معترك الأقران في إعجاز القرآن

 (حَرف الصاد المهمَلة)
(صالح عليه السلام) :
قال وهب: هو ابن عبيد بن هاير بن ثمود بن حاير بن سام بن نوح، بُعِثَ إلى قومه حين راهق الحلم، وكان رجلاً أحمر إلى
البياض، سبط الشعر، فلبث فيهم أربعين سنة.
وقال نوف البكَالي: صالح من العرب لما أهلك الله عاداً عمرت ثموداً بعدها.
فبعث الله صالحاً غلاماً شابًّا، فدعاهم إلى الله حتى شمط وكَبر، ولم يكن بين
نوح وإبراهيم نبيء إلا هود وصالح، أخرجه في المستدرك.
وقال ابن حجر وغيره: القرآن يدلُّ على أنَّ ثموداً كان بعد عاد، كما كان
عاد بعد قوم نوح.
وقال الثعلبي - ونقله عنه النووي في تهذيبه ومن خطه نقلت: هو صالح بن
عبيد بن آسف بن ماشح بن عبيد بن هاذر بن ثمود بن عاد بن عوض بن آدم
ابن سام بن نوح، بعثه الله إلى قومه وكانوا عَرَباً منازئهم بين الحجاز والشام.
فأقام فيهم عشرين سنة، وأقام بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
(صلاة) :
تأتي على أوجه:
الصلوات الخمس: (يقيمون الصلاة) .
وصلاة العصر: (تحبسونهما من بعد الصلاة) .
وصلاة الجمعة: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) .
والجنازة: (ولا تصَلّ على أحدٍ منهم) .
والدعاء: (وصلّ عليهم) .
والدين: (أصَلاَتكَ تَأمرك) .
والقراء ة: (ولا تَجْهَر بصلاَتك) .
والرحمة والاستغفار: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) .

(2/564)


ومواضع الصلاة: (وصلوات ومساجد) .
قال الجواليقي: هي بالعبرانية كنائس اليهود، وأصلها صَلُوتا.
(صَيِّبٍ) : المطر.
وأصله صَيْوب، ووزنه فيعل، وهو مشتق من قولك: صاب يَصوب.
وقوله: (أو كصيب من السماء) ، فهو عطف على (الذي استوقد) .
والتقدير أو كصاحب صّيب.
وأو للتنويع، لأن هذا مثَل آخر ضربه الله للمنافقين.
وفي قوله: من السماء - إشارة إلى قوته وشدة انْصِبَابه.
قال ابن مسعود: إن رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين، فأصابهما هذا
المطر، وأيْقَنا بالهلاك، فعزما على الإيمان، ورجعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحَسنَ إسلامهما، فضرب اللَّهُ ما نزل بهما مثلاً للمنافقين.
وقيل المعنى: تشبيه المنافقين في حيرتهم في الدين وفي خَوْفهم على أنفسهم بمن
أصابه مطَر فيه ظلمات ورَعْد وبَرْق، فضلَّ عن الطريق، وخاف الهلاك.
وهذا التشبيه على الجملة.
وقيل: إن التشبيه على التفصيل، فالمطر مثل القرآن أو الإسلام، والظلمات
مَثَلٌ لما فيه من البراهين الواضحة.
فإن قيل: لم قال: رعد وبرق بالإفراد، ولم يجمعهما كما جمع ظلمات؟
فالجواب أنَّ الرعد والبرق مصدران، والمصدر لا يجمع.
ويحتمل أن يكونا اسمين، وترك جعهما لأنهما في الأصل مَصْدران.
(صَوَاعق) :
جمع صاعقة، وهي كلّ عذابِ مهلك.
ومنه (يَجْعَلون أصابعهم في آذانهم من الصَّوَاعق) ، أي من أجل الصواَعق.
قال ابن مسعود: كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآنَ في مجلسه - صلى الله عليه وسلم -، فهو على هذا حقيقة في المنافقين، والصواعق على هذا ما يكرهونه من القرآن، والموت هو ما يتحقق فَوْته، فهما مجازان.
وقيل: إنه راجع إلى أصحاب المطر المشبَّه بهم، فهو حقيقة فيهم.

(2/565)


