معترك الأقران في إعجاز القرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: معترك الأقران في إعجاز القرآن
ويُسمَّى (إعجاز القرآن ومعترك الأقران)
المؤلف: الإمام الحافظ / جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
(المتوفى 911 هـ)
دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م
الجزء الثاني

(2/2)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حَرَف الهمزة
(آدم) أبو البشَر، ذكر أنه أفعل مشتق من الأدمَة، لذا مُنع صرفه.
قال الجواليقي: أسماء الأنبياء كلها أعجمية، إلا أربعة: آدم، وصالح.
وشعيب، ومحمد.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي الضحى عن ابن عباس.
قال: إنما سمِّي آدم، لأنه خُلق من أدِيم الأرض.
وقال قوم: هو اسم سرياني أصله آدام، بوزن خاتام، عُرِّب بحذف الألف
الثانية.
وقال الثعلبي: التراب بالعبرانية آدام فسمي آدم به.
قال ابن أبي خيثمة: عاش تسعمائة وستين سنة.
وقال النووي في تهذيبه: اشتهر في كتب التاريخ أنه عاش ألف سنة.
(إدريس) : قيل إنه قَبْل نوح.
قال ابن إسحاق: إدريس أوَّلُ بني آدم.
أعطي النبوءة، وهو أخنوخ بن يَرْد بن مهائيل بن أنُوش بن قينان بن شيث بن آدم.
وقال وهب بن منبه: إدريس جدّ نوح الذي يقال له خنوخ، وهو اسم
سياني، وقيل عربي مشتق من الدراسة لكثرة درسه الصحف.
وفي المستدرك بسند رواه الحسن عن سمرة، قال: كان في اللهِ إدريس أبيض
طويلاَ ضخم البطن، عريض الصدر، قليل شعر الجسد، كثير شعر الرأس.
وكان إحدى عينيه أعظم من الأخرى، وفي صدره نكتة بياض من غير بَرَص.
فلما رأى الله من جَوْر أهل الأرض واعتدائهم رفعه إلى السماء السادسة، وهو حيث يقول: (ورَفَعنَاه مَكَاناً عَلِيًّا) .

(2/3)


وذكر ابن قُتيبة أنه رُفع وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وفي صحيح ابن
حبان: كان نبِيّاً رَسولاً، وأنه أول من خطّ بالقلم.
وفي المستدرك عن ابن عباس.
قال: كان فما بين نوح وإدريس ألفٌ.
(إبراهيم)
قال الجواليقي: هو اسم قديم ليس بعربيّ، وقد تكلمت به العربُ
على وجوه، أشهرها إبراهيم، وقالوا إبراهام، وقرئ به في السبع، وإبراهم بحذف الياء، وإبْرَهَم، وهو اسم سرياني، معناه أبٌ رحيم، وقيل مشتقّ من البرهمة وهي شدّةُ النظر، حكاه الكرماني في عجائبه، وهو ابن آزر واسمه تارح - بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة - ابن ناحور - بنون ومهملة مضمومة - ابن شاروخ - بمعجمة وراء مضمومة وآخره خاء معجمة - ابن راكو بغين معجمة
- ابن فالَغ - بفاء ولام مفتوحة ومعجمة، ابن عابر - بمهملة وموحدة - ابن شالخ - بمعجمتين - ابن أرْفَخشَد بن سام بن نوح.
قال الواقدي: ولد إبراهيم على رأس ألفي سنة من خَلق آدم.
وفي المستدرك من طريق ابن المسيّب عن أبي هريرة، قال: اختتن إبراهيم بعد
عشرين ومائة سنة، ومات ابن مائتي سنة.
وحكى النووي وغيره قولا إنه عاش مائة وخمسة وسبعين.
(إسماعيل)
قال الجواليقي: ويقال بالنون آخره.
قال النووي وغيره: هو أكبر ولد إبراهيم.
(إسحاق)
وُلد - بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة، وعاش مائة وثمانين سنة.
وذكر أبو علي بن مسكويه في كتابه الفريد: إن معنى إسحاق بالعبرانية
الضحاك.
(أيوب)
قال ابن إسحاق: الصحيح أنه كان من بني إسرائيل، ولم يصح في
نسبه شيء، إلا أن اسم أبيه أبيض.
وقال ابن جرير: هو أيوب بن موسى بن رَوح بن عيص بن إسحاق.
وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط، وأن أباه ممن
آمن بإبراهيم، وعلى هذا فكان قبل موسى.

(2/4)


وقال ابن جرير: كان بعد شعيب.
وقال ابن أبي خيثمة: كان بعد سليمان
ابْتلِي وهو ابن سبعين، وكانت مدة بلائه سبع سنين، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ثلاث سنين.
وحكى الطبراني أن مدةَ عمره كانت ثلاثاً وتسعين سنة.
(إلياس)
قال ابن إسحاق في المبتدأ: هو ابن ياسين بن فنحاص بن العَيْزَار
ابن هارون أخي موسى بن عمران.
وقال ابن عسكر: حكى القتبيّ أنه من سبط يوشع.
قال ابن وهب: إنه عُمِّر كما عُمر الخضر، وإنه يبقى إلى آخر الدنيا.
وعن ابن مسعود أن إلياس هو إدريس.
وإلياس بهمزة قَطْع: اسم عبراني.
وقد زيد في آخره ياء ونون في قوله:
(سَلَام عَلَى إليَاسِين) ، كما قالوا في إدريس إدرايسين.
ومن قرأ آل ياسين فقيل المراد آل محمد.
(اليسع)
قال ابن جرير: هو ابن أخطوب بن العجوز.
قال: والعامة تقرؤه بلامٍ واحدة مخفضة.
وقرأ بعضهم: واللِّيسع بلامين وبالتشديد، فعلى هذا هو
أعجمي، وكذا على الأول.
وقيل عربي منقول من الفعل، من وسع يسع.
(إسرائيل)
لقب يعقوب، ومعناه عبد الله.
وقيل صَفْوة الله.
وقيل سريّ الله، لأنه أسَرى لما هاجر.
أخرج ابن جرير من طريق عمير عن ابن عباس أن إسرائيل كقولك
عبد الله.
وأخرج عَبْد بن حُميد في تفسيره عن أبي مِجْلَز، قال: كان يعقوب رجلاً
بطيشاً فلقي ملكاً فعالجه، فصرعه الملك، فضرب على فخذه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به، فقال: ما أنا بتاركك حتى تسَمَيَني باسم، فسمَاه إسرائيل (1) .
قال أبو مجلز: ألا ترى أنه من أسماء الملائكة.
وفي لغات أشهرها بياء بعد الهمزة ولام، وقرئ إسراييل بياء بلا همز.
قال: ولم يخاطَب اليهود في القرآن إلا بـ يا بَنِي إسرائيل دون يا بني يعقوب
__________
(1) لا يخفى ما فيه من بعد.

(2/5)


لنُكتة، وهي أنهم خوطبوا بعبادةِ اللهِ، وذكروا بدين أسلافهم موعظةً لهم وتنبيهاً من غفلتهم، فسمّوا بالاسم الذي فيه تذكرة باللهِ، فإن إسرائيل اسم مضاف إلى الله في التأويل، ولما ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره به قال يعقوب - وكان أولى من إسرائيل، لأنها موهبة بمعقِّب آخر، فناسب ذكر اسم يشعر بالتعقيب.
(أحمد - صلى الله عليه وسلم -)
نبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وله أسماء كثيرة حتى أنهاها إلى مائة وخمسة وعشرين.
قال الراغب: وخص لفظ أحمد فيما بُشِّر به عيسى، تنبيهاً على
أنه أحمد منه، ومن الذي قبْلَه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة، قال: خمسة سموا قبل أن يكونوا:
محمد، و (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
ويحيى: (إنّا نبَشِّرُكَ بِغلاَم اسمه يحيى) .
وعيسى: (مُصَدقاً بكلمةٍ من اللَه) .
وإسحاق ويعقوب: (فبَشّرْنَاهَا بإسحاقَ ومِنْ وَرَاءِ إسحاقَ يَعقوب) .
(أباريق)
حكى الثعالبي في فقه اللغة أنها فارسية.
وقال الجواليقي: الإبريق فارسي معرب، ومعناه طريق الماء، أو صبّ الماء على هِينَة.
(أبّ) قال بعضهم: هو الحشِيش بلغة أهل الغرب، حكاه شَيْذَلة.
(ابلَعِي) أخرج ابن أبي حاتم، عن وهب بن مُنبِّه في قوله: (ابْلَعِي ماءَكِ) ، - قال بالحبشية أرْدِميه.
وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، قال: اشربيه - بلغة الهند.
(أخلَد) قال الواسطي في الإرشاد: " أخلَد إلى الأرض ": ركن بالعبرانية.
(الأرائك) حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان: أنها السِّدْر بالحبشية..
(آزَر) عُدَّ في المعرب على قول أنه ليس بعم لأبِ إبراهيم ولا الصنم.
وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقرأ:

(2/6)


(وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) .، - يعني بالرفع: أنها أعوج، وأنها أشد كلمة
قالها إبراهيم لأبيه.
وقال بعضهم هي بلغتهم يا مخطىء.
(أسباط)
حكى أبو الليث في تفسيره أنهم بلغتهم كالبساتين بلغة العرب.
(استَبْرَق)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه الدّيباج الغليظ بلغة العجم.
(أسفَار)
قال الواسطي في الإرشاد: هي الكتب بالسريانية.
وأخرج ابنُ أبي حاتم عن الضحاك قال: هي الكتب بالنبطية.
(إصْرِي)
قال أبو القاسم في لغات القرآن: معناه عَهْدي بالنبطية.
(أكواب)
حكى ابن الجَوزي أنها الأكواز بالنبطية.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها بالنبطية الجِرَار ليس لها عُرى.
(إل) بكسر الهمزة - قال ابن جنى: ذكروا أنه اسم الله تعالى بالنبطية.
(أليم)
حكى ابن الجوزي أنه الموجع بالزنجية.
وقال ابن شَيْذلة: بالعبرانية.
(إناه)
نُضجه بلسان المغرب، ذكره شيذلة.
وقال أبو القاسم بلغة البربر.
وقال في قوله: حميم - إنه هو الذي انتهى حره بها.
وقال في قوله: (مِنْ عين آنِيَةٍ) ، أي حارّة بها.
(أوَّاه)
أخرج أبو الشيخ ابن حيان عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" الأوَّاه ": الموقن بلسان الحبشة.
وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن مجاهد وعكرمة.
وأخرج عن عمرو بن شرحبيل قال: الرحيم - بلسان الحبشة.
وقال الواسطي: الأوَّاه الدعاء بالعبرانية.
(أوَّاب)
أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل قال: الأوَّاب المسبّح
بلسان الحبشة.
وأخرج ابن جرير عنه في قوله: (أوِّبِى معه) ، قال: سبحي بلسان الحبشة.

