معاني القرآن للنحاس

تفسير سورة الدخان

مكية وآياتها 59 آية

(6/393)


بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الدخان وهي مكية 1 - قوله جل وعز (حم.
والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) (آية 1 - 3) قال مجاهد وقتادة (في ليلة مباركة) ليلة القدر قال أبو جعفر في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال: أ - فمن أصحها ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل به جبرائيل في عشرين سنة وهذا إسناد لا يدفع

(6/395)


ب - وقيل المعنى إنا أنزلناه قرآنا في تفضيل ليلة القدر وهو قوله تعالى (ليلة القدر خير من الف شهر) فهذان قولان ج - وقيل المعنى إنا ابتدانا به إنزاله في ليلة القدر كما تقول إنا أخرج إلى مكة غدا أي أنا ابتدئ الخروج 2 - وقوله جل وعز (فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) (آية 4 - 5) في معناه قولان متقاربان: قال ابن عباس يحكم الله جل وعز أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق

(6/396)


وقال أبو عبد الرحمن السلمي والحسن ومجاهد
وقتادة نحوا من هذا إلا أن مجاهد قال إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران قال أبو جعفر فهذا قول والمعنى عليه أنه تؤمر ليلة القدر الملائكة بما يكون من القطر والرزق والحياة والموت إلى قابل ومعنى (يفرق) و (يؤمر) واحد كأنه قال يؤمر كل أمر حكيم أمرا من عندنا والقول الآخر: أنها ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد

(6/397)


وقال غيره (يفرق) يقضي ويفصل في تلك الليلة إلى مثلها من السنة الأخرى و (حكيم) بمعنى محكم وقيل إن معنى (يفرق) يفصل اي يفصل بين المؤمن والكافر والمنافق فيقال للملائكة هذا ويعرفونه 3 - وقوله جل وعز (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) (آية 10) روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال آية الدخان لم تمض بعد وستكون ياتي دخان يصيب المؤمنين الزكام وينقد الكافر وروى الأعمش عن ابي الضحى عن مسروق قال جلس
رجل فقال إن الدخان لم يكن وإنما يكون يوم القيامة يأخذ المؤمنين منه مثل الزكام ويشتد على الكافرين والمنافقين فدخلنا على عبد الله بن مسعود وهو متكئ فحكينا له ما قال فقام فجلس مغضبا وقال إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل لا علم لي به فإن الله جل وعز يقول لنبيه (قل لا اسالكم عليه من أجر وما أنا

(6/398)


من المتكلفين) وسأخبركم عن الدخان إن قريشا استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرت فدعا الله جل وعز عليها ان يجوعها فأصابها جوع شديد حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا من الجوع والحر فقالت قريش (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) فكشفه الله عنهم فعادوا ثم بطش بهم البطشة الكبرى يوم بدر ولو كان الدخان يوم القيامة ما كشف عنهم 4 - وقوله جل وعز (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) (آية 15)

(6/399)


يجوز أن يكون المعنى إنكم عائدون في المعاصي ويجوز أن يكون بمعنى ميتين 5 - وقوله جل وعز (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) (آية 16) قال أبي بن كعب وابن مسعود في (البطشة الكبرى) إنها يوم بدر وروى عوف وقتادة عن الحسن (يوم نبطش البطشة الكبرى) قال يوم القيامة

(6/400)


6 - وقوله جل وعز (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) (آية 17) روى سعيد عن قتادة قال ابتليناهم قال (وجاءهم رسول كريم) يعني موسى صلى الله عليه وسلم قال (وأن لا تعلوا علي) أن لا تعتوا قال وقوله (إني آتيكم بسلطان مبين) اي بعذر مبين 7 - ثم قال جل وعز (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) (آية 20)

(6/401)


قال قتادة بالحجارة قال الفراء الرجم ههنا القتل وروى إسماعيل بن ابي خالد عن ابي صالح في (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) قال ان يقولوا ساحر أو كاهن أو شاعر 8 - ثم قال جل وعز (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) (آية 21) أي دعوني كفافا لا لي ولا علي 9 - وقوله جل وعز (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) (آية 24)

(6/402)


روى عكرمة عن ابن عباس قال (رهوا) طريقا
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال سهلا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (واترك البحر رهوا) : أي ساكنا لا تأمره أن يرجع إلى ما كان عليه حتى يحصل فيه آخرهم وروي عن مجاهد أنه قال (رهوا) اي يابسا قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة ويقال للساكن رهو كما قال الشاعر: والخيل تمرغ رهوا في أعنتها * كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد

(6/403)


