معاني القرآن للنحاس تفسير سورة سبأ
مكية آياتها عنه 54 آية
(5/389)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة سبأ وهي مكية
1 - من ذلك قوله جل وعز الحمد لله الذي له ما في السموات وما
في الأرض وله الحمد في الآخرة آية 1 وهو قوله جل وعز وآخر
دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ثم قال تعالى وهو الحكيم
الخبير آية 1 روى معمر عن قتادة قال حكيم في أمره خبير بخلقه 2
- ثم قال جل وعز يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها آية 2
(5/391)
أي ما يدخل فيها من قطر وغيره وما يخرج
منها من نبات وغيره وما ينزل من السماء وما يعرج فيها من عرج
يعرج إذا صعد 3 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا لا تأتينا
الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب آية 3
أي بلى وربي عالم الغيب لتأتينكم 4 - ثم قال جل وعز لا يعزب
عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض آية 3 روى أبو يحيى عن
مجاهد عن ابن عباس لا يعزب لا يغيب
(5/392)
وقرأ يحيى بن وثاب لا يعزب وهي لغة معروفة
يقال عزب يعزب ويعزب إذا بعد وغاب 5 - وقوله جل وعز والذين
سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم آية 5 قال
قتادة ظنوا أنهم يعجزون الله جل وعز ولن يعجزوه قال أبو جعفر
يقال عاجزة وأعجزه إذا غالبه وسبقه ومن قرأ معجزين أراد مثبطين
المؤمنين كذا قاله ابن الزبير 6 - وقال قتادة في قوله جل وعز
وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق
آية 7
(5/393)
أي إذا أكلتكم الأرض وصرتم عظاما ورفاتا
إنكم لفي خلق جديد أي ستحيون وتبعثون 7 - ثم أعلمهم أن الذي
خلق السموات والأرض يقدر على ذلك وعلى أن يعجل لهم العقوبة
فقال أفلم يروا إلى ما بين أيديهم ومن خلفهم ومن السماء والأرض
إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من
السماء آية 9 أي قطعة إن في ذلك لآية لكل عبد منيب آية 9 قال
قتادة أي تائب 8 - وقوله جل وعز ولقد آتينا داود منا فضلا يا
جبال أوبي معه آية 10
(5/394)
يا جبال أوبي معه أي قلنا قال سعيد بن جبير
ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو ميسرة أوبي أي سبحي وقرأ الحسن
وابن أبي إسحق أولي معه والمعروف في اللغة أنه يقال آب يئوب
إذا رجع وعاد فيكون معنى أوبي أي عودي معه في التسبيح وأوبي في
كلام العرب على معنيين أحدهما على التكثير من أوبي فيكون معنى
أوبي على هذا رجعي معه في التسبيح
(5/395)
الثاني ويقال أوب إذا سار نهارا فيكون معنى
أوبي على هذا سيري معه 9 - وقوله جل وعز وألنا له الحديد آية
10 قال قتادة ألان الله جل وعز له الحديد فكان يعمله بغير نار
وقال الأعمش ألين له الحديد حتى صار مثل الخيوط 10 - ثم قال جل
وعز أن اعمل سابغات وقدر في السرد آية 11 قال قتادة أي دروعا
سابغات
(5/396)
قال أبو جعفر يقال سبغ الثوب والدرع
وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه ثم قال وقدر في السرد
آية 11 قال قتادة السرد المسمار الذي في حلق الدرع قال أبو
جعفر وقال ابن زيد السرد الحلق والسرد في اللغة كل ما عمل
متسقا متتابعا يقرب بعضه من بعض ومنه سرد الكلام قال سيبويه
ومنه رجل سرندي أي جرئ قال لأنه يمضي قدما قال أبو جعفر ومنه
قيل للذي يصنع الدروع زراد وسراد
(5/397)
فالمعنى وهو قول مجاهد وقدر المسامير في
حلق الدرع حتى تكون بمقدار لا يغلظ المسمار وتضيق الحلقة فتفصم
الحلقة ولا توسع الحلقة وتصغر المسمار وتدقه فتسلس الحلقة 11 -
وقوله جل وعز وأسلنا له عين القطر آية 12 قال قتادة أسال الله
جل وعز له عينا من نحاس
أي حتى سالت وظهرت فكان يستعملها فيما يريد قال الأعمش سيلت له
كما يسيل الماء وقيل لم يذب النحاس لأحد قبله 12 - وقوله جل
وعز يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل آية 13 روى أبو هلال
عن قتادة قال محاريب مساجد
(5/398)
وكذلك قال الضحاك قال مجاهد المحاريب دون
القصور والمحاريب في اللغة كل موضع مشرف أو شريف ثم قال جل وعز
وتماثيل قال الضحاك أي صورا قال مجاهد تماثيل أي من نحاس 13 -
ثم قال جل وعز وجفان كالجواب وقدور راسيات قال مجاهد الجوابي
حياض الإبل قال أبو جعفر الجابية في اللغة الحوض الذي يجبى فيه
الشئ أي يجمع ومنه قول الأعشى
(5/399)
نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية الشيخ
العراقي تفهق ويروي كجابية الشيح قال مجاهد راسيات أي عظام
وقال سعيد بن جبير راسيات تفرغ إفراغا ولا
تحمل وقال قتادة راسيات أي ثابتات 14 - ثم قال جل وعز اعملوا
آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور
(5/400)
قال عطاء بن يسار صعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوما المنبر فتلا اعملوا آل داود شكرا فقال ثلاث من
أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود والعدل في الغضب والرضى
والقصد في الفقر والغنى وخشية الله جل وعز في السر والعلانية
قال مجاهد لما قال الله جل وعز اعملوا آل داود شكرا قال داود
لسليمان صلى الله عليهما إن الله جل وعز قد ذكر الشكر فاكفني
صلاة النهار أكفك صلاة الليل قال لا أقدر قال فاكفني قال
الفاريابي أراه قال إلى صلاة الظهر قال نعم فكفاه
(5/401)
وقال الزهري اعملوا آل داود شكرا أي قولوا
الحمد لله وروي عن عبد الله بن عباس قال شكرا على ما أنعم به
عليكم
15 - وقوله جل وعز فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا
دابة الأرض تأكل منسأته آية 14 قال عبد الله بن مسعود أقام
حولا حتى أكلت الأرضة عصاه فسقط فعلم أنه قد مات وقال علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس المنسأة العصا
(5/402)
قال أبو جعفر قيل للعصا منسأة لأنه يؤخر
بها الشئ ويساق بها قال طرفة أمون كألواح الإران نسأتها على
لاحب كأنه ظهر برجد 16 - وقوله جل وعز فلما خر تبينت الجن أن
لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين آية 14 قال
قتادة كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون الغيب فلما مات سليمان
صلى الله عليه وسلم ولم تعلم به الجن تبينت الجن للإنس أنهم لا
يعلمون الغيب وهذا أحسن ما قيل في الآية
(5/403)
والمعنى تبين أمر الجن ويدل على صحته
الحديث المرفوع روى إبراهيم بن طهمان عن عطاء عن السائب عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان
سليمان نبي الله إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما
اسمك فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت فبينما هو يصلي
ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه فقال ما اسمك فقالت الخرنوب
قال لأي شئ أنت قالت لخراب أهل هذا البيت قال اللهم عم على
الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنحتها عصا
فتوكأ عليها حولا لا يعلمون فسقطت فعلمت الإنس أن الجن لا
يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة فشكرت الجن للأرضة
(5/404)
قال قتادة وفي مصحف عبد الله بن مسعود
تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب
المهين ومن قرأ تبينت الجن أراد تبينت الإنس الجن 17 - وقوله
جل وعز لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال آية 15
يروى أن سبأ اسم رجل فيكون على هذا اسما للقبيلة فيمن لم يصرف
