معترك الأقران في إعجاز القرآن (حرف الكاف)
(كافر) : له معنيان: من
الكفر، وهو الجحود بوجود الله المضاد لمعرفته.
وقد يحكم بكفْرِ الشخص مع كَوْنِه عالماً بالله من طريق الشرع،
وهو إذا قال: إن الخمر حلال، والظُّهر غير واجب.
وقيل الكافر هو المكذّب، مثل قوله
تعالى: (فكفَروا وتَوَلَّوْا) .
وبمعنى الزرع، وهو قوله تعالى:
(أعجب الكفارَ نباته) ، أي الزرَّاع.
وتكفير الذنوب: غفرانها.
(كافَّة) : الهاء للمبالغة، ومنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) . - بفتح السين
المهملة.
والمراد به ها هنا عقد الذمة بالجِزْية، فالأمر على هذا لأهل
الكتاب.
وخوطبوا بالذين آمنوا لإيمانهم بأنبيائهم وكتبهم المتقدمة.
وقيل: هو الإسلام.
وكذلك هو بكسر السين، فيكون الخطاب لأهل
الكتاب على معنى الأمر لهم بالدخول في الإسلام.
وقيل: إنها نزلت في قَوْم من اليهود أسلَموا، وأرادوا أن
يعظِّمُوا السَّبْتَ كما
كانوا، فالمعنى على هذا: ادخلوا في الإسلام، واتركوا سواه.
ويحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين على معنى الأمر بالثبوت عليه
والدخول في جميع شرائعه من الأمر والنهي.
وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ
بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
أي تكفّهم وتردعهم، لأنه كما بعث إلى الإنس والجن.
(كفَلها زَكرِيَّا) : أي ضمها وحصّنها.
ومنه أكْفِلْنِيها.
(2/226)
والضمير يعود على مريم، وزكريا كان زوج
خالتها.
وقيل: زوج أختها.
وقرئ كفَّلها - بتشديد الفاء ونصب زكرياء، أي جعله الله
كافلها.
(كَرّة) : أي رجعة.
ومنه: (لو أنَّ لنا كرّةً) .
وقوله: (ثم ردَدْتا لكم الكَرّة عليهم) ، أي الدولة والغلبة
على الذين
بعثوا عليكم.
ويعني رجوع الملك إلى بني إسرائيل، واستنقاذ أسراهم، وقتل
بخت نصّر.
وقيل قتل داود جالوت.
(كاظِمين الغَيْظَ) : حابسين الغَيْظَ.
(كبِر) - بكسر الباء - يكبَر - بالفتح - في المضارع.
وكَبر الأمْر - بالضم - في الماضي والمضارع.
وكُبَر بضم الكاف وفتح الباء جمع كبْرى.
وكباراً - بالضم والتشديد: كبير، مبالغة.
والكِبْر: التكبّر.
وكُبْر الشيء - بكسر الكاف وضمها: معظمه.
والكبرياء: الملك والعظمة.
والمتكبِّر: اسم الله تعالى، وبمعنى العظمة.
وكان لامرأة زكرياء ثمان وتسعون سنة، فاستبعد ذلك في العادة مع
علمه
بقدرة الله تعالى على ذلك، واستبعده، لأنه نادر في العادة
وقيل: سأله وهو
شاب، وأجيب وهو شيخ، فاستبعده لذلك (1) .
(كذلك الله) : أي مثل هذه الفعلة العجيبة يفعل ما يشاء، فالكاف
لتشبيه أفعاله العجيبة بهذه الفعلة، والإشارة إلى هبة الولد
لزكرياء.
واسم الله مرفوع بالابتداء، و (كذلك) خبره، فيجب وصله معه.
وقيل: إن الخبر يفعل ما يشاء.
ويحمل (كذلك) على وجهين:
أحدها - أن يكون في موضع الحال من فاعل يفعل، والآخر أن يكون
في موضع خبر مبتدأ محذوف، تقديره الأمر كذلك، أو أنْتُما كذلك.
وعلى هذا يوقف على كذلك.
والأول أرجح، لاتصال الكلام، وارتباط قوله: (يفعل ما يشاء) مع
ما قبله، ولأن له نظائرَ كثيرة في القرآن، منها قوله: (وكذَلِك
أخْذ رَبِّكَ) .
__________
(1) استبعاد مثل ذلك شك في قدره الله تعالى - وهو كفر لا يليق
بالأنبياء - والذي عليه المحققون أنه قال ذلك تعجبا من باهر
قدرة العلي القدير. والله أعلم.
(2/227)
(كلاَلَة) : هي انقطاع عمودي النسب، وهي
خلوّ الميت
عن ولد أو والد.
ويحتمل أن يُطلق هنا على الميت الموروث، أو على الورثة، أو
على الوراثة، أو على القرابة، أو على المال، فإن كانت للميت
فإعرابها خبر كان، ويورَث في موضع الصفة.
أو يورث خبر كان وكَلاَلة حال من الضمير في يورث.
أو تكون كان تامة، ويورث في موضع الصفة، وكلالة حال من الضمير.
وإن كانتْ للورثة فهي خبر كان على حذْفِ مضاف، تقديره ذا
كلالة، أو
حال على حَذْف مضاف أيضاً.
وإن كانت للوراثة فهي مصدر في موضع الحال.
وإن كانت للقرابة فهي مفعول من أجله، تقديره يورث من أجل
القربى.
وإن كانت للمال فهي مفعول ثان لـ يورث.
وكل وجه من هذه الوجوه على أن تكون كان تامة ويورث في موضع
الصفة، أو تكون ناقصة ويورث خبرها.
(كَظِيم) : قيل: إنه فعيل بمعنى فاعل، أي شديد الحزن على
أولاده.
أو كاظم لحزنه لا يظهره لأحد، ولا يَشكو إلا لله.
وقيل بمعنى مفعول، كقوله: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) .
أي مملوء القلْبِ بالحزن أو بالغيظ على أولاده.
(كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) : يريدون بعير أخيه،
إذ كان يوسف لا يعطي إلاَّ كَيْلَ بعير من الطعام لإنسان،
فأعطاهم عشرة أبعرة
ومنعهم الحادي عشر لغيْبَة صاحبه، حتى يأتي.
وإن كانت الإشارة بذلك إلى
الأحمال فالمعنى أنها قليلةٌ لا تكفيهم حتى يضاف إليها كيل
بعير.
وإن كانت الإشارة إلى كيل بعير فالمعنى أنه يسيرٌ على يوسف، أي
قليل عنده، أو سهل عليه، فلا يمنعهم منه.
(كَلٌّ على مَوْلاَه) : أي ثقيل، يعني أنه عِيال على وليِّه أو
سيده، وهو مثال للأصْنَام.
(2/228)
(كَأس) : إناء بما فيه من الشراب.
(كَهْف) : غار واسع، دخله
الفِتْية الذين قصّ الله علينا خبرهم، ولنذكر من قصتهم ما لا
غنَى عنه، إذْ أكثر الناس فيها مع قلة الصحة في كثير مما
نَقَلُوا:
وذلك أنهم كانوا قوماً مؤمنين، وكان ملكُ بلادهم كافراً يقتل
كل مؤمن.
