معاني القرآن للنحاس تفسير سورة الزمر
مكية وآياتها 75 آية
(6/145)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الزمر وهي
مكية قال وهب بن منبه من أحب أن يعرف قضاء الله جل وعز في خلقه
فليقرأ سورة الغرف قال مجاهد عن ابن عباس هي مكية إلا ثلاث
آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة صلوات الله
على حمزة اسلم ودخل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا
يطيق أن ينظر إليه فتوهم أن الله جل وعز لم يقبل إيمانه فأنزل
الله جل وعز
(6/147)
(قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا
تقنطوا من رحمة الله) إلى آخر الثلاث الآيات 1 - من ذلك قوله
جل وعز (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) (آية 1) يجوز ان
يكون المعنى تنزيل الكتاب من عند الله
وأن يكون المعنى هذا تنزيل الكتاب 2 - ثم قال جل وعز (إنا
أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين) (آية 2)
أي بما حق في الكتب من إنزاله عليك ويجوز ان يكون المعنى ألزمك
إياه بحقه عليك وعلى خلقه
(6/148)
وقيل المعنى يأمر بالعدل والحق 3 - ثم قال
تعالى (فاعبد الله مخلصا له الدين) (آية 2) أي لا تعبد معه
غيره وحكى الفراء له الدين برفع الدين وهو خطأ من ثلاثة جهات:
إحداها أن بعده (ألا لله الدين الخالص) فهو يغني عن هذا وأيضا
فلم يقرأ به وأيضا فإنه يجعل مخلصا التمام والتمام عند رأس
الآية أولى 4 - ثم قال جل وعز (ألا لله الدين الخالص) (آية 3)
أي يعبد وحده لأن من الناس من له دين ولا يخلصه لله
(6/149)
جل وعز وروى معمر عن قتادة ألا لله الدين
الخالص قال:
لا إله إلا الله 5 - ثم قال جل وعز (والذين اتخذوا من دون الله
أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (آية 3) قال
قتادة أي منزلة وقال الضحاك أي إلا ليشفعوا لنا قال أبو جعفر
وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد (والذين اتخذوا من دونه
أولياء قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
(6/150)
الله زلفى) وفي حرف أبي (والذين اتخذوا من
دونه أولياء ما نعبدكم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قال أبو
جعفر والحكاية في هذا بينة 6 - وقوله جل وعز (لو أراد الله أن
يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) (آية 4) واتصال هذا بالأول
يدل على أن هؤلاء ممن اتخذ من دون الله أولياء و (اصطفى) اختار
6 - وقوله جل وعز (يكور الليل على النهار ويكور النهار على
الليل) (آية 5)
(6/151)
قال قتادة أي يلقي هذا على هذا وهذا على
هذا قال أبو جعفر اصل التكوير في اللغة اللف والجمع
ومنه كور العمامة ومنه (إذا الشمس كورت) 7 - وقوله جل وعز
(خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها) (آية 6) (ثم) ههنا تدل
على أن الإخبار الثاني بعد الأول وقال قتادة (ثم جعل منها
زوجها) حواء خلقها من ضلع من أضلاعه وقيل يكون خلقه الزوج
مردودا على واحد أي على نفس
(6/152)
وحدها ثم جعل منها زوجها 8 - ثم قال جل وعز
(وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) (آية 6) أي أصناف قال
مجاهد من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضان اثنين ومن
المعز اثنين قال قتادة هي مثل التي في الأنعام 9 - ثم قال جل
وعز (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) (آية 6) قال
مجاهد والضحاك نطفة ثم علقة ثم مضغة حتى يتم الخلق
(6/153)
ثم قال تعالى (في ظلمات ثلاث) (آية 6) قال
مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك في ظلمة
الرحم وفي ظلمة المشيمة وفي ظلمة البطن وقيل في الصلب ثم في
الرحم ثم في البطن وهذا مذهب ابي عبيدة والأول اصح 10 - وقوله
جل وعز (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم) (آية 7) أي يرضى الشكر لكم ودل تشكروا
على الشكر 11 - وقوله جل وعز (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه
منيبا إليه) (آية 8) روى سعيد عن قتادة قال مخلصا
(6/154)
قال أبو جعفر يقال أناب إذا رجع وتاب 12 -
وقوله جل وعز (ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من
قبل) (آية 8) أي أعطاه واباحه وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا * وإن يسالوا يعطوا وإن ييسروا
يغلوا ثم قال (نسي ما كان يدعو إليه من قبل) (آية 8) أي نسي
الذي كان يدعو الله جل وعز به من قبل ويجوز أن يكون المعنى نسي
الله الذي كان يدعوه كما
(6/155)
قال تعالى (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وفي
قوله تعالى (قل تمتع بكفرك قليلا) معنى التهديد 13 - وقوله جل
وعز (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله)
(آية 8) قال السدي الأنداد من الرجال يطيعهم في المعاصي وقيل
عبد الأوثان وهذا أولى بالصواب لأن ذلك في سياق عتاب الله عز
وجل إياهم على عبادتها 14 - وقوله جل وعز (أم من هو قانت آناء
الليل ساجدا وقائما) (آية 9)
(6/156)
أي مصل والقنوت الطاعة قال الحسن وقتادة
(آناء الليل) ساعاته أوله واوسطه وآخره قال أبو جعفر قال
الأخفش قراءة من قرأ (أمن هو) ؟ بالتخفيف ضعيفة في العربية لأن
الف الاستفهام لا يعتمد على ما قبلها قال أبو جعفر الذي قاله
الأخفش حسن يدل عليه ان الذي في سورة النمل لم يقرأ إلا مثقلا
ومعنى كلامه أن الكلام معتمد على ما قبله ليس له خبر وإنما دل
عليه ما قبله لأنه قال جل وعز (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله)
(6/157)
فحذف الخبر لأن المعنى أمن هو مطيع كهذا أو
أمن هو مطيع أفضل أم هذا وهذا موضع أم التي بمعنى بل كما قال:
أفتلك أم وحشية مسبوعة * خذلت وهادية الصوار قوامها وقوله:
أذلك ام جاب يطارد آتنا * حملن فأدنى حملهن دروص ومن قرأ
بالتخفيف فالخبر أيضا عنده محذوف وهو شئ غامض في العربية لا
يأنس به إلا من درب بها كما قال: فأقسم لو شئ أتانا رسوله *
سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
(6/158)
أي لدفعناه فعلى هذا يقع الحذف وقيل هو
نداء أي يا من هو قائم آناء الليل 15 - وقوله جل وعز (يحذر
الآخرة ويرجو رحمة ربه) (آية 9) قرأ سعيد بن جبير (يحذر عذاب
الآخرة) والمعنى واحد 16 - وقوله جل وعز (قل هل يستوي الذين
يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) (آية 9) أي
كما لا يستوي العالم والجاهل كذا لا يستوي المطيع والعاصي وقيل
(الذين يعلمون) ما لهم في الطاعة وما عليهم في المعصية
(6/159)
ثم قال (إنما يتذكر أولو الألباب) أي
العقول ولب كل شئ خالصه 17 - وقوله جل وعز (للذين أحسنوا في
هذه الدنيا حسنة وأرض
الله واسعة) (آية 10) قيل الحسنة الجنة وقيل المعنى لهم حسنة
في الدنيا أي ثناء حسن وطمأنينة بما لهم وقوله جل وعز (وأرض
الله واسعة) (آية 10) قال مجاهد أي فهاجروا واعتزلوا الأوثان
(6/160)
18 - وقوله جل وعز (فاعبدوا ما شئتم من
دونه) (آية 15) على الوعيد وهذا قبل الأمر بالقتال 19 - ثم قال
جل وعز (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم
القيامة) (آية 15) أي خسروا أنفسهم بالتخليد في النار وأهليهم
بأنهم لم يدخلوا الجنة فيكون لهم أهلون وروى معمر عن قتادة قال
ليس أحد إلا وقد أعد الله له أهلا في الجنة إن اطاعه 20 -
وقوله جل وعز (ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) (آية
16) أي ذلك الذي وصف من العذاب 21 - وقوله جل وعز (والذين
اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) (آية 17)
(6/161)
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الطاغوت
الشياطين قال أبو جعفر وقد بينا هذا في سورة البقرة 22 - وقوله
جل وعز (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (آية
18) في معنى هذا قولان: القول الأول قال الضحاك (يستمعون
القول) القرآن و (أحسنه) ما أمر الله جل وعز به الأنبياء من
طاعته فيتبعونه
(6/162)
والقول الآخر: أنهم يستمعون القرآن وغيره
فيتبعون القرآن قال أبو جعفر القول الأول حسن والمعنى أنهم إذا
سمعوا بالعقوبة والعفو عفوا ورأوا أن العفو افضل وغن كانت
العقوبة لهم 23 - وقوله جل وعز (أفمن حق عليه كلمة العذاب
أفأنت تنقذ من في النار) (آية 19) يقال كيف جئ باستفهامين وقد
أجمع أهل العربية انه لا يجوز استفهامان في اسم وخبره؟ ففي هذا
جوابان: أحدهما ان العرب إذا طال الكلام كررت توكيدا وكذلك قال
سيبويه في قول الله جل وعز (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا
وعظاما أنكم مخرجون) ؟ المعنى على هذا افمن حق عليه كلمة
العذاب أفأنت
تنقذه؟ والكلام شرط وجوابه وجئ بالاستفهام ليدل على التوقيف
والتقرير
(6/163)
قال الفراء المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه
كلمة العذاب؟ قال أبو جعفر وهذا والأول واحد والجواب الآخر أن
في الكلام حذفا والمعنى افمن حق عليه كلمة العذاب يتخلص أو
ينجو؟ ثم حذف الجواب وكان ما بعده مستأنفا والمعنى افمن سبق في
علم الله جل وعز انه يدخل النار ينجو أو يتخلص؟ 24 - وقوله جل
