تفسير سورة الصافات
مكية وآياتها 182 آية
(6/4)
المجلد السادس بسم الله الرحمن الرحيم سورة
الصافات وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز والصافات صفا
فالزاجرات زجرا فالتاليات تذكرا (آية 1 روى مسروق عن عبد
الله بن مسعود وعكرمة عن ابن عباس قالا في قوله تعالى
والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا هذه كلها
الملائكة قال أبو جعفر الصافات جمع صافة كأنه جماعة
(6/7)
صافة أي مصطفة تذكر الله جل وعز وتسبحه
والزاجرات جمع زاجرة أي التي تزجر السحاب على ما مضى وقال
قتادة الزاجرات كل ما زجر عنه كأنه يريد ذوات الزجر ويجوز
أن تكون الزاجرات كل ما يزجر عن معاصي الله جل وعز وأن
تكون التاليات كل ما يتلو ذكر الله جل وعز وكتبه 2 - ثم
قال جل وعز رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق (آية
5) روى أبو ظيبان عن ابن عباس قال للشمس كل يوم
(6/8)
مشرق وكل يوم مغرب فتلك المشارق والمغارب
وللصيف مشرق ومغرب وللشتاء ولا مشرق ومغرب فذلك قوله جل
وعز رب المشرقين ورب المغربين 3 - ثم قال جل وعز إنا زينا
السماء الدنيا بزينة الكواكب (آية 6) على البدل وبزينة
الكواكب قال أبو حاتم أعني الكواكب
(6/9)
قال أبو جعفر وأجود مما قال أن يكون بمعنى
بأن زينا الكواكب فيها ويجوز بزينة الكواكب بمعنى بأن
زينتها الكواكب أو بمعنى هي الكواكب 4 - وقوله جل وعز
وحفظا من كل شيطان مارد (آية 7) أي وحفظناها حفظا من كل
شيطان مارد 5 - وقوله جل وعز لا يستمعون إلى الملأ الأعلى
(آية 8) يعني الملائكة قال أبو حاتم أي لئلا يسمعوا ثم حذف
أن فرفع
(6/10)
الفعل كما قال الشاعر: ألا أيها اللائمي
احضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
6 - ثم قال جل وعز ويقذفون من كل جانب دحورا (آية 9) قال
مجاهد ويقذفون أي يرمون دحورا أي مطرودين وقال قتادة دحورا
أي رميا في النار قال أبو جعفر يقال دحره إذا طرده وباعده
دحورا ودحرا
(6/11)
ويروى عن أبي عبد الرحمن أنه قرأ دحورا
بفتح الدال والمصادر على فعول قليلة وقال بعض النحويين ليس
بمصدر ولكنه بمعنى بما يدحرهم ولو كان على ما قال لكان
بدحور أي بمباعد 7 - ثم قال جل وعز: (ولهم عذاب واصب
(الاية 9) قال مجاهد وقتادة أي دائم
(6/12)
8 - ثم قال جل وعز إلا من خطف الخطفة
فأتبعه شهاب ثاقب (آية 10) يقال خطف الشئ إذا أخذه بسرعة
فأتبعه شهاب ثاقب قال الحسن ومجاهد وقتادة وأبو مجلز ثاقب
أي مضئ قال أبو جعفر وهذا مشهور في اللغة كما قال:
وزندك أثقب أزنادها وقوله جل وعز فاستفتهم أهم أشد خلقا أم
من خلقنا (آية 11)
(6/13)
قال مجاهد والضحاك يعني السموات والأرض
والبحار قال أبو جعفر يجب أن يكون داخلا في هذا الملائكة
وغيرها مع السموات والأرض والبحار لأن من لا يقع لما لا
يعقل مفردا ثم قال جل وعز إنا خلقناهم من طين لازب (آية
11) قال مجاهد أي لازم وقال قتادة أي لازق
(6/14)
والفراء يذهب إلى أن الباء بدل من الميم
وحكي أنه يقال لاتب بمعناه وقال النابغة: فلا تحسبون الخير
لا شر بعده * ولا تحسبون الشر ضربة لازب 1 - وقوله جل وعز
بل عجبت ويسخرون (آية 12) قال قتادة بل عجبت من الكتاب
والوحي ويسخرون مما جئت به وقيل المعنى بل عجبت من إنكارهم
البعث وأنكر شريح أن تقرأ بل عجبت بضم التاء وقال إن الله
لا يعجب إنما يعجب من لا يعلم
(6/15)
قال أبو جعفر وهذا الذي قاله لا يلزم وبضم
التاء قرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس ومعنى
التعجب في اللغة أن ينكر الشئ ويقل في فيتعجب منه فالله جل
وعز العالم بالأشياء وبما يكون ولكن لا يقع التعجب إلا بعد
الكون فهو منه جل وعلا خلافة من الآدميين لأنه قد علمه قبل
وبعد وهو يشبه علم الشهادة كما قال سبحانه لنعلم أي
الحزبين ويجوز أن يكون المعنى قل بل عجبت
(6/16)
12 - وقوله جل وعز وإذا رأوا آية يستسخرون
(آية 14) قال قتادة أي يسخرون وقال مجاهد أي يسخرون
ويستهزئون وقيل يستسخرون يستدعون السخري من غيرهم
(6/17)
وهو قول مجاهد وقتادة ونظيره من كلام العرب
قد وأستقر وعجب واستعجب بمعنى واحد وقرأ الكوفة كأنهم حمر
مستنفرة أي نافرة وقوله جل وعز قل نعم وأنتم داخرون (آية
18) المعنى قل نعم تبعثون وأنتم داخرون قال قتادة أي
صاغرون 13 - ثم أخبر أن ذلك يكون زجرة واحدة فقال جل وعز
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون أي قد حيوا ينظرون
(6/18)
14 - وقوله جل وعز وقالوا يا ويلنا هذا يوم
الدين (آية 20) قال قتادة أي يوم يدين الله جل وعز العباد
بأعمالهم ثم قال جل وعز هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون
(آية 21) أي يقال لهم نعم هذا يوم الفصل أي يوم الفصل بين
المحسن والمسئ وقال أبو عبيدة يوم الفصل يوم القضاء وقوله
جل وعز احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من
دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم (آية 23)
(6/19)
أي يقال هذا قال عبد الله بن عباس والنعمان
بن بشير عن عمر وأزواجهم أي وأشباههم قال أبو جعفر يقال
زوجت الناقة بالناقة أي قرنتهما ابن ومنه قيل للرجل زوج
وللمرأة زوج ويقال هديته الطريق أي دللته عليه 17 - وقوله
جل وعز ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون (آية 26)
روى سعيد عن قتادة ما لكم لا تناصرون أي لا يدفع بعضكم عن
بعض بل هم اليوم مستسلمون قال أي مستسلمون في العذاب
(6/20)
18 - وقوله جل وعز وأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين (آية 28) روى
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هذا قول الكفار للشياطين وروى
سعيد عن قتادة قال هذا قول الإنس للجن قالوا لهم إنكم كنتم
تأتوننا عن اليمين أي من طريق الجنة تثبطوننا عنها
وتصدوننا وقيل هذا قول التابعين للمتبعين قال أبو جعفر
وهذا يشبه قوله تعالى وعن أيمانهم روى علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله تعالى
(6/21)
وعن أيمانهم قال أشبه عليهم أمر دينهم قال
أبو جعفر وحقيقة معنى إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين والله
أعلم إنكم كنتم تأتوننا من الجهة التي هي أقوى الجهات وهي
جهة الدين فتشككوننا فيه وقد قيل هذا في قوله جل وعز
والسموات مطويات بيمينه وهو معروف في كلام العرب والله
أعلم بما أراد
(6/22)
قال الشاعر: تلقاها عرابة باليمين فردوا
عليهم بأنهم كانوا ضالين فقالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما
كان لنا عليكم من سلطان قال السدي أي من حجة وقوله جل وعز
(بل كنتم قوما طاغين) أي ضالين (فحق علينا قول ربنا إنا
لذائقون) أي كلنا في العذاب (فأغويناكم إنا كنا غاوين)
(آية 32) أي بالوسوسة والاستدعاء 20 - وقوله جل وعز (إنهم
كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) (آية 35) أي
عن توحيد الله جل وعز
(6/23)
21 - وقوله جل وعز (يطاف عليهم بكأس من
معين) (آية 45) قال قتادة أي خمر جارية (بيضاء لذة
للشاربين) قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ثم قال
جل وعز (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) (آية 47) روى ابن
أبي نجيح عن مجاهد (لا فيها غول) قال لا فيها وجع بطن (ولا
هم عنها ينزفون) لا تذهب عقولهم وروى معمر عن قتادة (لا
فيها غول ولا هم عنها ينزفون) قال لا تصدع رؤسهم ولا تذهب
محمد عقولهم
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا فيها غول) قال يقول
