معترك الأقران في إعجاز القرآن (حرف الغين
المعجمة)
(غمَام) : سحاب أبيض، سمِّي بذلك لأنه يغمّ السماء، أي يسترها.
ومنه: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي
ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ) :
جمع ظلة، وهو ما علاكَ من فَوْق، فإن كان ذلك لأمر الله فلا
إشكال، وإن كان لله فهو من المتشابه، فيجب الإيمان بها من غير
تكييف كما قدمنا في وَجه المتشابه.
وتأويله عند المتأولين يأتيهم عذاب الله في الآخرة، أو أمره في
الدنيا.
ويحتمل أن يكون (يَنْظُرُونَ) بمعنى يطلبون ذلك لجهلهم،
كقولهم: (لولا يكلمنا الله) .
(غفور) :
من أسماء الله، ومعناه الساتر على عبادة ذنوبهم.
ومنه الْمِغْفَر، لأنه يستر الرأْسَ.
وغفرتُ المتاعَ في الوعاء إذا جعلته فيه، لأنه يغطيه ويستره.
(غلول) :
من الخيانة والأخذ من الغنم بغير حق.
وقد جاء الوعيد لمن غلّ شيئاً لأَنْ يسوقه يوم القيامة على
رقبته في قوله تعالى: (يَأتِ بما غَلَّ يوم القيامة
) .
وقد جاء ذلك مفَسَّراً في الحديث، قال - صلى الله عليه وسلم -:
"لا ألفينَّ أحدَكم على رقبته رِقاعٌ يوم القيامة (1) .
لا ألفينَّ أحدَكم على رقَبته صامتٌ (2) .
لا ألفينَّ أحدَكم على رقبته إنسان، فيقول: يا رسول الله
أغِثْني، فأقول: لا أملك لكَ من اللَه شيئاً" (3) .
فتأمل أيها المخالف، هل يمنعك من اللَهِ أحدٌ إلا أن يأخذَ
الله لمن يشاء.
هذا رسولُ الله سيد الأوَّلين والآخرين يقول: يا بني عبد
المطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً.
يا فاطمة بنت محمد، لا أملك لك من الله شيئاً.
فكيف يتَّكل المغرور على أحد في مخالفته أمر الله.
__________
(1) الرقاع جمع رقعة: وهي قطعة من جلد أو ورق يكتب عليه، أراد
بالرِّقاع ما عليه من الحُقُوق المكْتُوبة في الرّقاع
(2) الصامت: من المال هو الذهب والفضة.
(3) نص الحديث في مستخرج أبي عوانه:
"5718 - حدثنا محمد بن عبيد الله بن المنادي، ومحمد بن أحمد بن
الجنيد، قالا: ثنا أبو النضر، قثنا الأشجعي، عن سفيان، عن أبي
حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: ذكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الغلول فعظم، فقال: «لا ألفين أحدكم، يجيء
على رقبته صامت، يقول يا رسول الله أغثني، أقول: لا أملك لك
شيئا فقد أبلغتك، لا ألفين أحدكم على رقبته رقاع تخفق يقول: يا
رسول الله أغثني، أقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا
ألفين أحدكم، يعني على رقبته، نفس لها صياح، يقول: يا رسول
الله أغثني، أقول: لا أملك لك من الله شيئا، لا ألفين أحدكم
يجيء على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، أقول:
لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء على
رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، أقول: لا أملك
لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم على رقبته شاة لها
ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، أقول لا أملك لك من الله شيئا
قد أبلغتك»
(2/629)
(غائط) :
مكان منخفض، ثم استعمل في حاجةِ الإنسان، لأن العرب كانوا
يطلبون ذلك في قضاء حوائجهم، فكني عن الحدَثِ بالغائط.
(غَمَرات الموت) :
شدائده وكرباته كما يغمر الشيء إذا علاه وغطَّاه، فتذكر أيها
الأخ كرباته وسكراته، فإن كنْتَ منهمكاً نفّرك.
وإن كنت تائباً رقاك بمحبة تأخيره لتغنَم أو تعجيله لتسلم.
وإن كنت محبًّا شوّقك، لأن المحب يحبُّ لقاء حبيبه، ولكن
التفويض أعلى.