(2/7)


(الأولى)
الآخرة، قال في قوله الجاهلية الأولى، أي الآخرة في الملة.
(الآخرة)
أي الأولى بالقبطية.
والقبط يسمون الآخرة الأولى، والأولى الآخرة، حكاه الزركشي في البرهان.
(آية)
له معنيان: أحدهما عبرة وبرهان، والثاني آية من القرآن، وهي كلام
متّصل إلى الفاصلة.
والفواصل هي رؤوس الآيات.
(أتى)
بقصر الهمزة، معناه جاء، ومضارعه يَأتِي، ومصدره إتيان، واسم
الفاعل منه آت، واسم المفعول مَأتِي.
ومنه قوله تعالى: (إنه كان وَعدهُ مَاتيًّا) .
(وآتى)
بمد الهمزة معناه أعطى، ومضارعة يُؤتي، ومصدره إيتاء، واسم
الفاعل مؤتي، ومنه: (والمؤتون الزّكاة) .
(أبَى)
أي امتنع.
(أثَر) الشيء: بقيّته وأمارته، وجمعه آثار.
والأثر أيضاً الحديث، وأثَارة من علم: بقيّته.
وأثاروا الأرض: حرثوها.
وآثر الرجل بالشيء يؤثره: أي فضّله.
(إثْم) ذَنب، ومنه آثِم وأثِيم: مذنب.
(أجر) ثواب.
وبمعنى الأجرَة، ومنه: (استَأجرْه) .
(وعلى أن تَأجرَني) .
(ويُجِرْكم مِنْ عذاب أليم) .
و (لن يجيرني من الله) .
(وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ) .
فذلك كلّه من الجوار بمعنى التأمين.
(آمن) إيماناً: أي صدق.
والإيمان في اللغة التصديق مطلقاً، وفي الشرع
التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
والمؤمن في الشرع المصدّق بهذه الأمور.
والْمؤمِن اسم الله تعالى إذ هو المصدق لنفسه.
وقيل: إنه من الأمن، أي يُؤمِّن أولياءه من عذابه.
وأمِن - بكسر الميم وقصر الألف - أمناً، وأمِنْت ضدّ الخوف.
وأمن أيضاً من الأمانة، وأمَّنَ غيره من التأمين.

(2/8)


(إمام)
له أربعة معان: القُدوَة، والكنَف، والطريق، وجمع آم، أي تابع.
وهو (اجعلنَا للمتّقين إمَاما) .
(الأجَل)
عبارة عن الوقت الذي تنقطع به الحياة، فإذا قيل: أجل الحياة
وأجل الموت، فالمراد به الوقت الذي يحلّ فيه الدَّين وتنقطع به الحياة، خلافاً للمعتزلة القائلين بأنّ المقتول لو لم يقتل لبقي، وهذا باطل للآية: (فإذا جاء أجلُهم لا يستَأخِرون ساعةً ولا يستقدمون) .
(أُمِّيّ)
لا يقرأ ولا يكتب، ولذلك وُصِف العرب بالأميين.
(أُمّ)
له معنيان: الوالدة، والأصل. وأمُّ القرى: مكة.
(آل)
له معنيان: الأهل، ومنه: آل لوط. والأتباع والجنود، ومنه آل فِرْعون.
(أمْس)
اليوم الذي قبل يَوْمِك. والزّمان الماضي.
(إنَاه) وقتُه، وجمعه آناء، ومنه: آناء الليل.
(أمر)
له معنيان: أحدهما طَلب الفعل على الوجوب أو النّدب أو الإباحة.
وقد قدَّمنَا صيغ الأمر، كالتهديد، والتعجيز، والتعجب، والخبر.
والثاني بمعنى الشأن والصفة، وقد يراد به العذاب.
ومنه: (جاءَ أمْرنَا) .
(إيَاب)
رجوع، ومنه: (إنَّ إلينا إيَابَهم) .
(وإليه مآب) .
(إفْك)
أشدّ الكذب. والأفَّاك الكذاب.
وأفك عنه، أي صرف، ومنه: تؤفكون.
(أوى)
الرجل إلى الوضع بالقصر، وآواه غيره - بالمد.
ومنه الْمَأوَى.
(أفّ) كلمة شَرّ.
(آلاء الله) نععَمه.

(2/9)


(أسف)
له معنيان: الحُزن والغَضب.
ومنه: (فلما آسَفُونا) .
(أسوة)
بكسر الهمزة وضَمّها: قدوة.
(أسِي) الرجل يَأسى أسًى، أي حزن.
ومنه: (فلا تأسَ علي القَوْم الكافرين) .
(فكَيْفَ آسَى) .
(أذان)
بابقصر: إعلام الشيء.
ومنه الأذان بالصلاة، والآذان بالمد: جمع أذن.
(إذن الله) يأتي بمعنى العلم، والأمر، والإرادة، والإباحة.
وأذِنتُ بالشيء علمت به - بكسر الذال.
وآذَنتُ به غيري - بالمد.
(أُكُل) بضم الهمزة: اسم للمأكول.
ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها.
والأَكل - بفتح الهمزة: المصدر.
(أيْكة) غَيْضَة.
(أثاثا) متاع البيت.
(أجَاج) مُرٌّ.
(آنيَة) له معنيان: جمع إناء، ومنه: (بآنِيَةٍ من فِضَّة) ، وشديد الحر، ومنه: (عَيْنٌ آنِية) .
ووَزْن الأول أفعلة، والثاني فاعلة، ومذكرُه آن، ومنه (حَمِيمٍ آن) .
(أأنذرتهم) أعلمتهم بما تحذّرهم منه، ولا يكون الْمُعْلِم مُنْذراً حتى يحذِّر
بإعلامه، فكلّ منذر مُعلم، وليس كل مُعلم منذراً.
(أنْدَاداً) أمثالاً ونُظَراء، واحدها ند
(أزَلَّ) : أي نحّى.
يقال: أزلَلته فزَلّ، ومنه: (فأزَلهما الشيْطَان) .
(أمَاني) جمع أمنية، وهي التلاوة.
ومنه: (ألقَى الشيطان في أمْنِيّته) أي في تلاوته.

(2/10)


والأماني الأكاذيب أيضاً.
ومنه قول عثمان: ما تمنّيْت منذ أسلمت.
ومنه قول بعض العرب لابن دَأب وهو يحَدّث: أهذا شيء روَيتَه أم شيء تمنّيْته، أي افتعلته.
والأماني أيضاً: ما يتمناه الإنسان ويشتهيه.
(أيّدناه) قوّيناه.
(الأبُ) من له ولادة، والعرب تجعل العمّ أباً والخالة أمًّا.
ومنه: (ورفع أبَوَيْهِ عَلَى العرْش) .
(أسباب) وصلات، الواحد سبب ووصلة، وأصل السبب الحبْل يشدّ
بالشيء فيجذب به، ثم جعل لكل ما جرَّ شيئاً سبباً.
(أصْبَرهم) وصبَّرهم واحد.
ويقال: (ما أصبرهم على النار) ، أي ما أجرأهم عليها.
(ألْفَيْنَا) وجدنا.
(أهِلَّة) جمع هلال، يقال له هلال إلى أن يكمل نوره إلى سبع ليال، ثم
قمر، ثم بدر لاستدارته، وقيل لمبادرته الشمس بالطلوع إذا غرب.
(أفَضْتم) دفعتم بكثرة.
(أيام معلومات) أيام التشر يق.
والمعلومات: شوّال، وذو القعدة، وعشرين
من ذي الحجة، أي خذوا في أسباب الحج وتهيئوا له في هذه الأوقات من التلبية وغيرها.
(الأشهر الحرم) رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، واحد فَرْد
وثلاثة سرد.
(ألَدّ الخصَام) أي شديد الخصومة.
(أَفْرِغ) اصببْ، ومنه: (أفْرِغْ عَليْنَا صَبْراً) .
(أقسِطْ) أعدل.
(آتت أكُلَها ضِعفَيْن) ، أي ضعفي غيرها من الأرضين
أسلَمْتُ وَجهي) ، أخلصت.

(2/11)


(أقلامهم)
قِدَاحهم، يعني سِهَامهم التي كانوا يجيلونها عند العزم على
الأمر، ويكتبون اسم الخصم على القلم، ويُلْقُونه في الماء، فإذا جرى القَلم على الماء عُلم أنه حق، وإذا رسب في الماء عُلِم أنه باطل.
كما أن القربان كان حاكم آدم عليه السلام، فمن احترق قربانه علم أنه حقّ، ومَنْ لم يحزق قربانه علم أنه باطل.
والسفينة كانت حاكم نوح، فمن وضع يده على السفينة ولم تتحرك علم أنه
حق، ومن وضع يده عليها وتحركت علم أنه باطل.
والسلسلة كانت حاكم داود عليه السلام، فمن مدّ يده إليها وأخذها فهو
حق، ومن لم يقدر على أخذها فهو باطل.
والنار كانت حاكم إبراهيم عليه السلام، فمن وضع يده على النار فلم تحرقه
فهو على الحق، ومن وضع يده عليها وأحرقته فهو على الباطل.
والصّاع كانت حاكِمَ يوسف عليه السلام، فمن وضع يده عليه وسكت فهو
حق، ومن وضع يده على الصاع وصاح وصوّت فهو باطل.
والحفرة التي كانت في صَوْمعة سليمان عليه السلام كانت حاكمه، فمن وضع رِجلَه فيها ولم تأخذه وخرجت علم أنه حق، ومن وضع رِجْله فيها وانضمّت عليه علم أنه باطل.
فإن قلت: كان أوْلَى بهذه الخواصّ نبيّنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فما باله مُنعها؟
والجواب أنه أعطي البيِّنة على المدعي واليمين على المنكر لئلا يهتك سترَ مَنْ
كذب في دَعواه في الدنيا، فكيف يهتك ستر مَنْ يشهد الشهادة في القربى.
وفي الحديث: إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى كل نبي أن يحاسبَ مع أمّته، ويقول: يا محمد، ألا تحاسب مع أمّتك! فيناجي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربّه، ويقول: إلهي لا تفضَحْني في أمتي، واجعل حسابهم في يدي حتى لا يطلع على مساويهم غيري.
فيقول: يا محمد، أنت تريد ألَّا يطلع على مساويهم غيرك، وأنا لا أريد أن يطلع

(2/12)


على مساويهم أنت ولا غيرك، لأني أرفق بهم منك.
اللهم كما أنعمت علينا به وشرفتنا بشرفه، اقبَلْ من مُحْسننا وتجاوَز عن مُسيئنا، ولا تشف فينا الأعداء، إنكَ ذو الفضل العظيم.
(الأكْمَه) الذي يُولَد أعمى.
(أحَسَّ) علم ووجد.
(أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ) : أحقّهم به.
(الإيناس) الرؤية، والعلم بالشيء، والإحساس به، ومنه: (فإنْ آنسْتُم
منهم رُشْداً) .
و (آنسْتُ ناراً) .
(أذَاعوا به) أفشوه.
(أرْكَسَهم) نكسهم وردّهم في كُفْرِهم.
(آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) أي عامدين.
وأما في الدعاء فتخفف الميم وتمدّ وتقصر، وتفسيره: اللهم استجب.
ويقال (آمين) اسم من أسماء الله عزّ وجل.
(الأزلام) : القِدَاح التي كانوا يَضرِبونها على الميْسر، واحدها زَلَم وزُلَم.
(أجْل ذلك) أي من سببه، ويقال: من أجل ذلك، ومن جرَّاءِ ذلك بالمد
والقَصْر.
(أغرَيْنَا بَينَهم) هيَّجْنا.
ويقال أغرينا: ألصقنا بهم. وأصل ذلك - من
الغِراء.
والعداوة تباعد القلوب والنيات.
والبغضاء: البغض.
(الأوليان) واحدها الأولى: والجمع الأوَّلون.
والأنثى الأوَّلة، والجمع الأوَّلات.
(أكنَّة) أغطية، واحدها كنان.
(أساطير) أباطيل وتُرَّهَات، واحدها أسطورة وإسطَارة.
(أوْزَارها) آثامها، ومنه: (وهم يَحمِلُون أوْزَارَهُم @11 لأنعام: 31) .
وأصل الوِزر ما حمَل الإنسان، فسمّي السلاح أوزاراً، لأنه يحمل.

