معترك الأقران في إعجاز القرآن فوائد مهمة
(إذْ)
ترِد على أوجه:
أحدها أن تكون اسماً للزمان الماضي، وهو الغالب، ثم قال
الجمهور: لا
تكون إلا ظرفاً، نحو: (فقد نصره الله إذْ أخرجهُ الّذِين
كَفَرُوا) .
ومضافاً إليها الظرف: (بَعْدَ إذْ هدَيتَنا) .
(يومئذ تُحَدّثُ) .
(وأنتم حينئذ تَنْظُرون) .
وقال غيرهم: تكون مفعولاْ به، نحو: (واذكرُوا إذا أنتُم
قَلِيل) .
وكذا المذكورة في أوائل القصص كلها مفعول به، بتقدير اذكر.
أو بدلاً منه نحو: (واذْكُرْ في الكتاب مَرْيَم إذِ
انْتَبَذَتْ) ، فإنها بدل اشتمال
(2/45)
من مريم على وجه البدل في: (يسألونكَ عن
الشهر الحرام قِتَال فيه) .
(اذكروا نعمةَ الله عليكم إذْ جعل فيكم أنبياءَ) .
أي اذكروا النعمةَ التي هي الجَعْل المذكور، فهي بدل كل من كل.
والجمهور يجعلونها فيَ الأول ظرفاً لمفعول محذوف، أي واذكروا
نعمةَ الله عليكم إذ كنتم قليلاً.
وفي الثاني ظرفاً لمضاف إلى مفعول محذوف، أي واذكر قصة
مريم.
ويؤيّد ذلك التصريح به في: (واذكروا نعمةَ الله عليكم إذْ كنتم
أعداءً) .
وذكر الزمخشري أنها تكون مبتدأ، وأخرج عليه قراءة بعضهم:
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولًا) .
قال التقدير " مَنه " إذ بعث، فإذْ محل رفع كإذا قولك: أخطَب
ما يكون الأمير إذا كان قائماً، أي لقد مَنّ الله على المؤمنين
وقت بعْثه.
قال ابن هشام: ولا نعلم بذلك قائلاً.
وذكر كثير أنها تخرج عن المضي إلى الاستقبال، نحو: (يومئذ
تحَدث أخبَارَها) .
والجمهور أنكروا ذلك وجعلوا الآية من باب: (ونفخَ في الصُّور)
- يعني من
تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة الماضي الواقع.
واحتج المثبتون - ومنهم ابن مالك - بقوله: (فسوف يعلمون إذ
الأغلالُ في أعناقهم) .
قال: يعلمون مستقبلٌ لفظاً ومَعْنًى، لدخول حرف التنفيس عليه،
وقد عمل في إذ، فيلزم أن تكون بمنزلة إذا.
وذكر بعضهم أنها تَأتي للحال نحو: (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ
عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ
فِيهِ) .
فائدة
أخرج ابن أبي حاتم من طريق السديّ عن أبي مالك، قال: كل ما كان
في
القرآن (إنْ) - بكسر الألف - فلم يكن، وما كان إذ فقد كان.
(2/46)
الوجه الثاني: أن تكون للتعليل، نحو: (ولن
يَنفَعكم اليَوْمَ إذ ظَلَمْتُم أنكم
في العذاب مشتَرِكون) ، أي ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في
العذاب لأجل ظُلمكم في الدنيا.
وهل هي حرف بمنزلة لام العلة، أو ظرف بمعنى وقت، والتعليل
مستفاد من
قوة الكلام لا من اللفظ، قولان، المنسوب إلى سيبويه الأول،
وعلى الثاني في الآية إشكال، لأن إذ لا تُبْدَل من اليوم
لاختلاف الزمانَيْنِ، ولا تكون ظرفاً لينفع، لأنه لا يعمل في
ظرفين، ولا "مشتركون"، لأن معمول خبر أن
وأخواتها لا يتقدم عليها، ولأن معمول الصِّلَة لا يتقدم على
الموصول، ولأن
اشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم.
ومما حُمل على التعليل: (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) .
(وإذ اعْتَزَلتُموهم وما يعْبدونَ إلاَّ الله فَأوُوا إلى
الكهْفِ) .
وأنكر الجمهور هذا القِسْم، وقالوا: التقدير: بعد إذ ظلمْتُم.
وقال ابن جني: راجَعْتُ أبا عليٍّ مِرَاراً في قوله: (ولن
ينفعكم اليوم ... ) الآية.
مستشكلا إبدال إذ من اليوم.
فآخِر ما تحصّل منه أنَّ الدنيا والآخرة متصلتان، وأنهما في
حكم الله سواء، فكأن اليوم ماض.
الوجه الثالث: التوكيد، بأن تُحْمَل على الزيادة، قاله أبو
عُبيدة، وتبعه ابن
قتيبة، وحملا عليه آيات منها: (إذ قال ربكَ للملائكة) .
الرابع: التحقيق كقد، وحملت عليه الآية المذكورة، وجعل منه
السّهَيلي
قوله: (بعد إذ أنتم مُسلمون) .
قال ابن هشام: وليس القولان بشيء.
مسألة
تلزم إذ الإضافة إلى جملة إمَّا اسمية، نحو: (واذكروا إذ أنتُم
قَليلٌ) .
أو فعلية فعلها ماض لفظا أو معنى،
(2/47)
نحو: (وإذ قال رَبك للملائكة) .
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) .
أو معنًى لا لفظاً، نحو: (وإذ تَقُولُ للّذِي أنعم اللهُ عليه
وأنعَمْتَ عليه) .
وقد اجتمعت الثلاثة في قوله: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ)
.
وقد تحذف الجملةُ للعلم بها ويعوض عنها التنوين.
وتكسر الذال لالتقاء الساكنين، نحو: (يومئذٍ يَفرَحُ المؤمنون)
.
(وأنتم حينئذٍ تنظرون) .
وزَعم الأخفش أن " إذ " في ذلك معربة، لزوال افتقارها إلى
الجملة، وأن
الكسرة إعراب، لأن اليوم والحين مضافٌ إليها.
ورُدَّ بأن بناءها لوضعها على حرفين، وبأنَ الافتقار باق في
المعنى.
كالموصول تُحْذَف صلته.
(إذا) على وجهين:
أحدهما: أن تكون للمفاجأة، فتختصّ بالجمل الاسمية، ولا تحتاج
إلى
جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال، نحو:
(فألقَاها فإذا هي حيَّةٌ تَسْعَى) .
(فلمَّا أنجَاهُم إذا هم يَبْغون) .
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ
مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا) .
قال ابن الحاجب: ومعنى المفاجأة حضورُ الشيء معك في وصْفٍ من
أوصافك الفعلية، تقول: خرجت فإذا الأسد في الباب، ومعناه حضورُ
الأسد معك في زَمن وصْفِك بالخروج، أو في مكان خروجك، وحضورُه
معك في مكان خروجبن ألصقُ بك من حضوره في زمن خروجك، لأن
المكان يخصك دون ذلك الزمان، وكلما كان ألصق كانت المفاجأة فيه
أقوى.
(2/48)
واختلف في إذا هذه، فقيل إنها حرف، وعليه
الأخفش، ورجّحه ابن
مالك.
وقيل ظرف مكان، وعليه المبرد، ورجّحه ابن عصفور.
وقيل ظرف زمان، وعليه الزجاج، ورجّحه الزمخشري، وزعم أن عاملها
فعل مقدَّر مشتقّ من لفظ المفاجأة.
قال: التقدير: ثم إذا دعاكم ... فاجأتم الخروج في ذلك الوقت.
قال ابن هشام: ولا يعرف ذلك لغيره، وإنما يعرف ناصبها عندهم
الخبر
المذكور أو المقدَّر.
قال: ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرّحاً به.
الثاني: أن تكون لغير المفاجأة، والغالب أن تكون ظرفاً
للمستقبل تضمّنت
معنى الشرط.
وتختصّ بالدخول على الجمل الفعلية، وتحتاج لجوابٍ، وتقَع في
الابتداء، عكس الفجائية، والفعل بعدها إما ظاهر، نحو: (إذا جاء
نصْر اللهِ) .
وإما مقدَّر، نحو: (إذا السماء انشَقَّت) .
وجوابها إما فعل، نحو: (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ
بِالْحَقِّ) .
أو جملة اسمية مقرونة بالفاء، نحو: (فَإِذَا نُقِرَ فِي
النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) .