وقيل هو اسم موضع
(5/405)
ثم قال تعالى جنتان عن يمين وشمال أي جنة
عن اليمين وجنة عن اليسار 18 - وقوله جل وعز بلدة طيبة ورب
غفور
والمعنى هذه بلدة طيبة والله رب غفور 19 - ثم قال جل وعز
فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم أي فأعرضوا عن أمر الله جل
وعز وشكره فأرسلنا عليهم سيل العرم قال عطاء العرم اسم الوادي
وقيل هو الجرذ الذي أرسل عليهم
(5/406)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس العرم
الشديد وقيل هو المطر العرم أي الشديد وقال قتادة أرسل الله
عليهم جرذا فهدم عرمهم يريد بالعرم السكر قال فغرق جناتهم وخرب
أرضهم عقوبة لهم وهذا أعرف ما قيل في معنى العرم يقال للسكر
عرمة وجمعه عرم سمي بذلك لشدته ومنه قيل فلان عارم قال الشاعر
إذ يبنون من دون سيله العرما
(5/407)
20 - وقوله جل وعز وبدلناهم بجنتيهم جنتين
ذواتي أكل خمط آية 16 الأكل الثمر قال أبو مالك ومجاهد وقتادة
والضحاك الخمط
الأراك وكذا قال الخليل قال أبو عبيدة الخمط كل شجرة فيها
مرارة ذات شوك وقال القتبي في أدب الكاتب يقال للحامضة خمطة
ويقال الخمطة التي أخذت شيئا من الريح وأنشد
(5/408)
عقار كماء النئ ليست بخمطة ولا خلة يكوي
الشروب شهابها 21 - وقوله جل وعز ذلك جزيناهم بما كفروا وهل
نجازي إلا الكفور آية 17 قال طاووس هو المناقشة في الحساب من
نوقش عذب قال أبو جعفر ويبين لك صحة هذا ما رواه أيوب عن ابن
أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب
عذب قالت قلت فإن الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف
يحاسب حسابا يسيرا فقال إنما ذاك العرض ولكن من نوقش الحساب
عذب
(5/409)
قال أبو جعفر المعنى أن المؤمن يكفر عنه
سيئاته والكافر يحبط عمله ويجازى كما قال جل وعز أضل أعمالهم
22 - وقوله جل وعز وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها
قرى ظاهرة آية 18
قال الحسن بين اليمن والشام قال القرى التي باركنا فيها الشام
قال قتادة قرى ظاهرة على الطريق متصلة وقال مجاهد يردون كل يوم
على ماء 23 - ثم قال جل وعز وقدرنا فيها السير سيروا فيها
ليالي وأياما آمنين آية 18 قال قتادة يغدون ويقيلون في قرية
ويروحون ويبيتون في
(5/410)
قرية يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظماء
وإن كانت المرأة لتمر وعلى رأسها مكتلها فلا ترجع إلا وهو ملآن
ثمرا من غير اجتناء قال فبطروا النعمة فقالوا ربنا باعد بين
أسفارنا 24 - قال الله جل وعز وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث
آية 19 وقرأ عبد الله بن عباس وابن الحنفية ربنا باعد بين
أسفارنا قال ابن عباس شكوا ربهم جل وعز
(5/411)
وقرأ يحيى بن يعمر وعيسى ربنا بعد بين
أسفارنا وقرأ سعيد بن أبي الحسن أخو الحسين ربنا بعد بين
أسفارنا
والقراءة الأولى أبين وأهل التفسير يقولون بطروا النعمة وأخبر
الله جل وعز أنه عاقبهم على ذلك إلا أنه يجوز أن يكونوا قالوا
هذا بعدما باعد الله جل وعز بين أسفارهم أو يكونوا لبطرهم إلا
استبعدوا القريب وكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول تفرقوا أيدي
سبأ وأيادي سبأ أي مذاهب سبأ وطرقها
(5/412)
25 - وقوله جل وعز ولقد صدق عليهم إبليس
ظنه آية 20 وهي قراءة الهجهاج ويجوز ولقد صدق عليهم إبليس ظنه
في ظنه روى عن ابن عباس أنه قال قال إبليس خلقت من نار وخلق
آدم صلى الله عليه من طين ضعيفا لأحتنكن ذريته إلا قليلا ويروى
أنه قال قد أعويت فيه آدم على موضعه وعلمه فأنا على ولده أقدر
فصدق ظنه ويبين هذا قوله تعالى ثم لآتينهم من بين آيديهم ومن
خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين وقوله جل
وعز لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم
(5/413)
المخلصين فإنما قال هذا ظنا فصدق ظنه ومن
قرأ صدق صير الظن مفعولا ومن رفع الظن ونصب إبليس أراد ولقد
صدق ظن
إبليس حين اتبعوه 26 - وقوله جل وعز وما كان له عليهم من سلطان
آية 21 أي من حجة إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة أي ما امتحناهم به
إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة علم شهادة فأما علم الغيب فالله جل
وعز عالم به قبل أن يكون
(5/414)
27 - وقوله جل وعز وما له منهم من ظهير آية
22 قال أبو عبيدة من ظهير أي من معين 28 - وقوله جل وعز ولا
تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له آية 23 يجوز أن يكون المعنى
إلا لمن أذن له أن يشفع وأن يكون للمشفوع والأول أبين لقوله
تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم وقرأ ابن عباس حتى إذا فزع عن
قلوبهم أي فزع
(5/415)
الله عز وجل عن قلوبهم يقال فزعته أزلت عنه
الفزع والمعروف من قراءة الحسن حتى إذا فرغ عن قلوبهم أي فرغ
منها الفزع قال عكرمة سمعت أبا هريرة يقول إن النبي الله صلى
الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت
الملائكة بأجنحتها خضعانا لله جل وعز فيسمع كالسلسلة على
الصفوان فيقولون ماذا قال
ربكم فيقال للذي قال الحق وهو العلي الكبير وذكر وذكر الحديث
وقال عبد الله بن مسعود تسمع الملائكة في السماء للوحي
(5/416)
صوتا كصوت الفولاذ على الصفا فيخرون على
جباههم فإذا جلي عنهم قالوا للرسل ماذا قال ربكم فيقولون الحق
الحق وقال قتادة لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله
عليهما وسلم فنزل الوحي خرت الملائكة سجدا حتى إذا فزع عن
قلوبهم أي جلي قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق 29 - وقوله جل
وعز وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين آية 24 المعنى
وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال
مبين ثم حذف وهذا على حسن المخاطبة والتقرير أي قد ظهرت
البراهين وتبين الحق كما يقال قد علمت أينا الكاذب
(5/417)
قال قتادة ثم يفتح بيننا أي يقضي بيننا 30
- وقوله جل وعز وما أرسلناك إلا كافة للناس آية 28
قال مجاهد أي إلى الناس جميعا وقال النبي صلى الله عليه وسلم
أرسلت إلى كل أحمر وأسود 31 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا
لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه آية 31 قال أبو إسحق
يعني الكتب المتقدمة وهم كفار العرب
(5/418)
32 - وقوله جل وعز بل مكر الليل والنهار
آية 33 روى معمر عن قتادة أي بل مكركم بالليل والنهار وقرأ
سعيد بن جبير بل مكر الليل والنهار من الكرور وقرأ راشد وهو
الذي كان ينظر في المصاحف وقت الحجاج بل مكر الليل والنهار
والمعنى وقت مكر الليل والنهار وقوله 33 - جل وعز إلا قال
مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون آية 34 أي رؤساها صلى
ومتكبروها وقال وقادتها
(5/419)
34 - وقوله جل وعز وما أموالكم ولا أولادكم
بالتي تقربكم عندنا زلفى المعنى وما أموالكم بالتي تقربكم ولا
أولادكم بالذين يقربونكم ثم حذف 35 - وقوله جل وعز فأولئك لهم
جزاء الضعف بما عملوا
أي جزاء الضعف الذي أعلمناكموه أنه وهو قوله تعالى من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها 36 - وقوله جل وعز وما أنفقتم من شئ
فهو يخلفه
(5/420)
روى المنهال عن سعيد بن جبير قال في غير
سرف ولا تقتير أي فالله جل وعز يخلفه بالثواب 37 - وقوله جل
وعز وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير آية 44 أي لم يكونوا أهل