ولو انتظرنا ضربة شرطى لتكدّر عيشنا، فكيف وفي كلّ نفس يمكن
مجيء الموت بسكراته وغصصه، ونودُّ أن لو قدرنا على صِيَاح
وأنين، ويودُّ مَنْ حضره فترة ساعةٍ، ليقول: لا إله إلا اللَه،
فلا يمْهل، وتجْذَب روحه من كل عضو وعِرق، فتبرد قدماه ثم
ساقاه، ثم فَخِذاه، وهكذا حتى تبلغ الحلقوم، فعنده ينقطع نظَره
إلى دنياه، ويغلق عنه باب توبته، كما روِي:
"إن اللهَ يقبل توبةَ عَبْده ما لم يغرغر".
ثم يرى ملائكةَ ربه تعالى وثناءهم عليه، وقولهم: (اليوم
تجْزَوْن عذابَ الْهونِ) .
فيا لها من مصيبة لو عقل، ولهذا كانوا رضي الله عنهم يديمون
ذِكْرَ الموت.
ويخافون من سوء العاقبة.
وفي الصحيحين: "إن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله
وكرامته، فليس شيء أحبّ إليه مما أمامه، ومن ختم له بشرٍّ
فضدّه، وسببه عقيدةٌ فاسدة تثمر عند موته الجحود أو الشك، فما
لم يُرْحَم بتوبةٍ
عذابه دائمٌ، نسأل الله العافية.
وإذا تأملنا وجدنا أسباب سوءِ الخاتمة موجودة فينا، وسأنبئك
بأقلها، وهي:
الإصرار على فعل منهيّ، أو صفة مذمومة، كعُجْب ونحوه.
ومنها الغفلة عن ذكر الله، فقد خطف خلق كثير بنزغة الشيطان
لتمكنه
منهم.
ولهذا اختار الشارعُ لفْظَ الشهادتين، فإن الشيطان يجهد في
شبهة مكفّرة
عند الموت، غالبها في الرسالة، لعلمه اقتصارنا على التعليلة،
وكل ما نزغ في التوحيد دفع بلا إله إلا الله، أو في الرسالة
دفع بمحمد رسول الله، فكأنَّ التهليلة صلاة، وذكر سيدنا
ومولانا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يبطلها، وإن
كان أجنبيًّا منها.
(2/630)
كيف وأجلّ أسنان مفتاح التهليلة الشهادة
الثانية، فأكْثِر من ذِكْرِ هذه
الكلمة المشرّفة، حتى تمتزجَ مع معناها بلحِمك ودمك، واطلب منه
سبحانه
الثباتَ عليها، فقد قطع ظهورَ العابدين سوء الخاتمة، فكيف
يُخْصِب لك جَنَابٌ حتى ترى ما خُطّ لك في أمّ الكتاب.
وعلامة حسن الخاتمة استقامةٌ ودوام ذكرٍ، للحديث:
"يموت المرءُ على ما عاش عليه".
ولحديث: كلّ ميَسَّر لِمَا خلِق له.
فكيف نطمع بحسنها وقد غرقنا في حب الدنيا والمواظبة على خصالٍ
مذمومة، وعند فراقنا لها يخاف علينا من استيلاء الشيطان لتمكنه
منَّا عند الموت.
وعلامة ذلك أن في حبها طولَ أملنا، ونسينا الآخرة، والهوَى
يصدّ عن الحق، فكل فتنة أتتنا فمِنْ حبِّ الدنيا والْجَهْل
بمصارع أقراننا في كل ساعة.
أمرنا الصادق المصَّدوق أن نكونَ فيها كالغريب أو عابري سبيل،
وإذا أمسينا فلا ننتظر الصباحَ، وإذا أصبحنا فلا ننتظر
المساءَ، ونأخذ من صحتنا لسقمنا، ومن حياتنا لموتنا، فأعرضنا
عن نصْحه، وأطَلْنَا أملنا مع رؤيتنا لموت الأطفال والشبّان،
ولهذا بادر مَنْ فتح الله بصيرته، فكان يصلِّي الصبح بوضوء
العشاء، وآخر لم يضعْ جَنْبه على الأرض عشرين سنة، وآخر حسب ما
بين مضغ اللقمة وبَلْعها خمسين تسبيحة، فكان لا يتقوّت إلا
بحساء الشعير، وآخر يقوئ ليلا ولا يغْفِي إلا إغفاءَ الطير.