(فإذانفِخَ في الصُّورِ فلا أنسابَ بَينَهم) .
أو فعلية طلبية كذلك، نحو: (فسبِّح بحمدِ ربك) .
أو اسمية مقرونة بإذا المفاجأة، نحو: (إذا دَعَاكم دَعْوةً من
الأرض إذا أنتم
تَخرجون) .
(فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ) .
وقد يكون مقدَّراً لِدَلالة ما قبله عليه، أو لدلالة المقام،
كما تقدم في أنواع
الحذف.
وقد تخرج إذا عن الظرفية، قال الأخفش - في قوله تعالى: (حتى
إذا
جاءوهَا) .: إن إذا جرّ بـ حتى.
وقال ابن جني في قوله: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) ،
- فيمن نصب خافضة رافعة: إن إذا الأولى مبتدأ والثانية خبر.
والمنصوبان حالان.
وكذا جملة ليس ومعمولاها.
والمعنى وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين، وهو وقت
رَج الأرض.
(2/49)
والجمهور أنكروا خروجها عن الظرفية، وقالوا
- في الآية الأولى: إن حتى
حرف ابتداء دخل على الجملة بأسرها، ولا عمل له.
وفي الثانية إن إذا الثانية، بدل من الأولى والأولى ظرف،
وجوابها محذوف لفَهْمِ المعنى، وحسَّنَه طول الكلام.
وتقديره بعد إذا الثانية، أي انقسمتم انقساماً، وكنتم أزواجاً
ثلاثة.
وقد تخرج عن الاستقبال فترد للحال، نحو: (والليل إذا يغْشَى) .
فإنّ الغشيان مقارِنٌ لليل.
- (والنهار إذا تَجَلَّى) .
(والنجم إذا هوى) .
وللماضي، نحو: (وإذا رأوْا تجارة أو لَهْواً) .
فإن الآية نزلت بعد الرؤية والانفضاض.
وكذا قوله تعالى: (ولا على الّذِين إذَا ما أتَوْكَ
لِتَحْمِلَهم) .
(حتى إذا بَلَغَ مَطْلعَ الشّمْسِ) .
(حتى إذا ساوَى بين الصدَفَيْنِ) .
وقد تخرج عن الشرطية، نحو: (وإذا ما غَضِبوا هم يغْفِرُون) .
(والذين إذا أصابهم البَغْى هم يَنتَصِرون) ، فإذا في الآيتين
ظرف للمبتدأ بعدها، ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جواب قرنت
بالفاء.
وقول بعضهم: إنه على تقديرها مردودٌ بأنها لا تحذف إلا ضرورة.
وقول آخر: إن الضمير توكيد مبتدأ، وإن ما بعده الجواب -
تعسُّف.
وقول آخر إن جوابها محذوف مدلولٌ عليه بالجملة بعدها تكلفٌ من
غير
ضرورة.
تنبيهات
الأول - المحققون على أن ناصب (إذا) شرْطها، والأكثرون أنه ما
في
جوابها مِنْ فعلٍ أو شبهه.
الثاني - قد تستعمل إذا للاستمرار في الأحوال الماضية والحاضرة
والمستقبلة.
كما يستعمل الفعل المضارع لذلك.
ومنه: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا
وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ
إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) .
(2/50)
أي هذا شأنهم أبداً.
وكذا قوله: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا
كُسَالَى) .
الثالث - ذكر ابن هشام في المغني إذا ولم يذكر إذا ما، وقد
ذكرها الشيخ
بهاء الدين السبكي في عروس الأفراح في أدوات الشرط، فأمّا إذ
مَا فلم تقع في القرآن.
ومذهب سيبويه أنها حرف.
وقال المبرد وغيره: إنها باقية على الظرفية
وأما " إذَا ما " فوقعت في القرآن في قوله: (وإذا ما غَضِبوا
هم يَغْفِرون) .
(إذا ما أتَوكَ لتَحملهم) .
ولم أجِد مَنْ تعرّض لكونها باقيةً على الظرفية أو محولة إلى
الحرفية.
ويحتمل أن يجري فيها القولان في إذ ما.
ويحتمل أن يُجزم ببقائها على الظرفية، لأنها أبعد عن
التركيب بخلاف " إذ ما "
الرابع: تختص " إذا " بدخولها على المتيقَّن، والمظنون،
والكثير الوقوع.
بخلاف إن فإنها تستعمل في الشكوك والوهوم والنادر، ولهذا قال
تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ) .
ثم قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) .
فأتى بإذا في الوضوء لتكرُّره وكثرة أسبابه، وبإنْ في الجنابة
لقلَّة
وقوعها بالنسبة إلى الحدث.
وقال تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا
هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا) .
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ
يَقْنَطُونَ) .
أتى في جانب الحسنة بـ إذا لأنَّ نِعَمَ الله على العباد كثيرة
ومقطوع بها، وبـ إن في جانب السيئة لأنها نادرة الوقوع
ومشكوك فيها.
نعم أشكل علىِ هذه القاعدة آيتان الأولى: (ولئن مِتُّم) ،
(أفإنْ متَّ) ، مع أن الموت محقّق الوقوع.
والأخرى قوله: (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا
رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ
رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) .
فأتى بـ إذا في الظرفين.
(2/51)
فأجاب الزمخشري عن الأولى بأن الموت لما
كان مجهول الوقت أُجرِيَ مجرى
غير المجزوم.
وأجاب السكاكي عن الثانية بأنه قصد التوبيخ والتقريع، فأتى
بإذا ليكون
تخويفاً لهم، وإخبارا بأنهم لابد أن يمسَّهم شيء من العذاب،
واستفيد التقليل من لفظ المس، وتنكير ضر.
أما قوله: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ
وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ
عَرِيضٍ (51) .
فأجيب عنه بأن الضمير في (مَسَّهُ) للمعرض المتكبر لا لمطلق
الإنسان، ويكون لفظ (إذا) للتنبيه على أن مثل هذا المعرض يكون
ابتلاؤه بالشر مقطوعاً.
وقال الحوفي: الذي أظنه أن (إذا) يجوز دخولُها على المتيقّن
والمشكوك.
لأنها ظرف وشرط، فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك، وبالنظر
إلى
الظرف تدخل على المتيقَّن، كسائر الظروف.
الخامس - خالفت (إذا) (إن) في إفادة العموم.
قال ابن عصفور: فإذا قلت إذا قام زيد قام عمرو أفادت أنه كلما
قام زيد قام عمرو، وهذا هو الصحيح.
وفي أن المشروط بها إذا كان عدماً يقع الجزاء في الحال.
وفي " إن " لا يقع الجزاء حتى يتحقّق اليأس من وجوده.
وفي أن جزاءهَا متعقب لشرطها على الاتصال، ولا يتقدم ولا
يتأخّر.
بخلاف إن، وفي أن مدخولها لا تجزمه لأنها لا تتمحّض شرطاً.
خاتمة
قيل: قد تَأتي (إذا) زائدة، وخرج عليه: (إِذَا السَّمَاءُ
انْشَقَّتْ)
، أي انشقت السماء.
(2/52)
(إذن)
قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء، فقال الشَّلَوْبين: في كل
موضع.
وقال الفارسي في الأكثر.
والأكثر أن تكون جواباً لـ إن أو لو، ظاهرتين أو مقدرتين.
قال الفراء: وحيث جاءت بعدها اللام فقبْلَها (لو) مقدرة إن لم
تكن ظاهرة، نحو: (إذاً لَذَهَبَ كلُّ إلهٍ بما خلَق) .
وهي حرف يَنْصِب المضارع بشرط تصديرها واستقباله واتصالها أو
انفصالها
بالقَسَم أو بلا النافية.
قال النحاة: وإذا وقعت بعد الواو والفاء جاز فيها الوجهان،
نحو: (وإذاً لا
يلْبثون خِلاَفَك إلّا قليلاً) .
(فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) ، وقرئ شاذًّا
بالنصب فيهما.
وقال ابن هشام: التحقيق أنه إن تقدمها شرط وجزاء وعطفت فإن
قدرْتَ
العطف على الجزاء جزمَت وبطل عمل إذن لوقوعها حشواً، أو على
الجملتين جميعاً جاز الرفع والنصب، وكذا إذا تقدمها مبتدأ خبره
فعل مرفوع إن عطفت على الفعلية رفعت أو على الاسمية فالوجهان.
