أي ينتشر فيه 48 - وقوله جل وعز وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته آية 48 أكثر القراء يقرءون ما كان في معنى الرحمة على الرياح وما كان في معنى العذاب على الريح ويحتج بعضهم بحديث ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هبت الريح قال اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا

(5/33)


قال أبو جعفر وقيل إنما وقع هذا هكذا لأن ما يأتي بالرحمة ثلاث رياح وهي الصبا والشمال والجنوب والرابعة الدبور ولا تكاد تأتي بمطر فقيل لما أتى بالرحمة رياح هذا ولا أصل للحديث ومعنى نشرا إحياء أي تأتي بالسحاب الذي فيه المطر الذي به حياة الخلق ونشرا جمع نشور وروى عن عاصم بشرا جمع بشيرة وروي عنه بشرا بحذف الضمة لثقلها أو يكون جمع بشرة كما يقال بسرة وبسر

(5/34)


وعن محمد اليماني بشرى أي بشارة
بين يدي رحمته أي المطر 49 - وقوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا آية 49 قال محمد بن يزيد أناسي جمع إنسي مثل كرسي وكراسي وقال غيره أناسي جمع إنسان والأصل أناسين مثل سراحين ثم أبدل من النون ياء 50 - ثم قال سبحانه ولقد صرفناه بينهم ليذكروا آية 50 يعني المطر أي نسقي أرضا ونترك أرضا ليذكروا أي ليفكروا في نعم الله جل وعز ويحمدوه

(5/35)


فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهو أن يقولوا مطرنا بنوء كذا أي بسقوط كوكب كذا كما يقول المنجمون فجعلهم كفارا بذلك 51 - وقوله جل وعز وجاهدهم به جهادا كبيرا آية 52 أي بالقرآن 52 - وقوله جل وعز وهو الذي مرج البحرين آية 53 أي خلطهما وخلاهما فهما مختلطان في مرآة العين وبينهما حاجز من قدرة الله عز وجل وفي الحديث مرجت أماناتهم أي اختطلت

(5/36)


ويقال مرج السلطان الناس أي خلاهم وأمرجت محمد الدابة
ومرجتها إلى أي خليتها لترعى 53 - ثم قال تعالى هذا عذب فرات آية 53 أي شديد العذوبة وهذا ملح أجاج آية 53 روى معمر عن قتادة قال الأجاج المر قال أبو جعفر والمعروف عند أهل اللغة أن الأجاج الشديد الملوحة ويقال ماء ملح ولا يقال مالح وروي عن طلحة أنه قرأ وهذا ملح أجاج بفتح الميم وكسر اللام 54 - ثم قال جل وعز وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا آية 53

(5/37)


برزخا أي حاجزا وحجرا محجورا أي مانعا 55 - ثم قال تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا آية 54 يعني بالماء النطفة والله عز وجل أعلم 56 - وقوله جل وعز فجعله نسبا وصهرا آية 54 قيل هو الماء الذي خلق منه أصول الحيوان وقيل النسب البنون ينتسوب كان إليه وخلق له بنات من جهتهن الأصهار وقال أبو إسحاق النسب الذي ليس بصهر من قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله وأن تجمعوا
بين الأختين إلا ما قد سلف والصهر من يحل له التزوج وروى عميرة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الضحاك قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع

(5/38)


ثم قرأ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف وقيل من الصهر خمس وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى وحلائل أبنائكم وهذا لفظ الضحاك وقد اختلف في الفرق بين الختن والصهر فقال الأصمعي الأختان كل شئ من قبل المرأة مثل أبي المرأة وأخيها وعمها والأصهار يجمع هذا كله يقال صاهر فلان إلى بني فلان وأصهر إليهم وقال ابن الأعرابي الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه

(5/39)


وقال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته وكل ذي محرم منه اصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته قال أبو جعفر الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار
ما قال الأصمعي وأن يكون من قبلهما جميعا لأنه يقال صهرت الشئ أي خلطته فكل واحد منهما قد خلط صاحبه والأولى في الأختان ما قاله محمد بن الحسن لجهتين أحدهما الحديث المرفوع روى محمد بن إسحق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك فهذا يدل على أن زوج البنت ختن

(5/40)


والجهة الأخرى أنه يقال ختنه إذا قطعه فالزوج قد انقطع عن أهله وقطع المرأة عن أهلها فهو أولى بهذا الأسم 57 - وقوله جل وعز وكان الكافر على ربه ظهيرا آية 55 قال مجاهد أي معينا وقال الحسن أي عونا للشيطان على الله عز وجل على المعاصي 58 - ثم قال جل وعز وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا آية 56 قال قتادة أي مبشرا بالجنة ونذيرا من النار 59 - ثم قال جل وعز قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا آية 57 قال قتادة بطاعة الله عز وجل

(5/41)


60 - وقوله تعالى الرحمن فاسأل به خبيرا آية 59 قال أبو إسحق أي اسأل عنه وقد حكى هذا جماعة من
أهل اللغة أن الباء بمعنى عن كما قال جل وعز سأل سائل بعذاب واقع وقال الشاعر هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي قال علي بن سليمان أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن لأن في هذا فساد المعاني قال ولكن هذا مثل قول العرب لو لقيت فلانا للقيك به الأسد أي للقيك بلقائك إياه الأسد والمعنى فاسأل بسؤالك على ما تقدم