كتاب ولم يبعث إليهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم 38 - ثم
قال جل وعز وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم
آية 45
(5/421)
قال قتادة أي كذب الذين قبل هؤلاء وما بلغ
هؤلاء معشار ما أوتي أولئك كانوا أجلد وأقوى وقد أهلكوا قال
أبو جعفر معشار بمعنى عشر ونظير هذه الآية قوله تعالى ولقد
مكناهم فيما إن مكناكم فيه 39 - وقوله جل وعز قل إنما إعظكم
بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى آية 46 قال قتادة أي واحدة
أعظكم بها أن تقوموا لله وهذا وعظهم
والمعنى على قول قتادة إنما أعظكم بخصلة واحدة ثم بينها فقال
أن تقوموا لله مثنى وفرادى
(5/422)
وقال مجاهد بواحدة بطاعة الله جل وعز وقيل
بتوحيده والمعنى على هذا لأن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم
تتفكروا ما بصاحبكم من جنة أي يقوم أحدكم وحده ويشاور غيره
فيقول هل علمت أن هذا الرجل كذب قط أو سحر أو كهن أو شعر ثم
تتفكروا بعد ذلك فإنه يعلم أن ما جاء به من عند الله جل وعز
ويقال إن من تحير في أمر ثم شاور فيه ثم فكر بعد ذلك تبين له
الحق واعتبر 40 - وقوله جل وعز قل ما سألتكم من أجر فهو لكم
(5/423)
أي ما سألتكم من أجر على تأدية الرسالة
ودعائكم إلى القبول فهو لكم 41 - وقوله جل وعز قل إن ربي يقذف
بالحق علام الغيوب يقذف بالحق أي يأتي به قال قتادة بالحق أي
بالقرآن 42 - وقوله جل وعز قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما
يعيد آية 49 أي وأي شئ يبدئ الباطل ويجوز أن تكون ما نافية
(5/424)
قال قتادة الباطل الشيطان ما يخلق أحدا ولا
يبعثه 43 - وقوله جل وعز ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت آية 51 قال
الضحاك هذا في الدنيا قال سعيد بن جبير يخسف بهم بالبيداء فلا
يسلم منهم إلا رجل واحد يخبر الناس بخبر أصحابه قال قتادة هذا
في الدنيا إذا رأوا بأس الله جل وعز وقال الحسن هذا إذا خرجوا
من قبورهم
(5/425)
قال أبو جعفر هذه الآية مشكلة والمعنى على
القول الأول إذا فزعوا في الدنيا حين نزل بهم الموت أو غيره من
بأس الله كما قال جل وعز فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله
وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا
بأسنا والمعنى على قول الحسن إذا فزعوا حين خروجهم من قبورهم
فلا فوت يصلون إليه ولا ملجأ ولا مهرب كما قال قتادة ولات حين
مناص 44 - وقوله جل وعز وأخذوا من مكان قريب أي قريب على الله
جل وعز أي لأنهم حيث كانوا فهم من الله قريب لا يبعدون عنه
وقيل ولو ترى الكفار إذ فزعوا يوم القيامة من مكان قريب
(5/426)
أي من جهنم فأخذوا فقذفوا فيها 45 - وقوله
جل وعز وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد آية 52
قال مجاهد وقالوا آمنا به أي بالله جل وعز وقال قتادة أي بمحمد
صلى الله عليه وسلم وأني لهم التناوش من مكان بعيد آية 52 قال
الحسن وأبو مالك أي التوبة
(5/427)
قال مجاهد التناوش التناول قال قتادة
التناوش تناول التوبة قال أبو جعفر هذا أبينها يقال ناش ينوش
إذا تناول وأنشد النحويون فهي تنوش الحوض نوشا من علا ويقال
تناوش القوم إذا تناول بعضهم بعضا ولم يقربوا كل القرب والمعنى
ومن أين لهم تناول التوبة من مكان بعيد أي يبعد منه تقبل
التوبة
(5/428)
وقرأ الكوفيون التناؤش بالهمز وأنكره بعض
أهل اللغة قال لأن النأش وهو البعد فكيف يكون وأنى لهم البعد
من مكان بعيد قال أبو جعفر وهو يجوز أن تهمز الواو لانضمامها
ويكون بمعنى الأول وروى أبو إسحق عن التميمي عن ابن عباس وأنى
لهم التناوش قال الرد سألوه وليس بحين رد قال مجاهد من مكان
بعيد ما بين الآخرة والدنيا
(5/429)
قال أبو جعفر هذا يرجع إلى الأول 46 - ثم
قال جل وعز وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد
آية 53 أي قد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا حين لا
ينفعهم إيمانهم ويقذفون بالغيب قال قتادة أي بالظن قال يقولون
لا بعث ولا جنة ولا نار قال مجاهد ويقذفون بالغيب من مكان بعيد
قولهم هو ساحر وهو كاهن وهو شاعر 47 - ثم قال جل وعز صلى الله
عليه وسلم وحيل بينهم وبين ما يشتهون آية 54
(5/430)
قال الحسن وحيل بينهم وبين الإيمان لما
رأوا العذاب يعني قبول الإيمان
قال مجاهد حيل بينهم وبين زهرة الدنيا ولذتها وأموالهم
وأولادهم كما فعل بأشياعهم من قبل قال مجاهد أي بالكفار قبلهم
إنهم كانوا في شك مريب فأخبر جل وعز أنه يعذب على الشك انتهت
سورة سبأ
(5/431)
تفسير سورة فاطر
مكية وآياتها 45 آية
(5/433)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة فاطر وهي مكية
435 - من ذلك قوله جل وعز الحمد لله فاطر السموات والأرض آية 1
قال ابن عباس ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم إلي أعرابيان في
بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ثم قال جل وعز جاعل
الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع آية 1 الرسل منهم
جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت صلى الله عليهم وقوله
تعالى أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع أي
أصحاب أجنحة اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة في كل جانب
(5/435)
3 - ثم قال جل وعز يزيد في الخلق ما يشاء
آية 1 أي يزيد في خلق الملائكة ما يشاء وقال الزهري يزيد في
الخلق ما يشاء حسن الصوت والأول أولى 4 - وقوله جل وعز ما يفتح
الله للناس من رحمة فلا ممسك لها آية 2
(5/436)
أي ما يأتي به الله جل وعز من الغيث والرزق
فلا يقدر أحد على رده وقال قتادة من رحمة من خير فلا يقدر أحد
على حبسه 5 - وقوله تعالى لا إله إلا هو فأنى تؤفكون آية 3 أي
فمن أين تصرفون عن التوحيد والإيمان بالبعث بعد البراهين
والآيات 6 - وقوله جل وعز فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور آية 5 روى معمر عن قتادة قال الغرور الشيطان
(5/437)
وروى شعبة عن سماك بن حرب الغرور بضم الغين
فقيل إن هذا لا يجوز لأنه إنما يقال غره غرا ولا يكاد يأتي على
فعول فيما يعتدى إلا شاذا قال أبو جعفر يجوز أن يكون غرور جمع
غار أو جمع غر أو يشبه بقولهم نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما 7
- وقوله جل وعز أفمن رين له سوء عمله فرآه حسنا آية 8 الجواب
محذوف لعلم السامع فيجوز أن يكون المعنى أفمن زين له سوء علمه
كمن هداه الله جل وعز ويكون يدل على هذا المحذوف فإن الله يضل
من يشاء ويهدي من يشاء
(5/438)
ويجوز أن يكون المعنى أفمن زين له سوء عمله
ذهبت نفسك عليه ويكون يدل عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات 8 -
وقوله جل وعز من كان يريد العزة فلله العزة جميعا آية 10 روى
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال من كان يريد العزة بعبادة الأوثان
قال الفراء من كان يريد علم العزة ثم قال فلله العزة جميعا أي
فالله عز وجل يعز من يشاء بطاعته
(5/439)
وقال قتادة فليتعزز بطاعة الله جل وعز قال
أبو جعفر وأولاها الأول لأن الآيات التي قبلها وبخ فيها
المشركون بعبادة الأوثان فكان أولى بهذه أن تكون من جنس الحث
على فراق ذلك أيضا 9 - ثم قال جل وعز إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه آية 10 في معناه ثلاثة أقوال أ - من ذلك
ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه قال الكلام الطيب ذكر الله جل وعز والعمل
الصالح أداء فرائضه
(5/440)
فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل
عمله ذكر الله فصعد إلى الله سبحانه ومن ذكر الله ولم يؤد
فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به قال أبو جعفر وكذلك قال
الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك قالوا العمل
الصالح يرفع الكلام الطيب قال الحسن فإذا كان كلام طيب وعمل سئ
رد القول
على العمل فكان عملك أولى بك من قولك
(5/441)
ب وقال شهر بن حوشب إليه يصعد الكلم الطيب
القرآن والعمل الصالح يرفعه القرآن وروى معمر عن قتادة قال
والعمل الصالح يرفعه الله عز وجل قال أبو جعفر قول قتادة ليس
ببعيد في المعنى لأن الله عز وجل يرفع الأعمال وقول شهر بن
حوشب معناه أن العمل الصالح لا ينفعك إلا مع التوحيد فكأن
التوحيد يرفعه إلا أن القول الأول أولاها وأصحها لعلو من قال
به وأنه في العربية أولى لأن القراء على رفع العمل ولو كان
المعنى والعمل الصالح يرفعه الله أو والعمل الصالح يرفعه الكلم
الطيب لكان الاختيار نصب العمل ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا إلا
شيئا روي عن عيسى بن عمر أنه قال قرأه أناس والعمل الصالح
يرفعه
(5/442)
10 - وقوله جل وعز والذين يمكرون السيئات
لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور آية 10 روى معمر عن قتادة
يبور قال يفسد قال أبو جعفر وقد بين الله جل وعز هذا المكر في
قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك
وروى قيس عن منصور عن مجاهد ومكر أولئك هو يبور قال الرياء 11
- وقوله جل وعز وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب
آية 11 في معنى هذه الآية أقوال أ - فمن أحسنها وأشبهها بظاهر
التنزيل قول الضحاك
(5/443)
قال من قضيت له أن يعمر حتى يدركه الهرم أو
يعمر دون ذلك فكل ذلك بقضاء وكل في كتاب قال أبو جعفر والمعنى
على هذا وما يعمر من معمر أي هرم وفلان معمر أي كبير ولا ينقص
آخر من عمره من عمر الهرم إلا بقضاء من الله عز وجل ب - وروى
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز
وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب قال يكتب عمره
كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهر وكذا وكذا يوما ثم يكتب نقص من
عمره يوم ونقص من عمره شهر ونقص من عمره سنة في كتاب آخر إلى
أن يستوفي أجله فيموت
(5/444)
ج - قال سعيد بن جبير فيما مضى من عمره فهو
النقصان وما يستقبل فهو الذي يعمر
د - وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار أنه قال لما
طعن عمر بن الخطاب لو دعا الله لزاد في أجله فأنكر ذلك عليه
المسلمون وقالوا إن الله عز وجل يقول فإذا جاء أجلهم لا
يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فقال وإن الله تعالى يقول وما يعمر
من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب
(5/445)
هـ - قال الزهري نرى أنه يؤخر ما لم يحضر
الأجل فإذا حضر الإجل لم يزد في العمر ولم يقع تأخير قال أبو
جعفر وقيل في معنى الآية إنه يكون أن يحكم أن عمر الإنسان مائة
سنة إن أطاع وتسعون إن عصى فأيهما بلغ فهو في كتاب إن ذلك على
الله يسير أي إحصاء طويل الأعمار وقصيرها لا يتعذر عليه 12 -
وقوله جل وعز وما يستوي البحران هذا عذب فرات آية 12 قال أبو
عبيدة الفرات أعذب العذوبة والأجاج أملح الملوحة 13 - ثم قال
جل وعز ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها آية
12 الحلية اللؤلؤ والمرجان كما قال تعالى يخرج منهما
(5/446)
اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من الملح قال
أبو جعفر وهذا كثير في كلام العرب لأن البحرين مختلطان فجاز أن
يقال يخرج منهما وإنما يخرج من أحدهما على قول بعض أهل اللغة
14 - ثم قال جل وعز وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله آية
12 قال قتادة أي تجري الفلك مقبلة ومدبرة قال أبو جعفر مخرت
السفينة تمخر وتمخر مخرا ومخورا إذا خرقت الماء 15 - وقوله جل
وعز والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير آية 13
(5/447)
روى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال القطمير
القشرة التي على النواة أي بينها وبين التمرة والفتيل الذي في
شق النواة قال والنقير الحبة التي في وسط النواة 16 - وقوله جل
وعز ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينتئك مثل خبير آية 14 أي
يتبرءون منهم ومن عبادتهم إياهم ويوبخونهم على ذلك ثم قال
تعالى ولا ينبئك مثل خبير وهو الله جل وعز خبير بما يكون لا
يعلمه غيره
(5/448)
17 - وقوله جل وعز ولا تزر وازرة وزر أخرى
آية 18 روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا يؤاخذ أحد بذنب
أحد 18 - ثم قال جل وعز وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه
شئ آية 18 قال مجاهد إلى حملها أي إلى الذنوب فقال قال أبو
جعفر المعنى وإن تدع نفس قد أثقلته الذنوب إلى حملها وهو
ذنوبها لا يحمل من حملها وهو ذنوبها شئ
(5/449)
ولو كان ذا قربى أي ولو كان الذي تدعوه إلى
ذلك أبا أو إبنا أو ما أشبههما 19 - وقوله جل وعز وما يستوي
الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور آية
20 قال قتادة أي كما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن
والكافر وقال غيره المعنى وما يستوي الأعمى عن الحق وهو الكافر
ولا البصير بالهدى وهو المؤمن ولا الظلمات وهي الضلالات ولا
النور وهو الهدى ثم قال تعالى ولا الظل ولا الحرور
(5/450)
قال أبو عبيدة الحرور في هذا الموضع إنما
يكون بالنهار مع الشمس وقيل يعني الجنة والنار وقيل لا يستوي
من كان في ظل من الحق ومن كان في الحرور وقال الفراء الحرور
الحر الدائم ليلا أو نهارا والسموم بالنهار خاصة وقال رؤبة بن
العجاج الحرور بالليل خاصة والسموم بالنهار
(5/451)
قال أبو جعفر وقول أبي عبيدة أشبه لأن الظل
إنما يستعمل في اليوم الشمس 20 - ثم قال جل وعز وما يستوي
الأحياء ولا الأموات آية 22 أي العقلاء والجهال والمراد
بالأحياء الأحياء القلوب بالإيمان والمعرفة والأموات الأموات
القلوب بغلبة الكفر عليها حتى صارت لا تعرف الهدى من الضلال 21
- وقوله جل وعز وإن من أمة إلا خلا فيها نذير آية 24 أي سلف
فيها نبي
(5/452)
22 - وقوله جل وعز ومن الجبال جدد بيض وحمر
مختلف ألوانه
وغرابيب سود آية 27 قال الضحاك أي ألوان مختلفة أي أبيض وأحمر
وأسود قال والجدد الطرائق قال أبو جعفر قال أبو عبيدة الغريب
الشديد السواد 23 - ثم قال جل وعز ومن الناس والدواب والأنعام
مختلف ألوانه كذلك آية 28 قال الضحاك إي من الناس الأبيض
والأحمر والأسود
(5/453)
24 - ثم قال جل وعز إنما يخشى الله من
عباده العلماء آية 28 أي العلماء بقدرته على ما يشاء فمن علم
ذلك أيقن بمعاقبته على المعصية فخافه كما روى علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس إنما يخشى الله من عباده العلماء قال الذين يعلمون
أن الله على كل شئ قدير وفي الحديث كفى بخشية الله علما
وبالغرة به جهلا
(5/454)
25 - وقوله جل وعز ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق
بالخيرات بإذن