وقال غيره: إذن نوعان:
الأول: أن تدل على السببية والشرط، بحيث لا يُفهم الارتباط من
غيرها.
نحو: أزورك، فتقول: إذن أكرمَك، وهي في هذا الوجه عاملة تدخل
على الجمل الفعلية فتنصب المضارع المستقبل المتصل إذا صدّرت.
والثاني: أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم، أو منبهةً على سبب
حصل
في الحال، وهي حينئذ غير عاملة، لأن المؤكدات لا يُعْتَمد
عليها، والعامل
يعتمد عليه، نحو: إن تَأتني إذأ أتيتك.
وواللَه إذن لأفعلنّ.
ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط.
وتدخل على الاسمية فتقول: إذن أنا أكرمك.
ويجوز توسطها وتأخيرها.
ومن هذا قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا) .
فهي مؤكدة للجواب مرتبطة بما تقدم.
(2/53)
تنبيهان
الأول: سمعت شيخنا العلامة الكافيجي يقول في قوله تعالى:
(وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا
لَخَاسِرُونَ (34)
- ليست إِذًا هذه الكلمة المعهودة، وإنما هي إذا الشرطية حذفت
جملتها التي تضاف إليها، وعُوِّض عنها التنوين، كما في يومئذٍ.
وكنت أستحسن هذا جدًّا، وأظن أن الشيخ لا سلف له في ذلك.
ثم رأيت الزركشي قال في البرهان - بعد ذكره لإذَنْ المعنيين
السابقين:
وذكر لها بعضُ المتأخرين معنى ثالثاً، وهو أن تكون مركبة من
(إذا) التي هي ظرف زمان ماض، ومن جملة بعدها تحقيقاً أو
تقديراً، لكن حذفت الجملة تخفيفا، وأبدل منها التنوين، كما في
قولهم: حينئذ.
وليست هذه الناصبة للمضارع، لأن تلك تختص به، ولذا عملت فيه،
ولا يعمل إلا فيما يختص، وهذه لا تختص به، بل تدخل على الماضي،
كقوله: (وإذاً لآتيْنَاهم) . (إذاً لأمسكْتم خشيةَ الإنْفَاق)
. (إذاً لأذَقناك) .
وعلى الاسم، نحو: (وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)
قال: وهذا المعنى لم يذكره النحاة، ولكنه قياس ما قالوه في إذ.
وفي التذكرة لأبي حيان: ذكر لي علم الدين القعنبي أن القاضي
تقي الدين بن
رَزِين كان يذهب إلى أن إذن عوض من الجملة المحذوفة، وليس هذا
قول
نحوي.
وقال الحوفي: وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال: أنا آتيك:
إذاً
أكرمك - بالرفع - على معنى إذا أتيتني أكرمك، فحذفت أتيتني
وعوضت
التنوين عن الجملة فسقطت الألف لالتقاء الساكنين.
قال: ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل هذا
المثال
منصوب بإذن، لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفاً ناصباً له،
ولا ينفي
(2/54)
ذلك رفع الفعل بعدها إذا أريد بها إذا
الزمانية معَوَّضاً من جلتها التنوين، كما أن منهم مَنْ يجزم
ما بعد " من " إذا جعلها شرطية، ويرفعه إذا أريد بها
الموصولة.
فهؤلاء قد حاموا حول ما حام الشيخ إلا أنه ليس أحد منهم من
المشهورين
بالنحو، وممن يعتمد قولُه فيه.
نعم ذهب بعض النحاة إلى أن أصل إذا الناصبة
اسم، والتقدير في إذن أكرمك - إذا جئتني أكرمك، فحذفت الجملة
وعوّض عنها التنوين وأضمرت إن.
وذهب آخرون إلى أنها أحرف مركبة من إذ وإن.
حكى القولين ابن هشام في المغني.
التنبيه الثاني: الجمهور على أن إذا يوقف عليها بالألف المبدلة
من النون.
وعليه إجماع القراء، وجوّز قوم منهم المبرد والمازني في غير
القرآن الوقوف عليها بالنون كـ إن وأن.
وينبني على الخلاف في الوقف عليها كتابتها، فعلى الأول
تكتب بالألف كما رُسمت في المصاحف.
وعلى الثاني بالنون.
وأقول: الإجماع في القرآن على الوقوف عليها، وكتابتها بالألف -
دليل على أنها اسم منوّن لا حرف آخره نون، خصوصاً أنها لم تقع
فيه ناصبة للمضارع، فالصواب إثبات هذا المعنى لها كما جنح إليه
الشيخ ومَنْ سبق النَقْل عنه.
(أفّ)
قد قدمنا أنها كلمةٌ تستعمل عند الضجر.
وقد حكى أبو البقاء في قوله تعالى: (فلا تَقل لهما
أفّ)
- قولين أحدهما أنه اسم لفعل الأمر، أي كفَّا وَاتْركَا.
والثاني أنه اسم لفعل ماض، أي كرهت وتضجَّرت.
وحكى غيره ثالثاً: أنه اسم لفعل مضارع، أي أتضجَّر منكما.
وأما قوله في سورة الأنبياء: (أفٍّ لكمْ) .
فأحاله أبو البقاء على ما سبق في الإسراء، ومقتضاه تساويهما في
المعنى.
وفَسَّر صاحب الصحاح أفّ بمعنى قذر.
وقال في الارتشاف: أتضجر.
(2/55)
وفي البسيط معناه التضجّر. وقيل الضجر.
وقيل تضجرت.
ثم حكى فيها تسعاً وثلاثين لغة.
قلت: قرئ منها في السبع أف بالكسر - بلا تنوين.
وأف - بالكسر والتنوين.
وأفَّ - بالفتح بلا تنوين.
وفي الشاذِّ أفٌّ - بالضم منوناً. وأفْ - بالتخفيف.
أخرج ابنُ أبي حاتم عن مجاهد في قوله: فلا تَقُل لهما أف.
قال: لا تقذرهما.
وأخرج عن أبي مالك قال: هو الرديء من الكلام.
(الْ)
على ثلاثة أوْخهٍ:
أحدها: أن تكون اسما موصولا بمعنى الذي وفروعه، وهي الداخلة
على
أسماء الفاعلين والمفعولين، نحو: (إنّ المسلمينَ والمسلمات..)
إلى آخر الآية.
(التّائِئون العابدون) .
وقيل هي حينئذ حَرْف تعريف.
وقيل موصول حَرْفي.
الثاني: أنْ تكون حرف تعريف، وهي نوعان: عَهْديّة وجنْسية،
وكلٌّ منهما
ثلاثة أقسام، فالعَهْدِية إما أن يكون مصحوبُهَا معهوداً
ذِكرِيًّا، نحو: (كما
أرْسَلْنَا إلى فرعون رسولاً فَعَصى فِرْعَون الرَّسولَ) .
(فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) .
وضابطُ هذه أن يسدَّ الضمير مسدها مع مصحوبها.
أو معهوداً ذِهنيّا، نحو: (إذ همَا في الغار) .
(إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) .
أو معهوداً حضوريا، نحو: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ) .
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) .
قال ابن عصفور: وكذا كل واقعة بعد اسم الإشارة، أو أيْ في
النداء، أو
إذا الفجائية، أو في اسم الزمن الحاضر، نحو: الآن.
والجنسية إما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها " كلّ "
حقيقة، نحو:
(2/56)
(وخُلِق الإنسان ضعيفاً) .
(عالمُ الغَيْبِ والشهادةِ) .
ومن دلائلها صحةُ الاستثناء من مدخولها، نحو: (إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) .
ووصفه بالجمع، نحو: (أوِ الطفلِ الذين لم يظَهروا) .
وإمّا لاستغراق خصائص الأفراد، وهي التي تخلفها (كل) مجازاً،
نحو: (ذلك الكتاب) ، أي الكتاب الكامل في الهداية، الجامع
لصفات جميع الكتب المنزلة وخصائصها.
وإما لتعريف الماهية والحقيقة والجنس، وهي التي لا تخلفها (كل)
لا حقيقة ولا مجازاً، نحو: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ
شَيْءٍ حَيٍّ) .
(أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ
وَالنُّبُوَّةَ) .
قيل: والفرق بين المعرَّف بأل هذه وبين اسم الجنس النكرة هو
الفرق بين
المقيَّد والمطلق، لأن المعرف بها يدل على الحقيقة لا باعتبار
قيد.