(5/42)


61 - وقوله جل وعز تبارك الذي جعل في السماء بروجا آية 61 قال قتادة أي نجوما وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال البروج النجوم العظام وروى إسماعيل عن يحيى بن رافع قال البروج قصور في السماء قال أبو جعفر يقال لكل ما ظهر وتبين برج ومنه قيل تبرجت المرأة وقد برج برجا إذا ظهر 62 - ثم قال جل وعز وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا آية 61 سراجا يعني الشمس ويقرأ سرجا

(5/43)


وقيل من قرأ هذه القراءة فالمعنى عنده وجعل في البروج سرجا فإن قيل فقد أعاد ذكر القمر وقد قال سرجا والقمر داخل فيها فالجواب أنه أعيد ذكر القمر لفضله عليها كما قال جل وعز فيهما فاكهة ونخل ورمان 63 - وقوله جل وعز وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة آية 62 قال مجاهد أي يخلف هذا هذا ويخلف هذا هذا وقال الحسن من نسي شيئا من التذكر والشكر بالنهار كانت له في الليل عتبى ومن نسيه بالليل كانت له في النهار عتبى

(5/44)


وقيل خلفة أي مختلفين كما قال جل وعز واختلاف الليل والنهار قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول مجاهد والمعنى كل واحد منهما يخلف صاحبه مشتق من الخلف ومنه خلف فلان فلانا بخير أو شر ومنه قول زهير بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم 64 - وقوله جل وعز وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض
هونا آية 63 وكل واحد عبده فنسبهم إليه لاصطفائه إياهم كما يقال بيت الله وناقة الله 65 - وقوله جل وعز الذين يمشون على الأرض هونا آية 63

(5/45)


قال مجاهد أي بالوقار والسكينة وقال الحسن علماء حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا 66 - ثم قال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما آية 63 قال مجاهد أي سدادا قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كما قلت براءة منك قال وزعم أن هذه الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله تسلما ولا خير بيننا وبينكم ولا شر 67 - وقوله جل وعز والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما آية 64

(5/46)


يقال بات إذا أدركه الليل نام أو لم ينم كما قال الشاعر فبتنا قياما عند رأس جوادنا يزاولنا عن نفسه ونزاوله
68 - وقوله جل وعز إن عذابها كان غراما آية 65 قال أبو عبيدة أي هلاكا وأنشد ويوم النسار ويوم الجفار كانا عذابا وكانا غراما وقال الفراء كان غراما أي ملحا ملازما ومنه فلان غريمي أي يلح في الطلب والغرام عند أكثر أهل اللغة أشد العذاب قال الأعشى

(5/47)


إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي قال محمد بن كعب طالبهم الله بثمن النعم فلما لم يأتوا به غرمهم ثمنها وأدخلهم النار 69 - وقوله جل وعز والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا آية 67 قال سفيان لم يسرفوا لم ينفقوا في غير حق ولم يقتروا لم يمسكوا عن حق وأحسن ما قيل ما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب قال حدثني عمران بن أبي عمران قال حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي قال حدثني عمرو بن لبيد عن أبي عبد الرحمن الحبلي في قوله جل وعز والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما قال
من أنفق في غير طاعة الله عز وجل فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار

(5/48)


ومن أنفق في طاعة الله عز وجل فهو القوام وكان بين ذلك قواما أي عدلا قال أحمد بن يحيى يقال هذا قوام الأمر وملاكه وقال بعض أهل اللغة هذا غلط وإنما يقال هذا قوام الأمر واحتج بقوله تعالى وكان بين ذلك قواما قال أبو جعفر والصواب ما قال أحمد بن يحيى والمعنيان مختلفان فالقوام أبو بالفتح الاستقامة والعدل كما قال لبيد واحب المجامل أو بالجزيل وصرمه باق إذا ضلعت وزاغ قوامها

(5/49)


والقوام بالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر 70 - وقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر آية 68 قال أبو وائل قال عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم فقال أن تشرك بالله جل وعلا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك وتزني بحليلة جارك ثم قرأ عبد الله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية 71 - وقوله جل وعز ومن يفعل ذلك يلق أثاما آية 68
قال مجاهد هو واد في جهنم وقال أبو عمرو الشيباني يقال لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك

(5/50)


وقال القتبي الأثام جزاء العقوبة وأنشد والعقوق له أثام قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا وهو قول الخليل وسيبويه أن المعنى يلق جزاء الأثام كما قال سبحانه واسأل القرية وبين جزاء الأثام فقال يضاعف له العذاب يوم القيامة كما بين الشاعر في قوله متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا قال الضحاك لما أنزل الله جل وعز والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى آخر الآية قال المشركون قد زعم أنه

(5/51)


لا توبة لنا فأنزل الله جل وعز إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا أي تاب من الشرك ودخل في الإسلام ونزل هذا بمكة وأنزل الله قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الآية ثم أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وهي مبهمة لا مخرج منها
72 - وقوله جل وعز فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات آية 70 روى عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال يقرأ المؤمن في أول كتابه السيئات ويرى الحسنات دون ذلك فينظر وجهه وينظر