وعز (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في
الأرض) (آية 21) يروى ان كل ماء في الأرض فاصله من السماء
(6/164)
وقد يجوز ان يكون إنزاله إياه خلقه له
وتكوينه بأمره وقوله تعالى (فسلكه) أي فادخله فجعله ينابيع جمع
ينبوع يفعول من نبع ينبع (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه) أي
أخضر وأسود وأصفر وأبيض
(ثم يهيج فتراه مصفرا) أي يجف قال الأصمعي يقال للنبت إذا تم
جفافه قد هاج يهيج هيجا (ثم يجعله حطاما) أي رفاتا 25 - ثم قال
تعالى (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) (آية 21)
(6/165)
أي يفكرون فيذكرون ان هذا دال على توحيد
الله جل وعز وقدرته 26 - وقوله جل وعز (أفمن شرح الله صدره
للإسلام فهو على نور من ربه) (آية 22) في الكلام حذف والمعنى
افمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد؟ وفي
الحديث قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينشرح
القلب؟ قال نعم إذا أدخل الله فيه النور انشرح وانفسح قالوا
فهل لذلك من علامة قال نعم! ! التجافي عن دار الغرور والإنابة
إلى دار الخلود
(6/166)
والإعداد للموت قبل لقاء الموت 27 - ثم قال
جل وعز (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين)
(آية 22)
قيل معنى من وعن ههنا واحد قال أبو جعفر وليس هذا بشئ فمعنى
(من) إذا تليت عليهم آياته قسوا كما قال تعالى (واما الذين في
قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) وإذا قال عن فمعناه قست
قلوبهم وجفت عن قبول ذكر الله
(6/167)
28 - وقوله جل وعز (والله نزل أحسن الحديث
كتابا متشابها) (آية 23) روى الشعبي عن عون بن عبد الله قال
قالوا يا رسول الله حدثنا فنزلت (الله نزل أحسن الحديث) قال
قتادة (متشابها) أي لا يختلف قال أبو جعفر والمعنى انه يشبه
يكون بعضه بعضا في الحكمة والحق كما قال جل وعز ولو كان من عند
غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا 29 - ثم قال جل وعز (مثاني)
(آية 23)
(6/168)
قال قتادة (مثاني) ثناه الله عز وجل قال
أبو جعفر والمعنى ما تثنى فيه القصص والثواب والعقاب وقيل
المثاني كل سورة فيها اقل من مائة آية أي تثنى في الصلاة
30 - ثم قال جل وعز (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين
جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) (آية 23) أي تقشعر من الآيات
التي يذكر فيها العذاب ثم تلين إلى الآيات التي تذكر فيها
الرحمة
(6/169)
31 - وقوله جل وعز (أفمن يتقي بوجهه سوء
العذاب يوم القيامة) (آية 24) في الكلام حذف والمعنى أفمن يتقي
بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة؟ قال مجاهد يخر على وجهه في
العذاب يوم القيامة قال أبو جعفر ويروى أنه يلقى في النار
مغلولا فلا يقدر ان يتقي النار إلا بوجهه 32 - وقوله جل وعز
(قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) (آية 28) قال مجاهد أي
غير ذي لبس قال أبو جعفر المعنى أنه مستقيم لا يخالف بعضه
(6/170)
بعضا لأن الشئ المعوج مختلف وقد روي عن ابن
عباس (غير ذي عوج) غير مخلوق 33 - وقوله جل وعز (ضرب الله مثلا
رجلا فيه شركاء
متشاكسون) (آية 29) قال قتادة هو الكافر والشركاء هم الشياطين
قال (ورجلا سلما) هو المؤمن يعمل لله وحده قال مجاهد والضحاك
هذا مثل للحق والباطل والشركاء هم الأوثان
(6/171)
قال الفراء (متشاكسون) مختلفون قال أبو
جعفر من قرأ (رجلا سالما) أخرجه على الفعل ومن قرأ سلما جعله
مصدرا فمعناه ذا سلم 34 - وقوله جل وعز (ثم إنكم يوم القيامة
عند ربكم تختصمون) (آية 31) أي يخاصم المظلوم الظالم والمؤمن
الكافر قال ابن عمر ما كنا ندري فيم نختصم حتى وقعت الفتنة
فقلنا هو ذا وفي الحديث أن الزبير قال يا رسول الله اتختصم يوم
القيامة بعدما كان بيننا قال نعم حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه
قال إن الأمر إذا لشديد
(6/172)
35 - وقوله جل وعز (والذي جاء بالصدق وصدق
به أولئك هم المتقون) (آية 33) حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو
صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والذي
جاء
بالصدق) يقول جاء ب لا إله إلا الله (وصدق به) يعني برسول الله
صلى الله عليه وسلم أولئك هم المتقون يقول اتقوا الشرك وروى
ابن عيينة عن منصور قال قلت لمجاهد يا أبا الحجاج ما معنى قوله
تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به) (آية 33) قال الذي جاء
بالقرآن وصدق به
(6/173)
قال أبو جعفر وهذا يشبه القول الأول وهو
قول أكثر أهل اللغة ويدل على صحته أن عبد الله بن مسعود قرأ
(والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به أولئك هم المتقون) ف (الذي)
ههنا و (الذين) واحد وقال الحسن هو المؤمن جاء بالصدق يوم
القيامة وصدق به في الدنيا وبعض أهل اللغة بقول حذف من (الذين)
النون لطول الاسم وبعضهم يقول (الذي) بمعنى (الذين)
(6/174)
وبعضهم يقول (الذي) واحد يؤدي عن معنى
الجماعة قال أبو جعفر وهذا القول أصحها يكون (الذي) مثل من
لأنه لا يقصد قصده وحقيقته ان المعنى والقبيل الذي جاء بالصدق
وصدق به
وقد قيل في الآية غير هذا قال قتادة وأبو العالية الذي جاء
بالصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وقيل
النبي صلى الله عليه وسلم وعلي عليه السلام حدثنا علي بن سعيد
قال حدثنا الحسين بن نصر حدثني أبي قال حدثنا عمر بن سعيد عن
ليث عن مجاهد (والذي جاء بالصدق) محمد صلى الله عليه وسلم وصدق
به علي بن أبي
(6/175)
طالب عليه السلام ونظير الذي جاء بالصدق في
أنه واحد يؤدي عن جماعة قوله: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم
القوم كل القوم يا أم خالد وحذف النون وقوله: أبني كليب إن عمي
اللذا * قتلا الملوك وفككا الأغلالا 36 - وقوله عز وجل (اليس
الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) (آية 36) هذا يدل على
النصر وأكثر الكوفيين يقرأ (بكاف)
(6/176)
عباده) والتوحيد أحسن لأنه يروى أنه يراد
به النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه (ويخوفونك بالذين من
دونه) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأوثان قال قتادة أخذها
خالد بن الوليد فأسا فجاء إلى
العزى ليكسرها فقال له قيمها إن سبلها لا يطاق فخف منها فجاء
حتى كسر أنفها ويروى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لئن
لم تنته عن سبها لنأمرنها فلتخبلنك
(6/177)
قال مجاهد نزلت هذه الآية حين قرأ النبي
صلى الله عليه وسلم سورة النجم عند باب الكعبة 37 - وقوله جل
وعز (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون) (آية
39) قال مجاهد (على مكانتكم) أي على ناحيتكم قال أبو جعفر وهذا
قول صحيح والمعنى على ناحيتكم التي اخترتموها وتمكنت عندكم
(إني عامل) المعنى إني عامل على ناحيتي ثم حذف 38 - وقوله جل
وعز (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)
(آية 42) روى جعفر بن ابي المغيرة عن سعيد بن جبير قال تجمع
أرواح الأحياء وأرواح الأموات فتعارف بينهما ما شاء الله فيمسك
التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها
(6/178)
قال الفراء المعنى (والتي لم تمت في
منامها) عند انقضاء أجلها قال وقد يكون توفاها نومها قال أبو
جعفر وقيل المعنى الله يتوفى الأنفس حين
موتها بإزالة أنفسها وتمييزها ثم أضمر للثاني فعل لأنه مخالف
للأول فالمعنى ويتوفى التي لم تمت في منامها بإزالة تمييزها
فقط لأن النائم يتنفس قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا أن
المعنى (يتوفى) و (يستوفي) واحد إذا انقضى الشئ كما يقال تبينت
(6/179)
واستبنت سعيد وتيقن واستيقن فالميت والنائم
في هذا واحد ويدل عليه قوله (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل
الأخرى إلى أجل مسمى) 39 - وقوله جل وعز (أم اتخذوا من دونه
شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شئا ولا يعقلون) (آية 43) قال
قتادة قالوا إنما عبدناها بكر حتى تشفع لنا ثم قال جل وعز
(أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) (آية 43) قال سيبويه
هذا باب الواو إذا دخلت عليها ألف الاستفهام وذلك قولك افلان
قد عند فلان فيقول أهو ممن يكون عند فلان؟ قال أبو العباس هذا
على الاسترشاد أو على الإنكار وما جاء منه في القرآن فمعناه
الإنكار والتقرير ووقوع الشئ
(6/180)
40 - ثم قال جل وعز (قل لله الشفاعة جميعا)
(آية 44) كما قال تعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) 41 -
وقوله جل وعز (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين
لا يؤمنون بالآخرة) (آية 45) روى معمر عن قتادة قال (اشمأزت)
استكبرت وكفرت وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال انقبضت قال أبو
جعفر يقال اشمأز من كذا إذا نفر منه ويروى أنهم كانو إذا سمعوا
من يقول لا إله إلا الله وحده نفروا وقالوا لم تذكر آلهتنا
(6/181)
42 - وقوله جل وعز (وبدا لهم من الله ما لم