والصواعق على هذا حقيقة، وهي التي تكون مع المطر من شدة الرعد ونزول قطعة نار، والموت أيضاً حقيقة.
وقيل: إنه راجع إلى المنافقين على وَجْه التشبيه لهم في خوفهم، بمن جعل
أصابعَه في آذانه من شدة الخوف من المطر والرعد.
فإن قيل: لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم، والأنامل هي التي تجعل في
الأذن؟
فالجواب أن ذكر الأصابع أبْلغ، لأنها أعظم من الأنامل، ولذلك جمعها مع
أن الذي يجعل في الأذن السبابة خاصة.
(صابئين) : خارجين من دِين إلى دين.
يقال: صَبَأ فلان إذا خرج من دِينه إلى دِين آخر، وصبأت النجوم خرجت من مطالعها، وصبأ نَابه: خرج.
قال قتادة: الأديان ستة، واحد للرحمن، وخمسة للشيطان.
الصابئون يعبدون الملائكة، ويُصَلّون إلى القبلة، ويقرأون الزّبور.
والمجوس يعبدون الشمس والقمر.
والذين أشركوا يعبدون الأوثان.
واليهود والنصارى معلوم دينهما.
(صَفْراء) :
من الصفرة المعروفة، ومنه: (جِمَالات صفْر) .
وقيل سودا. وهو بعيد.
والظاهر صفراء كلها.
وقيل: القَرْن والظّلْف فقط، وهو بعيد.
(الصَّفا والْمَرْوَة) :
جبلان صغيران بمكلة السعْيُ بينهما
واجبٌ عند مالك والشافعي رضي الله عنهما.
فإن قلت: لم جيء في الآية بلفظ يقتضي الإباحة، وهو قوله: (فلا جُنَاحَ
عليه أن يطَّوَّفَ بهما) ؟
والجواب أن بعض الصحابة امتنعوا من السعي بينهما، لأنه كان في الجاهلية

(2/566)


صنم، يقال له إسَاف، وعلى المروة صنم يقال له نائلة، فخافوا أن يكون السعي بينهما تعظيما للصنمين، فرفع الله ما وقع في نفوسهم من ذلك.
فإن قلت: مِنْ أين يؤخذ وجوبُ السعي؟
فالجواب أنه واجب بالسنة، لقول عائشة: أوجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعيَ بين الصفا والمروة، وليْس لأحد تَرْكه.
وقيل: إن الوجوبَ يُؤخذ من قوله: (شَعَائِر الله) .
وهذا ضعيف، لأن شعائر الله منها واجبة، ومنها مندوبة.
وقد أخذ بعضهم من الآية نَدْبَ السعي بينهما.
(الصَّلاَة الوُسْطى) ، على القول بأنها الظهر أو الجمعة، لأنها في وسط النهَار، أو لفَضْلها، من الوسط وهي الخيار.
وسُمّيت وُسْطى لتوسّطها في عدد الركعات على القول بأنها المغرب، لأنها بين الركعتين والأربع، ولتوسّط وقْتِها على القول بأنها الصبح لأنها متوسطة بين الليل والنهار.
وإنما أجرى ذكرها بعد دخولها في الصلوات وأخفاها للاعتناء بها.
وبالجملة ما مِنْ صلاة إلا وقيل فيها وسطى.
(صَفْوان) :
حجركبير أملس.
وهو اسمٌ واحد معناه جمع، واحدتها صفوانة.
(صَلْدا) : أملس.
وهذا تمثيل للذي يمنُّ ويُؤْذي بالذي يُنفقه رياء، وهو غير مؤمن، كحجر عليه تراب فيظنّه مَنْ يراه أرضاً مُنْبِتة طيبة، فإذا نزل عليها المطر انكشف التراب، فبقي الْحَجَرُ لا منفعةَ فيه، فكِذلك المرَائي يظنّ أن له أجراً، فإذا كان يوم القيامة انكشف سِرُّه ولم تنفعه نفقته.
(صَدُقَاتِهنَّ) :
أي مهورهنّ، يُؤْمر الزوج بإعطائها ذلك، واحدتها صَدُقة -

(2/567)


(صَعِيدا) :
وجه الأرض عند مالك، كان تراباً أو رملاً أو حجارة، فأجاز التيمم بذلك كله.
وعند الشافعي التراب لا غير.
واختلف في التيمم بالذهب والملح، وبالآجر والجص المطبوخ، وبالجدار وبالنبات الذي على وجه الأرض، وذلك كله على الاختلاف في معنى الصعيد.
(صَيْد) :
كلّ ما كان ممتنعأ ولم يكن له مالك، وكان حلالا أصْله، فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال فهو صَيْد.
(صدَف عَنْها) ، أي أعرض عن آيات الله.
(صَغَار) : أشد الضر، وهو الذل.
(صَديد) : قيح ودم.
(صَوْم) ، أصله في اللغة الإمساك مطلقاً، ثم استُعْمل في
الشرع في الإمساك عن الطعام والشراب.
وقد جاء بمعنى الصّمْت في قول مريم: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) .
وقيل تعني الصيام، لأن مِنْ شَرْطِهِ في شريعتهم الصمت، وإنما أمرت بالصمت صيانة لها عن الكلام مع المتهمين لها، ولأنّ عيسى تكلَّم عنها وأخبرها بأنها نذَرَت الصمْتَ، ولا يجوزُ في شريعتنا نذْر الصمت.
وانظر ما أثمر الصمت لها من تبرئتها على لسان ولدها بقوله: (إني عبد الله)
ألهمه الله بذلك، لأنه علم أن بعض الكفَّار سيقولون ما ليس لهم به علم، كما قال: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ) .
وقال: (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) ، فهذه حجَّتُه عليهم إلى يوم القيامة بقول الله:
(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ... إلى قوله: (أن اعبدوا اللَهَ رَبّي وربكم) ، وقد قلت في الأولى: (إني عبد الله) .
وقد كان امتحان عيسى متصلاً بمحنة أمِّه، كما كان امتحان يوسف متصلاً
بامتحان أبيه، لأن الله تعالى قال: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) .
فقيل لها: يا مريم، إن كنت صادقةً في دَعْواك فاصْبِري على
المحنة، فنفخ جبريل في جَيْبِها، فقالت: (إني أعوذُ بالرحمن منك) .

