معترك الأقران في إعجاز القرآن (حَرف الراء المهملة)
(رَبّ) له أربعة معان: الإله. والسيّد.
والمالك للشيء. والمصْلِح للأمر.
وكلها تصلح في رَبّ العالمين، إلا أن الأرْجحَ معنى الإله،
لاختصاصه باللهِ تعالى، كما أن الأرجح في العالمين أن يُراد به
كل موجودٍ سوَى الله تعالى، فيعمّ جميع المخلوقات.
(رحمن) ، ذو الرحمة، ولا
يوصف به غَيْر الله.
(رحيم) : عظيم الرحمة.
(رسول) : قد ذكرنا أن الرسالة والإرسالَ بمعنى واحد.
والرسول: المتحمِّل للرسالة إلى الأمة، فكلّ رسول نبي وليس كل
نبي رسولاً، فالرسول الذي يأتيه جبريل بالوحي من عند الله
لإنذار الخَلْق.
وأما من أوحي إليه في النام فليس برسول.
وقد اجتمع أنواع الوحي في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ
حِجَابٍ) ، وكلها اجتمعت
في نبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
(رَيْب) : شك.
ومنه: (ارْتَا بُوا) .
ومريب، (ورَيْبَ المنُون) : حوادث الدهر.
فإن قلت: هَلّا قدم قوله تعالى: (لا رَيب فيه) ، كقوله تعالى
(لا فيها غَوْل) ؟
فالجواب أنه إنما قصد نفي الرَّيب عنه، ولو قدم (فيه) لكان
إشارةً إلى
أن ثَمَّ كتاباً آخر فيه رَيْب، كما أن (لا فيها غَوْل) إشارة
إلى أن خَمْر الدنيا
(2/185)
فيها غول.
وهذا المعنى يبعد قَصْده، فلم يقدم الخبر، وإنما نفى الشك عنه
أنه من
عند الله في اعتقاد أهل الحق، وفي نفس الأمر.
وأما اعتقاد أهل الباطل فلا عبرة
وقد قيل: إنَّ خبر لا في قوله: (فيه) ، فيوقف عليه.
وقيل خبرها محذوف فيوقف على لا رَيْب.
والأول أرجح لتعيّنه في قوله: لا رَيْب فيه في مواضع أخر.
(رَغَدا) : كثيرا واسعاً بلا غنى.
(رَفَث) ،: نكاح.
ويقال أيضاً للإفصاح بما يجب أن يكنى عنه مِنْ ذكر النكاح.
ويقال أيضاً: للفحش من الكلام.
(رَؤوف) : شديد الرحمة.
(رَاسِخون في العلم) : هم الذين رسخ إيمانهم، وثبت، كما يرسخ
النخل في
منابته.
(رَاعِنَا) : أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس، قال:
راعنا - سبّ بلسان اليهود، وكان المسلمون يقولون لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: راعنَا، وذلك من المراعاة، أي راقبنا
وانظرنا، فكان اليهود يقولونها ويعنون بها معنى الرعونة على
وجه الإذاية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما كانوا
يقولونها على معنى النداء.
فنهى الله المسلمين أن يقولوا هذه الكلمة لاشتراك معناها بين
ما قصده
المسلمون وما قصده اليهود، فالنَّهى سَدٌّ للذريعة.
وأمروا أن يقولوا: (انْطرْنَا) ، لخلوِّه عن ذلك الاحتمال
الملزوم، وهو من النظر، أو الانتظار.
وقيل: إنما نهي المسلمون عنها لما فيه من الجفاء وقلة التوقير.
(رَمْزا) : إشارة باليد أو بالرّأس أو غيرهما، فهو استثناء
منقطع.
قال ابن الجوزي في فنون الأفنان: من المعرّب.
وقال الواسطي: هو تحريك الشفتين بالعبرانية.
(2/186)
(رَبَّانِيِّين) : جمع ربانيّ، وهو العالم.
وقيل الذي يربّ الناس بصغار العلم قبل كبره.
قال الجواليقي: قال أبو عبيدة: العرب لا تعرف الربانيين، وإنما
يعرفها
الفقهاء وأهل العلم.
قال: وأحسب الكلمة ليست بعربية، وإنما هي عبرانية أو سريانية.
وجزم أبو القاسم بأنها سريانية.
قال محمد ابن الحنفية حين مات ابن عباس: اليوم مات ربانيّ هذه
الأمة.
وقال أبو العباس ثعلب: إنما قيل للفقهاء
ربّانيّون، لأنهم يربّون العلم، أي يقومون به.
(رَابِطوا) : أقيموا في الثّغُورِ مُرَابطين، واربطوا
خَيْلَكم مستعدين للجهاد.
وقيل: هو مرابطة العبْد فيما بينه وبين الله تعالى، أي معاهدته
على فعل
الطاعات وترك المعصية.
والأول أظهر وأشهر، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "
رِبَاط
يَوْمٍ في سبيل الله خَيْرٌ من صيام شهرٍ وقيامه ".
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في انتظار الصلاة: فذلكم
الرِّباط - فهو تشبيه بالرباط في سبيل الله لِعظَم أجْره.
والمرابط عند الفقهاء: هو الذي يسكن الثغور ليرَابط فيها، وهي
غَيْر موطنه.
وأما سكناها دائماً للمعاش فليسوا بمرابطين، ولكنهم حماة.
حكاه ابن عطية.
وقال غيره: إذا سكن بأهْلِه بقَصْد إعفافه وقيامها بشؤونه فيعد
منهم.
وفضل الله أوْسع.
(ربُّكم) : أي مرَبّيكم بالنعم.
قال الطيبي بعد كلام نَقَله: الفرق بين قوله اعبدوا الله -
وبين قوله: اعبدوا ربكم - أن في الثاني إيجاب العبادة بواسطة
النعمة التي بها قوامهم، وفي: اعبدوا إيجاب عبادته لمراعاته عز
وجل من غير
واسطة، فحيث ذكر الناس بقوله: (يا أيها الناس) ذكر الربوبية،
كقوله:
يا أيها الناس اتَّقوا ربكم.
وحيث ذكر الإيمان، بقوله: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله.