ففرّوا بدينهم ودخلوا الكهف ليعبدوا الله فيه، ويختفوا من
الملك وقومه، فأمر الملك باتباعهم، فانتهى المتَّبعون لهم إلى
الْغَار، فوجدوهم، وعرَّفُوا الملك بذلك، فوقف عليه بجنوده،
وأمر بالدخول عليهم، فهاب الرجال ذلك وقالوا له: دَعْهُم
يموتوا عطشاً وجوعاً، وكان قد ألقى الله عليهم قبل ذلك نَوْماً
ثقيلاً، فبقوا كذلك مدة طويلة.
ثم أيقظهم الله، وظنوا أنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، فبعثوا
أحدهم يشتري لهم طعاماً بدراهم كانت لهم، فعجب منها البيَّاع،
وقال: هذه الدراهم من عَهْدِ فلان الملك في قديم الزمان، فمن
أين جاءتْك، وشاع الكلام بذلك في الناس، فقال الرجل: إنما
خرجتُ أنا وأصحابي بالأمس فأوينا إلى الكهْف.
فقال الناس: هم الفتية الذين ذهبوا في الزمان القديم، فَمَشوْا
إليهم
فوجدوهم مَوْتى.
وأمَّا مَوْضِع كهفهم فقيل: إنه بمقربة فلسطين.
وقال قوم: إنه الكهف الذي بالأندلس بمقربة من لوشة في جهة
غرناطة.
وفيه موتى ومعهم كلب.
وقد ذكر ابن عطية ذلك، وقال: إنه دخل عليهم ورآهم وعليهم مسجد.
وقريب منهم بناء يقال له: الرَّقيم - قد بقي بعض خدْرانه.
وروي أن الملك الذي كانوا في زمانه اسمه دِقْيَنوس، وفي تلك
الجهة آثار
مدينةٍ يقال لها مدينة دِقْيَنُوس. والله أعلم.
ومما يبعد ذلك ما روي أن معاوية مر عليهم، وأراد الدخول إليهم،
فقال له
ابن عباس: لا تستطيع ذلك، قد قال الله لمن هو خير منك:
(2/229)
(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ
مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) .
فبعث ناساً إليهم، فلما دخلوا الكهف بعث الله ريحاً فأحرقتهم.
ولم يدخل معاوية الأندلس قط.
وأيضاً فإن الموتى الذين في غار لوشة يراهم الناس، ولا يدرك
أحداً الرعب
الذي ذكر الله في كتابه.
(كَبُرَتْ كَلِمَةً) : انتصب على التمييز، وقيل على الحال،
يعني بالكلمة قولهم: (اتخذ اللهُ وَلَداً) . وعلى ذلك يعود
الضمير في كبرت.
وأما قوله تعالى: (كَبُرَ مَقْتاً عند الله) ، فانتصب على
التمييز.
و" أن تقولوا " فاعل كبر.
وقيل الفاعل محذوف تقديره: كبر فِعْلُكم مَقْتاً، وأن
تقولوا بدل من الفاعل المحذوف أو خبر مبتدأ مضمر، وكان بعضُ
الناس
يستحي أن يعظَ الناس لأجل هذه الآية، ويقول: أخاف من مَقْت
الله.
والمقت: هو البغض لريبة أو نحوها.
(كلْبُهم باسِطٌ ذِرَاعَيْه) : قيل إنه كان كلب الراعي، فمروا
عليه فصحبهم وتبِعهم فطردوه فأبى إلاَّ صحْبَتَهم، فبِصحْبتهم
خلَّدَ الله
ذكره في كتابه، لأن لصحبة الصالحين آثاراً، ألاَ تَرى ذَوْدَ
البَقْلَ أخْضر، ومَنْ ناسب شيئاً انجذب إليه، وظهر وصفه عليه.
وأعمل اسم الفاعل، وهو بمعنى المضي، لأنه حكاية حال.
(كمِثْلِهِ شَيْء) ، أي كهو، والعرب تُقيم المثل مقام
النفس، فتقول: مِثْلِي لا يقول كذا وكذا، أي لا أقول كذا وكذا.
ومثلي لا يقال له كذا.
وفيه تَنْزِيهٌ للهِ تعالى عن مشابهة المخلوقين.
وقال بعضهم: إن الكاف زائدة.
قال الطبري وغيره: ليست بزائدة، ولكن وضع (مثله) موضع
هو.
والمعنى ليس كهو شيء.
قال الزمخشري: هذا كما تقول: مثلك لا يبخل.
والمراد أنتَ لا تبخل، فنفى البخل عن مثله.
والمراد نفيه عن ذاته.
(2/230)
(كَنْزٌ لَهُمَا) : قيل مال عظيم.
وقيل: كان عِلْما في صحف مدفونة.
والأول أظهر.
وضمير التثنية يعود على الغلاَمَيْن.
وذكر الجواليقي وغيره أن لفظ الكنز فارسي.
(كفر عنهم سَيئَاتِهم) : أي غفرها لهم.
قال ابن الجوزي: معناه امْحُ عنّا - بالنبطية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: كفَّر
عنهم سيئاتهم - قال - بالعبرانية: محا عنهم.
(كما تَأكلُ الأنعام) : عبارة عن كثرة أكلهم، أو عن غفلتهم
عن النظر كالبهائم.
(كأيّن مِنْ قَرْيةٍ هي أشدُّ قوةً مِنْ قَرْيتِك) : يعني مكة
وخروجه - صلى الله عليه وسلم - منها وقْتَ الهجرة.
ونَسب الإخراج إلى القرية والمراد أهلها، لأنهم آذوه حتى خرج.
(كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ
سُوءُ عَمَلِهِ) .
أو: (كمن هو خالدٌ في النار) : تقديره: أمثل أهل الجنة
المذكورة
قَبْلُ كمن هو خالدٌ في النار، فحذف هذا التقدير المراد به
النفي، وإنما حذفه
لدلالة التقدير المتقدم عليه.
(كيف إذا تَوَفَّتْهم الملائكة يضربون) : ضمير الفاعل
للملائكة.
وقيل: إنه الكفَّار، أي يضربون وجوه أنفسهم، وذلك ضعيف، أي
كيف يكون فعل هؤلاء، والعربُ تكتفي بكيف عن ذِكْرِ الفعل معها
لكثرة
دورانها في الكلام.
(كفَّ أيْدِي الناسِ عنكم) : أي كفَّ أهْلَ مكة عن قِتَالكم
في الْحُدَيْبِية.
وقيل: كفَّ اليهود وغيرهم عن الإضرار بنسائكم وذرّيتكم حين
خرجتم إلى الحديبية.
(كفَّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) :
رُوِيَ أنَّ جماعة ً من
(2/231)
فِتْيَان فريش خرجوا إلى الْحديبية ليصيبوا
من عَسْكرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فبعث إليهم -
صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد في جماعة من المسلمين،
فهزموهم وأسَروا منهم قوماً، وساقوهم إليه - صلى الله عليه
وسلم -، فأطلقهم، فكفُّ أيدِي الكفَّار هو أن هزِموا وأُسِروا.
وكفّ أيدي المؤمنين عن الكفار هو إطلاقهم من الأسْرِ وسلامَتهم
من القتل.