(2/568)


قال تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) .
أي قبل أن ترفع الواسطة بيني وبين حبيبي، فقيل لها في سِرّ: إنه دَعْواك، حيث قلتِ: إنه من عند الله.
كذلك امتحن يوسف بمحنة أبيه يعقوب، فكان في الأمر ما كان، لأنه قال:
(لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) ، إذ عاقبه (1) ، فلما قيل له: بلغت المحنة غايتها قال: (إنما أشْكو بَثِّي وحزْني إلى الله) ، أي دعواك حين قلت: (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) .
كذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع قولَ الكفار في رَبّه ضاق صَدْره، فأنزل الله: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) .
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) .
ولو قالوا ما قالوا من الجنون والسحر، فأنا أجبْتُ شانئك عنك بقولي: (هَمّاز مَشَّاء بنَميم) ، أي شانئك هو الأَبْتر.
كذلك قصة مريم في قولها: (إني نذرْت للرحْمَن صوما) ، قالوا: هذا أنكر
وأعظم، فإن من عرف ربَّه كَلَّ لسانه، فأشارت إليه، فأجاب الله عنها على
لسان ولدها.
كذلك المؤمن أمره اللَّهُ تعالى بالسكون، وترك الخصومة عمن ظلمه حتى
يتولّى الجوابَ الملأ الوهَّاب، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) .
وفي الحديث: إذا أراد الله أن يرفع درجةَ عبدٍ قيَّض اللَّهُ له مَنْ يظلمه.
وحكي أن وزيراً ظلم بعْضَ الرعية في أخذ جِنَان له طلب بَيْعه منه، فأبى، فقال له: إنِّي آخذه منك.
فقال له: أشكوك إلى الملك.
فقال له: إن بيني وبينه صرفةً، قال: أشكوك إلى ربك.
فلما لقيه بعد مدة قال له: ما قال لكَ الذي شكوْتَ له، قال: قال لي: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) الآية.
فارتعدت فرائص الوزير، ونزل من سرْجه، فقبَّل يده، وطلب منه العفو.
هذا شأن مَنْ عرفه ووله في عظمته وتفكره في كلامه، بخلاف ما نحن عليه
__________
(1) التعبير بالعقوبة في حق الأنبياء والمرسلين فيه بشاعة، والأولى مراعاة الأدب معهم - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

(2/569)


من ظلم أنفسنا.
ما أرى بصائرنا إلا عميَتْ عن مشاهدة مشاهدِ القوم إذا
أشخصت لنا الصفات منهم شخصاً هرب، كأننا ضِدّان لا نجتمع.
اللهم أَقلْ عثراتنا، وارحم ضراعتنا، ولا تؤاخدنا بأفعالنا، لأنا علمنا أنك
عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعْف عنا بجاهِ سيدنا ومولانا ومنقذنا من الهول العظيم صلى اللَه عليه وعلى آله أفضل صلاة وأزكى تسليم.
(صَفًّا) :
ذكر فيه أبو عبيدة وجهين:
الصف الذي يصلّى فيه، كما قال بعضهم: ما استطعت أن آتي الصف اليوم.
وصفوف الناس كما قال: (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) .
وأما قوله تعالى: (إن الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صَفًّا) ، فقد قدمنا أنه ليس المراد به نفس التصافّ، وإنما المقصود به
الثبوت والجدّ في القتال، خلافاً لمن قال: إن قتال الرجالة أفضل مِنْ قتال
الفرسان، لأن التراصّ فيه يمكن أكثر مما يمكن للفرسان.
قال ابن عطية: وهذا ضعيف، خَفي على قائله مقصد الآية.
(صَفًّا صَفًّا) : مستوى من الأرض أملس لا نبات فيه.
(صَوَافَّ) : معناه قائمات قد صفَفْنَ أيديهن وأرجلهن، وهو
منصوب على الحال من الضمير المجرور، ووزنُه فواعل، وواحده صافة.
وقرئ صوافي، أي خوالص لا يشركون في نحرها أو في التسمية على نحرها.
(صَوَامع) :
منازل الرهبان، جمع صَوْمَعة - بفتح الميم - وهي موضع العبادة، وكانت للصابئين.
وسمي بها في الإسلام موضع الأذان.
والمعنى لولا دفاع الله لاستولى الكفَّار عليها.
فإن قلت: قد استولى الكفَّار عليها فهدَمُوها وخرَّبوا المساجد؟
فالجواب أن ذلك بذنوب أهلها، وما اجترحوا فيها من المعاصي، لأن الله
وعد بنصر مَنْ ينصرُ دِينه في مواضع من كتابه: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) .
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) .