(2/13)


وأما قوله: (ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى) ، أي لا تُؤخَذ نَفسٌ بذنبِ
غيرها.
(أفَل) غاب.
(أكابر) عظماء.
(الأعراف) سُورٌ بين الجنّة والنار، وسُمِّيَ بذلك لارتفاعه.
ومنه سمي عُرْف الديك، ويستعمل في الشرف والمجد، وأصله في البناء.
(أقَلّتْ) حملت، وإنما سُميت الكيزان قلالاً لأنها تُقَل بالأيدي فيُشرب
فيها.
(أنفال) غنائم.
والنَفْل: الزيادة على الفرض، ويقال لولد الناقة نافلة، لأنه زيادة على أمه.
وأما قوله تعالى: (ووهَبْنَا له إسحاق ويعقوب نافلةً) ، أي دعا بإسحاق، فاستُجيب له وزيد يعقوب، كأنه تفضّل من الله عز وجل، وإن كان كلٌّ بتفضله.
(أمْطرْنَا عليهم) ، - بالهمزة: معناه العذاب، وللرحمة مطرنا.
(أقاموا الصلاة) حافظوا عليها بشروطها، يقال: قام بالأمر، وأقاموا به:
إذا جاء به مُعْطٍ لحقوقه.
(أسلَفَت) قدّمت.
(أخْبَت) تواضع وخشع.
والخَبْت: ما اطمأن من الأرض.
(الأراذل) ،: الناقص القدر والقيمة.
(أوْجَس) أحسَّ في نفسه خوفاً.
(أسرى) من سُرى الليل، يقال سرى وأسرى - لُغتان.
(أدْلى دَلْوَه) : أرسلها ليملأها. ودلاّها: أخرجها.
(أشُدَّه) منتهى شبابه وقوته، واحدها شَدّ، مثل فَلْس وأفْلس.

(2/14)


قال مجاهد: ثلاثاً وثلاثين سنة.
واستوى: قال أربعين سنة.
وأشدُّ اليتيم: قالوا ثمان عشرة سنة.
(أكبَرْنَهُ) أعظَمْنَهُ.
(أَصبُ إليهنَّ) ، أمِلْ إليهن، ويقال أصباني فصبوت، أي
حملني على الجهل، وعلى ما يفعل الصبي، ففعلت.
(أضْغاث أحلام) ،: أخلاط، مثل أضغاث الحشيش.
واحدها ضِغث، وإنما قالوا أضغاث أحلام بالجمع وكانت واحدةً، لأنه
كقولهم: فلان يركب الخيل وإن رَكِبَ فرساً واحداً.
(استَبَقَا الباب) ، من السابقة، معناه: سابق كلّ واحد منهما
صاحبه إلى الباب، فقصد هو الخروج والهروب منها، وقصدَت هي أن تردّه.
فإن قلت: لِمَ قال هنا الباب بالإفراد، وقد قال: وغلِّقَت الأبواب بالجمع؟
فالجواب أن المراد هنا الباب البَرَّاني الذي هو المخرج من الدار.
(آثرك اللهُ) ، أي فضَّلك.
ويقال على أثْرَة: أي فَضْل.
(أصنام) جمع صنم، وهو ما كان مصوّراً من حجر أو صُفر أو نحو ذلك.
والوثَن ما كان من غير صورة.
وقد سمى الله تعالى في كتابه أسماء الأصنام التي
كانت أسماء لأناس: ودّ، وسواع، ويَغوث، ويَعوق، ونسْر.
وهي أصنام قوم نوح.
واللاّت، والعُزَّى، ومَنَاة. وهي أصنام قريش.
وكذا الرّجز فيمن قرأه بضم الراء، ذكره الأخفش في كتاب الواحد والجمع على أنه اسم صَنَم.
(أصْفَاد) أغلال، واحدها صفَد.
(أسقَيْنَاكُموه) يقال لما كان مِنْ يدك إلى فمه سقيته، فإذا جعلت له
شربا وعرضته لأن يشرب أو لزَرْعه قلت أسقيته.
ويقال سقى وأسقى بمعنى واحد.
(أرْذَل العُمُر) الهرم الذي يُنقِص قوّته وعقله، ويصيِّرُه إلى الخرف ونحوه.

(2/15)


(أكنَاناً)
جمع كِنّ، وهو ما سَتَر ووقى من حر البرد.
(أمَّرنا) بالتشديد: جعلناهم أمراء.
(أرْبَى) أي أزيد عددا.
ومن هذا سمي الرِّبا.
(أجلِبْ عليهم) جَمّع عليهم.
(أعثَرنا) أطلعنا.
(أسَاور) جمع أسورة -، وأسورة جمع سوَار، وهو الذي يُلبس في الذراع من
ذهب، فإن كان من فضة فهو قُلب، وجمعه قِلَبة، وإن كان من قَرْن أو عاج
فهو مَسَكة، وجمعها مِسَك.
(أهشّ بها على غَنَمِي) ، أضرب بها الأغصان ليسقط ورقُها على
غنمي فتأكله، وإنما سأله تعالى ليريه عظم ما يفعَلُه في العصا من قلبها حيَّة، فمعنى السؤال تقرير أنها عصا ليتبين له الفرق بين حالها قبل أن يقلبها وبعد أن
يقلبها.
وقيل: إنما سأله ليؤنِسَه ويبسطه بالكلام.
(أزْرِي) عِزّي وظَهْري.
ومنه: (فآزره) ، أي أعانه.
(أمثَلُهم طريقةً) أي أعدَلهم طريقة وقَوْلاً عند نفسه.
(أمْتاً) ارتفاعاً وهبوطاً.
(أتْرَفناهم) نعّمناهم، والترف التقلب في لين العيش.
(أحَاديث) أي عِبَراً يتمثّل بهم في الشر، ولا يقال جعلته حديثاً في الخير.
(الأيِّم) الذي لا زوج لها، ويقال للرجل والمرأة.
(أشْتاتاً) فِرَقاً، واحد هم شت.
(أصيل) ما بين العَصْرِ إلى الليل، وجمعه أُصُل، ثم أصائل جمع الجمع.
(أنَاسي) جمع إنسي، وهو واحد الإنسان، جمعه على لفظه، مثل كرسي
وكراسي، والإنس جمع الجنس يكون بطرح ياء النسب، مثل رومي وروم.
ويحوز أن يكون أنَاسي جمع إنسان، وتكون الياء بدلاً من النون، لأن
الأصل أناسين بالنون، مثل سراحين جمع سرحان، فلما ألغيت النون من آخره عوضت الياء.

(2/16)


(أزْلَفْنَا)
أي جمعناهم في البحر حتى غرقوا، ومنه ليلة المزْدَلفة، أي ليلة
الاجتماع.
ويقال: أزلفنا: قربنا، أي قربناهم من البحر.
ومنه: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) .
(أعْجَمِين) جمع أعجم، وأعجمي أيضاً إذا كان في لسانه
عُجمة، وإن كان من العرب.
ورجل عجمي منسوب إلى العَجَم وإن كان فصيحا، ورجل أعرابيّ إذا كان بدوياً وإن لم يكن من العرب.
ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدوياً.
وقال الفراء: العجمي منسوب إلى نفسه من العجمة، كما قيل للأحمر أحمري، وكقوله: "والدّهْرُ بالإنسان دوّاري".
إنما هو دوّار، وقد نسب الله في كتابه إلى الأماكن:
(الأمِّي) قيل إنه نسبةٌ إلى أم القرَى: مكة.
وعبقري قيل إنه منسوب إلى عَبْقر: موضع للجن ينسب إليه كل نادر.
والسامريّ قيل منسوب إلي أرض يقال لها سامرون وقيل سامرة.
والعربي قيل منسوب إلى عَرَبة، وهي ناحية دار إسماعيل عليه السلام، وأنشد:
وعَرْبَة أرض ما يحل حرامها ... من الناس إلا اللّوْذَعيّ الحُلاحِل
يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(أوْزِعْنِي) ألْهمْنِي، يقال فلان مُوزعَ بكذا ومُولع ومغرى بمعنى واحد.
(أهْوَن عليه) أي هيّن، كما تقول فلان أوحد أي وحيد، وإني لأرجل
أي رجل.
وفيه قول آخر: أي وهو أهون عليه عندكم أيها المخاطبون، لأنَّ
الإعادة عندكم أسهل من الابتداء.
وأما قوله: الله أكبر - فالمعنى الله أكبر من كل شيء.
(أنْكر الأصوات) أقبحها، وإنما يُكْرَة رَفع الصوت في الخصومة والباطل.
ورفع الصوت محمود في مواطن، كالتلبية والأذان.
(أدْعيَاءَكم) .، جمع دَعِيّ، وهو الذي يُدعى ولد فلان وليس بولده.
وسببها أمر زيد بن حارثة، وذلك أنه كان فتى من كلب فسباه

(2/17)


بعض العرب وباعه من خديجة، فوهبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتبنّاه، فكان يقال له: زيد ابن محمد، حتى نزلت هذه الآية.
فسبحان من قاده بسلاسل العناية: واحد من كلب، وآخر من الحبشة، وآخر من الروم، وآخر من فارس، وأبو طالب واقف على الباب ينصره ويذبّ عنه، وحرم من الدخول، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا أنت.
(أقْطَارها) جوانبها، وقُرِئ بالتاء، وهو بمعنى واحد.
الواحد فطْر وقُتْر.
(أشِحَّةً) عليكم: جمع شحيح، أي بخيل.
(أسَلْنَا) ، أذَبْنا، من قولك: سال الشيء وأسلته.
قال ابن عباس: كانت تسيل له باليمن عين من نحاس يصنع منها ما أحب.
والمعنى أن الله أذاب له النّحاس بغير نار، كما صنع بالحديد لداود، فطلب من الله أن يعمل منها صور رجال يقاتل بها أعداءه، ويستعين بهم في خدمته لأنهم أقوى.
فأجابه إلى ذلك، ونفخ فيهم الروح، فكان يستعين بهم في حوائجه، فهذا هو الملك العظيم (1) ، ومع هذا سماه رُخَاء ليتنبَّه العبد على أن جميع ما في الدنيا لا عِبْرَةَ به عنده.
(أثْل) شجر يشبه الطَّرْفَاء، إلا أنه أعظم منه.
(أسَرّوا) أظهروها، وقيل كتموها، يعني كتمها العظماء من
السفلة الذين أضلُّوهم، فهو من الأضداد.
(أذْقَان) جمع ذَقَن، وهو مجتمع اللّحْيَيْنِ.
(أجداث) قبورهم، واحدها جدَث، يعني أنهم ينسلون من قبورهم عند
النفخة الثانية.
(الأحزاب) الذين تحزَّبوا على أنبيائهم، وصاروا فرقاً.
(الخَيْر) : الخيل، سميت بذلك لما فيها من المنافع.
__________
(1) كلام يفتقر إلى سند صحيح.