وقوله: (مِنْ بعد أنْ أظفركم عليهم) يعني من بعدما أخذتموهم
أسارى.
(كلمة التَّقْوى) : هي لا إله إلا الله عند الجمهور، للحديث.
وقيل: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وقيل: لا إله إلا الله والله أكبر.
وهذه كلّها متَقَارِبة.
وقيل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ التي أبى الكفار
أن تكتب، بل
قالوا: اكتب اسمك.
(كانوا أحَق بها وأهْلَها) ، أي المسلمون المذكورون.
وقيل: أي كانوا كذلك في علم الله وسابق قضائه لهم.
وقيل: أحق بها من اليهود والنصارى.
(كَفى باللهِ شَهيدا) : أي شاهدا بأن محمداً رسول الله، أو
شاهدا بإظهار دينه.
(كزَرْعٍ أخْرَج شَطْأه) : هذا مثل ضربه الله للإسلام حيث
بدأ ضعيفا ثم قوي وظهر.
وقيل: الزرع مثل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه بُعِث
وحده.
فكان الزرع حبةً واحدة، ثم كثر المسلمون.
(كَثِيبا) : أي كدْس الرَّمل، يعني أن الجبال فتِّتَت من
زلزلتها حتى صارت كالرمل المذري.
(كصاحب الحوتِ) : قد قدمنا أنه يونس عليه السلام.
وسببها أنه - صلى الله عليه وسلم - همّ أن يدعو على الكفار،
فنهاه الله أن يكون مثله في الضجر والاستعجال، لأنه ذهب
مغاضباً لَمّا خالفه قَوْمه، فدعا عليهم، وأجيب وأَعلمهم
بالعذاب، فلما رأى قومه مخايل الهلاك تابوا وآمنوا، فتاب الله
عليهم
(2/232)
وصرفه عنهم، وإنما أبقَ من قومه لخوفه من
القتل، وسمي أبّاقاً في قوله تعالى:
(إذْ أبقَ إلى الفُلْكِ الْمَشْحُون) .
وقيل: إنه لما وعد قومه بالعذاب ولم يُصبهم بسبب إيمانهم
أخَذَتْه غضْبَةٌ كما ذكر الله عنه.
والأول أصح.
فانظر قدرك، يا محمديّ، عند ربك، واشكره إذ هداك للإيمان بهذا
النبي
الكريم.
وفي الخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية قال:
يا ربّ، أمرتني أن أعاملَ أمتي بخلاف سائر الأمم، فعامِلْهُم
أنت كذلك.
فأوحى الله إليه: هم أمتُك، وهم عبيدي، وقد أعطيتك الشفاعة
فيهم، فكيف تضِيع أمةٌ أنتَ شفيعها وأنا رحيمها، فالحمد للَه
الذي جعلنا من هذه الأمة، وخصنا بهذا النبي الكريم.
(كوَاعِبَ أتْرَابا) : الكاعِب الجارية التي خرج ثديها، وهي
أحبّ إلى الرجل لصغرها.
(كافُورا) : أي في طيب رائحته، كما تمدح طعاما فتقول:
هذا مسك.
وذكر الجواليقي وغيره أنه فارسي.
(كَالُوهم) : بمعنى كالوا لهم.
يقال: كلتك وكِلْتُ لك، ووزنتك ووزنت لك، بمعنى واحد.
وحذف المفعول الثاني وهو المكيل والموزون.
وهم ضمير المفعول للناس، فالمعنى إذا كالوا للناس، أو وزنوا
لهم
طعاماً أو غيره مما يكال أو يوزن بخسوهم حقوقهم.
وقيل إنَّ "هم" في قوله: كالوهم ووزنوهم تأكيد للضمير الفاعل.
وقد رُوي عن حمزة أنه كان يقفُ على
كالوا ووزنوا، ثم يبتدىء ب "هم" ليبين هذا المعنى، وهو ضعيف من
وجهين:
أحدهما أنه لم يثبت في المصحف ألف بعد الواو في كالوا ووزنوا،
فدل ذلك
على أنَّ همْ ضمير المفعول.
والآخر أن المعنى على هذا أنَّ المطففين إذا تولوا الكيل أو
الوزن نقصوا.
وليس ذلك بمقصود، لأن الكلام واقع في الفعل لا في المباشر، ألا
ترى أن
اكتالوا على الناس معناه قبضوا منهم، وكالوهم ووزنوهم معناه
دفعوا لهم، فقابل القبض بالدّفْعِ، وأما على هذا الوجه الضعيف
فهو خروج عن المقصود.
(2/233)
قال ابن عطية: ظاهر الآية أن الكيل والوزن
على البائع، وليس ذلك بالجليّ.
قال: وصدر الآية في المشترين، فهم الذين يستوفون، أي يشاحّون
ويطلبون
الزيادة.
وقوله: إذا كالوهم أو وزنوهم في البائعين فهم الذين يخسرون
المشتري.
(كمِشْكَاةٍ فيها مِصْبَاح) : المشكاة هي الكُوَّة غير النافذة
تكون في الحائط، ويكون المصباح فيها شديد الإضاءة وقيل:
المشكاة الذي يكون المصباح على رأسه، والأول أصح وأشهر.
والمعنى صفة نور الله في وضوحه
كصفَةِ مِشْكاةٍ فيها مصباح على أعظم ما يتصوره البشر من
الإضاءة، وإنما شبهه بالمشكاة وإن كان نور الله أعظم، لأن ذلك
غايةُ ما يدركه الناس من الأنوار، فضرب المثل لهم بما يوصل إلى
إدراكه.
وقيل الضمير في نوره عائد على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل على القرآن. وقيل على المؤمنين.
وهذه الأقوال كلها ضعيفة، لأنه لم يتقدم ما يعود عليه الضمير.
فإن قيل: كيف يصحّ أنْ يقال: (الله نور السماوات والأرض) ،
فأخبر أنه هو النور، ثم أضاف النور إليه في قوله: (مَثَل نوره)
، والمضاف غير المضاف إليه؟
فالجواب أن ذلك يصح مع التأويل الذي قدّمناه، أي الله ذو نور
السماوات
والأرض، أو كما تقول زيد كريم، ثم تقول: يعيش الناس بكرمه.
(كادح) : الكدح في اللغة هو الجِدّ والاجتهاد والسرعة.
فالمعنى أنك في غاية الاجتهاد في السيبر إلى ربك، لأن الزمان
يطير وأنت في كل لحظة تقطع خطا من عمرك القصير، فكأنك سائر
مسرع إلى الموت ثم تلاَقِي رَبَّك.
فانظر فيما تصرف عمْرَك، فإن أنفقته فيما فيه رضاه رضي عنك،
وإن
كان في غيره غضب عليك، ولا يقوم لغضبه شيء.
وقيل: المعنى أنك ذو جد فيما تعمل من خير أو شر، ثم تلْقى ربك
فيجازيك به.
والأول أظهر، لأن (كادح) تعدّى بإلى لما تضمَّن من معنى السير.
ولو كان بمعنى العمل لقال لربك.
(كنود) : كَفور للنعمة.
والتقدير إن الإنسان لنعمة ربه
(2/234)
لكفور.
والإنسان جنس.
وقيل الكنود العاصي.