يكونوا يحتسبون) (آية 47) يروى أنهم عملوا أعمالا توهموا أنها
تنفعهم فلم تنفعهم لأنهم كانوا مشركين 43 - وقوله جل وعز (فإذا
مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا) (آية 49) قال
مجاهد (خولناه) أعطيناه قال أبو جعفر يقال خولته كذا أي أعطيته
إياه تفضلا من غير جزاء 44 - وقوله جل وعز (قال إنما أوتيته
على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون) (آية 49) قال مجاهد
(إنما أوتيته على علم) أي على شرف وقال قتادة أي على خير عندي
(6/182)
قال أبو جعفر المعنى إن لي علما بالكسب إما
بتجارة أو غيرها فقد علمت إني أوتي هذا ومن أحسن ما قيل فيه أن
المعنى قد علمت إذا أوتيت هذا في الدنيا ان لي عند الله منزلة
فرد الله جل وعز ذا عليه فقال (أولم يعلم أن الله قد أهلك من
قبله من القرون) الآية فعرف الله جل وعز انه ليس يعطي المال كل
من له منزلة 45 - ثم قال جل وعز (بل هي فتنة) (آية 49) أي بل
العطية فتنة يمتحن بها العبد ليظهر منه أيشكر أم يكفر؟
(6/183)
46 - وقوله جل وعز (قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) (آية 53) روى مجاهد
عن ابن عباس قال نزلت في وحشي قاتل حمزة على حمزة السلام إلى
تمام ثلاث آيات وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر
إليه فظن أن الله جل وعز لم يقبل منه إسلامه فنزلت هذه الايات
الثلاث وروى إبراهيم التيمي عن ابن عباس أنه كان يقرأ (قل يا
عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله
يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء) وقال نزلت في قاتل حمزة وذويه كذا
قال
(6/184)
قال أبو جعفر وكذلك يروى أنه في مصحف ابن
مسعود ومعنى (لا تقنطوا) لا تيأسوا قال قتادة (وأنيبوا إلى
ربكم) أي أقبلوا واعملوا له 47 - وقوله جل وعز (واتبعوا أحسن
ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة) (آية 55)
وكله حسن ففي هذا أقوال: أ - منها أن الله جل وعز قد أباح
الانتصار بعد الظلم والعفو والعفو أحسن ب - ومنها أن الله جل
وعز قد أخبر عن قوم أنهم أطاعوا وعن قوم أنهم عصوا فأمر أن
نتبع الطاعة ج - ومنها أنه الناسخ د - ومنها أن يكون المعنى
الحسن مما أنزل إليكم
(6/185)
و (بغتة) فجأة 48 - وقوله جل وعز (أن تقول
نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) (آية 56) المعنى افعلوا
هذا خوف أن تقول نفس وكراهة أن تقول نفس يا حسرتا والحسرة
الندامة أي يلحق الإنسان ما يصير معه حسيرا أي معيبا وحرف
النداء يدل على أنه شئ لازم أي يا حسرة هذا وقتك وهذا مذهب
سيبويه قال مجاهد (في جنب الله) أي في أمر الله
قال أبو جعفر المعنى في جنب أمر الله على التمثيل
(6/186)
أي على الطريق الذي يؤدي إلى الحق وهو
الإيمان 49 - وقوله جل وعز (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها
واستكبرت وكنت من الكافرين) (آية 59) (بلى) في كلام العرب إنما
يقع بعد النفي وليس في الكلام نفي، ولكن فيه معناه، لان معنى
(لو أن الله هداني) ما هداني الله وروى الربيع بن انس عن أم
سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بلى قد جاءتك آياتي
فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين وقراءة الأعمش بلى قد
جاءته آياتي وهذا يدل على التذكير
(6/187)
والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إلا أن
القراءة جائزة لأن النفس تقع للمذكر والمؤنث وقد أنكر هذه
القراءة بعضهم وقال يجب إذا كسر التاء أن يقول وكنت من الكوافر
أو من الكافرات قال أبو جعفر وهذا لا يلزم ألا ترى ان قبله أن
تقول نفس ثم قال وإن كنت لمن الساخرين ولم يقل من السواخر ولا
من الساخرات والتقدير في العربية على كسر التاء واستكبرت وكنت
من
الجميع الساخرين أو من الناس الساخرين أو من القوم الساخرين
وقوم يقع للرجال والنساء إذا اجتمعوا وللرجال مفردين كما قال
الشاعر: وما أدري وسوف إخال أدري * أقوم آل حصن أم نساء
(6/188)
50 - وقوله جل وعز (وينجي الله الذين اتقوا
بمفازتهم) (آية 61) أي بنجائهم وفي من النار ويقرأ (بمفازاتهم)
والتوحيد أجود لأن مفازة بمعنى الفوز 51 - وقوله جل وعز (له
مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم
الخاسرون) (آية 63) روى سعيد عن قتادة قال مقاليد أي مفاتيح
قال أبو جعفر ومعنى له مفاتح السموات والأرض هو خالق ما فيهما
ومفتاح بابه بيده عز وجل ثم قال (والذين كفروا
(6/189)
بآيات الله أولئك هم الخاسرون) أي من زعم
أن غيره خلق شيئا من هذا فقد خسر وكفر 52 - ثم أخبر أنه ينبغي
أن يعبد وحده فقال بعد البراهين (قل أفغير الله تأمروني أعبد
ايها الجاهلون) ؟ (آية 64) أي افغير الله أعبد في أمركم؟ هذا
قول سيبويه
53 - وقوله جل وعز (وما قدروا الله حق قدره) (آية 67) قال أبو
جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى وما عرفوا الله حق معرفته
وفي معناه قول آخر وهو أن يكون التقدير وما قدروا نعم
(6/190)
الله ثم حذف كما قال سبحانه (واسأل القرية)
54 - ثم قال جل وعز (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات
مطويات بيمينه) (آية 67) قال الضحاك هذا كله في يمينه قال أبو
جعفر معنى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة أي يملكها كما تقول
هذا في قبضتي قال محمد بن يزيد معنى بيمينه بقوته وأنشد: إذا
ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين أي بالقوة
(6/191)
55 - وقوله جل وعز (ونفخ في الصور) (آية
68) في معناه قولان: أحدهما أنه روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم انه سئل عن الصور فقال هو قرن ينفخ فيه وروى معمر عن
قتادة في قوله ونفخ في الصور قال في صور الناس أجمعين قال أبو
جعفر هذا ليس بمعروف والمستعمل في جمع صورة
صور ولم يقرأ أحد ونفخ في الصور 56 - ثم قال تعالى (فصعق من في
السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) (آية 68)
(6/192)
روى سعيد عن قتادة (فصعق) فمات وروى عاصم
عن عيسى المدني قال سمعت علي بن حسين يسال كعب الأحبار عن قوله
تعالى فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فقال
كعب: جبرائيل وميكائيل واسرافيل ملك الموت وحملة العرش ثم
يميتهم الله بعد وروى محمد بن إسحاق عن يزيد الرقاشي عن أنس بن
مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقوله تعالى فصعق من في
السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال جبرائيل وميكائيل
(6/193)
وحملة العرش وملك الموت وإسرافيل وفي هذا
الحديث أن آخرهم موتا جبرائيل صلى الله عليه وسلم وقال سعيد بن
جبير إلا من شاء الله هم الشهداء متقلدي السيوف عند العرش قال
أبو جعفر وهذا ليس بناقض للأول وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم (ينفخ في الصور فأكون أول من قام فإذا موسى صلى
الله عليه وسلم فلا أدري اقام قبلي أم هو ممن استثى الله)
57 - وقوله جل وعز (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) (آية
68) روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بين
النفختين أربعين
(6/194)
قال الحسن لا أدري اهي أربعون سنة أم
أربعون شهرا أم أربعون ليلة أم أربعون ساعة؟ 58 - وقوله جل وعز
(وأشرقت الأرض بنور ربها) (آية 69) يبين هذا الحديث المرفوع عن
النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة صحاح تنظرون إلى الله
جل وعز لا تضامون في رؤيته وهو يروى على أربعة أوجه لا تضامون
ولا تضارون ولا تضارون ولا تضامون فمعنى تضامون لا يلحقكم ضيم
كما يلحق في الدنيا في النظر إلى الملوك ولا تضارون لا يلحقكم
ضير ولا تضامون لا ينضم بعضكم إلى بعض ليساله ان يريه
(6/195)
ولا تضارون لا يخالف بعضكم بعضا يقال
ضاررته مضارة وضرارا أي خالفته 59 - وقوله جل وعز (وسيق الذين
اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت ابوابها) (آية
73)
الكوفيون يذهبون إلى ان الواو زائدة وهذا خطأ عند البصريين لأن
الواو تفيد معنى العطف ولا يجوز أن تزاد
(6/196)
قال محمد بن يزيد المعنى حتى إذا جاءوها
وفتحت أبوابها سعدوا 60 - وقوله جل وعز (وقال لهم خزنتها سلام
عليكم طبتم فادخلوها خالدين (آية 73) قال أبو إسحاق المعنى
طبتم فادخلوها خالدين دخلوا وحذف هذا لعلم السامع وقيل معنى
طبتم طبتم في الدنيا وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه
قال يغتسلون من نهر في الجنة ويشربون منه فلا يبقى في أجوافهم
خبث ولا غل إلا خرج
(6/197)
61 - وقوله جل وعز (وقالوا الحمد لله الذي
صدقنا وعده وأورثنا الأرض) (آية 74) قال قتادة يعني أرض الجنة
62 - وقوله جل وعز (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب
العالمين) (آية 75) فختم بالحمد كما بدأ به انتهت سورة الزمر
(6/198)
تفسير سورة غافر
مكية وآياتها 85 آية
(6/199)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة غافر وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز
العليم) (آية 2 1) روى معمر عن قتادة قال (حم) اسم من أسماء
القرآن وقيل معنى (حم) حم الأمر وفي رواية عكرمة عن ابن عباس
قال (آلر) و (حم) و (نون) حروف الرحمن جل وعز مقطعة
(6/201)
وقرا عيسى بن عمر (حاميم تنزيل) والمعنى
على قراءته أتل حاميم ولم يصرفه لأنه جعله اسما للسورة ويجوز
أن يكون فتح لالتقاء الساكنين والمعنى هذا تنزيل الكتاب من
الله العزيز العليم 2 - ثم قال جل وعز (غافر الذنب وقابل
التوب) (آية 3) ويجوز أن يكون التوب جمع توبة كما قال: فيخبو
ساعة ويهب ساعا ويجوز ان يكون التوب بمعنى التوبة 3 - ثم قال
جل وعز (شديد العقاب ذي الطول) (آية 3)
(6/202)
روى ابن أبي نجيح (ذي الطول) قال ذي الغنى
وروى سعيد عن قتادة قال ذي النعمة قال أبو جعفر الطول في اللغة
الفضل والاقتدار يقال لفلان على فلان طول واللهم طل علينا
برحمتك وروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس (ذي الطول) قال ذي
السعة والغنى 4 - وقوله جل وعز (ما يجادل في آيات الله إلا
الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) (آية 4) قال قتادة أي
فلا يغررك إقبالهم وإدبارهم وتصرفهم في أسفارهم قال أبو جعفر
مثله قوله جل وعز لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع
قليل
(6/203)
والمعنى لا يغرنك سلامتهم وأناة الله لهم
فإن عاقبتهم مذمومة ومصيرهم إلى النار 5 - ثم بين ان ذلك كان
سبيل من قبلهم فقال (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم)
(آية 5) وهم ثمود وعاد وقوم لوط ومن كان مثلهم 6 - وقوله جل
وعز (وهمت كل أمة برسولهم لياخذوه) (آية 5) روى معمر عن قتادة
قال ليأخذوه فيقتلوه
قال أبو جعفر ويبين هذا قوله تعالى (فأخذتهم) أي أهلكتهم ويقال
للأسير أخيذ 7 - وقوله جل وعز (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين
كفروا أنهم أصحاب النار) (آية 6) أي بقوله (لأملأن جهنم من
الجنة والناس أجمعين)
(6/204)
قال قتادة حق عليهم العذاب بكفرهم 8 - ثم
أخبر أن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين فقال (الذين يحملون
العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين
آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (آية 7) روى معمر عن قتادة (فاغفر
للذين تابوا واتبعوا سبيلك) قال تابوا من الشرك واتبعوا طاعتك
9 - ثم قال جل وعز (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) (آية
8) يروى ان عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار ما جنات عدن؟ قال
قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة
العدل قال أبو جعفر العدن في اللغة الإقامة وقد عدن
(6/205)
بالمكان اقام به 10 - وقوله جل وعز (وقهم
السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) (آية 9) (وقهم
السيئات) قال قتادة أي العذاب (ومن تق السيئات يومئذ فقد
رحمته) قال العذاب 11 - وقوله جل وعز (إن الذين كفروا ينادون
لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون)
(آية 10) في الكلام تقديم وتأخير وقد بينه أهل التفسير قال
الحسن يعطون كتابهم فإذا نظروا في سيئاتهم مقتوا أنفسهم
فينادون لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان
(6/206)
فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم وقال
مجاهد إذا عاينوا أعمالهم السيئة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت
الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان أكبر من مقتكم أنفسكم إذ عاينتم
النار 12 - وقوله جل وعز قالوا (ربنا أمتنا اثنتين واحييتنا
اثنتين) (آية 11) روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود
قال هي مثل قوله تعالى (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم
يحييكم) قال أبو جعفر المعنى على هذا في أمتنا اثنتين خلقتنا
أمواتا أي نطفا ثم أحييتنا ثم أمتنا ثم أحييتنا للبعث
(6/207)
وقيل إحدى الحياتين وإحدى الموتتين الإحياء
في القبر ثم الموت وأنهم لم يعنوا حياتهم في الآخرة 13 - وقوله
جل وعز (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم) (آية 14) أي كذبتم
(وإن يشرك به تؤمنوا) أي تصدقوا 14 - وقوله جل وعز (يلقي الروح
من أمره على من يشاء من عباده) (آية 15) روى عكرمة عن ابن عباس
قال (الروح) النبوة وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال (الروح)
الوحي وروى معمر عن قتادة يلقي الروح قال الوحي
(6/208)
والرحمة قال أبو جعفر يلقي الوحي على من
يختص من عباده وسمي الوحي روحا لأن الناس يحيون به أي يهتدون
والمهتدي حي والضال ميت على التمثيل ومنه يقال لمن لم يفقه
إنما أنت ميت وقال الله تعالى (فإنك لا تسمع الموتى) 15 - ثم
قال جل وعز (لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون) أي لينذر الذي
يوحى إليه ويجوز أن يكون المعنى لينذر الله يوم التلاق قال
قتادة أي يوم يتلاقى أهل السماء وأهل الأرض ويلتقي
الأولون والآخرون
(6/209)
(يوم هم بارزون) قال قتادة أي لا يسترهم
جبل ولا شئ 16 - ثم قال جل وعز (لا يخفى على الله منهم شئ لمن
الملك اليوم) (آية 16) أي يقال هذا روى أبو وائل عن عبد الله
بن مسعود قال (يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله
جل وعز عليها قط فأول ما يقال (لمن الملك اليوم لله الواحد
القهار) ثم أول ما ينظر من الخصومات في الدماء فيحضر القاتل
والمقتول فيقول سل هذا لم قتلني فإن قال قتلته لتكون العزة
لفلان قيل للمقتول اقتله كما قتلك وكذلك إن قتل جماعة أذيق
القتل
(6/210)
كما أذاقهم في الدنيا قال (لا ظلم اليوم إن
الله سريع الحساب) 17 - وقوله جل وعز (وأنذرهم يوم الآزفة إذ
القلوب لدى الحناجر كاظمين) (آية 18) قال مجاهد وقتادة أي
القيامة قال الكسائي يقال أزف الشئ يأزف أي دنا واقترب قال أبو
جعفر قيل للقيامة الآزفة لقربها وإن بعدت عن الناس ومنه يقال
أزف رحيل فلان
18 - ثم قال جل وعز (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) (آية 18)
قال قتادة شخصت من صدورهم فنشبت في حلوقهم فلم
(6/211)
تخرج ولم ترجع وقال غيره تزحزحت فلا قلوبهم
من الفزع فلم تخرج فيستريحوا ولم ترجع ثم قال تعالى (كاظمين)
أي مغتاظين ولا شئ يزيل غيظهم يقال كظم البعير بجرته إذا رددها
في حلقه وكظم غيظه إذا حبسه 19 - ثم قال جل وعز (ما للظالمين
من حميم ولا شفيع يطاع) (آية 18) أي ليس لهم شفيع مطاع قال
الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن الرجل منهم يشفع في
قريبه وصديقه فإذا راى الكفار ذلك قالوا (فما لنا من شافعين
ولا صديق حميم) 20 - ثم قال جل وعز (يعلم خائنة الأعين وما
تخفى الصدور) (آية 19)
(6/212)
قال ابن عباس هو الرجل ينظر إلى المرأة
فإذا نظر إليه اصحابه غض بصره فإذا رأى منهم غفلة تدسس فإذا
نظروا إليه غض بصره وقد علم الله جل وعز منه أن بوده أن لو نظر
إلى عورتها
وقال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
نظر الفجاءة فأمرني أن أغض بصري 21 - وقوله جل وعز (وآثارا في
الأرض) (آية 21) قال مجاهد هو مشيهم وتاثيرهم في الأرض 22 -
وقوله جل وعز (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين) (آية 23)
(بآياتنا) أي بالعلامات التي تدل على رسالته نحو
(6/213)
العصا وما أشبهها (وسلطان مبين) أي وحجة
مبينة 23 - ثم أعلم جل وعز انهم ردوا الايات التي يعجز عنها
المخلوقون بان قالوا ساحر كذاب (فقالوا ساحر كذاب) (آية 24) 24
- ثم قال جل وعز (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا
ابناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) (آية 25) روى معمر عن
قتادة قال هذا بعد القتل الأول 25 - ومعنى (إني أخاف أن يبدل
دينكم أو ان يظهر في الأرض الفساد) (آية 26) قال أبو جعفر أخاف
ان يكون أحد الأمرين إما ان يذهب دينكم البتة وإما أن يستميل
فيفسد عليكم ويحاربكم ويقرأ (وأن يظهر في الأرض الفساد) أي
أخاف
(6/214)
الأمرين جميعا
26 - وقوله جل وعز (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه)
(آية 28) يجوز أن يكون المعنى وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل
فرعون على التقديم والتأخير ويجوز أن يكون المعنى وقال رجل
مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)
أي لأن يقول (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) أي لا يضركم منه شئ 27
- وقوله جل وعز (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) (آية 28)
هذه آية مشكلة لأن كل ما وعد به نبي كان فهذا موضع كل
(6/215)
ففيها أجوبة: أ - منها أن بعضا بمعنى كل
وهذا مذهب أبي عبيدة وأنشد: أو يرتبط بعض النفوس حمامها وهذا
قول مرغوب عنه لن فيه بطلان البيان ب - قال أبو إسحاق في هذا
إلزام الحجة للمناظر أن يقال أرأيت إن أصابك بعض ما اعدك أليس
فيه هلاكك فالمعنى إن لم يصبكم إلا بعض ما وعدكم موسى هلكتم
قال ومثله قول الشاعر: قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون
مع المستعجل الزلل
(6/216)
أي أقل أحوال المتأني أن يدرك بعض حاجته ج
- وقيل ليس في قوله (يصبكم بعض الذي يعدكم) نفي للكل د - وقيل
الأنبياء صلى الله عليهم يدعون على قومهم فيقولون اللهم اخسف
بهم اللهم أهلكهم في أنواع من الدعاء فيصيبهم بعض ذلك هـ - وفي
الاية جواب خامس وهو أن موسى صلى الله عليه وسلم وعدهم بعذاب
الدنيا معجلا إن كفروا وبعذاب الآخرة وإنما يلحقهم في الدنيا
ما وعدهم به فيها وعذاب الآخرة مؤخر فعلى هذا يصيبهم بعض الذي
يعدهم ثم قال جل وعز (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) (آية
28)
(6/217)
أي كافر وقال قتادة أي أسرف على نفسه
بالشرك وقال السدي وهو صاحب الدم 29 - وقوله جل وعز قال (فرعون
ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (آية 29) روي
عن معاذ بن جبل أنه قرا سبيل الرشاد بتشديد الشين وقال سبيل
الله جل وعز قال أبو جعفر وهذا عند أكثر أهل اللغة العربية لحن
لأنه
(6/218)
إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل
إنما يكون من الثلاثي وإن اردت التكثير من الرباعي قلت مفعال
قال أبو جعفر يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق
منه ولكن كما يقال لأال من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه
ويجوز ان يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد كما قال: كليني
لهم يا أميمة ناصب 30 - وقوله جل وعز (وقال الذي آمن يا قوم
إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) (آية 30) قال قتادة هم قوم
نوح وعاد وثمود
(6/219)
31 - وقوله جل وعز (ويا قوم إني أخاف عليكم
يوم التناد) (آية 32) وقرأ الضحاك يوم التناد بتشديد الدال قال
أهل العربية هذا لحن لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا كما
قال الشاعر: وبرك هجود قد اثارت مخافتي * نواديها اسعى بعضب
مجرد قال ولا معنى لهذا في القيامة قال أبو جعفر هذا غلط
والقراءة به حسنة روى صفوان ابن عمرو عن عبد الله بن خالد قال
يظهر للناس يوم القيامة
(6/220)
عنق من نار فيولون هاربين منها حتى تحيط
بهم فإذا أحاطت بهم قالوا أين المفر ثم أخذوا في البكاء حتى
تنفد الدموع فيكون دما ثم تشخص أبصار الكفار فذلك قوله تعالى
(مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم) ويروي أنه إذا أمر
بهم إلى النار ولوا هاربين منها ولو لم يكن في الاحتجاج
بالقراءة إلا قوله تعالى (يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من
عاصم) لكفى فأما معنى التخفيف فقال قتادة في قوله (إني أخاف
عليكم يوم التناد) قال يوم ينادى كل قوم بأعمالهم وينادي أهل
الجنة أهل النار وقال عبد الله بن خالد إذا حشر الناس يوم
القيامة نادى
(6/221)
بعضهم بعضا حتى يظهر لهم عنق من النار
فيولون هاربين 32 - ثم قال تعالى (ما لكم من الله من عاصم)
(آية 33) قال قتادة أي من ناصر 33 - ثم قال جل وعز (ولقد جاءكم
يوسف من قبل بالبينات) (آية 34) أي من قبل موسى بالبينات أي
بالآيات المعجزات (فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك
قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) (آية 34)
أي ظننتم ان الحجة لا تقام عليكم بعده (كذلك يضل الله من هو
مسرف مرتاب) أي مثل هذا الضلال يضل الله من هو مسرف مرتاب
(6/222)
34 - ثم قال جل وعز (الذين يجادلون في آيات
الله بغير سلطان أتاهم) (آية 35) على البدل من (من) ومعنى (كبر
مقتا) كبر الجدال مقتا 35 - ثم قال جل وعز (كذلك يطبع الله على
كل قلب متكبر جبار) (الآية 35) وفي قراء عبد الله بن مسعود
(على قلب كل متكبر جبار) ومعنى هذه القراءة كمعنى الأولى كما
يقال أنا أكلم فلانا يوم كل جمعة وكل يوم جمعة
(6/223)
فأما التنوين فإنه يقال قلب متكبر أي صاحبه
متكبر 36 - وقوله جل وعز (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا)
(آية 36) أي قصرا وكل بناء عظيم صرح (لعلي أبلغ الأسباب) (آية
36) قال قتادة أي الأبواب والسبب في اللغة ما يؤدي إلى الشئ
فالمعنى لعلي أبلغ ما
يؤدي إلى السموات 37 - وقوله جل وعز (وكذلك زين لفرعون سوء
عمله وصد عن السبيل) (آية 37) ويقرأ وصد عن السبيل وهو اختيار
أبي عبيد
(6/224)
وروي عن ابن أبي إسحاق (وصد عن السبيل) قال
أبو جعفر وأحسنها (وصد عن السبيل) كما قال تعالى (الذين كفروا
وصدوا عن سبيل الله) وقول أبي عبيد في اختياره ليس بشئ لأن من
قرأه بالضم فالمعنى عنده على ما ذكر أبو حاتم وصده الشيطان عن
السبيل كما قال (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل)
المستقيمة 38 - ثم قال جلا وعز (وما كيد فرعون إلا في تباب)
(آية 37) قال مجاهد وقتادة أي في خسار قال أبو جعفر من هذا
قوله جل وعز (تبت يدا أبي لهب)
(6/225)
وقوله (وما زادوهم غير تتبيب) 39 - وقوله
جل وعز (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) (آية 40) قال قتادة
يعني شركا 40 - وقوله جل وعز (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى
النجاة)
(آية 41) قال مجاهد إلى الإيمان بالله عز وجل 41 - وقوله جل
وعز (لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في
الآخرة) (آية 43) قال مجاهد يعني الأوثان
(6/226)
قال أبو جعفر قال الخليل معنى (لا جرم) حقا
وقد جرم الشئ أي حق وأنشد: ولقد طعنت ابا عيينة طعنة * جرمت
فزارة بعدها أن يغضبوا قال أبو جعفر فأما دخول لا على جرم
فلتدل على انه جواب لكلام وأنه ليس مستأنفا فالمعنى وجب بطلان
ما تدعونني إليه أي ليس له استجابة دعوة تنفع 42 - وقوله (وأن
المسرفين هم أصحاب النار) (آية 43) قال عبد الله بن مسعود هم
السفاكون للدماء وكذلك قال
(6/227)
عطاء ومجاهد 43 - وقوله جل وعز (فوقاه الله
سيئات ما مكروا) (آية 45) قال قتادة كان رجلا من القبط فنجاه
الله مع بني إسرائيل 44 - وقوله جل وعز (النار يعرضون عليها
غدوا وعشيا) (آية 46)
يقال كيف يعرضون عليها غدوا وعشيا وهم من أهلها؟ فالجواب عن
هذا ما قاله عبد الله بن مسعود قال ارواح آل فرعون في أجواف
طير سود تعرض كل يوم على النار مرتين يقال هذه داركم
(6/228)
وروى شعبة عن يعلى بن عطاء قال سمعت ميمون
بن ميسرة يقول كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي أصبحنا والحمد لله
وعرض آل فرعون على النار وإذا أمسى نادى امسينا والحمد لله
وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع ابا هريرة أحد إلا تعوذ
بالله من النار وقال مجاهد في قوله تعالى (النار يعرضون عليها
غدوا وعشيا) قال من أيام الدنيا قال الفراء ليس في القيامة غدو
ولا عشي ولكن مقدار ذلك قال أبو جعفر التفسير على خلاف ما قال
الفراء وذلك أن التفسير على أن هذا العرض إنما هو في أيام
الدنيا
(6/229)
والمعنى ايضا بين أنه على ذلك لأنه قال جل
وعز (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) ثم دل على أن هذا قبل يوم
القيامة بقوله (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)
فدل على أن الأول بمنزلة عذاب القبر 45 - وقوله جل وعز (ويوم
يقوم الأشهاد) (آية 51)
قال معمر عن قتادة الملائكة قال أبو جعفر واحدهم شاهد كما يقال
صاحب وأصحاب ويجوز أن يكون جمع شهيد كشريف وأشراف
(6/230)
46 - وقوله جل وعز (إن في صدورهم إلا كبر
ما هم ببالغيه) (آية 56) مثل قوله (واسال القرية) المعنى ما هم
ببالغي إرادتهم فيه لأن الكبر شئ قد أتوه فهذا لا يشكل وقد قيل
الكبر ههنا العلو على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك إرادتهم
ولم يبلغوه فأما إرادتهم في الأول فالجدال في آيات الله جل وعز
حتى يبطلوها ولم يبلغوا ذلك وقيل إنما يراد بذا اليهود تكبروا
وتوقفوا وقالوا حتى يخرج الدجال ونكون معه فأعلم الله جل وعز
أن هذه الفرقة من اليهود لا تلحق الدجال واستشهد صاحب هذا
القول بقوله (فاستعذ بالله)
(6/231)
وقوله جل وعز (إن الذين يستكبرون عن عبادتي
سيدخلون جهنم داخرين) (آية 60) روى يسيع الكندي عن النعمان بن
بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة وتلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين) قال أبو عبيدة داخرين صاغرين 48 - وقوله جل وعز
(إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) (آية 71) وقرئ
(والسلاسل يسحبون)
(6/232)
وفي قراءة أبي (بالسلاسل يسحبون) وأجاز
الفراء (والسلاسل يسحبون) قال أبو جعفر من قرأ (والسلاسل
يسحبون) فالمعنى عنده يسحبون السلاسل وهي قراءة ابن عباس قال
وذلك اشد عليهم يكلفون أن يسحبوها ولا يطيقون ومن قرأ
(والسلاسل يسحبون) فالتمام عنده (والسلاسل) ثم ابتدأ فقال
(يسحبون في الحميم) قال الفراء والسلاسل بالخفض محمول على
المعنى لأن المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل كما حمل على
المعنى قوله:
(6/233)
قد سالم الحيات منه القدما * الأفعوان
والشجاع الشجعما 49 - ثم قال جل وعز (ثم في النار يسجرون) (آية
72) قال مجاهد أي توقد بهم النار قال أبو جعفر يقال سجرت الشئ
