معاني القرآن للنحاس تفسير سورة لقمان
مكية آياتها 43 آية
(5/275)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة لقمان وهي
مكية قال عبد الله بن عباس هي مكية إلا ثلاث آيات منها فإنهن
نزلن بالمدينة وهن قوله جل وعز ولو أن ما في الأرض من شجرة
أقلام إلى تمام الآيات الثلاث 1 - من ذلك قوله عز وجل ومن
الناس من يشتري لهو الحديث آية 6 روى سعيد بن جبير عن أبي
الصهباء البكري قال سئل عبد الله بن مسعود عن قوله جل وعز ومن
الناس من يشتري لهو الحديث فقال الغناء والله الذي لا إله إلا
هو يرددها ثلاث مرات
(5/277)
وبغير هذا الإسناد عنه والغناء ينبت في
القلب النفاق وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الرجل يشتري
الجارية المغنية تغنيه ليلا أو نهارا وروي عن ابن عمر هو
الغناء وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول وروى علي بن
الحكم عن الضحاك ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال الشرك
(5/278)
وروى جويبر عنه قال الغناء مهلكة للمال
مسخطة للرب مقساة غير للقلب وسئل القاسم بن محمد عنه فقال
الغناء باطل والباطل في النار قال أبو جعفر وأبين ما قيل في
الآية ما رواه عبد الكريم عن مجاهد قال الغناء وكل لعب لهو قال
أبو جعفر فالمعنى ما يلهيه من الغناء وغيره مما يلهي وقد قال
معمر بلغني أن هذه الآية نزلت في رجل من بني عدي يعنى النضر بن
الحارث كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس والروم ويقول
محمد يحدثكم عن عاد وثمود وأنا
(5/279)
أحدثكم عن فارس والروم ويستهزئ بالقرآن إذا
سمعه
2 - وقوله جل وعز ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا آية
6 أي ليضل غيره وإذا أضل غيره فقد ضل وليضل هو أي يئول أمره
إلى هذا كما قال ربنا ليضلوا عن سبيلك 3 - وقوله جل وعز كأن لم
يسمعها كأن في أذنيه وقرا آية 7 قال مجاهد وقرا أي ثقلا 4 -
وقوله جل وعز خلق السموات بغير عمد ترونها
(5/280)
يجوز أن تكون ترونها بمعنى ترونها بغير عمد
ويجوز أن تكون نعتا على قول من قال هي بعمد ولكن لا يرونها قال
أبو جعفر والقولان يرجعان إلى معنى واحد لأن من قال إنها بعمد
إنما يريد بالعمد قدرة الله جل وعز التي يمسك بها السموات
والأرض 5 - ثم قال جل وعز وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم
آية 10 أي جبالا ثابتة وقد رسا أي ثبت أن تميد بكم أي كراهة أن
تميد بكم يقال ماد يميد إذا اشتدت حركته
(5/281)
6 - وقوله جل وعز هذا خلق الله فأروني ماذا
خلق الذين من دونه آية 11 هذا خلق الله يعني ما ذكر من خلق
السموات وغيرها فأروني ماذا خلق الذين من دونه أي مما تعبدونه
7 - ثم أعلم أنهم في ضلال فقال سبحانه بل الظالمون في ضلال
مبين آية 11 8 - ثم قال جل وعز ولقد آتينا لقمان الحكمة آية 12
روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كان
لقمان من سودان مصر
(5/282)
وقال غيره كان في وقت داود النبي صلى الله
عليه وسلم قال وهب بن منبه قرأت من حكمته أرجح من عشرة آلاف
باب قال مجاهد الحكمة التي أوتيها العقل والفقه والصواب في
الكلام من غير نبوة قال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين الله
عز وجل ويقال إن ابنه اسمه ثاران 9 - وقوله جل وعز يا بني لا
تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم قال الأصمعي الظلم وضع الشئ في
غير موضعه
(5/283)
قال أبو جعفر الشرك نسب نعمة الله جل وعز
إلى غيره
لأن الله جل وعز الرزاق والمحيي والمميت وقال هو ظالم لنفسه 10
- ثم قال جل وعز ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على
وهن آية 14 وقرأ عيسى وهنا على وهن قال الضحاك الوهن الضعف
وكذلك هو في اللغة يقال وهن يهن ووهن يوهن ووهن يهن مثل ورم
يرم إذا ضعف يعني ضعف الحمل وضعف الطلق وضعف النفاس
(5/284)
11 - ثم قال جل وعز وفصاله في عامين أن
اشكر لي ولوالديك آية 14 وفصاله في عامين أي فطامه في عامين أن
اشكر لي ولوالديك على التقديم والتأخير والمعنى ووصينا الإنسان
أن اشكر لي ولوالديك 12 - ثم قال جل وعز وإن جاهداك على أن
تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما آية 15 يروى أنها نزلت في
سعد بن أبي وقاص
(5/285)
13 - ثم قال جل وعز وصاحبهما في الدنيا
معروفا آية 15 أي مصاحبا معروفا يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا
ومعروفا أي ما يحسن
14 - ثم رجع إلى الإخبار عن لقمان فقال يا بني إنها إن تك
مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت
بها الله آية 16 وهذا على التمثيل كما قال سبحانه فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره قال سفيان بلغني أنه الصخرة التي عليها
الأرضون وروى أن ابن لقمان سأله عن حبة وقعت في مقل البحر أي
في مغاصه أحمد فأجابه بهذا
(5/286)
قال أبو مالك يأت بها الله أي يعلمها الله
15 - ثم قال جل وعز إن الله لطيف خبير آية 16 قال أبو العالية
أي لطيف باستخراجها خبير بمكانها 16 - وقوله جل وعز ولا تصعر
خدك للناس آية 18 وقرأ الجحدري ولا تصعر ويقرأ ولا تصاعر قال
الحسن وقتادة والضحاك في قوله تعالى ولا تصعر الإعراض عن الناس
قال قتادة لا تتكبر فتعرض وقال إبراهيم هو التشدق
(5/287)
قال أبو الجوزاء يقول بوجهه هكذا ازدراء
بالناس قال أبو جعفر أصل هذا من الصعر وهو داء يأخذ
الإبل تلوي منها أعناقها فقيل هذا للمتكبر لأنه يلوي عنقه
تكبرا وتصعر على التكثير وتصعر تلزم نفسك بهذا لأنه يفعله ولا
داء به وتصاعر أي تعارض بوجهك 17 - ثم قال جل وعز ولا تمش في
الأرض مرحا آية 18 أي متبخترا متكبرا 18 - وقوله جل وعز واقصد
في مشيك واغضض من صوتك آية 19 واقصد في مشيك أي يكون متوسطا
روى حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب واقصد في مشيك قال من
السرعة
(5/288)
ثم قل واغضض من صوتك آية 19 أي انقص منه
وقد غض بصره ومنه فلان يغض من الناس 19 - ثم قال تعالى إن أنكر
الأصوات لصوت الحمير آية 19 أي أقبحها ومنه أتانا بوجه منكر 20
- ثم قال جل وعز ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما
في الأرض آية 20 ما في السموات يعني الشمس والقمر والنجوم وما
في الأرض من البحار والدواب وغيرها
21 - ثم قال جل وعز وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة آية 20 وقرأ
ابن عباس وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة على التوحيد وقال هو ومجاهد
هي الإسلام
(5/289)
ويجوز أن تكون نعمة بمعنى نعم كما قال
سبحانه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها 22 - وقوله جل وعز ومن
سلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى آية 22
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس فقد استمسك بالعروة الوثقى قال
لا إله إلا الله 23 - وقوله جل وعز ولو أن ما في الأرض من شجرة
أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله آية
27 في رواية أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال قالت
اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم بلغنا أنك تقول وما أوتيتم من
(5/290)
العلم إلا قليلا فهذا لنا أو لغيرنا فقال
صلى الله عليه وسلم للجميع فقالوا أما علمت أن الله أعطى موسى