ليس فيها صداع (ولا هم عنها ينزفون) قال لا تذهب عقولهم
(6/24)
قال سعيد بن جبير (لا ينزفون) لا تنزف
عقولهم قالوا والغول الأذى المكروه قال أبو جعفر وهذا
أجمعها أو أولادها يقال غالته غول أي ذهبت به ذاهبة وقد
غاله الشراب واغتاله أي ذهب بعقله أو آذاه ومنه اغتال فلان
فلانا ومنه قتله قتل غيلة انقلبت الواو ياء لانكسار ما
قبلها وأصل نزف نقص والمعنى لا يلحقهم نقصان بسكر ولا غيره
فنفى الله جل وعز عنهم السكر لما فيه من الباطل والسفه
(6/25)
وجملته النقصان ويقرأ (ولا هم عنها ينزفون)
وفي معناه قولان أ - أعرفهما أنه يقال أنزف الرجل إذا نفد
شرابه والمعنى أنزف شرابه ب - والقول الآخر أنه حكي انه
يقال أنزف الرجل إذا سكر وانشد أبو عبيدة للأبيرد: لعمري
لئن أنزفتم أو صحوتم * لبئس الندامى كنتم آل أبجرا فأما
نزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر فمعروف مسموع من العرب
(6/26)
23 - وقوله جل وعز (وعندهم قاصرات الطرف
عين) (آية 48) قال قتادة قصرن طرفهن على أزواجهن وروى أبو
يحيى عن مجاهد قال قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى
غيرهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لا يغرن على أزواجهن
قال أبو جعفر والقول الأول هو المعروف وأصله من قصرته أي
حبسته وقوله تعالى (عين) قال مجاهد أي حسان العيون وقال
السدي (عين) أي عظام الأعين وحكى أهل اللغة أنه يقال رجل
أعين وامرأة عيناء أي واسع
(6/27)
العين ثم قال جل وعز (كأنهن بيض مكنون)
(آية 49) قال قتادة أي لم تمر به الأيدي يشبهن بياضه يعني
قتادة الذي داخل القشر قال أبو جعفر يقال كننت الشئ أي
صنته والعرب تشبه المرأة ببيضة النعامة كما قال الشاعر:
كبكر المقاناة أبو البياض بصفرة * غذاها نمير الماء غير
محلل
(6/28)
25 - ثم قال عز وجل (فاقبل بعضهم على بعض
يتساءلون)
(آية 50) يعني أهل الجنة (قال قائل منهم إني كان لي قرين)
(آية 51) قال عطاء الخراساني هذان رجلان أخوان تصدق أحدهما
بماله فعيره أخوه وقال له ما قصا الله جل وعز
(6/29)
وقد روي عن ابن عباس هو الرجل المشرك له
صاحب مؤمن قال له هذا قال مجاهد (قرين) أي شيطان 26 - ثم
قال جل وعز (يقول أئنك لمن المصدقين) (آية 52) المعنى يقول
أئنك لمن المصدقين بأنا مدينون ثم كسرت إن لمجئ اللام قال
مجاهد (مدينون) أي محاسبون (قال هل أنتم مطلعون) أي قال
الذي في الجنة هل أنتم مشرفون (فاطلع فرآه) أي فأشرف فرأى
قرينه (في سواء
(6/30)
الجحيم) أي في وسطها قال الذي في الجنة
(تالله إن كدت لتردين) أي تهلكني وفي قراءة عبد الله
لتغوين ثم قال جل وعز (ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين)
(آية 57)
قال قتادة أي لمن المحضرين في النار ثم قال جل وعز (أفما
نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو
الفوز العظيم) (آية 60) قال قتادة هذا آخر كلامه ثم قال جل
وعز (لمثل
(6/31)
هذا فليعمل العاملون) وقوله جل وعز (أذلك
خير نزلا) (آية 62) أذلك خير نزلا ونزلا أي رزقا والنزل
أيضا الريع والفضل ثم قال تعالى (أم شجرة الزقوم إنا
جعلناها فتنة للظالمين) (آية 62) قال مجاهد قال أبو جهل ما
نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد فنتزقم وقال قتادة فتنوا
بهذا فقالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تأكل الشجر
فقال الله عز وجل (إنها شجرة تحرج في
(6/32)
أصل الجحيم) أي غذاؤها من النار ومنها خلقت
30 - ثم قال جل وعز (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) (آية 65)
(طلعها) أي ثمرها كأنه أول ما يطلع منها ثم قال (كأنه رؤوس
الشياطين) قال أبو العباس يقال لم تر الشياطين فكيف وقع
التشبيه بها؟
وهل يجوز أن يقال كأن زيدا فلان وفلان لا يعرف
(6/33)
فالجواب أن المقصود هو ما وقع عليه التعارف
من المعاني فإذا قيل فلان شيطان فقد علم أن المعنى فلان
قبيح خبيث ومنه قولهم تشيطن إذا تخبث كما قال الشاعر:
أيقتلني والمشر في مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال ولم
تر الغول قط ولا أنيابها ولكن العرب إذا قبحت المؤنث شبهته
بالغول وإذا قبحت المذكر شبهته بالشيطان فهذا جواب صحيح
بين وقد قيل هو نبت باليمن قبيح المنظر شبهت به يقال له
الأستن والشيطان وليس ذلك بمعروف عند العرب
(6/34)
قال أبو جعفر وقيل الشياطين ضروب من الحيات
قباح 31 - وقوله جل وعز (ثم إن له معليه الشوب امن حميم)
(آية 67) قال قتادة أي مزاجا قال أبو جعفر يقال شبت الشئ
بالشئ أي خلطته به فقيل يراد به ههنا شرب الحميم 32 -
وقوله جل وعز (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم
يهرعون) (آية 70)
(6/35)
معنى (ألفوا) وجدوا قال مجاهد يهرعون كهيئة
الهرولة وقال قتادة يسرعون وقيل كأنهم يزعجون من الإسراع
33 - وقوله جل وعز (ولقد ناد ان نوح وحفل فلنعم المجيبون)
(آية 75) قيل بمسألته هلاك قومه فقال (رب لا تذر على
(6/36)
الأرض من الكافرين ديارا) وقيل المعنى دعا
بأن ننجيه من الغرق (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) أي من
الغرق 34 - ثم قال جل وعز (وجعلنا ذريته هم الباقين) (آية
76) روى سعيد عن قتادة الناس كلهم من ذرية نوح صلى الله
عليه وسلم 35 - ثم قال جل وعز (وتركنا عليه في الآخرين)
(آية 78) قال مجاهد وقتادة أي ثناء وقال محمد بن زيد
المعنى وتركنا عليه في الآخرين
(6/37)
يقال سلام على نوح في العلمين أي تركنا
عليه هذه الكلمة باقية 36 - وقوله جل وعز (وإن من شيعته
لإبراهيم) (آية 83)
قال مجاهد أي على منهاجه وسنته وقال قتادة على دينه قال
أبو جعفر المعنى وإن من شيعة نوح قال الفراء المعنى وإن من
شيعة محمد صلى الله عليه وسلم
(6/38)
والأول أشبه لأن ذكر نوح قد تقدم 37 - ثم
قال جل وعز (وإذ جاء ربه بقلب سليم) (آية 84) قال قتادة أي
سليم من الشرك وقال عروة بن الزبير لم يلعن شيئا قط فقال
الله جل وعز (إذ جاء ربه بقلب سليم) 38 - وقوله جل وعز
(أئفكا آلهة دون الله تريدون) (آية 86) قال قتادة أي أكذبا
39 - ثم قال جل وعز (فما ظنكم برب العالمين) (آية 87) روى
سعيد عن قتادة قال أي فما ظنكم برب العالمين وقد
(6/39)
عبدتم غيره إذا لقيتموه 40 - وقوله جل وعز
(فنظر نظرة في النجوم) (آية 88) في معناه ثلاثة أقوال قال
الحسن أي تفكر فيما يعمل إذا كلفوه الخروج قال أبو جعفر
والمعنى على هذا القول فنظر فيما نجم له من الرأي أي فيما
طلع له يقال نجم القرن والنبت إذا طلعا
أي فكر فعلم أنه لبد لكل حي من أن يسقم فقال إني سقيم
(6/40)
قال الخليل يقال للرجل إذا فكر في الشئ كيف
يدبره نظر في النجوم وكذلك قال أبو العباس في معنى هذه
الاية والقول الثاني أن يكون المعنى فنظر فيما نجم من
الأشياء فعلم ان لها خالقا ومدبرا وأنها تتغير وعلم ان ذلك
يلحقه فقال إني سقيم والقول الثالث ما رواه سعيد عن قتادة
أن سعيد بن المسيب قال نظر إلى نجم فقال إني سقيم فكايد عن
دينه قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول فعمل ما يعلمون
من
(6/41)
النظر في النجوم واستدلالهم بها قال سعيد
بن جبير والضحاك (فقال إني سقيم) أي مطعون وكاتوا) يهربون
من الطاعون قال الله جل وعز (فتولوا عنه مدبرين) 41 -
وقوله جل وعز (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون) (آية 91)
أي مال وعدل ومنه الرواغ ثم قال (ألا تأكلون)
(6/42)
تعجبا
أي فقرب إليها الطعام فقال (ألا تأكلون) ؟ فلما لم يرها