أي ملاته ومنه (والبحر المسجور) فالمعنى على هذا تملأ بهم
النار وقال الشاعر يصف
وعلا: إذا شاء طالع مسجورة * ترى حولها النبع والساسما أحمد
(6/234)
أي عينا مملوءة 50 - وقوله جل وعز (ذلكم
بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق) (آية 75) بين هذا بقوله
سبحانه (فرحوا بما عندهم من العلم) 51 - ثم قال جل وعز (وبما
كنتم تمرحون) (آية 75) قال مجاهد أي تبطرون وتأشرون 52 - وقوله
جل وعز (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون)
(آية 79) أي الإبل قال قتادة في قوله تعالى (ولتبلغوا عليها
حاجة في
(6/235)
صدوركم) الرحلة من بلد إلى بلد وقال مجاهد
أي حاجة كانت 53 - وقوله جل وعز (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات
فرحوا بما عندهم من العلم) (آية 83) أي رضوا به قال مجاهد
قالوا نحن أعلم منكم لن تبعث ولن نحيا بعد الموت قال مجاهد
(وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون)
(آية 83) أي ما جاءت به الرسل الحق
(6/236)
54 - وقوله جل وعز (فلم يك ينفعهم إيمانهم
لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده) (آية 85) قال
قتادة أي إنهم إذا رأوا العذاب آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم 55 -
ثم قال تعالى (وخسر هنالك الكافرون) (آية 85) وقد كانوا قبل
ذلك خاسرين لأنه تبين خسرانهم بأن لحقهم العذاب ولم يقبل
إيمانهم انتهت سورة غافر
(6/237)
تفسير سورة فصلت
مكية وآياتها 54 آية
(6/239)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة فصلت وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز (حم تنزيل من الرحمن الرحيم (آية 1، 2)
الخبر عند البصريين (كتاب فصلت آياته) (آية 3) وقال بعض
الكوفيين هذا كتاب (فصلت آياته) أي أنزلت متفرقة وقال الحسن
فصلت بالوعيد وقال مجاهد (فصلت) فسرت
وقال قتادة بين حلالها وحرامها والطاعة والمعصية
(6/241)
2 - ثم قال جل وعز (قرآنا عربيا لقوم
يعلمون) (آية 3) (قرآنا عربيا) أي في حال الإجتماع (لقوم
يعلمون) أي لمن يعلم العربية (بشيرا ونذيرا) نعت للقرآن 3 -
وقوله جل وعز (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) (آية 5)
أي في أغطية أي ليست تعي ما تقول والوقر الصمم 4 - ثم قال جل
وعز (ومن بيننا وبينك حجاب فأعمل إننا عاملون) (آية 5) حجاب أي
حاجز
(6/242)
وهو يزيد على معنى (قلوبنا في أكنة) لأن
معنى (قلوبنا في أكنة) أي ليس نجيبك إلى شئ مما تدعونا إليه ثم
قال (فاعمل إننا عاملون) أي فاعمل في هلاكنا فإنا عاملون على
مثل ذلك ويجوز أن يكون المعنى فاعمل بدينك فإننا عاملون بديننا
5 - وقوله جل وعز (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) (آية
7) قيل أي لا يؤمنون
(6/243)
وقال قتادة الزكاة فطرة الإسلام فمن أداها
برئ ونجا ومن لم يؤدها هلك 6 - وقوله جل وعز (إن الذين آمنوا
وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) (آية 8) قال مجاهد أي غير
محسوب قال أبو جعفر يقال مننت الشئ فهو ممنون ومنين إذا قطعته
كما قال: فترى خلفها من الرجع والوقع * منينا كأنه أهباء يعني
بالمنين بعد الغبار المنقطع الضعيف ويجوز أن يكون المنون يمن
به 7 - وقوله جل وعز (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في
يومين) (آية 9)
(6/244)
روى سفيان عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن
عباس وابن أبي ذيب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن عبد الله بن
سلام قالا وهذا معنى قولهما ابتدأ الله جل وعز بخلق الأرضين
يوم الأحد فخلق سبع أرضين في يوم الأحد ويوم الاثنين ثم (جعل
فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقوائها) يقول أرسى
الجبال وشق الأنهار وغرس الأشجار وجعل المنافع في يومين يوم
الثلاثاء ويوم الأربعاء (ثم استوى إلى السماء) فخلقها سبع
سموات في يوم
الخميس ويوم الجمعة قال ابن عباس ولذلك سميت يوم الجمعة لأنه
اجتمع فيها الخلق
(6/245)
قال عبد الله بن سلام قضاهن سبع سموات في
آخر ساعة من يوم الجمعة ثم خلق فيها آدم على عجل وهي الساعة
التي تقوم فيها القيامة قال أبو جعفر معنى (وبارك فيها) على
قولهما شق أنهارها وغرس أشجارها وقيل معنى (بارك فيها) أكثر
فيها من الأوقات وقيل معناه كما يقال باركت عليه أي قلت بورك
فيك 8 - قال عكرمة في قوله تعالى (وقدر فيها أوقاتها) (آية 10)
جعل اليماني باليمن والسابري بسابور
(6/246)
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا جعل فيها ما
يتعايش به ويتجر فيه وقيل (أقواتها) ما يتقوت ويؤكل وقول ابن
عباس وابن سلام يحتمل المعنيين والله أعلم 9 - ثم قال جل وعز
(في أربعة أيام سواء للسائلين) (آية 10) المعنى في تتمة أربعة
أيام (سواء) أي استوت استواء وقال الفراء هو متعلق بقوله (وقدر
فيها أقواتها)
سواء وقرأ الحسن (سواء) بالخفض أي في أربعة أيام مستوية تامة
وبالاسناد الأول عن ابن عباس في قوله تعالى (للسائلين) قال من
سألك فقال لك في كم خلق الله السموت والأرض فقل
(6/247)
له في هذا قال أبو جعفر فالمعنى على هذا
القول جوابا للسائلين وفيه قول آخر وهو أن المعنى وقدر فيها
أقواتها للسائلين أي للمحتاجين أي لمن سأل لأن الناس يسألون
أقواتهم وهذا مذهب ابن زيد قال قدر ذلك ى قدر مسائلهم علم ذلك
10 - وقوله جل وعز (ثم استوى إلى السماء) (آية 11) دل على أن
خلق السماء بعد خلق الأرض وقد قال في موضع آخر (والأرض بعد ذلك
دحاها) ؟ ففي هذا أجوبة: روى هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن
عباس قال خلق الله الأرض أول ثم خلق السماء ثم دحا الأرض
والماء بعد
(6/248)
ذلك قال (دحا) أي بسط وقيل المعنى ثم
أخبركم بهذا كما قال جل وعز (ثم كان من الذين آمنوا) وهو في
القرآن كثير وقيل (ثم) ههنا بمعنى الواو وهذا لا يصح ولا يجوز
والجوابان حسنان جيدان 11 - وقوله جل وعز (فقال لها وللأرض
ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) (آية 11) في هذا
أجوبة:
(6/249)
أ - منهما أن الله جل وعز جعل فيهما ما
يميزان ويجيبان عما قيل لهما ب - وقال محمد بن يزيد هذا إخبار
عن الهيئة أي صارتا في هيئة من قال أي هو كما قال امتلأ الحوض
وقال قطني أي حسبي أي صار في هيئة من يقول وقيل أخبرنا الله عز
وجل بما نعرف من سرعة الإجابة وقد علمنا أنه ليس شئ اسرع من أن
يقال للإنسان افعل فيقول قد فعلت فاخبر الله جل وعز عن إجابة
السموات والأرض إلى أمره جل وعز فأما قوله تعالى (طائعين) ولم
يقل طائعات فقال فيه الفراء معناه أتينا بمن فينا طائعين
(6/250)
قال أبو جعفر الأحسن في هذا وهو مذهب جلة
النحويين أنه جل وعز لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل جاء فيها
بما يكون لمن يعقل كما في قوله تعالى (والشمس والقمر رأيتهم لي
ساجدين)
فأما الكسائي فأجاز في كل شئ أن يجمع بالواو والنون والياء
والنون وهذا لا يعرج عليه 12 - وقوله جل وعز (فقضاهن سبع سموات
في يومين) (آية 12) (فقضاهن) أي أحكمهن كما قال الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع 13 - وقوله
جل وعز (وأوحى في كل سماء أمرها) (آية 12)
(6/251)
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما أمر وما
أراده وروى سعيد عن قتادة قال خلق شمسها وقمرها ونجومها
وأفلاكها قال أبو جعفر القولان متقاربان وكأن المعنى والله
أعلم وأوحى في كل سماء إلى الملائكة بما أراد من أمرها 14 - ثم
قال جل وعز (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا) (آية 12) أي
وحفظناها حفظا من الشياطين بالكواكب والمعنى ائنكم لتكفرون بمن
هذه قدرته وتجعلون له أمثالا
(6/252)
مما تنحتون بأيديكم؟ 15 - ثم قال جل وعز
(فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) (آية 13)
أي فإن أعرضوا عن التوحيد وما جئت به (فقل أنذرتكم
صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أي انذرتكم أن ينزل بكم عذاب كما
نزل بهم (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم) يعني من جاء قبلهم
كما قال تعالى (مصدقا لما بين يديه) ثم قال (ومن خلفهم) فيه
قولان: أحدهما أن المعنى ومن بعد كونهم
(6/253)
والقول الآخر أن يكون الضمير يعود على
الرسل 16 - وقوله جل وعز (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) (آية 16)
روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال شديدة السموم وروى معمر عن
قتادة قال باردة قال أبو جعفر قول قتادة ابين وكذا قال عطاء
لأن (صرصرا) مأخوذ من صر والصر في كلام العرب البرد كما قال
الشاعر: لها غدر كقرون النساء * ركبن في يوم ريح وصر وليس
القولان بمتناقضين لأن لأنه يروى أنها كانت ريحا باردة
(6/254)
تحرق كما تحرق النار وقد قال أبو عبيدة
(صرصر) شديدة الصوت عاصف وقد روي عن مجاهد شديدة الشؤم 17 - ثم
قال جل وعز (في أيام نحسات) (آية 16)
قال مجاهد أي مشائيم وقال قتادة مشئومات نكدات 18 - وقوله جل
وعز (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) (آية 17)