(2/18)


وفي الحديث: الخير معقود في نواصي الخيل.
وقيل المال.
وهذا يختلف بحسب الاختلاف في القصة.
فأما الذين قالوا إن سليمان عقر الخيْل لما اشتغل بها حتى فاتته الصلاة.
فاختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال: الأول وهو الذي قدمناه.
وأحببت بمعنى آثرت، أو بمعنى فِعْلٍ يتعدى بعَنْ، كأنه قال: آثرت حب الخير فشغلني عن ذكر ربي.
والآخر أن الخيل هنا يراد به المال، لأن الخيل وغيرها مال، فهو كقوله
تعالى: (إنْ ترَكَ خَيْراً) ،: أي مالا.
والثالث أن المفعول محذوف وحب الخير مصدر، والتقدير أحببت هذه الخيل
مثل حب الخير، فشغلني عن ذِكر ربي.
وأما الذين قالوا إنه كان يصلِّي فعُرضت عليه الخيل فأشار بإزالتها، فالمعنى
أنه قال: أحببت حبَّ الخير الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي، فشغلني ذلك عن النظر إلى الخيْل.
(أكفِلْنيها) ضُمَّها إليّ، واجعلني كافلها، أي تلزم نفسي حياطتها، وأصله
اجعلها في كفالتي. وقيل اجعلها كِفْلي، أي نصيبي.
(أتْرَاب) أقران، واحدها ترْب، يعني أن أسنان الآدميات وأسنانَ
أزواجهنّ سواء، من سن ثلاثين سنة والطول ستين ذراعا.
وأما الحور العين فعلى حسب ما تشتهيه الأنفس وتلذُّ الأعين.
(أشرقت الأرض) أضاءت.
(أمَتّنَا اثنَتَيْن وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْن) ، هذا كقوله: (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) .
فالموتة الأولى عبارة عن كونهم عدماً، أو كونهم في الأرحام، أو في الأصلاب. والموتة الثانية الموتة المعروفة.
والحياة الأولى حياة الدنيا.
والحياة الثانية حياة البعث في القيامة.

(2/19)


وقيل الحياة الأولى حياة الدنيا، والثانية الحياة في القبر.
والموتة الأولى الموتة المعروفة، والموتة الثانية بعد حياة القبر.
وهذا قول فاسد، لأنه لا بد من الحياة للبعث فتجيء الحياة ثلاث مراتب.
فإن قيل: كيف اتصال قولهم: أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين بما قبله.
فالجواب أنهم كانوا في الدنيا يكفرون بالبعث، فلما دخلوا النار مقَتوا
أنفسهم على ذلك، فأقرّوا به حينئذ ليرى الله إقرارهم بقولهم: " أمتّنا اثنتين
وأحْيَيْتَنا اثنتين "، إقراراً بالبعث على أكمل الوجوه، طمعا منهم أن يخرجوا عن المقْتِ الذي مقتهم الله، إذ كانوا يُدْعَون إلى الإيمان فيكفرون.
(أقْوات) أرزاق بقدر ما يحتاجون إليه.
وقيل يعني أقواتَ الأرض من المعادن وغيرها من الأشياء التي بها قوام الأرض.
والأول أظهر.
(أرْدَاكم) ، أهلككم.
(أكمامها) أوعيتها التي كانت فيها مستترة قبل تفطّرها، واحدها كِم.
وقوله: (والنخل ذات الأكمام) ، أي الطّلع قبل أن ينفَتِقَ.
(أكواب) : أباريق، لا عرى لها ولا خراطيم، واحدها كوب.
(أبْرموا) أحكموا.
(آنِفاً) أي الساعة، من قولك: استأنفْت الشيء: ابتدأته.
(أحقاف) : جمع حِقْف، وهو الكدْس من الرمل.
واختلف أين كانت!
فقيل بالشام.
وقيل: بين عمان وحضرموت.
والصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن.
(أثخَنتموهم) : أكثرتم فيهم القَتل والأسر.
(آسِن) ، متَغَيِّر الرائحة والطعم.
(أشراطها) : علاماتها، ويقال أشرط نفسه الأمر إذا جعل نفسَه علماً فيه.
ولهذا سمي أصحاب الشّرَط، للبسهم لباساً يكون علامةً لهم.
والشرط في البَيْع

(2/20)


علامة بين المتبايعين، والذي كان قد جاء من أشراط الساعة مَبْعثُ مولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنه قال: أنا من أشراط الساعة، وبعثت أنا والساعة كهاتين.
(أمْلَى لهم) : أي مَدَّ لهم في الأماني والآمال.
والفاعل هو الشيطان.
وقيل الله تعالى.
والأول أظهر، لتنَاسب الضميرين الفاعلين في سوَّل وأملَى.
(أضْغَانهم) أحقادهم، ويراد به هنا النفاق والبغْض في الإسلام وأهله.
(ألقَى السّمْع وهو شهيد) ، أى استمع كتابَ الله وهو شاهد
القَلْب والفهم، ليس بغافل ولا ساهٍ.
(ألقِيَا في جهنم) ، خطاب للملكين السائق والشهيد.
وقيل: إنه خطاب للواحد على أن يكون بالنون المؤكدة الخفيفة، ثم أبدل منها ألفاً، على أن يكون معناه ألقِ ألْق، فثَنَّى مبالغة وتأكيداً، وعلى أن يكون على عادة العرب من مخاطبة الاثنين كقَولهم: خليليّ وصاحبي.
وهذا كله تكلف بعيد.
ومما يدل على أن الخطاب للاثنين قوله: (فألْقِيَاهُ في العذابِ الشديد) .
(أدْبَار السّجود) جمع دُبُر.
والإدبار مصدر أدبر.
قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما: الركعتين بعد المغرب.
وقال ابن عباس: هي النوافل بعد الفرائض، وقيل الوتْر.
(اللاّت والعزى) أصل اللات رجل كان يلتّ السويق للحاجّ.
والعُزَّى كانت صخرة بالطائف، مؤنثة الأعز.
وقيل، إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد فقطع شجرة يقولون لها العُزَّى، فخرجت منها شيطانة ناشرة شعْرها تَدْعو بالوَيْل والثبور، فضربها بالسيف حتى قتلها.
وهذه مخاطبة لمن كان يعبدها من العرب على جهة التوبيخ لهم.
(أكدَى) أي قطع العطاء، وأمسك، مأخوذ من كُدْيّة الركيّة، وهو أن

(2/21)


يحفر الحافر فيبلغ إلى الكُدْية، وهي الصلابة من حجر أو غيره، فلا يعمل مِعْوَلُه شيئاً فييأس وينقطع عن الحفر.
(أقْنَى) ،: أكسبَ عبادَه المال، فهو من كَسْب المال وادخاره.
وقيل معنى أقنى أفقر، وهذا لا تقتضيه اللغة.
وقيل معناه أرضى. وقيل أقنع عبْدَه.
(أزِفت) ، أي قربت، سميت بذلك لقربهها، يقال: أزف شخص فلان أي
قرب.
وقوله: (وأنْذِرْهم يَوْمَ الآزِفَة) ، يعني القيامة.
(أعْجاز نخل) : أصول نخل منقَعر.
وأعجاز نخل منقلع.
وأعجاز نخل خاوية، أي بالية.
شبّه اللَّهُ عاداً لما هلكوا بذلك، لأنهم طوال عِظَام الأجسام، كان طول أحدهم مائة ذراع كالنخل (1) .
وقيل: كانت الريح تقلعهم حتى حفروا حفراً يمتنعون بها من الرّيح فهلكوا فيها، فشبههم بأعجاز النخل إذا كانت في حُفرها.
أَبَشَرًا) ،: هو صالح عليه السلام، وانتصب بفعل مضمر.
والمعنى أنهم أنكروا أن يتبعوا بشراً، وطلبوا أن يكون الرسول من الملائكة، ثم زادوا أن أنكروا أن يتبعوا واحدا وهم جماعة كثيرون.
(أشِر) ، أي بطر، متكبر، وربما كان للمدح من النشاط.
(الأنام) : الخَلْق كلهم، وقيل الحيوان كله.
(الأعلام) : الجبال، شبه السّفن بها، وإنما سمّاها منشآت لأن الناس
ينشئونها.
(أفنَان) : أغصان، واحدها فَنَن وهو الغصن.
أو جمع فن، وهو الصنف من الفواكه وغيرها.
(أول الحَشْر) ، في معناه أربعة أقوال:
__________
(1) كلام فيه نظر لما أخرجه البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الْآنَ".

(2/22)


أحدها: أنه حَشْر القيامة، أي خروجهم من حصونهم أول الحشر، والقيام
من القبور آخره.
وروي في هذا المعنى أنالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: امضوا، هذا أول الحشر وأنا على الأثر.
الثاني: أن المعنى لأول موضع الحشر، وهو الشام، وذلك أن أكثر بني النَّضير - خرجوا إلى الشام، وقد جاء في الأثر أن حَشْرَ القيامة إلى الشام.
وروي في هذا المعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبني النَّضِير: اخرجوا، قالوا: إلى أين، قال: إلى أرض الحشر.
الثالث: أن المراد بالحشر في الدنيا.
هو الجلاء والإخراج، فإخراجهم من
حصونهم أول الحشر، وإخراج أهل خَيْبَر آخره.
الرابع: أن معناه إخراجهم من ديارهم لأول الحشر لقتالهم، لأنه قال قاتلهم.
قال الزمخشري: اللام في قوله (لأوَّل) بمعنى عند، كقولك: جئت لوَقْتِ
كذا.
(أَوْجَفْتم) ، من الإيجاف، وهو السير السريع.
والمعنى أنَّ ما أعطى الله رسوله من أموال بني النضير لم يَمْشِ المسلمون إليه بخيْل ولا رِكاب، ولا تَعِبوا فيه ولا حصَّلوه بقتال، ولكن حصلوه بتسليط رسوله - صلى الله عليه وسلم - على بني النضير، فأعلم
الله في هذه الآية أن ما أخذ لبني النضير وما أخذ من فَدَك، فهو خاصّ بالنبي
- صلى الله عليه وسلم - يفعل فيه ما شاء، لأنه لم يوجف عليها ولا فوتلت كبير قتال، بخلاف الغنيمة التي تؤخذ بالقتال، فأخذ - صلى الله عليه وسلم - لنفسه من أموال بني النضير قوتَ عياله، وقسَّم سائرها في المهاجرين، ولم يعطِ الأنصارَ شيئاً، غير أن أبا دجانَة وسهْل بن حُنَيْف شكواً فاقةً فأعطاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها.
هذا قول جماعة.
وقال عمر ين الخطاب: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِق منها على أهله نفقةَ سنة، وما بقي جعله في السلاح والكرَاع عدة في سبيل الله.

(2/23)


قال قوم من العلماء: وكذلك كل ما فتحه الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم
خاصة يأخذون منه حَاجتهم، ويصرفون باقيه في مصالح المسلمين.
(أفاء الله) ، من الفَيء.
ويعني أن الله جعل فيئاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
(الذي) ، واحد الألى والذين جميعا.
واللاّتي واحدها التي.
(أرجائها) : نواحيها وجوانبها، واحدها رَجَا - مقصور.
يقال ذلك لِحَرْف البِئر وَلِحَرف القَبر وشبهها.
والضمير يعود على السماء، لأنها إذا وهت، وقفوا على أطرافها.
وقيل يعود على الأرض، لأن المعنى يقتضيه وإن لم يتقدم ذكرها.
وروي في ذلك: إن الله يأمر الملائكة فتقف صفوفاً على جوانب الأرض.
والأول أظهر وأشهر.
(أوسطهم) : أعدلهم وأفضلهم.
ومنه: (أمّة وَسطاً) .
(أوعَى) ، يقال: أوعيت المال وغيره إذا جمعته في وعائه، فالمعنى جمع المالَ
وجعله في وعاء.
وهذه إشارة إلى قوم من أغنياء الكفار جمعوا المال من غير حِلّه.
ووضعوه في غير محله.
(أصَرّوا) : أقاموا على المعصية.
(أطواراً) ، أي طَوْراً بعد طَوْرٍ، يعني أن الإنسان كان نُطْفةً، ثم عَلَقة، ثم
مُضْغة إلى سائر أحواله.
وقيل: الأطوار الأنواع المختلفة، فالمعنى أن الناس على أنواع في ألوانهم
وألسنتهم وأخلاقهم وغير ذلك.
(أقْوَم قِيلا) : أصحّ قولاً، لهدأة الناس وسكون الأصوات.
والمعنى تحريض على قيام الليل لكثرة الأجر فيه.
(أَنكلالا) : جمع نِكْل وهو القَيْد من الحديد.
وروي أنها قيودٌ سود من نار
لو وضع قَيْد منها على الأرض لأحرقها.

