معترك الأقران في إعجاز القرآن

الوجه الثاني عشر من وجوه إعجازه (إفادة حصره واختصاصه)
وهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.
ويقال أيضاً إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه.
وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف، وكلّ منهما إما حقيقي وإما مجازي، مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقياً نحو ما زَيْد إلا كاتب، أي لا صفة له غيرها، وهو عزيز لا يكاد يوجد، لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية، وعلى عدم تعذرها يبعد أن يكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها، ولذا لم يقع في التنزيل.
ومثاله مجازيّاً: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) ، أي مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه، إنه شأن الإله.
ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقياً: لا إله إلا الله.
ومثاله مجازياً: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) .
كما قال الشافعي فما تقدم نقله من أسباب النزول: إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهِلّ لغير الله به، وكانوا يحرمون كثيرا من المباحات، وكانت سجيَّتهم تخالف وضع

(1/136)


الشرع، ونزلت الآية مستوفية بذكر شبههم في البَحيرة والسائبة والوَصيلة
والحامي، وكان الغرض الرد عليهم والمضادة لا الحصر الحقيقي.
وقد تقدم بأبسط مِنْ هذا.
وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام: قصر إفراد، وقصر قلب.
وقصر تعيين:
فالأول: يخاطَب به من يعتقد الشركة، نحو، (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
وخوطب به من يعتْقد اشتراك الله والأصنام في الألوهية.
والثاني: يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له، نحو:
(رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) البقرة: 258.
خوطب به نُمْرود الذي اعتقد أنه المحي المميت دونَ الله.
(ألا إنهم هم السفهاء) . البقرة: 13.
خوطب به من اعتقد من المنافقين أن المؤمنين سفهاء دونهم.
(وأرسلْنَاكَ للناسِ رَسولاً) .
خوطب به من يعتقد من اليهود اختصاص بعثته بالعرب.
والثالث: يخاطب به من تساوى عنده الأمران، فلم يحكم بإثبات الصفة
لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها.
وطرق الحصر كثيرة، أحدها النفي والاستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو
غيرهما.
والاستثناء بإلا أو غير، نحو: لا إله إلا الله.
وما من إله إلا الله.
(ما قلت لهم إلا ما أمَرْتنِي به) .
ووجه إفادة الحصر أن الاستثناء المفرّغ لا بد أن يتوجه النفي فيه إلى مقدّر
وهو مستثنى منه، لأن الاستثناء إخراج فيحتاج إلى مُخْرج منه.
والمراد التقدير المعنوي لا الصناعي.
ولا بد أن يكون عاماً، لأن الإخراج لا يكون إلا من عام.
ولا بد أن يكون مناسباً للمستثنى منه في جنسه مثل ما قام إلا زيد، أي لا أحد.
وما أكلت إلا تمراً، أي مأكولاً، ولا بد أنْ يوافقه في صفته، أي إعرابه، وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلا ضرورة بإبقاء ما عداه على صفة الانتفاء.

(1/137)


وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلاً بالحكم.
وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة الجهول لاعتبار مناسب، نحو: (وما محمدٌ إلا رسول) ، فإنه خطاب للصحابة، وهم لم يكونوا يجهلون
رسالةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه نَزّل استعظامهم له عن الموت منزلةَ من يجهل رسالته، لأن كل رسول فلا بد من موته، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثاني: (إنما) الجمهور على أنها للحصر، فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم.
وأنكر قوم إفادتها، منهم أبو حيان، واستدل مثبتوه بأمور:
منها: قوله تعالى: (إنما حَرَّمَ عليكم الميتةَ) ، بالنصب، فإن معناه: ما حرم عليكم إلا الميتة، لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر، فكذا قراءة النصب.
والأصل استواء معنى القراءتين.
ومنها أن إن للإثبات وما للنفي، فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي
والإثبات، لكن تعقّب بأن " ما " زائدة كافة لا نافية.
ومنها أن (إن) للتأكيد و (ما) كذلك، فاجتمع تأكيدان، فأفاد الحصر، قاله السكاكي.
وتعقب بأنه لو كان اجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو إن زيد القائم.
وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر.
ومنها قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ) .
(قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ) .
(قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) .
فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت (إنما) للحصر ليكون
معناها لا آتيكم به، إنما يأتيكم به الله إنْ شاء.
ولا أعلمها إنما يعلمها الله.
وكذا قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) .
(مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ... إلى قوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ) .
(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ)

(1/138)