الله آية 32 قيل إن الناجي هو المقتصد والسابق وأن قوله تعالى
جنات عدن يدخلونها للمقتصد والسابق هذا مذهب ابن عباس ومجاهد
وعكرمة والحسن وقتادة روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء
عن ابن عباس فمنهم ظالم لنفسه قال كافر
(5/455)
وعن ابن عباس قال الكتاب كل كتاب أنزل وعنه
كلهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم من رواية ابن أبي طلحة عنه
وهذا أولى ما قيل فيها وروى الثوري عن جابر عن مجاهد عن ابن
عباس في قوله عز وجل ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا
إلى آخر الآية قال هذا مثل قوله جل وعز فأصحاب الميمنة ما
أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون
السابقون أولئك المقربون قال فنجت فرقتان قال مجاهد فمنهم ظالم
لنفسه أصحاب المشأمة
(5/456)
ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله
السابقون من الناس كلهم وقال عكرمة فمنهم ظالم لنفسه كما قال
فذوقوا
فما للظالمين من نصير وقال الحسن وقتادة فمنهم ظالم لنفسه
المنافق قال قتادة الكتاب شهادة أن لا إله إلا الله وقيل إن
الفرق الثلاث ناجية قال ذلك عمر وأبو الدرداء وإبراهيم النخعي
وكعب الأحبار
(5/457)
وقال عثمان هم أهل باديتنا يعني الظالم
لنفسه قال عمر سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وقال
أبو الدرداء السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حسابا
يسيرا والظالم لنفسه يؤخذ منه ثم ينجو فذلك قوله جل وعز وقالوا
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وقال كعب هذه الأمة على ثلاث
فرق كلها في الجنة ثم تلا ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من
عبادنا فمنهم ظالم لنفسه إلى قوله جنات عدن يدخلونها فقال
دخلوها ورب الكعبة وبعد هذا للكفار
(5/458)
26 - وهو قوله جل وعز والذين كفروا لهم نار
جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا آية 36 قال محمد بن يزيد الرجال
أربعة جواد وبخيل
ومسرف ومقتصد فالجواد الذي وجه نصيب آخرته ونصيب دنياه جميعا
إلى آخرته والبخيل الذي لا يعطي واحدة منهما حقا والمسرف الذي
يجمعهما للدنيا والمقتصد الذي يلحق بكل واحدة نصيبها أي عمله
قصد ليس بمجتهد
(5/459)
قال أبو إسحق معنى أذهب عنا الحزن أي الهم
بالمعيشة والخوف من العذاب وتوقع الموت وكل ما قاله قد جاء في
التفسير فهو عام لجميع الحزن والمقامة والمقام واحد والنصب
التعب واللغوب الإعياء واللغوب بفتح اللام ما يلغب منه وقرأ
الحسن لا يقضى عليهم فيموتون والمعنى على قراءته لا يقضى عليهم
الموت ولا يموتون 460 - وقوله جل وعز أو لم نعمركم ما يتذكر
فيه من تذكر
(5/460)
قال أبو هريرة وابن عباس ستين سنة وعنه
أيضا أربعين وهذا أشبه لأن في الأربعين تناهي العقل وما قبل
ذلك وما بعده منتقص عنه والله جل وعز أعلم وقال الحسن أيضا
أربعين ويقال إن ابن سبع عشرة داخل
فيها ثم قال تعالى وجاءكم النذير آية 37 قال ابن زيد النبي صلى
الله عليه وسلم
(5/461)
وقيل يعني الشيب والأول أكثر والمعنى على
الثاني حتى شبتم وهو قول ابن عباس 28 - وقوله جل وعز هو الذي
جعلكم خلائف في الأرض آية 39 أي تخلفون من كان قبلكم وتعتبرون
بما نزل بهم 29 - ثم قال جل وعز فمن كفر فعليه كفره آية 39 أي
جزاء كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا آية 39
المقت أسد الإبغاض
(5/462)
30 - وقوله جل وعز قل أرأيتم شركاءكم الذين
تدعون من دون الله آية 40 المعنى عند سيبويه أخبروني عن الذين
تدعون من دون الله على التوقيف 31 - ثم قال جل وعز أروني ماذا
خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات آية 40
أي أعبدتموهم لأنهم خلقوا من الأرض شيئا أم لهم شركة في خلق
السموات أم آتيناهم كتابا بالشركة فهم على بينة منه أي على
بينات منه 32 - وقوله جل وعز إن الله يمسك السموات والأرض أن
تزولا آية 41
(5/463)
المعنى عند البصريين كراهة أن تزولا كما
قال سبحانه واسأل القرية 33 - ثم قال جل وعز ولئن زالتا إن
أمسكهما من أحد من بعده آية 41 يجوز أن يكون المعنى لزوالهما
يوم القيامة ويجوز أن يقال هذا وإن لم تزولا وإن بمعنى ما وهو
يشبه قوله تعالى ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا قال أبو جعفر
وفي الآية سؤال يقال هذا موضع قدرة
(5/464)
فكيف قال إنه كان حليما غفورا فالجواب أنهم
لما قالوا اتخذ الرحمن ولدا كادت الجبال تزول وكادت السموات
ينفطرن وكادت الأرض تخر لعظم ما قالوا فأسكنها الله جل وعز
وأخر عقابهم وحلم عنهم فذلك قوله سبحانه إنه كان حليما غفورا
آية 41
34 - وقوله جل وعز لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم
آية 42 معنى أهدى من إحدى الإمم من اليهود والنصارى 35 - وقوله
جل وعز استكبارا في الأرض ومكر السئ ولا يحيق المكر السئ إلا
بأهله آية 43 ومكر السئ قيل أي ومكر الكفر
(5/465)
ثم قال تعالى ولا يحيق المكر السئ إلا
بأهله أي ولا ينزل مكروه المكر السئ إلا بأهله أي بالذين
يمكرونه 36 - ثم قال جل وعز فهل ينظرون إلا سنة الأولين آية 43
أي فهل ينتظرون إلا سنة الأولين في العذاب حين كفروا 37 -
وقوله جل وعز ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها
من دابة آية 45 قال أبو عبيدة يعني الناس خاصة وعن عبد الله بن
مسعود ما يدل على أنه يعني الناس وغيرهم
(5/466)
قال كاد الجعل يعذب بذنب بني آدم ثم تلا
ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة
الآية قال قتادة قد فعل ذلك في أيام نوح صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى على ظهرها آية 45 قيل قد عرف أن المعنى على ظهر
الأرض قال أبو جعفر والأجود أن يكون الإضمار يعود على ما جرى
(5/467)
ذكره في قوله سبحانه أولم يسيروا في الأرض
38 - وقوله جل وعز فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا
آية 45 فإذا جاء أجلهم أي أجل عقابهم فإن الله كان بعباده
بصيرا أي بصيرا بما يستحق كل فريق منهم إنتهت سورة فاطر
(5/468)
تفسير سورة يس
مكية وآياتها 83 آية
(5/469)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة يس وهي مكية 1
- من ذلك قوله جل وعز يسن والقرآن الحكيم آية 2 وقرأ عيسى
ياسين بفتح النون روى سفيان عن أبي بكر الهذلي عن الحسين يس
قال افتتاح القرآن وروى هشيم عن حصين عن الحسن قال يس
قال يا إنسان وكذلك قال الضحاك
(5/471)
وقال عكرمة هو قسم وقال مجاهد من فواتح
كلام الله جل وعز وقال قتادة هو اسم للسورة وقراة عيسى تحتمل
أن تكون اسما للسورة ونصب بإضمار فعل ويجوز أن يكون الفتح
لالتقاء الساكنين قال سيبويه وقد قرأ بعضهم يسن والقرآن وق
والقرآن يعني بنصبهما جميعا قال فمن قال هذا فكأنه جعله اسما
أعجميا ثم قال اذكر ياسين
(5/472)
قال أبو جعفر هذا يدل على أن مذهب سيبويه
في يس أنه اسم السورة كما قال قتادة قال سيبويه ويجوز أن يكون
يس وص اسمين غير متمكنين فيلزما ثنا الفتح كما ألزمت الأسماء
غير المتمكنة الحركات نحو كيف وأين وحيث وأمس 2 - وقوله جل وعز
إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم آية 3 و 4 خبر بعد خبر ويجوز
أن يكون على صراط مستقيم من صلة
(5/473)
المرسلين أي لمن المرسلين على استقامة من
الحق 3 - وقوله جل وعز تنزيل العزيز الرحيم آية 5 أي الذي أوحي