(5/52)


أعلاه فإذا هو حسنات كله فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات قال والضحاك أي يبدلهم من الشرك الإيمان وقال الحسن مجاهد قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيمانا من الشرك وإخلاصا من الشك وإحصانا من الفجور قال أبو إسحق ليس يجعل مكان السيئة حسنة ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة

(5/53)


73 - وقوله جل وعز ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاب آية 71 أي توبة مؤكدة أي إذا عمل صالحا بعد التوبة قيل تاب متابا أي متابا مرضيا مقبولا 74 - وقوله جل وعز والذين لا يشهدون الزور آية 72 قال محمد بن الحنفية يعني الغناء وقال الضحاك يعني الشرك وأصل الزور في اللغة الكذب
والشرك أشد الكذب 75 - وقوله وإذا مروا باللغو مروا كراما آية 72 قال الضحاك باللغو أي بالشرك وروي عنه أيضا إذا ذكروا النكاح كنوا عنه وقال الحسن اللغو المعاصي كلها

(5/54)


وأصل اللغو في اللغة ما ينبغي أن يلغى أي يطرح أي تركوه وأكرموا أنفسهم عنه 76 - وقوله جل وعز والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا آية 73 أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر 77 - ثم قال جل وعز والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين آية 74 قال الضحاك أي مطيعين لك ثم قال واجعلنا للمتقين إماما آية 74 قال الضحاك أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير وقال الحسن أي اجعلنا نقتدي بالمتقين الذين قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا

(5/55)


78 - وقوله جل وعز قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم آية 77
ورى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه وهذا أحسن ما قيل في الآية كما قال جل وعز ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل وقول الشاعر كأن بصدره وبجانبيه عبيرا بات يعبأه) عروس أي يجعل بعضه على بعض أي أي وزن لكم عند ربكم لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته

(5/56)


وقال القتبي المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره أي لولا شرككم 79 - ثم قال سبحانه فقد كذبتم فسوف يكون لزاما آية 77 بوى مسروق عن عبد الله قال يعني يوم بدر وكذلك قال مجاهد والضحاك قال أبو إسحاق أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم ولا تعطون التوبة وقال القتبي أي فسوف يكون العذاب لزاما وقال أبو عبيدة لزاما أي فيصلا

(5/57)


وقال مسلم بن عمار سمعت ابن عباس يقرؤها فقد
كذب الكافرون فسوف يكون لزاما وقال أبو زيد سمعت قعنبا يقرأ فسوف يكون لزاما بفتح اللام قال أبو جعفر وهذا مصدر لزم والأول مصدر لوزم حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يقول لولا إيمانكم وأخبر الله جل وعز الكفار أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين فسوف يكون لزاما قال يقول موتا انتهت سورة الفرقان

(5/58)


تفسير سورة الشعراء

مكية وآياتها 227 آية

(5/59)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشعراء وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز طسم آية 1 روى معمر عن قتادة قال طسم اسم 2 - وقوله جل وعز تلك آيات الكتاب المبين آية 2 لأن القرآن مذكور في التوراة والإنجيل فالمعنى هذه تلك آيات الكتاب
وقيل تلك بمعنى هذه 3 - وقوله جل وعز لعلك باخع نفسك آية 3

(5/61)


قال مجاهد وقتادة أي قاتل وقال الضحاك أي قاتل نفسك عليهم حرصا قال أبو عبيدة باخع أي مهلك قال أبو جعفر وأصل هذا من بخعه عبد أي أذله والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان 4 - وقوله جل وعز إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية آية 4 أي لو شئنا لاضطررناهم عليه إلى الطاعة بأن نهلك كل من عصى 5 - ثم قال جل وعز فظلت أعناقهم لها خاضعين آية 4 في هذا أقوال قال مجاهد أعناقهم كبراؤهم

(5/62)


وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة وقال عيسى بن عمر خاضعين وخاضعة ههنا واحد والكسائي يذهب إلى أن المعنى خاضعيها قال أبو جعفر قول مجاهد أعناقهم كبراؤهم
معروف في اللغة يقال جاءني عنق من الناس أي رؤساؤهم وكذل يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة ولهذا يقال على فلان عتق رقبة ولا يقال عتق عنق لما يقع فيه من الاشتراك وقول عيسى بن عمر أحسن هذه الأقوال وهو اختيار أبي العباس

(5/63)


والمعنى على قوله فظلوا لها خاضعين فأخبر عن المضاف إليه وجاء بالمضاف مقحما توكيدا كما قال الشاعر رأت مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال وكما قال الشاعر وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم قال أبو العباس ومثله سقطت بعض أصابعه قال ومثله يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم أبي في سوءة عمر فجاء بتيم الأول مقحما توكيدا

(5/64)


وأما قول الكسائي فخطأ عند البصريين والفراء ومثل هذا الحذف لا يقع في شئ من الكلام 65 - وقوله جل وعز أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل
زوج كريم آية 7 قال مجاهد من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام وروي عن الشعبي أنه قال الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فهو لئيم والمعنى على قول مجاهد من كل جنس نافع حسن 7 - ثم قال جل وعز إن في ذلك لآية آية 8 أي لدلالة على الله جل وعز وأنه ليس كمثله شئ ثم قال وما كان أكثرهم مؤمنين أي قد علم الله أنهم لا يؤمنون كما قال سبحانه لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد

(5/65)


8 - وقوله جل وعز وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين آية 11 أي واتل عليهم هذا وبعده واتل عليهم نبأ إبراهيم 9 - وقوله جل وعز قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني آية 12 قرأ الأعرج وطلحة وعيسى ويضيق صدري ولا ينطلق لساني والقراءة الأولى أحسن لأن انطلاق اللسان ليس مما يدخل في الخوف لأنه قد كان 10 - ثم قال تعالى فأرسل إلى هارون آية 13
في الكلام حذف والمعنى فأرسل إلى هارون ليعينني ويؤازرني كما تقول فأرسل إلي إني لأعينك

(5/66)


11 - ثم قال جل وعز ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون آية 14 قال مجاهد وقتادة يعني قتل النفس فأخاف أن يقتلون أي بقتلي رجلا منهم 12 - ثم قال جل وعز قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون آية 15 كلا ردع وزجر أي انزجر عن هذا الخوف وثق بالله ثم قال جل وعز فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون آية 15 يحتمل أن يكون معكم لموسى وهارون عليهما السلام لأن الاثنين جمع كما قال تعالى فإن كان له إخوة ويحتمل أن يكون لموسى وهارون والآيات ويحتمل أن يكون لموسى وهارون ومن أرسل إليهم

(5/67)


قال أبو جعفر الأول أولاها ليكون المعنى إنا معكم ناصرين ومقوين 13 - ثم قال جل وعز فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) آية 16
قال أبو عبيدة رسول بمعنى رسالة وأنشد لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول والتقدير على قوله إنا ذوا رسالة والأخفش يذهب إلى أنه واحد يدل على اثنين وجمع 14 - ثم قال جل وعز أن أرسل معنا بني إسرائيل آية 17 المعنى أرسلنا لأن ترسل معنا بني إسرائيل

(5/68)


15 - ثم قال جل وعز قال ألم نربك فينا وليدا آية 18 أي مولودا فامتن عليه بتربيته إياه صغيرا إلى أن كبر 16 - ثم قال تعالى ولبثت فينا من عمرك سنين آية 18 ومن عمرك وعمرك 17 - وقوله جل وعز وفعلت فعلتك التي فعلت آية 19 قال مجاهد يعني قتل النفس وقرأ الشعبي وفعلت فعلتك بكسر الفاء والفتح للأول لأنها للمرة الواحدة والكسر بمعنى الهيئة والحال أي فعلتك التي تعرف كما قال كأن مشيتها من دار جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل ويقال كان ذلك أيام الردة والردة

(5/69)


قال أبو جعفر قال علي بن سليمان واختار
ذلك لأن الارتداد لم يكن مرة واحدة والفتح أجود 18 - ثم قال جل وعز وأنت من الكافرين آية 19 في معناه أقوال أ - منها أن المعنى من الكافرين لنعمتي كما قال والكفر مخبثة لنفس المنعم ب - والضحاك يذهب إلى أن المعنى وأنت من الكافرين لقتلك القبطي قال فنفى عن نفسه الكفر وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل ج وقال الفراء المعنى وأنت من الكافرين الساعة د - قال السدي أي وأنت من الكافرين لأنك كنت تتبعنا على الدين الذي تعيبه الساعة فقد كنت من الكافرين على قولك

(5/70)


قال أبو جعفر ومن أحسن ما قال في معناه ما قاله ابن زيد قال من الكافرين لنعمتنا ما أي لنعمة تربيتي لك 19 - ثم قال وعز قال فعلتها إذا وأنا من الضالين آية 20 أي من الجاهلين وقال أبو عبيدة من الضالين أي من الناسين كما قال سبحانه أن تضل إحداهما 20 - وقوله جل وعز فوهب لي ربي حكما آية 21 قال السدي يعني النبوة 21 - وقوله جل وعز وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل
آية 22

(5/71)


في هذه الآية أقوال قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى أو تلك نعمة كما قال تروح من الحي أم تبتكر وماذا يضرك لو تنتظر وهذا لا يجوز لأن الاستفهام إذا حذفت منه الألف زال المعنى إلا أن يكون في الكلام أم أو ما أشبهها وقيل المعنى وتلك نعمة تمنها علي أن عبدتني وأنا من بني إسرائيل لأنه يروى أنه كان رباه على أن يستعبده وقيل وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني

(5/72)


وهذا أحسن الأقوال لأن اللفظ يدل عليه أي إنما صارت هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيدا ولو لم تتخذهم عبيدا لم تكن نعمة ف أن بدل من نعمة ويجوز أن يكون المعنى لأن عبدت بني إسرائيل 22 - وقوله جل وعز قال فرعون وما رب العالمين آية 23 فأجابه موسى صلى الله عليه وسلم بأن أخبره بصفات الله جل وعز التي يعجز عنها المخلوقون قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين
آية 24 فلم يرد فرعون هذه الحجة بأكثر من أن قال قال لمن حوله ألا تستمعون أي ألا تستمعون إلى قوله فأجابه موسى لأنه المراد وزاده في البيان قال ربكم ورب آبائكم الأولين فلم يحتج فرعون عليه بأكثر من أن نسبه إلى الجنون قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون آية 27 أي لمغلوب على عقله لأنه يقول قولا لا يعرفه لأنه كان