(2/24)


(أسفر) : أضاء، ومنه الإسفار بصلاة الصبح.
(أمشاج) : أي أخلاط، واحدها مَشَج - بفتح اليم والشين.
وقيل مَشْج بوزن عدل.
وقال الزمخشري: ليس أمشاج بجمع، وإنما هو مفرد، كقولهم: بُرْمَة أعشار.
ولذلك وقعَ صفةً للمفرد.
واختلف في معنى الاختلاط هنا، فقيل اختلاط الدم
والبلغم والصفراء والسوداء.
وقيل اختلاط ماء الرجل والمرأة.
وروي أن عظام الإنسان وعَصَبه من ماء الرجل، وأن لحمه وشحمه من ماء المرأة.
وقيل معناه أطوار، وألوان: أي يكون نطفة ثم علقة.
.. الخ.
(أَسْرَهم) : خلقتهم. وقيل المفاصل والأوصال.
وقيل القوة.
(ألْفافاً) : ملتفّة من الشجر، وهو جمع لُف - بضم اللام. وقيل بالكسر. وقيل لا واحد له.
(أفواجا) : جماعات.
يعني بعد نَفْخَةِ القيامة من القبور.
(أحقاباً) : جمع حقبة أو حُقْب وهي المدّة الطويلة من الدهر غير محدودة.
ثم اختلف في مقدارها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ثلاثون سنة.
وقال ابن عباس: ثمانون سنة. وقيل ثلاثمائة.
وعلى القول بالتحديد فالمعنى أنهم يبقون فيها أحقاباً كلما
انقضى حقب جاء آخر إلى غير نهاية.
وقيل: إنه كان يقتضي أن مدة العذاب تنقضي، ثم نسخ بقوله: (فذوقوا فلَنْ نَزِيدَكم إلاَّ عذَابا) ، وهذا خطأ، لأن الأخبار لا تنسخ.
وقيل هي في عصاة المؤمنين الذين يخرجون من
النار، وهذا خطأ لأنها في الكفار لقوله: (وكَذبوا بآياتنَا كِذَّابا) .
وقيل معناه أنهم يبقون أحياناً لا يذوقون لا بَرْدا ولا شراباً، ثم يبَدَّل لهم
نوع آخر من العذاب، وهذا أليق.
(أَغْطَش ليلها) : أي جعله مظلماً.
يقال غَطَش الليل إذا أظلم، وأغطشه الله.

(2/25)


(أقْبَره) : جعله ذا قَبْرٍ، يقال قبرت الميِّتَ إذا دفنْته.
وأقبرته إذا أمرت أن يُدْفن.
(أنْشَرَه) : أي بعثه من قبره يوم القيامة.
(أذِنَتْ لربّها) ،: أي استمعت، وهو هنا عبارة عن طاعتها
لربها، وإنما انقادت إليه حين أراد انشقاقها، وكذلك طاعة الأرض لمَّا أراد
مَدَها وإلقاءَ ما فيها، وحق لها أن تَنْشق من أهوال يوم القيامة.
أقال عثراتنا.
(أَفْلح) ،: نجا، يعني ظَفِرَ مَن طهَّر نفسه بالعمل، وجانَبَ
الظفر مَن أهملها بالكفر والمعاصي.
(أهَانَن) : يعني لم يحسن إليَّ.
وقد أنكر الله على الإنسان قوله عند النعماء أكْرَمني، ويقول عند الضرر به (أهَانَنِ) ، على وجه التشكي من الله وقلّة التسليم لقضائه، فاعتبر هذا العبد الدنيا، وجعل بسط الرزق فيها كرامة، وتضييقه إهانة، وليس الأمر كذلك، فإن الله يبسط الرزق لأعدائه، ويضيِّقه لأوليائه، ولم يكن في زمان موسى أكرَم على الله منه، وقد قطع الشوك رجليه من الحَفَا، وكان يرى على بطنه أثر البقول.
وفرعون حينئذٍ يدَّعي الربوبية، وقد أمر الله نبيه بالإعراض عن زَهْرَة الدنيا، والنظر إليها في قوله: (ولا تَمدَّن عَيْنَيْكَ) .
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أبي رافع، قال: أضاف النبي - صلى الله عليه وسلم - ضَيْفاً، فأرسلني إلى رجل من اليهود أنْ أسلفني دقيقاً إلى هلال رجب.
فقال: لا إلا بِرَهْن.
فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: والله إني لأمين مَنْ في السماء أمين من في الأرض، فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية: (لا تَمدّنّ عينيك إلى ما متّعْنَا به أزواجاً منهم) .
فإن قلت: قد أثبت اللَّهُ تعالى في قوله: (ربي أكرمنِ) ؟
فالجواب من ثلاتة أوجه:

(2/26)


أحدها: أنه لم ينكر عليه ذكره الإكرام، وإنما أنكر عليه ما يدل عليه كلامه
من الفخر والخُيلاء، وقلّة الشكران، ومن اعتبار الدنيا دون الآخرة.
الثاني: أنه أنكر عليه قوله: رب أكْرَمَنِ إذ اعتقد أن إكرام الله باستحقاقه
الإكرام على وجه التفضّل والإنعام، كقول قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) .
الثالث: أن الإنكار إنما هو لقوله: رَبِّي أهَانَنِ، لا لقوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ) ، فإن قوله: (رَبِّي أَكْرَمَنِ) اعتراف بنعمة الله، وقوله: (رَبِّي أَهَانَنِ) شكاية من فِعْل الله.
(أنْقَض ظَهْرَك) : النِّقْض البعير الذي قد أتعبه السفر
والعمل فنقض لحمه، فيقال له حينئذ نِقْص، وهو هنا عبارة عن ثقل الوِزْر
المذكور وشدته عليه.
قال الحارث المحاسبي: إنما وُصفت ذنوب الأنبياء بالثقل وهي مغفورة لهم لو
صَدَرَت منهم، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله، وهي عند الله خفيفة.
وهذا كما جاء في الأثر أن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى
ذنوبَه كالذبابة تطير فوق أنفه.
وعلى هذا قول من جوّز صغائر الذنوب على الأنبياء.
أو على أن ذنوبه كانت قبل النبوة.
والصحيح أن الوِزْر هي أثقال النبوة
وتكاليفها، فأعانه عليها.
(أثقالها) : جمع ثقْل، وإذا كان الميت في بطن الأرض فهو
ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.
وقيل هي الكنوز، وهذا ضعيف، لأن إخراجها للكنوز وقت الدجّال.
والمراد إخراج الموتى الذين في جوفها عند النفخة الثانية في الصور.
(أَوْحَى لها) : أوحى إليها، إما بكلام أو إلهام. وقيل معناه أوحى إلى الملائكة من أجلها، وهذا بعيد.
وفي التفسير أوحى إليها أمرها.

(2/27)


(أَلْهَاكم التكاثر) : أي شغلكم التكاثر في الدنيا للمباهاة
بكثرة الأموال والأولاد عن محاسبة أنفسكم، ستعلمون ما يحلُّ بكم.
وإنما كرر (كلا سوف تعلمون) ، للتأكيد والتهويل، وعطفه " بثمَّ " إشارة
إلى أن الثاني أعظم من الأول، وإنما حذف معمول (تعلمون) لقَصْدِ التهويل.
فيقدر السامع أعظم ما يَخْطر بباله.
(أبابيل) : جماعات متفرقة، شيئاً بعد شيء.
قال الزمخشري: واحدها إبَّالَة.
وقال جمهور الناس: هو جمع لا واحد له من لفظه.
وقصتهم أنَّ اللَهَ أرسل على أصحاب الفيل طيوراً سوداً وقيل خضراً، عند
كل طائر ثلاثة أحجار في مِنْقاره ورِجْلَيْه، فرمتهم الطيور بالحجارة، فكان
الحجر يقتل مَنْ وقع عليه.
وروي أنه كان يدخل في رأسه ويخرج من دبره، ووقع في سائرهم الجدْريّ
والأسقام وانصرفوا، فماتوا في الطريق متفرقين في المراحل، وتقطع أبرهةُ أنمَلة أنملة.
وروي أن كلَّ حجر منها فوق العدسة ودون الحمّصة.
وقال ابن عباس: أدركت عند أم هانىء نحو قَفِيز من هذه الحجارة، وأنها كانت مخطّطة مجمرة.
وروي أنه كان على حجر اسم مَنْ يقَع عليه مكتوب.
(الأبْتر) : هو الذي لا عقب له، ونزلت هذه الآية في
العاصي بن وائل: وقيل في أبي جهل على وجه الردّ عليه، قال: إن محمداً أبْتَر، لا ولد له، فإذا مات استرحنا منه وانقطع أمره بموته، فأخبر الله أن هذا الكافر هو الأبتر، وإن كان له أولاد، لأنه مبتور من رحمة الله، أي مقطوع عنها، وأنه لا يُذْكَر - إذا ذكِرَ - إلا باللَّعْنة، بخلاف نبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ ذكره خالد إلى آخر الدهر بالصلاة والسلام، مرفوع على المنابر والصوامع، مقرون بذكر الله.

(2/28)


(الفَلَق) : قيل الصبح. ومنه: (فَالِق الإصباح)
الزمخشري: هو فَعَل بمعنى مفعول.
وقيل: إنه كلّ ما يفعله الله، كفلق الأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر والحَبّ والنَّوَى، وغير ذلك
وقيل: إنه جبٌّ في جهنم.
وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم -.
(أهِلَّ) بضم الهمزة: ذكر عند ذَبْحه اسمٌ غي الله، وأصل الإهلال رفع
الصوت.
(اضْطرَّ) : ألجئ، وهو مشتقّ من الضرورة، ووزنه افتعل، وأبدل التاء طاء
واختلف في حدّ الاضطرار، والصحيح أنه ثلاثة أيام، والحكمة فيه أن الميتة
حرمت لسمّها وضرّها، والآدميّ إذا خلت معدته من الطعام نشأ منها سمٌّ قاتل، يغلب على سم الميتة، فلذا أبيح أكلها.
(أمَّة) : يرد لمعان: جماعة، ومنه: (وَجَد عليه أمة)
ورجل جامع للخير، ومنه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) ، ودين
وملّة، كقوله: (إنّا وجَدْنَا آباءنا على أمَّةٍ) وحين وزمان
كقوله تعالى: (إلى امَّةِ معدودة) .، (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي نسيان.
(وأمَّةٌ قائمة) يقال فلان حسن الأمة، أي قائمة.
وأمة: رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد، كقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث زيد بن عمرو بن نفَيل أمة وحده.
وأمة: أم، يقال هذه أمّة زيد، أي أمه.
(أحْصِرتم) : منعتم. والمشهور في اللغة أحصره المرض بالألف، وحصره
العدو.
وقيل بالعكس.
وقيل هما بمعنى واحد، فقال مالك: أحصرتم هنا بالمرض
على مشهور اللغة، فأوجب عليه الهدْي ولم يوجبه - على من حصره العدو