(رَقِيباً) ، أي حافظا، وهو من أسماء الله.
وإذا تحقَّقَ العَبْد بهذا الاسم العظيم وأمثاله استفاد مقام
المراقبة، وهو مقام شَرِيف، أصله علم
(2/187)
وحال، ثم يثمر حالين، أما العِلْم: فهو
معرفة العبد بأن الله مطَّلع عليه، ناظِرٌ إليه، يرى جميع
أعماله، ويسمع جميع أقواله، وكلّ ما يخطر على باله.
وأما الحال: فهو ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ولا
يغفل عنه.
ولا يكفي العلم دون هذه الحال.
فإذا حصل العلم والحال كانت ثمرتهما عند أصحاب اليمين الحياء
من الله -
وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي، والجد في الطاعات، وكانت
ثمرتهما عند الْمقَرّبين المشاهدة التي توجب التعظيم والإجلال
لذي الجلال، وإلى هاتين الثمرتين أشار - صلى الله عليه وسلم -
بقوله: " الإحسان أن تَعْبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه
فإنه يراك "، إشارة إلى الثمرة الثانية وهي المشاهدة الموجبة
للتعظيم، كمن يشاهد
ملكاً عظيما فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة.
وقوله: فإنْ لم تَكنْ تَرَاه فإنّه يَرَاك، إشارة إلى الثمرة
الأولى.
ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقربين فاعلم
أنه يراك، فإنه من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين، فلما
فسر الإحسان أول مرة بالمقام الأعْلَى رأى أن كثيراً من الناس
قد يعجزون عنه، فنزل عنه إلى المقام الآخر.
واعْلَم أَنَ المراقبةَ لا تستَقِيم حتى تتقدَّم قبلها
المشارطة والمرابطة، ويتأخر عنها
المحاسبة والمعاقبة.
فأما المشارطة: ففي اشتراطِ العَبْد على نفسه التزام الطاعة،
وترك المعاصي.
وأما المرابطة: فهي معاهدة العبد لربِّه على ذلك، ثم بعد
المشارطة والمرابطة في أَوَّلِ الأمر تكون المراقبة إلى الرب.
وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه، فإنْ وجد
نفسه قد وفّى بما عاهد عليه الله حَمِد الله، وإنْ وجد نفسه قد
حلّ عَقْد المشارطة، ونقض عقد المرابطة - عاقب النفس عقاباً
بأن يزجرها عن العَوْدَة إلى مثل ذلك.
ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة وحافظ على
المراقبة، تم اختبر بالمحاسبة، فهكذا يكون العبد مع ربه.
(2/188)
(رَبائبكم) : بنات نسائِكم من غيركم،
الواحدة رَبِيبة.
وسميت بذلك لأنّه يربّيها، فلفظها فعيلة بمعنى مفعولة.
(رَجْفة) : حركة الأرض، بمعنى الزلزلة الشديدة حيث
وقعت، وذلك أن الله أمر جبريل فصاح صَيْحةً بين السماء والأرض،
فمات منها قَوْم صالح.
(رَحُبت) : أي ضاقت على كثرة اتساعها.
(روع) : فَزع.
(رَعْدا) : اسم ملك، وصَوْته المسموع تسبيح.
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله يُنْشيءُ
السحابَ، فينطق أحْسنَ النطق، ويضحك أحسن الضحك، فمنطقه
الرّعد، وضحكه التبسم ".
وقد جاء في الأثر أن صوته زجر للسحاب، فعلى هذا يكون تسبيحه
غير
ذلك.
وقال أهل اللغة: الرَّعْد: صوت السحاب.
والبرق: نور وضِيَاء يصحبان السحاب.
(رَابيا) : عالياً على الماء، ومنه الربْوَة.
(رَدَّوا أَيْدِيَهم في أفواههم) : فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الضمائر لقوم الرُّسل.
والمعنى أنهم ردُّوا أيديهم في أفواه أنفسهم
غَيْظاً على الرسل، كقوله تعالى: (عَضّوا عليكم الأناملَ مِنَ
الغَيْظِ) ، واستهزاء وضحكاً، كمن غلبه الضحك، فوضع يده على
فيه.
الثاني: أن الضمائر لهم - والمعنى أنهم ردوا أيديهم في أفواه
أنفسهم، إشارةً
على الأنبياء بالسكوت./ @م
والثالث: أنهم ردُّوا أيديهم في أفواه الأنبياء، تَسْكيتا لهم
ودفْعاً لقولهم.
(رَجِلِك) : جمع رَاجِل، وهو الذي يمشي على رجليه.
لتقدم الخيل.
وقيل: هو مجاز واستعارة، فهو بمعنى افعل جهدك.
(2/189)
وقيل: إن له من الشيطان خَيْلاً ورجلاً.
وقيل: المراد فرسان الناس ورجالتهم المتصرفون في الشر.
(رَقِيم) : لوح كتب فيه خبر أهل الكهف، ونصبه على باب
الكهف.
وقيل: كتاب فيه شرعهم ودينهم.
وقيل: هي القرية التي كانت بإزاء الكهف.
وقيل: الجبل الذي فيه الكهف.
وقيل: اسم كلبهم.
قال الأصمعي: كنت لا أدري ما الرَّقيم حتى مررت بولد أعرابي،
وهو يقول: يا أبت تعلق الرقِيم بالأديم، فطردته فتبارك الجبل،
أي ارتفع.
وقال ابن عباس: لا أدري ما الرَّقيم.
(رَتْق) : مصدر وصف به، ومعناه الملتصق بعضه ببعض
الذي لا صَدعْ فيه ولا قبح.
(ربَتْ) : ارتفعَتْ.
(رحمةً للعالمين) : المراد به نبينا ومولانا محمد - صلى الله
عليه وسلم -، وانتصاب رحمة على أنه حال من ضمير المخاطب
المفعول.
والمعنى على هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الرحمة.
ويحتمل أن يكون مصدراً في موضع الحال من ضمير الفاعل، تقديره
أرسلناكَ
راحماً للعالمين.
أو يكون مفعولاً من أجله.