تأكل قال ألا تنطقون؟ وقال أبو مالك جاء إلى آلهتهم وكانوا
قد جعلوا بين أيديها طعاما فلما لم تكلمه قال مالكم لا
تنطقون فأخذ فأسا فضرب به حافتيها ثم علقه في عنق أكبرها
42 - وقوله جل وعز (فراغ عليهم ضربا باليمين) (آية 93) قال
أبو جعفر يجوز أن يكون معنى (باليمين) بالقوة كما تقدم
ويجوز أن يريد اليد
(6/43)
وقيل بيمينه حين قال (وتالله لاكيدن
أصنامكم) 43 - ثم قال جل وعز (فأقبلوا إليه يزفون) (آية
94) قال قتادة أي يمشون قال أبو جعفر يقال زف النعام يزف
إذا أسرع وذلك في أول عدوه ويقرأ (يزفون) بضم الياء وأكثر
اهل اللغة لا يعرفه وقد يجوز أن يكون أزف صادف الزفيف
فيكون هذا منه
(6/44)
وحكى الكسائي أنه قرئ (يزفون) بتخفيف الفاء
وأكثر اهل اللغة لا يعرفه أيضا وحكى بعضهم أنه قال وزف يزف
إذا أسرع
44 - ثم قال جل وعز (والله خلقكم وما تعملون) (آية 96) قال
أبو عبيد أي وما تعملون منه الأصنام وتنحتونه عليه وهو
الخشب والحجارة وغيرهما قال قتادة وما تعملون بايديكم
ويجوز أن يكون ما نفيا أي وما تعملونه ولكن الله خالقه
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي وعملكم
(6/45)
ويجوز ان يكون استفهاما فيه معنى التوبيخ
45 - وقوله جل وعز (فأرادوا به كيدا فجعلنا هم الأسفلين)
(آية 98) (الأسفلين) الأذلين حجة قال قتادة ما ناظر هم بعد
ذلك حتى أهلكهم 46 - وقوله جل وعز (وقال إني ذاهب إلى ربي
سيهدين) (آية 99) هاجر إلى الأرض المقدسة
(6/46)
47 - وقوله جل وعز (فلما بلغ معه السعي قال
يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) (آية
102) قال مجاهد (بلغ معه السعي) أي العمل أي شب وقال غيره
بلغ ثلاث عشرة سنة قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك
فانظر ماذا
ترى (آية 102) أي إني أرى في المنام أني سأذبحك أي أمرت
بهذا في المنام وجعل علامة إذا رأيت ذلك أن أذبحك
(6/47)
ويقرأ (ماذا تري) ؟ من الصبر قال أبو إسحاق
لم يقل هذا أحد غيره وإنما قال العلماء المعنى ماذا تشير
وقد روي في الذبيح احاديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال بعض أهل العلم الدليل على أنه إسماعيل
أن إسماعيل كان بمكة وكان الذبح بمنى
(6/48)
وهذا لا يلزم روي عن ابن عباس انه قال كان
الذبح بالشام وقال عبيد بن عمير كان بالشام وإن كان مجاهد
قد قال كان بمنى وقال بعضهم في القرآن ما يدل على أنه
إسماعيل صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (فبشرناه
بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) فدل بهذا على أن إسحاق سيعيش
حتى يولد له فكيف يؤمر بذبحه؟
(6/49)
قال أبو جعفر وهذا ايضا لا يثبت حجة لأنه
يجوز أن
يؤمر بذبحه وقد علم أنه يولد له لأنه يجوز أن يحييه الله
جل وعز بعد ذلك 48 - وقوله جل وعز (فلما اسلما وتله
للجبين) (آية 103)
(6/50)
قال مجاهد أي سلما لأمر الله جل وعز قال
أبو جعفر وفي حرف عبد الله بن مسعود (فلما سلما) يقال سلم
إذا أعطى بيده ورضي ثم قال تعالى (وتله للجبين) أي صرعه
وهما جبينان بين هما الجبهة وجواب (لما) عند البصريين
محذوف كأنه قال سعد والواو عند الكوفيين زائدة كأنه قال
ناديناه 49 - وقوله جل وعز (وفديناه بذبح عظيم) (آية 107)
(6/51)
الذبح المذبوح والذبح المصدر روى ورقاء عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كبير متقبل قال أبو جعفر عظيم
في اللغة يكون للكبير والشريف وأهل التفسير على أنه ههنا
للشريف أي المتقبل 50 - وقوله جل وعز (ولقد مننا على موسى
وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم) (آية 115) روى
سعيد عن قتادة قال من فرعون
51 - ثم قال جل وعز (ونصرناهم فكانوا هم الغالبين) (آية
116) ولم يقل ونصرناهما (لأن الإثنين في الأصل جمع
(6/52)
ويجوز أن يكون كما يخبر عن الواحد بفعل
الجماعة وقيل المعنى ونصرنا موسى وهارون عليهما السلام
وقومهما على فرعون وقومه وهذا هو الصواب لأن قبله
(ونجيناهما وقومهما) 52 - ثم قال جل وعز (وآتيناهما ما
الكتاب المستبين) (آية 117) روى سعيد عن قتادة قال التوراة
قال (وهديناهما الصراط المستقيم) الإسلام 53 - وقوله جل
وعز (وإن إلياس لمن المرسلين) (آية 123)
(6/53)
قيل إلياس هو إدريس وقيل هو من ولد هارون
صلى الله عليهما وسلم والله جل وعز أعلم 54 - وقوله جل وعز
(أتدعون بعلا وتذرونا لا أحسن الخالقين) (آية 125) قال
مجاهد (أتدعون بعلا) أي ربا وقال الضحاك هو صنم لهم يسمى
بعلا قال ابن زيد كانوا ببعلبك وسئل ابن عباس عن هذا فسكت
فسمع رجلا ينشد ضالة فقال له آخر أنا بعلها أي ربها فقال
ابن عباس للسائل
(6/54)
هذا مثل قوله تعالى (أتدعون بعلا) أي ربا
وحكى ابن إسحاق أن بعلا امرأة كانوا يعبدونها قال أبو جعفر
يقال هذا بعل الدار أي ربها فالمعنى أتدعون ربا اختلقتموه
وتذرون أحسن الخالقين؟ وأصل هذا أنه يقال لكل ما علا
وارتفع بعل ومنه قيل بعل المرأة ومنه قيل لما شرب بماء
السماء بعل 55 - وقوله جل وعز (فكذبوه فإنهم لمحضرون) (آية
127) قال قتادة أي في العذاب
(6/55)
وقوله جل وعز (سلام على إل ياسين) (آية
130) قال أبو جعفر من قرأ سلام على إلياسين ففي قراءته
قولان أحدهما ان يكون إلياسين وإلياس واحد كما يقال سيناء
وسينين والثاني ويجوز أن يكون جمعه مع أهل دينه كما يقال
مهالبة 56 - وقوله جل وعز (وإن يونس لمن المرسلين إذ ابق
إلى الفلك المشحون) (آية 140) أي هرب قال طاووس لما ركب
السفينة ركدت فقالوا إن فيها
(6/56)
رجلا مشئوما فقارعوه فوقعت القرعة عليه
ثلاث مرات فرموا به فالتقمه الحوت 57 - وقوله جل وعز
(فساهم فكان من المدحضين) (آية 141) قال مجاهد فكان من
المدحضين أي من المسهومين قال أبو جعفر أصل أدحضته أن
أزلقته وقال ابن عيينة أي من المقمورين 58 - ثم قال جل وعز
(فالتقمه الحوت وهو مليم) (آية 142) قال قتادة أي مسئ
(6/57)
قال أبو جعفر يقال ألام الرجل إذا جاب ما
يلام عليه 59 - وقوله جل وعز (فلولا انه كان من المسبحين
للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (آية 144) روى أبو رزين عن
ابن عباس (من المسبحين) قال من المصلين ثم قال (للبث في
بطنه إلى يوم يبعثون) (آية 144) قال مجاهد أي في بطن الحوت
60 - ثم قال جل وعز (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) (آية 145)
قال يعقوب بن إسحاق قال الفراء (العراء)
(6/58)
المكان الخالي ومنه قول الله جل وعز
(فنبذناه بالعراء وهو
سقيم) قال وقال أبو عبيدة العراء وجه الأرض وأنشد لرجل من
خزاعة: رفعت رجلا لا أخاف عثارها * ونبذت بالبلد العراء
ثيابي 61 - ثم قال جل وعز (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)
(آية 146) روى عمرو بن ميمون عن ابن مسعود قال هي القرع
وقال مجاهد هي كل شجرة على وجه الأرض لا ساق لها
(6/59)
قال أبو جعفر هذا الذي قاله مجاهد هو الذي
تعرفه العرب يقع للقرع والحنظل والبطيخ والكل ما لم يكن
على ساق وكأن اشتقاقه من قطن بالمكان أي أقام به وانشد
سيويه: قواطنا مكة من ورق الحمي 62 - ثم قال جل وعز
(وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون) (آية 147) قال أبو جعفر
في معنى أو أربعة اقوال 1 - قال أبو عبيدة والفراء هي
بمعنى بل وهذا خطأ عند أكثر النحويين الحذاق ولو كان كما
قالا لكان وارسلناه إلى أكثر من مائة ألف واستغنى عن أو
(6/60)
2 - وقال القتبي أو بمعنى الواو وهذا ايضا
خطا لأن فيه بطلان المعاني 3 - وقيل أو للإباحة