(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ) .
لا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلا بالحصر.
وأحسن ما يستعمل (إنما) في مواقع التعريض، نحو: (إنما يَتَذكر أولو الألباب) .
الثالث،: (أنما) بالفتح: عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي.
فقالا في قوله: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
- أنما لقَصر الحكم على شيء، أو لقصر الشيء على حكم، نحو: إنما زيد قائم.
وإنما يقوم زَيْد، وقد اجتمع الأمران في هذه الآية، لأن إنما يوحى إليّ مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد وإنما إلهكم بمنزلة إنما زيد قائم.
وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقصور على استئثار اللَه بالوحدانية.
وصرح التَّنوحي في الأقصى القريب بكونها للحصر، فقال: كل ما أوجب
إنما - بالكسر للحصر أوجب أنما - بالفتح للحصر، لأنها فرع عنها، وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم يثبت مانع منه، والأصل عدمه.
ورد أبو حيان على الزمخشري ما زعمه بأنه يلزمه انحصار الوحي في
الوحدانية، وأجيب بأنه حصر مجازي باعتبار المقام.
الرابع: العطف بلا أو بل، ذكره أهل البيان، ولم يحكوا فيه خلافا، ونازع
فيه الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح، فقال: أي قصر في العطف بلا، إنما فيه نفي وإثبات، فقولك: زيد شاعر لا كاتب لا تعرُّض فيه لنفي صفة ثالثة، والقصر انما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبتة حقيقة أو مجازا، وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب.
وأما العطف ببل فأبعد منه، لأنه لا يستمر فيها النفي والإثبات.

(1/139)


الخامس: تقديم المعمول نحو: (إيّاكَ نَعْبد) .
(لَإلَى اللهِ تحْشَرون) .
وخالف فيه قوم، وسيأتي بسط الكلام فيه قريباً.
السادس: ضمير الفصل، نحو: (فالله هوَ الوَليّ) ، لا رب غيره.
(وأولئك هم الْمُفْلِحُون) .
(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) .
(إن شانِئَك هو الأبْتَر) .
وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه، واستدل له السّهَيْلي بأنه
أتي به في كل موضع ادّعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله، ولم يُؤْتَ به حيث لم يدّع، وذلك في قوله: (وأنه هو أضْحَكَ وأبكى) .
إلى آخر الآيات، فلم يؤت به في: (وأنه خلق الزّوْجَين) ، (وأنّ عليه النشأةَ الأخرى) .
(وأنه أهلك عادًا الأولى) ، لأن ذلك لم يدّع لغير الله، وأتي به في الباقي لادِّعائه لغيره.
قال في عروس الأفراح: وقد استنبطت دلالته على الحصر في قوله: (فلما
توفَيْتَنِي كنْتَ أنتَ الرقيبَ عليهم) ، لأنه لو لم تكن للحصر
لما حَسنَ، لأن الله لم يزل رقيباً عليهم، وإنما حصر بتوفيته أنه لم يبق لهم رقيب غير الله.
ومن قوله: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) .
فإنه ذكر لتبيين عدم الاستواء، وذلك لا يحسن إلا بأن يكون الضمير للاختصاص.
السابع: تقديم المسنَد إليه على ما قال الشيخ عبد القاهر: قد يُقدم المسنَد إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي.
والحاصل - على رأيه - أن لها أحوالاً.
أحدها: أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتاً، فيأتي التخصيص، نحو:
أنا قُمْتُ، وأنا سعَيْتُ في حاجتك، فإن قصِد به قصر الإفراد أكد بنحو:
وحدي، أو قصر القلب أكد بنحو: لا غيري.
ومنه في القرآن: (بل أنْتُمْ بِهَدِيّتِكم تفْرَحُون) .
فإن ما قبله من قوله: (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ)

(1/140)


ولفظ (بل) مشْعر بالإضراب - يقتضي بأن المراد بل أَنتم لا غيركم، فإن المقصود نفي فرحه هو بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم.
قاله في عروس الأفراح.
قال: وكذا قوله: (لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ، أي لا يعلمهم إلا نحن.
وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص، قال الشيخ بهاء الدين: ولا يتميز ذلك إلا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام.
ثانيها: أن يكون المسند منفياً، نحو: أنت لا تكذب، فإنه أبلغ في نفي
الكذب من " لا تكذب " ومن لا تكذب أنت ".
وقد يفيد التخصيص، ومنه: (فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ) .
ثالثها: أن يكون المسند إليه نكرة مثبتاً، نحو: رجل جاءني، فيفيد
التخصيص إما بالجنس، أى لا امرأة، أو الوحدة، أي لا رجلان.
رابعها: أن يليَ المسند إليه حرف النفي فيفيده، نحو: ما أنا قلت هذا، أي
لم أقله مع أن غيري قاله.
ومنه: (وما أنْتَ علينا بعَزِيز) .
أي العزيز علينا رهْطُك لا أنت، ولذا قال: (أرَهْطِي أعزُّ عليكم من الله) .
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر، ووافقه السكاكي، وزاد شروطاً
وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني.
الثامن: تقديم المسند، ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر
على المبتدأ يفيد الاختصاص.
ورد صاحب الفلك الدائر بأنه لم يقل به أحد، وهو ممنوع، فقد صرح السكاكي وغيره بأن تقديم ما رُتْبته التأخير يفيده، ومثّلُوه بنحو: تميمي أنا.
التاسع: ذكر المسند إليه، ذكر السكاكي أنه قد يُذكر ليفيد التخصيص.
وتعقّبه صاحب الإيضاح، وصرح الزمخشري بأنه أفاد الاختصاص في قوله:

(1/141)


(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) .
وفي قوله: (اللهُ نَزّلَ أحْسَنَ الحديث) .
وفي قوله: (واللهُ يَقُولُ الحقَّ وهو يهْدِي السبيلَ) .
ويحتمل أنه أراد أن تقديمه أفاده، فيكون من أمثلة الطريق السابع.
العاشر: تعريف الجزأين، ذكر الإمام فخر الدين في " نهاية الإيجاز " أنه يفيد
الحصر حقيقة أو مبالغة، نحو: المنطلق زيد، ومنه في القرآن فما ذكر الزملَكاني في أسرار التنزيل: الحمد لله، قال: إنه يفيد الحصر، كما في إياك نعبد، أي الحمد لله لا لغيره.
الحادي عشر: نحو: جاء زيد نفسه، نقل بعض شراح التلخيص عن بعضهم
أنه يفيد الحصر.
الثاني عشر: نحو: إن زيد القائم، نقله المذكور أيضاً.
الثالث عشر: نحو: قائم - في جواب زيد إما قائم أو قاعد، ذكره الطيبي في
شرح التبيان.
الرابع عشر: قلب بعض حروف الكلمة، فإنه يفيد الحصر على ما نقله في
الكشاف في قوله: (والَّذين اجتَنَبُوا الطاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها) .
قال: القلب للاختصاص بالنسبة إلى الطاغوت، لأن وزنَه على فعلوت، من
الطغيان، كملكوت ورحموت، قُلِب بتقديم اللام على العين، فوزنه فَلَعُوت، ففيه مبالغات: التسمية بالمصدر، والبناء بناء مبالغة، والقلب، وهو للاختصاص، إذ لا يطلق على غير الشيطان.
تنبيه:
كاد أهلُ البيان يطْبِقون على أن تقديم المعمول يفيد الحصر، سواء كان
مفعولاً أو ظرفاً أو مجروراً، ولهذا قيل في: (إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاك نستعين) معناه
نخصك بالعبادة والاستعانة.
وفي: (لَإلَى اللهِ تُحْشَرون) .
معناه إليه لا لغيره.

(1/142)


وفي: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) .
أخرت الصلة في الشهادة الأولى، وقدمت في الثانية، لأن الغرض في
الأولى إثبات شهادتهم، وفي الثانية إثبات اختصاصهم بشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم.
وخالف في ذلك ابنُ الحاجب، فقال في شرح المفصّل: الاختصاص الذي
يتوهّمه كثير من الناس من تقديم المعمول وَهْم، واستدل على ذلك بقوله:
(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) .
(بل الله فاعْبد) . الزمر: 66.
ورد هذا الاستدلال بأن (مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) أغنى عن إعادة الحصر، كما قال
الله تعالى: (واعْبدوا رَبَّكم) .
وقال: (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)
بل قوله: (بل اللهَ فاعْبُدْ) - أقوى من أدلة الاختصاص.
فإن قبلها: (لئن أشركتَ ليَحْبَطَن عَملك) ، فلو لم يكن للاختصاص وكان معناها أعبد الله لما حصل الإضراب الذي هو معنى بل.
واعترض أبو حيان على مدعي الاختصاص بنحو: (أفَغيرَ اللهِ تأمرونّي
أعْبُد) .
وأجيب بأنه لما كان مَنْ أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله كان أمْرُهم
بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة.
ورد صاحب الفلك الدائر الاختصاص بقوله: (كُلاًّ هَدْينَا ونُوحاً هدَينَا
مِنْ قَبْلُ) .
وهو من أقوى ما ردّ به.
وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم، بل الغلبة، وقد يخرج الشيء عن الغالب.
قال الشيخ بهاء الدين: وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة، وهي
(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) ، فإن التقديم في الأولى قطعا ليس للاختصاص.
وفي إياه قطعاً للاختصاص.
وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الاقتصاص بين الحصر والاختصاص:
اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص، ومن الناس من ينكر

(1/143)