التوراة وخلفها فينا ومعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم
التوراة وما فيها من الأنباء في علم الله جل وعز قليل فأنزل
الله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده
سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إلى تمام ثلاث آيات قال أبو جعفر
فقد تبين أن الكلمات ههنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء لأنه
علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السموات والأرض من شئ
وعلم ما فيه من مثاقيل الذر وعلم الأجناس كلها وما فيها من
شعرة وعضو وما في الشجرة من ورقة وما فيها من ضروب الخلق وما
يتصرف فيه من ضروب الطعم واللون فلو سمى كل دابة وحدها وسمى
أجزائها على ما يعلم من قليلها وكثيرها وما تحولت عليه في
الأحوال وما زاد فيها في كل زمان وبين كل شجرة وحدها وما تفرعت
عليه وقدر ما ييبس من ذلك في كل زمان ثم
(5/291)
كتب البيان عن كل واحد منها على ما أحاط
الله عز وجل منها ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين
الله عز وجل تلك الأشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان
عن تلك الأشياء أكثر 24 - وقوله جل وعز ما خلقكم ولا بعثكم إلا
كنفس واحدة إن الله سميع بصير قال مجاهد إنما يقول كن فيكون
القليل والكثير 25 - وقوله جل وعز فلما نجاهم إلى البر فمنهم
مقتصد آية 32 قال مجاهد فمنهم مقتصد في القول وهو كافر وقيل
مقتصد أي مقتصد في فعله خبر أن منهم من لا يشرك 26 - وقوله جل
وعز وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور
آية 32 قال مجاهد وقتادة الختار الغدور
(5/292)
قال أبو جعفر الختر في كلام العرب أقبح
الغدر 27 - وقوله جل وعز فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور آية 33 قال مجاهد والضحاك الغرور الشيطان 28 -
وقوله جل وعز إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث روي عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمسة وقد
ذكرنا هذا بإسناده في سورة الأنعام في قوله تعالى وعنده مفاتح
الغيب الآية انتهت سورة لقمان
(5/293)
تفسير سورة السجدة
مكية وآياتها 30 آية
(5/295)
بسم الله الرحمان الرحيم سورة السجدة وهي
مكية قال عبد الله بن عباس إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة وفي
رجلين من قريش وهن أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا إلى آخر
الآيات الثلاث 1 - من ذلك قوله جل وعز آلم تنزيل الكتاب لا ريب
فيه من رب العالمين
المعنى هذا تنزيل الكتاب وقيل المعنى آلم من تنزيل الكتاب
(5/297)
ويجوز أن يكون المعنى تنزيل الكتاب لا شك
فيه وقد بينا معنى آلم ولا ريب فيه في سورة البقرة 2 - وقوله
جل وعز أم يقولون افتراه آية 3 أي بل أيقولون افتراه 3 - وقوله
جل وعز يدبر الأمر من السماء إلى الأرض أي يقضي القضاء في
السماء ثم ينزله إلى الأرض 4 - وقوله جل وعز ثم يعرج إليه في
يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون آية 5 قال أبو جعفر هذه
الآية مشكلة وقد قال في موضع آخر في يوم كان مقداره خمسين ألف
سنة ولأهل التفسير فيها أقوال أ - من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل
قال حدثنا عبد الله بن
(5/298)
صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن
أبي طلحة عن ابن عباس في يوم كان مقداره ألف سنة قال هذا في
الدنيا وقوله جل وعز في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال فهذا
يوم القيامة جعله الله عز وجل على الكفار مقدار خمسين ألف سنة
ب - وحدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو داود
سليمان بن داود قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد
الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن وهب بن منبه في يوم
كان مقداره ألف سنة قال ما بين أسفل الأرض إلى العرش ج قال ابن
أبي نجيح عن مجاهد وفي ذلك قال الدنيا من أولها
(5/299)
إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم
مضى منها ولا كم بقي قال أبو جعفر وقيل يوم القيامة أيام فمنه
ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة قال أبو جعفر
يوم في اللغة بمعنى وقت فالمعنى على هذا تعرج الملائكة والروح
إليه في وقت مقداره ألف سنة وفي وقت آخر أكثر من ذاك وعروجا
أكثر من ذاك مقداره خمسون ألف سنة 5 - وقوله جل وعز الذي أحسن
كل شئ خلقه آية 7 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتقنه
(5/300)
قال وهو مثل قوله تعالى أعطى كل شئ خلقه أي
لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ولا خلق البهيمة على خلق
الإنسان وقيل أي لم يعجزه
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه خصيف عن عكرمة عن ابن عباس في
قوله جل وعز أحسن كل شئ خلقه قال أحسن في خلقه جعل الكلب في
خلقه حسنا قال أبو جعفر ومعنى هذا أحسن في فعله كما تقول أحسن
فلان في قطع اللص 6 - وقوله جل وعز ثم جعل نسله من سلالة من
ماء مهين آية 8 السلالة للقليل مما ينسل والمهين الضعيف
(5/301)
7 - وقوله جل وعز وقالوا أئذا ضللنا في
الأرض أئنا لفي خلق جديد آية 10 وروى عن الحسن أنه قرأ صللنا
بفتح اللام وروى بعضهم بكسر اللام قال مجاهد ضللنا أي أهلكنا
قال أبو جعفر معنى ضللنا صرنا ترابا وعظاما فلم نتبين وهو يرجع
إلى قول مجاهد ومعنى صللنا بفتح اللام أنتنا وتغيرنا وتغيرت
صورنا يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن وتغير ويجوز أن يكون من
الصلة وهي الأرض اليابسة ولا يعرف صللنا بكسر اللام
(5/302)
8 - وقوله جل وعز ولو ترى إذ المجرمون
ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعما صالحا
آية 12 في الكلام حذف والمعنى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا
رؤوسهم عند ربهم لرأيت ما تعتبر به اعتباره شديدا والمعنى
يقولون ربنا ثم حذف القول أيضا 9 - وقوله جل وعز ولو شئنا
لآتينا كل نفس هداها آية 13 أي لو شئنا لأريناهم آية تضطرهم
إلى الإيمان كما قال تعالى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية
فظلت أعناقهم لها خاضعين 10 - ثم قال جل وعز ولكن حق القول مني
لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين آية 13 قال قتادة أي
بذنوبهم
(5/303)
11 - وقوله جل وعز تتجافى جنوبهم عن
المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا آية 16 روى قتادة عن أنس قال
يتيقظون بين العشاء والعتمة فيصلون وقال عطاء لا ينامون قبل
العشاء حتى يصلوها وقال الحسن ومجاهد يصلون في جوف الليل
(5/304)
وكذلك قال مالك والأوزاعي
وهذا القول أشبهها لجهتين إحداهما أن أبا وائل روى عن معاذ بن
جبل قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على أعمال
الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار
وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى
يعملون والجهة الأخرى أنه جل وعز قال فلا تعلم نفس ما أخفي لهم
من قرة أعين حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي قال حدثنا محمد
بن عبد الرحمن السلمي قال حدثنا عمرو بن عبد الوهاب قال حدثنا
أبو أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن
(5/305)
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ من قرات