وقال بعض الصوفية: الكنود الذي يعبد الله على عِوض.
(كَيْدهم) : مكرهم وحيلتهم، والضمير لأصحاب الفيل
القاصدين هَدْم الكعبة، فرَدّ اللَّهُ عليهم كَيْدَهم.
(في تضليل) : أي في إبطال وتخسير.
(كعَصْفٍ مأكول) : العصف: ورق الزرع وتبْنه.
والمراد أنهم صاروا رَمما، وفي تشبيههم به ثلاثة أوجه:
الأول: أنه شبههم بالتبن إذا أكلته الدواب ثم راثَتْه، وجُمع
للتلف
والخسارة، ولكن الله كنى عن هذا على حسب أدب القرآن.
الثاني: أنه أراد ورق الزرع إذا أكلته الدوابّ.
الثالث: أنه أراد كعَصْفٍ مأكول زَرْعُه وبقي هو لا شيء.
(كَوْثر) أي الكوثر: بناء مبالغة من الكثرة.
وفي تفسيره سبعة أقوال:
الأول: أنه حَوْض النبي - صلى الله عليه وسلم -
الثاني: أنه الخير الكثير الذي أعطاه الله في الدنيا والآخرة،
قاله ابن عباس.
وتممَه سعيد بن جبير بأن قال: إن النهر الذي في الجنة من الخير
الذي أعطاه.
فالمعنى أنه من العموم.
الثالث: أن الكوثر القرآن.
الرابع: أنه كثرة الأصحاب والأتباع.
الخامس: أنه التوحيد.
السادس -: أنه الشفاعة.
السابع: أنه نور وضعه اللَّهُ في قلبه.
ْوالصحيح أن الله أعطاه هذه الأشياء كلها، ولكن المراد بالكوثر
الذي ترِدُه
أمَّته.
آنيَته على عدد نجوم السماء، طوله ما بين عمان إلى صنعاء، هكذا
فسره
- صلى الله عليه وسلم -، قال أبو سعيد القرشي: لما نزلت على
النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(2/235)
(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)
الإسراء: 57، - قال - صلى الله عليه وسلم -: " اتَّخَذْتَ
إبراهيم خليلاً، وموسى كليما، فماذا خَصَصْتَني؟
فأنزل الله تعالى: (ألَمْ نَشْرَح لك صَدْرك) .
فلم يكتف بذلك وحقّ له ألا يكتفي، لأن السكون إلى الحال سبب
قطع المزيد، فأنزل الله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) .
فقال له جبريل: إن الله تعالى يقْرِئك السلام ويقول لك: إن
كنتُ اتخذت إبراهيم خليلاً، وموسى كليما - فقد اتخذتك حبيباً.
وعزتي وجلالي لأفضلنَّ حبيبي على خليلي وكليمي، فسكن.
وهذا من أجلّ الرضا، لأن هذه هي الدلالة، والرضا للحبيب
والانبساط
للخليل، ألا ترى إلى قول إبراهيم: وجاءته البشْرى وهو على
الانبساط.
فإن قلت: قد وردت تحديدات من الشارع في عرض هذا الكوثر وطوله
يفهم منها التضادّ؟
فالجواب أنها ليست بمختلفة، وإنما تحدث به - صلى الله عليه
وسلم - مرات عديدة، وذَكَر فيها تلك الألفاظ المختلفة بحسب
اختلاف الطوائف من العرب، فخاطب كل أحد بما كان يعرف من
المسافة.
والمعنى المقصود أنه حوض كبير متَّسِع الجوانب والزوايا.
قال السّهيلي في الرَّوْضِ الأنف: عن عائشة رضي الله عنها: قال
لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله أعطاني نَهْرا
يقال له الكوْثر، لا يشَاء أحَد من أمَّتي يسمع خَرِيرَه إلاَّ
سمع ".
قلت: يا رسول الله، وكيف، قال: أدخلي إصبعيك في
أذُنَيْكِ وشدّي.
قالت: قد فعلت يا رسول الله.
قال: هذا الذي تسمعين هو من خرير الكوثر.
تنبيه:
قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن لحَوْضِي أربعة أركان،
فالركن الأول في يَدِ أبي بكر، والثاني في يد عمر، والثالث في
يد عثمان، والرابع في يد عليٍّ، فمن أبغض أحدا
(2/236)
منهم حرمه الباقون.
وأوَّل من يرده فقراء المهاجرين الدَّنسُو الثياب، الشعث
الرؤوس، الذين لا يتزوجون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب
السُّدُود، يموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره، لو أقسم على
الله لأبَرّهُ ".
فانظر يا مسكين هل بيننا من هذه الأوصاف شيء، نعم، قد اتّصفنا
بأضدادها، فأنَّى لنا باللحوق بهم غير الصلاة والسلام على
نبينا والرضا عن
أصحابه الكرام.
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ، أي
فرِض، وإن
كان على الأعيان فنسخه: (وما كان المؤمنون لِيَنْفِزوا كافّة)
.
فصار القتال فَرْضَ كفايةٍ، وإن كان على الكفاية فلا نسخ.
و (كرْه) : مصدر كره، للمبالغة، أو اسم مفعول كالخبر بمعنى
المخبور.
وأما قوله تعالى: (كُتب عليكم القِصَاص) ، فليس بمعنى
فرض، بل شرع، لأن وليّ المقتول مُخَيّر بين القصاص والدية
والعفو.
وقيل بمعنى فرض، أى فرض على القاتل الانقياد للقصاص، وعلى ولي
المقتول ألاَّ يتعدّاه إلى فعل غيره، كفعل الجاهلية، وعلى
الحكام التمكين من القصاص.
(كتِب عليكم الصيامُ) : المقصود بهذه الآية وبقوله تعالى:
(أيّاما معدودات) - تسهيل الصيام على المسلمين، وكأنه اعتذار
عن كَتْبه
عليهم، وملاطفة جميلة.
والذي كتب على من قبلنا الصيام مطلقاً.
وقيل: كتب على الذين من قبلنا رمضان فبدلوه.
(كَفَّار أثيم) : أي من يجمع بين الكفْرِ والإثْمِ، وهذا
يدلّ على أن الآية في الكفار.
(كريم) : من الكرم، وهو
الحَسَب والجلالة والفضل.
وكريم: اسم اللَه تعالى، أي محسن.
وأما قول بلقيس: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) ،
- فلأنه من سليمان، أو لأن فيه اسمَ الله، أو لأنه مختوم، كما
جاء في الحديث: كرم الكتاب خَتمه.
(2/237)
فإن قُلْتَ: إنما كانت تعرف سليمان لا
الخالق، ولذا كانت تسجد للشمس؟
فالجواب إنما عظَّمت الكتاب لوجوهٍ، منها أنه لم يلْقِه لها
بشر ولم يأمرها فيه
إلا بملاطفة، ولذا بدأ سليمان بذكْره على اسم الله غيرةً منه
أنْ يقع منها في اسم الجلالة نقص أو خلل.
(كفْرَان لسَعْيِه وإنّا له كاتِئون) : أي - لا إبطال لثواب
عمله، لأنَّا نكتب عمله في صحيفته.
(كالِحون) : الكلوح: انطباق الشفَتَيْن عن الأسنان.