والمعنى على كلِّ وَجْهٍ: أن الله رحم العالمين بإرسال هذا
النبي الرحيم إليهم.
لأنه جاءهم بالسعادة الكبرى، والنجاة من الشقاوة العظمى،
ونالوا على يديه الخيراتِ الكثيرة في الآخرة والأولى، وعلَّمهم
بعد الجهالة، وهداهم بعد الضلالة.
فإن قلت: رحمة للعالمين عموم، والكفار لم يرحموا به؟.
فالجواب من وجهين:
أحدهما - أنهم كانوا معرَّضين للرحمة به لو آمنوا، فهم الذين
تركوا الرحمة
بعد تعريضها.
والآخر - أنهم رُحموا به لكونهم لم يعاقَبوا بمثل ما عُوقب به
الكفّار
المتقدمون، من الطوفان والصيحة وغير ذلك.
(2/190)
(رَبْوةٍ ذَاتِ قَرَارٍ ومَعِين) - بضم
الراء وفتحها
وكسرها: الأرض المرتفعة.
والقرار المستوي من الأرض، فمعناه أنها بسيطة
يتمكَّن فيها الحرث والغراسة.
وقيل: القرار هنا الثمار والحبوب.
والعين: الماء الجاري، فقيل: إنه مشتقّ من العين، فالميم زائدة
ووزْنه مفعول.
واختلف في موضع هذه الرّبْوة، فقيل، بيت القدس، وقيل: بغُوطة
دمشق.
وقيل: فلسطين.
(رَءُوفٌ رَحِيمٌ) : من أسمائه - صلى الله عليه وسلم -،
مُشْتَقَّان من أسماء الله، وقد اشتق له من اسمه نحو السبعين
اسماً، وهذه خصوصية له - صلى الله عليه وسلم -، كالكريم،
والخير، والحق
البين، والشا هد، والشهيد، والعظيم، والجبّار، والفاتح،
والشكور، وغير ذلك مما يطول ذكرها.
(رَكوبُهم) - بفتح الراء: هو الركوب.
(رَسّ) : معدن، وكل ركيّة لم تُطْوَ فهي رَسّ.
وفي العجائب للكرماني: أنه أعجمي، ومعناه البئر.
(رَدِفَ لكم) : أي تبعكم، واللام زائدة، أو ضُمّن معنى
قَرب، فتعدى باللام.
ومعنى الآية: أنهم استَعْجَلوا العذاب بقولهم: متى هذا
الوَعْد، فقيل لهم:
عسى أن يكون قَرب لكم بعض العذاب الذي تستعجلون، وهو قتلهم يوم
بَدْر.
(رَمِيم) : بالية متفتّتة.
(راغ إلى آلِهَتِهم) : أي مال إليها، فقال لهم: ألا تَأْكلون!
على وجه الاستهزاء بالذين يعبدون تلك الأصنام.
فإن قلت: ما وَجْهُ دخولِ الفاء في آية الصافّات وحذفها من
الذاريات؟
فالجواب: إنما أدخلها في الصافّات لأنها لم تتكرر، فقالها
للأصنام على جهة
التوقيف على الأكل والنطق والمخاطبة للأصنام، والقصدُ
الاستهزاء بعابديها، إذ
(2/191)
كانوا يتركون في بيوت الأصنام طعاماً،
ويعتقدون أنها تصيب منه سيئا، ونحو
هذا من المعتقدات الباطلة، ثم كان خدَمة البيت يأكلونه.
وحذَفَها في الذاريات لتكررها قبله.
ويحتمل أن تكون حثًا على الأكل، أو تكون الهمزة للإنكار
دخلت على لا النافية.
(روَاكدَ على ظَهْرِه) ، أي سواكِنَ.
ومعناه لو أراد الله أن يسكن الرياح، أو تهديد بإسكانه.
(رَهْوًا) ، أي ساكناً على هيئته بالسريانية.
وقيل: يابساً.
وروي أن موسى لما جاوز البحر أراد أن يضربه بعصاه فينطبق، كما
ضربه
فانْفَلق، فقال الله له: اتركه كما هو ليدخله فرعون وقومه
فيغرقوا.
وقيل: معنى (رَهْوًا) سهلاً. وقيل: منفرجاً.
وروي أن الله أوحى إلى البحر إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له،
فبات
يضطرب من خَوْفِ الله وفرحاً بخطابه، وأنتَ يا عبد الله خاطبك
بكلامه.
وأكرمك بأمْرِه ولا تمتثل! بئس العبد، ولنعم الرب!
(رَقٍّ مَنْشور) : الصحائف التي تخرج إلى بني آدم يوم القيامة.
والرّقّ في اللغة: الصحيفة.
وخصّصت في العُرْف بما كان من جِلْد.
والنشور: خلاف الْمَطْوِي.
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) : مشرقي
الصيف والشتاء
ومغربيها.
وقيل مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما.
(رَوْح ورَيْحان) : الروح الاستراحة، وقيل الرحمة.
وروي أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ: فروحٌ - بضم
الراء، ومعناه الرحمة.
وقيل: الخلود، أي بقاء الروح.
وأما الريحان فقيل: إنه الرزق.
وقيل: الاستراحة. وقيل: الطيب.
وقيل، الريحان المعروف في الدنيا يلقاه المؤمن في الجنة.
وهو قوله: (رَوْح وريحان) ضَرْب من ضروب التجنيس.
(2/192)
(رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) ، أي
بيّنْه وتمهّل في قراءته بالمدِّ
وإشباع الحركات وبيان الحروف، وذلك معين على التفكر في معاني
القرآن.
بخلاف الهذّ الذي لا يفقه صاحبه ما يقول، ولذا كان - صلى الله
عليه وسلم - يقطع في قراءته حرفاً حرفاً ولا يمر بآية رحمة
إلاَّ وقف وسأل، ولا بآية عذابٍ إلا وقف وتعوَّذ.
وقام بآية من القرآن ليلة: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا
وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا) .
وكان يصعق لبعض الآيات.
وقد أفرد الناس في آداب تلاوته تواليف كالنّووي والغزالي
وغيرهما.