ذلك ويقول: إنما يفيد الاهتمام.
وقد قال سيبويه في كتابه: وهم يقدّمون ما هم به أعْنى.
والبيانيون على إفادة الاختصاص.
ويَفْهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر، وليس كذلك، وإنما
الاختصاص شيء آخر، والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظةَ الحصر، وإنما عبّروا بالاختصاص.
والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور.
والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه، وبيانُ ذلك أن الاختصاص
افتعال من الخصوص: والخصوص مركب من شيئين: أحدها عام مشترك بين
شئين أو أشياء.
والثاني معنى مُنْضَمٌّ إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد، فإنه
أخص من مطلق الضرب.
فإذا قلتَ ضربت زيداً أخبرت بضرب عام وقع منك
على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصّاً لما انضم إليه منك ومن زيد، وهذه المعاني الثلاثة، أعني مطلق الضرب، وكونه واقعاً منك، وكونه واقعاً على زيد، قد يكون قصدَ المتكلمُ لها ثلاثتها على السواء.
وقد يرجّح قصده لبعضها على بعض، ويُعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به، وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم، فإذا قلت زيداً ضربت عُلِمَ أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود.
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان، فقد يقصَد من جهة
عمومه، وقد يقصَد من جهة خصوصه.
والثاني هو الاختصاص، وأنه هو الأهم عند المتكلم، وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره لإثباب ولا نَفْي، ففي الحصر معنى زائد عليه، وهو نفي ما عدا المذكور، وإنما جاء هذا في: (إيّاكَ نَعْبُد) ، للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله، ولذا لم يطرد في بقية الآيات.
فإن قوله: (أفَغَيْرَ دين الله يَبْغُون) آل عمران: 83.
لو جُعل في معنى ما يبغون إلا غير دين الله، وهمزة الإنكار داخلة عليه - لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين الله، وليس المراد.
وكذلك: (آلهةً دونَ اللهِ تُرِيدون) الصافات: 86، المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر.

(1/144)


وقد قال الزمخشري في: (وبالآخِرَة هم يوقنون) البقرة: 4.
في تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هُمْ تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين ما عليه مَنْ آمَن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن.
وقد اعترض عليه بعضهم، فقال: تقديم الآخرة أفاد أن إيقانهم مقصور على
أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها.
وهذا الاعتراض من قائله مبنيّ على ما فهمه من أن
تقديم المعمول يفيد الحصر، وليس كذلك.
ثم قال المعترض: وتقديم هم أفاد أن هذا القصر يختص بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيماناً بغيرها حيث قالوا:
(لَنْ تَمَسَّنَا النارُ إلا أياماً معدودة) . البقرة:.8.
وهذا منه أيضاً استمرار على ما في ذهنه من الحصر، أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة، وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها.
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر، وهذا ممنوع.
وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام:
أحدها: بما وإلا، كقوله: ما قام إلا زيد - صريح في نفي القيام من غير
زيد، ومقتضى إثبات القيام لزيد، قيل بالمنطوق، وقيل بالمفهوم، وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم، لأن " إلا " موضوعة للاستثناء وهو الإخراج، فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عَيْن القيام، بل قد يستلزمه، فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم، والتبس على بعض الناس لذلك، فقال: إنه بالمنطوق.
والثاني: الحصر بإنما، وهو قريب من الأول فما نحن فيه، وإن كان جانبُ

(1/145)


الإثبات فيه أظهر، فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت: إنما قام زيد بالمنطوق ونفيه عن غيره بالمفهوم.
الثالث: الحصر الذي قد يفيده التقديم، وليس على تقدير تسليمه مثل الحصر في الأوّلين، بل هو في قوة جملتين: إحداهما ما صُدّر به الحكم نفياً كان أو إثباتاً، وهو المنطوق.
والأخرى ما فُهم من التقديم، والحصر يقتضي نفي المنطوق
دون ما دل عليه من المفهوم، لأن المفهوم لا مفهوم له.
فإذا قلت: أنا لا أكرم إلا إياك - أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه، وقد قال تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) . - أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه بعده: (والزانية لا يَنْكحُهَا إلاّ زَان أو مُشْرِك) ، بياناً لما سكت عنه في الأولى، فلو قال: " بالآخرة يوقِنون " أفاد بمنطوقه إيقانهم بها، ومفهومه عند مَنْ يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها، وليس ذلك مقصوداً بالذات.
والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حَصْر مجازي، وهو دون قولنا: يُوقِنُون بالآخرة دون غيرها، فاضبط هذا، وإياك أن تجعل تقديره لا يوقنون إلا بالآخرة.
إذا عرفت هذا فتقديم "هُمْ" أفاد أن غيرهم ليس كذلك، فلو جعلنا
التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة كان المقصود المهم النفي، فيتسلط المفهوم عليه، فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها، كما زعم المعترض، ويطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة.
ولا شك أن هذا ليس بمراد، بل المراد إفهام أن غيرهم لا
يُوقن بالآخرة، فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة، ليتسلط المفهومُ عليه، وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر، لأن الحصر لم يدل عليه بجملة واحدة، مثل ما وإلا، ومثل إنما، وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، وليس أحدهما متقيداً بالآخر حتى نقول: إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور، بل أفاد نفي الإيقان مطلقاً عن غيرهم، وهذا كله على تقدير تسليم الحصر، ونحن نمنع ذلك، ونقول: إنه اختصاص، وإن بينهما فرقاً.
*******