(2/29)


وقال الشافعي وأشهب: يجب الهدْي على من حصره العدوّ، وحمَلَا الآية على
ذلك، واستدلّا بِنَحْرِ الْهَدْي بالحديْبية.
وقال أبو حنيفة: يجب الهدي على المحصَر بعدو وبمرض.
(اخْراكم) : آخركم، وفيه مدْحٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الآخر هو موقف الأبطال يرفع جريحهم، ويقوِّي منهزمهم.
(أجورهنَّ) : مهورهن وصداقهنّ، يعني إذا استَمْتَعْتم بالزوجة بالوَطْء
فيجب إعطاء الصداق كاملاً.
(أُبْسِلوا) : ارتهنوا وأسلموا للهلكة.
(استَهْوَته) ، أي ذهبت به الشياطين في مَهَامِه الأرض، وأخرجته عن
الطريق، فهو استفعال من هوى في الأرض إذا ذهب فيها.
وقال الفارسي: استهوى بمعنى أهوى، مثل استزل بمعنى زل.
(أُمْلي لهم) ، أي أطيل لهم المدة، وأتركهم ملاوة من الدهر مع إرادة
العقوبة، فظاهره إحسان وباطنه خذلان.
(أُذُن) ، يعني يقبل كلَّ ما قيل له ويصدقه.
ورُوي أن قائل هذه المقالة نَبْتَل بن الحارث، وكان من مردة المنافقين.
وقيل عتّاب بن قيس فردّ الله عليه قوله بأنه يسمع الخير والحق ويؤمن للمؤمنين.
(اجتُثَّت) ، معناه استؤْصلت واقتلعت، وحقيقة الاجتثاث أخْذ الجثَّة.
وهذا في مقابلة قوله: (أصلهَا ثابت) .
(أُخْفِيها) ،: أسترها وأظهرها أيضاً، فهو من الأضداد.
قال ابن عطية: هذا قولٌ مختلّ، وذلك أن المعروف في اللغة أن يقال أخفى بالألف من الإخفاء، وخفى بغير ألف بمعنى أظهر، فلو قال بمعنى الظهور لقال أخفيها بفتح الهمزة في المضارع.
وقد قرئ بذلك في الشاذ.

(2/30)


وقال الزمخشري: قد جاء في بعض اللغة أخفى بمعنى خفى، أي ظهر، فلا
يكون هذا القول مخْتلاًّ على هذه اللغة.
والصحيح أن الله أبْهم وقت الساعة فلم يطلع عليه أحدًا حتى كاد أن يحفى وقوعها لإبهام وقتها، ولكنه لم يخفها إذ أخبر بوقوعها، فالإخفاء على معناه في اللغة، " وكاد " على معناها من مقاربة
الشيء دون وقوعه، وهذا هو اختيار المحقِّقين.
(اضْمم) (واسْلكْ) ، بمعنى الدخول.
(اغْضُضْ) : أنْقِص منه.
ومنه: (قل للمؤمنين يغضُّوا مِنْ أبصارهم) ، أي ينقصوا من نظرهم عما حرم الله عليهم، فقد أبيح لهم ما سوى ذلك.
(ارْكُضْ) برجلك: اضرب الأرض. والتقدير قلنا له ارْكض الأرْضَ.
فضَرب الأرض برجله، فنبعَتْ له عَيْنٌ باردة صافية، فشرب منها، فذهب كلُّ مرض كان في جسده.
وروي أنه ركض الأرض مَرّتين فنبع له عَيْنان، فشرب
من إحداهما واغتسل من الأخرى.
(أمُّ الكتاب) : أصل كلّ كتاب، وهو اللوح المحفوظ الذي كتبَ اللَّهُ فيه
مقاديرَ الأشياء كلها.
(أولو العزم من الرسل) : نوح وإبراهيم وعيسى وموسى.
وقيل هم الثمانية عشرة المذكورون في سورة الأنعام بقوله: (فبِهدَاهمْ اقْتَدِهْ) ، وقيل كلّ مَنْ لقي مِنْ أمًته شدةً.
وقيل الرسل كلّهم أولو عزم.
(ازْدجر) : انتهر وشُتم، وقالوا له: (لئن لم تنْتَه يا نوحُ لتكوننّ من
الْمَرْجومين) .
(أُجِّلَتْ) : أخِّرت: وهو من الأجل، كالتوقيت من الوقت، وفيه توقيف
يراد به تعظيم لذلك اليوم، ثم بيّنه بقوله: (وما أدرَاكَ ما يَوْم الفَصْل)

(2/31)


(إبليس) : إفعيل من أبْلَس أي يئس.
وقد كان اسمه أولاً عزرائيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان
اسم إبليس عزرائيل.
وقال السدّي: إبليس هو عزرائيل.
وقال ابن عسكر: قيل اسمه قِتْرَة.
وقيل أبو مرّة، وقيل أبو لُبَيْنى، حكاه السهيلي في " الرّوض الأنف ".
(استوقد) ، أي أوقد.
وقيل طلب الوقود على الأصل في استفعل.
(ارهبونِ) : خافوني.
وإنما حذفت الياء لأنها في رأس آية، ورؤوس
الآيات بَنَوا الوقوف عليها، والوقوف على الياء يُسْتَثْقَل، فاستغنوا عنها
بالكسرة.
(ادّارَأْتُم) ، أي اختلفتم، وهو من المدارأة أي المدَافعة.
وأصله تدارأتم، أي تدافعْتم، أي ألْقَى بعضُكم على بعض، فأدغمت التاء في
الدال لأنهما من مخرج واحد، فلما ادغمت سكنت، فاجتلبت لها ألف الوصل للابتداء، وكذلك (ادّارَكوا) .، فيها و (اثّاقَلْتم) .
(ابْتَلى) ، أي اختبر، أي اختبره بما تعبّدَه به من السنن.
وقد اختلف فيها اختلافاً كثيرا، فقيل خصال الفِطْرة.
وقيل مناسك الحج.
وقيل ثلاثون خصلة، عشرة ذكرت في (براءة) من قوله: (التّائِبون ... ) . التوبة: 112) ، وعشرة في الأحزاب من قوله: (إنّ المسلمين والمسلمات.
..) .
وعشرة في المعارج من قوله: (إلا الْمصَلِّين) .
(الإمام) الذي يؤمّ الناس إليه في الطريق ويتبعونه، ويقال للطريق إمام.
ومنه قوله: (وإنهما لَبِإمَام مُبين) ، أي بطريق واضح يمرون
عليها في أسفارهم - يعني الَقُرْيَتين المهلكتين: قريتي قوم لوط، وأصحاب
الأيْكة، فيرونهما، ويعتبر بهما مَنْ خاف وعيد الله تعالى.
والإمام الكتاب، ومنه قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) ، والإمام كل ما ائتممتَ به واقتديت به.

(2/32)


(اصطفى) : اختار.
(استجاب) : أجاب.
(اعتمر) ، أي زار البيت، ومنه سمِّيت العُمْرة، لأنها زِيارة للبيت.
ويقال: اعتمر، أي قصد
(استَيْسَر) ، أي تيسّر وسهل، وذلك شاة.
(انْفِصَام) : انقطاع.
(إعْصَار) : رِيح عاصف، تَرْفَع ترابا إلى اسماء كأنه عمود نار فيه سَمُوم
محْرقة.
(إلحافاً) : إلحاحاً في السؤال.
والمعنى أنهم إذا سألوا يتلطّفون ولا يلِحُّون.
وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاف معاً.
(ائذَنُوا بحَرْبٍ) : اعلموا ذلك واسمعُوه وكونُوا على إذْن منه، ومن
قرأ: (فآذِنُوا) . البقرة: 379) ، أي فأعلِموا ذلك غيركم.
ولما نزلت قالت ثَقِيف: لا طاقة لنا بحَرْبِ اللهِ ورسوله.
(إنجيل) : إفعيل من النجل، وهو الأصل. والإنجيل أصل العلوم.
ويقال: هو من نجلت الشيء إذا استخرجته وأظهرته.
والإنجيل مستخرج به علوم وحكم.
(اسْتَكانُوا) : خضعوا.
قال بعض النحاة: استكان مشتق من السكون، ووَزْنه افتعلوا، أشْبعت فتحة الكاف فحدث عن شبعها ألف، وذلك كالإشباع، وقيل إنه من كان يكون فوزنه استفعلوا، وهذا تعريض بما صدر من بعض الناس يوم أحد.
(إسرافنا) : إفراطنا.
(انفَضّوا) ، أي تفرقوا، وأصل النفض الكسر.
(ادرءوا) : ادفعوا.
والمعنى رَدَّ عليهم.

(2/33)


(إناثاً) ،: مَوَاتاً.
واختلف ما المراد بقوله، فقيل: هي الأصنام، لأن العرب كانت تسمّي الأصنام بأسماء مؤنثة، كاللَّات والعزى.
وقيل المراد الملائكة لقول الكفار إناث، وكانوا يعبدونهم، فذكر ذلك على وجه إقامة الحجة عليهم بقولهم الفاسد.
وقيل المراد الأصنام، لأنها لا تعْقِل فيُخْبَر عنها كما يُخْبَر عن المؤنث.
(إمْلاق) : فَقْر، وإنما نهى عن قَتْل الأولاد لأجل الفاقة، لأن العرب كانوا يفعلون ذلك، فخرج مخرج الغالب، فلا يفهم منه إباحة قتلهم بغير ذلك الوجه.
(افْتِراء) الافتراء الكذب، وذلك أنهم كانوا قد قسموا أنعامهم وقالوا
هذه أنْعامٌ ... الخ ونسبوا ذلك إلى الله افتراء وكذباً، ونصبه
على الحال أو مفعول من أجله أو مصدر مؤكد.
(ادَّارَكوا) ، تلاحقوا واجتمعوا.
والمراد بأولهم الرؤساء والقادة وآخرهم الأتباع والسفلة.
والمعنى أن أخْراهم طلبوا من الله أن يضَاعِف العذاب لأولاهم، لأنهم أضلوهم.
وليس المعنى أنهم قالوا لهم ذلك خطابا لهم.
إنما هو كقولك: قال لفلان كذا، أي قاله عنه وإن لم يخاطبه به.
(افْتَحْ بيننا) ، أي احكم.
(استرْهَبوهم) ، أي خوّفوهم بما أظهروا لهم مِنْ أنواع السحر.
(إلهتك) - بكسر الهمزة في قراءة مَنْ قرأها - معناها عبادتك.
(انْسَلخَ منها) ، أي خرج، كما تخرج الحبة من القشر.
والانسلاخ من الثياب.
وقد اختلف في هذا المُنْسلِخ، فعند ابن مسعوْد هو رجل
من بني إسرائيل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مَدْين، فرشاه الملك على أن يترك دين موسى ويُتَابع الملك على دينه، ففعل، وأضل الناسَ بذلك.
وقال ابن عباس: هو بَلْعَام الذي دعا على موسى، فالآيات التي أعطيها على هذا القول هي

(2/34)