أعين فهذه بصلاة الليل أشبه لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي
روى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
قال ربكم أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر اقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم
من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون 306 - وقوله جل وعز أفمن
كان مؤمنا كمن كان فاسقا آية 18 روى أبو عمرو بن العلاء عن
مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في رجلين من قريش إلى تمام الآيات
الثلاث
(5/306)
وقال ابن أبي ليلى نزلت في علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه ورجل من قريش وقيل نزلت في علي عليه السلام
والوليد بن عقبة بن أبي معيط فشهد الله جل وعز لعلي بن أبي
طالب بالإيمان وأنه في الجنة 13 - فقال جل وعز أما الذين آمنوا
وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى آية 19 وجاء على الجمع لأن
الاثنين جماعة ويكون لجميع المؤمنين وإن كان سبب النزول مخصوصا
لإبهام من
(5/307)
14 - وقوله جل وعز ولنذيقنهم من العذاب
الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون آية 21 روى أبو الضحى
عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال
يوم بدر لعلهم يرجون لعلى من تقى منهم يتوب وروى إسرائيل عن
أبي إسحق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله ولنذيقنهم من
العذاب الأدنى قال سنون أصابت قوما قبلكم وروى عكرمة عن ابن
عباس ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال الحدود
(5/308)
وقال علقمة والحسن وأبو العالية والضحاك
قالوا المصيبات في الدنيا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال
القتل والجوع لقريش في لدنيا دون العذاب الأكبر يوم القيامة في
الآخرة وروى أبو يحيى عن مجاهد قال العذاب الأدنى عذاب القبر
وعذاب الدنيا وروى الأعمش عن مجاهد قال المصيبات وهذه الأقوال
ليست بمتناقضة وهي ترجع إلى أن معنى الأدنى ما كان قبل يوم
القيامة
(5/309)
15 - وقوله جل وعز ولقد آتينا موسى الكتاب
فلا تكن في مرية من لقائه آية 23 قيل الهاء للكتاب واسم موسى
صلى الله عليه وسلم مضمر والمعنى الهاء لموسى وحذف الكتاب لأنه
تقدم ذكره وهذا أولى والمعنى فلا تكن في شك من تلقي موسى
الكتاب بالقبول ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لجميع
الناس ويجوز أن يكون المعنى قل لهذا الشاك ويجوز أن يكون
المعنى فلا تكن في شك من تلقي هذا الخبر بالقبول
قال قتادة معنى ذلك فلا تكن في شك من أنك لقيته أو تلقاه ليلة
أسري به
(5/310)
واختار هذا القول بعض أهل العلم لأن ابن
عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أريت ليلة أسري
بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة
الحديث فالتقدير على هذا فلا تكن في مرية من لقائه أنه قد رأى
موسى ليلة أسري به وتأول وجعلناه بمعنى وجعلنا موسى هدى أي
رشادا لبني إسرائيل يرشدون باتباعه ويصيبون الحق بالاقتداء به
وقد روى سعيد عن قتادة وجعلناه هدى لبني إسرائيل قال جعل الله
موسى هدى لبني إسرائيل
(5/311)
16 - وقوله جل وعز أو لم نهد لهم كم أهلكنا
من قبلهم من آية 26 القرون أي أولم نبين لهم 17 - وقوله جل وعز
أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز آية 27 قال مجاهد
هي الأرض التي لا تنبت قال الضحاك هي الأرض التي لا نبات بها
قال أبو جعفر الجرز في اللغة الأرض اليابسة المحتاجة إلى
الماء التي ليس فيها نبات كأنها أكلت ما فيها ومنه قيل رجل
جروز إذا كان أكولا
(5/312)
18 - وقوله جل وعز ويقولون متى هذا الفتح
إن كنتم صادقين آية 28 قال مجاهد هو يوم القيامة وقال قتادة
الفتح القضاء وقال الفراء والقتبي فتح مكة قال أبو جعفر والقول
الأول أولى لقوله تعالى قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا
إيمانهم آية 29 وسمى فتحا لأن الله جل وعز يفتح فيه على
المؤمنين
(5/313)
أو لأن القضاء فيه كما قال تعالى ربنا افتح
بيننا وبين قومنا بالحق أي اقض 19 - ثم قال جل وعز فأعرض عنهم
وانتظر إنهم منتظرون ثم نسخ هذا بالأمر بالقتال انتهت سورة
السجدة
(5/314)
تفسير سورة الأحزاب
مدنية وآياتها يقول 73 آية
(5/315)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب وهى مدنية قال ابن عباس وهي مدنية 1 - من ذلك
قوله جل وعز يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين
والمنافقين آية 1 معناه اثبت على تقوى الله كما قال سبحانه يا
أيها الذين آمنوا آمنوا 2 - ثم قال جل وعز إن الله كان عليما
حكيما آية 1 أي عليما بما يكون قبل أن يكون حكيما فيما يخلقه
قبل أن يخلقه
(5/317)
3 - وقوله جل وعز ما جعل الله لرجل من
قلبين في جوفه آية 4 قال أبو جعفر في معنى هذا ونزوله ثلاث
أقوال فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة
قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قال قتادة كان رجل
لا يسمع شيئا إلا وعاه فقال الناس ما يعي هذا إلا أن له قلبين
فكان يسمى ذا القلبين فقال الله عز وجل ما جعل الله لرجل من
قلبين قال معمر وقال الحسن كان رجل يقول إن نفسا تأمرني بكذا
ونفسا تأمرني بكذا فقال الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه وروى أبو هلال عن عبد الله بن بريدة قال كان في
الجاهلية
رجل يقال له ذو قلبين فأنزل الله جل وعز ما جعل الله لرجل من
قلبين في جوفه وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال رجل من بني
فهر إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد
صلى الله عليه وسلم وكذب قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى
معنى واحد وهو أن
(5/318)
الآية نزلت في رجل بعينه ويقال إن الرجل
عبد الله بن خطل والقول الثاني قول ضعيف لا يصح في اللغة وهو
من منقطعات الزهري رواه معمر عنه في قوله جل وعز ما جعل الله
لرجل من قلبين في جوفه قال بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة
ضرب له مثلا يقول ليس ابن رجل آخر ابنك والقول الثالث أصحها
وأعلاها إسنادا وهو جيد الإسناد قرئ على محمد بن عمرو بن خالد
عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا قابوس بن أبي
ظبيان أن أباه حدثه قال قلنا لابن عباس أرأيت قول الله جل وعز
ما جعل الله لرجل من قلبين في
(5/319)
جوفه ما عني بذلك قال كان نبي الله يوما
يصلي فخطر خطرة فقال النافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له
قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله جل وعز ما جعل الله
لرجل من قلبين في جوفه
قال أبو جعفر وهذا أولى الأقوال في الآية لما قلنا والمعنى ما
جعل الله لرجل قلبا يحب به وقلبا يبغض به وقلبا يؤمن به وقلبا
يكفر به 4 - ثم قرن بهذا ما كان المشركون يطلقون به مما لا
يكون فقال وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم
(5/320)
وهو لفظ مشتق من الظهر وقرأ الحسن تظاهرون
وأنكر هذه القراءة أبو عمرو بن العلاء وقال إنما يكون هذا من
المعاونة قال أبو جعفر وليس يمتنع شئ من هذا لاتفاق اللفظين
ويدل على صحته الظهار 5 - ثم قال جل وعز وما جعل أدعياءكم
أبناءكم آية 4 أي ما جعل من تبنيتموه واتخذتموه ولدا بمنزلة
