معاني القرآن للنحاس

تفسير سورة الشورى

مكية وآياتها 53 آية

(6/289)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشورى وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (حم.
عسق) (آية 1) وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس (حم.
سق) قال ابن عباس وكان علي عليه السلام يعرف الفتن بها وروى معمر عن قتاده في قوله تعالى (حم.
عسق) قال: اسم من اسماء القرآن

(6/291)


2 - وقوله جل وعز (كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) (آية 3)
المعنى يوحي إليك وإلى الذين من قبلك كذلك الوحي الذي تقدم أو كحروف المعجم وقيل إنه لم ينزل كتاب إلا وفيه (حم.
عسق) فالمعنى على هذا كذلك الذي أنزل من هذه السورة وهذا مذهب الفراء قال ويقرا (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك) قال أبو جعفر يجوز على هذه القراءة ان يكون هذا التمام ثم ابتدأ فقال (الله العزيز الحكيم) على أن العزيز الحكيم خبر أو صفة والخبر (له ما في السموات وما في الأرض) وكذلك يكون على قراءة من قرأ (نوحي) بالنون ويجوز على قراءة من قرأ يوحى ان يكون المعنى يوحي الله وأنشد سيبويه:

(6/292)


ليبك يزيد ضارع لخصومة * وأشعث ممن طوحته الطوائح فقال ليبك يزيد ثم بين من ينبغي أن يبكيه فالمعنى يبكيه ضارع 3 - وقوله جل وعز (تكاد السموات ينفطرن من فوقهن) (آية 5) أي ينشققن كما من أعلاهن عقوبة وقال قتادة لجلالة الله وعظمته قال أبو جعفر وقيل أي من فوق الأمم المخالفة

(6/293)


ويقرأ (يتفطرن من فوقهن) أي من عظمة من فوقهن 4 - ثم قال جل وعز (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) (آية 5) وفي الأرض المؤمن والكافر! ! فروى معمر عن قتادة قال (يستغفرن لمن في الأرض) من المؤمنين قال أبو جعفر ويبين هذا قوله جل وعلا (ويستغفرون للذين آمنوا) وقال في الكفار (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)

(6/294)


5 - وقوله جل وعز (لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه) (آية 7) روى أشعث عن الحسن قال (أم القرى) مكة قال أبو جعفر وإنما قيل لها أم القرى لنها أول ما عظم من خلق الله عز وجل أو لأنها ما وضع كما قال جل وعز (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) وفي الحديث (إن الأرض منها دحيت) قال أبو جعفر والمعنى لتنذر أهل أم القرى وتنذر من حولها

(6/295)


(وتنذر يوم الجمع) أي يوم يبعث الناس جميعا المعنى وتنذرهم بيوم القيامة ثم حذف المفعول والباء كما قال تعالى (لينذر باسا شديدا من لدنه) 6 - وقوله جل وعز (فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا) (آية 11) (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) أي إناثا (ومن الأنعام ازواجا يذرؤكم فيه) قال مجاهد نسلا من بعد نسل من الناس والإنعام قال قتادة (يذرؤكم فيه) يعيشكم فيه قال أبو جعفر المعنى انه لما قال (جعل) دل على الجعل كما يقال من كذب كان شرا له أي يخلقكم ويكثركم في الجعل

(6/296)


وقال الفراء (فيه) بمعنى به والله اعلم وقال القتبي (يذرؤكم فيه) في الزوج قال أبو جعفر كأن المعنى عنده يخلقكم في بطون الإناث ويكون (فيه) في الرحم وهذا خطأ لأن الرحم مؤنثة ولم يجر لها ذكر 7 - وقوله جل وعز (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (آية 11) الكاف زائدة التوكيد وأنشد سيبويه:

(6/297)


(وصاليات ككما يؤثفين) 8 - وقوله جل وعز (له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) (آية 12) قال الحسن ومجاهد وقتادة المقاليد المفاتيح قال أبو جعفر والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن يقال للمفتاح إقليد وجمعه على غير قياس كمحاسن والواحد حسن 9 - وقوله جل وعز (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) (آية 13) قال أبو العالية الذي وصى به نوحا الإخلاص لله

(6/298)


وعبادته لا شريك له وقال مجاهد وصى نوحا ووصاك ووصى الأنبياء كلهم دينا واحدا وقال الحكم جاء نوح بالشريعة بتحريم الأمهات والبنات والأخوات وقال قتادة جاء نوح بالشريعة بتحليل الحلال وتحريم الحرام قال أبو جعفر قول أبي العالية ومجاهد بين لأن الإسلام والإخلاص دين جميع الأنبياء والشرائع مختلفة

(6/299)


10 - قوله جل وعز (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن
أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (آية 13) قال أبو العالية (ولا تتفرقوا) أي لا تتعادوا هو وكونوا إخوانا قال قتادة فأخبر أن الهلكة في التفرق وأن الإلفة في الاجتماع 11 - ثم قال جل وعز (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) (آية 13) قال قتادة أكبروا وسلم واشتد عليهم شهادة ان لا إله إلا الله وحده وضاق بها إبليس وجنوده فأبى الله جل وعز إلا أن ينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها

(6/300)


12 - ثم قال جل وعز الله (يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) (آية 13) قال أبو العالية يخلصه من لاشرك ولا يكون الاجتباء إلا من الشرك وقال مجاهد (يجتبي) يخلص 13 - وقوله جل وعز (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) (آية 14) المعنى وما تفرقوا إلا من أجل البغي (من بعد ما جاءهم العلم) القرآن والدلالات على صحة نبوة محمد عليه السلام

(6/301)


14 - وقوله جل وعز (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى
لقضي بينهم) (آية 14) قال مجاهد أخروا إلى يوم القيامة 15 - وقوله جل وعز (فلذلك فادع واستقم كما أمرت) (آية 15) مؤخر ينوى به التقديم والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع واستقم كما أمرت (فلذلك) أي فإلى ذلك أي فإلى إقامة الدين كما قال:

(6/302)