وسنذكر منها الإشارة إلى بعضها: أخرج من حديث عبيدة المالكي
مرفوعاً
وموقوفاً: يا أهل القرآن لا تتوسَّدُوا القرآن، واتلُوه حقَّ
تلاوته آناء الليل والنهار، وأَفْشُوه وتدبَروا ما فيه لعلكم
تفلحون.
وقد كان للسلف في قَدْر القراءة
عاداتٌ، فأكثر ما ورد في قراءة القرآن مَنْ كان يختم في اليوم
والليلة ثمان مرات، أربعاً في الليل، وأربعا في النهار.
ويليه مَنْ كان يختم في اليوم والليلة أربعاً، ويليه
ثلاثاً، ويليه ختمتين، ويليه ختمة.
ويلي ذلك من كان يختم في ليلتين، ويليه من
كان يختم في كل ثلاث، وهو حَسَن.
وكره جماعة الختم في أقل من ذلك، لما روى أبو داود والتِّرمذي
- وصحّحه، من حديث عبد اللَه بن عمر - مرفوعاً: لا يفقه من قرأ
القرآن في أقلّ من ثلاث.
ويليه من ختم في أرْبع، ثم في خمس، ثم في ست، ثم في سبْع، وهذا
أوسطُ
الأمور وأحسنها، وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم.
ويلي ذلك مَنْ ختم في ثمان، ثم في عشرة، ثم في شهر، ثم في
شهرين.
أخرج ابن أبي داوود، عن مكحول، قال: كان أقوياء أصحاب رسول
الله
- صلى الله عليه وسلم - يقرأون القرآن في سبع.
وبعضهم في شَهْرٍ. وبعضهم في شهرين.
وبعضهم في أكثر من ذلك.
وقال أبو الليث - في البستان: ينبغي للقارئ أن يختم في السنة
مرَّتيْن إن لم
يقدر على الزيادة.
(2/193)
وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، قال:
من قرأ القرآن في كل سنة
مرَّتْين فقد أدَّى حقَّه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -
عرض على جبريل في السنة التي قبض فيها مرتين.
وقال غيره: يُكْرَه تأخير خَتْمِه أكثر من أربعين يوماً بلا
عذْر.
وقال النووي في الأذكار: المختار أن ذلك يختلف باختلاف
الأشخاص.
فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقْتَصِرْ على
قَدْرٍ يحصل له
كمالُ فَهْم ما يقرأ، وكذلك من كان مشغولاً بنشر العلم، أو فصل
الحكومات، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة فليقتصر
على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوات كماله.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين
فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حَدّ الملل أو الهذْرَمة في
القراءة.
ونِسْيَانُه من أَعْظَمِ الذنوب، كما صحَّ: عرِضت عليَّ ذنوبُ
أمتي فلم أرَ ذَنْبًا
أعظم من سورة القرآن أو آية أوتيها رجلٌ فنسيها.
ويستحب الوضوء لقراءته.
وإذا كان يقرأ فعرضت له ريح أمسك عن
القراءة حتى يستتم خروجها.
وكذلك إن كان يكتبه.
ويطيِّب فمه ما أمكنه، ويجلس مستقبلاً متخشّعاً خائفاً
وَجِلاً، مطرقاً رأسه حياء ممنْ هو يخاطبه.
ويتعوَّذ باللهِ من الشيطان الرجيم.
وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة.
ولا يحتاج إلى نيّة إلا إذا نذرها خارج الصلاة، فلا بد من نية
الفرض أو النذْر.
وقال في شرح المهذب: واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع،
قالوا:
وقراءة جُزْءٍ بترتيل أَفضل من قراءة جزءين في قَدْرِ ذلك
الزمان بلا ترتيل.
وفي النشر: اختلف هل الأفضل الترتيل، وقلة القراءة، أو السرعة
مع
كثرتها، وأحسنَ بعض أئمتنا فقال: إن ثوابَ قراءة الترتيل أجلّ
قدراً، وثواب الكثرة أكثر عدداً، لأن بكل حرف عشر حسنات.
ويستحبّ البكاء عند تلاوته، والتباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن
والخشوع، قال تعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ) .
(2/194)
ويستحب تحسينُ الصّوْت بالقراءة، للحديث:
زَيِّنوا أصواتكم بالقرآن.
وأما القراءة بالألحان المطربة بحيث ألا يفرط في المدّ وفي
إشباع الحركات
حتى يتولَّد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء،
ويدغم في غير موضع الإدغام - فلا بأس.
وإن انتهى إلى هذا الحدّ فحرامٌ يفسقُ به القارئ.
ويَأْثَم به المستمع، لأنه عدل به عن نهجه القويم.
ولا بَأْسَ باجتماع الجماعة في القراءة، ولا بإدارتها، وهي أن
يقرأ بعضُ الجماعة قطعةً ثم البعض قطعةً بعدها.
وتستحَبّ قراءته بالتفخيم، لحديث الحاكم: نزلَ القرآن
بالتفخيم.
قال الحليمي: ومعناه أن يقرأه على قراءة الرجال، ولا يُخْضِع
الصوت فيه
ككلام النساء.
قال: ولا يدخل في هذا كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض
القراء.
وقد يجوز أن يكون نزل القرآن بالتفخيم، فيرخص مع ذلك في إمالة
ما
تحسن إمالته.
ووردت أحاديثُ باستحباب رَفْعِ الصوت بالقراءة، وأحاديث
تقْتَضِي
الإسرار وخَفْض الصوت.
وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار
ببعضها، لأن الْمسِرَّ قد يملّ فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلّ
فيستريح
با لإسرار.
والقراءة في المصحف أفضل من القراءة من حفظه، لأنه أبْعَد من
الرياء.
وأجمع للفكر، والنظر فيه عبادة مطلوبة.
قال النَّوَوِي: ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيُختار
القراءة فيه
لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة فيه ومن الحفظ.
ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمل بذلك خشوعه، ويزيد على خشوعه
وتدبّره لو قرأ من المصحف - لكان هذا قولاً حسناً.