(2/570)


(صَرْفاً ولا نَصْراً) .، أي حيلة ولا نصرة.
يعني أنهم لا يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم عذاب الله.
والصرفُ والمنعُ والحيلولة بمعنى واحد.
ومنه قوله تعالى: (وحِيْلَ بينَهم وبيْنَ ما يشْتَهُون) ، ويحتمل على
هذا أن يكون الخطابُ للمشركين أو المعبودين.
والصرف على هذين الوجهين صرف العذابِ عنهم.
أو يكون الخطاب للمسلمين، والصرف على هذا ردّ التكذيب.
(صَرْح) ، أي قصر.
وقيل صَحْن الدار، وإنما صنع سليمانُ هذا الصَّرْح لأنَّ الجن كرهوا تزوّج سليمان لبلقيس، فقالوا له: إن عقلها مخبول، وإن رِجْلها كحافر الحمار، فاختبر عقلها بتنكير العرش، فوجدها عاقلةً، لأنها قالت: (كأنه هو) ، ولم تَقُل نعم، لأنها تغيَّر عليها أمره، ولم تقل لا، لأنها كانت
ترى بَعْضَ علاماته.
ثم أمر بأن يتخذوا قَصْراً من زجاج، ويحفروا حولَه نهراً، ويجعلوا فيه السمك والضفادع، وأمر بأن يتَّخِذوا على الماء قنطرة من زجاج، ففعلوا ما أمروا، ثم أمرها أنْ تدخل الصرح، فعزمت على الدخول، فرأت
الزجاج على الماء، فحسبته لُجَّة وكشفت عن ساقَيْها، فرأى سليمان أنها ليس فيها شيء من العيوب والْمَنْقصة، وأسلمت فتزوّجها سليمان، وكان يأتيها في كل شهر مرة.
(صيَاصِيهم) : حصونهم.
وصَيَاصِي البقَر قرونها، لأنها تمنع بها وتدفع عن أنفسها، وصيصاء الديك: شَوْكاته، ونزلت الآية في يهود بني قُريظة، وذلك أنهم كانوا معاهدين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَنَقَضُوا عَهْده، وصاروا مع
قريش، فلما انصرفت قريش عن المدينة حصرهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكم سَعْد بن معاذ، فحكم بأن يُقْتَل رجالهم، وتسْبَى نساؤهم، وذَرَاريهم.
(صَرِيخ) : هو المغيث والْمنقذ، من الغرق.
(صديق) : مَنْ صدقك محبته، وآثرك على نفسه، وهو
أقلّ من القليل.
وفي قوله تعالى: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) .
إشارةٌ إلى كثرة الشفعاء في العادة وقلَّة الأصدقاء.

(2/571)


(صَافَّات) :
اختلف فيها، فقيل هي الملائكة التي تصفّ في
السماء صفوفاً لعبادة الله.
وقيل: هي مَنْ يصف مِنْ بني آدم في الصلاة والجهاد
والأول أرجح، لقوله عن الملائكة: (وإنا لنحن الصافّون) .
وأما قوله: (والطير صافَّات) فمعناه أنهن يصففن
أَجْنِحتهنّ في الهواء.
(صافِنَات) :
جمع صافن، وهو الفرس الذي يرفع إحدى
يدَيْه أو رِجْليه، ويقف على طرف الآخر.
وقيل: الصافن هو الذي يسوّي يديه.
والصفَن علامة على فراهة الفرس والجياد السريعة الجَرْي.
واختلف الناس في قصص هذه الآية.
فقال الجمهور: إنَّ سليمانَ عليه السلام عرضت عليه خَيْلٌ كان وَرثها عن أبيه.
وقيل: أخرجتها له الشياطين من البَحْر، وكانت ذوات أجنحة، وكانت ألف فرس، وقيل أكثر، فتشاغل بالنظر إليها
حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العشيِّ، وقيل العصر، فأسف لذلك، وقال: ردّوا عليَّ الخيل، فطفق يضرب أعناقَهها وعراقيبها بالسيف حتى عَقَرها (1) لمّا كانت سبباً لفَوت الصلاة، ولم يترك منها إلا اليسير، فأبدله الله أسرعَ منها وهي الريح.
فإن قلت: تفويتُ الصلاة ذَنْبٌ لا يفعله سليمان، وعقْر الخيل لغير فائدة لا
يجوز، فكيف يفعله سليمان، وأي ذنْب للخيل في تفويت الصلاة؟
فالجواب: إنما عقرها لمجاعةٍ كانت بالناس، فتقرَّب بها إلى الله في إطعامهم
لها، لا سما على قول: إنه لم تَفتْه صلاة، ولا عقر الخيل، بل كان يصلّي
فعرضت عليه الخيل، فأشار إليهم فأزالوها حتى دخلت اصطبلاتها، فلما فرغ من الصلاة قال: ردّوها عليَّ فطفق يمسح عليها بيده كرامةً ومحبةً.
وقيل المسح عليها إنما كان وَسْماً في سُوقها وأعناقها، للحبس في سبيل الله.
وقد حكي أنَّ عبد الله بن المبارك فاتَتْه تكبيرة الإحرام مع الإمام بسبب بيْع
باعَهُ، فربح فيه ألْفَ دينار، فتصدَّق بها عسى أن يكون كفَّارةً لتلك التكبيرة.
__________
(1) من الإسرائيليات المنكرة.