الثالث: أن تكون زائدة، وهي نوعان: لازمة كالتي في الموصولات
على
القول بأن تعريفها بالصلات، وكالتي في الأعلام المقارنة
لنقلها، كاللات
والعزّى.
أو لغلبتها كالبيت للكعبة، والمدينة لطيْبَة، والنجم للثريّا.
وهذه في الأصل للعهد.
أخرح ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: (والنجم إذا هوى) .
- قال: الثريا.
وغير لازمة في الحال، وخرّج عليه قراءة بعضهم: (ليَخْرجنَّ
الأعَزّ منها
الأذل) - بفتح الياء، أي ذليلاً، لأن الحال واجبة التنكير، إلا
أن ذلك غير فصيح، فالأحسن تخريجه على حذف مضاف، أي خروج الأذل"
كما قدَّره الزمخشري.
مسألة
اختلف في (أل) في اسم الله، فقال سيبويه، هي عوض من الهمزة
المحذوفة
بناء على أن أصله إله، دخلت (أل) فنُقلت حركة الهمزة إلى
اللام، ثم أدغمت.
(2/57)
قال الفارسي: ويدل على ذلك قَطْعُ همزها
ولزومها.
وقال آخرون: هي مزيدة للتعريف تفخيمًا وتعظيمًا، وأصله إِلاَه
أو وِلَاه.
وقال قوم: هي زائدة لازمة لا للتعريف.
وقال بعضهم: أصله هاء الكناية، زيدت فيه لام الملك، فصار له،
ثم زيدت
أل تعظيما، وفخَّموه توكيداً
وقال الخليل، وخلائق: هي من بنْيَة الكلمة، وهي أصلُ علَم لا
اشتقاق له
ولا أصل.
خاتمة
أجاز الكوفيون وبعضُ البصريين وكثير من المتأخرين نيابة " ال "
عن الضمير
المضاف، وخرجوا على ذلك: (فإن الجنّةَ هي الْمَأوَى) .
والمانعون يقدرون له.
وأجاز الزمخشري نيابتها عن الظاهر أيضاً.
وخرّج عليه: (وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها) .
قال: وأصل الأسماء المسميات.
***
(ألَا) - بالفتح والتخفيف - وردت في القرآن على أوجه:
أحدها: التنبيه، فتدل على تحقيق ما بعدها.
قال الزمخشري: ولذلك قلَّ وقوع الجمل بعدها إلا مصدّرةً بنحو
ما يُتلقى به اسم القسم، وتدخل على الاسمية والفعلية، نحو:
(ألاَ إنهم هم السفهاءُ) .
(أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ) .
قال في المغني: ويقول المعربون فيها:
حرف استفتاح فيبيِّنون مكانها ويُهملون معناها.
وإفادتها التحقيق من جهة تركبها من الهمزة، ولا، وهمزة
الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق، نحو: (أَلَيْسَ
ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) .
الثاني والثالث: التحضيض والعرض، ومعناها طلب الشيء، لكن الأول
طلب بحثّ، والثاني طلب بلين، وتختص فيهما بالفعلية، نحو:
(أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) .
(قومَ فرعونَ ألا يتّقُون) .
(2/58)
(ألَا تَأكلون) .
(ألا تحِبُّون أنْ يغفر الله لكم)
***
(ألاَّ) - بالفتح والتشديد: حرف تحضيض، لم يقع في القرآن هذا
المعنى
فما أعلم، إلا أنه يجوز عندي أن يخرج عليه: (ألاَّ يسجدوا
للهِ) النمل:
(35) .
وأما قوله: (ألا تَعْلوا عليَّ) النمل: (31) ، فليست هذه، بل
هي
كلمتان: (أن) الناصبة، و (لا) النا فية، أو (أن) المفسرة و
(لا) الناهية.
***
(إلاَّ) - بالكسر والتشديد على أوجه:
أحدها - الاستثناء، متصلاً، نحو: (فَشِربوا منه إلا قليلاً
منهم) ، (ما فعلوه إلا قليلٌ منهم) .
أو منقطعاً، نحو: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
.
(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) .
الثاني: بمعنى (غير) ، فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه،
ويعرب
الاسم الواقع بعدها بإعراب (غير) ، نحو: (لو كان فيهما آلهة
إلا الله
لفَسَدَتَا) .
فلا يجوز أن تكون هذه الآية للاستثناء، لأن (آلهة) جمع منكر في
الإثبات، فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه، ولأنه
يصير المعنى حينئذ: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا
وهو باطل باعتبار مفهومه.
الثالث: أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك، ذكره الأخفش
والفراء
وأبو عبيدة، وخرّجوا عليه: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا
تَخْشَوْهُمْ) .
(لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ
ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ) .
أي ولا الذين ظلموا ولا مَنْ ظلم.
وتأولها الجمهور على الاستثناء المنقطع.
الرابع: بمعنى بل، ذكره بعضهم وخرَّج عليه: (طه (1) مَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا
تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) .
أي بل تذكرة.
(2/59)
الخامس: بمعنى (بدل) ، ذكره ابن الصائغ،
وخرج عليه: آلهة إلا الله، أي
بدل الله أو عِوَضه، وبه يخرج عن الإشكال المذكور في الاستثناء
وفي الوصف
بإلا من جهة المفهوم.
وغلط ابن مالك فعدَّ من أقسامها، نحو: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) ، وليست منها، بل هي كلمتان: إن
الشرطية، ولا النافية.
فائدة
قال الرماني في تفسيره: معنى (إلا) اللازم لها الاختصاص بالشيء
دون
غيره، فإذا قلت: جاءني القوم إلا زيداً فقد اختصصت زيداً بأنه
لم يجىء.
وإذا قلت: ما جاءني القوم إلا زيداً فقد اختصصته بالمجيء، وإذا
قلت: ما جاءني زيد إلا راكبا فقد اختصصتَه بهذه الحال دون
غيرها من الشي والعَدو ونحوه.
***
(الآن)
اسم للزمان الحاضر، وقد تستعمل في غيره مجازًا.
وقال قوم: هي حدّ للزمانين، أي ظرف للماضي، وظرف للمستقبل.
وقد يُتجوّزنها عما قرب من أحدهما.
وقال ابن مالك: لوقت حضر جميعه، كوقت فعل الإنشاء حالَ النطق
به.
أبو بعضه، نحو: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ
أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) .
(فمَنْ يَسْتَمِع الآن يَجِد لَة شِهَابا رَصداً) .
قال: وظرفيته غالبة لازمة.
واختلف في (ال) التي فيه، فقيل للتعريف الحضوري، وقيل زائدة
لازمة.
***
(إلى)
حرف جَرّ، وله معنيان:
أشهرهما انتهاء الغاية زماناً، نحو: (أتِمّوا الصيَام إلى
الليل) .
أو مكاناً نحو: (إلى المسجدِ الأقصَا) .
أو غيرهما، نحو: (والأمرُ إليكِ) .
ولم يذكر لها الأكثرون غير هذا المعنى.
(2/60)
وزاد ابن مالك وغيره تبعاً للكوفيين معانيَ
أخر، منها المعيّة كمع، وذلك
إذا ضممتَ شيئاً إلى آخر في الْحكم به أو عليه أو التعلّق،
نحو: (مَن أنصَارِي إلى الله) .
(وأيديكم إلى المرافق) .
(ولا تأْكلوا أموالَهم إلى أموالكم) .
قال الرضي: والتحقيق أنها للانتهاء، أي مضافة إلى المرافق وإلى
أموالكم.
وقال غيره: ما ورد من ذلك يُؤَول على تضمين العامل وإبقاء
(إلى) على
أصلها.
والمعنى في الآية الأولى من يُضيف نصرته إلى نصرة الله، أو من
ينصرني
حال كوني ذاهباً إلى الله.
ومنها الظرفية كَـ فِي، نحو: (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ) .
أي فيه.
وقوله: (إلى أن تَزَكّى) ، أي في أن.
ومنها مرادفة اللام، وجعل منه: (والأمرُ إليكِ) ، أي لك.
وتقدم أنه من الانتهاء.
ومنها التبيين، قال ابن مالك: وهي المبيِّنَة لفاعلية مجرورها
بعد ما يفيد حبًّا
أو بغضاً، من فعل تعجب، أو اسم تفضيل! نحو: (رَبِّ السِّجْنُ
أَحَبُّ إِلَيَّ) .