وكثيراً ما يجري ذلك للكلاب، وقد يجري للكلاب إذا شويت رؤوسها.
وفي الحديث: إن شفَةَ الكافر ترتفع بالنار حتى تبلغ وسط رأسه.
وفي ذلك عذاب وتشويه.
وفي الحديث: ضرس الكافر أو نَابُه في النار مثل أُحُد، وغلظ
جلده
مسيرة ثلاث.
(كبْكبوا فيها) : أصله كُبُّوا فيها على رؤُوسهم في جهنم
مرةً بعد مرة، وكررت حروفُه دلالة على تكرير معناه.
والضمير للأصنام.
(كنَّا لَفِي ضَلاَل مُبين) : هذا قول المشركين المكبوبين.
(كذَّبَتْ قَوْمُ نوح الْمرْسلين) : أسند الفعل إلى القوم،
وفيه علامة التأنيث لأن القوم في معنى الجماعة والأمة.
فإن قلت: كيف قال المرسلين بالجمع، وإنما كذبوا نوحاً؟
فالجواب من وجهين:
أحدها أنه أراد الجنس، كقولك: فلان يركب الخيْل، وإن لم يركب
إلا فَرَساً واحدا.
والآخر أن مَنْ كذَّب نبيّاً واحداً فقد كذّب جميع الأنبياء،
لأن قولهم واحد، ودعوتهم سواء، وكذلك الجواب في: كذبت عاد
المرسلين، وغيره.
(كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي
أهلكوا.
وقيل: لُعِنوا.
وقيل كُبِت الرجل إذا بقي خَزْيَان، ونزلت الآية في المنافقين
واليهود.
(2/238)
(كَرَّتيْن) ، أي انظر نظراً بعد نظر
للتثبت والتحقق.
وقال الزمخشري: معنى التثنية في كرتين التكثير لا مرتين خاصةً،
كقولهم لبَّيْك، فإن معناه إجابات كثيرة.
(كان مِقْداره خمسين ألف سنة) .
اختلف في هذا اليوم على قولين:
أحدهما: أنه يوم القيامة.
والآخر: أنه في الدنيا.
والصحيح أنه يَوْم القيامة، لقول رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في حديث مانع الزكاة: ما من صاحب ذهبٍ ولا فضّة لا
يؤَدّي زكاتها إلا صفحت له صفائح من نارٍ، يكوَى بها جبينه
وجَنْبه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى
بين العباد.
ثم اختلف هل مقداره خسون ألف سنة حقيقة، وهذا هو الأظهر.
أو هل وصف بذلك لشدة أهواله، كما يقال: طويل، إذا كانت فيه
مصائب وهموم.
وإن قلنا: إنه في الدنيا فالمعنى أن الملائكة والروح يعرجون في
يوم لو عرج
فيه الناس لعرجوا في خمسين ألف سنة.
وقيل الخمسون ألف سنة هي مدة الدنيا
والملائكة تنزل وتعرج في هذه المدة.
وهذا كله على أن يكون قوله: (في يوم)
صفة للعذاب، فيتعيّن أن يكون اليوم يوم القيامة.
والمعنى على هذا مستقيم.
(كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ) .
شبَّه السماء بالمهل، وهو درْدِيّ الزيت، في سوادها، وانكدار
أنوارها يوم القيامة، أو هو ما أذيب من الفضة وشبهها، شبه
السماء به في تلوّنه، وشبّه الجبال بالعهن وهو الصُّوف المصبوغ
ألواناً، فيكون التشبيه في الانتفاش وفي اختلاف الألوان، لأن
الجبال منها سود ومنها بيض.
(كبَّاراً) - بتشديد الموحدة أبلَغ من الكبار بالتخفيف.
والكبَار المخفف أبلغ من الكبير.
(2/239)
(كَثِيباً مَهيلا) : معناه أن الجبال تصير
إذا نُسفت يوم
القيامة مثل الكثيب، وهو كُدْسُ الرمل.
والمهيل: الليّن الرِّخْو نشرته الرياح، ووزنه مفعول.
(كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى
فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) .
اللام للعهد، والرسول إلى فرعون موسى.
(الكبَر) ،: جمع كبْرى.
وقال ابن عطية: جمع كبيرة.
والأول هو الصحيح، والمراد بها إما جهنم، أو الآيات
والنذَارَة.
(كوِّرت) : ذهب ضَوْؤُها.
وقيل كوِّرَت كما تكور العِمَامة.
وأخرج ابن أبي جرير عن سعيد بن جبير، قال: كوِّرت: غورت
بالفارسية.
(كشِطَت) : أي قُشرت كما يقشر جلد الشاة حين
تُسلخ، وكَشْط السماء، هو طيُّها كطيِّ السجل، قاله ابن عطية.
وقيل معناه كشفت.
وهذا أليق بالكشط.
(كنّس) : من قولك كَنس الوحش إذا دخل كناسه وهو
موضعه.
والمراد بها الدراري السبعة، لأنها تَكْنِس في جريها أو في
أبراجها وتَخْفَى
بضوء الشمس.
وقيل: يعني بقر الوحش، فالخنّس على هذا من خَنس الأنف.
والكنس من سكناها في كناسها.
(كفُواً) : مثلاً.
(كَهْلاً) : هو الذي انتهى شبابه.
والمعنى أن عيسى عليه السلام يكلِّمُ الناسَ في الْمَهد
وكَهلاً.
(أكبَّ) الرجل على وجهه فهو مكب، وكبّه غيره بغير ألف.
(كِسَفاً) : بفتح السين - جمع كِسْفة، وهي القطعة.
وقرئ بالإسكان، ومنه قوله: (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا
مِنَ السَّمَاءِ) .
(2/240)
(كِفْلٌ منها) : أي نصيب، ومنه كِفْلَيْن
من رحمته، أي
نصيبين.
ومنه الحديث: يُؤْتون أجْرَهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن
بنبيّه
وآمن بي ... الحديث.
وقد نظم بعض المتأخرين الذين يؤْتون أجْرَهم مرَّتين:
ثلاث وعشر في المثبت فضّلوا ... أمَنْ يرفع الأخبار قد جاء
مطلقا
فأزْواج خَيْرِ المرسلين ومؤْمن ... من أهل الكتاب اليوم
بالحقّ صَدَّقا
كذا العبد إن يَنْصَحْ مَوَاليه دائما ... ويلزم باب الله
بالدّين والتَّقَى
وذو أمَة تأديبها كان محُسناً ... فصار لها زَوْجاً وقد كان
اعْتَقا
ومجتهد في الحق صادفَ رَأْيه ... ومَنْ حاول القرآن بالجهد
والشّقا
ومَنْ غسلُة ثنْتَين حَالَ وضوئه ... وعامٍ يسد الصفَّ مهما
تَفَرَّقا
ومَنْ يشكر النعماء إن كان ذا غِنًى ... ومن خصّ في الأرحام
فيما تصدّقا
ومَنْ سنَ خيراً والجبان إذا رمى ... بنفس على الكفَّار واقتحم
اللّقا
كذلك من صلَّى بفرض تيَمّم ... وبعد وجود الماء عاد وحقّقا
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري، قال: كفْلَيْن ضعفيْن
-
بالحبشية.