الولد في الميراث قال مجاهد نزل هذا في زيد بن حارثة
(5/321)
6 - ثم قال جل وعز ذلكم قولكم بأفواهكم
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل آية 4 أي هو شئ تقولونه على
التشبيه وليس بحقيقة والله يقول الحق أي لا يجعل غير الولد
ولدا وهو يهدي السبيل أي سبيل الحق
7 - ثم قال جل وعز ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله آية 5 روى
سالم عن ابن عمر قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد
حتى نزلت ادعوهم لآبائهم ثم قال جل وعز هو أقسط عند الله أي
أعدل 8 - وقوله جل وعز فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين
ومواليكم آية 5
(5/322)
أي فقولوا يا أخي في الدين ومواليكم أي بنو
عمكم أو أولياؤكم في الدين 9 - ثم قال جل وعز وليس عليكم جناح
فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم آية 5 في معناه ثلاثة
أقوال قال مجاهد فيما أخطأتم به قبل النهي في هذا وفي غيره
ولكن ما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وفي غيره وقيل فيما
أخطأتم به أن يقول له يا بني في المخاطبة على غير تبن
(5/323)
وقال قتادة هو أن تنسب الرجل إلى غير أبيه
وأنت ترى أنه أبوه
وهذا أولاها وأبينها 10 - وقوله جل وعز النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم آية 6 روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا
أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما رجل مات وترك دينا فإلي وإن
ترك مالا فلورثته وحقيقة معنى الآية والله جل وعز أعلم أن
النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشئ أو نهى عنه ثم خالفته
النفس كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه أولى بالاتباع
من الناس
(5/324)
11 - ثم قال جل وعز وأزواجه أمهاتهم آية 6
أي هن في الحرمة بمنزلة الأمهات في الإجلال ولا يتزوجن بعده
صلى الله عليه وسلم وروي أنه إنما فعل هذا لأنهن أزواجه في
الجنة 12 - ثم قال جل وعز وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم
معروفا قال مجاهد أي إلا أن توصوا لمن حالفتموه من المهاجرين
والأنصار وكان رسول الله آخى بين المهاجرين فكانوا يتوارثون
حتى هذا وابيحت لهم الوصية وهذا قول بين لأنه بعيد أن يقال
للمشرك ولي وقال ابن الحنفية والحسن وعطاء في قوله تعالى
(5/325)
إلا أن تمعلوا الذي إلى أوليائكم معروفا أن
يوصي لذي قرابته من المشركين قال الحسن هو وليك في النسب وليس
بوليك في الدين 13 - ثم قال جل وعز كان ذلك في الكتاب مسطورا
قال قتادة أي مكتوبا عند الله جل وعز لا يرث كافر مسلما قال
أبو جعفر يجوز أن يكون المعنى حل ذلك في الكتاب أي في القرآن
ويجوز أن يكون ذلك قوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض 14 -
وقوله جل وعز وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم
(5/326)
قال مجاهد هذا في ظهر آدم صلى الله عليه
وسلم وقال قتادة أخذنا ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا 15 - وقوله
جل وعز ليسأل الصادقين عن صدقهم أي ليسأل الصادقين من الرسل
توبيخا لمن كذبهم كما قال جل وعز أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي
إلهين من دون الله وقيل ليسأل الصادقين عن صدقهم هل كان لله جل
وعز
وقيل ليثابوا عليه 16 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا
اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود آية 9 قال مجاهد جاءهم
أبو سفيان وعيينة بن بدر وبنو قريظة وهم الأحزاب
(5/327)
17 - ثم قال جل وعز فأرسلنا عليهم ريحا
وجنودا لم تروها روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هي الصبا كفأت
قدورهم ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم وروى ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ثم قال جل وعز
وجنودا لم تروها آية 9 قال مجاهد الملائكة ولم تقاتل يومئذ يوم
الأحزاب 18 - وقوله جل وعز إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم
آية 10 قال محمد بن إسحق الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة
(5/328)
والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان 19
- ثم قال جل وعز وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر آية 10
روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال بلغ فزعها
وقال قتادة شخصت عن مواضعها فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت
وقيل كادت تبلغ قال أبو جعفر وأحسن هذه الأقوال القول الأول أي
بلغ وجيفها من شدة الفزع الحلوق فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب 20
- وقوله جل وعز هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا أية
11
(5/329)
قال مجاهد أي محصوا ثم قال وزلزلوا زلزالا
شديدا أي أزعجوا وحركوا 21 - ثم قال جل وعز وإذ يقول المنافقون
والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا آية 12
قال قتادة قال قوم من المنافقين وعدنا محمد أن نفتح قصور الشام
وفارس وأحدنا لا يقدر أن يجاوز رحله ما وعدنا الله ورسوله إلا
غرورا
(5/330)
22 - ثم قال جل وعز وإذ قالت طائفة منهم يا
أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وقرأ أبو عبد الرحمن والأعرج لا
مقام لكم بضم الميم قال أبو جعفر المقام بالفتح الموضع الذي
يقام فيه والمصدر من قام يقوم والمقام بالضم بمعنى الإقامة
والموضع من أقام هو وأقامه
غيره 23 - ثم قال جل وعز ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن
بيوتنا عورة آية 13 قال ابن اسحق هو أوس بن قيظي الذي قال إن
بيوتنا عورة عن ملأ من قومه وقرأ يحيى بن يعمر وأبو رجاء عورة
بكسر الواو
(5/331)
يقال أعور المنزل إذا ضاع أو لم يكن له ما
يستره أو سقط جداره فالمعنى إن بيوتنا ضائعة متهتكة ليس لها من
يحفظها فأعلم الله جل وعز أنها ليست كذلك وأن العدو لا يصل
إليها لأن الله جل وعز يحفظها قال أي نخاف أن تسرق ويقال
للمرأة عورة فيجوز مجاهد أن يكون المعنى إن بيوتنا ذات عورة
فأكذبهم الله جل وعز قال قتادة قال قوم من المنافقين إن بيوتنا
عورة وإنا نخاف على أهلينا فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم
إليها فلم يوجد فيها أحد ويجوز أن يكون عورة مسكنا من عورة
(5/332)
24 - ثم قال جل وعز إن يريدون إلا فرارا
آية 13 أي عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم 25 - ثم قال جل
وعز ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سألوا
الفتنة لأتوها آية 14 قال الحسن من أقطارها أي من نواحيها قال
غيره نواحي البيوت ثم سئلو الفتنة لأتوها أي لقصدوها وجاءوها
قال الحسن الفتنة ههنا الشرك وقرئ لآتوها
(5/333)
قال الحسن أي لأعطوها من أنفسهم قال غيره
كما روي في الذين عذبوا أنهم أعطوا ما سئلوا في النبي صلى الله
عليه وسلم إلا بلالا 26 - ثم قال جل وعز وما تلبثوا بها إلا
يسيرا قال القتبي أي بالمدينة 27 - وقوله جل وعز وإذا لا
تمتعون إلا قليلا آية 16 قال مجاهد والربيع بن خيثم في قوله
وإذا لا تمتعون إلا قليلا ما بينهم وبين الأجل 28 - وقوله جل
وعز قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا
آية 18
(5/334)