(أوحى لها القرار فاستقرت) أي أوحى إليها 16 - وقوله جل وعز (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة) (آية 16) قال مجاهد أي من بعد ما اسلم الناس قال وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود وقال قتادة الذين حاجوا في الله من بعد ما استجيب له اليهود والنصارى قالوا نبينا قبل نبيكم وديننا قبل دينكم ونحن

(6/303)


خير منكم 17 - قوله جل وعز (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) (آية 17)
قال قتادة الميزان العدل 18 - ثم قال جل وعز (وما يدريك لعل الساعة قريب) (آية 17) (لعل الساعة) أي البعث قريب أو لعل مجئ الساعة قريب 19 - وقوله جل وعز (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) (آية 18) أي يقولون متى تكون على وجه التكذيب بها

(6/304)


(والذين آمنوا مشفقون منها) أي خائفون لأنهم قد أيقنوا بكونها (ألا إن الذين يمارون في الساعة) أي يجادلون فيها ليشككوا المؤمنين (لفي ضلال بعيد) لأنهم لو أفكروا عنه لعلموا أن الذي أنشأهم وخلقهم أول مرة قادر على أن يبعثهم 20 - وقوله جل وعز (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) (آية 20) الحرث: العمل ومنه قول عبد الله بن عمر (احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ومنه

(6/305)


سمي الرجل حارثا والمعنى من كان يريد بعمله الآخرة (نزد له في حرثه) أي نوفقه ونضاعف له الحسنات
وقوله جل وعز (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) (آية 20) في معناه ثلاثة أقوال: أ - منها أن المعنى نؤته منها ما نريد كما قال سبحانه (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) ب - ومنها أن يكون المعنى ندفع عنه من آفات الدنيا والقول الثالث أن المعنى: من كان يفعل الخير ليثنى عليه تركناه وذلك ولم يكن له في الآخرة نصيب

(6/306)


21 - وقوله جل وعز (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم) (آية 22) أي من جزاء ما كسبوا وهو العذاب وهو واقع بهم 22 - وقوله جل وعز (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (آية 23) في معناها أربعة أقوال: 1 - روى قزعة بن سويد عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قل لا أسألكم على ما أتيتكم به أجرا إلا أن تتوددوا لله وتتقربوا إليه بطاعته وروى منصور وعوف عن الحسن (قل لا أسألكم عليه أجرا

(6/307)


إلا المودة في القربى) قال تتوددون إن إلى الله جل وعز وتتقربون منه بطاعته فهذا قول 2 - وقال الشعبي ومجاهد وعكرمة وقتادة المعنى قل لا
أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم فتحفظوني ولا تكذبوني قال عكرمة وكانت قريش تصل أرحامها فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعته فقال صلوني كما كنتم تفعلون قال أبو جعفر والمعنى على هذا قل لا أسألكم عليه أجرا لكن أذكركم قرابتي على أنه استثناء ليس من الأول فهذان قولان

(6/308)


3 - وقال الضحاك هذه الآية منسوخة نسخها قوله جل وعز (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) فالذي سئلوه أن يودوه بقرابته ثم رده الله إلى ما كان عليه الأنبياء كما قال نوح وهود (قل لا أسألكم عليه أجرا) فهذه ثلاثة أقوال 4 - وروى قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم؟ قال علي وفاطمة وولدها

(6/309)


23 - وقوله جل وعز (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) (آية 23) الاقتراف الاكتساب وهو مأخوذ من قولهم رجل قرفة إذا كان محتالا 24 - وقوله جل وعز (أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله
يختم على قلبك) (آية 24) قال قتادة أي إن شاء أنساك ما علمك وقيل المعنى إن يشأ يزل تمييزك فاشكره إذ لم يفعل

(6/310)


وقيل معنى (فإن يشأ الله يختم على قلبك) إن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم وقولهم (افترى على الله كذبا تم الكلام 25 - ثم قال جل وعز (ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته) (آية 24) أي يمحو الله الشرك ويزيله

(6/311)


وقوله جل وعز (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) (آية 24) في الحديث أن عبد الله بن مسعود سئل عن رجل زنى بامرأة أيجوز له أن يتزوجها؟ فقال (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) 26 - وقوله جل وعز (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله) (آية 26) (الذين) في موضع نصب بمعنى ويستجيب للذين آمنوا كما قال سبحانه وإذا كالوهم أي كالوا لهم يقال إستجبته إلا بمعنى أجبته وانشد الأصمعي: وداع دعا يا من يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب
ويجوز أن يكون في موضع رفع ويكون (ويستجيب

(6/312)


الذين آمنوا) بمعنى يجيب الذين آمنوا كما قال عز وجل (فليستجيبوا لي) قال محمد بن يزيد حقيقته فليستدعوا فيه الإجابة هكذا حقيقة معنى (استفعل) 27 - وقوله جل وعز (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) (آية 27) روى سعيد عن قتادة قال خير الرزق ما لا يطغي ولا يلهي 28 - وقوله جل وعز (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) (آية 28)

(6/313)


قال مجاهد (من بعد ما قنطوا) أي يئسوا قال أبو جعفر يقال قنط يقنط وقنط يقنط إذا اشتد يأسه من الشئ 29 - وقوله جل وعز (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة) (آية 29) قال الفراء أراد بث في الأرض دون السماء كما قال سبحانه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من الملح قال أبو جعفر هذا غلط
روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (وما بث فيهما من دابة قال الناس والملائكة

(6/314)


وهذا قول حسن يقال لكل حي دابة من دب فهو داب والهاء للمبالغة كما يقال رواية وعلامة ثم قال جل وعز (وهو على جمعهم) أي على إحيائهم (إذا يشاء قدير) 30 - وقوله جل وعز (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (آية 30) يقال قد تكون المصيبة بغير هذا ففيه أجوبة:

(6/315)


1 - أروى معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) قال الحدود فالمعنى في هذا إن الله جل وعز جعل الحدود بما يعمل من المعاصي ب - وقيل ما ههنا بمعنى (الذي) وهو حسن والدليل على هذا أن أهل المدينة قرؤوا (بما) بغير فاء فالمعنى على هذا والذي كان أصابكم بذنوب عملتموها ج - وروى سفيان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال قال

(6/316)


رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر) ثم تلا (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) قال أبو جعفر فالمعنى على هذا وما أصابكم من مصيبة مقصود بها العقوبة فبما كسبت أيديكم قال أبو جعفر وفي الآية قول رابع وهو أن كل مصيبة تصيب فإنما هي من اجل ذنب إما أن يكون الإنسان عمله وإما أن يكون تنبيها له لئلا يعمله وإما أن يكون امتحانا له ليعتبر والداه فقد صارت كل مصيبة على هذا من أجل الذنوب وصارت القراءة بالفاء أحسن لأنه شرط وجوابه

(6/317)


31 - وقوله جل وعز (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام) (آية 32) قال مجاهد الجواري السفن والأعلام الجبال 32 - ثم قال جل وعز (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره) (آية 33) أي سواكن 33 - وقوله جل وعز (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير) (آية 34)
قال مجاهد يوبقهن يهلكهن قال أبو جعفر يقال أوبقته ذنوبه أي أهلكته قال قتادة (أو يوبقهن بما كسبوا) يهلك من فيهن بذنوبهم

(6/318)


قال أبو جعفر تقديره مثل (واسأل القرية) 34 - وقوله جل وعز (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) (آية 37) روي عن ابن عباس (كبائر الإثم) الشرك ويقرأ (كبير الإثم) قال الحسن الكبائر كل ما وعد الله جل وعز عليه النار وقيل الكبائر كل ما وعد الله عليه النار وأجمع المسلون على أنه من الكبائر فقد أجمعوا على أن الخمر من الكبائر

(6/319)


حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) الإشراك واليأس من روح الله والأمن لمكر الله ومنه عقوق الوالدين وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل
الربا والسحر والزنى واليمين الغموس الفاجرة والغلول ومنع الزكاة المفروضة وشهادة الزور وكتمان الشهادة وشرب الخمر وترك الصلاة متعمدا أو شئ مما افترض الله ونقض العهد وقطيعة الرحم

(6/320)


35 - وقوله جل وعز (وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (آية 38) اي يتشاورون 36 - وقوله جل وعز (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) (آية 39) روى منصور إبراهيم كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق 37 - ثم قال جل وعز (وجزاء سيئة سيئة مثلها) (آية 40) قال ابن أبي نجيح إذا قال أخزاه الله قال له أخزاه الله

(6/321)


قال أبو جعفر الأولى سيئة في اللفظ والمعنى والثانية سيئة في اللفظ وليست في المعنى سيئة ولا الذي عملها مسئ وسميت سيئة لازدواج الكلام ليعلم إنها جزاء على الأولى 38 - وقوله جل وعز (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما
عليهم من سبيل) (آية 41) قال قتادة هذا في القصاص فأما من ظلمك فلا يحل لك أن تظلمه قال الحسن (ولمن انتصر بعد ظلمه) هذا إذا لم يكن ظلمه لا يصلح أي هذا فيما أباح الله الانتصار منه

(6/322)


وقد روى يونس عن الحسن في قوله (ولمن انتصر بعد ظلمه) قال إذا لعن لعن وإذا سب سب ما لم يكن حدا أو كلمة لا تصلح 39 - وقوله جل وعز (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي) (آية 45) أي ينظرون إلى النار قال مجاهد (خفي) أي ذليل قال أبو جعفر وقيل ينظرون بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا

(6/323)


40 - وقول جل وعز (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) (آية 45) قال قتادة خسروا أهليهم الذين في الجنة اعدوا لهم لو أطاعوا وقيل لما كان المؤمنون يلحق بهم أهلوهم في الجنة وكان
الكفار لا يجتمعون معهم في خير كانوا قد خسروهم قال الله تعالى (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) 41 - وقوله جل وعز (ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) (آية 47) قال مجاهد (من ملجأ) من محرز و (من نكير) من ناصر وقيل (من ملجأ) من مخلص من عذاب الله (وما لكم من نكير) أي لا تقدرون أن تنكروا الذنوب

(6/324)


التي توقفون عليها 42 - وقوله جل وعز (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) (آية 50) قال عبيدة وأبو مالك والحسن ومجاهد والضحاك والمقصود لفظ عبيدة أي يهب لمن يشاء ذكورا يولدون له ولا يولد له إناث ويهب لمن يشاء إناثا يولدون له ولا يولد له ذكر (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) يولد له ذكور ويولد له إناث قال عبيدة (ويجعل من يشاء عقيما) لا يولد له قال أبو جعفر يقال لكل اثنين مقترنين زوجان كل واحد منهما زوج من ذلك الرجل والمرأة والخفان والنعلان فمعنى (يزوجهم ذكرانا وإناثا) يقرنهم أي يقرن لهم كما قال

(6/325)


(والقمر قدرناه منازل) ويقال زوجت إبلي صغيرها وكبيرها أي قرنت صغيرها مع كبيرها ويقال رجل عقيم لا يولد له وامرأة عقيم لا تلد وريح عقيم لا تأتي بمطر ولا خير 43 - وقوله جل وعز (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) (آية 51) في المعنى قولان: أ - فالذي عليه أهل التفسير ما قاله مجاهد قال (إلا وحيا) أن ينفث في قلبه

(6/326)


(أو من وراء حجاب) كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم (أو يرسل رسولا) كما أرسل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أشباهه والقول الآخر أن معنى (إلا وحيا) كما أوحي إلى الأنبياء صلى الله عليهم بإرسال جبريل صلى الله عليه (أو من وراء حجاب) كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم (أو يرسل رسولا) إلى الناس عامة ويقرأ (أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه) وهذا في موضع الحال أي الذي يقوم مقام الكلام ما ذكر ويجوز أن يكون مقطوعا من الأول

(6/327)


44 - وقوله جل وعز (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا)
(آية 52) قال ابن عباس النبوة قال أبو جعفر أي وكذلك أوحينا إليك ما تحيا به النفوس أي ما تهتدي به وقال قتادة والحسن (روحا من أمرنا) أي رحمة من عندنا 45 - وقوله جل وعز (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (أية 52) أي بما أوحينا إليك وقال معلى سمعت حوشبا يقرأ (وإنك لتهدى إلى