(1/146)


الوجه الثالث عشر من وجوه إعجازه (احتواؤه على جميع لغات العرب وبلغة غيرهم من الفرس والروم والحبشة وغيرهم)
وقد رأيت فيه تأليفاً مفرداً.
وقد أفردث في هذا النوع كتاباً سميته
" المهذب فما وقع في القرآن من العرّب ".
وألخص هنا ما وقع تَتِمة للفائدة، ومن الله أرجو حسن العائدة، بعد أن أذكر اختلاف العلماء في وقوع المعرّب في القرآن.
فالأكثرون، ومنهم الإمام الشافعي، وابن جرير، وأبو عبيدة، والقاضي أبو
بكر، وابن فارس، على عدم وقوعه فيه، لقوله تعالى: (قرآناً عَرَبيّاً) .
وقوله: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) .
وقد شدد الشافعي النكير على القائل بذلك.
وقال أبو عبيدة: إنما أنْزِل القرآن بلسان عربي مبِين، فَمَنْ زعم أن فيه غير
العربية فقد أعظم القول.
ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهّم متوهم أن
العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وقال ابن جرير: ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن
إنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات، فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
وقال غيره: بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة
لسائر الألسنة في أسفارهم، فعلقت العرب من لغاتهم ألفاظاً غيرت بعضها
بالنقص من حروفها، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها، حتى جرت مجرى
العربي الفصيح، ووقع بها البيان.
وعلى هذا الحد نزل بها القرآن.
وقال آخرون: كل هذه الألفاظ عربية صرف، ولكن لغة العرب متسعة

(1/147)


جدا، ولا يبعد أن تخفى على أكابر إلجلّة.
وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح.
قال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي.
وقال أبو المعالي عزَيْري بن عبد الملك: إنما وجدت هذه الألفاظ في لغة العرب، لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظاً.
ويجوز أن يكونوا سُبِقوا إلى هذه الألفاظ.
وذهب آخرون إلى وقوعه فيه.
وأجابوا عن قوله: (قُرآناً عَرَبيّاً)
بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربياً.
فالقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية.
وعن قوله: (أأعجميّ وعربي) - بأن المعنى من السياق: أكلام أعجمي ومخاطب عربي، واستدلوا باتفاق النحاة على أن منعَ صرف نحو إبراهيم للعلمية والعجمة.
وردّ هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها.
فَوِّجّه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس.
وأقوى ما رأيته للوقوع - وهو اختياري - ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي مَيْسرة التابعي الجليل، قال: في القرآن من كل لسان.
وروي مثله عن سعيد بن جُبير، ووَهْب بن مُنَبه، فهذه إشارة إلى أن حكمة
وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن، لتتم إحاطته بكل شيء، فاختير من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالاً للعرب.
وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِ) ، فلا بد أن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قَوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو.
وقد رأيت الحوفي وابن النقيب ذكره، وذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة
أخرى، فقال: إن قيل إن " إستبرق " ليس بعربي، وغير العربي من الألفاظ
دون العربي في الفصاحة والبلاغة، فنقول: لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن

(1/148)


يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك.
وذلك لأن الله تعالى إذا حثّ عباده علي الطاعة فإن لم يرغّبهم بالوعد الجميل
ويخوّفهم بالعذاب الوبيل - لا يكون حثّه على وجه الحكمة، فالوعد والوعيد نظراً إلى الفصاحة واجب.
ثم إن الوعد بما يرغب فيه العقلاء، وذلك منحصر في أمور الأماكن الطيبة، ثم المآكل الشهية، ثم المشارب الهنيّة، ثم الملابس الرفيعة، ثم
المناكح اللذيذة، ثم ما بعده مما تختلف فيه الطباع.
فإذاً ذكْر الأماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح، ولو تركه لقال مَنْ أمر بالعبادة ووُعد عليها بالأكل والشرب: إن الأكل والشرب لا التذاذ به، إذا كنت في حبس أو موضع كريه، فلذا ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها، وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها، وأرفع الملابس في الدنيا الحرير وأما الذهب فليس مما يُنْسج منه ثوب.
ثم إن الثوب الذي من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل.
وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيل الوزن.
وأما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع، فحينئذ وجب على الفصيح أن يذكر الأثقل الأثمن، ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحثّ والدعاء.
ثم إن هذا الواجب الذكر إما أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح أو
لا يذكر بمثل هذا.
ولا شك أن الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى، لأنه أوجز
وأظهر في الإفادة، وكذلك " إستبرق ".
فإن أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ، ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه، لأن ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة، ولا يجد العربي لفظا واحداً يدل عليه، لأن الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس، ولم يكن لهم بها عَهْدٌ، ولا وُضع في اللغة العربية للديباج الثخين اسم، وإنما عَرَّبوا ما سمعوا من العجم، واستغنوا به عن الوضع، لقلة وجوده عندهم، ونَزرة لفظهم به.
وأما إن ذكره بلفظين فأكثر فإنه يكون قد أخلّ بالبلاغة، لأن ذكر لفظين
لمعنًى يمكن ذكره بلفظٍ تطويل، فعلم بهذا أن لفظ " إستبرق " يجب على كل