وإذا أرْتج على القارئ فلم يَدْرِ ما بعد الموضع الذي انتهى
إليه، وسأل عنه
(2/195)
غيره، فينبغي أن يتأدب بما جاء عن ابن
مسعود والنخعي وبشير بن أبي مسعود، قالوا: إذا سأل أحَدُكم
أخاه عن آية فليقرأْ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول: كيف كذا
وكذا، فإنه يلبّس عليه.
وقال مجاهد: إذا شك القارئ في حَرْفٍ، هل هو بالتاء أو -
بالياء فليقرأه
بالياء، فإن القرآن مذكّر.
وإن شكَّ في حرف هل هو مهموز أو غير مهموز
فليترك الهمز.
وإن شك في حَرْفٍ هل يكون موصولاً أو مقطوعاً فليقرأه
بالوصل.
وإن شك في حَرْفٍ هل هو ممدود أو مقصور فليقرأه بالقصر.
وإن شك في حرف هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأه بالفتح، لأن الأول
غير لَحْن في بعض المواضع، والثاني لحن في بعض المواضع.
ويكره قطعُ القراءة لمكالة أحد.
قال الحليميّ: لأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره.
وأيّدَه البيهقي بما في الصحيح: كان ابن عمر إذا قرأ
القرآن لم يتكلم حتى يفرغَ منه.
ويكره أيضاً: الضحك، والعبَث، والنظرُ إلى ما يُلْهي.
ولا تجوز قراءته بالعجميّة مطلقاً، سواء أحسن العربية أم لا،
في الصلاة أو
خارجها.
وعن أبي حنيفة أنه يجوز مطلقا، لكن في شرح البرذدويّ أنَّ أبا
حنيفة
رجع عن ذلك.
ووجه الْمَنْعِ أنه يُذهب إعجازه المقصودَ منه.
وعن القفّال من أصحابنا: أن القراءة بالفارسية لا تتَصَوَّر.
قيل له: فإذَنْ لا يقدر أحَذ أنْ يفسّر القرآن.
قال: ليس كذلك، لأن هناك يجوز أن يأتي ببعض مرادِ الله، ويعجز
عن البعض.
أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مرَاد
الله.
لأنّ الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها، وذلك غَيْر ممكن،
بخلاف التفسير.
والأوْلى أن يقرأ على ترتيب المصحف، لأنه لحكمة فلا يتركها.
فلو فَرَّق السور أو عكسها جاز، وترك الأفضل.
(2/196)
وقال في شرح المهذب: وأما قراءة السّوَر
مِنْ آخرها إلى أولها فمتَّفَقٌ على
منْعِه، لأنه يذهب ببعض نَوْعِ الإعجاز، ويزيل حكمةَ الترتيب.
وأخرج الطبراني بسند جيّد عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل يقرأ
القرآن
منكوساً.
قال: ذلك منكوس القَلْب.
وأما خَلْط سورة بسورة فعن الحليميّ: تَرْكه من الآداب، لما
أخرجه أبو
عبيد عن سعيد بن المسيَّب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مَرَّ ببلال وهو يقرأ القرآن من هذه السورة ومن هذه السورة،
فقال: ما هذا، قال: أخْلِط الطيب بالطيب.
فقال: اقرأ القراءة على وجهها، أو نحوها.
مرْسل صحيح.
وأخرج عن ابن مسعود، قال: إذا ابتدأت في سورة فأردتَ أن تتحوّل
منها
إلى غيرها فتحوَّل إلى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
فإذا ابتدأت فيها فلا تتحول منها حتى تختمها.
ونقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل
سورة.
قال البيهقي: وأحسن ما يحتجُّ به أن يُقال: إنَّ هذا التأليف
لكتاب اللَه
مأخوذٌ من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذَه عن جبريل،
فالأولى بالقارئ انْ يقرأه على التأليف المنقول.
وقد قال ابن سيرين: تأليف الله خَيْرٌ من تأليفكم.
قال الحليمي: ويستحبُّ استيفاءُ كلِّ حرف أثبته قارئ ليكون قد
أتى على
جميع ما هو قرآن.
قال ابن الصلاح والنووي: إذا ابتدئ بقراءة أحد من القُرّاء
فينبغي ألاَّ يزال على تلك القراءة ما دام الكام مرتبطا، فإذا
انقضى ارتباطه فَلَه أن يقرأ بقراءة آخر.
والأولى دوامه على هذا في هذا المجلس.
وقال غيرهما بالمنع مطلقا.
قال ابن الجزري: والصواب أن يقال: إن كانت
إحدى القراءتين مرتبة على الأخرى منع ذلك مَنْع تحريم، كمن
يقرأ فتلَقَّى آدم من ربه كلمات.
برفعهما أو بنصبهما، أخذ رفع آدم من قراءة ابن كثير، ورفْع
كلمات من قراءته، ونحو ذلك مما لا يجوز في العربية واللغة.
وما لم يكن كذلك
(2/197)
فرق فيه بين مقام الرواية وغيرها، فإن كان
على سبيل الرواية حرم أيضاً، لأنه كذِبٌ في الرواية وتخليط.
وإن كان على سبيل التلاوة جاز.
وأفضل القراءة ما كان في الصلاة ثم الليل ثم نصفه الأخير، وما
بين المغرب
والعشاء محبوبة لفراغ القَلْبِ من أشغال الدنيا.
وأفْضَل النهار بعد الصبح.
ولا تُكْرَهُ في شيء من الأَوْقَات.
وأفضلُ الذكر القرآن إلا فيما شرع فيه من الأذكار، كأذكار
الليل والنهار.
وعند الأكل والشرب، ودخول المنزل والمسجد، وغير ذلك.
وأما ما رواه ابن أبي داود عن مُعَان بن رفاعة، عن مشايخه أنهم
كرهوا
القراءة بعد العصر، وقالوا: هو دراسة يهود، فَغَيْرُ مقبول،
ولا أصل له.
ويُخْتار من الأيام يوم عرفة ثم الجمعة ثم الإثنين والخميس،
ومن الأعشار
العشر الأخير من رمضان، والأول من ذي الحجة.
ومن الشهور رمضان.
ويُختار لابتدائه يوم الجمعة وليلتها.
ولختمه يوم الخميس أو ليلته.