قال قتادة هم قوم من المنافقين قالوا ما
أصحاب محمد عندنا إلا أكلة رأس ولن يطيقوا أبا سفيان وأصحابه
فهلم إلينا 29 - ثم قال جل وعز ولا يأتون البأس إلا قليلا آيد
18
أي إلا تعذيرا 30 - ثم قال جل وعز أشحة عليكم فإذا ذهب الخوف
سلقوكم بألسنة حداد آية 19 أي أشحة عليكم بالنفقة على فقرائكم
ومساكينكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أي بالغوا في
الاحتجاج عليكم
(5/335)
وقال قتادة سلقوكم بطلب الغنيمة وهذا قول
حسن لأن بعده أشحة على الخير وعن ابن عباس استقبلوكم بالأذى
وقال يزيد بن رومان سلقوكم بما تحبون نفاقا منهم يقال خطيب
مسلاق وسلاق أي بليغ 31 - ثم قال جل وعز أشحة على الخير أولئك
لم يؤمنوا آية 19 أي أشحة على الغنيمة أولئك لم يؤمنوا وإن
كانوا قد أظهروا الإيمان فإن اعتقادهم غير ذلك 32 - وقوله جل
وعز يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم
بادون في الأعراب آية 20
(5/336)
أي يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لجبنهم
وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب المعنى إنهم
لفزعهم ورعبهم إذا جاء من يقاتلهم ودوا أنهم بادون في الأعراب
وقرأ طلحة بن مصرف يودوا لو أنهم بذا في الأعراب بدا والمعنى
واحد وهو جمع باد كما يقال غزا وغزى 33 - ثم خبر تعالى بما
يقول المؤمنون فقال ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما
وعدنا الله ورسوله وقيل الذي وعدهم في قوله أم حسبتم أن تدخلوا
الجنة
(5/337)
ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم
البأساء والضراء كذا قال قتادة وقال يزيد بن رومان الأحزاب
قريش وغطفان 34 - وقوله جل وعز من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه يقال صدقت العهد أي وفيته 35 - ثم قال جل وعز
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا آية 23 روى
سعيد بن مسروق عن مجاهد قال نحبه عهده وروى خصيف عن عكرمة عن
ابن عباس فمنهم من قضى نحبه قال مات على ما عاهد عليه ومنهم من
ينتظر ذلك
(5/338)
قال أبو جعفر حكى أهل اللغة أن النحب العهد
والنفس والخطر العظيم وأشهرها أن النحب العهد كما قال مجاهد
ويصححه أنه يروى أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن
يصدقوا القتال حتى تقبلوا أو يفتح الله جل وعز عليهم فالمعنى
فمنهم من قضى أجله وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان أو قضى
عهده
(5/339)
ثم قال تعالى وما بدلوا تبديلا أي وما
بدلوا دينهم تبديلا 36 - ثم قال جل وعز ورد الله الذين كفروا
بغيظهم لم ينالوا خيرا قال مجاهد أبا سفيان وأصحابه 37 - ثم
قال جل وعز وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم أي
أعاونهم من أهل الكتاب قال مجاهد بني قريظة من صياصهم من
قصورهم وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة من صياصيهم
من حصونهم
قال أبو جعفر والقصور قد يتحصن بها وأصل الصيصية
(5/340)
في اللغة ما يمتنع به ومنه قيل لقرون البقر
صياصي ومنه قوله كوقع الصياصي في النسيج الممد * يقال جذ الله
صيصته علي أي أصله 38 - وقوله جل وعز وأورثكم أرضهم وديارهم
وأموالهم وأرضا لم تطئوها آية 27 قال الحسن فارس والروم وقال
قتادة مكة وقال ابن اسحق خيبر وقال أبو جعفر وهذه كلها قد
أورثها الله جل وعز المسلمين إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون
خيبر والله أعلم
(5/341)
روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة
في قوله تعالى وأرضا لم تطئوها قال ما يفتح على المسلمين إلى
يوم القيامة 39 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لأزواجك إن
كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا
جميلا آية 28 حتى روى يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة
ومعمر عن عروة عن عائشة قالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا
تعجلي فيه حتى
تستأمري أبويك قال وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه
ثم تلا يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا
وزينتها فقلت أو في هذا استأمر أبوي فإني أختار الله جل وعز
ورسوله والدار الأخرة
(5/342)
قال يونس في حديثه وفعل أزواجه كما فعلت
فلم يكن ذلك طلاقا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرهن
فاخترنه 40 - وقوله جل وعز يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة
مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين آية 30 فرق أبو عمرو بين يضعف
ويضاعف قال يضاعف للمرار الكثيرة ويضعف مرتين وقرأ يضعف لهذا
وقال أبو عبيدة يضاعف لها العذاب يجعل ثلاثة أعذبة
(5/343)
قال أبو جعفر التفريق الذي جاء به أبو عمرو
لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته والمعنى في يضاعف ويضعف واحد
أي يجعل ضعفين أي مثلين كما تقول إن دفعت إلي درهما دفعت إليك
ضعفيه أي مثليه يعني درهمين ويدل على هذا نؤتها أجرها مرتين
فلا يكون العذاب أكثر من الأجر وقال في موضع آخر ربنا آتهم
ضعفين من العذاب أي
مثلين وروى معمر عن قتادة يضاعف لها العذاب ضعفين قال عذاب
الدنيا وعذاب الآخرة
(5/344)
41 - وقوله جل وعز ومن يقنت منكن لله
ورسوله ومعناه من يطع قال قتادة كل قنوت في القرآن طاعة وقال
وأعتدنا لها رزقا كريما الجنة 42 - وقوله جل وعز فلا تخضعن
بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض آية 32 يقال خضع في قوله إذا
لان ولم يبين ويبينه قوله تعالى ي وقلن قولا معروفا أي بينا
ظاهرا قال قتادة والسدي فيطمع الذي في قلبه مرض أي شك ونفاق
قال عكرمة هو شهوة الزنى
(5/345)
43 - وقوله جل وعز وقرن في بيوتكن ولا
تبرجن تبرج الجاهلية الأولى هو من وقر يقر وقارا في المكان إذا
ثبت فيه وفيه قول آخر قال محمد بن يزيد هو من قررت في المكان
أقر والأصل واقررن جاء على لغة من قال في مسست مست حذفت الراء
الأولى وألقيت حركتها على القاف فصار وقرن قال ومن قرأ وقرن
فقد لحن قال أبو جعفر يجوز أن يكون وقرن من قررت به عينا أقر
فيكون المعنى واقررن به عينا في بيوتكن
(5/346)
44 - ثم قال جل وعز ولا تبرجن تبرج
الجاهلية الأولى آية 33 روى علي بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس
قال الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح صلى الله عليهما وروى
عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال
ستكون جاهلية أخرى وروى هشيم عن زكريا عن الشعبي قال الجاهلية
الأولى ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما
(5/347)
قال مجاهد كان النساء يتمشين بين الرجال
فذلك التبرج وقال ابن أبي نجيح هو التبختر قال أبو جعفر التبرج
في اللغة هو إظهار الزينة وما تستدعى به الشهوة وكان هذا ظاهرا
بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وكان ثم بغايا يقصدن وقوله جل
وعز إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت آية 33
قال عطية حدثني أبو سعيد الخدري قال حدثتني أم سلمة قالت نزلت
هذه الآية في بيت وكنت جالسة على الباب فقلت يا رسول الله ألست
من أهل البيت قال إنك إلى خير وأنت من أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم وكان في البيت النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين
صلوات الله عليهم
(5/348)
46 - وقوله جل وعز واذكرن ما يتلى في
بيوتكن من آيات الله والحكمة آية 34 قال قتادة أي القرآن
والسنة وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت قلت يا
رسول الله أرى الله جل وعز يذكر الرجال ولا يذكر النساء فنزلت
إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين
والقانتات 47 - وقوله جل وعز والحافظين فروجهم والحافظات آية
35
(5/349)
أي والحافظاتها ونظيره وكمتا مدماة كأن
متونها جرى فوقها واستشعرت لون المذهب مذهب وروى سيبويه لوت
مذهب بالنصب وإنما يجوز الرفع على حذف الهاء كأنه قال
فاستشعرته تعالى فيمن رفع لونا 48 - وقوله جل وعز وما كان
لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا آية 36 قال قتادة لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب
بنت جحش وهي ابنة عمته وهو يريدها لزيد ظنت أنه يريدها لنفسه
فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت وامتنعت فأنزل الله عز وجل وما
كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم
الخيرة من أمرهم فأطاعت وسلمت
(5/350)
49 - وقوله جل وعز وإذ تقول للذي أنعم الله
عليه وأنعمت عليه قال قتادة هو زيد بن حارثة أنعم الله عليه
بالإسلام وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق ثم قال
أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى
الناس والله أحق أن تخشاه روى ثابت عن أنس قال جاء زيد يشكو
زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أمسك عليك زوجك
واتق الله فأنزل الله جل وعز وإذ تقول للذي أنعم الله عليه
وأنعمت عليه إلى آخر الآية قال ولو كتم رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيئا من القرآن لكتمها قال قتادة جاء زيد فقال يا
رسول الله إني أشكو إليك لسان زينب وإني أريد أن أطلقها فقال
له أمسك عليك
(5/351)
زوجك واتق الله وكان النبي صلى الله عليه
وسلم يحب أن يطلقها زيد فكره أن يقول له طلقها فيسمع الناس
بذلك
(5/352)
قال أبو جعفر أي فيفتتنوا وسئل علي بن
الحسين عليه السلام عن هذه الآية فقال أعلم الله جل وعز النبي
صلى الله عليه وسلم أن زيدا سيطلق زينب ثم يتزوجها النبي صلى
الله عليه وسلم بعده أي فقد أعلمتك أنه يطلقها قبل أن يطلقها
50 - وقوله جل وعز فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها آية 37 قال
الخليل معنى الوطر كل حاجة يهتم بها فإذا قضاها قيل قضى وطره
وأربه 51 - ثم خبر جل وعز بالعلة التي من أجلها كان من أمر زيد
ما كان فقال لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم
إذا قضوا منهن وطرا أي زوجناك زينب وكانت امرأة زيد وأنت متبن
فإن له لئلا
(5/353)
يتوهم أن تحريم التبني كتحريم الولادة كما
كانت الجاهلية تقول 52 - وقوله جل وعز ما كان على النبي من حرج
فيما فرض الله له آية 38 قال قتادة أي فيما أحل الله له
قال أبو جعفر وفيه معنى المدح كما قال جل وعز ما على المحسنين
من سبيل 53 - ثم قال جل وعز سنة الله في الذين خلوا من قبل أي
لا يؤاخذون بما لم يحرم عليهم
(5/354)
54 - وقوله جل وعز وكفى بالله حسيبا آية 39
يجوز أن يكون بمعنى محاسب كما تقول أكيل وشريب ويجوز أن يكون
بمعنى محسب أي كاف يقال أحسبني الشئ كفاني 55 - وقوله جل وعز
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم آية 40 قال علي بن الحسين عليه
السلام نزلت في زيد بن حارثة قال أبو جعفر أي ليس هو أباهم
بالولادة وإن كان كذلك في التبجيل والتعظيم
(5/355)
56 - ثم قال جل وعز ولكن رسول الله وخاتم
النبيين قال قتادة أي آخرهم قال أبو جعفر من قرأ خاتم بفتح
التاء فمعناه عنده آخرهم ومن قرأ بالكسر خاتم فمعناه عندهم أنه
ختمهم
قال قتادة وسبحوه بكرة وأصيلا آية 42 صلاة الصبح والعصر 57 -
وقوله جل وعز هو الذي يصلي عليكم وملائكته آية 43 قال الحسن
سألت بنو إسرائيل موسى صلى الله عليه أيصلي ربك فكأنه أعظم ذلك
فأوحى الله جل وعز إليه إن صلاتي أن رحمتي تسبق غضبي
(5/356)
والأصيل العشي قال الفراء معنى هو الذي
يصلي عليكم وملائكته هو الذي يغفر لكم وتستغفر لكم ملائكته 58
- وقوله جل وعز تحيتهم يوم يلقونه سلام هو كما قال والملائكة
يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم أي تحيتهم في الجنة سلام 59
- وقوله جل وعز يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا
آية 45
(5/357)
شاهدا أي شاهدا بالإبلاغ ومبشرا بالجنة
ونذيرا من النار وداعيا إلى الله بإذنه أي بأمره
وسراجا منيرا أي وذا سراج وهو القرآن ويجوز أن يكون المعنى
ومبينا وتاليا حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال حدثنا عبد
الرحمن بن صالح الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي
عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال لما
نزلت يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا
إلى الله بإذنه وسراجا منيرا دعا رسول الله عليا ومعاذا فقال
انطلقا فيسرا ولا تعسرا فإنه قد نزل علي الليلة آية إنا
أرسلناك
(5/358)
شاهدا ومبشرا ونذيرا من النار وداعيا إلى
الله قال شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه بأمره وسراجا منيرا
قال بالقرآن 60 - وقوله جل وعز ولا تطع الكافرين والمنافقين
ودع أذاهم آية 48 قال مجاهد ودع أذاهم أي أعرض عنهم 61 - وقوله
جل وعز يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من
قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها قال حبيب بن أبي
ثابت سئل علي بن الحسين عليه السلام عن رجل قال لامرأته إن
تزوجتك فأنت طالق فقال ليس بشئ
(5/359)
ذكر الله جل وعز النكاح قبل الطلاق فقال
إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن 62 - وقوله جل وعز فمتعوهن وسرحوهن سراحا
جميلا قال سعيد بن المسيب هي منسوخة بالتي في البقرة يعني قوله
جل وعز وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة أي
فلم يذكر المتعة 63 - وقوله جل وعز يا أيها النبي إنا حللنا لك
أزواجك اللاتي آتيت أجورهن آية 50
(5/360)
قال مجاهد أي صداقهن وروى أبو صالح عن أم
هانئ قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت منه
فعذرني فأنزل الله جل وعز يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك
اللاتي آتيت أجورهن إلى قوله اللاتي هاجرن معك ولم أكن هاجرت
إنما كنت من الطلقاء فكنت لا أحل له 64 - ثم قال جل وعز وامرأة
مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي آية 50 قال علي بن الحسين رضي الله
عنه وعروة والشعبي هي أم شريك وقال الزهري وعكرمة ومحمد بن كعب
هي ميمونة ابنة الحارث وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم
(5/361)
قال الزهري ووهبت سودة يومها لعائشة
وقرأ الحسن أن وهبت وقرأ الأعمش وامرأة مؤمنة وهبت وكسر إن
أجمع للمعاني لأنه قيل إنهن نساء وإذا فتح كان المعنى على
واحدة بعينها لأن الفتح على البدل من امرأة وبمعنى لأن وقال
مجاهد لم تهب نفسها فعلى هذا القول لا تكون إن إلا مكسورة وقيل
ومعنى وهبت نفسها إن تزوجت بلا صداق
(5/362)
وقيل هو أن تجعل الهبة صداقا وأن هذا لا
يحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر والقول