(1/149)


فصيح أن يتكلم به في موضعه، ولا يجد ما يقوم مقامه.
وأي فصاحة أبلغ من ألا يوجد غيره مثله، انتهى.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام - بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء
والمنع عن أهل العربية: والصواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعاً.
وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فَعَرّبَتْها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: عجمية فصادق.
ومال إلى هذا القول الجواليقي، وابن الجوزي، وآخرون.
وهذه الألفاظ الواردة في القرآن بغير لغة الحجاز.
وأما ما وقع فيه بغير لغة العرب فنذكر تفسير الغريب على حروف المعجم.
أخرج أبو عبيد من طريق عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (وأنْتمْ
سامِدون) النجم: 161، قال الغناء.
وهي لغة يمانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: هي بالحميرية.
وأخرج أبو عبيد عن الحسن، قال: كُنَّا لا ندري ما الأرائك حتى لَقِيَنَا رجلٌ
من أهل اليمن فأخبرنا أن الأريكة عندهم هي الحجَلة فيها السرير.
وأخرج عن الضحاك في قوله: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
قال: ستوره بلغة أهل اليمن.
وأخرج عن عكرمة في قوله: (وزوَّجْنَاهم بحورٍ عِين) .
قال: هي لغة يمانية، وذلك أن أهل اليمن يقولون: زوجنا فلاناً بفلانة.
قال الراغب في مفرداته: ولم يجيء في القرآن زوجناهم حوراً كما يقال زوجته امرأة، تنبيهاً على أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فما بيننا بالمناكحة.
وأخرج عن الحسن في قوله: (لو أردنا أنْ نتَّخِذَ لَهْواً) .
قال: اللهو بلسان اليمن المرأة.

(1/150)


وأخرج عن محمد بن علي في قوله: (ونادَى نوح ابْنَه) .
قال: هي بلغة طي ابن امرأته.
قلت: وقد قرئ: ونادى نوح ابنها (1) .
وأخرج عن الضحاك في قوله: (أعصرُ خَمْراً) . ي
قال: عنباً بلغة أهل عمان، يسمون العنب الخمر.
وأخرج عن ابن عباس في قوله: (أتَدْعُونَ بعْلاً) .
قال: ربّاً بلغة أهل اليمن.
وأخرج عن قتادة قال: بعلاً ربّاً - بلغة أزد شنوءة.
وأخرج أبو بكر ابن الأنباري في كتاب الوقف عن ابن عباس قال لي: الوزَر
وَلَدُ الوَلد بلغة هذيل.
وأخرج فيه عن الكل قال: المرجان صغار اللؤلؤ بلغة اليمن.
وأخرج في كتاب الردّ على مَنْ خالف مصحف عثمان، عن مجاهد، قال الصواع الطَرْجِهَالَة بلغة حمير.
وأخرج فيه عن أبي صالح في قوله: (أفلم ييْأسَ الذين آمنوا) .
قال: أفلم يعلم بلغة هوازن.
وقال الفراء: قال الكلبي بلغة النخع.
وفي مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس: يغتِنكم: يُضِلّكم بلغة هوازن.
وفيها: بوراً: هَلْكى بلغة عمان.
وفيها: فنَقَّبُوا: هربوا بلغة اليمن.
وفيها: لا يلِتْكلم: لا ينقصكم بلغة بني عبس.
وفيها: مرَاغماً: منفسحاً، بلغة هذيل.
وأخرج سعيد بن منصور في سُنَنه عن عمرو بن شرحبيل في قوله: "سَيْل
العرَم" قال: المسنَّاة بلحن أهل اليمن.
وأخرج في تفسيره، عن ابن عباس، في قوله: (في الكتاب مَسْطُوراً)
قال: مكتوباً، وهي لغة حميرية، يسمون الكتاب أسطوراً.
وقال أبو عبيد القاسم في الكتاب الذي ألفه في هذا النوع: في القرآن بلغة
__________
(1) لا يخفى ما فيه من البعد البعيد، وصريح القرآن يغنينا عن هذه التكلف البعيد، ولقد عصم الله زوجات الأنبياء من الوقوع في الفاحشة - تكريما وإجلالا - لمكانتهم صلوات اللله وسلامه عليهم أجمعين وما ورد في شأن امراة نوح ولوط في قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) محمول على إبطان الكفر وإظهار الإيمان، والله أعلم.