(كَيْدهُنَّ) : قد قدمنا أن الكيد من الخَلْق احتيال، ومن
اللَه مشيئته أمرا ينزل بالعبد من حيث لا يشعر.
وأما قوله تعالى: (كذلك كِدْنَا ليوسف) ، فمعناه فعلنا له ذلك،
لأنه كان في شرعه أو عادته أن يضرب السارق، ويضاعف عليه
الغُرْم، ولكن حكم في هذه القضية بحكم آل يعقوب.
(كتمَ شهادةً عِنده مِنَ الله) : يعني الشهادة بأنّ الأنبياء
على الحنفية.
و (مِنَ الله) يتعلق بـ (كتم) أو بعنده، كأنّ المعنى شهادة
تخلصت له
من الله.
(أكِنّةً أنْ يَفْقَهُوه) : جمع كِنَان، وهو الغطاء.
(وأن يفقهوه) مفعول من أجله، تقريره كراهة أن يفقهوه، وهذه
كلها استعارات في إضلالهم.
(2/241)
وأكناناً في قوله تعالى: (وجعلَ لَكمْ مِنَ
الجِبَال أكنانا) .
جمع كِنّ، وهو ما يقي من الحر والبرد والريح وغير ذلك.
ويعني بذلك الغيران والبيوت المنحوتة في الجبال.
(كِبْرَه) - بفتح الكاف وكسرها لغتان: أي معظمه.
وأما قوله تعالى: (إلاَّ كبْرٌ ما همْ بِبَالِغيه) ، أي تكبّر.
وقوله: (وتَكونَ لكما الكبْرِياء في الأرض) ، أي الملك.
والخطاب لموسى وأخيه عليهما السلام، وإنما سمي الْملْك كبرياء،
لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا.
(كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ
الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ
) .
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمرَاد غيره.
وقيل ذلك كقول القائل لابنه: إن كنت ابني فبرّني مع أنه لا
يشكّ أنه ابنه، ولأن من شأن الشك أن يزول بسؤال أهل العلم،
فأمره بسؤالهم.
قال ابن عباس: لم يشك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسأل.
وقال الزمخشري: ذلك على وجه الفرض والتقدير، أي - إن فرضت أنْ
تقع في شكٍّ فاسأل.
والمنزول عليه القرآن والشرع بجملته، وهذا أظهر.
وقيل: يعني ما تقدم من أنَّ بني إسرائيل ما اختلفوا إلاَّ من
بعد ما جاءهم الحق.
والذين يقرأون الكتاب هم عبد الله بن سلام، ومن أسلم من
الأحبار، وهذا بعيد، لأن الآية مكية.
وإنما أسلم هؤلاء بالمدينة فحَمْل الآية على الإطلاق أولى.
(كِفَاتاً) : من كفِت، إذا ضمّ وجمع.
والمعنى أن الأرض تكفِت الأحياء، لأن الكفات اسم لما يضم
ويجمع، فكأنه قال جامعة أحياء وأمواتا.
ويجوز أن يكون المعنى تكفتهم أحياءً وأمواتاً، فيكون نصبهما
على الحال من
الضمير، وإنما نكّر أحياءً وأمواتاً للتفخيم، ودلالة على
كثرتهم، وكانوا يسمون بَقِيع الغَرْقَد كَفْتَة، لأنها مقبرة
تضم الموتى.
(2/242)
(كِذَّابا) : بالتشديد، مصدر بمعنى تكذيب.
وبالتخفيف بمعنى الكذب أو المكاذبة، وهي تكذيب بعضهم لبعض.
(الكاف) : حرف جَرّ له
معان، أشهرها التشبيه، نحو: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ
فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ) .
والتعليل: (كما أرْسلْنَا فيكم) .
قال الأخفش: أي لأجل إرْسالنا فيكم رَسولاً منكم.
(واذكرُوه كما هَدَاكم) ، أي لأجل هدايته إياكم.
(وَيْكَأنّه لا يفْلح الكافرون) ، أي أعجب لعدم فَلاَحهم.
(اجعَلْ لنا إلهاً كما لهم آلهة) .
والتأكيد، وهي الزائدة، وحمل عليه الأكثرون: (لَيْسَ كَمِثْلِه
شَيء) .
أي ليس مثله شيء، ولو كانت غير زائدة لزم إثبات المثل، وهو
محال.
والقصد بهذا الكلام نَفْيُه.
قال ابن جني: وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل، لأن زيادة الحرف
بمنزلة إعادة الجملة ثانيا.
وقال الراغب: إنما جمع بين الكاف والمثل لتأكيد النفي، تنبيهاً
على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف، فنفى بـ ليس الأمرين
جميعاً.
وقال ابن فورَك: ليست زائدة.
والمعنى ليس مثله مثل شيء، وإذا نَفيْتَ التماثل عن المثل فلا
مثل لله في الحقيقة.
وقال الشيخ زين الدين بن عبد السلام: مثل يُطلق ويراد بها
الذات.
كقولك: مثلك لا يفعل، أي أنت لا تفعله.
كما قال:
ولم أقل مثلك أعني به ... سواك يا فَرْداً بلا مشْبِه
وقد قال تعالى: (فإنْ آمنوا بمثْلِ ما آمَنْتم به فقد
اهْتَدوا) .
أي بالذي آمنتم به إياه، لأَن إيمانهم لا مثل له، فالتقدير في
الآية ليس
كذاته شيء.
وقال الراغب: المِثْل ها هنا بمعنى الصفة، ومعناه: ليس كصفته
صفةٌ، تنبيهاً
على أنه وإن كان وُصِف بكثير مما وصف به البشر فليس تلك الصفات
له على حسب ما يستعمل في البشر، وله المثَل الأعْلَى.
(2/243)
تنبيه:
ترد الكاف اسماً بمعنى مثل، فتكون في محلّ إعراب، ويعود عليها
الضمير.
قال الزمخشري: في قوله: (كهَيْئَةِ الطير فأنفخ فيه) - إن
الضمير في فيه للكاف في كهيئة، أي أنفخ في ذلك الشيء المماثل
لهيئة الطير
فيصير كسائر الطيور.
مسألة
الكاف في (ذلك) ونحوه حرف خطاب لا محل له من الإعراب.
وفي إيّاك قيل حرف، وقيل اسم مضاف إليه.
وفي: (أرَأيْتك) قيل حرف، وقيل اسم، في محل رفع، وقيل نصب.
والأول أرجح.
(كاد) : فعل ناقص أتى منه
الماضي والمضارع فقط، له اسم مرفوع وخبر
مضارع مجرد من أن، ومعناها قارب.
فنفيها نفي للمقاربة، وإثباتها إثبات للمقاربة.
واشتهر على ألسنة كثير أن نفيها إثبات وإثباتها نفي، فقولك:
كاد
زيد يفعل - معناه لم يفعل، بدليل: (وإنْ كادوا لَيَفْتِنُونَك)
.
وما كاد يفعل، معناه فعل، بدليل: (وما كادوا يفعلون) .
أخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: كل شيء في
القرآن وإن كادوا وكَاد ويكاد فإنه لا يكون أبداً.
وقيل: إنها تفيد الدلالة على وقوع الفعل بعسر.