(5/73)


عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون وأن الذي يعرفونهم أربابا لآبائهم الأولين ملوك أخر كانوا قبل فرعون فزاده موسى في البيان فقال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون آية 28 فتهدده فرعون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين آية 29 فاحتج موسى عليه وعليهم بما يشاهدونه قال أو لو جئتك بشئ مبين آية 30 أي ببرهان قاطع واضح يدل على صدقي 23 - وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين آية 32

(5/74)


يقال الثعبان الكبير من الحيات وقد قال في موضع آخر
تهتز كأنها جان والجان الصغير من الحيات ففي هذا دليل على أن الآية كانت عظيمة لأنه وصف عظمها وأنها تهتز اهتزاز الصغير لخفتها ولا يمنعها عظمها من ذلك فهذا أعظم في الآية 24 - ثم قال جل وعز ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين آية 33 أي ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين بياضا نوريا من غير برص فرد فرعون الآية العظيمة بنسبه إياه إلى السحر قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم آية 34 ثم تواضع لهم فقال يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين آية 37

(5/75)


روى مجاهد عن ابن عباس قال يعني الشرط ويروى أن السحرة كانوا اثني عشر ألفا وأن موسى بعث والسحر كثير وأعطي الآيات العظام كما بعث النبي صلى الله عليه وسلم والبلاغة أكثر ما كانت فأعطي القرآن ودعوا إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك قال قتادة إنه لكبيركم يعني موسى صلى الله عليه وسلم
25 - وقوله جل وعز لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف آية 49 يروى أنه أول من قطع وصلب قالوا لا ضير فيما يلحقنا من عذاب الدنيا مع أملنا للمغفرة

(5/76)


يقال ضرر وضر وضير وضور بمعنى واحد وأنشد أبو عبيده فإنك لا يضورك بعد حول أظبي كان أمك أم حمار أن كنا أول المؤمنين أي لأن كنا قال الفراء أي أول مؤمني أهل زماننا قال أبو إسحاق هذا كلام من لم يعرف الرواية لأنه يروى أنه معه ستمائة ألف وسبعون ألفا وإنما المعنى أول من آمن عند ظهور هذه الآية 26 - ثم قال جل وعز وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي آية 52

(5/77)


يقال سرى وأسرى إذا سار بالليل قال مجاهد خرج موسى صلى الله عليه وسلم ليلا قال عمرو بن ميمون قالوا لفرعون إن موسى قد خرج ببني إسرائيل فقال لا تكلموهم حتى يصيح الديك فلم يصيح
ديك تلك الليلة فلما أصبح أحضر شاة فذبحت وقال لا يتم سلخها حتى يحضر خمس مائة ألف فارس من القبط فحضروا وروى يونس بن أبي إسحق عن أبي بردة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بأعرابي فأكرمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تعهدنا فأتنا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما حاجتك فقال ناقة أرتحلها لا وأعنز يحتلبها أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجز هذا أن يكون مثل عجوز بني إسرائيل قالوا وما عجوز بني إسرائيل قال إن موسى صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج ببني إسرائيل ضل عن الطريق فقال ما هذا فقال له علماء بني إسرائيل إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا ألا نخرج إلا بعظامه فقال أين قبره فقالوا ما يعرفه إلا عجوز بني إسرائيل فسألوها فقالت حتى تعطيني حكمي قال وما

(5/78)


حكمك قالت أن أكون معك في الجنة فكره ذلك فأوحى الله جل وعز إليه أن أعطها ففعل فأتت بهم إلى بحيرة فقالت أنضبوا هذا الماء فأنضبوه واستخرجوا عظام يوسف صلى الله عليه وسلم فتبينت لهم الطريق كضوء النهار 27 - ثم قال جل وعز إنكم متبعون آية 52 روى عكرمة عن ابن عباس قال اتبعه فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث وكان موسى صلى الله عليه في ستمائة ألف من بني إسرائيل فقال فرعون إن هؤلاء لشرذمة قليلون وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله إن هؤلاء لشرذمة قليلون قال ستمائة ألف وسبعون ألفا

(5/79)


وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وإنا لجميع حاذرون قال مؤدون قال أبو جعفر المؤدون الذين معهم أداة وهي السلاح والسلاح أداة الحرب وأبو عبيدة يذهب إلى أن حاذرين وحذرين وحذرين بضم الذال بمعنى واحد قال أبو جعفر وحقيقة هذا أن الحاذر هو المستعد والحذر المتيقظ كأن ذلك فيه خلقة ولهذا قال أكثر النحويين لا يتعدى حذر

(5/80)


وروى حميد الأعرج عن أبي عمار أنه قرأ وإنا لجميع حادرون الدال غير معجمة يقال جمل حادر إذا كان غليظا ممتليا ومنه قول الشاعر وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر 28 - ثم قال جل وعز فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم آية 58 57 حدثنا محمد بن سلمة الأسواني قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني ابن لهيعة عن واهب بن عبد الله المعافري عن عبد الله بن عمرو أنه نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله له فإذا أراد
الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فمدته الأنهار بمائها وفجر الله له من الأرض عيونا فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره

(5/81)


وقال في وقوله الله جل وعز فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم قال كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعا من أسوان إلى رشيد وكان له سبعة خلج خليج الاسكندرية وخليج دمياط وخليج سردوس وخليج منف وخليج الفيوم وخليج المنهى متصلة لا ينقطع منها شئ من شئ وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخرها ما يبلغه الماء فكانت جميع أرض مصر كلها تروى من ست عشرة ذراعا بما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها قال ومقام كريم المنابر كان بها ألف منبر قال أبو جعفر المقام في اللغة الموضع من قولك قام يقوم وكذلك المقامات واحدها مقامة كما قال الشاعر

(5/82)


وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل والمقام أيضا المصدر والمقام بالضم الموضع من أقام يقيم والمصدر أيضا من أقام يقيم إلا أن ابن لهيعة قال سمعت أن المقام الكريم الفيوم
29 - وقوله جل وعز فأتبعوهم مشرقين آية 60 أكثر أهل التفسير على أن المعنى وقت الشروق وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى ناحية الشرق والأول أولى يقال أشرقنا أي دخلنا في الشروق كما يقال أصبحنا أي دخلنا في الصباح وإنما يقال في ذلك شرقنا وغربنا 30 - وقوله جل وعز فلما تراءى الجمعان آية 61 أي رأى بعضهم بعضا

(5/83)


أصحاب موسى إنا لمدركون آية 61 وقرئ لمدركون والمعنى واحد أي سيدركنا هذا الجمع الكثير ولا طاقة لنا به 31 - وقوله جل وعز قال كلا إن معي ربي سيهدين آية 62 كلا أي ارتدعوا وانزجروا عن هذا القول إن معي ربي سيهدين 32 - وقوله جل وعز فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم آية 63 قال الضحاك كالطود العظيم أي كالجبل كما قال الأسود بن يعفر نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجئ من أطواد جمع طود أي جبل

(5/84)


33 - وقوله جل وعز وأزلفنا ثم الآخرين آية 64 قال الحسن أزلفنا أهلكنا وقال أبو عبيدة أزلفنا جمعنا ومنه ليلة المزدلفة وقال قتادة أزلفنا قربناهم من البحر فأغرقناهم قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة لأنه إنما جمعهم للهلاك وقول قتادة أصحها ومنه وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت ومنه مر الليالي زلفا فزلفا وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ وأزلقنا بالقاف 34 - وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ إبراهيم آية 69 أي خبر إبراهيم

(5/85)


35 - وقوله جل وعز قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين آية 71 أي مقيمين على عبادتها قال هل يسمعونكم إذ تدعون قال أبو عبيدة أي هل يسمعون لكم قال أبو حاتم أي هل يسمعون أصواتكم وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وكلامهم 36 - وقوله جل وعز فإنهم عدو لي إلا رب العالمين آية 77
يجوز أن يكون استثناء ليس من الأول ويجوز أن يكون المعنى كل ما تعبدونه عدو لي يوم القيامة إلا الله جل وعز

(5/86)


ومن أصح ما قيل فيه أن المعنى فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة 37 - وقوله جل وعز الذي خلقني فهو يهدين آية 78 وقرأ بن أبي أسحق فهو يهديني بإثبات الياء فيها كلها وقرأ والذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين وقال ليست خطيئة واحدة قال أبو جعفر والتوحيد جيد على أن تكون خطيئة بمعنى خطايا كما قرئ وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قال مجاهد في قوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي قال هو قوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله إني سقيم

(5/87)


وقوله حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذ سارة قال هي أختي 38 - قال مجاهد في قوله جل وعز واجعل لي لسان صدق في الآخرين آية 84
قال الثناء الحسن وروي عن ابن عباس قال اجتماع الأمم عليه 39 - وقوله جل وعز إلا من أتى الله بقلب سليم آية 89 قال قتادة أي سليم من الشرك وقال عروة لم يلعن شيئا قط

(5/88)


40 - ثم قال تعالى وأزلفت الجنة للمتقين آية 90 أي قربت بمعنى قرب دخولهم إياها 41 - وقوله جل وعز فكبكبوا فيها هم والغاوون آية 94 كبكبوا أي قلبوا على رؤوسهم وقيل طرح بعضهم على بعض هذا قول أبي عبيدة والأصل كببوا فأبدل من الباء كاف استثقالا للتضعيف وقيل معنى فكبكبوا فجمعوا مشتق من كوكب الشئ أي معظمه والجماعة من الخيل كوكب وكبكبه قال قتادة والغاوون الشياطين وقال السدي فكبكبوا أي مشركو العرب والغاوون الآلهة وجنود إبليس من كان من ذريته

(5/89)


42 - قال أبو جعفر ومعنى إذ نسويكم برب العالمين نعبدكم كما نعبده
43 - وقوله جل وعز فما لنا من شافعين ولا صديق حميم آية 101 حميم أي خاص ومنه حامة الرجل وأصل هذا من الحميم وهو الماء الحار ومنه الحمام والحمى فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه كما يقال هم حزانتهم على أي يحزنهم ما يحزنه 44 - وقرأ يعقوب وغيره قالوا أنؤمن لك وأتباعك الأرذلون آية 111 وهي قراءة حسنة وهذه الواو أكثر ما يتبعها الأسماء والأفعال بعد وأتباع جمع تبع وتبع يكون للواحد والجميع قال الشاعر