4 - وقال محمد بن يزيد أو على بابها والمعنى
(6/61)
أرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم مائة
ألف أو أكثر وروي عن ابن عباس قال أرسل إلى مائة ألف
وثلاثين الفا قال أبو مالك اقام في بطن الحوت أربعين يوما
قال ابن طاووس أنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدباء
فكانت تظله من الشمس ويأكل منها فلما سقطت بكى عليها فأوحى
الله جل وعز إليه أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف أو
يزيد وتابوا فلم أهلكهم قال سعيد بن جبير أرسل الله جل وعز
على الشجرة الأرضة فقطعت أصولها فحزن عليها وذكر الحديث
قال مجاهد كانت الرسالة قبل أن يلتقمه الحوت
(6/62)
قال أبو جعفر حدثنا إبراهيم بن محمد بن
عرفة قال حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا أبو النعمان محمد
بن الفضل قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا شهر بن حوشب عن ابن
عباس قال إنما كانت رسالة يونس صلى الله عليه وسلم بعد ما
نبذه الحوت وتلا هذه الآية (وإن يونس لمن المرسلين) حتى
بلغ إلى قوله (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) قال كانت
الرسالة بعد ذلك 63 - قوله جل وعز (فآمنوا فمتعناهم إلى
حين) (آية 148)
روى معمر عن قتادة قال إلى الموت
(6/63)
64 - وقوله جل وعز (فاستفتهم ألربك البنات
ولهم البنون) (آية 149) أي فاسألهم سؤال توبيخ وروي عن
جماعة من القراء انهم قرءوا (اصطفى البنات على البنين)
بوصل الألف وانكر أبو حاتم هذه القراءة قال أبو جعفر وهي
جائزة على أن يكون مردودا على القول وعلى أنه قد يكون
التوبيخ بغير الف استفهام 65 - وقوله جل وعز (أم لكم سلطان
مبين فائتو بكتابكم إن كنتم
(6/64)
صادقين) (آية 157) قال السدي (سلطان) أي
حجة فائتوا بكتابكم قال بحجتكم أن كتابا جاءكم بهذا 66 -
وقوله جل وعز (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) (آية 158) قال
الفراء الجنة ههنا الملائكة أي قالوا الملائكة بنات الله
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالوا يعني كفار قريش
الملائكة بنات الله فقال أبو بكر فمن أمهاتهن؟ قالوا
مخدرات الجن وروى سعيد عن قتادة قال قالوا صاهر الله جل
وعز الجن
(6/65)
فولدت الملائكة وروى جويبر عن الضحاك في
قوله تعالى (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) قال قالوا إبليس
أخو الرحمن جل وعز 67 - وقوله جل وعز (ولقد علمت الجنة
إنهم لمحضرون) (آية 158) أي ولقد علمت الجنة ان الذين
قالوا هذا لمحضرون العذاب كذا قال السدي وهو صحيح وكذا كل
ما في السورة من محضرين
(6/66)
وقال مجاهد (لمحضرون) الحساب يعني الجن 68
- وقوله جل وعز (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين)
(آية 162) أي ما أنتم به مضلين (إلا من هو صال الجحيم) قال
ابن عباس أي لا تضلون إلا من سبق في قضائي أنه يضل قال
الحسن وإبراهيم ومحمد بن كعب والضحاك هذا معنى قوله (ما
أنتم عليه بفاتنين) أي لن تفتنوا إلا من قضيت عليه بذلك
(6/67)
69 - ثم قال جل وعز (وما منا إلا له مقام
معلوم) (آية 164)
قال الشعبي جاء جبرئيل أو ملك إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه إن
الملائكة لتصلي وتسبح ما في السماء ملك فارغ 70 - وقوله جل
وعز (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) (آية 166) قال
مجاهد وقتادة هذا من قول الملائكة 71 - وقوله جل وعز (وإن
كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين) (آية 168) روي
عن الضحاك قال هذا قول مشركي مكة فلما جاءهم ذكر الأولين
وعلم الآخرين كفروا به فسوف يعلمون
(6/68)
قال أبو إسحاق كان كفار قريش يقولون لو
جاءنا ذكر كما جاء غيرنا من الأولين لأخلصنا العبادة لله
عز وجل فلما جاءهم كفروا به فسوف يعلمون مغبة كفرهم وما
ينزل بهم من العذاب والانتقام منهم في الدنيا والآخرة 72 -
قوله جل وعز (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) (آية
171) أي سبق منا القول لرسلنا إنهم لهم المنصورون أي مضى
بهذا من القضاء والحكم قال الفراء أي سبقت لهم السعادة وهي
في قراءة عبد الله (ولقد سبقت كلمتنا على عبادنا المرسلين)
وقيل أراد بالكلمة قوله عز وجل (كتب الله لأغلبن أنا
ورسلي)
73 - وقوله جل وعز (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين)
(آية 177) أي نزل بهم العذاب ومعنى بساحتهم أي بدارهم
(6/69)
والساحة في اللغة فناء الدار الواسع (فساء
صباح المنذرين) أي فبئس صباح الذين أنذروا بالعذاب وفيه
إضمار أي فساء الصباح صباحهم وفي الحديث (الله أكبر خربت
خيبر إنا إذا انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) 74 -
وقوله جل وعز (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين) (آية 182 180) نزه
سبحانه نفسه عما أضاف إليه المشركون من الصاحبة والولد (رب
العزة) على البدل ويجوز النصب على المدح والرفع بمعنى هو
رب العزة وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى سبحان
الله فقال هو تنزيه الله عن كل سوء تمت سورة الصافات
(6/70)
تفسير سورة ص
مكية وآياتها 88 آية
(6/71)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ص وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (ص) بإسكان الدال
لأنها من حروف التهجي وتقرأ صاد والأجود عند سيبويه فيها
الإسكان ولا تعرب لأن حكمها الوقوف عليها فهي مثل حروف
الهجاء (آلم) (وآلمر) و (ص) إذا جعلته اسما للسورة لم
ينصرف قال مجاهد هو فاتحة السورة وقال قتادة هو اسم من
أسماء الرحمن وقال محمد بن كعب هو مفتاح اسماء الله تعالى
صمد وصادق الوعد
(6/73)
وروي أن الضحاك قال صاد صدق الله وقراءة
الحسن (صاد) بكسر الدال معناها صاد القرآن بعملك يقال
صاديته أي قابلته وهذا مشهور عند أهل اللغة ويجوز أن يكون
كسر لالتقاء الساكنين والفتح من ثلاث جهات: أ - قيل منها
أن يكون قسما الله لأفعلن ب - ومنها أن يكون بمعنى اتل صاد
والقرآن ج - ومنها ان يكون فتح لالتقاء الساكنين
(6/74)
والقراءة بكسر الدال والتنوين لحن عند أكثر
النحويين وإن كان ابن أبي إسحاق من كبراء النحويين إلا ان
بعض النحويين قد أجازها على أن تخفض على القسم أجاز ذلك
سيبويه 2 - وقوله جل وعز (والقرآن ذي الذكر) (آية 1) روى
سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد ومسعر عن ابي حصين في قول
الله جل وعز والقرآن ذي الذكر أي ذي الشرف وهذا مثل قوله
جل وعز (وإنه لذكر لك ولقومك) وقيل معنى (ذي الذكر) فيه
ذكر الأمم وغيرهم
(6/75)
فاما جواب القسم فقيل إنه في قوله (إن ذلك
لحق تخاصم أهل النار) وهذا بعيد جدا لأنه قد اعترضت أقاصيص
وأخبار وقيل الجواب في وقوله تعالى (كم اهلكنا من قبلهم من
قرن) والمعنى لكم أهلكنا وحذفت اللام كما قال تعالى (قد
أفلح من زكاها) وهو مذهب الفراء وقيل الجواب (إن كل إلا
كذب الرسل) وقيل الجواب محذوف أي ما الأمر كما يقول هؤلاء
الكفار ودل على هذا قوله تعالى (بل الذين كفروا في عزة
(6/76)
وشقاق) وهو مذهب قتادة
وهو أولى الأقوال لأن بل قد حلت محل الجواب فاستغنى بها
عنه 3 - ثم خبر الله جل وعز بعنادهم وانحرافهم عن الحق
فقال (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) (آية 2) أي خلاف 4 -
ثم قال جل وعز (كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولا ت
حين مناص) (آية 3) و (كم) للتكثير في كلام العرب 5 - ثم