ومنها التوكيد - وهي الزائدة نحو: (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ، - في قراءة بعضهم بفتح الواو: أي
تهواهم، قاله الفراء.
وقال غيره: هو على تضمين تهوى معنى تميل.
حكى ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباري: أن " إلى
"
تستعمل اسماً، فيقال: انصرفت مِن إليك، كما يقال غدوت مِنْ
عليه.
وخرج عليه من القرآن قوله تعالى: (وَهُزِّي إليك) ، وبه يندفع
إشكال
(2/61)
أبي حيَّان فيه بأن القاعدة المشهورة أن
الفعل لا يتعدى إلى ضمير متصل بنفسه
أو بالحرف، وقد رفع المتصل وهو لمدلول واحد في غير باب ظن.
***
(اللهمَّ)
المشهور أن معناه يا الله، حذفت ياء النداء، وعوِّض منها الميم
المشددة في آخره.
وقيل: أصله يا الله أمنا بخير، فركب تركيب حَيَّهَلا.
وقال أبو رجاء العطاردي: الميم تجمع تسعين اسماً من أسمائه.
وقال ابن ظفَر: قيل إنها الاسم الأعظم، واستدل لذلك بأن الله
دالٌّ على
الذات، والميم دالة على الصفات التسعة والتسعين، ولهذا قال
الحسن البصري: اللهم تجمع الدعاء.
وقال النضْر بن شميل: من قال اللهم فقد دعا اللهَ بجميع
أسمائه.
***
(أم)
حرف عطف، وهي نوعان: متصلة، وهي قسمان:
الأول: أن يتقدم عليها همزة التسوية، نحو: (سواءٌ عليهم
أأنذَرتَفم أم لم
تنْذِرْهم) .
(سواء علينا أجَزِعنَا أم صَبَرنَا) .
(سواءٌ عليهم أستَغْفَرْتَ لهم أمْ لم تَسْتَغْفِر لهم) .
والثاني: أن يتقدم عليها همزة يُطلب بها وبأم التعيين، نحو:
(آلذَّكَرَين
حَرّم أم الأتْثيَيْن) .
وسمِّيت في القسمين متصلة، لأن ما قبلها وما بعدها لا يُستغنى
بأحدهما عن الآخر، وتسمى أيضاً معادلة، لمعادلتها الهمزة في
إفادتها التسوية في القسم الأول والاستفهام في الثاني.
ويفترق القسمان من أربعة أوجه:
أحدها وثانيها أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً،
لأن المعنى
معها ليس على الاستفهام.
وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب، لأنه خبر، وليست تلك
كذلك، لأن الاستفهام معها على حقيقته.
والثالث والرابع أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين
جملتين،
(2/62)
ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل
المفردَيْن، وتكون الجملتان فعليتين واسميتين ومختلفتين، نحو:
(سواء عليكم أدَعَوْتُموهم أم أنتم صَامِتُون) .
وأم الأخر تقع بين المفردين، وهو الغالب فيها، نحو:
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ) .
وبين الجملتين ليسا في تأويلهما.
النوع الثاني: منقطعة، وهي ثلاثة أقسام:
مسبوقة بالخبر المحض، نحو: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ) .
ومسبوقة بالهمزة لغير الاستفهام، نحو: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا) ، إذ
الهمزة في ذلك للإنكار، فهي بمنزلة النفي.
والمتصلة لا تقع بعده.
ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة، نحو: (هل يَسْتَوِي الأعمى
والبَصير أم هل
تَسْتَوِي الظّلمات والنَّور) .
ومعنى أم المنقطعة التي لا يفارقها الإضراب، ثم تارة تكون له
مجردة، وتارة
تضمّن مع ذلك استفهاماً إنكارياً أو استفهاماً طلبياً، فمن
الأول: (أم هل
تستوي الظلماتُ والنور أم جعلوا لله شرَكاء) ، لأنه لا يدخل
الاستفهام على
استفهام.
ومن الثاني: (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) ،
تقديره: بل أَله البنات، إذ لو قدرت الإضراب المحضَ لزم
المحال.
تنبيهان
الأول: قد ترد أم محتملة الاتصال والانفصال، كقوله تعالى:
(قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ
اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ (80) ، قال الزمخشري: يجوز في أم أن تكون معادلة
بمعنى أيّ الأمرين كائن على
سبيل التقرير لحصول العلم بكون أحدهما، ويجوز أن تكون منقطعة.
(2/63)
الثاني: ذكر أبو زيد أنَ أمْ تقع زائدة،
وخرج عليه قوله تعالى: (أفلا
تُبْصِرُون أَم أنَا خَيْرٌ) ، قال: التقدير: أفلا تبصرون أنا
خير.
***
(أمَّا) - بالفتح والتشديد - حرف شرط وتفصيل وتوكيد، أما كونها
شرطاً فبدليل لزوم الفاء بعدها، نحو: (فأمَّا الذين آمنوا
وعَمِلُوا الصالحات
فيوفِّيهم أجورَهم) .
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ
مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) .
وأما قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
أَكَفَرْتُمْ) ، - فعلى تقدير القول، أي فيُقال لهم أَكفرتم،
فحذف القول استغناء عنه بالمقول، فتبعته الفاء في الحذف.
وكذا قوله: (وأما الّذِين كفروا أفَلَمْ تكنْ آياتي) .
وأما التفصيل فهو غالب أحوالها، كما تقدم، وكقوله: (أمَّا
السفينةُ فكانت
لمسَاكينَ) .
(وأما الغلامُ فكان) .
(وأما الجِدَار فكان) .
وقد يُتْرَكُ تكريرها استغناءً بأحد القسمين عن الآخرين، وقد
تقدم في
أنواع الحذف.
وأما التوكيد، فقال الزمخشري: فائدة أما في الكلام أنْ تُعطيه
فضْلَ توكيد.
تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه لا محالة ذاهب،
وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة قلت: أما زيد فذاهب، ولذلك
قال سيبويه في تفسيرها: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب.
ويفصَل بين أمّا والفاء إما بمبتدأ كالآيات السابقة، أو خبر،
نحو: أما في
الدار فزيد، أو جملة شرط، نحو: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ) ، الآيات.
أو اسم منصوب بالجواب، نحو: (فأمَّا اليَتِيمَ فلا تَقْهَر) .
أو اسم معمول لمحذوف يفسِّرُه ما بعد الفاء، نحو:
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) - في قراءة بعضهم بالنصب.
(2/64)
تنبيه
ليس من أقسام أمّا - أمَّا التي في قوله تعالى: (أمَّاذَا
كنْتُم تعملون) .
بل هي كلمتان: (أم) المنقطعة، و (ما) الاستفهامية.
***
(إمَّا) بالكسر والتشديد - تَرِد لمعان:
الإبهام، نحو: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا
يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) .
والتخيير، نحو: (إما أنْ تُعذِّبَ وإما أنْ تَتَخِذَ فيهم
حُسْناً) .
(إما أنْ تُلْقِيَ وإما أنْ نكونَ أوّلَ من ألْقَى) .
(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) .
والتفصيل، نحو: (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) .
تنبيهات
الأول: لا خلاف في أن إما الأولى في هذه الأمثلة ونحوها غير
عاطفة.
واختلف في الثانية: فالأكثرون على أنها عاطفة، وأنكره جماعة
منهم ابن مالك، لملازمتها غالباً الواو العاطفة.
وادعى ابن عصفور الإجماع على ذلك، قال: وإنما ذكروها في باب
العطف لمصاحبتها لحرفه.
وذهب بعضهم إلى أنها عطفت الاسم
على الاسم، والواو عطفت إما على إما، وهو غريب.
الثاني: ستأتي هذه المعاني لـ أوْ، والفرق بينهما وبين (إما)
إما لأنَّ (إما)
ينبني الكلامُ معها من أول الأمر على ما جيء بها لأجله، ولذلك
وجب
تكرارها، وأو يُفتْتَح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الإبهام،
أو غير ذلك.
ولهذا لم تتكرر.
الثالث: ليس من أقسام إمَّا التي في قوله تعالى: (فإمَّا
تَرَين من البشر
أحداً) ، بل هي كلمتان: إن الشرطية، وإما الزائدة.
***
(إنْ) بالكسر والتخفيف - على أوجه:
(2/65)
الأول: أن تكون شرطية، نحو: (إِنْ
يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا
فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) .