الأول أولى لأن معنى الهبة في اللغة دفع شئ بلا عوض 65 - وقوله
جل وعز قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم أي قد علمنا ما في
ذلك من الصلاح وهذه كلمة مستعملة يقال أنا أعلم مالك في ذا
وروى زياد بن عبد الله عن أبي بن كعب في قوله تعالى قد علمنا
ما فرضنا عليهم في أزواجهم قال مثنى وثلاث ورباع وقال قتادة
فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدي
(5/363)
عدل وصداق وأن لا يتزوج الرجل أكثر من أربع
66 - وقوله جل وعز لكيلا يكون عليك حرج آية 50 متعلق بقوله إنا
أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيتهن آجورهن 67 - وقوله جل وعز ترجي
من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء آية 51 روى هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة في قوله تعالى
(5/364)
ترجي من تشاء منهن قال هذا في الواهبات
أنفسهن قال الشعبي هن الواهبات أنفسهن تزوج رسول الله منهن
وترك منهن وقال الزهري ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أرجأ أحدا من أزواجه بل آواهن كلهن وقال قتادة أطلق لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهن كيف شاء ولم يقسم بينهن
إلا بالقسط حدثنا أحمد بن محمد بن نافع حدثنا سلمة حدثنا عبد
الرزاق أنبأنا معمر عن منصور عن أبي رزين قال المرجآت النبي
ميمونة وسودة وصفية وجويرية وأم حبيبة وكانت عائشة وحفصة وأم
سلمة وزينب سواء في قسم النبي صلى الله عليه وسلم يساوي بينهن
في القسم
(5/365)
وقال مجاهد هو أن يعتزلهن بلا طلاق قال أبو
جعفر قول قتادة وأبي رزين ومجاهد يرجع إلى
معنى واحد أن ذلك في القسم وقد روى منصور عن أبي رزين أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخلي اللواتي أرجأهن فقلن له
اقسم لنا كيف شئت واتركنا على حالنا فتركهن وقال قتادة في قوله
تعالى ذلك أدنى أن تقر أعينهن إذا علمن أن ذلك من الله جل وعز
قرت أعينهن ولم يحزن ورضين
(5/366)
68 - وقوله جل وعز لا يحل لك النساء من بعد
آية 52 في هذه الآية أقوال فمنها ما روى ابن عيينة عن عمرو بن
دينار عن عطاء عن عائشة قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى أحل له النساء وقال الحسن لما خير النبي صلى الله
عليه وسلم أزواجه فاخترنه شكر الله جل وعز لهن ذلك فحرم على
النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج غيرهن أي فامتحنه بذلك كما
امتحنهن وقال علي بن الحسين قد كان له أن يتزوج
(5/367)
قال أبو جعفر هذه الثلاثة الأقوال غير
متناقضة تقول عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
أحل له النساء إسناده جيد ويتأول على أنه ناسخ للحظر ويحتج به
في أن السنة تنسخ القرآن كما قال جل وعز إن ترك خيرا الوصية
للوالدين والأقربين وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية
لوارث
ومذهب الضحاك أن الناسخ لها قوله ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك
من تشاء وهذا لا يصح لأن بعده ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن
وقول علي بن الحسين عليه السلام يجوز أن يكون يرجع إلى قول
عائشة وإن كان قد أنكر قول الحسن فإن الحسن لم يذكر أن الآية
منسوخة فيجوز أن يكون أنكره من هذه الجهة وتكون الآية عنده
منسوخة
(5/368)
وعوض الله جل وعز نساء النبي صلى الله عليه
وسلم من ذلك أن جعلهن أزواجه في الجنة وفي الآية غير هذا قال
زياد بن عبد الله سألت أبي بن كعب عن قول الله جل وعز لا يحل
لك النساء من بعد فقلت أكان يحل له أن يتزوج فقال نعم ما بأس
بذلك قال الله جل وعز إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن
إلى قوله وامرأة مؤمنة ثم قال جل وعز لا يحل لك النساء من بعد
أي لا يحل لك الأمهات ولا الأخوات ولا البنات فهذا قول آخر أي
لا يحل لك النساء من بعد من أحللنا إلا ما ملكت يمينك وقال
مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم قولا آخر
قالوا لا يحل لك النساء من بعد أي لا يحل لك اليهوديات ولا
النصرانيات
(5/369)
قال مجاهد أي لا يحل أن تتزوج كافرة فتكون
أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك فإن له أن
يتسرى بها 69 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا
بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم قال أنس بن مالك أنا أعلم الناس
بهذه الآية لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب ابنة جحش
أمرني أن أدعو كل من لقيت ودعا النبي صلى الله عليه وسلم فجعل
الله جل وعز في الطعام البركة فأكل قوم وانصرفوا وبقيت طائفة
وكانت زينب في البيت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وخرج وهم
جلوس فأنزل الله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت
النبي إلا أن يؤذن لكم إلى آخر الآية فضرب رسول الله صلى الله
عليه وسلم الحجاب وانصرفوا
(5/370)
قال مجاهد في قوله تعالى إلى طعام غير
ناظرين إناه آية 53 غير متحينين نضجه ولا مستأنسين لحديث قال
بعد الأكل وقوله جل وعز وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء
حجاب
(5/371)
فكان لا يحل لأحد أن يسألهن طعاما ولا غيره
ولا ينظر إليهن متنقبات ولا غير متنقبات إلا من وراء حجاب
وكانت عائشة إذا طافت بالبيت سترت وفي الحديث لما ماتت زينب
قال عمر لا يخرج في جنازتها إلا ذو محرم منها فوصف له النعش
فاستحسنه وأمر به وقال اخرجوا فصلوا على أمكم قال أنس كنت أدخل
على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية جئت
لأدخل فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم وراءك يا بني
(5/372)
70 - وقوله عزو جل وما كان لكم أن تؤذوا
رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا آية 53 قال قتادة
قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم تزوجت فلانة قال معمر قال هذا طلحة
لعائشة 71 - وقوله جل وعز لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن
ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن
ولا ما ملكت أيمانهن يعني في الاستئذان وقيل معنى ولا نسائهن
ولا أهل دينهن وقد قيل بل هو لجميع النساء أي اللواتي من جنسهن
(5/373)
وقيل ولا ما ملكت أيمانهن من النساء خاصة
وقيل عام إذا لم تعرف ريبة 72 - وقوله جل وعز إن الله وملائكته
يصلون على النبي آية 56 قال أبو مسعود الأنصاري أتانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن
سعد أمرنا الله جل وعز أن نصلي عليك يارسول الله فكيف نصلي
عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم
يسأله ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى
آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين
(5/374)
إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم وروى
المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد
الله أنه قال إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا
الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل الله يعرض ذلك عليه قالوا
فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد
المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام
الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا
يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على إبراهيم آل إبراهيم إنك حميد مجيد
(5/375)
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد 73 - وقوله جل
وعز إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة
آية 57 قيل المعنى يؤذون أولياء الله وروى همام عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل شتمني عبدي ولم
يكن له أن يشتمني وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني
(5/376)
فأما شتمه إياي فقوله إني اتخذت ولدا وأنا
الأحد الصمد وأما تكذيبه إياي فإنه زعم أن لن يبعث يعني بعد
الموت 74 - وقوله جل وعز والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير
ما اكتسبوا لأية 58 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يقعون في
المؤمنين والمؤمنات بغير ما عملوا 75 - وقوله جل وعز يا أيها
النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من
جلابيبهن آية 59 قال أبو مالك والحسن كان النساء يخرجن بالليل
في حاجاتهن فيؤذيهن وإن المنافقون ويتوهمون إنهن إماء فأنزل
الله جل وعز
(5/377)
يا أيها النبي قل لأزواجك إلى آخر الآية
قال الحسن ذلك أدني أن يعرف أنهن حرائر فلا يؤذين قال الحسن
تغطي نصف وجهها وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت علاها بالدرة
قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن قوله تعالى يدنين عليهن من
جلابيبهن فقال تغطي حاجبها بالرداء ثم ترده على أنفها حتى تغطي
رأسها ووجهها وإحدى عينيها
(5/378)
قال مجاهد يتجلببن حتى يعرفن فلا يؤذين
بالقول 76 - وقوله جل وعز لئن لم ينته المنافقون والذين في
قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم آية 60 قال قتادة
كان ناس من المنافقين أرادوا أن يظهروا نفاقهم فأنزل الله جل
وعز لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في
المدينة لنغرينك بهم أي لنحرشنك عليهم وقال مالك بن دينار سألت
عكرمة عن قوله والذين في قلوبهم مرض فقال الزنى وكذلك شهر بن
حوشب
(5/379)
وقال طاووس نزلت هذه الآية في أمر النساء
وقال سلمة بن كهيل نزلت في أصحاب الفواحش 77 - ثم قال جل وعز
ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا آية 60 يجوز أن يكون المعنى إلا
وهم قليل ويجوز أن يكون المعنى إلا وقتا قليلا
78 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا
موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها آية 69 حدثنا
محمد بن إدريس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا روح بن
عبادة قال حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في هذه
الآية لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى صلى الله عليه وسلم
كان رجلا حييا ستيرا لا يكاد يرى من جلده شئ استحياء منه فآذاه
من آذاه من بني إسرائيل وقالوا ما يستتر هذا التستر
(5/380)
إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما
آفة وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا وإن موسى خلا
يوما وحده فوضع ثوبه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ من غسله أقبل
إلى ثوبه ليأخذه وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب
الحجر وجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني
إسرائيل فرأوه عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأوه كما مما قالوا
له وإن الحجر قام فأخذ ثوبه فلبسه قال فطفق بالحجر ضربا قال
فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا
وروى سفيان بن حسين عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
علي عليه السلام في قوله جل وعز لا تكونوا كالذين آذوا موسى
فبرأه الله مما قالوا قال صعد موسى وهارون صلى الله عليهما
وسلم إلى الجبل فمات هارون عليه
السلام فقالت بنو إسرائيل لموسى أنت قتلته كان ألين لنا منك
وأشد حبا فأوذي في ذلك فأمر الله جل وعز الملائكة فحملته
(5/381)
فمروا به على مجالس بني إسرائيل فتكلمت
الملائكة بموته حتى علمت بنو إسرائيل أنه مات فدفنوه فلم يعلم
موضع قبره إلا الرخم فإن الله قد جعله أصم أبكم قال أبو جعفر
والمعنى لا تؤذوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى قوم موسى
موسى فبرأه الله مما قالوا مما رموه به من الأمرين جميعا وكان
عند الله وجيها أي كلمه تكليما 79 - وقوله جل وعز يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا آية 70 قال مجاهد
وقولوا قولا سديدا أي سدادا وقال الحسن أي صدقا 80 - وقوله جل
وعز إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض
(5/382)
والجبال فأبين أن يحملنها آية 71 في هذه
الآية أقوال منها أن المعنى على أهل السموات ويكون معنى عرضنا
أظهرنا كما تقول عرضت المتاع ويكون فأبين على لفظ الأول لأنهم
لم يحملوها كلهم ويكون المعنى فأبوا أن يقبلوها
وحملها الإنسان أي تكلفها وكلهم قد كلفها وقيل لما حضرت آدم
صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق
فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه وقول ثالث هو الذي عليه أهل
التفسير
(5/383)
حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن
معاوية بن صالح علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى
إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال قال الأمانة
الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدوها
أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ولكن
تعظيما لدين الله جل وعز ألا يقوموا به ثم عرضها على آدم
فقبلها بما فيها وهو قوله تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهولا غرا بأمر الله جل وعز وقال مجاهد عرض الله الثواب
والعقاب على السموات والأرض والجبال فأبين ذلك وأشفقن منه وقيل
لأدم فقبله فما أقام في الجنة إلا ساعتين وقال سعيد بن جبير
عرضت الفرائض على السموات والأرض والجبال فأشفقن منها وامتنعن
وقبلها آدم صلى الله عليه وسلم
(5/384)
وقال عبد الله بن عمر عرض على آدم الثواب
والعقاب وقال الضحاك الأمانة الطاعة عرضت على السموات
والأرض والجبال إن خالفنها هو عذبن وسلم فأبين وحملها الإنسان
وقال قتادة عرضت الفرائض على الخلق فأبين إلا آدم صلى الله
عليه وسلم
(5/385)
قال أبو جعفر وهذ الأقوال وهي أقوال الأئمة
من أهل التفسير تتأول على معنيين أحدهما أن الله جل وعز جعل في
هذه الأشياء ما تميز به ثم عرض عليها الفرائض والطاعة والمعصية
والمعنى الآخر أن الله جل وعز ائتمن ابن آدم على الطاعة وائتمن
هذه الأشياء على الطاعة والخضوع فخبرنا أن هذه الأشياء لم
تحتمل الأمانة أي لم تخنها يقال حمل الأمانة واحتملها أي خانها
وحمل إثمها
(5/386)
وقيل المعنى وحملها الإنسان ولم يقم بها
فحذف لعلم المخاطب بذلك فقال جل وعز قالتا أتينا طائعين وقال
وإن منها لما يهبط من خشية الله وحملها الإنسان أي خانها وحمل
إثمها قال الحسن وحملها الإنسان أي الكافر والمنافق قال أبو
جعفر وقول الحسن يدل على التأويل الثاني ويدل عليه أيضا قوله
ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب
الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما
تمت بعونه تعالى سورة الأحزاب
(5/387)
|