قال جل وعز (فنادوا) أي بالتوبة والاستغاثة (ولات حين
مناص) (آية 3) روى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس (ولات
(6/77)
حين مناص) قال ليس حين نزو ولا فرار وقال
عكرمة ليس حين انقلاب وقال قتادة نادوا حين لاحين نداء قال
أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة أي ليس حين نداء منجي
والمعنى ليس حين فوت واصله من ناص ينوص إذا تأخر وباص يبوص
الله تقدم كما قال الشاعر: أفمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص *
فتقصر عنه تارة وتبوص
(6/78)
وقوله جل وعز (إن هذا لشئ عجاب) (آية 5)
عجاب وعجيب بمعنى واحد كما تقول طويل
وطوال وكذلك (عجاب) قرأ به أبو عبد الرحمن 7 - ثم قال جل
وعز (وانطلق الملأ منهم أنا امشوا واصبروا على آلهتكم)
(آية 6) روى سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد (وانطلق
الملأ منهم) قال هو وعقبة بن أبي معيط أن
(6/79)
امشوا أن تفسير ويجوز أن يكون معناه بأن
امشوا واصبروا على آلهتكم فخبر الله جل وعز بإقامتهم على
الكفر 8 - وقوله جل وعز (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن
هذا إلا اختلاق) (آية 7) روى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد
وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس قالا (في الملة الآخرة) في
النصرانية
(6/80)
وقال محمد بن كعب يعنون ملة عيسى صلى الله
عليه وسلم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (في الملة الآخرة)
قال ملة قريش وقال قتادة في الملة الآخرة أي ملتنا التي
نحن عليها 9 - وقوله جل وعز (أم عندهم خزائن رحمة ربك
العزيز الوهاب) (آية 9)
قال أبو جعفر هذه الاية مشكلة لذكره هذا بعدما تقدم وفيها
قولان: أحدهما أنها متصلة بقوله (وعجبوا أن جاءهم منذر
منهم) أي إن الله جل وعز له خزائن السموات والأرض وملكهما
فيرسل من يشاء
(6/81)
والقول الآخر أنه لما ذكر عنادهم وكفرهم
وصبرهم على آلهتهم كان المعنى ام عندهم خزائن رحمة ربك
فيحظروها قال على من يريدون أم لهم ملك السموات والأرض وما
بينهما فقررهم بهذا 10 - ثم قال جل وعز (أم لهم ملك
السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب) (آية 10)
أي إن كانوا صادقين فليرتقوا في أبواب السموات قال مجاهد
وقتادة الأسباب أبواب السموات وقال زهير
(6/82)
: ولو نال أسباب السماء بسلم وقيل الأسباب
الجبال أي فليرتقوا في السماء حتى يأتوا بآية وحكى أهل
اللغة أنه يقال للدين الفاضل ارتقى أسباب السموات كما يقال
قد بلغ السماء على التمثيل 11 - ثم قال جل وعز (جند ما
هنالك مهزوم من الأحزاب)
(آية 11) أي هم جند لهؤلاء الآلهة مهزوم أي مقموع ذليل أي
قد انقطعت حجتهم لأنهم لا يصلون إلى أن يقولوا هذا لنا
ويقال تهزمت القرية إذا انكسرت وهزمت الجيش
(6/83)
كسرته ثم قال من الأحزاب قال مجاهد أي من
الأمم الخالية قال أبو جعفر والمعنى أنهم حزب من الأحزاب
الذين تحزبوا على انبيائهم 12 - عن وقوله جل وعز (كذبت
قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) (آية 12) روى سعيد
عن قتادة في وقوله تعالى وفرعون ذو الأوتاد قال كانت له
أوتاد وارسان من وملاعب يلعب بها بين يديه قال أبو جعفر
وقيل كان يجعل الإنسان بين أربعة أوتاد ثم يقتله
(6/84)
وقال الضحاك ذو الأوتاد ذو البناء المحكم
كما قال: في ظل ملك ثابت الأوتاد 13 - ثم قال جل وعز
(وثمود وقوم لوطو في أصحاب الأيكة
أولئك الأحزاب) (آية 13) قال قتادة كان أصحاب الأيكة أصحاب
شجر أكثره من الدوم 14 - وقوله جل وعز (وما ينظر هؤلاء إلا
صيحة واحدة ما لها من فواق) (آية 15) قال مجاهد (ما لها من
فواق) أي من رجوع
(6/85)
وقال قتادة أي ما لها من مثنوية وأبو عبيدة
يذهب إلى أن معنى من فواق بفتح الفاء من راحة ومن فواق بضم
الفاء من انتظار وقال غيره هما لغتان بمعنى وقال السدي
مالهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا قال أبو جعفر أصل
هذا من قولهم فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين المعنى أنها
لا تلبثهم بن حتى يموتوا ولا يحتاج فيها إلى رجوع وافاق من
مرضه رجع إلى الصحة والراحة وإلى هذا ذهب أبو
(6/86)
عبيدة في قوله مالها من راحة 15 - وقوله جل
وعز (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) (آية 16)
قال سعيد بن جبير قطنا أي نصيبنا من الجنة وقال الحسن أي
عقوبتنا وقال مجاهد أي عذابنا
وقال قتادة أي نصيبنا من العذاب وقال عطاء الخراساني أي
قضاءنا أي حسابنا
(6/87)
قال أبو جعفر أصل هذا من قولهم قططت الشئ
أي قطعته فالمعنى عجل لنا نصيبنا أي ما قطع لنا ويجوز أن
يكون المعنى عجل لنا ما يكفينا من قولهم قطني من هذا أي
يكفيني ويروى أنهم قالوا هذا لما انزل الله جل وعز (وأما
من أوتي كتابه وراء ظهره) استهزاء وهذا كما قال: يعطي
القطوط ويأفق يعني الكتب بالجوائز ويدل على هذا قوله تعالى
(إصبر على ما يقولون) (آية 17) 16 - ثم قال جل وعز (واذكر
عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) (آية 17)
(6/88)
قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة أي ذا
القوة في طاعة الله جل وعز قال أبو جعفر الأيد والآد في
اللغة القوة وأيده قواه فانآد هذه كما قال: لم يك يناد
فأمسى انآدا
ثم قال تعالى إنه أواب قال مجاهد أي راجع عن الذنوب وقال
قتادة أي مطيع قال أبو جعفر يقال آب يؤوبف سنة هو آيب إذا
(6/89)
رجع وأواب على التكثير 17 - ثم قال جل وعز
(إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) (آية 18)
إشراق الشمس ضوءها وصفاؤها 18 - ثم قال جل وعز (والطير
محشورة كل له أواب) (آية 19) يجوز أن يكون المعنى كل لله
جل وعز أواب يعني داود والجبال والطير ويجوز أن يكون
المعنى في (كل) للجبال والطير أي ترجع مع داود التسبيح 19
- ثم قال جل وعز (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب)
(آية 20)
(6/90)
قال مجاهد لم يكن في الأرض سلطان أعز من
سلطانه قال السدي كان يحرسه في كل ليلة أربعة آلاف وقيل
(شددنا ملكه) بأن الوحي كان ياتيه وهذا عن ابن عباس وقد
روى عكرمة عن ابن عباس أن رجلين اختصما إلى
داود ففال المستعدي إن هذا اغتصبني بقرا فجحده الآخر فأوحى
الله إلى داود أن يقتلا الذي استعدى عليه فأرسل داود إلى
الرجل إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك فقال الرجل أتقتلني
بغير بينة فقال لايرد أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه
قاتله قال والله ما أخذت بهذا الذنب ولكن كنت اغتلت والد
هذا فقتلته فأمو عمرو به داود فقتل فاشتدت هيبة بني
إسرائيل عند ذلك له
(6/91)
وهو قول الله عز وجل (وشددنا ملكه) 20 - ثم
قال جل وعز (وآتيناه الحكمة) (آية 20) قال أبو العالية أي
المعرفة بكتاب الله جل وعز وقال السدي النبوة وقال مجاهد
هو عدله 21 - ثم قال جل وعز (وفصل الخطاب) (آية 20) قال
الحسن أي الفهم في القضاء
(6/92)
وقال أبو عبد الرحمن وقتادة أي وفصل القضاء
وقال شريح والشعبي وكعب الشهود والأيمان وكذلك روى الحكم
عن مجاهد وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما قال أنفذ وقال
الشعبي فصل الخطاب أما بعد قال أبو جعفر الخطاب في اللغة
والمخاطبة واحد فالمعنى على حقيقة اللغة أنه يفصل أي يقطع
المخاطبة
بالحكم الذي آتاه الله إياه ويقطع ايضا فصلها في الشهود