وإذا دخلت على لم فالجزم بلم لا بها، نحو: (وإن لم تَفْعَلُوا)
.
وعلى لا فالجزم بها لا بلا، نحو: (وإلاّ تَغْفِر لي
وترْحَمْني) .
(إلا تَنْصُروه) .
والفرقُ أن لم عاملٌ يلزم معموله، ولا يفصل بينهما بشيء، و
(إنْ) يجوز
الفصل بينها وبين معمولها بعدوله، و (لا) لا تعمل الجزم إذا
كانت نافية، فأضيف العملُ إلى (إن) .
الثاني: أن تكون نافية، وتدخل على الاسمية والفعلية، نحو: (إن
الكافرون
إلا في غُرور) .
(إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) .
(إن أرَدنا إلا الحُسْنَى) .
(إن يَدْعُون مِنْ دونِه إلا إنَاثا) .
قيل: ولا تقع (إن) إلا وبعدها إلا كما تقدم، أو لمَّا المشددة،
نحو: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) - في قراءة
التشديد.
ورد بقوله: (إن عندكُمْ مِنْ سُلطَانٍ بهذا) .
(وإنْ أدرِي لعله فتنَةٌ لكم) .
ومما حمل على النافية قوله: (إنْ كُنَّا فاعِلين) .
(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) .
وعلى هذا فالوقف هنا.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) .
وقيل هي زائدة، ويؤيد الأول قوله: (مَكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ، وعدل عن ما لئلا يتكرر
فيثقل اللفظ.
قلت: وكونها للنفي هو الوارد عن ابن عباس كما تقدم.
وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله: (وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ
أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) .
(2/66)
وإذا دخلت النافية على الاسمية تعمل عند
الجمهور، وأجاز الكسائي
والمبرد إعمالها عمل ليس، وخرج عليه قراءة سعيد بن جبير: (إنَّ
الذين تَدْعون مِن دون الله عبادٌ أمثالكم) .
فائدة
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كل شيء في القرآن إن فهو
إنكار.
الثالث: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتدخل على الجملتين، ثم
الأكثر إذا
دخلت على الاسمية إهالها، نحو: (وإن كلُّ ذلك لَمَّا مَتَاعُ
الحياةِ الدنيا) .
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) .
(إن هذَان لَسَاحِرَان) - في قراءة حفص وابن كثير.
وقد تعمل، نحو: (وإن كلاًّ لما لَيوَفِّيَنَّهُم) - في قراءة
الحرميين.
وإذا دخلت على الفعل فالأكثر كونه ماضياً ناسخاً، نحو: (وإن
كانت
لكبيرة) .
(وإن كادُوا لَيَفتِنونَك) .
(وإن وَجَدْنَا أكثَرهم لَفَاسقين) .
ودونه أن يكون مضارعاً ناسخا، نحو: (وإن يكادُ الذين كفروا) .
(وإن نَظنّك لَمِنَ الكاذبين) .
وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة فهي
المخفّفة من الثقيلة.
الرابع: أن تكون زائدة، وخرج عليه: (فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ
فِيهِ) .
الخامس: أن تكون للتعليل كـ إذ، قاله الكوفيون وخرجوا عليه:
(واتّقُوا
اللهَ إن كنتم مؤمنين) .
(لتَدْخُلنّ المسجدَ الحرام إن شاءَ الله آمِنين) .
(وأنتم الأعلَون إن كنتم مُؤمنين) .
ونحو ذلك مما الفعل فيه محَقق الوقوع.
(2/67)
وأجاب الجمهور عن هذه المشيئة بأنه تعليم
للعباد كيف يتكلمون إذا أخْبَرُوا
عن المستقبل، وبأن أصل ذلك الشرطُ، ثم صار يُذكر للتبرك.
أو بأن المعنى لتدخلن المسجد جميعاً إن شاء الله ولا يموت منكم
أحد قبل الدخول.
وعن سائر الآيات بأنه شرط جيء به للتهييج والإلهاب، كما تقول
لابنك:
إن كنت ابني فأطِعْني.
السادس: أن تكون بمعنى قد، ذكره قُطرب، وخرج عليه: (فَذَكر إن
نَفَعَتِ الذِّكرى) ، أي قد نفعت.
ولا يصح معنى الشرط فيه، لأنه مأمور بالتذكير على كل حال.
وقال غيره: هي للشرط، ومعناه ذَمّهم واستبعاد لنَفْع التذكير
فيهم.
وقيل التقدير: وإن لم تنفع، على حد قوله: (سَرَابِيلَ
تَقِيكُمُ الْحَرَّ) .
فائدة
قال بعضهم: وقع في القرآن إنْ بصيغة الشرط، وهو غير مراد في
ستة
مواضع: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ
أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) .
(واشكروا نعمةَ الله إن كنتم إيَّاه تعبُدُون) .
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا
فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) .
(إن ارتَبْتُم فعدتُهن) .
(أن تَقصروا من الصلاة إن خِفْتُم)
(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ
أَرَادُوا إِصْلَاحًا) .
***
(أنْ) بالفتح والتخفيف - على أوجه:
الأول: أن تكون حرفا مصدريّا ناصباً للمضارع، وتقع في موضعين:
الابتداء، فتكون في محل رفع، نحو: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ) 1.
(وأن تعفُوا أقْرَبُ للتقوَى) .
(2/68)
وبعد فعل دالٍّ على معنى غير اليقين، فتكون
في محل رفع، نحو:
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
لِذِكْرِ اللَّهِ) .
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) .
ونصب، نحو: (نَخْشَى أن تُصِيبَنَا دائرةٌ) .
(وما كان هذا القرآن أن يُفْتَرَى) .
(فأرَدتُ أن أعِيبها) .
وخفض، نحو: (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا) .
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) .
وأن هذه موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصل: مضارعاً كما مر.
وماضياً، نحو: (لولا أن مَنَّ اللهُ علينا) .
(وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ) .
وقد يرفع المضارع بعدها إهمالاً لها، حملاً على (ما) أختها،
كقراءة ابن
محيصن: (لِمَنْ أرادَ أن يَتِم الرضاعةُ) (1) .
الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة، فتقع بعد فعل اليقين، أو ما
نزِّل منزلته.
نحو: (أفلا يَرَوْنَ ألا يرجعُ إليهم قَوْلاً) .
(علم أن سيكون) .
(وحسبوا ألا تكون فتنة) - في قراءة الرفع.
الثالث: أن تكون مفسرة بمنزلة أي، نحو: (فأوحينا إليه أن
اصنَعِ الفلْكَ
بأعيننا) ، (ونودوا أن تلكم الجنة) .
وشرطها أن تسبق بجملة، فلذلك غَلِطَ مَنْ جعل منها: (وَآخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
وأن يتأخر عنها جملة، وأن يكون في الجملة السابقة معنى القول.
ومنه: (وانطلق الملأ منهم أن امْشوا واصبِروا) .
إذ ليس المراد بالانطلاق المشي، بل انطلاق ألَسنتهم بهذا
الكلام.
كما أنه ليس المراد بالمشي المتعارف، بل الاستمرار على المشي.
وزعم الزمخشري أن التي في قوله: (أنِ اتخِذِي من الجبال
بُيوتاً) - مفسرة.
__________
(1) - بفتح الياء من يتم ورفع الرضاعة وهي قراءة ابن محيصن.
انظر إتحاف فضلاء البشر.
(2/69)
ورُدَّ بأن قوله: (وأوْحَى ربّك إلى
النَّحْل) ، والوحْيُ هنا إلهام باتفاق، وليس
في الإلهام معنى القول، وإنما هي مصدرية، أي باتخاذ الجبال.
وألا يكون في الجملة السابقة أحرف القول، وذكر الزمخشري في
قوله: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ) - أنه يجوز أن
تكون مفسرة بالقول على تأويله بالأمر، أي ما أمرتهم إلا بما
أمرتني به أن
اعبدوا الله.
قال ابن هشام: وهو حسن.
وعلى هذا فيقال في الضابط: ألَّا يكون فيها حروف القول إلا
والقول مؤوّل بغيره.
قلت: وهذا من الغرائب كونهم يشترطون أن يكون فيها معنى القول،
فإذا
جاء لفظه أوّلوه بما فيه مع صريحه، وهو نظير ما تقدم من جعلهم
(ال) في
الآن زائدة مع قولهم بتضمنه معناها وألا يدخل عليها حرف جر.