(6/328)


صراط مستقيم) وفي قراءة أبي (وإنك لتدعو إلى صراط مستقيم) قال أبو جعفر وهذا لا يقرا به لأنه مخالف للسواد وإنما يحمل ما كان مثله على أنه من قائله على جهة التفسير كما قال سفيان في قوله جل وعز (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) أي لتدعو وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال لكل قوم هاد انتهت سورة الشورى

(6/329)


تفسير سورة الزخرف

مكية وآياتها 89 آية

(6/331)


بسم الله الرحمن الرحيم سورة الزخرف وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (حم.
والكتاب المبين) (آية 1 و 2) أي إبان الهدى من الضلالة والحق من الباطل ويكون (المبين) البين 2 - ثم قال جل وعز (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) (آية 3) أي بيناه

(6/333)


3 - وقوله جل وعز (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) (آية 4) روى معمر عن قتادة قال (في أم الكتاب) قال في اصل الكتاب وجملته عندنا قال أبو جعفر ونظير هذا على قول قتادة (إنه لقرآن مجيد في لوح محفوظ) وقيل (وإنه في أم الكتاب) يعني ما قدر من الخير والشر (لعلي) لقاهر لا يقدر أحد أن يدفعه حكيم) محكم 4 - وقوله جل وعز (أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين) (آية 5) روى إسماعيل عن ابي صالح (أفنضرب عنكم الذكر) ؟

(6/334)


قال العذاب وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون؟ قال أبو جعفر المعنى على هذين القولين أفنضرب عنكم ذكر العذاب ومذهب قتادة أن المعنى أفنهملكم وقال ولا نأمركم ولا ننهاكم؟ قال أبو جعفر يقال ضربت عنه وأضربت أي تركته ثم قال جل وعز (صفحا) أي إعراضا يجوز أن يكون المعنى أفنصفح عنكم صفحا كما يقال هو يدعه تركا

(6/335)


ويجوز أن يكون المعنى أفنضرب عنكم الذكر صافحين كما يقال جاء فلان مشيا ومعنى صفحت عنه أعرضت عنه أي وليته صفحة عنقي قال الشاعر: صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت 5 - ثم قال جل وعز (أن كنتم قوما مسرفين) (آية 5) قال قتادة أي مشركين قال أبو جعفر المعنى لأن كنتم إذا فتحت (أن) وبذلك قرأ الحسن وأبو عمرو وابن كثير
وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بالكسر وهو عند قوم من

(6/336)


أهل اللغة لحن منهم أبو حاتم وإنما صار عندهم لحنا لأنهم إنما وبخوا على شئ قد ثبت وكان فهذا موضع أن مفتوحة كما قال سبحانه (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) قال أبو جعفر وهذا عند الخليل وسيبويه والكسائي والقراء جيد قال سيبويه سألت الخليل عن قوله يعني الفرزدق: أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم فقال هي (إن) مكسورة لأنه قبيح أن يفصل بين (أن) والفعل قال أبو جعفر وهذا شئ قد مضى

(6/337)


قال أبو إسحاق وهذا يكون بمعنى الحال إذا كان في الكلام معنى التوبيخ والتقرير اي أهذه حالك؟ قال أبو جعفر فعلى هذا قوله (إن كنتم قوما مسرفين) 6 - وقوله جل وعز (فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين) (آية 8) قال مجاهد أي سنة الأولين قال قتادة أي عقوبة الأولين وقوله جل وعز (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا 7 - وقوله جل وعز (والذي خلق الأزواج كلها) (آية 12)
أي الأصناف كلها

(6/338)


8 - ثم قال جل وعز (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) (آية 12) قال مجاهد الأباعر والخيل والبغال والحمير 9 - وقوله جل وعز (لتستووا على ظهوره) (آية 14) أي على ظهور هذا الجنس (ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) أي تقولوا الحمد لله كما روى أبو إسحاق عن علي بن ربيعة قال رأيت علي آبن أبي طالب صلوات الله عليه جعل رجله في الركاب فقال (بسم الله) فلما استوى راكبا قال (الحمد لله) ثم قال (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) اللهم لا إله إلا

(6/339)


أنت قد عملت سوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كفعلي وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد من ركب ولم يقل (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) قال له الشيطان تغنه فإن لم يحسن قال له تمنه قال قتادة (مقرنين) أي في القوة

(6/340)


قال أبو جعفر حكى أهل اللغة أنه يقال أقرن له إذا
أطاقه وأنشدوا: ركبتم صعبتي أشرا وحينا * ولستم للصعاب بمقرنينا وحقيقة أقرنت له صرت له قرنا يقال هو قرنه في القتال وهو على قرنه أي مثله في السن 10 - ثم قال تعالى (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) (آية 14) أي إنل أنه مبعوثون 11 - ثم قال جل وعز (وجعلوا له من عباده جزء إن الإنسان لكفور مبين) (آية 15)

(6/341)


قال قتادة (جزء) أي عدلا قال أبو جعفر والمعنى على قولهم أنهم عبدوا الملائكة فجعلوا لله جل وعز شبها ومثلا وقال عطاء (جزء) أي نصيبا وشركا قال أبو جعفر وهذا أبين كما يقال هذا جزء فلان وقيل لهم هذا لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله هذا قول مجاهد ومعنى (وجعلوا) قالوا هذا ووصفوه 12 - وقوله جل وعز (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) (آية 18)

(6/342)


قال ابن عباس يعني النساء جعل زيهن غير زي الرجال قال أبو جعفر يجوز ن يكون المعنى أو من ينشأ في الحلية
يجعلون لله جل وعز نصيبا؟ ويجوز أن يكون في موضع رفع 13 - ثم قال جل وعز (وهو في الخصام غير مبين) (آية 18) قال قتادة قل ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها عليها

(6/343)