(5/90)


له تبع قد يعلم الناس أنه على من تدانى صيف وربيع وقيل إنما أرادوا أن أتباعك الحجامون والحاكة والصناعات ليست بضارة في الدين وروى عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وسعيد عن قتادة واتبعك الأرذلون قال الحاكة 45 - وقوله تعالى فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون آية 119 المشحون المملوء 46 - وقوله جل وعز أتبنون بكل ريع آية تعبثون آية 128

(5/91)


قال قتادة والضحاك الريع الطريق وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد بكل ريع بكل فج قال أبو جعفر والفج الطريق في الجبل وقال جماعة من أهل اللغة الريع ما ارتفع من الأرض جمع ريعة وكم ريع أرضك أي كم ارتفاعها ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريع وللطريق ريع والله أعلم بما أراد وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد أتبنون بكل ريع آية تعبثون آية 128 قال بروج الحمامات 92 - ثم قال جل وعز وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون آية 129

(5/92)


روى ابن أبي نجيح عن مجاهد مصانع قال قصورا وحصونا وقال سفيان هي مصانع الماء قال أبو إسحاق واحدها مصنع ومصنعة قال أبو جعفر والذي قاله مجاهد من أن المصانع القصور والحصون معروف في اللغة قال أبو عبيدة يقال لكل بناء مصنع ومصنعة وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد وتتخذون مصانع
قال بالآجر والطين وفي بعض القراءات كأنكم تخلدون والمعنيان

(5/93)


متقاربان لأن معنى لعلكم تخلدون أنكم على رجاء من الخلود 48 - وقوله جل وعز وإذا بطشتم بطشتم جبارين آية 130 قال مجاهد بالسيف والسوط 49 - وقوله جل وعز إن هذا إلا خلق الأولين آية 137 قال قتادة خلق الأولين بالضم يعيشون كما عاشوا أي نحيا ونموت كما حيوا وماتوا قال عبد الله بن مسعود خلق الأولين أي اختلاقهم

(5/94)


قال أبو جعفر خلق الشئ واختلقه بمعنى 50 - وقوله جل وعز وزروع ونخل طلعها هضيم آية 148 قال الضحاك أي يركب بعضه بعضا قال أبو جعفر وقيل هضيم أي هاضم مرئ لطيف أول ما طلع وقال مجاهد حين يطلع يقبض عليه فيهضمه قال أبو جعفر أصل الهضم انضمام الشئ ومنه هضيم الكشح ريا المخلخل
ومنه فلان أهضم الكشح أي ضامره فيقال للطلع هضيم قبل أن يتفتح وروى إسحاق عن بريد ونخل طلعها هضيم

(5/95)


قال منه ما قد أرطب ومنه مذنب 51 - ثم قال جل وعز وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين آية 149 قال أبو صالح أي حاذقين بنحتها وقال منصور بن المعتمر فارهين أي حاذقين وقال الحسن فرهين أي آمنين وقال عبد الله بن شداد فارهين بألف أي متجبرين وقال قتادة فرهين أي معجبين وقال مجاهد فرهين أي أشرين بطرين

(5/96)


قال أبو جعفر وهذا أعرفها في اللغة وهو قول أبي عمرو وأبي عبيدة فكأن الهاء مبدلة من حاء لأنهما من حروف الحلق وأبو عبيدة يذهب إلى أن فارهين وفرهين بمعنى واحد 52 - وقوله جل وعز قالوا إنما أنت من المسحرين آية 153 أي من المسحورين قاله مجاهد وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى إنما أنت بشر لك سحر والسحر الرئة
وقيل من المسحرين أي من المعللين بالطعام والشراب كما قال الشاعر أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب 53 - وقوله جل وعز لها شرب ولكم شرب يوم معلوم آية 155

(5/97)


والشرب الحظ من الماء 54 - وقوله جل وعز وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم آية 166 قال إبراهيم بن المهاجر قال لي مجاهد كيف يقرأ عبد الله بن مسعود وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم قلت وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم قال الفرج كما قال تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم قال القبل الفرج إلى أدبار النساء والرجال 55 - ثم قال جل وعز بل أنتم قوم عادون آية 166

(5/98)


يقال عدا إذا تجاوز في الظلم 56 - وقوله جل وعز قال إني لعملكم من القالين آية 168 أي المبغضين الكارهين وقد قلاه يقليه قلى وقلاء
كما قال عليك السلام لا مللك قريبة ومالك عندي إن نأيت قلاء 57 - وقوله جل وعز إلا عجوزا في الغابرين آية 171 قال أبو عبيدة والفراء أي الباقين قال أبو جعفر يقال للذاهب غابر وللباقي غابر كما قال لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج

(5/99)


وكما قال فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر أي وما بقي والأغبار بقيات الألبان والشول الإبل التي قد شالت بأذنابها 58 - وقوله جل وعز كذب أصحاب الأيكة المرسلين آية 176 الأيكة عند أهل اللغة الشجر لالملتف والجمع أيك ويروى أنهم كانوا أصحاب شجر ملتف وقد قيل إن الأيكة اسم موضع ولا يصح ذلك ولا يعرف