وقيل: نفي الماضي إثبات، بدليل: (وما كادوا يفعلون) ، ونفي
المضارع نفي بدليل: (لم يَكَدْ يرَاها) ، مع أنه لم ير شيئاً.
والصحيح الأول، وأنها كغيرها، نفيها نفي وإثباتها إثبات، فمعنى
كاد يفعل قارب الفعل ولم يفعل.
وما كاد يفعل ما قارب الفعل، فضلاً عن أن يفعل، فنفي الفعل
لازم من نفي المقاربة عقلا.
وأما آية: (فذبحوها وما كادُوا يَفْعلون) ، فهو إخبار عن
(2/244)
حالهم في أول الأمر، فإنهم كانوا أولاً
بعَداء من ذبحها، وإثبات الفعل إنما فهم من دليل آخر، وهو
قوله: فذبحوها.
وأما قوله تعالى: (لقد كِدْتَ تَرْكَن) - مع أنه - صلى الله
عليه وسلم - لم يركن لا قليلاً ولا كثيراً فإنه مفهوم من جهة
أن " لَوْلا " الامتناعية تقتضي ذلك.
فائدة
ترد كاد بمعنى أراد.
ومنه: (كذَلِكَ كِدْنا ليوسف) .
و (أكَاد أخْفيها) .
وعكسه، كقوله تعالى: (جِدَاراً يريد أنْ يَنْقَضَّ) ، أي يكاد.
(كان) : فعل ناقص متصرِّف،
يرفع الاسم وينصب الخبر، معناه فى
الأصل المضيّ والانقطاع، نحو: (كانوا أشدً منكم قوةً وأكثر
أموالاً وأوْلادا) .
وتأتي بمعنى الدَّوام والاستمرار، نحو: (وكان الله غفوراً
رحيما) .
(وكنَّا بكل شيء عالمين) ، أي لم نزل كذلك.
وعلى هذا المعنى تتخرج جميع الصفات الذاتية المقترنة بكان.
قال أبو بكر الرازي: كان في القرآن على خمسة أوجه:
بمعنى الأزل والأبَد، كقوله: (وكان الله عَلِيما حكيما) .
وبمعنى المضيّ المنقطع، وهو الأصل في معناها، نحو: (وكان في
المدينة تسْعة
رَهْطٍ) .
وبمعنى الحال، نحو: (كنْتم خَيْرَ أمَّة أخْرِجَتْ للناس) .
(إنَ الصلاةَ كانَتْ على المؤمنين كتاباً مَوْقوتاً) .
وبمعنى الاستقبال، نحو: (يخافون يَوْما كان شَرُّه
مُسْتَطيراً) .
(2/245)
وبمعنى صار، نحو: (وكان من الكافرين) .
قلت: أخرج ابن أبي حاتم عن السّدِّيِّ، قال: قال عمر بن
الخطاب: لو شاء اللَه لقال: أنتم، فكنَّا كلنا، ولكن قال: كنتم
في خاصة أصحاب محمد.
وترد (كان) بمعنى ينبغي، نحو: (ما كان لكم أنْ تُنْبِتُوا
شجرها) ، (ما يكون لنا أن نتكلَّم بهذا) .
وبمعنى حضر أو وجد، نحو: (وإن كان ذو عسْرَةٍ فَنظِرَةٌ إلى
ميسرة) .
(إلاَّ أنْ تكونَ تجارةً حاضرةً) .
(وإنْ تَك حَسَنَةً) .
وترد للتأكيد، وهي الزائدة، وجعل منه: (وما عِلْمي بما كانُوا
يَعْمَلون) .
(كَأنَّ) - بالتشديد: حرف للتشبيه المؤكد، لأن الأكثر على أنه
مركّب
من كاف التشبيه، وأن المؤكدة.
والأصل في كأن زَيْدا أسدٌ - إن زيداً كأسد.
قدم حرف التشبيه اهتماماً به، ففُتحت همزة أن لدخول الجار.
قال حازم: وإنما تستعمل حيث يقوى التشبيه حتى يكاد الرَّائي
يشك في أن
المشبَّه هو المشبّه به، ولذلك قالت بلقيس: (كأنه هو) .
قيل: وترد للظن والشك فيما إذا كان خبرها غير جامد.
وقد تخفَّف، نحو: (كأن لم يَدْعنا إلى ضرٍّ مَسَّه) .
(كأين) : اسم مركب من كاف
التشبيه وأيّ المنونة للتكثير في العدد، نحو:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ
كَثِيرٌ) .
وفيه لغات، منها كائن بوزن بائعِ، وقرأها ابن كثير حيث وقعت.
وكأيِّن بوزن كعيّن، وقرئ بها.
وكأيّن من نبي قَاتَل.
وهي مبنيَّة لازمة الصدر، ملازمة لإبهام، مفتقرة إلى تمييز،
وتمييزها مجرور
بمن غالباً - وقال ابن عصفور: لازماً.
(كذا) : لم ترد في القرآن
إلا للإشارة، نحو: (أهكذا عَرْشك) .
(2/246)
(كل)
: اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر المضاف هو إليه، نحو: (كلُّ
نَفْس ذائقة الموت) .
والمعرّف المجموع، نحو: (وكلّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة
فَرْدا) .
(كلّ الطَّعَام كان حِلاًّ لبني إسرائيل) .
وأجزاء المفرد المعَرّف، نحو: (يَطْبَع اللَّهُ على كلّ قَلْبِ
متَكبِّرِ جَبّار) ، بإضافة قلب إلى متكبر، أي على كل أجزائه.
وقراءة التنوين لعموم أفراد القلوب.
وترد باعتبار ما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون نعتاً لنكرة أو معرفة، فتدل على كماله، وتجب
إضافتها
إلى اسم ظاهر تمَاثِله لفظاً ومعنى، نحو: (ولا تَبْسطْها كلَّ
الْبَسْط) ، أي بسطا كل البسط، أي تاماً.
(فلا تَمِيلوا كلَّ الميْلِ) .
ثانيها: أن تكون توكيداً لمعرفةٍ، ففائدتها العموم، وتجب
إضافتها إلى ضمير
راجع للمؤكد، نحو: (فسجَدَ الملاَئكة كلّهم أجمعون) .
وأجاز الفَرّاء والزمخشري قطعها حينئذ عن الإضافة لفظاً، وخرّج
عليه
قراءة بعضهم: (إنّا كلاًّ فيها) .
ثالثها: ألا تكون تابعة، بل تالية للعوامل، فتقع مضافةً إلى
الظاهر، وغير
مضافة، نحو: (كل نفْس بما كسبَتْ رَهِينَة) .
(وكُلاًّ ضَرَبْنَا لَه الأمثال) .
وحيث أضيفت إلى منكَّر وجب في ضميرها مراعاة معناها، نحو:
(وكلّ
شَيْءٍ فَعَلوه) .
(وكلَّ إنسان ألْزَمْنَاه) .
(كلُّ نَفْس ذَائِقَة الموْتِ) .
(كلُّ نَفْس بما كسبت رَهينة) .
(وعلى كلِّ ضَامِر يَأتيْن) .
أو إلى معرفة جاز مراعاة لفظها في الإفراد والتذكير، ومراعاة
معناها، وقد
(2/247)
اجتمعا في قوله: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا
(93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ
آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) .