14 - ثم قال جل وعز (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) (آية 19) (جعلوا) هنا بمعنى وصفوا وهذا من وجوه جعل التي ذكرها الخليل وسيبويه كما تقول جعلت فلانا أعلم الناس أي وصفته بهذا 15 - وقوله جل وعز (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) (آية 20) هذه آية مشكلة وقد تكلم فيها العلماء: أ - فمن أحسن ما قالوا أن قوله عز وجل (ما لهم بذلك من علم) مردود إلى قوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) فالمعنى إن الله جل وعز لم يرد عليهم قولهم (لو شاء الرحمن ما عبدناهم) وإنما المعنى ما لهم بقولهم الملائكة بنات الله من علم وما بعده يدل على أن المعنى على هذا لأن بعده (أم

(6/344)


آتيناهم كتابا من قبله) أي أم أنزلنا عليهم كتابا فيه هذا؟
ب - وفي الآية قول آخر وهو أن معنى (ما لهم بذلك من علم) ما لهم عذر في هذا لأنهم رأوا أن ذلك عذر لهم فرد الله ذلك عليهم فالرد محمول على المعنى وقوله (أم آتيناهم كتابا) 16 - وقوله جل وعز (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) (آية 22)

(6/345)


وقرأ مجاهد وعمر بن عبد العزيز (على إمة) قال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد قال أبو جعفر المعروف في اللغة أن الإمة بالكسر الطريقة من الدين والمذهب كما قال: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وهل يأثمن ذو امة وهو طائع والأمة السنة والملة وقد يكون لها غير هذا المعنى وقد تكون الإمة بمعنى الملك والتمام كما قال: ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهموا وهو هناك القبور

(6/346)


وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (إنا وجدنا آباءنا على أمة) على ملة 17 - وقوله جل وعز (وإنا على آثارهم مهتدون) (آية 22) يجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويجوز أن يكون المعنى مهتدون على آثارهم 18 - ثم أخبر جل وعز أن الأنبياء قبله قد قيل لهم مثل هذا فقال (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) (آية 23) ثم قال جل وعز (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم
عليه آباءكم) (آية 24)

(6/347)


المعنى أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم أقمتم على ما كان عليه آباؤكم؟ 19 - وقوله جل وعز (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون) (آية 26) وفي قراءة (إنني برئ) وحكى الفراء أن قوما يكتبون الهمزة في كل موضع ألفا فعلى هذا يقرأ برئ وإن كان في السواد بالألف ومن قرأ (براء) قال في الاثنين والجميع براء أيضا بمعنى ذوي براء

(6/348)


20 - ثم قال جل وعز (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) (آية 27) قال قتادة أي خلقني قال أبو جعفر يجوز أن يكون استثناء من الأول ويجوز أن يكون إلا بمعنى (لكن) 21 - ثم قال جل وعز (وجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون) (آية 28) قال مجاهد (كلمة باقية) لا إله إلا الله وقال قتادة التوحيد والإخلاص في عقبه

(6/349)


وقال مجاهد في ولده قال قتادة لا يزال من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم من يعبد الله جل وعز إلى يوم القيامة
وقوله جل وعز (لعلهم يرجعون) إلى دينك ودين إبراهيم صلى الله عليهما إذ كانوا من ولده 22 - وقوله جل وعز (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (آية 31) قال ابن عباس القريتان مكة والطائف

(6/350)


قال قتادة الرجلان (أبو مسعود الثقفي) واسمه عروة بن مسعود من أهل الطائف و (الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي) من أهل مكة قال مجاهد الرجلان (عتبة بن ربيعة) من أهل مكة وأبو مسعود الثقفي واسمه (عمير بن عمرو بن مسعود) قال أبو جعفر روي هذا عن جماعة ثقات منهم (ابن جريج) و (ابن أبي نجيح) وروى ذلك عن قتادة الثقات أيضا إلا أن قول قتادة أشبه بالصواب لن معمرا روى عنه أنه قال قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمد حقا أنزل علي أو على أبي مسعود الثقفي فخبر قتادة بسبب نزول الآية

(6/351)


قال أبو العباس التقدير في العربية على رجل من رجلين من القريتين قال أبو جعفر حقيقة التقدير في العربية على رجل من رجلي القريتين كما قال سبحانه (واسأل القرية)
23 - ثم قال جل وعز (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) (آية 32) أي كما قسمنا بينهم الأرزاق وفضلنا بعضهم على بعض كذلك فضلنا بعضهم على بعض بالاصطفاء بالرسالة 24 - ثم قال جل وعز (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) (آية 32) أي ليكون بعضهم لبعض خولا و (سخري) و (سخري) واحد

(6/352)


ثم أخبر جل وعز أن ما عنده من الرحمة خير فقال (ورحمة ربك خير مما يجمعون) (آية 32) وقرأ الحسن (تجمعون) بالتاء 25 - وقوله جل وعز (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) (آية 33) في معنى الآية قولان: قال الحسن وقتادة لولا ان يكفر الناس جميعا لفعلنا هذا قال أبو جعفر ومعنى هذا القول لولا أن يميل الناس إلى الدنيا فيكفروا لأعطينا الكافر هذا لهوان الدنيا على الله عز وجل والقول الآخر قاله الكسائي قال المعنى لولا إرادتنا

(6/353)


أن يكون في الكفار غني وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها على الله جل وعز
قال الفراء يجوز أن يكون معنى (لبيوتهم) على بيوتهم قال أبو جعفر روى سفيان عن إسماعيل عن الشعبي (سقفا من فضة) قال جزوعا (ومعارج) قال درجا (عليها يظهرون) قال يصعدون

(6/354)


وقرأ جماعة (سقفا من فضة) وأنكر هذه القراءة بعض أهل اللغة وقال لو كان كذا لقال (عليه) قال أبو جعفر وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يكون (عليها) للدرج 26 - ثم قال جل وعز (ولبيوتهم أبوابا) (آية 34) أي من فضة (وسررا) أي من فضة (وزخرفا) روى شعبة عن الحكم عن مجاهد قال كنت لا أدري ما معنى (وزخرفا) حتى وجدته في قراءة عبد الله بن مسعود (وذهبا) ! ! قال أبو جعفر في معناه قولان: أحدهما أن المعنى وجعلنا لهم زخرفا أي غنى

(6/355)