والأيمان وقيل ش (وفصل الخطاب) البيان الفاصل بين الحق
والباطل
(6/93)
22 - وقوله جل وعز (وهل اتاك نبأ الخصم إذ
تسوروا المحراب) (آية 21) تسوروا أي علو والمحراب كل مكان
مرتفع وقيل محراب للذي يصلى إليه على التمثيل أي هو أرفع
موضع في المسجد وخصم يقع للواحد والاثنين والجميع بلفظ
واحد على معنى ذو خصم ولا اختلاف بين أهل التفسير انه يراد
به ههنا ملكان
(6/94)
23 - وقوله جل وعز (إذ دخلوا على داود ففزع
منهم) (آية 22) قيل دخلا عليه ليلا في غير وقت الخصومة
فلذلك قال (ففزع منهم) وقيل فزع منهما لدخول هما من غير
الباب الذي كان منه المدخل 24 - وقوله جل وعز (قالوا لا
تخف خصمان بغى بعضنا على بعض) (آية 22) على جهة المسألة
كما تقول رجل يقول لامرأته كذا ما يجب
عليه؟ 25 - ثم قال جل وعز (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط
واهدنا إلى سواء الصراط) (آية 22) (فاحكم بيننا بالحق) أي
بالعدل ولا تشطط أي ولا تجر
(6/95)
يقال أشط يشط إذا جار وشط يشط إذا بعد وقد
قرى ولا تشطط أي لا تبعد في الحكم كما قال الشاعر: شطت
مزار العاشقين فأصبحت * عسرا علي طلابها ابنة مخرم واهدنا
إلى سواء الصراط أي إلى قصد السبيل وقال تعالى (اهدنا
الصراط المستقيم) بغير إلى والعرب تحذف حرف الخفض مما
يتعدى إلى مفعولين كما قال الشاعر: ومنا الذي اختير الرجال
سماحة * وبرا إذا هب الرياح الزعازع وقيل معنى اهدنا
الصراط أعلمنا الصراط ومعنى
(6/96)
اهدنا إلى الصراط ارشدنا إلى الصراط 26 -
ثم قال عز وجل (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة
واحدة (آية 23) قال وهب (إن هذا أخي) أي على ديني (له تسع
وتسعون نعجة) والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة كما
قال الشاعر:
فرميت غفلة عينه عن شاته * فاصبت حبة قلبها وطحالها وفي
قراءة ابن مسعود (إن هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى
(6/97)
وكان ههنا مثل قوله (وكان الله غفورا
رحيما) فاما قوله أنثى فقيل هو على جهة التوكيد وقيل لما
كان يقال هذه مائة نعجة وإن كان فيها من الذكور شئ يسير
جاز أن يقال أنثى ليعلم انه لاذكر فيها 27 - ثم قال جل وعز
(ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها) (آية 23) قد جاءت أخبار
وقصص في أمر داود صلى الله عليه وسلم وأوريا وأكثرها لا
يصح ولا يتصل إسناده ولا ينبغي ان يجترأ على مثلها إلا بعد
المعرفة بصحتها
(6/98)
وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبد
الله بن مسعود قال ما زاد داود صلى الله عليه وسلم على ان
قال أكفلنيها أي انزل لي عنها وروى المنهال عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال ما زاد داود على أن قال أكفلنيها أي
تحول لي عنها وضمها
(6/100)
إلي قال أبو جعفر فهذا أجل ما روي في هذا
والمعنى عليه أن داود عليه السلام سأل أو ريا أن يطلق له
امرأته كما يسال الرجل الرجل ان يبيعه جاريته فنبهه الله
جل وعز على ذلك وعاتبه لما كان نبيا وكان له تسع وتسعون
أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا وبالتزيد قبل منها فأما غير
هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه ومعنى أكفلنيها إنزل لي عنها
واجعلني كافلها قال الضحاك (وعزني في الخطاب) أي قهرني وفي
قراءة عبد الله وعازني
(6/101)
قال أبو جعفر يقال عازه أي غالبه وعزه أي
غلبه قال الحسن أي قهره في المحاورة قال أبو جعفر ومنه
قولهم من عز بز ومنه قول زهير: فعزته يداه وكاهله 28 - ثم
قال جل وعز (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) (آية 24)
المعنى بسؤاله نعجتك كما قال تعالى لا يسأم الإنسان من
دعاء الخير ومعنى إلى نعاجه أي مضمومة إلى نعاجه (وإن
كثيرا من الخلطاء)
(6/102)
أي الشركاء والخليط الشريك
29 - ثم قال جل وعز (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر
راكعا وأناب) (آية 24) أي ايقن وقرأ قتادة (أنما فتناه)
بتخفيف النون يعني الملكين وقال معناه صمدا له (فاستغفر
ربه وخر راكعا) قال أبو الأحوص والحسن خر ساجدا وقال مجاهد
سجد أربعين يوما من قبل أن يسأل ربه
(6/103)
شيئا قال سفيان يروى انها قام أربعين يوما
لا يرفع رأسه إلا لصلاة أو حاجة لابد منها قال قتادة
(وأناب) أي تاب 30 - وقوله جل وعز (فغفرنا له ذلك وإن له
عندنا لزلفى وحسن مآب) (آية 25) قال الضحاك (لزلفى) أي
منزلة رفيعة قال أبو جعفر الزلفى في اللغة القربة ومنه
قوله تعالى (وأزلفنا ثم الآخرين) ومنه قوله: مر الليالي
زلفا فزلفا * سماوة الهلال حتى احقوقفا
(6/104)
أي ساعة تقرب من أخرى ثم قال (وحسن مآب)
قال الضحاك أي وحسن
مرجع 31 - ثم قال جل وعز (يا داود إنا جعلناك خليفة في
الأرض) (آية 26) يقال إنه من هذا جاز ان يقال خلفاء 32 -
وقوله جل وعز (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد
بما نسوا يوم الحساب) (آية 26) (بما نسوا يوم الحساب) أي
تركوا العمل له وكانوا ناسين له هذا مذهب السدي وقال عكرمة
هذا من التقديم والتأخير أي لهم يوم الحساب
(6/105)
عذاب شديد (بما نسوا) أي بما تركوا أمر
الله عز وجل والقضاء بالعدل 33 - ثم قال جل وعز (وما خلقنا
السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) (آية
27) أي لما قالوا إنه لاحساب ولا جنة ولا نار قيل لهم هذا
ثم قال جل وعز (فويل للذين كفروا من النار) (آية 27) فأخبر
أنه يعذبهم على ذلك
(6/106)
34 - وقوله جل وعز (كتاب أنزلناه إليك
مبارك) (آية 29) على إضمار هذ ا
ثم قال تعالى (ليدبروا آياته) أي ليفكروا في عواقب ما يكون
منه (وليتذكر أولوا الألباب) أي العقول 35 - وقوله جل وعز
(ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) (آية 30) فيه
سبعة أقوال: أ - قال ابن المسيب الأواب الذي يذنب ثم يتوب
ثم يذنب ثم يتوب ب - وقال سعيد بن جبير الأواب المسبح ج -
وقال قتادة المطيع
(6/107)
د - وقال عبيد بن عمير الذي يذكر ذنبه في
الخلاء فيستغفر منه هـ - ووقيل الراحم و - وقيل التائب ز -
وقال أهل اللغة الرجاع الذي يرجع إلى التوبة 36 - وقوله جل
وعز (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) (آية 31) قال
مجاهد (الصافنات) من الخيل التي ترفع إحدى يديها وتقف على
ثلاث وقال الفراء الصافن القائم
(6/108)
وهذا المعروف في كلام العرب
قال مجاهد الجياد السراع 37 - وقوله جل وعز (فقال إني
أحببت حب الخير عن ذكر ربي) (آية 32) قال الفراء الخير في
كلام العرب والخيل واحد قال أبو جعفر في الحديث الشريف
الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة فكأنها سميت خيرا
لهذا وفي الحديث (لما وفد زيد الخيل على النبي صلى الله
عليه وسلم فقال له لن تزيد الخير)
(6/109)
وهو زيد بن مهلهل الشاعر قال الفراء المعنى
إني آثرت حب الخير قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا ان
المعنى إني أحببت حب الخير حبا فالهاني يحيى عن ذكر ربي
قال قتادة عن صلاة العصر 38 - ثم قال جل وعز (حتى توارت
بالحجاب) (آية 32) في معناه قولان: أحدهما أن المعنى حتى
توارث الشمس وانه قد عرف معنى الضمير كما قال:
(6/110)
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي * الا ليتني
افديك منها وأفتدي أي منها يعني من الفلاة ولم يجر لها ذكر
قال أبو إسحاق لما قال بالعشي كان المعنى بعد زوال الشمس
فجئ بالضمير على هذا وروى أبو اسحاق عن الحارث عن علي رضي