(5/100)


59 - وقوله جل وعز إذ قال لهم شعيب ألا تتقون آية 177 قرئ على أحمد بن شعيب عن عبد الحميد بن محمد قال حدثنا مخلد قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح وصالح وهود وشعيب وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلى الله عليهم وزعم الشرقي بن قطامي أن شعيبا هو ابن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم وزعم ابن سمعان أن شعيبا بن جزي بن يشجر بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم صلى الله عليهم 60 - وقوله جل وعز وزنوا بالقسطاس المستقيم آية 182 قال عبد الله بن عباس ومجاهد القسطاس العدل

(5/101)


61 - ثم قال جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم آية 183 أي ولا تظلموا ومنه قول العرب تحسبها حمقاء وهي باخس 62 - وقوله جل وعز واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين آية 184 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد الجبلة الخليقة قال أبو جعفر يقال جبل فلان على كذا أي خلق وقوله جبلة وجبلة وجبلة 63 - وقوله جل وعز فأسقط علينا كسفا من السماء
آية 187 روى علي بن الحكم عن الضحاك فأسقط علينا كسفا قال جانبا

(5/102)


قال أبو جعفر ويقرأ كسفا وهو جمع كسفة وهي القطعة 64 - ثم قال جل وعز فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة آية 189 قال عبد الله بن عباس أصابهم حر شديد فدخلوا البيوت فأخذ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرية لا يسترهم شئ فأرسل الله إليهم سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها ونادى بعضهم بعضا فلما اجتمعوا تحتها أهلكهم الله جل وعز وقال مجاهد فلما اجتمعوا تحتها صيح بهم فهلكوا 65 - وقوله جل وعز نزل به الروح الأمين آية 193 يعني جبريل صلى الله عليه على قلبك أي يتلوه فيعيه قلبك

(5/103)


66 - وقوله جل وعز وإنه لفي زبر الأولين آية 196 أي إن إنزاله وذكره ثم قال جل 67 - وعز أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل آية 197 وفي قراءة عبد الله أو ليس لكم آية أن يعلمه علماء بني
إسرائيل قال مجاهد هو عبد الله بن سلام وقال غيره هو عبد الله وغيره ممن أسلم 68 - ثم قال جل وعز ولو نزلناه على بعض الأعجمين آية 198

(5/104)


الأعجم الذي لا يفصح وإن كان عربيا والعجمي الذي أصله من العجم وإن كان فصيحا وقد ذكرنا قوله كذلك سلكناه في قلوب المجرمين في سورة الحج 69 - وقوله جل وعز إنهم عن السمع لمعزولون آية 212 أي عن استماع الوحي لممنوعون بالرجم وروى عروة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشئ فنجده كما يقولون فقال تلك الكلمة يخطفها أحدهم فيكذب معها مائة كذبة وذكر الحديث 70 - ثم قال جل وعز وأنذر عشيرتك الأقربين آية 214

(5/105)


قال عبد الله بن عباس لما نزلت صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصاح يا صباحاه فاجتمعوا إليه من بين رجل يجئ وبين رجل يبعث برسول فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن رجلا جاء من هذا الفج ليغير عليكم أصدقتموني قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا
قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب ألهذا دعوتنا تبا لك فأنزل الله جل وعز تبت يدا أبي لهب وتب وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال يا صفية عمة رسول الله يا فاطمة ابنة محمد يا بني عبد المطلب إني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم

(5/106)


71 - وقوله جل وعز الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين آية 219 218 قال مجاهد وقتادة في الساجدين في المصلين قال مجاهد وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه قال عكرمة أي قائما وراكعا وساجدا وروي عن ابن عباس أنه قال تقلبه في الظهور حتى أخرجه نبيا 72 - وقوله جل وعز تنزل على كل أفاك أثيم آية 222 قال مجاهد على كل أفاك على كل كذاب 73 - وقوله جل وعز والشعراء يتبعهم الغاوون آية 224 قال ابن عباس الرواة

(5/107)


وقال الضحاك هما اثنان تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار وكان مع كل واحد منهما جماعة وهم
الغواة أي السفهاء وقال عكرمة هم الذين يتبعون الشاعر وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد يتبعهم الغاوون قال الشياطين وروى خصيف عن مجاهد قال هم الذين يتبعونهم ويروون شعرهم 74 - ثم قال جل وعز ألم تر أنهم في كل واد يهيمون آية 225 قال مجاهد أي في كل فن يفتنون قال أبو جعفر والتقدير في اللغة في كل واد من القول يهيمون قال أبو عبيدة الهائم المخالف للقصد في كل شئ

(5/108)


75 - وقوله جل وعز إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات آية 227 قال عبد الله بن عباس يعني عبد الله بن رواحة وحسانا وفي غير هذا الحديث لما نزلت هذه الآية قال عبد الله قد علم الله جل وعز أنا نقول الشعر وأنزل هذا فأنزل الله عز وجل إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا أي ناضلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين من هجاهم

(5/109)


76 - ثم قال جل وعز وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون آية 227 روي في الحديث أنه يراد به من بين يدي الله جل وعز إلى النار انتهت سورة الشعراء

(5/110)