والآخر أن المعنى من فضة ومن زخرف ثم حذف (من) ونصب 27 - وقوله جل وعز (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) (آية 36) روى سعيد عن قتادة قال (يعش) يعرض
وقال أبو عبيدة (يعش) تظلم عينه وروى عكرمة عن ابن عباس يعمى قال أبو جعفر يجب على قول ابن عباس ان تكون القراءة (ومن يعش) بفتح الشين

(6/356)


وأما قول قتادة (يعش) يعرض وهو قول الفراء فغير معروف في اللغة إنما يقال عشا يعشو إذا مشى ببصر ضعيف قال الحطيئة: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد ونظير هذا عرج الرجل يعرج أي مشى مشية الأعرج وعرج يعرج صار أعرج وأصح ما في هذا قول أبي عبيدة قال الله جل وعز

(6/357)


(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) وفي الحديث ان سعيد بن المسيب ذهبت إحدى عينيه وكان يعشو بالأخرى أي يبصر بها بصرا ضعيفا 28 - وقوله جل وعز (نقيض له شيطانا فهو له قرين) (آية 36) قيل جزاء على ما فعل وقال سعيد الجريري في قوله تعالى (نقيض له شيطانا) قال بلغنا ان الكافر إذا خرج من قبره سفع شيطان بيده فلا يزال معه حتى يدخله الله عز وجل النار فذلك قوله جل وعز (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) ويوكل
بالمؤمن ملك فلا يزال معه حتى يقضي الله بين الخلق أو يصير إلى

(6/358)


ما شاء الله 29 - وقوله جل وعز (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) (آية 37) أي وإن الشياطين ليصدون الكافر عن السبيل (ويحسبون) أي ويحسب الكفار أنهم مهتدون 30 - وقوله جل وعز (حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) (آية 38) قال قتادة (حتى إذا جاءآنا) قال الكافر وقرينه جميعا قال أبو جعفر ويقرأ (حتى إذا جاءنا) يراد به الكافر في الظاهر والمعنى لهما جميعا لأنه قد عرف ذلك بما بعده كما قال:

(6/359)


وعين لها حدرة بدرة * شقت مآقيهما من أخر 31 - وقوله تعالى (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) (آية 38) في معناه قولان: أحدهما أنه يراد مشرق الشتاء ومشرق الصيف والآخر أنه يراد المشرق والمغرب فجاء على كلام العرب لأنهم إذا اجتمع الشيئان في معنى غلب أحدهما كما قال الشاعر:

(6/360)


أخذنا بآفاق السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع وأنشد أبو عبيدة بيت جرير: ما كان يرضى رسول الله فعلهم * والطيبان أبو بكر ولا عمر وأنشد سيبويه: قدني من نصر الخبيبين قدي يريد عبد الله ومصعبا ابني الزبير وإنما أبو خبيب عبد الله

(6/361)


وفي الحديث أن أصحاب الجمل قالوا لعلي بن أبي طالب عليه السلام أعطنا سنة العمرين يعنون أبا بكر وعمر 32 - وقوله جل وعز (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) (آية 39) المعنى إن الله عز وجل حرم أهل النار هذا المقدار من الفرح وهو التأسي وهو أن ذا البلاء إذا رأى من قد ساواه في المصيبة سكن ذلك من حزنه كما قالت الخنساء: فلولا كثرة الباكين حولي * على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن * أعزي النفسي منه بالتأسي

(6/362)


33 - وقوله جل وعز (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) (آية 41) قال قتادة ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة وليس نبي
إلا قد رأى النقمة في أمته إلا محمدا صلى الله عليه وسلم ولكنه أري ما ينزل بأمته من بعده فما رؤي بعد ذلك ضاحكا منبسطا 34 - وقوله جل وعز (أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون) (آية 42) قيل المعنى الذي وعدناهم ووعدناك عليهم من النصر وقيل الذي وعدناهم يرجع إلى قوله تعالى (والآخرة عند

(6/363)


ربك للمتقين) أي الذي وعدنا المتقين من النصر وقد نصروا 35 - وقوله جل وعز (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) (آية 43) قال قتادة أي بالقرآن (إنك على صراط مستقيم) قال على الإسلام (وإنه لذكر لك ولقومك) قال القرآن وروى محمد بن يوسف عن سفيان (وإنه لذكر لك ولقومك) قال شرف لك ولقومك 36 - ثم قال جل وعز (وسوف تسألون) (آية 44)

(6/364)


قال الفراء اي وسوف تسألون عن الشكر عليه 37 - وقوله جل وعز (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) (آية 45) قال أبو جعفر هذه آية مشكلة وفي معناها قولان:
روى أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال لقي الرسل صلى الله عليهم ليلة اسري به فهذا قول ومعناه أنه سيسرى إذا بك وتلقى الرسل فاسألهم والقول الآخر وهو قول محمد بن يزيد وجماعة من العلماء أن في هذا المعنى التوقيف والتقرير والتوبيخ والمعنى

(6/365)


واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا كما قال تعالى (واسأل القرية) أي سل من عبد الملائكة أو قال إن الله ثالث ثلاثة أو عبد غير الله جل وعز هل وجد هذا في شئ من كتب الأنبياء مما أنزل الله عليهم فإنه لا يجد في كتاب نبي أن الله أمر أن يعبد غيره ففي هذا معنى التقرير والتوبيخ والتوقيف على أنهم قد كفروا وفعلوا ما لم يأمر الله به ونظيره قوله تعالى (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) ويصحح هذا القول أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال وهي في قراءة عبد الله (واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) قال يعني أهل الكتاب روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قراءة عبد

(6/366)


الله (واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا) فهذه قراءة مفسرة وقال قتادة اي سل أهل الكتاب أأمر الله إلا بالتوحيد
والإخلاص؟ وزعم ابن قتيبة أن التقدير واسأل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا فحذف إليه لأن في الكلام دلالة عليه وحذف رسلا لأن من رسلنا يدل عليه وزعم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد المشركون 38 - وقوله جل وعز (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون) (آية 49) يقال كيف قالوا له أيها الساحر وقد قالوا (إننا

(6/367)