(2/572)


فاقْتَدِ أيها المسكين بتأسُّفك على ما فاتك من أوقاتك في المخالفة، ولا
يشغلك شاغلٌ عن الطاعة بجهد الاستطاعة، فإن سليمان أنعم الله عليه بأنواع
النعم، ولم يعاتبه باشتغاله لقوله: (هذا مِنْ فَضْل رَبِّي) .
ويوسف أعطاه الله الْمُلك ولم يُعاتبه على اشتغاله به، لأنه قال: (هذا من فضل الله علينا) .
وقال في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وكان فضل الله عليك عظيما) .
ولم يأذَن له في نظرة واحدة إلى الدنيا غيرةً منه عليه، فقال: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الآية، فأظهر أن
فضله عليه في المنع أفضل منه في العطاء، وكذلك قال لأمّته: (قلْ بِفَضْلِ الله
وبرحمته فبذلك فلْيَفْرَحُوا هو خَيْرٌ مما يَجْمَعون) .
وروي أن وجوهَ هذه الأمة تُحْشَر يوم القيامة كالكوكب الدرِّيِّ، فتقول
الملائكة: ما عملكم في الدنيا، فيقولون: كُنَّا إذا سمعنا الأذان قُمْنا إلى الطهارة لا يشغلنا غيرها، ثم تحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال: كُنَّا نتوضأ قبل الوقت.
ثم تُحشر طائفة وجوههم كالأقمار فيقولون بعد السؤال: كنا
نسمع الأذان في المسجد.
وروي أن السلف كانوا يعزُّون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتَتْهم التكبيرة الأولى
ويعزُّون سبعاً إذا فاتتهم الجماعة.
وحكي أنه كان شدّاد بن حكيم البلخي الحاكم يمرُّ يوماً بمسجد من مساجد
البلخي ومؤذّنه يؤذّن وبحذاء هذا المسجد حانوت رجل معدل، فلما فرغ المؤذّن من الأذان اشتغل ذلك المعدِّل بجمع المتاع الذي بين يديه، ثم خرج إلى الصلاة، فلما كان في الغد جاء المعدّل وشهد على رجل بحق، فرد شهادته وقال: إنك مستَخِفّ بأمر الصلاة حيث استقبلت أولاً إلى رفع الأمتعة التي بين يديك بعد الأذان، ثم خرجت إلى الصلاة.
ذكره في الإحياء.
(صَرْصر) : أحد رياح العقوبة، وثانيها العقيم، وثالثها القاصف، كما قال تعالى: (فيرسل عليكم قَاصِفا) ، وهذه الرياح تهبّ في البحر دون البر برحمةِ الله، إلاَ مَنْ أراد الله هلاكه بها.
ورياح الرحمة ثلاث: منشرات، كقوله تعالى: (والنَّاشِرات نَشْراً) .

(2/573)


والمبشرة، كقوله: (مبَشرات) .
والثالث الذاريات.
فهذه رياح الرحمة تهبُّ على كل شيء في الدنيا.
وقيل ثلاث رياح تهب من الجنة.
الجنوب، والشمال، والصبا. ومنها خلق الله الفرس، وبها نصر الله نبيَّه، قال - صلى الله عليه وسلم -:
"نصرت بالصبا، وأهلكت عادٌ بالدّبور"
وريح الصبا ريح مباركة تهبُّ من قِبَل الكعبة وقْتَ الأسحار، وتحملُ الأنين والاستغفار إلى الملك الجبار، وهي الريح التي أوصلت ريحَ يوسف إلى يعقوب حيث قال: (إني لأجِد ريح يوسف) ، ولهذا قال أبو علي الدقاق: والريح رسول العشاق.
(صَفْحا) : مفعول من أجله، أو مصدر في موضع الحال.
ومعناه على هذا: أنمسك عنكم الذكرَ عَفْواً عنكم وغفراناً لذنوبكم، أو مصدر من المعنى، أو مفعول من أجله، تقول: صفحت عنه إذا أعرضْت عنه، كأنه قال: أنتركُ تَذْكيرا إعراضاً عنكم.
(صَرَّةٍ) .
من صَرّ القلم وغيره إذا عوّت.
وقيل معناه في جماعة النساء، يعني أن امرأة إبراهيم صاحت بقولها: (يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) ، فاستغربت من ولادة العجوز، ولذلك: (صَكَّتْ وجْهَها) ، أي غَطَّتْه حياءً من المبشرين لها، أو تعجُّباً من وِلادتها.
(صَلْصال) : قد قدمنا أنه الطين اليابس الذي يُصَلْصِل.
أي يصوت وهو غير مطبوخ، فإذا طبخ فهو فخار.
ويقال الصلصال الْمُنْتِن، مأخوذ من صلّ اللحم وأصلّ: إذا أنتن، فكأنه أراد صلالاً، فقلبت أحد اللامين، وفيه إشارة إلى ما كان في تربة آدم من الطين الحر، وذلك أنَّ الله خلقه من طيّب، وخبيث، ومختلف اللون، مرة ذكر في خلقه هذا ومرة هذا.
(صَغَتْ قلوبكما) ، أي مالت عن الصواب.
وقرأ ابن مسعود بالزاي.
والمعنى: إن تَتُوبا إلى الله فقد صدر منكما ما يوجب التوبة.
وهذا الخطاب لعائشة وحفصة مما جرى من تسببهما في تحريم رسول الله الجارية أو العَسَل الذي تقدم ذكرهما.