الرابع: أن تكون زائدة، والأكثر أن تقع بعد لما التوقيفية،
نحو: (ولما أنْ
جاءَتْ رسلُنا لوطاً) .
وزعم الأخفش أنها قد تنصب المضارع وهي زائدة، وخرج عليه:
(وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
(وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ) ، قال: فهي
زائدة، بدليل: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ)
.
الخامس: أن تكون شرطية كالمكسورة، قاله الكوفيون، وخرج عليه:
(أنْ
تضِلَّ إحداهما) .
(أن صَدّوكم عن المسجدِ الحرام) .
(صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) .
قال ابن هشام:
ويرجِّحه عندي تواردهما على محل واحد والأصل التوافق.
وقد قُرِئ بالوجهين في الآيات المذكورة، ودخول الفاء بعدها في
قوله: (فتذكر) .
السادس: أن تكون نافية، قاله بعضهم في قوله: (أَنْ يُؤْتَى
أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) : أي لا يؤتى.
(2/70)
والصحيح أنها مصدرية، أي ولا تؤمنوا أن
يؤتى، أي بإيتاء أحد.
السابع: أن تكون للتعليل كـ إذ، قاله بعضهم في قوله: (بل
عَجِبوا أنْ
جاءَهم منْذِرٌ منهم) .
(يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا) .
والصواب أنها مصدرية وقبلها لام التعليل مقدرة.
الثامن: أن تكون بمعنى لئلا، قاله بعضهم في قوله: (يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، أي لئلا تضِلوا.
والصواب أنها مصدرية، والتقدير كراهة أن تضلوا.
***
(إنَّ) بالكسر والتشديد - على أوجه:
أحدها: التأكيد والتحقيق، وهو الغالب، نحو: (إن اللهَ غَفورٌ
رحيم) .
(إنا إليكم لَمرْسلون) .
قال عبد القاهر: والتأكيد بها أقوى من التأكيد باللام.
قال: وأكثر مواقعها بحسب الجواب لسؤال ظاهر أو مقدر إذا
كان للسائل فيه ظن.
الثاني: التعليل، أثبته ابن جني وأهل البيان، ومثّلوه بنحو:
(واستَغْفِروا اللهَ
إن اللَهَ غفورٌ رحيم) .
(وَصَلِّ عليهم إن صَلاتَك سكَنٌ لهم) .
(وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ
بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) .
وهو نوع من التأكيد.
الثالث: معنى نعم، أثبته الأكثرون، وخرَّج عليه قوم: (إن هذان
لساحِرَان) .
***
(أنَّ) بالفتح والتشديد - على وجهين:
أحدهما: أن تكون حرف تأكيد.
والأصحّ أنها فرع المكسورة، وأنها موصول حرفِيّ تؤوَّل مع
اسمها وخبرها بالمصدر، فإن كان الخبر مشتقاً فالمصدر المؤول به
من لفظه، نحو: (لِتَعْلَموا أنَّ اللهَ على كل شيء قَدِير) .،
أي قدرته.
وإن كان جامداً قدِّر بالكوْن.
(2/71)
وقد استشكل كونها للتأكيد بأنك لو صرحت
بالمصدر المنسبك لم يُفد
توكيداً.
وأجيب بأن التأكيد للمصدر المنحل، وبهذا لم يفرق بينها وبين إن
المكسورة، لأن التأكيد في المكسورة للإسناد، وهذه لأحد
الطرفين.
الثاني: أن تكون لغة في لعل، وخرج عليها: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ
أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) - في قراءة الفتح، أي
لعلها.
***
(أنَّى)
اسم مشترك بين الاستفهام والشرط، فأما الاستفهام فترِد فيه
بمعنى
كيف، نحو: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) .
(فأنَّى يؤفَكون) .
ومن أين، نحو: (أنّى لكِ هذا) ، أي مِنْ أين.
(قُلْتم أفى هذا) ، أي من أين جاءنا.
قال في عروس الأفراح: والفرق بين أيْن ومِنْ أين أن أين سؤال
عن المكان
الذي حلّ فيه الشيء.
ومن أين سؤال عن المكان الذي برز منه الشيء، وجعل
من هذا المعنى ما قُرِئ شاذاً: (أنَّى صبَبْنَا الماءَ صَبّاً)
.
وبمعنى متى، وقد ذكرت المعاني الثلاثة في قوله تعالى: (فأتوا
حَرْثَكم أنَّى
شِئْتم) ، فأخرج ابن جرير الأول من طريق ابن عباس.
وأخرج الثاني عن الربيع بن أنس واختاره، وأخرج الثالث عن
الضحاك، وأخرج قولاً رابعاً عن ابن عمر وغيره: أنها بمعنى حيث
شئتم.
واختار أبو حيان وغيره أنها في الآية شرطية، وحذِف جوابها
لدلالة ما قبلها
عليه، لأنها لو كانت استفهامية لاكتفت بما بعدها كما هو شأن
الاستفهامية أن يكتفى بما بعدها وأن يكون كلاماً يحسنُ السكوت
عليه أو اسماً أو فعلاً.
***
(أو)
حرف عطف ترد لمعان:
الشك من المتكلم، نحو: (قالوا لَبِثْنَا يوماً أو بَعْضَ يوم)
.
(2/72)
والإبهام على السامع، نحو: (وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) .
والتخيير بين المعطوفين بأن يمتنع الجمع بينهما.
والإباحة بألا يمتنع الجمع.
ومثل الثاني بقوله تعالى: (وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ
تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ) الآية.
ومثل الأول بقوله: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
أَوْ نُسُكٍ) .
وقوله: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ
أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) .
واستشكل بأن الجمع في الآيتين غير ممتنع.
وأجاب ابن هشام بأنه ممتنع بالنسبة إلى وقوع كلِّ كفارة أو
فِدْية، بل تقع
واحدة منهن كفّارة أو فدية.
والثاني قربة مستقلة خارجة عن ذلك.
قلت: وأوضَح من هذا التمثيل قوله: (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ
يُصَلَّبُوا) .
على قول مَنْ جعل الخيرة في ذلك إلى الإمام، فإنه يمتنع
عليه الجمع بين هذه الأمور، بل يفعل منها واحداً يؤدي اجتهاده
إليه.
والتفصيل بعد الإجمال، نحو: (وقالوا كونوا هوداً أو نَصَارى
تَهْتَدوا) .
(قالوا ساحر أو مَجْنون) ، أي قال بعضهم كذا، وقال بعضهم كذا.
والإضراب كَـ بَلْ، وخرِّج عليه قوله: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى
مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) .
(فكان قَابَ قَوْسَيْن أو أدنى) .
وقراءة بعضهم: (أوْ كلَّما عاهَدوا عَهْداً) - بسكون الواو.
ومطلق الجمع كالواو، نحو: (لعلَّه يتذكّر أو يخشَى) .
(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) .
(2/73)
والتقريب، ذكره الحريري وأبو البقاء، وجعل
منه: (وما أمْرُ الساعةِ إلا
كلَمْح البصر أو هو أقْرَبُ) .
ورُدّ بأن التقريب مستفاد من غيرها.
ومعنى إلا في الاستثناء، ومعنى إلى، وهاتان ينصب المضارع
بعدهما بـ أن
مضمرة، وخرج عليه: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً) .
فقيل: إنه منصوب لا مجزوم بالعطف على "تَمَسُّوهُنَّ"، لئلا
يصير المعنى: لا جناح عليكم فما يتعلق بمهور النساء إن
طلقتموهنَّ في مدة انتفاء أحدِ هذين الأمرين، مع أنه إذا انتفى
الفرض دون المسيس لزم مهر المثل، وإذا انتفى السيس دون الفرض
لزم نص@ السقَى.
فكيف يصح رَفْعُ الجناح عند انتفاء أحد الأمرين، ولأن المطلقات
المفروض لهنَّ قد ذكر ثانياً بقوله: (وإنْ طلقتموهنَّ) .
وترك ذِكْر الممسوسات بما تقدم من المفهوم.
ولو كان (تفرضوا) مجزوماً لكانت الممسوسات والمفروض
لهن مستوياتٍ في الذكر.
وإذا قدرت (أو) بمعنى إلا خرجت المفروض لهن
عن مشاركة الممسوسات في الذكر، وكذا إذا قدرت بمعنى (إلى)
وتكون غاية
لنفي الجنَاح لا لنفي المسيس.