(1/151)


كنانة: السفهاء: الجهال. خاسئين: صاغرين. شَطر: تلقَاء.
لا خَلاَق: لا نَصِيب. وجعلكم ملوكاً: أحرارا.
قَبِيلاً: عياناً. مُعْجزين: سابقين. يَعزب: يغيب.
تركنوا: تميلوا. فجْوة: ناحية. مَوئلاً: ملجأ.
مُبْلسون: آيسون. دُحُوراً: طرداً.
الخراصون: الكذّابون. أسفاراً: كتباً.
أُقَتَتْ: جمعت. كَنُود: كَفُور للنعم.
وبلغة هُذَيل: الرّجْز: العذاب. شَرَوْا: باعوا.
عزموا الطلاق: حققوا. صَلْداً: نقياً.
آناء الليل: ساعاته. فَوْرِهم: وجوههم.
مِدْراراً: مُتَتابعاً. فُرقاناً: مخرجاً.
حرض: حض. عَيْلَة: فاقة.
وليجة: بطانة. انفروا: اغْزُوا. السائحون: الصائمون.
العَنَت: الإثم. غُمَة: شبهة. ببَدَنك: بِدِرْعك.
هامدة: مُغْبَرَّة. دلوك الشمس: زوالها.
شاكِلَته: نا يته. رجْماً: ظنا.
مُلْتَحَداً: مَلْجأ. يرجو: يخاف.
هَضْماً: نَقْصاً. المبذّر: المسرف.
واقصد في مَشْيِك: أسرع.
الأجداث: القبور. ثاقب: مضيء.
بالهم: حالهم. يهْجَعُون: ينامون.
ذَنوباً: عذاباً. دُسُر: المسامير.
تفاوت: عيب. أرجائها: نواحيها.
أطواراً: ألواناً.
بَرْداً: نوماً. واجفة: خائفة.
مَسْغَبة: مجاعة
وبلغة حمير: تَفْشَلوا: تَجْبنوا.
عُثِرَ: اطَّلع.
سفاهة: جنون.
زيَّلْنَا: مَيَّزْنَا.
مَرْجُوًّا: حقيراً.
السقاية: الإناء.
مسنون: منتن.
إمام: كتاب.
يُنْغِضُون: يحركون.
حُسْباناً: بَرَداً.
من الكبر عِتيّاً: نُحولاً.
مآرب: حاجات.
خَرْجاً: جعْلاً.
غرا ماً: بلاءً.
الصَّرْح: البيت.
أنكر الأصوات: أقبحها.
مرض: زنا.
القطر: النحاس.
محشورة: مجموعة.
معكوفاً: محبوساً.
يَتِركم: ينقصكم.
مدينين: محاسبين.
بجبّار: بمُسلّط.
رابية: شديدة.
وَبيلاً: شديداً.
وبلغة جُرْهم: فباؤوا: استوجبوا.
شقاق: ضلال.
خيراً: مالاً.
كدأب: أشباه.
تعدلوا: تميلوا.
يغنوا: يتمتعوا.
شرِّد: نكِّل.
أراذِلُنا: سفلتنا.
عصيب: شديد.
لفيفاً: جميعاً.
محسوراً: منقطعاً.
حَدَب: جانب.
الخلال: السحاب.
الودْق: المطر.
شِرْذمة: عصابة.
ريع: طريق.
يَنْسِلون: يخرجون.
الحبك: الطرائق.
سور: الحائط.

(1/152)


وبلغة أزْد شنوءة: لا شية: لا وضح.
العضْل: الحبْس.
أمَّة: سنين.
الرسّ: البئر.
كاظمين: مكروبين.
غِسْلين: الحار الذى تناهى حَرّه.
لوَّاحة: حراقة.
وبلغة مدلج: رفث: جماع.
مُقيتا: مُقتدراً.
بظاهر من القول: بكذب.
الوصيد: الفناء.
حقباً: دهراً.
الخرطوم: الأنف.
وبلغة خَثْعم: تُسِيمون: ترعون.
مريج: منتشر.
صَغَتْ: مالت.
هَلُوعا: ضجوراً.
شططاً: كذبا.
وبلغة قيس عيلان: نِحْلة: فريضة.
حرج: ضيق.
لخاسرون: مضيَّعون.
تفنَدون: تستهزئون.
صياصيهم: حصونهم.
تُحْبَرون: تنعمون.
رجيم: ملعون.
يلِتْكم: ينقصكم.
وبلغة سعد العشيرة: حفدة: أخْتان.
كل: عيال.
وبلغة كندة: فجاجاً: طرقات.
بُسَّت: فتتَتْ.
تبتئس: تحزن.
وبلغة عذرة: اخسئوا: اخزوا.
وبلغة حضر موت: رِبّيون: رجال.
دمرنا: أهلكنا.
لغوب: إعياء.
مِنْسأته: عصاه.
وبلغة غسان: طفقاً: عمداً.
بئيس: شديد.
سيء بهم: كرههم.
وبلغة مُزَينة: لا تَغْلُوا: لا تزيدوا.
وبلغة لخم: إملاق: جوع.
ولتعْلُنّ: تقهرن.
وبلغة جُذام: فجاسوا خلال الديار: تخللوا الأزقَّة.
وبلغة بني حنيفة: العقود: العهود.
الجناح: اليد.
والرهب: الفزع.
وبلغة اليمامة: حَصِرت: ضاقت.
وبلغة سبأ: تميلوا ميلاً عظيما: تخطئوا خطأ بيناً.
تَبّرنا: أهلكنا.
وبلغة سليم: نكلص: رجع.
وبلغة عمارة: الصاعقة: الموت.
وبلغة طي: ينعق: يصيح.
رغدا: خصباً.
سفه نفسه: خسرها.
يس: يا إنسان.