(2/574)


(صَرِيم) : ليل، يعني أنهم حلفوا أنْ يقطعوا غَلَّة جَنَّتِهم عند
الصباح، فأصبحت كالليل، لأنها اسودَّتْ لِمَا أصابها.
وقيل: أصبحت كالنهار، لأنها ابيضَّت كالحَصِيد.
ويقال صريم لليل والنهار.
وقيل الصريم: الرماد الأسود، بلغة بعض العرب.
وقيل: أصبحت مصرومة، أي مقطوعة.
(صارِمين) ، أي حاصدين لثمرها.
(صَعَداً) : شاقا، يقال تصعَّدني الأمر: أي شقّ عليَّ، ومنه
قول عمر رضي الله عنه: ما تصعَّدني شيء ما تصعَّدَتْني خطبة النكاح.
ومنه: (سارْهِقه صَعودا) ، أي عقبةً شاقّة، يعني أن الوليد بن المغيرة يكلّف أن يصعد جبلا في النار من صَخْرة ملساء، فإذا صعد أعلاها لم يزل أن يتنفّس وجُذِب إلى أسفلها، ثم يكلف مثل ذلك.
(صَوَابا) : إصابة المراد.
ويقال في - المثل: أصاب الصواب.
ومنه: رُخاءً حيث أصاب.
وقد يعبَّر بالصواب عن الحق، فيقال: هذا صواب، أي حق، فكلّ مصيب فحِقّ وبالعكس.
(صاخَّة) : من أسماء القيامة، وهي مشتقّة من قولك: صخّ
الآذان إذا أصمها بشدة إِصْخاخها، فكأنه إشارة إلى النفخ في الصور، أو إلى
شدة الصوت حتى يَصخّ مَنْ يسمعه لصعوبته.
وقيل: هي من قولك أصاخ للحديث إذا استمعه والأول هو الموافق للاشتقاق.
(صَدَقة) :
تنطلق على الزكاة الواجبة، وعلى التطوّع: (إن الْمصَّدقين والْمصدِّقَات) - بالتشديد، أي المتصدقين والمتصدقات.
وأما قوله تعالى: (إنكَ لن الْمصَدِّقين) - بالتخفيف - فهو من التصديق.
(صَدّ) :
له معنيان: بالتعدي بمعنى منع غيره من شيء، ومصدره صَدًّا، ومضارعه بالضم.
وغيره بمعنى أعرض، ومصدره صدودا.

(2/575)


(صار) : له معنيان: من الانتقال، ومنه: (تَصِير الأمور) ، والمصير.
وبمعنى ضَمّ، ومضارعه يصور، ومنه (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) .
(صَمَد) : هو الذي يُلْجأ إليه في الحوائج، ليس فوقه أحد.
وقيل: إنه الذي لا يأكل ولا يشرب لفوله: (وهو يُطْعِمُ ولا يُطعَم) .
وقيل: إنه الذي لا جَوْفَ له.
والأول هو المراد.
ورجَّحه ابن عطية، فإن الله هو موجد الوجودات
وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه، إذ لا تقومُ بأنفسها وحيثما ورد في القرآن فنفى الولد عنه، كقوله في مريم: (قالوا اتخذ الرحمن ولداً) ، ثم أعقبه
بقوله: (إنْ كلّ مَنْ في السماوات والأرض إلاَّ آتِي الرحمنَ عَبداً) .
وقوله: (بَدِيع السماوات والأرض أنَّى يكون له ولد) .
(قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بَلْ له ما في السماوات والأرض) ، وكذلك في الإخلاص ذكره مع قوله: (لم يَلِد) ، ليكون برهاناً على نفْيِ الولد.
(صُرْهُنَّ) : بالنبطية فشققهن.
وأخرج ابن المنذر عن وهب بن وهب قال: ما في اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قال: وما فيه من الرومية، قال: (فَصُرْهُنَّ) ، يعي قطعهنّ بكسر الصاد.
والضمير راجع إلى الطيور الذي أَمر الخليل بذبحها وتقطيع أجزائها، وهي الديك والطاوس والحمام والغراب، لما سأل الله رؤية إحياء الموتى.
فإن قلت: كيف يشكّ الخليل في إحياء الموتى، فيطلب رؤيته؟
فالجواب أنه لم يشكّ، وإنما طلب معاينة الكيفية لمّا رأى دابّة قد أكلتها
السباع والحيتان، فسأل عن الكيفية، وصورة الإحياء، لا عن وقوعه، وذلك لا يقدح في رسالته، وهو معصوم.
واشتكى بعض الفقراء لشيخه تهمّمه في الرزق، فقال له: خذْ كفًّا من تراب
ومُرْه يرجع ذهباً، فقال: ومَنْ إمامي في هذا، قال: الخليل حين قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) .