(6/255)
روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس قال بينا
لهم قال أبو جعفر بينا لهم الخير والشر قال سبحانه (إنا هديناه
السبيل إما شاكرا وإما كفورا) وكما قال تعالى (وهديناه
النجدين) قال علي بن أبي طالب الخير والشر و (الهون) الهوان 19
- وقوله جل وعز (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون)
(آية 19) قال أبو الأحوص وأبو رزين ومجاهد وقتادة أي يحبس
أولهم على آخرهم
(6/256)
قال أبو الأحوص فإذا تكاملت العدة بدئ
بالأكابر فالأكابر جرما قال أبو جعفر يقال وزعه يزعه ويزعه إذا
كفه ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ومنه لا بد
للناس من وزعة 20 - وقوله جل وعز (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم
سمعهم
وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) (آية 20) قال الفراء الجلد
ههنا والله أعلم الذكر كني عنه كما قال تعالى (أو جاء أحد منكم
من الغائط) والغائط: الصحراء قال أبو جعفر وقال غيره هو الجلد
بعينه وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال يجادل المنافق
عند الميزان ويدفع الحق ويدعي الباطل فيختم على فيه ثم
(6/257)
تستنطق جوارحه فتشهد عليه ثم يطلق عنه
فيقول بعدا لكن وسحقا إنما كنت أجادل عنكن 21 - وقوله جل وعز
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق
كل شئ) (آية 21) هذا تمام الكلام 22 - ثم قال (وهو خلقكم أول
مرة وإليه ترجعون) (آية 21) وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في
قوله تعالى (وما كنتم تستترون) قال تتقون
(6/258)
قال أبو جعفر المعنى وما كنتم تستترون من
أن يشهد عليكم سمعكم قال عبد الله بن مسعود كنت مستترا باستار
الكعبة فجاء ثقفي وقرشيان كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم
فتحدثوا بينهم بحديث فقال أحدهم أترى الله يسمع ما نقول فقال
الآخران
يسمعنا إذا جهرنا ولا يسمعنا إذا خافتنا وقال الآخر إن كان
يسمعنا إذا جهرنا فهو يسمعنا إذا خافتنا 23 - فأنزل الله جل
وعز (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا
جلودكم) إلى قوله (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) (آية 22،
24) وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه
وسلم في قوله تعالى (أن يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا
جلودكم) قال تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم
(6/259)
بفدام فأول ما يبين عن الإنسان فخذه وكفه
24 - وقوله جل وعز (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم
فأصبحتم من الخاسرين) (آية 23) أي حين ظننتم أنه لا يسمعكم وفي
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله (أنا عند ظن عبدي
بي) ومعنى أرداكم أهلككم 25 - وقوله جل وعز (فإن يصبروا فالنار
مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) (آية 24)
(6/260)
والنار مثوى لهم صبروا أو لم يصبروا ففي
هذا جوابان: أحدهما ان المعنى فإن يصبروا في الدنيا على أعمال
أهل النار كما قال سبحانه فما أصبرهم على النار فالنار مثوى
لهم (وإن يستعتبوا) في النار
وقيل (وإن يستعتبوا) في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم والجواب
الآخر: فإن يصبروا في النار أو يجزعوا فالنار مثوى لهم ويكون
قوله (وإن يستعتبوا) يدل على الجزع لأن المستعتب جزع 26 -
وقوله جل وعز (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما
خلفهم) (آية 25)
(6/261)
قال مجاهد يعني الشياطين قال أبو جعفر معنى
قيضت له كذا سببته له من حيث لا يحتسب 27 - ثم قال جل وعز
(فزينوا لهم ما بين أيديهم) (آية 25) أي ما يعملونه من المعاصي
(وما خلفهم) وما عزموا على أن يعملوه 28 - وقوله جل وعز (وقال
الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) (آية 26) وقرأ
عيسى وابن أبي إسحاق (والغوا) بضم الغين حكى الكسائي لغا يلغو
وعلى هذا (والغوا فيه) وحكى لغا يلغى ولغي يلغى والمصدر على
هذا مقصور روى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال
(6/262)
كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذا قرأ
رفع صوته فتطرد قريش عنه الناس
ويقولون (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) وإذا
خافت بقراءته لم يسمع من يريد فأنزل الله جل وعز (ولا تجهر
بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) وروى ابن ابي نجيح
عن مجاهد في وقوله (والغوا فيه) قال بالمكاء والتصفيق والتخليط
على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ كانت قريش تفعله قال
أبو جعفر اللغو في اللغة ما لايعرف له حقيقة ولا يحصل معناه
فمعنى والغوا فيه أي عارضوه باللغو 29 - وقوله جل وعز (ذلك
جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد) (آية 28)
(6/263)
المعنى: ذلك العذاب الشديد جزاء أعداء الله
ثم بين الجزاء فقال (النار لهم فيها دار الخلد) والنار هي دار
الخلد والعرب تفعل هذا على التوكيد كما قال: أخو رغائب بعطيها
ويسالها وقد * يأبى الظلامة منه النوفل الزفر وهو هو كما يقال
لك في هذا المنزل دار واسعة وهو الدار ولا يجوز عند الكوفيين
حتى يخالف لفظ الثاني لفظ الأول لا تقول على قولهم في هذا
المنزل منزل حسن على أن الثاني الأول وهو عند البصريين كله جيد
وفي قراءة عبد الله بن مسعود (ذلك جزاء أعداء الله النار
دار الخلد)
(6/264)
30 - وقوله جل وعز (وقال الذين كفروا ربنا
أرنا اللذين اضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا) (آية
29) قال حبة العرني وعقبة الفزاري سئل علي بن ابي طالب عليه
السلام عن قوله جل وعز أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس فقال
هما إبليس الأبالسة وابن آدم الذي قتل أخاه وكذلك روي عن ابن
مسعود وابن عباس 31 - وقوله جل وعز (إن الذين قالوا ربنا الله
ثم استقاموا) (آية 30) قال مجاهد وإبراهيم قالوا لا إله إلا
الله ثم استقاموا روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لهم ما معنى
(ثم استقاموا) ؟ فقالوا لم يعصوا الله فقال لقد صعبتم الأمر
إنما هو استقاموا على ألا يشركوا بالله شيئا
(6/265)
وقال مجاهد وإبراهيم ثم استقاموا لم يشركوا
وقال الزهري قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ثم استقاموا) على
طاعة الله عز وجل ولم يروغوا روغان الثعلب وروى معمر عن قتادة
ثم استقاموا قال على طاعة الله قال أبو جعفر في الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم استقيموا ولن تحصوا أي استقيموا على
أمر الله وطاعته 32 - ثم قال جل وعز (تتنزل عليهم الملائكة الا
تخافوا ولا
تحزنوا) (آية 30) قال مجاهد (تتنزل عليهم الملائكة) عند الموت
أن لا تخافوا ولا تحزنوا
(6/266)
روى سفيان عن زيد بن اسلم قال لا تخافوا ما
أمامكم من العذاب ولا تحزنوا على ما خلفكم من عيالكم وضيعتكم
فقد خلفتم فيها بخير وفي قراءة ابن مسعود: (تتنزل عليهم
الملائكة لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم
توعدون) قال زيد بن اسلم يقال لهم هذا عند الموت 33 - وقوله جل
وعز (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) (آية 33) في
معناه ثلاثة اقوال: فمذهب الحسن أنها عامة لجميع المؤمنين
(6/267)
وروى هشيم عن عوف عن ابن سيرين في قوله
تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) قال ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم أي دعا إلى توحيد الله وقال محمد بن نافع قالت
عائشة نزلت في المؤذنين (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل
صالحا) وقال أبو الزاهرية: قالت عائشة: إني لارجو أن يكون
المؤذنون هم الذين قال الله فيهم: (ومن أحسن قولا ممن دعا الى
الله وعمل صالحا) 34 - وقوله جل وعز (ولا تستوي الحسنة ولا
السيئة) (آية 34) (لا) زائدة للتوكيد
(6/268)
35 - ثم قال جل وعز (ادفع بالتي هي أحسن)
(آية 34) قال عطاء ومجاهد تقول إذا لقيته سلام عليكم ويروى عن
ابن عباس في قوله ادفع بالتي هي أحسن قال هما الرجلان متقاولان
حتى فيقول أحدهما لصاحبه يا صاحب كذا وكذا فيقول له الآخر إن
كنت صادقا علي فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك وحدثنا
بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية عن علي بن ابي طلحة
عن ابن عباس ادفع بالتي هي أحسن قال أمر الله جل وعز المؤمنين
بالصبر عند الغضب والحلم والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك
عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم
(6/269)
36 - ثم قال جل وعز (وما يلقاها إلا الذين
صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (آية 35) قال يقول الذين أعد
الله لهم الجنة روى معمر عن قتادة كانه ولي حميم قال
قريب 37 - ثم قال جل وعز (وما يلقاها إلا الذين صبروا) (آية
35) أي وما يلقى هذه الفعلة غلا الذين يكظمون الغيظ (وما
يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أي من الخير وروى معمر عن قتادة قال
الحظ العظيم الجنة 38 - ثم قال جل وعز وإما ينزغنك من الشيطان
نزغ فاستعذ بالله) (آية 36)
(6/270)
أي إن عرض لك الشيطان ليصدك تعالى عن الحلم
فاستعذ بالله منه واحلم 39 - وقوله جل وعز (ومن آياته الليل
والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله
الذي خلقهن) (آية 37) أي ومن علاماته التي تدل على قدرته
ووحدانيته (الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا
للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) ويجوز ان يكون المعنى واسجدوا
لله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ويجوز أن يكون
المضمر يعود على الشمس والقمر لأن الاثنين جميع
(6/271)
ويجوز ان يكون يعود على معنى الآيات
40 - ثم قال جل وعز (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له
بالليل والنهار وهم لا يسامون) (آية 38) أي فإن استكبروا عن أن
يوحدوا الله ويتبعوك (فالذين عند ربك) أي فالملائكة الذين عند
ربك فإن يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون أي لا يملون
41 - ثم زادهم في الدلالة فقال جل وعز (ومن آياته أنك ترى
الأرض خاشعة) (آية 39) قال قتادة أي غبراء متهشمة 42 - ثم قال
جل وعز (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) (آية 39) قال
مجاهد اهتزت أي بالنبات قال أبو جعفر يقال اهتز الإنسان أي
تحرك ومنه قوله:
(6/272)
* تراه كنصل السيف يهتز للندى * إذا لم تجد
عند امرئ السوء عمر مطمعا ثم قال (وربت) قال مجاهد أي ارتفعت
لتنبت قال أبو جعفر قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وخالد
(وربأت) معناه عظمت من الربيئة 43 - وقوله جل وعز (إن الذين
يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا) (آية 40) قال مجاهد المكاء
وما ذكر معه وقال قتادة الإلحاد التكذيب قال أبو جعفر أصل
الإلحاد العدول عن الشئ والميل عنه
ومنه اللحد لأنه جانب القبر
(6/273)
فمعنى ألحد في آيات الله مال عن الحق فيها
أي جعلها على غير معناها 44 - وقوله جل وعز (أفمن يلقى في
النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) (آية 40) (أفمن يلقى
في النار) أبو جهل بن هشام (خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة)
عمار بن ياسر ثم قال (اعملوا ما شئتم) وقد بين جل وعز ذلك قال
مجاهد هذا على الوعيد 45 - وقوله جل وعز (إن الذين كفروا
بالذكر لما جاءهم) (آية 41)
(6/274)
قال قتادة أي بالقرآن قال أبو جعفر وفي
الخبر قولان: أحدهما أن المعنى إن الذين كفروا بالذكر لما
جاءهم أولئك ينادون من مكان بعيد والقول الآخر: أن الخبر محذوف
أي هلكوا وهذا القول الاختيار عند النحويين جميعا فيما علمت
وقوله (وإنه لكتاب عزيز) أي قاهر لا يقدر أحد أن يأتي بمثله 46
- وقوله جل وعز (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه) (آية 42) في معناه أقوال: أ - فمن احسنها أن المعنى لا
يأتيه الشيطان من بين يديه
(6/275)
فينتقص منه ولا من خلفه فيزيد فيه قال
مجاهد الباطل الشيطان وقال الحسن حفظ الله القرآن من الشيطان
فلا يقدر أن يزيد فيه ولا ينقص منه قال الحسن (إنا نحن نزلنا
الذكر وإنا له لحافظون) وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) قال لا يقدر الشيطان أن
يبطل منه حقا ولا يحق فيه باطلا قال أبو جعفر معنى يحق فيه
باطلا يزيد فيه باطلا فيصير حقا فهذا قول ب - وقيل معنى (لا
يأتيه الباطل من بين يديه) لا يبطله كتاب قبله ولا يأتي بعده
كتاب فيبطله وهذا قول الفراء أي لا
(6/276)
يوجد فيه باطل من إحدى الجهتين ج - وقيل
معنى (لا يأتيه الباطل من بين يديه) من قبل أن يتم نزوله (ولا
من خلفه) من بعد تمام نزوله ويكون أيضا (من بين يديه) بعد
نزوله كله (ومن خلفه) قبل تمامه د - وقيل المعنى لا يأتيه
الباطل قبل أن ينزل لأن الأنبياء وقد
بشرت به فلم يقدر الشيطان على أن يدحض ذلك ولا من خلفه بعد أن
أنزل هـ - وقيل معنى (من بين يديه ولا من خلفه) على التكثير أي
لا ياتيه الباطل البتة 47 - وقوله جل وعز (ما يقال لك إلا ما
قد قيل للرسل من قبلك) (آية 43) قال أبو صالح أي من الأذى
(6/277)
وقوله تعالى (إن ربك لذو مغفرة) أي لمن آمن
بك (وذو عقاب أليم) أي لمن كذبك 48 - وقوله جل وعز (ولو جعلناه
قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته) (آية 44) أي بينت قال
أبو جعفر أصل هذا أن التفصيل لا يكون إلا للعرب وهم أصحاب
البيان 49 - ثم قال جل وعز (أعجمي وعربي) (آية 44) قال سعيد بن
جبير أي أقرآن أعجمي ونبي عربي؟ قال قتادة اي لو جعلنا القرآن
أعجميا لأنكروا ذلك
(6/278)
وقالوا أعرب مخاطبون بالعجمية فكان ذلك أشد
لتكذيبهم وقرأ ابن عباس والحسن وأبو الأسود (أعجمي) بغير
استفهام والعين ساكنة والمعنى على هذه القراءة لولا فصلت آياته
فكان منها
أعجمي تفهمه العجم وعربي تفهمه العرب؟ ويكون (أعجمي) بدلا من
(آياته) وحكي أنه قرئ (أعجمي) ؟ على أن الأصل عجمي دخلت عليه
ألف الاستفهام
(6/279)
قال أبو جعفر قال أبو إسحاق الأعجمي الذي
لا يفصح كان من العرب أو من العجم والعجمي الذي ليس من العرب
كان فصيحا أو غير فصيح قال أبو جعفر والقراءة الأخرى بعيدة
لأنهم قد أجمعوا على قوله (ولو جعلناه قرآنا أعجميا) 50 -
وقوله جل وعز (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى)
(آية 44) (وقر) أي صمم على التمثيل وهو عليهم عمى قال قتادة
القرآن وقيل الوقر عليهم عمى
(6/280)
وقرأ ابن عباس ومعاوية وعمرو بن العاص (وهو
عليهم عمي) على أنه فعل ماض وحكي (وهو عليهم عم 51 - ثم قال جل
وعز (أولئك ينادون من مكان بعيد) (آية 44) حكى أهل اللغة أنه
يقال للذي يفهم أنت تسمع من قريب ويقال ويقال للذي لا يفهم أنت
تنادى من مكان بعيد
أي كأنه ينادي منو موضع بعيد منه فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه
ومذهب الضحاك أنهم ينادون يوم القيامة باقبح اسمائهم من مكان
بعيد ليكون ذلك اشد عليهم في الفضيحة والتوبيخ 52 - ومعنى قوله
جل وعز (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم) (آية 45)
(6/281)
أنهم قد أخروا إلى مدة يعلمها الله وأنه لا
يعالجهم بالهلاك 53 - وقوله جل وعز (إليه يرد علم الساعة وما
تخرج من ثمارت من أكمامها) (آية 47) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال حين تطلع وقال غيره هي الطلعة تخرج من قشرها قال أبو جعفر
القول الأول أعم أي وما تخرج من ثمرة من غلافها الذي كانت فيه
وذلك أول ما تطلع وغلاف كل شئ كمه 54 - وقوله جل وعز (ويوم
يناديهم اين شركائي) (آية 47) أي على زعمكم (قالوا آذناك) هذا
من قول الالهة أي أعلمناك
(6/282)
يقال آذنته فأذن أي أعلمته فعلم والأصل في
هذا من الأذن أي أوقعته في أذنه ومنه: آذنتنا ببينها أسماء
ومنه قوله جل وعز (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) أي
اعملوا ما شئتم ثم اعتذروا منه فإنه يعذركم ويقبل ما تعلمونه
به ومنه الأذان إنما هو إعلام بالصلاة ثم قال تعالى (ما منا من
شهيد) أي ما منا من شهد أن لك شريكا 55 - ثم قال جل وعز (وظنوا
ما لهم من محيص) (آية 47) (وظنوا) أي وأيقنوا 56 - وقوله جل
وعز (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط)
(آية 49)
(6/283)
أي لا يمل من أن يصيبه الخير وفي قراءة عبد
الله (من دعاء بالخير) (وإن مسه الشر) أي إن مسه شئ يسير من
الشر يئس وقنط 57 - وقوله جل وعز (ليقولن هذا لي وما أظن
الساعة قائمة) (آية 50) قال مجاهد أي بعملي وأنا حقيق بهذا
وهذا يراد به الكافر الا ترى أن بعده (وما أظن الساعة قائمة)
وقوله تعالى (ولئن رجعت إلى ربي) أي على قولك
(6/284)
58 - وقوله جل وعز (وإذا انعمنا على
الإنسان أعرض ونأى بجانبه) (آية 51)
أي تباعد ولم يدعنا وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع أعرض وناء
بجانبه الألف قبل الهمزة فيجوز أن يكون معناه من ناء إذا نهض
ويجوز أن يكون على قلب الهمز بمعنى الأول 59 - وقوله جل وعز
(وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) (آية 51) أي كبير يقال له دعاء
عريض وطويل بمعنى واحد 60 - وقوله جل وعز (سنريهم آياتنا في
الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (آية 53) أي في
آفاق الدنيا وتقلب أحوالها (وفي أنفسهم) مثل ذلك
(6/285)
قال مجاهد (في الآفاق) فتح القرى (وفي
أنفسهم) فتح مكة 61 - وقوله جل وعز (أو لم يكف بربك أنه على كل
شئ شهيد) (آية 53)
(6/286)
المعنى أو لم يكفهم بربك أي أو لم يكفهم
ربك بما دلهم به على توحيد الله جل وعز مما فيه كفاية لهم لأنه
على كل شئ شهيد؟
ويجوز أن يكون المعنى أنه له على كل شئ شاهد بانه محدث وإذا
شهده جازى عليه 62 - ثم قال جل وعز (ألا إنهم في مرية من لقاء
ربهم) (آية 54) أي في شك وقرأ الحسن (في مرية) (الا إنه بكل شئ
محيط) أي قد أحاط بعلم الغيب والشهادة جل وعز انتهت سورة
السجدة
(6/287)
|