والأفضل الختم أول النهار أَوْ أَوَّل الليل، لما رواه الدارمي
بسند حسن عن سعد بن أبي وقَّاص، قال: إذا وافق ختْم القرآن أول
الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل
صلَّت عليه الملائكة حتى يُمْسِي.
قال في الإحياء: ويكون الختم أول النهار في ركعتي الفجر، وأول
الليل في
ركعتي سنّة المغرب للوقت المبارك.
ويستحبّ الختم في الشتاء أول الليل.
وفي الصيف أول النهار.
ويستحبّ صَوْم يوم الختم وإحضار أهله وولِده وأصدقائه ودعائه
لهم لأنه
مستجاب، كما صح.
وأخرج عن مجاهد، قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، ويقولون
عنده تنزل الرحمة.
ويستحب التكبير من الضحى إلى آخر القرآن.
قال الحليميّ: ونكتته التشبيه للقراءة بصوم رمضان إذا أكمل
عدّته يكبّر، فكذا هنا يكبّر إذا أكمل عدّة السور.
(2/198)
قال: وصفته أن يَقِفَ بعد كلّ سورة وقفةً
ويقول: الله أكبر، وكذا قال
سليم الرازي من أصحابنا في تفسيره: يكبِّر بين كل سورتين، ولا
يصل آخر
السورة بالتكبير، بل يفصل بينهما بسكتة.
قال: ومَنْ لا يُكَبِّر من القراء خجتهم
أن في ذلك ذريعةً إلى الزيادة في القرآن، بأن يدَاوِمَ عليه
فَيتَوَهّم أنه منه.
وإذا فرغ من الختمة يشرع في أخرى لحديث الترمذي وغيره: أحبُّ
الأعمال
إلى الله الحالُّ المرتحل، الذي يقرأ من أول القرآن إلى آخره،
كلما حل ارتحل.
ومنع الإمام أحمد تكرير سورة الإخلاص عند الختم، لكن عمل الناس
على
خلافه.
قال بعضهم: الحكمة فيه ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن، فيحصل
بذلك
ختمة.
فإن قيل: فكان ينبغي أن يقرأ أَربعاً، لتحصل ختْمتان.
قلنا: المقصود أن يكَون على يقين من حصول ختمة، إمّا التي
قرأها، وإمّا
التي حصل ثوابها بتكرير السورة.
قلت: وحاصِل ذلك يرجع إلى جبر ما لعلَّه حصل في القراءة من
خلَل.
وكما قاس الحليمي التكبير عند الختم على التكبير عند إكمال
رمضان، فينبغي أن يقَاس تكريره سورة الإخلاص على إتْبَاع رمضان
بستّ من شوال.
ويكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسَّب بها، للحديث: مَنْ قرأ
القرآن فليسأل
اللَه، فإنه سيأتي قومٌ يقرأون القرآن يسألون الناس به.
وروى البخاري في تاريخه الكبير بسنَدٍ صالح حديث: من قرأ
القرآن عند
ظالم ليرفع منه لعِنَ بكل حَرْفٍ عشر لعنات.
ويكره أن يقول نسيت آية كذا، بل أنسيتها، للحديث الصحيح في
النهي عن ذلك.
والأئمة الثلاثة عَلَى وصولِ ثَوَاب القراءة للميِّت.
ومذهبنا خلافه، للآية: (وأنْ لَيْس للإنسانِ إلاَّ مَا سَعَى)
.
(2/199)
وقد طوَّلنا الكلام هنا فلنرجع إلى المقصود
لأن هذا الكتاب لا يسع ذلك.
وقد أودعنا أكثره في كتابنا الإتقان في علوم القرآن.
(رَاق) : صاحب رقْية، يعني قال أهل المريض مَنْ يرقيه
حتى يشفيه الله.
وقيل إن الملائكة تقول: من يرقى بروحه حتى يصعد بها إلى
السماء، فالأولى من الرقية وهو أشهر، والثاني مِن الرقي إلى
العلو.
(تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) .
قيل الراجفة النفخة الأولى في الصّور.
والرادفة النّفْخة الثانية، لأنها تتبعها، ولذلك سماها رادفة،
من
قولك: ردفت الشيء إذا تبعته.
وفي الحديث: أن بينهما أربعين يوماً.
وقيل الراجفة الموت، والرادفة القيامة.
وقيل الراجفة الأرض، من قولك ترجف الأرض والجبال.
والرادفة السماء، لأنها تنشقُّ يومئذ.
والعامل في يوم ترجف محذوف وهو الجواب المقدر، تقديره لتبعثنّ
يَوْمَ
ترجف الراجفة، وإنْ جَعَلْنا يوم ترجف الجواب فالعامل في يوم
معنى قوله:
(قلوبٌ يومئذ واجفة) ، ويكون تتبعها الرادفة في موضع الحال.
ويحتمل أن يكون العامل فيه تتبعها.
(رَانَ على قلوبهم) ، أي غلب على قلوبهم كسْبُ
الذنوب، كما ترين الخمر على عَقْل السكران.
والضمير راجعٌ على من يكسب السيئات، يطمس اللَّهُ بصائرهم حتى
لا يعرفون الرشد من الغيّ، لأن المعاصي بريد الكفر.
وفي الحديث: إنَّ العَبْدَ إذا أذنب ذنبا صارت نكتة سوداء في
قلبه، فإذا زاد ذنباً آخر زاد السوَاد، فلا يزال كذلك حتى
يتغطّى، وهو الرّين.
(رَحِيق) ، خالصٌ من الشراب.
وقيل العتيق منه.
(رحمة) وردت على أوجه:
الإسلام: (يختَصّ برحمته مَنْ يشاء) .
والإيمان: (وآتانِي رحمةً من عنده) .
والجنة: (ففي رَحْمَةِ الله هم فيها خالدون) .
والمطر: (بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) .
(2/200)
والنعمة: (ولولا فَضْل الله عليكم ورحمته)
.
والرزق: (خزائن رحمة رَبّي) .
والنصر والفتح: (إنْ أرَادَ بكمْ سوءاً أو أراد بكم رحمة) .
والعافية: (أو أرَادَني برحْمَة) .