(2/576)


قال: (أولم تُؤْمن) ، فالذي يقدر على رجوع التراب ذهباً في
يديك يقدر على رزقك حيثما كنْت.
والحكمةُ في هذا أن النفس لا تطمئن إلا بالمعاينة، وليس الخبر كالعيان.
(صُوَاعَ الملِك) :
أي مكياله، وهو السقاية، وكان يشرب
بها يوسف، ويكال بها الطعام، وكان من فضة.
وقيل من ذهب.
وقصد بجعله في رَحْلِ أخيه الاحتيالَ في أخْذه، إذ كان شرْع يعقوب أنَّ مَنْ سرق استعبده المسروق منه.
والسرّ فيه أن بنيامين لما تعرَّف إليه يوسف، وتحقَّق عنده بالمعرفة، لم يتنكر بأن نُودي عليه بالسرقة.
ولما رضي في معرفته بالبلاء كان ثمرته أن آواه إلى نفسه، كأَنّ مولاك يقول لك: لا تبال يا مؤمن ببلائي، فإن الجنة مَثْواك.
وورد في الحديث: "إن الله يطهّر المؤمن في الدنيا بأنواع البلاء، فإنْ بقِيتْ
عليه بقيةٌ طهَّرَه بشدة الموت، حتى يَلْقَى الله وليس عليه ذنب".
وقرأ يحيى بن يعمر: "صواغ الملك" - بغين معجمة: يذهب إلى أنه كان
مصوغأا، فسماه بالمصدر.
(صَخْرة) :
قيل أراد لقمان الصخرة التي عليها الأرض.
وهذا ضعيف، وإنما معنى الكلام أن مِثْقَالَ خَرْدَلة من الأعمال أو من الأشياء
لو كانت في أخفى موضع كجوف صخرة، فإن الله يأتي بها يوم القيامة.
وكذلك لو كانت في السماوات أو في الأرض.
وأما قول موسى: (أرأيتَ إذ أوَيْنَا إلى الصَّخرة) فإن المراد بها التي نام عندها.
ومعنى (أرأيت) ، أي أخبرني.
فإن قلت: ما وجه التئام هذا الكلام، وإن كلّ واحد من أرأيت، وإذ
أوينا، فإني نسيتُ الحوت - لا متعلّق له؟
والجواب أنه لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه، وما اعتراه من

(2/577)


نسيانه، فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك، فكأنه قال: أرأيت ما دَهَاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، فحذف بعض الكلام.
(صَدَفَيْن) ، بضم الصاد وفتحها، بمعنى الجبلين.
(صُنْعَ الله) : مصدر العاملُ فيه محذوف.
وقيل هو منصوب على الإغراء، أي انظروا صُنْعَ الله، وهو فعله في مرور الجبال وهي جامدة.
(صحُفاً مطهَّرة) ، يعني القرآن في صحفه.
وأما قوله تعالى: (صحفاً مُنَشَّرة) - فقد قدمنا أنهم طلبوا مِنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطي كلّ واحد منهم صحيفةً يأمره فيها بالإيمان.
وقوله تعالى: (إن هذا لفي الصحف الأولى) ، فالمراد به أن هذا الكتاب ثابت في كتب الأنبياء المتقدمين، كما ثبت هذا الكتاب.
قلت: من أمثلة ما نزل على بعض الأنبياء سورة الأعلى.
قال - صلى الله عليه وسلم -: كلّها في صحف موسى وإبراهيم.
ولما نزلت: (والنجم إذا هوى) فبلغ: (وإبراهيم الذي وفَّى) ، قال: (وَفَّى ألا تَزر وازِرة وِزْرَ أخرى) إلى قوله (هذا نذير من النّذر الأولى) .
وأخرج الحاكم من طريق ابن القاسم، عن أبي أمامة، قال: أنزل الله على
إبراهيم مما أنزل على محمد: (التائِبُون العَابدون) ، إلى قوله: (وبشِّر المؤمنين) .
و (قد أفلح المؤمنون) ، إلى قوله: (هم فيها خالدون) .
و (إن المسلمين والمسلمات) ، الآية.
والتي في المعارج: (والذين هم على صلاتهم دائمون) ، إلى قوله: (قَائمون) ، فلم يَفِ بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد - صلى الله عليهما وسلم -.
وأخرج البخاري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - موصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: "يا أيها النبي إنَّا أرسلناك شاهداً ومبَشّراً ونَذيراً وحِرزاً للأميين" - الحديث.