الله عنه قال (الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر)
وقيل حتى توارت بالحجاب يعني الخيل وروى سعيد بن مسروق عن
عكرمة قال كانت الخيل التي شغل بها سليمان عشرين ألف فرس
فقطعها
(6/111)
39 - وقوله جل وعز (ردوها علي فطفق مسحا
بالسوق والأعناق) (آية 33) قال الحسن في قوله تعالى فطفق
مسحا بالسوق والأعناق فقطع أسوقها وأعناقها فأبدله الله جل
وعز مكانها خيرا منها وقيل معنى (فطفق مسحا) اقبل يمسحها
بيده من غير قتل كما روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال
يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها
(6/112)
ومن قال قتلها فذلك على أنه ذكاة أو أنه
أبيح ذلك كما روي عن عبد الله بن عمر أنه أعجبه غلام
فأعتقه 40 - وقوله جل وعز (ولقد فتنا سليمان وألقينا على
كرسيه جسدا ثم اناب) (آية 34) قد رويت في ذلك أخبار: أ -
منها أن شيطانا غلب على ملكه أياما
(6/113)
ب - ومنها أن الشياطين قتلت ابنه خوفا من
أن يملكهم بعده والقته على كرسيه والله اعلم بما كان من
ذلك والكلام يوجب انه أزيل ملكه فجلس آخر على كرسيه 41 -
وقوله جل وعز (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد
من بعدي) (آية 35) أي اعطني فضيلة ومنزلة كما قال إبراهيم
(رب أرني كيف
(6/114)
تحيي الموتى) 42 - وقوله جل وعز (فسخرنا له
الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) (آية 36) قال قتادة
الرخاء اللينة قال الحسن الرخاء ليست بعاصفة ولا هينة بين
ذلك وروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (رخاء
حيث اصاب) قال مطيعة حيث أراد حكى الأصمعي أصاب الصواب
فأخطأ الجواب أي أراد الصواب وحقيقته في اللغة أنه بمعنى
قصد من قولهم أصبت أي قصدت فلم تخطئ
(6/115)
43 - ثم قال جل وعز (والشياطين كل بناء
وغواص) (آية 37) أي من يبني له المحاريب والتماثيل ومن
يغوص في البحر فيخرج الحلية
وقوله جل وعز (وآخرين مقرنين في الأصفاد) (آية 38) قال
قتادة أي في الأغلال قال أبو جعفر يقال صفدت الرجل إذا
شددته وأصفدته أعطيته 44 - ثم قال جل وعز (هذا عطاؤنا أو
أمسك بغير حساب) (آية 39)
(6/116)
قال الحسن والضحاك (هذا عطاؤنا) الملك فأعط
وامنع وقال قتادة هؤلاء الشياطين فاحبس من شئت وسرح من شئت
وعن ابن عباس كان له ثلاثمائة امرأة وتسعمائة سرية هذا
عطاؤنا قال أبو جعفر وأولاها الأول لأن الأول مشتمل على كل
ما أعطي وهو عقيب تلك الأشياء
(6/117)
وروى سفيان عن ابيه عن عكرمة عن ابن عباس
(فامنن) أي أعط أو أمسك بغير حساب أي أمسك فليس عليك حساب
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (بغير حساب) أي بغير حرج
وقال الحسن ليس أحد ينعم عليه بنعمة إلا وهو يحاسب عليها
إلا سليمان ثم قرأ هذا عطاؤنا أي بغير نقتير ويجوز أن يكون
بمعنى لا يحاسب عليه 45 - ثم قال جل وعز (وإن له عندنا
لزلفى وحسن مآب) (آية 40) قال قتادة أي حسن مصير 46 - ثم
قال جل وعز (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني
الشيطان بنصب وعذاب) (آية 41)
(6/118)
ويروى عن الحسن والجحدري وأبي جعفر (بنصب)
بفتح النون والصاد وهما عند أكثر أهل اللغة بمعنى واحد كما
يقال حزن وحزن إلا أن القتبي حكى أن أبا عبيدة قال النصب
الشر والنصب الإعياء قال أبو جعفر يقال أنصبه ينصبه إذا
عذبه وآذاه ومنه: كليني لهم يا أميمة ناصب قال أبو جعفر
وأحسن ما قيل في معنى (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) ما
رواه يوسف بن مهر ان عن ابن عباس قال لما أصاب أيوب صلى
الله عليه وسلم البلاء أخذ إبليس تابوتا وقعد على
(6/119)
الطريق يداوي الناس فجاءته امرأة أيوب
فقالت أتداوي روى رجلا
به علة كذا وكذا فقال نعم بشرط واحد على أني إذا شفيته قال
لي أنت شفيتني لا أريد منه أجرا غير هذا فجاءت امرأة أيوب
إلى ايوب فأخبرته فقال لها ذاك الشيطان والله لئن برأت
لأضربنك مائة فلما برأ أخذ شمراخا فيه مائة فضربها به ضربة
قال أبو جعفر فمعنى النصب على هذا هو ما ألقاه إليه أي
يكون شيئا وسوس به
(6/120)
فأما قول من قال إن النصب ما أصابه في بدنه
والعذاب ما أصابه في ماله فبعيد قال مجاهد عن ابن عباس
ضربها بالأسل قال قتادة أخذ عودا فيه تسعة وتسعون عودا وهو
تمام المائة فضربها به قال مجاهد هذا له خاص وقال عطاء هذا
لجميع الناس قال أبو جعفر البين من هذا أنه خاص لأنه قال
(6/121)
(ولا تحنث) فأسقط عنه الحنث وقال الله جل
وعز (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ومن جلد بشمراخ فيه مائة فإنما
جلد جلدة واحدة 47 - وقوله جل وعز (واذكر عبادنا إبراهيم
وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) (آية 45)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أولي الأيدي) قال القوة
والعبادة والأبصار قال الفقه في دين الله جل وعز قال أبو
جعفر واحد الأيدي يد واليد تقع للقوة وفي قراءة عبد الله
بن مسعود (أولي الأيد) بلا ياء
(6/122)
وهذا بين من قولهم أيده إذا قواه 48 - ثم
قال جل وعز (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) (آية 46) قال
قتادة أي يذكرون بالآخرة وبطاعة الله جل وعز قال أبو جعفر
وهذا قول بين أي إنهم يزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة
وكذا الأنبياء صلى الله عليهم وسلم وقال الضحاك أي بخوف
الآخرة قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول أنهم يذكرون
الآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا
(6/123)
وهذا القول ظاهر معنى الكلمة وقد يكون من
صفتهم أيضا الترغيب في الآخرة وهذان التأويلان على قراءة
من قرأ بالتنوين ومن أضاف قال معناه أخلصناهم بافضل ما في
الآخرة هذا قول ابن زيد والمعنى على هذا القول أنهم يذكرون
بالآخرة ويرغبون فيها
ويزهدون في الدنيا وفي القراءة بالإضافة قول آخر وهو قول
مجاهد يكون المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم 49 -
ثم قال جل وعز (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) (آية
47)
(6/124)
أي هم مصطفون من الذنوب والأدناس 50 -
وقوله جل وعز (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفيل وكل من
الأخيار) (آية 48) قال الأشعري قيل ذو الكفل لأنه كفل بعمل
رجل صالح كان يصلي في كل يوم مائة صلاة فاثنى الله جل وعز
عليه بحسن كفالته ولم يكن نبيا وقيل كفل لبعض الملوك
بالجنة وكتب له كتابا بذلك
(6/125)
والكفل في اللغة النصيب والحظ 51 - وقوله
جل وعز (هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب) (آية 49) (هذا ذكر)
أي شرف وذكر حسن في الدنيا ثم قال (وإن للمتقين لحسن مآب)
أي لهم مع الذكر الحسن في الدنيا حسن مرجع في الآخرة 52 -
ثم بين ذلك فقال (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) (آية 50)
أي أبوابها 53 - وقوله جل وعز (وعندهم قاصرات الطرف أتراب)
(آية 52) روى سعيد عن قتادة قال قصرن طرفهن على أزواجهن
فلا يردن غيرهم قال أبو جعفر وانشد أهل اللغة:
(6/126)
من القاصرات الطرف لودب محول * من الذرفوق
ولم الأتب منها لأثرا الإتب الجلد ثم قال تعالى (أتراب)
قال قتادة على سن واحدة قال مجاهد أي أمثال وحكى السدي
متواخيات لا يتعادين ولا يتغايرن 54 - وقوله جل وعز (إن
هذا لرزقنا ماله من نفاد) (آية 54) أي انقطاع
(6/127)
قال السدي كلما أخذ منه شئ عاد مثله 55 -
وقوله جل وعز (هذا فليذوقوه حميم وغساق) (آية 57) يجوز أن