اسم الله الأعظم.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: هو أمية بن أبي الصَّلْت.
وكان قد أوتي علماً وحكمة، وكان قد أسلم قبل غَزْوَة بَدْر، ثم رجع عن ذلك، ومات كافراً، وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم.
فالآيات على هذا ما كان عنده.
وعلى قول ابن مسعود هي ما علمه موسى من الشريعة.
وقيل ما كان عنده من صحف إبراهيم.
(إلاَّ ولَا ذِمّة) ، قد قدمنا أن " إل " على خمسة أوجه:
بمعنى الله، والعهد، والقرابة، والحلف، والجوار.
(اقْتَرَفْتموها) : اكتسبتموها.
ْ (إحْدى الحُسْنَيَيْن) : الصبر والظفر، أو الموت في سبيل الله.
وكلّ واحدة من الأمرين حَسن.
(إرصادا) يقال رصدت وأرصدت في الخير والشر جميعاً، وهو الترقّب
والانتظار.
ومعناه هنا أن بني عمرو بن عَوْف من الأنصار بَنَوْا مسجد قبَاء.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتيه ويصلي فيه، فحسدهم على ذلك قومهم بنو غَنْم بن عَوْف وبنو سالم بن عوف، فبنوا مسجداً آخر مجاوراً له، ليقطعوا الناس عن الصلاة في مسجد قبَاء، فذلك هو الضِّرار الذي قصدوا.
وسألوا من رسول اللَه - صلى الله عليه وسلم -أن يأتيَه ويصلي لهم فيه، فنزلت عليه هذه الآية.
والذي حارب الله ورسوله هو أبو عامر الراهب الذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفاسق، وكان من أهل المدينة، فلما قدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاهر بالكفْر والنِّفاق، ثم خرج إلى مكة فحزَبَ الأحزاب من المشركين، فلما فتحت مكة خرج إلى
الطائف، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الشام ليستنصر بِقَيْصَر، فهلك هنالك.
وكان أهل مسجد الضرَار يقولون: إذا قدم أبو عامر المدينة يصلي في هذا
المسجد.
والإشارة بقوله (مِنْ قَبْل) إلى ما فعل مع الأحزاب.
(إيْ ورَبّي) ، إيْ توكيد للإقسام.
المعنى نعم وربي.
(اقضوا إليَّ) ، أي أمْضوا ما في أنفسكم ولا تؤَخِّروه،

(2/35)


كقوله: (فاقضِ ما أنت قاضٍ) ، أي أمض ما أنت مُمْض.
ومعناه أَن نوحاً عليه السلام قال لقومه: إن صَعُب عليكم دُعائي لكم إلى الله فامضوا في غاية ما تريدون، فإني لا أبالي بكم لتوكلي على الله وثِقَتي به سبحانه.
(اطمِسْ) ، أي امْحُه، من قولك: طُمِس الطريقُ إذا عفا
ودَرَس.
(إجرامي) ، مصدر أجْرَمْتُ إجراماً، أي أذنبت.
(اعْتَرَاك) : قصدك.
ومعناه ما نقول إلا أنَّ بعض آلهتنا أصابَتْك بجنون، لأنك سَبَبتَها ونهَيْتَنَا عن عِبَادتها.
(استعمركم) ، أي جعلكم تعمرونها، فهو من العمران للأرض.
وقيل هو من العمْر، أي استبقاكم.
(ارتقبوا) ، أي انتظروا.
ومعناه التهديد والتخويف.
(اسْتَعْصَم) ، أي طلب العصمة وامتنع مما أرادت منه من الفاحشة.
(استيئسوا) ، أي يئسوا.
(اصدع) ، أظهر، أخذ من الصديعِ وهو الصبح.
قال الشاعر:
كأنَّ بياضَ لَبَّتِهِ صَدِيع
(الْمُقْتَسِمين) : اختلف فيهم، فقيل هم أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض
كتابهم وكفروا ببعضه، فاقتسموه إلى قسمين.
وقيل: هم قُريش اقتسموا أبواب مكة في الموسم، فوقف كلُّ واحد منهم على باب، يقول أحدهم هو شاعر، ويقول الآخر ساحر.
والكاف من قوله (كما) ، متعلقة بقوله: (أنا النَّذِير المبين) ، أي انذر قريشاً عذابا مثل العذاب الذي أنزل على المقتسمين.
وقيل يتعلّق بقوله: (ولقد آتينَاكَ) ، أي أنزلنا عليك كتابا كما أنْزَلنا على المقتسمين.
(استَفْزِز) ، أي اخدع بدعائك إلى أهل المعاصي، واستخف بهم.

(2/36)


(ارْتَدّا على آثارهما) ، أي رجعا في طريقهما يَقُصّان أثَرَهمَا
الأول، لئلا يخرجا عن الطريق.
(إِمْرًا) : عجباً، ويقال داهية.
(انْتَبَذَتْ من أهلها) اعتزلتهم ناحية.
يقال: قعد نَبْذَةً وَنُبْذَةً: أي ناحية.
(إلْحَادٍ) ، أي ميل عن الحق.
(أسْمِعْ بهم) أي ما أسمعهم، وما أبصرهم يوم القيامة، على أنهم في الدنيا
في ضلال مبين.
(اخسئوا) : كلمة تستعمل في زجر الكلاب، ففيها إهانة وإبعاد.
وفي الحديث أنه قال - صلى الله عليه وسلم - لابن صياد: اخْسَأْ فلن تَعدوَ قَدْركَ.
(إفْك) أشدّ الكذب، ونزلت الآيات الست من قوله تعالى: (إن الذين
جاءُوا بالإفْك عصْبةٌ منكم ... ) ، إلى قوله تعالى: (لهم مغفرة
ورِزْقٌ كَرِيمٌ) - في شأن عائشة وبراءتها مما رماها أهل الإفك، وذلك أن الله
برّأَ أربعة بأربعة: برّأ يوسف بشهادة الشاهد من أهلها، وبرأ موسى من قول
اليهود بالحجر الذي ذهب بثَوْبه.
وبرأ مريم بكلام وَلَدِها في حِجْرِها.
وبرأ عائشة من الإفك بنزول القرآن في شأنها.
ولقد تضمنت هذه الآيات الغاية العظمى في الاعتناء بها، والكرامة لها.
والتشديد على من قذفها.
وقد خرّج حديث الإفك البخاري ومسلم وغيرهما.
واختصاره أن عائشةَ رضي الله عنها خرجت مع رسول اللَه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني الْمصْطَلق، فضاع لها عقد فتأخرت على التماسه حتى رحل الناس، فجاء رجلٌ يقال له صَفْوان بن المعطِّل، فرآها فنزل عن ناقته، وتَنَحَّى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ الجيش، فقال أهل الإفك في ذلك ما قالوا، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما بال رجال رمَوْا أهلي! والله ما علمت على أهلي
إلا خيراً، ولقد رموا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً.

(2/37)


وسأل جارية عائشة، فقالت: واللَه ما علمت عليها إلا كما يعلم الصائغ عن الذهب الأحمر.
ولم يذكر في الحديث من أهل الإفك إلا أربعة، وهم: عبد اللَه
ابن أبىّ بن سلول رأس المنافقين، وحَمْنة بنت جحش، ومسطح بن أثاثة.
وحسان بن ثابت.
وقيل: إن حسان لم يكن معهم.
(الإرْبَة) ، الحاجة إلى الوطء.
وشرط في رؤية غير ذوي المحارم شرطان:
أحدهما أن يكونوا تابعين، ومعناه أن يتبع لشيء يعْطَاه، كالوكيل والمتصرّف، ولذلك قال بعضهم: هو الذي يَتْبعك وهمّتُه بَطْنه.
والآخر ألا يكون لهم إرْبَة في النساء، كالخصِيّ، والمخنث، والشيخ الهرم.
والأحمق. فلا يجوز رؤْية النساء إلا باجتماع الشرطين.
واختلف هل يجوز أن يراها عَبْد زَوْجها وعَبْد الأجنبي أم لا، على قولين.
وأما العبيد ففيهم ثلاثة أقوال: منع رؤيتهم لسيدتهم، وهو قول الشافعي.
والجواز، وهو قول ابن عباس وعائشة.
والجوازُ بشرط أن يكون العَبْدُ وغداً وهو مذهب مالك، واحْتَج بهذه الآية.
(اطَّيَّرْنَا) ،: أصله تَطَيَّرْنَا، ومعناه تَشَاءَمْنَا، وكانوا قد
أصابهم القَحْط، فَنَسَبوا ما أصابهم إلى صالح، فلذلك جاوبهم بقوله: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) ، أي السبب الذي يحدث عنه خَيْرًا وشَرًّا هو عند
الله، وهو قضاؤه وقَدَره.
(اقْصِدْ في مَشْيِك) : أي اعتدل فيه، فلا تسرع فيه إسراعاً
يدل على الطَّيْش والخِفَّة التي تذهب ببهاء الوجه، ولا تبطئ لأنه يدل على النخوة والكبْر.
والْقَصْد: ما بين الإسراف والتقصير.
وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يمشي مُتَواضعاً لا متَبَخْتِرا ولا كسلاً، وكان بين ذلك قَوَاماً.
(امْتَازوا) أي انْفَرِدوا عن المؤمنين وكونوا على حدة، لتأخذكم الزَّبَانية.
(اصْلَوْها) : ذوقوا حَرَّها.
ويقال صليت النار إذا نالك حرُّها.

(2/38)


(استَفْتِهم) سَلْهم.
والضمير المفعول لقريش وسائر الكفار، أي اسألهم على
وجه التقرير والتوبيخ عما زَعموا من أن الملائكة بنات الله، فجعلوا للَه الإناث ولأنفسهم الذكور، وتلك قسمة ضِيْزَى.
(إلْيَاسِين) ، يعني إلياس وأهل دينه، جمعهم بغير إضافة
بالياء والنون على العدد، كأنّ كلَّ واحدٍ منهم اسمه إلياس.
وقال بعض العلماء:
يجوز أن يكون إلياس وإلياسين بمعنى واحد، كما يقال ميكايل وميكال.
وتقرأ على آل ياسين، أي على آل محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرج ابن أبي حاتم بسنَدٍ حسن عن ابن مسعود، قال: إلياس هو إدريس.
وقراءته: وإن إدريس لَمِنَ المرْسلين. سلاَمٌ على إدْرَاسين.
وفي قراءة أبيّ: وإن إلياس ... سلام على إلْيَسِين.
وقيل إنه لقب إدريس.
وقد أخطأ مَنْ قال إنه إلياس المذكور في أجداد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(اشئمأزتْ) معناه نفرت، والمشمئزُّ النافر.
ومعنى الآية أن الكفار يكرهون توحيد الله، ويحبّون الإشراك به، ونزلت حين قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم، فألقى الشيطان.
.. حسبما ذكر في الحج، فاستبشر الكفَّار من ذكر اللات والعزى (1) ، فلما أذهب الله ما ألقى الشيطان استكبروا واشمازُّوا.
(اصْفَح) : أعرض.
وأصل الصفح أن تنحرف عن الشيء، فتولِيه صفحةَ
وجهك، وهذا الإعراض منسوخٌ بآية السيف كما قدمنا.
(الغوا) ، من اللّغَا، وهو الهجْر والكلام الذي لا نَفْع فيه.
ورُوي أن قائل هذه المقالة أبو جهل لعنه الله، وقال لهم: تشاكلوا عند قراءته بِرَفعِ الأصوات وإنشاد الشعر، وشِبْه ذلك حتى لا يسمعه أحد.
وقيل المعنى:
قَعُوا فيه وعِيبوه.
(اعتِلوه) ، أي سُوقوه بتَعْنيف إلى سَوَاءَ الجحيم، يعني وسطها.