(2/578)


وأخرج ابن الضّرَيس وغيره عن كعب قال: فتحت التوراةُ بـ (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض) .
وختمت بـ (الحمد للَه الذي لم يتخذ ولداً) ، إلى قوله: (وكبِّرْه تكبيرا) .
وأخرج عنه من وَجْهٍ آخر، قال: أول ما نزل في التوراة عشر آيات من سورة الأنعام: (قل تعالوا أتْل ما حَرَّم ربكم عليكم) الخ.
قال بعضهم: هذه الآيات العشر التي كتبها اللَّهُ لموسى في التوراة أول ما كتب، وهي توحيد الله، والنهي عن الشرك، واليمين الكاذبة، والقتل، والعقوق، والزنى، والسرقة، والزور، ومدّ العين إلى ما في يَدِ الغير، والأمر بتعظيم السَّبْت.
وأخرج الحاكم عن أبي مَيْسرة أنَّ هذه الآية مكتوبة في التوراة بسبعمائة آية:
أول سورة الجمعة: (يسبِّح لله ما في السماوات وما في الأرض) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي، قال: البرهان الذي أُرِي
يوسف ثلاث آيات من كتاب الله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) .
وقوله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا) .
وقوله تعالى: (أفمَنْ هوَ قائم على كلِّ نَفْس بما كسبت) .
زاد غيره آية أخرى: (ولا تَقْرَبوا الزنا) .
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: (لولا أنْ رأى برهَانَ
ربه) - قال: رأى آيةً من كتاب الله نهَتْهُ، مثّلت له في جدار
الحائط، فهذا ما وقفت عليه مما أنزل على غير نبينا - صلى الله عليه وسلم (1) .
واختلف في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
والصحيح أنَّ سليمان تلفظ بها، لحديث الدارقُطْني من حديث برَيْدَة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لأعلِّمنّك آيةً لم تنزل على نبي
بعد سليمان غيري: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
ومن أمئلة ما خص به الفاتحة، وآية الكرسي، وخاتمة البقرة.
__________
(1) بعض هذا الكلام غير مسلم خصوصا ما ذكر في حق يوسف - عليه السلام - والعلم عند الله.

(2/579)


وروى مسلم عن ابن عباس: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ملك، فقال: أبشر بنورين، قد أوتيتهما لم يُؤْتهما نبيء قبلك: فاتحة الكتاب.
وخواتيم سورة البقرة.
وأخرج أبو عبيدة في فضائله، عن كعب، قال: إنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - أعطي أربع آيات لم يُعطهن موسى، وإن موسى أعطي آية لم يعطها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي: اللهم
لا تولج الشيطان في قلوبنا، وخلِّصنا من أجل أنَّ لك الملكوت والأيد والسلطان والملك والحرم والأرض والسماء، الدهر الداهر، أبداً أبداً، آمين آمين.
وأما الأربع التي لم يعطهن موسى فهي: خواتيم البقرة.
(لله ما في السماوات وما في الأرض) ، وآية الكرسي.
(صِرَاط) :
هو في اللغة الطريق، ثم استُعمل في القرآن، بمعنى الطريقهّ الدينية، وأصله السين ثم ينقلب صاداً لحرف الإطباق بعدها.
وفيه ثلاث لغات: بالصاد، والسين، وبين الصاد والزاي.
وحيثما ورد في القرآن فمعناه الطريق الموصّل إلى الصراط الحسيّ المنصوب على مَتْنِ جهنم، ليَمُرَّ المؤمنون عليه، أرقّ من الشعر، وأحدّ من السّيف، وفي حافتيه كلاليب معلَّقة مأمورة بأخْذِ من أمرت بأخذه، فمخدوش ناج، ومكردس في نار جهنم، ويمرون عليه بحسب اتّباعهم لهذا الصراط المعنوي، فأولهُم كالبرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وكأشد الرجال حتى يجيء الرجل ولا يستطيع السير إلا زَحْفا.
وقد صح أنَّ له عقبات سبع لا يجاوزها إلا مَنْ قطع عَقَبات الدنيا.
وأنكره أكثَر المعتزلة، لعدم إمكان العبور عليه.
ويسهِّله الله على المؤمن كأنه واد واسع.
(صِبْغَة الله) : يعني دين الله، وهو استعارةٌ من صبغ
الثوب وغيره، ونَصْبه على الإغراء، أو على المصدر من المعاني المتقدمة، أو بدل من ملّة إبراهيم.
(صِرّ) .: بَرْدٌ شديد، أصاب حَرْثَ الذين ظلموا أنفسهم، وهم الكفار، فلم ينتفعوا به، وكذلك لا ينتفعون في الآخرة بأعمالهم.

(2/580)


(صدّيقةٌ) : بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق.
ووصفُ مريم بهذه الصفة دون النبوءة يدفع قول مَنْ قال إنها نبيئة.
(صِنْوَان وغَيْر صِنْوان) : هي النخلات الكثيرة، ويكون
أصلها واحداً.
وغير الصِّنْوَان التفرق، ووَاحِد الصِّنْوان صِنْو.
(صِبْغ) : الصبغ والصباغ ما يصْبَغُ به، أي يغمس فيه
الخبز ويُؤكَل به.
(صِهْراً) :
النسب والصهر يعمّان كلَّ قُربى، فالنسب أن
يجتمع إنسان مع آخر في أَب وأم قَرب ذلك أو بعد.
والصهر: هو الاختلاط بالتناكح.
وقيل: أراد بالنسب المذكور، أي ذوي نسب ينتسب إليهم، وأراد بالصهر
الإناث، أي ذوات الصهر يصاهر بهن، فهو كقوله: (فجعل منه الزَّوْجَين
الذّكَر والأنثى) .

(2/581)