والمودّة: (رأفة ورحمة) .
والمغفرة: (كَتَب على نفسه الرحمةَ) .
والعصمة: (لا عاصمَ اليَوْمَ مِنْ أمْرِ اللهِ إلّا مَنْ
رَحِم) .
(روح) : ورد على أوجه:
الأمر: (وروح منه) .
والوحي: (ينزل الملائكة بالرّوح) .
والقرآن: (أوْحَيْنَا إليكَ روحاً من أمرنا) .
والرحمة: (وأيّدهم بروح منه) .
والحياة: (فَروح ورَيْحان) .
وجبريل: (فأرْسَلْنَا زوحنا) .
(نزل به الرّوح الأمين) .
وملك عظيم: (يوم يقوم الرُّوحُ) .
وجنْس من الملائكة: (تنزَّل الملائكة والروح فيها) .
وروح البدن: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ
مِنْ أَمْرِ رَبِّي
) ، أي من علم ربي لا نَعْلَمه نحن ولا أنتم، لأنه من الأمور
التي
استأئر الله بها، ولم يطلِعْ عليها خلْقَه، وكانت اليهود قد
قالت لقريش: سَلوه عن الروح فإن لم يجبكم فيه بشيء فهو نبيٌّ،
وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله
بعلمها.
وقال ابن بريدة: لقد مضى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم
يعرف الروح، ولقد كثر اختلاف الناس في النفس والروح حتى أنهوه
إلى خمسمائة قول، وليس فيها ما يعوَّل عليه.
(رُكْبَان) : جمع راكب، أي صلُّوا كيف ما كنتم ركوباً
أو غيره، وذلك في صلاة المسايفة، ولا ينقص فيها عن ركعتين في
السفر وأربع في الحضَر.
(رُحَماء بَيْنهم) : وصفٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن
آمن معه من
أصحابه.
واختار ابن عطية أن يكون الوصف بالشدّةِ والرحمة مختصًّا
بالصحابة
(2/201)
والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وما أخصه
بالوصف بذلك، لأن الله تعالى قال فيه: (بالمؤمنين رءوف رحيم) .
وقال له: (جاهِدِ الكفَّارَ والمنافقين واغلُظْ عليهم) ، فهذا
هو الوصف على الكفار والرحمة بالمؤمنين.
وهذه الآية كقوله: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكَافِرِينَ) .
(ركام) : بعضهم على بعض.
(رُفَاتا) : هو الذي بلي، حتى صار غُباراً.
ومعنى الآية إنكارهم للبَعْثِ، واستبعادهم أن يخلقهم الله
خلقاً جديداً بعد
فنائهم.
(رَجْماً بالغَيْب) ، أي ظنًّا، وهو مستعارٌ من الرّجْم بمعنى
الرمي.
ومعنى الآية أن اليهود وغيرهم ممن تكلّم في أصحاب الكهف
اختلفوا في
عددهم كما أخبر الله تعالى في كتابه، وأنهم ما يعلمهم إلا قليل
من الناس، وهم من أهل الكتاب.
وقال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، وكانوا سبعة وثامنهم
كلبهم، لأنه قال في الثلاثة والخمسة رجماً بالغيب، ولم يقل ذلك
في سبعة وثامنهم كلبهم.
قال الزمخشري: وفائدتها التوكيد والدلالة على أن اتصافه بها
أمر ثابت
مستقر، وهذه الواو هي التي آذنَتْ بأن الذين قالوا سبعة
وثامنهم كلبهم صدّقوا وأخبروا بحق، بخلاف الذين قالوا ثلاثة
رابعهم كلبهم، والذين قالوا خمسة سادسهم كلبهم.
وقال ابن عطية: دخلت الواو في آخر إخْبَارٍ عن عددهم، لتَدل أن
هذا
نهايةُ ما قيل، ولو سقطت لصح الكلام.
(روم) : اسم عجمي لهذا
الجيل من الناس، قاله الجواليقي: وسمِّيَتْ باسم
جدهم، وهو روم بن عيْصو بن إسحاق بن إبراهيم.
(2/202)
(رُخَاءً) : يعني ليّنة طيبة.
وقيل مطيعة له، وحيث أصاب: أي قصد وأراد.
فإن قلت: قد وصفها في الأنبياء، أنها عاصفة، أي شديدة بالجمع؟
فالجواب: أنها كانت في نفسها ليّنة طيّبة، وكانت تسْرع في
جريها
كالعاصف، فجمعت الوصفين.
وقيل: كانت رخاءً في ذهابه وعاصفة في رجوعه
إلى وطنه، لأن عادة المسافرين الإسراع في الرجوع.
وقيل: كانت تشتدّ إذا رفعت البساط وتلين إذا حملته.
ومعنى الأرض التي باركنا فيها أرض الشام، وكانت مسكنه وموضع
ملكه.
فخص في الآية الرجوع إليها لِيَدلَّ على الانتقال منها، فمن
يقدر على وصف
هذا الملك التي كانت الريح مركبه والإنس والجن جنوده، والطير
معِينة
ومحدّثه، والوحش مسخرة، والملائكة رسوله، وكان له ميدان لبنة
من ذهب
ولبنة من فضة، وكان عسكره مائة فرسخ، وكان منزله شهراً، وكانت
الجن
نسجت له بساطاً من ذهب وفضة فيها اثنا عشر ألف محراب، في كل
محراب
كرسيّ من ذهب وفضة، على كل كرسيّ عالم من علماء بني إسرائيل،
ومع ذلك لم يشغله هذا الملك عن عبادة مولاه، ولذا قال له: (هذا
عطاؤنا فامْننْ أو أمْسِك بغير حساب) .
(رُجَّتِ الْأَرْضُ) : زلزلت وحرِّكَتْ تحريكاً شديداً، وذلك
يوم القيامة.
(رُجْعَى) : أي مرجعا، وهذا تهديد لأبي جهل وأمثاله.
(رِبا) : هو في اللغة الزيادة، ومنه: (يُرْبي الصدقاتِ) .
واستعمل في الشرع في بيوعات ممنوعة أكثرها راجعةٌ إلى
الزيادة، فإن غالب الربا في الجاهلية قولهم للغريم أتَقْضِي أم
تربي، فكان الغريم يزيد في عدد المال ويَجْبر الطالب عليه.