يكون المعنى هذا حميم وغساق فليذوقوه ويجوز أن يكون المعنى
هذا فليذوقوه منه حميم ومنه غساق كما قال الشاعر: لها متاع
وأعوان غدون لها * قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا
قال قتادة كنا نحدث أن الغساق ما يسيل من بين الجلد واللحم
قال الفراء وهو مذهب الضحاك قيل الغساق شئ
(6/128)
بارد يحرق كما يحرق الحميم قال أبو جعفر
قول قتادة أولى لأنه يقال غسقت عينه إذا سالت وقال ابن زيد
الحميم دموع أعينهم يجمع في حياض النار يسقونه والغساق
الصديد الذي يخرج من جلودهم والاختيار على ذلك (غساق) حتى
يكون مثل سيال 56 - ثم قال جل وعز (وآخر من شكله أزواج)
(آية 58)
(6/129)
وقرأ مجاهد وأبو عمرو بن العلاء (واخر من
شكله) وأنكر أبو عمرو (آخر) لقوله (أزواج) أي لا يخبر عن
واحد بجماعة وأنكر عاصم الجحدري (وأخر) قال ولو كانت وأخر
لكان من شكلها قال أبو جعفر كلا الردين لا يلزم لأنه إذا
قرأ وأخر من شكله جاز أن يكون المعنى وأخر من شكل ما ذكرنا
وأخر من شكل الحميم وأخر من شكل الغساق
وأن يكون المعنى وأخر من شكل الجميع ومن قرأ وآخر من شكله
فقراءته حسنة لأن المعنى للفعل وإذا كان المعنى للفعل خبر
عن الواحد باثنين وجماعة كما تقول
(6/130)
عذاب فلان ضربان وعذابه ضروب شتى ويجوز أن
يكون أزواج لحميم وغساق وآخر قال قتادة من شكله من نحوه
قال يعقوب الشكل المثل والشكل الدل قال عبد الله بن مسعود
وآخر من شكله أزواج الزمهرير حدثنا محمد بن جعفر الأنباري
قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا إسماعيل بن
علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله أزواج قال ألوان من
العذاب
(6/131)
ثم قال جل وعز (هذا فوج مقتحم معكم لا
مرحبا بهم إنهم صالوا النار) (آية 59) (هذا فوج) أي جماعة
0 وفرقة (مقتحم معكم) أي شئ بعد شئ (لا مرحبا بهم إنهم
صالوا النار) لا مرحبا بمعنى لا أصبت رحبا أي سعة بمعنى لا
اتسعت منازلهم في النار الفراء يذهب إلى أن الكلام معترض
وأن المعنى قالوا لا
مرحبا بهم 58 - وقوله جل وعز (قالوا ربنا من قدم لنا هذا
فزده عذابا ضعفا في النار) (آية 61) قال عبد الله بن مسعود
يعني الحيات والأفاعي
(6/132)
59 - ثم قال جل وعز (وقالوا ما لنا لا نرى
رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا) (آية 63 62)
ويقرأ أتخذناهم على الاستفهام وفي القراءة الأولى قولان:
أحدهما وهو قول الفراء أنها على التوبيخ والتعجب قال
والعرب تأتي بالاستفهام في التوبيخ والتعجب ولا تأتي به
والقول الآخر وهو قول أبي حاتم أن المعنى وقالوا ما لنا لا
نرى رجالا اتخذناهم سخريا يجعله نعتا للرجال
(6/133)
ومعنى سخري وسخري بين عند أكثر أهل اللغة
واحد إلا ابا عمرو فإنه زعم أن سخريا يسخرون منهم وسخريا
يسخرونهم ويستذلونهم 60 - ثم قال جل وعز (أم زاغت عنهم
الأبصار) (آية 63) روى ليث عن مجاهد وقالوا ما لنا لا نرى
رجالا قال قال أبو جهل والوليد بن المغيرة ما لنا لا نرى
رجالا؟ قال قالوا أين سلمان أي خباب اين بلال أين عمار
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتخذناهم سخريا
فأخطأنا أمرهم في النار فزاغت أبصارنا عنهم
(6/134)
قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأن أم للتسوية
فصار المعنى على قوله أأخطأنا حديث أم لم نخطئ وقيل هي
بمعنى (بل) والقراءة بوصل الألف بينة حسنة 61 - وقوله جل
وعز (قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون) (آية 68) قال مجاهد
يعني القرآن 62 - وقوله جل وعز (ما كان لي من علم بالملأ
الأعلى إذ يختصمون) (آية 69) قال الحسن يعني الملائكة
اختصموا كما أخبر تعالى عنهم بقوله (إذ قال ربك للملائكة
إني خالق بشرا من
(6/135)
طين) أي حين خلق آدم عليه السلام بيده قال
أبو جعفر وفي الحديث يختصمون في الكفارات وهي إسباغ الوضوء
في المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال أبو جعفر الملأ
في اللغة الأشراف الأفاضل كأنهم مليئون بما يسند إليهم وقد
قيل يجوز أن يكون يعني بالملأ الأعلى ههنا الملائكة (إذ
يختصمون) يعني قريشا لأن منهم من قال الملائكة بنات
(6/136)
الله جل وعز فأعلم الله جل وعز النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك واعلمه أنهم عباده وأنهم (لا يستكبرون
عن عبادته ولا يستحسرون) وقيل يجوز أن يراد بالملأ الأعلى
ههنا أشراف قريش إذ يختصمون فيما بينهم فيوحي الله عز وجل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك والله اعلم بما أراد
وأولى ما قيل فيه ما قاله ابن عباس والسدي وقتادة أن الملأ
الأعلى ههنا الملائكة اختصموا في أمر آدم عليه السلام حين
خلق فقالوا لا تجعل في الأرض خليفة 63 - ثم قال جل وعز (إن
يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) (آية 70)
(6/137)
يجوز أن يكون المعنى: إلا إنذار وأن يكون
المعنى إلا بأنما أنا نذير مبين 64 - وقوله جل وعز (فسجد
الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين)
(آية 74) قال الضحاك قال ابن عباس كان إبليس من أشراف
الملائكة وكان خازن الجنان وكان أمينا على السماء الدنيا
والأرض ومن فيهما فأعجبته نفسه ورأى أن له فضلا على
الملائكة ولم يعلم بذلك أحد إلا الله جل وعز فلما أمر الله
جل وعز الملائكة بالسجود لآدم امتنع وظهر تكبره
(6/138)
65 - وقوله جل وعز قال (فاخرج منها فإنك
رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) (آية 78) قال أبو جعفر
ومعنى إلى يوم الدين إلى اليوم الذي يدان فيه الناس
بأعمالهم قال أهل التفسير رجيم أي ملعون والمعنى مرجوم
باللعنة 66 - وقوله جل وعز (قال فإنك من المنظرين إلى يوم
الوقت المعلوم) (آية 81) ومعناه إلى يوم الوقت المعلوم
الذي لا يعلمه إلا الله جل وعز
(6/139)
67 - وقوله جل وعز (قال فالحق والحق أقول
لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) (آية 85) ويقرأ
بنصب الأول وحكى الفراء أنه يجوز الخفض في الأول قال أبو
جعفر رفعه على ثلاثة معان أ - روي عن ابن عباس فأنا الحق ب
- وروى أبان بن تعلب عن الحكم عن مجاهد قال فالحق مني
وأقول الحق ج - والقول الثالث على مذهب سيبويه والفراء
بمعنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم وكذا
يقول سيبويه في وقوله تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما
(6/140)
رأوا الايات ليسجننه) والنصب بمعنى فالحق
قلت وأقول الحق وقد قال أبو حاتم المعنى فالحق لأملأن أي
فحقا لأملأن وقال قولا آخر وهو أن المعنى فاقول الحق والحق
لأملأن والأولى في النصب القول الأول وهو مذهب أبي عبيدة
والخفض بمعنى القسم حذف الواو ويكون الحق لله جل وعز وقد
اجاز سيبويه الله لأفعلن إلا أن هذا أحسن من ذاك إلا ان
الفاء ههنا تكون بدلا من الواو كما تكون بدلا من الواو في
قوله: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فالهيتها عن ذي تمائم
محول
(6/141)
68 - وقوله جل وعز (قل ما أسالكم عليه من
أجر وما أنا من المتكلفين) (آية 86) قال ابن زيد أي لا
أتخرص وأتكلف ما لم يأمرني الله جل وعز به 69 - وقوله جل
وعز (ولتعلمن نباه بعد حين) (آية 88) أي ولتعلمن أن القرآن
وما أو عدتم فيه حق وروى معمر عن قتادة (ولتعلمن نبأه بعد
حين) قال بعد الموت
وقال السدي يوم بدر
(6/142)
وقال ابن زيد يوم القيامة والحين مبهم فهو
مطلق يقع لكل وقت علموه فيه تمت بعونه تعالى سورة ص
(6/143)