وأجاب ابن الحاجب عن الأول بمنع كون المعنى مدَة انتفاء
أحدهما، بل مدة
لم يكن واحد منهما، وذلك ينفيهما جميعا، لأنه نكرة في سياق
النفي الصريح.
وأجاب بعضهم عن الثاني بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتعيّن
النصف لهن
لا لبيان أن لهن شيئاً في الجملة.
ومما خرج على هذا المعنى قراءة أُبَيّ: (تقاتلونهم أو
يسْلِمون) .
تنبيهات
الأول: لم يذكر المتقدمون لـ (أوْ) هذه المعاني، بل قالوا: هي
لأحد الشيئين أو الأشياء.
(2/74)
قال ابن هشام: وهو التحقيق، والمعاني
المذكورة مستفادة من القرائن.
الثاني: قال أبو البقاء: أو في النهي نقيضة أو في الإباحة،
فيجب اجتنابُ
الأمرين، كقوله: (ولا تُطِعْ منهم آثماً أو كَفُورا) ، فلا
يجوز
فعل أحدهما، فلو جمع بينهما كان فاعلاً للمنهي عنه مرّتين، لأن
كل واحد منهما كان منهيّاً عنه لا أحدهما.
وقال غيره: (أو) في هذا بمعنى الواو تفيد الْجَمع.
وقال الخطيب: الأوْلى أنها على بابها، وإنما جاء التعميم فيها
من النهي الذي
فيه معنى النفي، والنكرة في سياق النفي تعمُّ، لأن المعنى قبل
النهي: تطيع آثماً أو كفورا، أي واحدًا منهما، فإذا جاء النهي
ورد على ما كان ثابتاً، فالمعنى لا تطع واحداً منهما، فالتعميم
فيها من جهة النفي، وهي على بابها.
الثالث: لكَوْن مبناها على عدم التشريك عاد الضمير إلى مفردها
بالإفراد.
بخلاف الواو.
وأما قوله: (إنْ يكنْ غنيّاً أو فقيراً فاللَهُ أوْلى بهما) .
فقيل إنها بمعنى الواو.
وقيل المعنى إن يكن الخصمان غنيين أو فقيرين.
فائدة
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: كل شيء في القرآن فيه
(أو)
فهو مخيّر، فإذا كان ممن لم يخير فهو الأول فالأول.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن جريج.
قال: كل شيء في القرآن فيه (أو) فالتخيير إلا قوله: (أَنْ
يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) .، ليس بمخيَّر فيهما.
قال الشافعي بهذا أقول.
(أوْلَى) في قوله: (أوْلَى لكَ فأولى) .
وفي قوله: (فأوْلى لهم) ، قال في الصحاح: قولهم: أوْلى لك،
كلمة تهدد ووَعيد، قال الشاعر:
" فأوْلَى ثم أوْلى ثم أولى "
(2/75)
قال الأصمعي: معناه قاربه ما يهلكه، أي نزل
به.
قال الجوهري: ولم يقل أحد فيها أحسن مما قاله الأصمعي.
وقال قوم: هو اسم فعل مبني، ومعناه أولى لك شر بعد شر، ولك
تبيين.
وقيل: هو عَلَم للوعيد غير معروف، ولذا لم ينون، وإن محله رفع
على
الابتداء ولك الخبر، ووزنه على هذا فَعْلى للإلحاق.
وقيل افعل.
وقيل معناه الويل لك، وإنه مقلوب منه.
والأصل أويل، فأخّر حرف العلة.
ومنه قول الخنساء:
همَمْت بنفسي بعض الهموم ... فأولى لِنَفْسِيَ أوْلى لها
وقيل معناه الذم لكَ أوْلى مِنْ تَرْكه، فحذف المبتدأ لكثرة
دوَرانه في
الكلام.
وقيل المعنى أنتَ أولى وأجدر بهذا العذاب، كأنه يقول: قد وليت
الهلاك.
أو قد دانيت الهلاك.
وأصله من الْولْيِ وهو القرب، ومنه قوله تعالى: (قاتِلُوا
الذين يَلونَكمْ من الكفار) ، أي يقربون منكم.
وقال النحاس: العرب تقول أوْلى لك، أي كدتَ تهلك، وكأنّ تقديره
أولى
لك الهلكة.
***
(إيْ) بالكسر والسكون - حرف جواب بمعنى نعم، فتكون لتصديق
المخبر ولإعلام المستخبر، ولوَعْدِ الطالب.
قال النحاة: ولا تقع إلا قبل القسم.
قال ابن الحاجب: وإلا بعد الاستفهام، نحو:
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي) .
***
(أيّ) بالفتح والتشديد - على أوجه:
الأول: أن تكون شرطية، نحو: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ
فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ) .
(أيّا ما تدْعُوا فَلَه الأسماءُ الْخسنَى) .
الثاني: استفهامية، نحو: (أيّكمْ زَادَتْه هذه إيماناً) .
(2/76)
وإنما يُسأل بها عما يميز أحدَ المتشاركين
في أمر يعمهما، نحو: (أيُّ الفريقين خَيْرٌ مَقَاماً) ، أنحن
أم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
الثالث: موصولة، نحو: (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ
أَيُّهُمْ أَشَدُّ) .
وهي في الأوجه الثلاثة معربة.
وتبنى في الوجه الثالث على الضم إذا حذف
عائدها وأضيفت كالآية المذكورة.
وأعربها الأخفش في هذه الحالة أيضاً، وخرَّج عليه قراءة بعضهم
بالنصب.
وأول قراءة الضم على الحكاية، وأوّلها غيره
على التعليق للفعل.
وأوّلها الزمخشري على أنها خبر مبتدأ محذوف.
وتقدير الكلام لننزعنّ بعض كل شيعة، فكأنه قيل مَنْ هذا البعض؟
، فقيل: هو الذي بالمكر أشدّ، فحذف المبتدآن ثم المكتَنِفَان
لـ أي.
وزعم ابن الطراوة على أنها في الآية مقطوعة عن الإضافة مبنية،
وأيهم أشدّ
مبتدأ وخبر.
ورُد برسم الضمير متصلاً بأي، وبالإجماع على إعرابها إذا لم
تضَفْ.
الرابع: أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل، نحو: يا أيها الناس.
يا أيها النبي.
***
(إيَّا) زعم الزَّجاج أنه اسم ظاهر.
والجمهور أنه ضمير.
ثم اختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: أنه كله ضمير هو وما اتصل به.
والثاني: أنه وحده ضمير، وما بعده اسم مضاف له يفسّره ما يراد
به من
تكلُّم أو غيبة أو خطاب، نحو: (فإيّايَ فارْهَبون) .
(بل إياه تدْعون) .
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) .
والثالث: أنه وَحْده ضمير وما بعده حروف تفسر المراد.
والرابع: أنه عماد وما بعده هو الضمير.
وقد غلط من زعم أنه مشتق.
(2/77)
وفيه سبع لغات - وقرئ بها: تشديد الياء،
وتخفيفها مع الهمزة، وإبدالها هاء مفتوحة ومكسورة.
هذه ثمانية يسقط منها فتح الهاء مع التشديد.
***
(أيَّان)
اسم استفهام، وإنما يُستفهم به مع الزمان المستقبل، كما جزم به
ابن
مالك وأبو حيان، ولم يذكرا فيه خلافاً.
وذكر صاحب إيضاح المعاني مجيئها للماضي.
وقال السكاكي: لا تستعمل إلا في مواضع التفخيم وغيره.
وقال بالأول من النحاة علي بن عيسى الرّبَعي، وتبعه صاحب
البسيط، فقال: إنها تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظّم
أمره.
وفي الكشاف: قيل إنها مشتقة من أيّ، فَعْلان منه، لأن معناه أي
وقت.
وأي فعل، من أويت إليه، لأن البعض أوى إلى الكل ومتساند له،
وهو بعيد.
وقيل أصله أي آن.
وقيل أي أوان، حذفت الهمزة من أوان والياء الثانية من
أي، وقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء الساكنة فيها.
وقرئ بكسر همزتها.
***
(أيْنَ)
اسم استفهام عن المكان، نحو: (فأين تَذْهَبون) .
ويَرد شرطاً عامًّا في الأمكنة.
وأيمنا أعَمُّ منها، نحو: (أيْنمَا يوَجِّهْه لا يَأت بخير) .
(2/78)
|