لمهتدون) فيما يستقبل؟ قيل إنهم لما قالوا له هذا قبل أن يدعوه عرفوه فنادوه به وقيل كانوا يسمون العلماء سحرة فالمعنى يا أيها العالم قال مجاهد في وقوله تعالى (بما عهد عندك) من أنا إن آمنا كشف عنا العذاب قال أبو جعفر ويدل على صحة هذا الجواب قوله تعالى (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) أي ينقضون العهد وروى سعيد عن قتادة (إذا هم ينكثون) قال

(6/368)


يغدرون 39 - وقوله جل وعز (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي
ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) ؟ (آية 51) قال الأخفش في الكلام حذف والمعنى افلا تبصرون أم تبصرون كما قال: فيا ظبية الوعساء بين جلاجل * وبين النقا هل أنت أم أم سالم أي أنت احسن أم أم سالم؟ قال أبو زيد العرب تزيد والمعنى أنا خير

(6/369)


وقيل المعنى أبل؟ قال أبو جعفر وأحسن ما قيل في هذه الآية قول الخليل وسيبويه ان المعنى أفلا تبصرون أم أنتم بصراء ويكون (أم أنا خير) بمعنى أم أنتم خير لأنهم لو قالوا له أنت خير كانوا عنده بصراء 40 - وقوله جل وعز (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) آية 52) والمهين القليل من المهانة

(6/370)


روى سعيد عن قتادة (ولا يكاد يبين) قال عيي وقيل إنما هذا للثغة التي كانت به 41 - وقوله جل وعز (فلولا القي عليه أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (آية 53) أي فهلا القي عليه اساورة من عند الله تدل على أنه
رسول؟ و (أساورة) جمع إسوار وفي قراءه ابي وعبد الله (لولا القي عليه أساوير) وهو بمعنى الأول

(6/371)


(أو جاء معه الملائكة مقترنين) قال قتادة أي متتابعين وقال مجاهد أي يمشون معه معا قال أبو جعفر فاقترحوا هذا بعدما جاءهم ما يدل على نبوته 42 - ثم قال جل وعز (فاستخف قومه فاطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) (آية 54) أي استفزهم 43 - وقوله جل وعز (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) (آية 55) قال مجاهد وقتادة اي أغضبونا

(6/372)


44 - وقوله جل وعز (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) (آية 56) قال لاحق بن حميد اي جعلناهم سلفا لمن عمل بعملهم ومثلا لمن لم يعمل بعملهم وقال مجاهد هم قوم فرعون سلف لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال (ومثلا) أي عبرة وقال قتادة (سلفا) إلى النار (ومثلا) أي عظة
قرئ على أبي قاسم قريب احمد بن منيع عن ابي كامل الجحدري عن عبد الواحد عن عاصم عن أبي مجلز (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) قال سلفا لمن عمل بمثل عملهم ومثلا لمن لم يعمل بمثل عملهم

(6/373)


قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة وأصل السلف في اللغة ما تقدم ومنه تسلفت من فلان وابينها قول قتادة اي جعلناهم متقدمين في الهلاك وعظة لمن يأتي بعدهم ويقرأ (سلفا) جمع سليف وقرأ حميد الأعرج فيما روي عنه (سلفا) جمع سلفة اي فرقة متقدمة وأبينها وأكثرها فتح السين واللام كما يقال فلان يحب السلف 45 - وقوله جل وعز (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) (آية 57) قال مجاهد قالوا ما ذكر محمد عيسى صلى الله عليهما إلا لننزله فقال منزلته من النصارى

(6/374)


وقال قتادة لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عيسى غاظ ذلك قريشا وقالوا لم ذكرت عيسى وقالوا ما ذكره إلا لنستعمل فيه ما استعملت النصارى في عيسى فأنزل الله جل وعز (ما ضربوه لك إلا جدلا) وقيل نزل هذا في ابن الزبعري لما انزل أي الله تعالى
(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) قال فالنصارى تعبد المسيح قال جل وعز (ما ضربوه لك إلا جدلا) أي قد علموا أنه لا يراد بهذا المسيح وإنما يراد بها الصنام التي كانوا يعبدونها

(6/375)


46 - وقوله جل وعز (إذ قومك منه يصدون) (آية 58) روى سفيان وشعبة عن عاصم عن ابي رزين عن ابن عباس (إذا قومك منه يصدون) قال يضجون ويقرأ (يصدون) بضم الصاد قال النخعي أي يعرضون وقال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد

(6/376)


وأنكر بعض أهل اللغة الضم وقال لو كانت (يصدون) لكانت (عنه) ولم تكن (منه) وقال أبو جعفر وهذا لا يلزم لأن معنى يصدون منه أي من أجله 47 - وقوله جل وعز (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) (آية 58) قال قتادة (أم هو) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وفي قراءة أبي (وقالوا أآلهتنا خير أم هذا) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم 48 - ثم قال جل وعز (ما ضربوه لك إلا جدلا) (آية 58) المعنى على تفسير قتادة إنهم قد علموا أنك لا تريد منهم أن ينزلوك منزلة المسيح
وعلى القول الآخر غنهم قد علموا أنه لا يراد بقوله جل وعز

(6/377)


(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) المسيح عليه السلام وإنما يراد به الأصنام واللغة تدل على هذا لأن (ما) لما لا يعقل فقد علم أن معنى (وما تعبدون من دون الله) لا يكون للمسيح وهذا أصح ما قيل في قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) 49 - ثم قال جل وعز (بل هم قوم خصمون) (آية 58) قال سفيان حدثني رجل أنها نزلت في ابن الزبعرى 50 - ثم قال جل وعز (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) (آية 59) يكون المعنى على قول من قال إن الآية نزلت في ابن الزبعرى إن المسيح إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني

(6/378)


إسرائيل اي جعلناه عظة لهم اي ذا عظة أي يعظهم ويجوز ان يكون معنى (مثلا) أنه بشر مثلهم فضل عليهم ويجوز أن يكون المعنى على قول قتادة وعلى الآخر ايضا إن محمد إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل والكلام في مثل كالكلام فيه 51 - ثم قال جل وعز (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض
يخلفون) (آية 60) قال مجاهد اي يعمرونها كما تعمرونها بدلا منكم