إليك تنزيل العزيز الرحيم والنصب لأنه مصدر 4 - ثم قال جل وعز
لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون آية 6 قال قتادة قال قوم
لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك من نذير وقال قوم لتنذر قوما
مثل ما أنذر آباؤهم قال أبو جعفر المعنى على القول الثاني
لتنذر قوما بما أنذر
(5/474)
آباؤهم كما قال سبحانه فقل أنذرتكم صاعقة 5
- ثم قال جل وعز لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون آية 7
أي وجب القول عليهم بكفرهم بأن لهم النار وقيل عقوبة على كفرهم
6 - ثم قال جل وعز إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا آية 8 في معنى
هذا أقوال قال الضحاك منعناهم من النفقة في سبيل الله كما قال
تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وقيل هذا في يوم القيامة
إذا دخلوا النار
(5/475)
والماضي بمعنى المستقبل أو لأن الله جل وعز
أخبر به أو على إضمار إذا كان وقيل جعلنا بمعنى وصفنا أنهم كذا
وقد حكى سيبويه أن جعل تأتي في كلام العرب على هذا المعنى وهو
أحد أقواله في قولهم جعلت متاعك بعضه فوق بعض وقوله جل وعز
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا
(5/476)
7 - ثم قال جل وعز فهي إلى الأذقان فهم
مقمحون آية 8 والمعنى فأيديهم إلى الأذقان ولم يجر للأيدي ذكر
لأن المعنى قد عرف كما قال فما أدري إذا يممت وجها أريد الخير
أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي لا يأتليني
وفي قراءة عبد الله بن مسعود إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا ثم
قال تعالى فهم مقمحون آية 8 قال مجاهد أي رافعوا رؤوسهم
وأيديهم على أفواههم
(5/477)
وقال الفراء هو الرافع رأسه الغاض بصره
وقال أبو عبيدة هو الذي يجذب وهو رافع رأسه قال أبو جعفر
المعروف في اللغة أن المقمح الرافع رأسه لمكروه ومنه قيل
لكانونين به شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت فيهما الماء رفعت
رؤوسها من البرد ومنه قوله ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف
كالإبل القماح 8 - ثم قال جل وعز وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن
خلفهم سدا آية 9
(5/478)
قال أبو جعفر السد والسد الجبل والمعنى
أعميناهم كما قال ومن الحوادث لا أبالك أنني ضربت على الأرض
بالأسداد لا أهتدي فيها لموضع تلعة بين العذيب وبين أرض مراد
قال عكرمة كل ما كان من صنعة الله عز وجل فهو سد وما كان من
صنعة المخلوقين فهو سد وقال ابن أبي إسحق كل ما لا يرى فهو سد
وما رئي فهو سد ويروى أنهم أرادوا النبي صلى الله عليه وسلم
بسوء فأحال الله جل وعز
(5/479)
بينهم وبينه أي فصاروا كأن بينهم وبينه سدا
وكأن في أعناقهم
إغلالا كذا قال عكرمة ونزلت في أبي جهل 9 - ثم قال جل وعز
فأغشيناهم فهم لا يبصرون آية 9 التغشية التغطية وروي عن ابن
عباس وعمر بن عبد العزيز فأغشيناهم بالعين غير معجمة كما قال
تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 10 -
وقوله جل وعز إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم آية
12
(5/480)
روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس كانت
الأنصار بعيدة من المسجد فقالوا نأخذ أمكنة تقرب من المسجد
فأنزل الله جل وعز ونكتب ما قدموا وآثارهم فقالوا نثبت مكاننا
وقال مسروق ما من رجل يخطو خطوة إلا كتب الله له حسنة أو سيئة
وقال مجاهد وقتادة آثارهم خطاهم وقال سعيد بن جبير نكتب ما
قدموا أعمالهم وآثارهم ما سنوا بعدهم
(5/481)
11 - وقوله جل وعز واضرب لهم مثلا أصحاب
القرية إذ جاءها المرسلون آية 13 قال عكرمة هي أنطاكية
قال أبو جعفر يقال عندي ضروب من هذا أي أمثال فالمعنى على هذا
ومثل لهم مثلا أي اذكر لهم مثلا أصحاب القرية على البدل أي
اذكر أصحاب القرية والمعنى واذكر خبر أصحاب القرية إذ جاءها
المرسلون 12 - وقوله جل وعز إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما
فعززنا بثالث آية
(5/482)
قال قتادة أرسل إليهم عيسى صلى الله عليه
وسلم اثنين من الحواريين فكذبوهما وقال كعب ووهب أرسل الله جل
وعز إلى أنطيخس الفرعون بأنطاكية وكان يعبد الأصنام اثنين ثم
عزز بثالث قال الفراء الثالث أرسل قبل الإثنين وفي التلاوة
كأنه أرسل بعدهما قال ومعنى فعززنا بثالث فعززنا بتعليم الثالث
(5/483)
قال وفي قراءة ابن مسعود فعززنا بالثالث
وأهل وأهل التفسير على خلاف قوله وقوله ليس بالبين والله أعلم
قال الحسن ومجاهد فعززنا فشددنا قال الفراء وقرأ عاصم فعززنا
خفيفة قال وهو مثل شددنا وشددنا
قال أبو جعفر والمعرو ف في اللغة أن معنى عززنا غلبنا وقهرنا
والمستقبل يفعل بالضم 13 - وقوله جل وعز قالوا إنا تطيرنا بكم
لئن لم تنتهوا لنرجمنكم
(5/484)
قال قتادة أي ما أصابنا من شر فهو بكم ثم
قال تعالى لئن لم تنتهوا لنرجمنكم أي لنقتلنكم رجما 14 - وقوله
جل وعز قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون آية 19
روي عن مجاهد عن ابن عباس قال طائركم معكم أي الأرزاق والأقدار
تتبعكم قال أبو جعفر ومن هذا قوله جل وعز وكل إنسان ألزمناه
طائره في عنقه أي ما يطير له من الخير والشر فهو لازم له في
عنقه على التمثيل
(5/485)
ثم قال تعالى أئن ذكرتم قال قتادة أي أإن
ذكرتم تطيرتم وقرأ أبو رزين أأن ذكرتم والمعنى على قراءته ألأن
ذكرتم بالله أو بالعذاب تطيرتم وقرأ عيسى قالوا طائركم معكم
أين ذكرتم
وقرأ الحسن أين ذكرتم وفسره حيث ذكرتم طائركم معكم 15 - وقوله
جل وعز وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى آية 20 قال مجاهد هو
حبيب النجار
(5/486)
قال قتادة كان يعبد الله جل وعز في غار
فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى فقال للمرسلين أتطلبون على ما
جئتم به أجرا قالوا لا ما أجرنا إلا على الله فقال يا قوم
اتبعوا المرسلين إلى قوله إني آمنت بربكم فاسمعون يقول هذا
للمرسلين وقال كعب ووهب قال هذا لقومه قال قتادة فرجمه قومه
فقال اللهم اهد قومي أحسبه قال فإنهم لا يعلمون فلم يزالوا
يرجمونه حتى أقعصوه فأدخله
(5/487)
الله جل وعز الجنة ولم ينظر الله قومه حتى
أهلكهم قال كعب ووهب وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه فإذا هم
خامدون 16 - وقوله جل وعز قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي
يعلمون آية 29 قال مجاهد في قوله تعالى قيل ادخل الجنة قال قيل
له وجبت لك الجنة 17 - وقوله جل وعز إن كانت إلا صيحة واحدة
فإذا هم خامدون آية 29 وقرأ أبو جعفر إن كانت إلا صيحة واحدة
والمعنى على قراءته إن وقعت عقوبتهم إلا صيحة واحدة
(5/488)
فإذا هم خامدون أي ساكنون بمنزلة الرماد
الخامد 18 - وقوله جل وعز يا حسرة على العباد ما يأتيهم من
رسول إلا كانوا به يستهزءون آية 30 وفي حرف أبي يا حسرة العباد
أي هذا موضع حضور الحسرة قال أبو جعفر وحقيقة الحسرة في اللغة
أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرا 19 - وقوله جل وعز
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون آية
31
(5/489)
قال سيبويه هو بدل من كم أي ألم يروا أن
القرون التي أهلكناهم أنهم لا يرجعون قال محمد بن يزيد هذا لا
يصح ولا يجوز ومعنى ألم يروا ألم يعلموا لأنهم إنما أخبروا
بهذا وكم نصب ب أهلكنا والمعنى ألم يعلموا كم أهلكنا قبلهم من