ويقال جاء القوم رهوا على نطم واحد 10 - وقوله جل وعز (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم) (آية 25، 26) قال الفراء يقال المنازل الحسنة ويقال المنابر 11 - ثم قال جل وعز (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (آية 29) روى المسيب بن رافع عن علي عليه السلام أنه قال يبكي على المؤمن الباب الذي يصعد منه عمله ومصلاه من الأرض وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال للمؤمن باب يصعد منه عمله وينزل منه رزقه فإذا مات بكى عليه وبكى عليه

(6/404)


الموضع الذي كان يصلي عليه ولم يكن في آل فرعون خير ولا كان لهم عمل صالح يصعد قال الله تعالى (فما بكت عليهم السماء والأرض)
وقيل المعنى فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض كما قال تعالى (واسأل القرية) قال أبو جعفر العرب إذا عظمت هلاك الإنسان قالت بكت عليه السماء وأظلمت له الشمس على التمثيل كما قال:

(6/405)


والشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا ثم قال تعالى (وما كانوا منظرين) أي مؤخرين 12 - وقوله جل وعز (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين) (آية 31) قال قتادة كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم 13 - ثم قال جل وعز (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) (آية 32) قال قتادة على عالمي أهل زمانهم

(6/406)


17 - ثم قال جل وعز (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) (آية 33) قال قتادة أنجاهم من عدوهم وأقطعهم البحر وأنزل عليهم المن والسلوى قال أبو جعفر فالبلاء ههنا النعمة على هذا القول كما قال الشاعر: (فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو) وقد يكون البلاء ههنا العذاب ضد النعمة أي لحقهم البلاء لما
كفروا بآيات الله

(6/407)


15 - ثم قال جل وعز (إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) (آية 35) إن (هؤلاء) يعني قريشا (إن هي) بمعنى ما هي والمنشرون ثم المبعوثون أنشر الله الموتى فنشروا كما قال الشاعر: يا آل بكر أنشروا لي كليبا * يا آل بكر أين أين الفرار 16 - ثم قال جل وعز (فأتوني بآبائنا إن كنتم صادقين) (آية 36) الفراء يذهب إلى أن قوله فائتوا مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده على ما تستعمله العرب في مخاطبة الجليل

(6/408)


17 - ثم قال جل وعز (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم) (آية 37) قالت عائشة كان تبع رجلا صالحا فذم الله قومه ولم يذممه وقال سعيد بن جبير سال ابن عباس كعبا كيف ذكر الله جل وعز قوم تبع ولم يذكر تبعا فقال كان تبع ملكا من الملوك وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب فكان قومه يكذبون على أهل الكتاب عنده فقال لهم جميعا قربوا قربانا فقربوا فتقبل قربان اهل الكتاب ولم يتقبل قربان قومه فاسلم فلذلك ذكر الله قومه ولم يذكره

(6/409)


18 - وقوله جل وعز (ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) (آية 39) (إلا بالحق) أي إلا لإقامة الحق 19 - وقوله جل وعز (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون) (آية 41) المولى الولي والناصر كما قال الشاعر: فغدت كلا الفرجين تحسب انه * مولى المخافة خلفها وأمامها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه

(6/410)


في معناه ثلاثة أقوال: أحدها أن يكون المعنى من كنت أتولاه فعلي يتولاه والقول الثاني من كان يتولاني تولاه والقول الثالث أنه يروى أن أسامة بن زيد قال لعلي عليه السلام لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام (من كنت مولاه فعلي مولاه) 20 - وقوله جل وعز (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) (آية 44) قال شعبة سمعت سليمن عن مجاهد قال كان ابن عباس جالسا وفي يده محجن والناس يطوفون بالبيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على أهل الدنيا لأمرت عليهم عيشهم فكيف بمن طعامه الزقوم

(6/411)


قال أبو الدرداء (طعام الأثيم) طعام الفاجر 21 - ثم قال جل وعز (كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) (آية 45) روى سعيد بن جبير وابو ظبيان عن ابن عباس قال المهل دردي الزيت ثم قال (تغلي في البطون) يعني الشجرة ومن قال (يغلي) جعله للطعام والزقوم وقال الفراء وأبو حاتم من قال (يغلي) جاز أن يجعله للمهل

(6/412)


قال أبو جعفر وهذا غلط لأن المهل ليس هو الذي يغلي في البطون وإنما شبه به ما يغلي والحميم الماء الحار كما قال: (فيها كباء معد وحميم) الكباء البخور يقال كببت العود اي بخرته والكبا مقصور الكناسة 22 - ثم قال جل وعز (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم) (آية 47) أي يقول للملائكة خذوه فاعتلوه قال مجاهد أي فادفعوه

(6/413)