(2/39)


واختلف على مَنْ يعود الضمير، فقيل على أبي جهل.
وقيل على العموم، وهو الأظهر.
(انشزوا) ، معناه ارتفعوا عن مواضعكم حتى تُوَسِّعوا لغيركم
واختلف في هذا النشوز الأمور به، فقيل إذا دعوا إلى قتال أو صلاةٍ أو
فعلِ طاعةٍ.
وقيل: إذا أمروا بالقيام من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان يحب الانفراد أحياناً، وربما جلس قومٌ حتى يُؤمَروا بالقيام.
وقيل المراد القيام في المجلس للتوسع.
(استحوذ) ، أي غلب عليهم الشيطان وتملّك نفوسهم.
واستحوذ مما خرج على الأصل ولم يُعَلّ.
ومثله اسْتَرْوَح، واستَنوَق الجمل، واستَصْوَب رأيه.
(اسعوا) : امضوا إلى ذِكْر الله بالهيئة والجدّ، ولم يرد الغدو والإسراع.
للحديث: لا تَأتُوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار.
وأمر في هذه الآية بالسعي إلى الجمعة، وذلك عند جلوس الإمام على المنبر
وأخذ المؤذنين في الأذان.
(وائتمروا) خطاب للرجال والنساء.
والمعنى أن يأمرَ كلُّ واحد صاحبَه بخير، من المسامحة، والرِّفق، والإحسان.
وقيل: معنى ائتمروا تشاوروا.
ومنه: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) .
(استَغشَوْا ثيابَهم) : جعلوها غشاوة عليهم لئلا يسمعوا كلامه
ولئلا يراهم.
ويحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة، أو يكون عبارة عن إفراط إعراضهم.
فانظر نصْحَه صلى الله على نبينا وعليه وسلم، ذكر أولاً أنه دعاهم
بالليل والنهار، ثم ذكر أنه دعاهم جهاراً، ثم ذكر أنه جمع بين الجَهْر والإسرار، وهذه غايةُ الجد في النصيحة، وتبليغ الرسالة.

(2/40)


(التَفّتِ السّاقُ) ، هذه عبارة عن شدَّةِ كَرْب الموت
وسكَرَاته، أي التفّت ساقه إلى ساقه الآخر عند السباق.
وقيل مجاز، كقولك:
كشفت الحَرْب عن ساقها، إذا اشتدّت.
وقيل معناه ماتت ساقه فلا تحمله.
وقيل التفت، أي لفَّها الكفَن إذا كُفِّن.
(انكدرت) ، أي تساقطت من مواضعها.
وقيل تغيرت.
والأول أرجح، لأنه موافق لقوله: (وإذا الكواكب انْتَثَرَتْ) .
(اتَّسق) القمر إذا تمَّ وامتلأ ليلة أربع عشرة.
ووزن اتسق افتعل، وهو مشتق من الوسق.
ويقال: اتسق استوى.
(إرَم) هي قبيلة عاد، سُمِّيت باسم أحد أجدادها، كما يقال هاشم لبني
هاشم.
وإعرابه بدل من عاد، أو عطف بيان.
وفائدته أنَّ المراد عاد الأولى، فإنّ عادا الثانية لا يسمَّون بهذا الاسم.
وقيل إرم اسمُ مَدِينتهم، فهو على حذف مضاف، تقديره بعاد عاد إرم.
ويدل على هذا قراءة ابن الزبير بعادِ إرم على
الإضافة من غير تنوين عاد، وامتنع إرم من الصرف على القولين للتعريف
والتأنيث.
(اقتحم العَقَبة) ، الاقتحام: الدخول بشدة ومشقّة.
والعقبة عبارة عن الأعمال الصالحة المذكورة.
وجعلها عقبة استعارة من عقبة الجبل، لأنها
تصعد ويشق صعُودها على النفوس.
وقيل هو جبل في جهنم له عقبة لا يجاوزها
إلاّ مَنْ عمل هذه الأعمال، ولا هنا تحضيض بمعنى هلا.
وقيل هي دعاء. وقيل: هي نافية.
واعترض على هذا القول بأن " لا " النافية إذا دخلت على الفعل
الماضي لزم تكرارها.
وأجاب الزمخشري: بأنها مكررة في المعنى، والتقدير فلا اقتحم العقبة ولا
فَكَّ رقبة، ولا أطعم مسكيناً.
(انْبَعَثَ) يعني خرج إلى عَقْرِ الناقة بسرعة ونشاط.

(2/41)


و (أشْقَاهَا) ، أُحَيْمر ثمود قُدَار بن سَالفٍ عاقر الناقة.
ويحتمل أن يكون أشقاها واقعاً على جماعة، لأن أفعل التي للتفضيل إذا أضفته يستوي فيه الواحد والجمع.
والأول أظهر.
(انْحَرْ) : اذبح.
ويقال انحر: ارفع يديك بالتكبير إلى نحرك.
والأول أظهر، لأن الله أمره بالصلاة على الإطلاق.
وبِنَحْرِ الهدْي والضحايا.
وقيل إنه عليه الصلاة والسلام كان يضحي قبل صلاة العيد، فأمره أنْ يُصَلًي ثم ينحر، فالمقصود على هذا تأخير نحر الأضاحي عن الصلاة.
وقيل: إن الكفار كانوا يصلون (مكَاء وتَصْديةً) ، وينحرون للأصنام، فقال الله لنبيه: صل لربك وحده، وانحر له، أي لوجهه لا لغيره، فهو على هذا أمر بالتوحيد والإخلاص.
(الهمْزة) تأتي على وجهين: أحدها الاستفهام، وحقيقته طلب الإفهام.
وهي أصل أدواتها، ومن ثَمَّ اختصت بأمور:
أحدها: جواز حذفها.
الثاني: تأتي لطلب التصوّر والتصديق، بخلاف هل، فإنها للتصديق خاصة.
وسائر الأدوات للتصور خاصة.
ثالثها: أنها تدخل على الإثبات، نحو: (أكان للناس عَجَبا) .
(آلذَكَرَيْنِ حَرّم) .
وعلى النفي نحو: (ألَمْ نَشْرَحْ) .
وتفيد حينئذ معنيين: أحدها التذكير والتنبيه، كالمثال المذكور، وكقوله: (ألم تَر إلى رَبِّك كَيْفَ مَدّ الظًلَّ) .
والثاني التعجب من الأمر العظيم، كقوله تعالى: (ألم تر إلى الَّذِين خَرَخوا مِنْ ديَارِهم وهم ألوفٌ حَذَر الموت) .
وفي كلا الحالتين هو تحذير، نحو: (ألم نهْلِك الأولين) .
رابعها: تقدمها على العاطف تنبيهاً على أصالتها في التصدير، نحو: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا) .

(2/42)


(أفَأمِنَ أهْل القرَى) .
(أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ) .
وسائر أخوانها متأخّر عنه، كما هو قياس
جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو: وكيف تكفرون.
فأين تذهبون. فأنَّى تؤْفَكون. فهل يهلك.
فأيّ الفريقين. فما لكم في المنافقين.
خامسها: أنه لا يُستفهم بها حتى يهجس في النفس إثبات ما يستفهم عنه.
بخلاف هل فإنه لما لا يترجَّح عنده نَفْيٌ ولا إثبات، حكاه أبو حيان عن
بعضهم.
سادسها: أنها تدخل على الشرط.
نحو: (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) .
(ولئن متّمْ أو قُتِلتم) .
(أفَإن ماتَ أوْ قُتِل انقَلبْتم) ، بخلاف غيرها.
وتخرج عن الاستفهام الحقيقي فتأتي لمعانٍ قدمناها في الخبر والإنشاء.
فائدة
إذا دخلت على " رأيت " امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القَلب، وصارت بمعنى أخبرني.
وقد تبدل هاء، وعلى ذلك قراءة قنْئل: (هأنتم) ، هؤلاء - بالقصر.
وقد تقَع في القسم، ومنه: (ولا نكتم شهادةً آلله) ، بالتنوين، آلله بالمد.
الثاني: من وجهي الهمزة أن تكون حرفاً ينَادَى به القريب، وجعل منه الفراء
قوله تعالى: (أمَنْ هو قَانِت آناء الليل) - على قراءة تخفيف الميم.
أي يا صاحب هذه الصفات.
قال ابن هشام: ويبعده أنه ليس في التنزيل نداءٌ بغير ياء، ويقربه سلامته من
دَعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دَعوى كثرة الحذف، إذ التقدير عند مَنْ يجعلها للاستفهام: أمّنْ هو قانت خَيْرٌ أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى: (قل تَمَتّع بكفْركَ قليلاً) .
فحُذف شيئان: معادل الهمزة والخبر.

(2/43)


(أحَد) قال أبو حاتم في كتاب الزينة: هو اسمٌ أكمل من واحد، ألا ترى
أنك إذا قلت: فلان لا يقوم له واحد جاز في المعنى أن يقوم له اثنان فأكثر.
بخلاف قولك لا يقوم له أحد.
وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول: ليس في الدار واحد، فيجوز أن يكون من الدواب والطير والوحوش والإنسان، فيعمّ الناس وغيرهم، بخلاف ليس في الدار أحد، فإنه مخصوص بالآدميين دون غيرهم.
قال: ويأتي الأحد في كلام العرب بمعنى الأول وبمعنى الواحد، فيستعمل في
الإثبات وفي النفي، نحو: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، أي واحد، وأوَّل.
(فابْعَثوا أحدَكم بِوَرِقِكمْ) ، وبخلافهما فلا يستعمل إلا في النفي، تقول: ما جاءني من أحد.
ومنه: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) .
(أيحسب أنْ لم يَرَه أحد) .
(فما منكم من أحد) .
(ولا تُصَلّ على أحد منهم) .
وواحد يستعمل فيها مطلقاً.
وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث، قال تعالى: (لستُنّ كأحدٍ مِنَ النساء)
، بخلاف الواحد فلا يقال كواحد من النساء بل كواحدةٍ.
وأحد يصلح للإفراد والجمع.
قلت: ولهذا وُصِف به في قوله تعالى: (فما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ عنه حَاجِزين) .
بخلاف الواحد.
والأحد له جمع مِنْ لفظه، وهو الأحد والآحاد، وليس للواحد جمع من
لفظه، فلا يقال وحد، بل اثنان وثلاثة.
والأحد ممتنع الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب.
بخلاف الواحد. انتهى ملخصا.
وقد تحصَّلَ من كلامه أن بينهما سبعة فروق.
وفي أسرار التنزيل للبارزي في سورة الإخلاص: فإن قلت المشهور في كلام

(2/44)


العرب أن الأحد يستعمل بعد النفي والواحد بعد الإثبات، فكيف جاء أحد هنا بعد الإثبات؟.
قلت قد اختار أبو عبيد إنهما بمعنى واحد وحينئذٍ فلا يختص أحدهما بمكان
دون الآخر، وإن غلب استعمال أحد في النفي.
ويجوز أن يكون للعدول هنا عن الغالب رعاية للفواصل.
وقال الراغب في مفردات القرآن: أحد تستعمل على ضربين:
أحدهما في النفي فقط، والآخر في الإثبات.
فالأول لاستغراق جِنْسِ الناطقين، ويتناول القليل والكثير، ولذلك صح أن
يُقال ما من أحد فاضلين، كقوله: (فما مِنْكمْ من أحَدٍ عنه حَاجِزين) .
والثاني على ثلاثة أوجه:
الأول: المستعمل في العَدَد مع العشرات، كأحد عشر وأحد وعشرين.
والثاني: المستعمل مضافاً أو مضافاً إليه بمعنى الأول، نحو: (أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا) .
والثالث: المستعمل وصفا مطلقاً، ويختص بوصف الله تعالى، نحو: " قل هو
الله أحد ".
وأصله وَحد، إلا أن وَحد يستعمل في غيره.
***