(1/153)


وبلغة خزاعة: أفيضوا: انفروا.
والإفضاء: الجماع.
وبلغة عمان: خبالاً: غيّا.
نَفَقاً: سربا.
حيث أصاب: أراد.
وبلغة تميم: أمة: نسيان.
بغيا: حسداً.
وبلغة أنمار: طائره: عمله.
أغطش: أظلم.
وبلغة الأشعريين: لأحتَنِكَنَّ: لاستأصِلَنَّ.
تارة: مرة.
اشمازت: مالت ونفرت.
وبلغة الأوس: لينة: النخلة.
وبلغة الخزرج: ينفضَّوا: يذهبوا.
وبلغة مدين: فاقض: فامض.
انتهى ما ذكره أبو القاسم ملخصاً.
وقال أبو بكر الواسطي في كتابه " الإرشاد في القراءات العشر:
في القرآن من اللغات خمسون لغة: لغة قريش، وهذيل، وكنانة، وخثعم.
والخزرج، وأشعر، ونمير، وقيس عيلان، وجرْهم، واليمن، وأزد شنوءة.
وكندة، وتميم، وحمير، ومدين، ولخم، وسعد العشيرة، وحضر موت، وسدوس، والعمالقة، وأنمار، وغسان، ومدلج، وخزاعة، وغَطَفان، وسبأ، وعمان، وبنو حنيفة، وثعلبة، وطي، وعامر بن صعصعة، وأوس، ومزينة، وثقيف، وجذام، وبليّ، وعذْرة، وهوازن، والنمر، واليمامة.
ومن غير العربية: الفرس، والنبط، والروم، والحبشة، والبربر، والسريانية، والعبرانية، والقبط.
ثم ذكر في أمثلة ذلك كالب ما تقدم عن أبي القاسم، وزاد الزجر: العذاب بلغة طىء.
طائف من الشيطان: نخسة، بلغة ثقيف.
الأحقاف: الرمال بلغة ثعلبة.
وقال ابن الجوزي في "فنون الأفنان": في القرآن بلغة همدان: الريحان:
الرزق.
والعيناء: البيضاء.
والعبقري: الطنافس.
وبلغة نصر بن معاوية: الختّار: الغَدّار.
وبلغة عامر بن صعصعة: الحفدة: الخدم.

(1/154)


وبلغة ثقيف: العول: الميل.
وبلغة عك: الصّور: القرن.
وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": قول من قال: نزل القرآن بلغة قريش
معناه عندي الأغلب، لأن غير لغة قريش موجودة في جميع القراءات، من تحقيق الهمزة ونحوها، وقريش لا تهمز.
وقال الشيخ جمال الدين بن مالك: أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلاً، فإنه نزل بلغة التميميين، كالإدغام في: (ومَنْ يشاقّ اللهَ) الحشر: 4.
وفي: (مَن يَرْتَدّ منكم عَن دِينه) المائدة: 54) ، فإن إدغام المجزوم لغة تميم.
ولهذا قلّ.
والفك لغة الحجاز، ولهذا كثر، نحو: (وليُمْلِل) (يُحْبِبكم الله) .
(يمددْكم) (واشدد به أزْري) .
(ومن يحلُلْ عليه غَضَبىِ) .
قال: وقد أجمع القراء على نصب: (إلا اتبَاعَ الظن) ، لأن لغة الحجازيين
التزام النصب في المنقطع، كما أجمعوا على نصب: (ما هذا بَشراً) يوسف:
31) ، لأن لغتهم إعمال ما.
وزعم الزمخشري في قوله: (قل لا يعْلَمُ مَنْ في السماوات والأرض الغيب إلا
اللَهُ) النمل: 65، - أنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم.
فائدة
قال الواسطي: ليس في القرآن حرف غريب من لغة قريش غير ثلاثة
أحرف، لأن كلام قريش سهل، لين واضح، وكلام العرب وحشي غريب.
فليس في القرآن إلا ثلاثة أحرف، غريبة: (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ)
وهو تحريك الرأس: (مُقِيتًا) : مقتدرا.
(فَشَرِّدْ بِهِمْ) : سمع.
*******

(1/155)