قال أبو جعفر يقال عتله يعتله ويعتله إذا جره
بعنف وشدة قال قتادة (إلى سواء الجحيم) إلى وسط الجحيم 23 - وقوله جل وعز (ذق إنك انت العزيز الكريم) (آية 49) وقرا الحسن بن علي عليهما السلام (ذق انك) بفتح الهمزة وهي قراءة الكسائي والمعنى عليها ذق لأنك كنت تقول هذا والمعنى على قولك قال قتادة أنزل الله عز وجل في أبي جهل الآية (أولى لك فأولى ثم اولى لك فأولى) فقال أيوعدني محمد وما بين جبليها أعز مني ولا أكرم فأنزل الله (ذق إنك أنت العزيز

(6/414)


الكريم) وأنزل فيه (كلا لا تطعه واسجد واقترب) 24 - وقوله جل وعز (إن المتقين في مقام أمين) (آية 51) قال الكسائي المقام لمكان والمقام الإقامة كما قال: (عفت الديار محلها فمقامها) ومعنى (أمين) أي من العلل والأحزان قال قتادة أمين من الشيطان والأنصاب والأحزان 25 - وقوله جل وعز (يلبسون من سندس واستبرق متقابلين) (آية 53)

(6/415)


قال عكرمة الاستبرق غليظ الديباج قال أبو إسحاق الاستبرق مأخوذ من البريق وهو الذي
يجعل على الكعبة والسندس الرقيق منه 26 - ثم قال جل وعز (كذلك وزوجناهم بحور عين) (آية 54) قال مجاهد أي أنكحناهم قال قتادة وفي قراءة عبد الله (كذلك وزوجناهم بعيس عين) ومعناه البيض يقال جمل اعيس ولا إذا كان أبيض يضرب إلى الشقرة 27 - ثم قال جل وعز (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) (آية 55)

(6/416)


قال قتادة آمنين من الموت والوصب والشيطان وقال غيره آمنين من انقطاع ذلك ومن غائلة أذاه ومكروهة وليس كفاكهة الدنيا التي لها غائلة وتنفد 28 - ثم قال جل وعز (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم) (آية 56) المعنى لا يذوقون فيها الموت البتة ثم قال (إلا الموتة الأولى) استثناء ليس من الأول وأنشد سيبويه: من كان أسرع في تفرق فالج * فلبونه جربت معا وأغدت ثم استثنى ما ليس من الأول فقال: إلا كناشرة التي ضيعتم * كالغصن في غلوائه المتنبت

(6/417)


29 - وقوله جل وعز (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) (آية 57) قال الفراء اي فعل ذلك تفضلا
30 - وقوله جل وعز (فارتقب إنهم مرتقبون) (آية 59) أي منتظرون انتهت سورة الدخان

(6/418)


تفسير سورة الجاثية

مكية وآياتها 73 آية

(6/419)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة الجاثية وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين) (آية 3) والمعنى إن في خلق السموات والأرض ودل عليه قوله (وفي خلقكم وما يبث من دابة) (آية 4) وكل ما فيه الروح فهو دابة 2 - وقوله جل وعز (وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) (آية 5)

(6/421)


قال قتادة إن شاء جعلها رحمة وإن شاء جعلها عذابا 3 - وقوله جل وعز (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) (آية 6) أي بعد قرآن الله كما قال تعالى (واسأل القرية) 4 - وقوله جل وعز (ويل لكل أفاك أثيم) (آية 7)
الأفاك الكذاب 5 - وقوله جل وعز (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) (آية 13)

(6/422)


روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال منه النور ومنه الشمس ومنه القمر ويقرأ (جميعا منة) بمعنى من به منة ويقرأ (منة) بمعنى ذلك منة ويجوز (منه) على أنه مصدر كما قال تعالى (صنع الله) 6 - وقوله جل وعز (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) (آية 14) قال مجاهد أي لا يبالون نعم الله أي لا يعلمون أنه أنعم

(6/423)


بها عليهم كما قال تعالى (وذكرهم بأيام الله) قال أبو جعفر يجوز أن يكون المعنى لا يرجون البعث أي لا يؤمنون به وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) 7 - وقوله جل وعز (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (آية 18) روى سعيد عن قتادة قال الشريعة الفرائض والحدود
والأمر والنهي قال أبو جعفر الشريعة في اللغة المذهب والملة ومنه شرع فلان في كذا ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالشريعة

(6/424)


ما شرع الله لعباده من الدين والجمع الشرائع أي المذاهب 8 - وقوله جل وعز (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون) (آية 20) أي هذا القرآن 9 - وقوله جل وعز (أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) (ى ية لم 21) (اجترحوا السيئات) أي كسبوا السيئات ومنه (ويعلم ما جرحتم بالنهار) ومنه الجوارح أي الكواسب 10 - وقوله تعالى (سواء محياهم ومماتهم) (آية 21)