القرون أي بأنهم إليهم لا يرجعون أي بالاستئصال قال والدليل
على هذا أنها في قراءة عبد الله بن مسعود من أهلكنا قبلهم من
القرون أنهم إليهم لا يرجعون وقرأ الحسن إنهم إليهم لا يرجعون
20 - وقوله جل وعز وإن كل لما جميع لدينا محضرون آية 31
(5/490)
إن بمعنى ما ولما بمعنى إلا وحكى النحويون
بالله لما قمت بمعنى إلا وفي حرف أبي بن كعب وإن منهم إلا جميع
لدينا محضرون 21 - ثم قال جل وعز وآية لهم الأرض الميتة
أحييناها آية 33 أي وعلامة تدل على قدرة الله عز وجل وإحيائه
الموتى الأرض الميتة أحييناها 22 - وقوله جل وعز ليأكلوا من
ثمره وما عملته أيديهم آية 35
(5/491)
روي عن ابن عباس أي ولم تعمله أيديهم وتقرأ
وما عملت أيديهم بمعنى والذي عملت أيديهم 23 - وقوله جل وعز
سبحان الذي خلق الأزواج كلها أي الأصناف من الثمرات والحيوان
وغيرها 24 - وقوله جل وعز وآية لهم اليل نسلخ منه النهار فإذا
هم مظلمون آية 37 يقال سلخت الشئ من الشئ أي أزلته منه وخلصته
حتى لم يبق منه شئ فإذا هم مظلمون فإذا هم مظلمون أي داخلون في
الإظلام
(5/492)
25 - ثم قال جل وعز والشمس تجري لمستقر لها
ذلك تقدير
العزيز العليم آية 38 قيل المعنى إلى موضع قرارها كما جاء في
الحديث تذهب فتسجد بين يدي ربها جل وعز ثم تستأذن بالرجوع
فيؤذن لها آي وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها ويجوز أن تكون
مبتدأة ولمستقر لها الخبر أي لأجل لها وروي عن ابن عباس أنه
قرأ لا مستقر لها أي جارية لا تثبت في موضع واحد وروى الأعمش
عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز
(5/493)
والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت
العرش وقيل إلى أبعد منازلها في الغروب ثم ترجع ولا تجاوزه 26
- وقوله جل وعز والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم
أي وآية لهم القمر ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر قدرناه منازل
والتقدير
(5/494)
قدرناه ذا منازل كما قال سبحانه وإذا
كالوهم أي كالوا لهم
27 - ثم قال جل وعز حتى عاد كالعرجون القديم آية 39 قال قتادة
أي كالعذق هذا اليابس المنحني من النخلة قال أبو جعفر الذي
قاله قتادة هو الذي حكاه أهل اللغة والعذق بكسر العين هو
الكباسة والقنو وأهل مصر
(5/495)
يسمونه الإسباطة وإذا جف شبه به القمر في
آخر الشهر وأوله والعذق بفتح العين النخلة 28 - ثم قال جل وعز
لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار آية
40 قال الضحاك أي لا تجئ الشمس فيغلب ضوءها ضوء القمر ولا يطلع
القمر فيخالط ضوءه ضوء الشمس ولا الليل سابق النهار قال أي لا
يزول من قبل أن يجئ النهار ثم 29 - قال جل وعز وكل في فلك
يسبحون آية 40
(5/496)
كل من سار سيرا فيه انبساط فهو سابح 30 -
ثم قال جل وعز وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون آية
31
(5/497)
قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا أن المعنى
وآية لأهل مكة أنا حملنا ذريات القرون الماضية في الفلك
المشحون 31 - وقوله جل وعز وخلقنا لهم من مثله ما يركبون آية
42
قال ابن عباس وأبو مالك وأبو صالح والحسن يعني السفن وقال عبد
الله بن شداد بن الهاد وعكرمة ومجاهد وقتادة يعني الإبل
(5/498)
قال أبو جعفر والإبل والدواب في البر
بمنزلة السفن في البحر إلا أن الأول أشبه بتأويل ذلك لدلالة
قوله وإن نشأ نغرقهم وإنما الغرق في الماء 32 - وقوله جل وعز
وإن نشأ تغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون قال قتادة أي فلا
مغيث لهم 33 - وقوله جل وعز وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم
وما خلفكم آية 45 قال قتادة أي ما بين أيديكم من الوقائع فيمن
كان قبلكم وما خلفكم قال من الآخرة
(5/499)
والمعنى على قول الحكم بن عتيبة ما بين
أيديكم من الدنيا أي مثل ما أصاب عادا وثمودا وما خلفكم الآخرة
وعلى قول مجاهد ما بين أيديكم من ذنوبكم وما لم تعملوه وعلى
قول ابن عباس وسعيد بن جبير ما بين أيديكم الآخرة وما خلفكم
الدنيا وكذلك قالا في قول الله جل وعز
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم والتقدير في العربية وإذا
قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا
(5/500)
ودل على هذا الحذف قوله تعالى وما تأتيهم
من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 34 - ثم قال جل وعز
وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله آية 47 قال الحسن هم
اليهود 35 - ثم قال جل وعز قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم
من لو يشاء الله أطعمه آية 49 يقولون هذا على التهزؤ 36 -
وقوله جل وعز ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون
(5/501)
وفي حرف أبي وهم يختصمون والمعنى واحد
ويقرأ يخصمون أي يخصم بعضهم بعضا ويجوز أن يكون معناه وهم
يخصمون عند أنفسهم بالحجة من آمن بالساعة 37 - ثم قال جل وعز
فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون آية 5 أي لا يمهلون
حتى يوصوا ولا إلى أهلهم يرجعون أي يموتون مكانهم
(5/502)
ويجوز أن يكون المعنى ولا يرجعون إلى أهلهم
قولا 38 - وقوله جل وعز ونفخ في الصور آية 51 قال أبو عبيدة هو
جمع صورة يذهب إلى أن المعنى ونفخ في الأجسام واحتج بقول
الشاعر * لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال
الخشع * قال أبو جعفر الذي قاله أبو عبيدة لا يعرفه أهل
التفسير ولا أهل اللغة والحديث على أنه الصور الذي ينفخ فيه
إسرافيل صلى الله عليه وأهل اللغة على أن جمع صورة صور
(5/503)
وسيبويه وغيره يذهب إلى أن سور المدينة ليس
بجمع سورة 39 - ثم قال جل وعز فإذا هم من الأجداث إلى ربهم
ينسلون آية 51 أي القبور يقال للقبر جدث وجدف إلى ربهم ينسلون
قال أبو عبيدة أي يسرعون 40 - وقوله جل وعز قالوا يا ويلنا من
بعثنا من مرقدنا آية 52 وفي قراءة عبد الله من أهبنا من مرقدنا
(5/504)
قال أبي بن كعب ينامون نومة قبل البعث
فيجدون لذلك راحة فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا قال
الأعمش بلغني أنه يكف عنهم العذاب بين النفختين فإذا نفخ في
الصور قالوا من بعثنا من مرقدنا قال مجاهد وقتادة هذا قول
الكفار فقال لهم المؤمنون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون
(5/505)
وقيل هذا من قول الملائكة لهم وقيل التمام
عند قوله هذا والمعنى الذي وعد الرحمن حق 41 - وقوله جل وعز إن
أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون آية 55 يقال فلان فاكه أي ذو
فاكهة وتامر أي ذو تمر كما قال الشاعر * أغررتني وزعمت أنك *
لابن بالصيف تامر *
(5/506)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فاكهين فرحين
وفي بعض التفاسير ناعمين فأما فكهون فقال الفراء معناه كمعنى
فاكهين كما يقال حذر وحاذر وهذا أولاها وقال أبو زيد يقال رجل
فكه إذا كان طيب النفس
ضحوكا وقال أبو عبيدة يقال هو فكه بالطعام أو بالفاكهة أو
بأعراض الناس
(5/507)
وقال قتادة فكهون معجبون 42 - ثم قال جل
وعز هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون آية 56 في ظلال
جمع ظل ويجوز أن يكون جمع ظلة فأما ظلل فهو جمع ظلة لا غير قال
ابن عباس وقتادة الأرائك السرر في الحجال وقيل الفرش في الحجال
وقيل: الفرش في الحجال.