ثم إن الرِّبا على نوعين: ربا النَّسِيئة وربا التفاضل،
وكلاهما يكون في الذهب والفضة، وفي الطعام.
(2/203)
فأما النسيئة فَتحْرم في بَيْعِ الذهب
بالذهب، وفي بيع الفضة بالفضة، وفي
بيع الذهب بالفضة، وهو الصرف.
وفي بيع الطعام بالطعام مطلقا.
وأمَّا التفاضل فإنما يحرم في بيع الجنس الواحد بجنْسه من
النقدين ومن
الطعام.
ومذهب إمامنا أنه يحرم في كل طعام.
ومذهب مالك أنه يحرم التفاضل في
المقْتَات المدَّخر من الطعام.
ومذهب أبي حنيفة أنه محرم في المكيل والموزون من
الطعام وغيره.
(رِبِّيّون) : جماعات كثيرة.
وقيل علماء مثل ربّانيين.
وذكر أبو حاتم أحمد بن حمدان اللغوي في كتاب الزّينة أنها
سريانية.
(رِيشا) : واحده رياثس، وهو ما ظهر من اللباس، مستعار من ريش
الطير.
والرياش أيضاً: الخصب والمعاش.
(رِجْز) : عذاب، كقوله: (فلما كشَفْنَا عنهم الرجْزَ) ، أي
العذاب، وكانوا مهما نزل بهم أمر من الأمور المذكورة عاهدوا
موسَى على أن يؤْمنوا به إن كشفَه الله عنهم، فلما كشفه عنهم
نَقَضوا العهد، وتمادوا على كفْرهم.
ورجز الشيطان لطخه وما يدعو إليه من الكفر، وسميت
الأصنام رجْزاً في قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ، لأنها سبب
الرجز، أي سبب العذاب.
وقرئ بضم الراء وكسرها.
ويبْدَل الزَّاي سيناً ومعناهما واحد، كقوله تعالى:
(فَزَادَتْهمْ رِجْساً إلى رِجسهم) ، أي كفْركم إلى كفرهم،
فيتجدَّد عليهم العذاب بسبب كفرهم.
وأما قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ
الشَّيْطَانِ) ، فهو تعديد لنعمة أخرى، وذلك أنهم عدموا الماء
في غَزْوَة
بَدْر قبل وصولهم إليها - وقيل بعد وصولهم - فأنزل الله لهم
المطر حتى سالت الأوْدِية، وكان منهم من أصابته جنابة فتطهر به
وتوضأ سائرهم، وكانوا قبله ليس عندهم ماءٌ للطّهور ولا للوضوء.
وكان الشيطان قد ألقى في نفوس بعضهم
(2/204)
وَسْوَسةً بسبب عدمهم للماء، فقالوا: " نحن
أولياء اللهِ وفينا رسوله "، فكيف نَبْقَى بلا ماءٍ، فأنزل
الله المطر وأزال عنهم وسوسة الشيطان.
(رِفد) : يرَادُ به العطاء، والعَوْن، ومنه قوله: (بئس
الرِّفدُ الْمَرْفُود) ، أي العطيّة المعْطاة.
ويُقَال: بئس عون المعان رضوا به.
قد قدمنا أن الرضا من الله هو إرادة تنعيم المؤمنين وثوابهم
وإيصال النفع لهم، وسخطه إرادة العقاب لأعدائه وإضرارهم.
(رِئْياً) : بهمزة ساكنة قبل الياء.
ما رأيت عليه من شارة وهَيْئة، وبغير همز بمعناه أيضا.
ويجوز أن يكون من الرئي، أي منظرهم مرئيّ
من النعمة.
وقرئ: زيًّا - بالزاي - يعني هيئة ومنظراً.
(رِكْزا) : صوت خَفِيّ.
والمعنى أنهم لم يبق منهم أثر.
وفي ذلك تهديد لقريش.
(رِيع) : المرتفع من الأرض.
وقيل: الطريق، وجمعه أرْياع وريعي.
(رِعَاء) : جمع راع.
(رِدْءا) ، بغير همز وبهمز على التسهيل من المهموز، بمعنى
مُعِيناً، أو يكون من أرديت، أي زدت.
(رِزْقَكم أنكم تكَذِّبُون) : قد قدمنا أنها توبيخ للقائلين
مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا، فجعلوا شكر الرزق التكذيب.
(ركاب) : إبل، ومنه قوله
تعالى: (فما أوْجفْتُم عليهِ مِنْ خَيْل ولا
رِكاب) .
(رُحْم) : جمع رحم، وهو فرج المرأة، ويستعمل أيضاً في
القرابة.
(رُوَيْد) : اسم لا يتكلم به إلا مصغَّراً مأموراً به، تصغير
رود، وهو المهل.
(2/205)
(رُبَّ) : حرف في معناها ثمانية أقوال:
أحدها: أنها للتقليل دائماً، وعليه الأكثرون.
الثاني: للتكثير دائماً، كقوله: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) ، فإنهم يكثر منهم تَمنّيِ
ذلك.
وقال الأولون: هم مشغولون بغمرات الأهوال فلا يفيقون بحيث
يتمنّوْنَ ذلك إلا قليلا.
الثالث: أنها لهما على السواء.
الرابع: للتعليل غالبا والتكثير نادراً، وهو اختياري.
الخامس: عكسه.
السادس: لم توضع لواحد منهما، بل هي حرف إثبات لا يدل على
تقليل
ولا تكثير، وإنما يفعل ذلك من خارج.
السابع: للتكثير في موضع المباهاة والافتخار.
وللتقليل فيما عداه.
الثامن: لمبْهَمِ العدد تكون تقليلاً وتكثيراً، وتدخل عليهما
فتكفّهما عن عمل الجرّ.
وتدخل على الجمل، والغالب حينئذ دخولها على الفعلية - الماضي
فعلها
لفظاً ومعنى، ومن دخولها على المستقبل الآية السابقة.
وقيل: إنه على حدّ (ونُفِخَ في الصّورِ) .
(2/206)
|