(6/425)


قال مجاهد المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا ويقرأ (سواء محياهم ومماتهم) وقرأ الأعمش (سواء محياهم ومماتهم) قال أبو جعفر القراءة الأولى أحسن من جهة المعنى على قول مجاهد وهي أيضا أجود عند النحويين من جهة الإعراب وقراءة الأعمش على البدل وعند الفراء بمعنى الظرف

(6/426)


11 - وقوله جل وعز (أفرأيت من اتخذ إلهة هواه وأضله الله على علم) (آية 23) قال سعيد بن جبير كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه قال هذا أحسن من هذا فعبده وقال الحسن وقتادة في قوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال المنافق إذا هوي شيئا ركبه ثم قال (وأضله الله على علم) (آية 23) روي عن ابن عباس أنه قال (على علم) قد علمه عنده

(6/427)


وقيل على علم انه لا ينفعه ولا يضره 12 - وقوله جل وعز (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) (آية 24) يقال هم لا يقرون بالبعث فما معنى (نموت ونحيا) ؟ ففيه ثلاثة أجوبة: 1 - منها ان المعنى يموت بعضنا ويحيا بعض 2 - ومنه ان في الكلام تقديما وتأخيرا وأن المعنى نحيا ونموت 3 - والجواب الثالث أن معنى (نموت) نخلق مواتا ثم نحيا في الدنيا وقوله جل وعز (وما يهلكنا إلا الدهر)

(6/428)


قال مجاهد اي الزمان أي مر السنين والأيام وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر في معناه ثلاثة أقوال: 1 - منها أن المعنى لا تسبوا خلقا من خلق الله فيما لا ذنب له فيه فإن الله هو الدهر أي خالق الدهر كما قال تعالى (واسأل القرية) 2 - وقيل لما كانوا يقولون فعل الله بالزمان فإنه قد فعل بنا كذا وكان الله جل وعز هو القاضي بتلك الأشياء قال لهم لا تسبوا فاعل

(6/429)


الأشياء فإن الدهر ليس يفعلها 3 - وقد روي فإن الله هو الدهر والمعنى عليه لا تسبوا الدهر فإن الله مقيم الدهر أي مقيم أبدا لا يزال وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى (وما لهم بذلك من علم) قال قولهم لا نبعث 13 - وقوله جل وعز (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها) (آية 28) في معناه قولان: روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وابن عيينة عن ابن جريح عن مجاهد في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية)

(6/430)


قال مستوفرين على الركب قال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح الأمة ههنا الواحد قال سفيان بن أبي عيينة ولا يكون المستوفز إلا على ركبتيه وأطراف أصابعه قال الضحاك (جاثية) عند الحساب فهذا قول وقال الفراء في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية) قال أهل كل دين وجاثية مجتمعة قال أبو جعفر قد يقال لما اجتمع من التراب جثوة فأحسب الفراء أخذه من هذا قال الشاعر: ترى جثوتين من تراب عليهما * صفائح صم من صفيد ابن منضد

(6/431)


والقول الأول أعرف وأشهر 14 - وقوله جل وعز (كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون) (آية 28) في معناه قولان: أحدهما أن كتابها ما فرض عليها من حلال وحرام والقول الآخر أن كتابها ما كتبت الملائكة عليها وهذا أولى لأن بعده ما يدل عليه 15 - وقوله جل وعز (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنتج ما كنتم تعملون) (آية 29)
(ينطق) أي يبين أي تنظرون فتذكرون ما عملتم

(6/432)


ثم قال تعالى (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (آية 29) في معناه قولان: أحدهما ان المعنى ما تكتبه الملائكة وتنسخه قوله من أعمال بني آدم والقول الآخر رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فرغ الله جل وعز مما هو كائن فتنسخ الملائكة ما يعمل يوما بيوم من اللوح المحفوظ فيقابل به ما يعمله الإنسان لا يزيد على ذلك ولا ينقص قال فقيل لابن عباس ما توهمنا إلا إنهم يكتبونه بعدما يعمل فقال أنتم قوم عرب والله جل وعز يقول (إنا كنا نستنسخ) ولا يكون الاستنساخ إلا من نسخة 16 - وقوله جل وعز (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) (آية 31)

(6/433)


في الكلام حذف والمعنى فيقال لهم ألم تكن آياتي تتلى عليكم؟ 17 - وقوله جل وعز (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا) (آية 34)
روى معمر عن قتادة قال فاليوم نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا قال أبو جعفر المعنى على هذا فاليوم نترككم في النار كما تركتم العمل ليومكم هذا 18 - وقوله جل وعز (وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) (آية 37) الكبرياء العظمة انتهت سورة الجاثية

(6/434)