(5/508)
وقيل هي الفرش أين كانت وهذا معروف في كلام
العرب قال ذو الرمة خدودا جفت في السير حتى كأنما * يباشرن
بالمعزاء مس الأرائك * 43 - وقوله جل وعز لهم فيها فاكهة ولهم
ما يدعون آية 57 قال أبو عبيدة أي ما يتمنون يقال ادع علي ما
شئت أي تمن قال أبو جعفر هو مأخوذ من الدعاء بالشئ أي كلما
دعوا بشئ أعطوه 44 - ثم قال جل وعز سلام قولا من رب رحيم آية
58
(5/509)
قال الفراء أي لهم ذلك سلام أي مسلم قال
أبو إسحاق سلام بدل من ما أي ولهم أن يسلم الله جل وعز عليهم
وذلك غاية أمنيتهم وفي قراءة عبد الله سلاما قال أبو إسحاق
قولا أي يقول الله ذلك السلام قولا قال الفراء يجوز أن يكون
المعنى ولهم ما يدعون قولا كما تقول عدة
(5/510)
45 - وقوله جل وعز وامتازوا اليوم أيها
المجرمون آية 59 أي انفرزوا ثم عن المؤمنين يقال مزته فانماز
وامتاز وميزته فتميز 46 - وقوله جل وعز ألم أعهد إليكم يا بني
آدم أن لا تعبدوا الشيطان آية 60 أي ألم أتقدم إليكم وأوصيكم
47 - وقوله جل وعز ولقد أضل منكم جبلا كثيرا قال مجاهد أي خلقا
قال أبو جعفر فيه سبعة أوجه قرئ منها بخمسة فأما الخمسة التي
قرئ بها فهي ولقد أضل منكم جبلا
(5/511)
وجبلا وجبلا وجبلا وجبلا وأما الإثنان
اللذان لم يقرأ بهما ف جبلا وجبلا 48 - وقوله جل وعز اليوم
نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم آية 58 وفي قراءة عبد الله بن
مسعود اليوم نختم على أفواههم ولتكلمنا أيديهم في الكلام حذف
على هذه القراءة كما قال تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت
السموات والأرض وليكون من الموقنين
(5/512)
49 - وقوله جل وعز ولو نشاء لطمسنا على
أعينهم فاستبقوا الصراط آية 66 قال الحسن أي لتركناهم عميا
يترددون قال أبو جعفر المطموس والطميس عند أهل اللغة الأعمى
الذي ليس في عينيه شق فاستبقوا الصراط أي ليجوزوا قال مجاهد
الصراط الطريق ثم قال تعالى فأنى يبصرون أي فمن أين يبصرون
(5/513)
50 - ثم قال جل وعز ولو نشاء لمسحناهم رسول
على مكانتهم آية 67 قال الحسن أي لأقعدناهم
وعن ابن عباس قال أي لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم قال أبو
جعفر المكان والمكانة واحد 51 - وقوله جل وعز ومن نعمره ننكسه
في الخلق أفلا يعقلون آية 68 قال قتادة هو الهرم يتغير سمعه
وبصره وقوته كما رأيت
(5/514)
52 - وقوله جل وعز وما علمناه الشعر وما
ينبغي له آية 69 أي ما ينبغي أن يقوله قال أبو إسحاق ليس هذا
يوجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمثل بيت شعر ولكنه
يوجب أنه صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر وأن القرآن لا يشبه
الشعر قال قتادة بلغني أن عائشة قالت لم يتمثل النبي صلى الله
عليه وسلم بيت شعر إلا بيت طرفة ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
... * ويأتيك بالأخبار من لم تزود * فقال ويأتيك من لم تزود
بالأخبار فقال أبو بكر ليس هو كذلك يا رسول الله فقال إني لا
أحسن الشعر ولا ينبغي لي
(5/515)
53 - وقوله جل وعز لينذر من كان حيا ويحق
القول على
الكافرين آية 71
(5/516)
حيا قيل عاقلا وقيل مؤمنا وقال قتادة حي
القلب
(5/517)
54 - وقوله جل وعز أولم يروا أنا خلقنا لهم
مما عملت أيدينا أنعاما العرب تستعمل اليد في موضع القوة والله
أعلم بما أراد 55 - وقوله جل وعز فهم لها مالكون آية 71 أي
ضابطون لأن المقصود ههنا التذليل وأنشد سيبويه * أصبحت لا أملك
السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا * 56 - وقوله جل وعز لا
يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون آية 75
(5/518)
أي أنهم يعبدونهم ويقومون بنصرتهم فهم لهم
بمنزلة الجند قال قتادة يغضبون لهم في الدنيا وهذا بين حسن
وقيل تفسير هذا ما روي في الحديث أنه يمثل لكل قوم ما كانوا
يعبدون من دون الله جل وعز فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند
محضرون إلى النار 57 - وقوله جل وعز أولم ير الإنسان أنا
خلقناه من نطفة فإذا هو
خصيم مبين آية 77 روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال أخذ
(5/519)
العاص بن وائل عظما حائلا ففته فقال يا
محمد أيحيي الله هذا بعد ذا فقال نعم يميتك الله ثم يبعثك ثم
يدخلك نار جهنم فأنزل الله عز وجل أولم ير الإنسان أنا خلقناه
من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من
يحيي العظام وهي رميم إلى آخر السورة قال مجاهد وقتادة نزلت في
أبي بن خلف قال أبو جعفر يقال رم العظم فهو رميم ورمام 58 -
وقوله جل وعز الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه
توقدون آية 80
(5/520)
هو المرخ والعفار تستعمل الأعراب منه
الزنود 59 - ثم قال جل وعز أو ليس الذي خلق السموات والأرض
بقادر على أن يخلق مثلهم بلى آية 81 كما قال سبحانه لخلق
السموات والأرض أكبر من خلق الناس وبلى تأتي بعد النفي ولا
يجوز أن يؤتى ب نعم لو قال لك قائل أما قام زيد فقلت نعم انقلب
المعنى فصار نعم ما قام فإذا قلت بلى صح المعنى
(5/521)
58 - وقوله جل وعز الذي جعل لكم من الشجر
الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون آية 80
(5/522)
هو المرخ والعفار تستعمل الأعراب منه
الزنود 59 - ثم قال جل وعز أو ليس الذي خلق السموات والأرض
بقادر على أن يخلق مثلهم بلى آية 81 كما قال سبحانه لخلق
السموات والأرض أكبر من خلق الناس وبلى تأتي بعد النفي ولا
يجوز أن يؤتى ب نعم لو قال لك قائل أما قام زيد فقلت نعم انقلب
المعنى فصار نعم ما قام فإذا قلت بلى صح المعنى
(5/521)
وهي عند الكوفيين بل زيدت عليها الياء لأن
بل عندهم إيجاب بعد نفي فاختيرت لهذا وزيدت عليها الياء لتدل
على هذا المعنى وتخرج من النسق 60 - وقوله جل وعز فسبحان الذي
بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون آية 83 أي تنزيها للذي بيده ملك
كل شئ وخزائنه فهو يقدر على إحياء الموتى وما يريد وإليه
ترجعون أي تردون وتصيرون بعد مماتكم تمت سورة يس تم الجزء
الخامس من معاني القرآن الكريم بحمد الله وتوفيقه في البلد
الحرام " مكة المكرمة "
(5/522)
|