أو قطعت فكذلك، نحو: (كلّ يَعْمَل على شَاكلَتهِ) .
(فكلًا أخَذْنا بذَنْبِه) .
(وكلٌّ كانوا ظَالِمين) .
وحيث وقعت في حَيًز النفْي بأن تقدمت عليها أداته أو الفعل
المنفي فالمنفي
يوجَّه إلى الشمول خاصة، ويفيد بمفهومه إثبات الفعل لبعض
الأفراد.
وإن وقع النفي في حيزها فهو موجّه إلى كل فرد، هكذا ذكره
البيانيون.
وقد أشكل على هذه القاعدة: (واللَه لا يحِب كلَّ مخْتَال
فَخور) ، إذ يقتضي إثبات الحب لمن فيه أحد الوصفين.
وأجيب بأن دلالة المفهوم إنما يعوّل عليها عند عدم المعارض،
وهو هنا موجود إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا.
مسألة
تتصل (ما) بكلّ، نحو: (كلَّمَا رزِقوا مِنْهَا من ثَمَرَةٍ
رِزْقا) .
وهي مصدرية، لكنها نابت بصلتها عن ظرف زمان، كما ينوب عنه
المصدر الصريح.
والمعنى: كلّ وقت، ولهذا تسمَّى (ما) هذه المصدرية
الظرفية، أي النائبة عن المصدر، لا أنها ظرف في نفسها، و (كل)
من
(كلما) - منصوب على الظرفية بإضافته إلى شيء هو قائم مقامه،
وناصبه الفعل الذي هو جوابٌ في المعنى.
وقد ذكر الفقهاء والأصوليون أن كلما للتكرار.
قال أبو حيان: وإنما ذلك من عموم ما، لأن الظرفية مرادٌ بها
العموم.
و (كل) أكدته.
(كلاَ وكِلْتَا) : اسمان مفردان لفظاً مثنيان معنى مضَافَان
أبدًا لفظاً ومعنى
إلى كلمة واحدة معرّفة دالة على اثنين.
قال الراغب: وهما في التثنية ككلّ في الجمع.
(2/248)
قال تعالى: (كلتا الجنَّتين آتتْ أكلها) ،
(أحدهما أو كلاَهما) .
(كَلّا) : مركب عند ثعلب من كاف التشبيه ولا النافية، شددت
لامُها
لتقوية المعنى، ولدفع توهّم بقاء معنى الكلمتين.
وقال غيره: بسيطة، فقال سيبويه والأكثرون: حرف معناه الردع
والزجر، لا معنى لها عندهم إلا ذلك، حتى إنهم أبداً يجيزون
الوقْفَ عليها والابتداء بما
بعدها، وحتى قال جماعة منهم: متى سمعتَ (كَلاَّ) في سورة فاحكم
بأنها
مكية، لأن فيها معنى التهديد والوعيد.
وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لأن أكثر العتوّ كان بها.
قال ابن هشام: وفيه نظر، لأنه لا يظهر معنى للزجر في نحو: (ما
شاء
رَكّبَك. كَلّا) ، (يوم يَقوم الناس لربّ العالمين، كَلَا) .
(ثم إنَّ علينا بَيَانَه كلا) .
وقولهم: انْتَهِ عن تَرْكِ الإيمان بالتصوير في أيّ صورة ما
شاء الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن تَعسّف، إذ لم يتقدم في
الأوليين حكاية نَفْي ذلك عن أحد، ولطول الفصل في الثالثة بين
كلا، وذكر العجلة.
وأيضاً فإن أول ما نزل خمس آيات من أول
سورة العَلَق، ثم نزل: (إنَّ الإنسان ليَطْغَى) ، فجاءت في
افتتاح
الكلام.
ورأى آخرون أن معنى الرّدعْ والزجر ليس مستمرًّا فيها، فزادوا
معنى ثانياً
يصح عليه أن يوقف دونها، ويبتدأ بها.
ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى.
قال الكسائي: تكون بمعنى حقا.
وقال أبو حاتم: بمعنى ألاَ الاستفتاحية.
وقال النَّضْر ابن شُميل: حرف جواب بمنزلة أي ونعم، وحملوا
عليه: (كَلاَّ والقمر. واللَّيل إذا أدْبر) .
وقال الفراء وابن سعدان: بمعنى سوف، حكاه أبو حيان في تذكرته.
قال مكي: وإذا كانت بمعنى حقاً فهي اسم.
وقرِئ: (كَلاًّ سيَكفرونَ بعبادتهم) ، بالتنوين.
ووجِّه بأنه مصدر كَلَّ إذا
(2/249)
أعيا، أي كَلوا في دعواهم، وانقطعوا، أو من
الكل وهو الثقل، أي حملوا كلاًّ.
وجَوّز الزمخشري كونه حرف الردع ونوّن كما في (سلاسلا) .
وردَّة أبو حيان بأن ذلك إنما صح في (سلاسلا) ، لأنه اسم أصلُه
التنوين.
فرجع به إلى أصله للتناسب.
قال ابن هشام: وليس هذا التوجيه منحصراً عند الزمخشري في ذلك،
بل
جَوّزَ كون التنوين بدلاً من حرف الإطلاق المزيد في رأس الآية،
ثم إنه وُصل
بنية الوقف.
(كم) : اسم مبنيّ لازم
الصدر مبْهم مفتقر إلى التمييز.
وترِد استفهامية ولم تقع في القرآن.
وخبرية بمعنى كثير، وإنما تَقَع غالباً في
مقام الافتخار والمباهاة، نحو: (وكم مِنْ مَلَكٍ في السماوات)
.
(وكم مِنْ قَرْيَةٍ أهلكناها) .
(وكم قَصَمْنَا مِنْ قرية) .
وعن الكسائي أنَّ أصلها كما، فحذفت الألف مثل بِمَ ولِمَ، حكاه
الزجاج.
ورُد بأنه لو كان كذلك لكانت مفتوحة الميم.
(كَيْ) : حرف له معنيان:
أحدهما: التعليل، نحو: (كَيْ لَا يكونَ دُولَة بين الأغنياءِ
منكم) .
والثاتي: معنى أنْ المصدرية، نحو: (لكيلا تأسَوْا) ، لحلول
أن محلها، ولأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل.
(كيف) : اسم يرِد على
وجهين:
الشرط، وخرج عليه: (يُنْفِق كيف يشاء) .
(2/250)
(يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ
يَشَاءُ) .
(فيبسطه في السماء كيف يشاء) .
وجوائها في ذلك كلِّه محذوف، لدلالة ما قبلها.
والاستفهام، وهو الغالب، ويستفهم بها عن حال الشيء لا عَنْ
ذاته.
قال الراغب: وإنما يُسْألُ بها عما يصح أن يُقال فيه شبيه وغير
شبيه، ولهذا لا يصح أنْ يقال إن الله كيف.
وكلما أخبر الله بلفظ "كيف" عن نفسه فهو استخبار على طريق
التنبيه
للمخاطب، أو التوبيخ، نحو: (كيف تكفرون) .
(كيف يَهْدِي الله قَوْماً كفَرُوا بَعْدَ إيمانهم) .
(2/251)
|