(6/379)


وقال قتادة أي ملائكة يخلف بعضهم بعضا 52 - ثم قال جل وعز (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها) (آية 61) روى سفيان عن عاصم عن ابي رزين عن ابن عباس (وإنه لعلم للساعة) قال نزول عيسى وكذلك روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس وكذلك قال مجاهد وأبو مالك وقد روي عن ابن عباس وابي هريرة أنهما قرءا (وإنه لعلم للساعة)

(6/380)


قال الخليل العلم والعلامة واحد قال أبو جعفر ومعنى (لعلم للساعة) يعلم بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم أن الساعة قد قربت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لينزلن أبن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير ويجوز أن يكون المعنى وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة لأنه خاتم النبيين قال الله جل وعز (اقتربت الساعة وانشق القمر) ثم قال تعالى (فلا تمترن بها) أي فلا تشكوا

(6/381)


53 - وقوله جل وعز (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) (آية 63) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) قال تبديل التوراة 54 - وقوله جل وعز (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) (آية 67) قال مجاهد أصحاب المعاصي متعادون يوم القيامة وقال الحارث سئل علي بن أبي طالب عن قوله جل وعز (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) فقال خليلان مؤمنان وخليلان كافران مات أحد المؤمنين فبشر بالجنة فقال اللهم لا تضل خليلي حتى يبشر بما بشرت به وترضى عنه كما رضيت

(6/382)


عني فلما مات جمع بينهما فقال له جزاك الله من خليل ومن أخ وصاحب خيرا فنعم الخليل كنت والكافران يقول أحدهما لصاحبه بئس الخليل والصاحب كنت ثم قرأ (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وقال مجاهد قال ابن عباس أحب لله وأبغض لله ووال لله وعاد لله فإنه إنما ينال ما عند الله بهذا ولن ينفع أحد كثرة صومه وصلاته وحجه حيى يكون هكذا وقد صار الناس اليوم يحبون ويبغضون للدنيا ولن ينفع ذلك أهله ثم قرأ (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
52 - وقوله جل وعز (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) (آية 70)

(6/383)


قال يحيي بن أبي كثير سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (انتم وأزواجكم تحبرون) قال اللذة والسماع بما شاء الله من ذكره قال قتادة (تحبرون) تنعمون 56 - ثم قال جل وعز (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) (آية 71) روى سعيد عن قتادة قال الأكواب دون الأباريق قال وبلغني أنها مدورة وكذلك هي عند أهل اللغة إلا أنها لا آذان لها ولا عرى 57 - وقوله جل وعز (لايفتر عنهم وهم فيه مبلسون) (آية 75)

(6/384)


مأخوذ من الفترة والفتور والفتر والمبلس المتحير الذي قد يئس من الخير 58 - وقوله جل وعز (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) (آية 77) قال مجاهد ما كنا ندري ما معنى (ونادوا يا مالك) حتى وجدنا في قراءة عبد الله (ونادوا يا مال) قال عبد الله بن عمرو بن العاص ينادون مالكا أربعين سنة فيجيبهم بعدها (إنكم ماكثون) ثم ينادون رب العزة (ربنا
أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فيسكت عنهم مثل عمر الدنيا ثم يقول (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال فليس بعدها

(6/385)


إلا صياح كصياح الحمير أوله زفير وآخره شهيق 59 - وقوله جل وعز (أم ابرموا أمرا فإنا مبرمون) (آية 79) قال مجاهد أي أم أجمعوا على كيد أو شر فإنا نكيدهم قال الفراء أي أم أحكموا أمرا ينجيهم من عذابنا على قولهم فإنا نعذبهم قال أبو جعفر يقال أبرم الأمر إذا بالغ في إحكامه وأبرم الفاتل إذا أحكم الفتل وهو الفتل الثاني والأول سحيل كما قال: (من سحيل ومبرم)

(6/386)


ومنه رجل برم إذا كان لا يدخل في الميسر أو كان ضيق الخلق لا يجتمع مع الناس كما قال الشاعر: ولا برما تهدى النساء لعرسه * إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا و (برمة) من هذا سميت به للإلحاح عليها بالإيقاد 60 - وقوله جل وعز (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (آية 81) في معناه ثلاثة أقوال: أ - قال مجاهد أي قل إن كان للرحمن ولد في قولكم فأنا أول من عبده ووحده وكذبكم

(6/387)


ب - وقال الحسن يقول ما كان للرحمن ولد ج - وقيل هو من عبد أي أنف كما قال: وأعبد أن تهجى تميم بدارم قال أبو جعفر أحسنها قول مجاهد لأن (إن) يبعد أن تكون ههنا بمعنى ما لأن ذلك لا يكاد يستعمل إلا وبعد (إن) إلا وأيضا فإن بعدها ألفا وأكثر ما يقال إذا أنف الإنسان وغضب وأنكر الشئ عبد فهو عبد كما يقال حذر فهو حذر

(6/388)


وقول مجاهد بين أي إن كان للرحمن ولد على زعمكم وقولكم كما قال تعالى (أين شركائي) فانا أول من خالفكم ووحد الله جل وعز ومعنى (العابدين) كمعنى الموحدين لأنه لا يقال عابد إلا لموحد 61 - وقوله جل وعز (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) (آية 84) قال قتادة أي يعبد في السماء وفي الأرض ووري عن عمر وأبي وابن مسعود (وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله)

(6/389)


62 - وقوله جل وعز (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق) (آية 86) قال قتادة المسيح وعزير قد عبدا من دون الله ولهما شفاعة وقال مجاهد لا يشفع المسيح وعزير والملائكة إلا لمن شهد بالحق قال لا إله إلا الله قال أبو جعفر قول قتادة أبين وقول مجاهد على أنه استثناء ليس من الأول 63 - وقوله جل وعز (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يعلمون) (آية 88)

(6/390)


وسنبين معنى (وقيله يا رب) في الإعراب إن شاء الله 64 - وقوله جل وعز (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) (آية 89) قال قتادة في قوله (فاصفح عنهم) قيل له هذا ثم نسخ بالأمر بالقتال انتهى تفسير سورة الزخرف

(6/391)