وآخر وِرْدهُ كلّ يوم مائة ألف تسبيحة.
وآخر لا يتحدث مع أخيه فيعاتبه على ذلك، فيقول له: أبادِر خروج
روحي.
ونحن مشتغلون بدنْيا فانية، ويا ليتنا نِلْنَا منها شيئاً،
وهذا سليمان أعطي منها ما لم يُعْطه أحدٌ قبله ولا بعده،
والرياح تجري بأمره رُخاءً حيث أراد، فلما استَوْسق ملكه قال:
(هذا من فَضْلِ ربي) ... الآية، فما عَدَّها نعمةً كما نعدها،
ولا حسبها كرامةً من الله كما نظنّها، بل خاف أَن يكونَ
استِدْراجاً من حيث لا يعلم، ونحن أنعم علينا بنعمه لنصرفها في
الطاعة، فغفلنا عنه وصرفْناها في معصيته، أليس من الخسْران
المبين ما نحن فيه من الضلال المبين، عِشْنا عَيْش البهائم، بل
هي أحسن حالاً منَّا، لأنها تحس ونحن في موت الحسِّ.
اللهم يا منقِذَ الغرقى، ويا منجّي الهلْكَى بعد أن يئسوا،
أنقذْنا من هذا الوحل العظيم بجاه نبيك الكريم، عليه أفضل
صلاةٍ وأزكى تسليم.
(2/631)
(غبر) :
له معنيان: ذهب وبقي.
ومنه: (عجوزاً في الْغَابِرين) ، أي في الهالكين.
قد غبرَتْ في العذاب: أي بقيت فيه ولم تَسِرْ مع لوط.
ويقال في الباقين، وإنما جمع جَمْع المذكر تغليباً في الرجال.
(غَيًّا) :
خسرانا، وقد يكون بمعنى الضلال، كقوله: (وإن يَرَوْا سبيلَ
الغَيّ يتخذوه سبيلا) .
فيكون على حذف مضاف، تقديره يلقَون جزاءَ غَيّ.
(غار) : نقب في الجبل.
(غَيَابَتِ الْجُبِّ) : غوره، وما غاب منه.
قال بعض أهل العلم: إنما قال ألْقوه في (غَيَابَتِ الْجُبِّ)
أخوه إربيل، وقيل يهوذا، ففعلوا ذلك، فلما أرسلوه في الجبّ
أرادوا أن يقطعوا الحَبْل، فبعث الله جبريل عليه السلام ليأخذه
ويُؤْنسه، وقال: يا يوسف، لا تغتمّ، إنهم قطعوا حبْل النَّسب،
وأنا وصْلَت حبل الوصلة والسبب.
كذلك المؤمن، يريد الشيطان أن يقطعَ بينه وبين مولاه حبلَ
الوصلة، واللَه
يريد وَصْلها به، لأنه الغفور الوَدود، وكيف يقطعها وقد حبَّب
إليه الإيمانَ
وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان! ألا ترى
يوسف وموسى ومحمداً صلَّى الله عليهم وسلَّم أجمعين، حبّبهم
الله إلى الْخَلْق، ولم يضيّعهم في أيدي الأعداء، بل تولَّى
حِفْظهم ونجاتهم.
(غاشِيَةٌ مِنْ عذابِ الله) :
غَشِي الأمر يغشى - بالكسر في الماضي والفتح في المضارع -
معناه غَطَّى، حِسًّا أو معنى، ومنه: (واللَّيل إذا يَغْشَى) ،
لأنه يُغطي بظلامه.
وينقل بالهمزة والتشديد، فيقال: غَشّى وأَغشى.
(ومِنْ فوقهم غَوَاشٍ) ، يعني ما يغشيهم من العذاب.
والغاشية أيضاً القيامة، لأنها تغشى الخلق.
وقيل: هي النار، من قولهم: (وتَغْشَى وجوهَهم النار) .
وهذا ضعيف، لأنه ذكر بعد ذلك قسمين: أهل الشقاوة، وأهل
السعادة.
(2/632)
(غَوْراً) :
مصدر وُصف به، فهو بمعنى غائر، أي ذاهبٌ في الأرض.
وقد قدمنا معناه في قوله: مَعين.
(غَرَاماً) : ملازماً.
قال الحسن: كلّ غريم مفارق غريمه إلا النار.
(غرورا) :
قد قدمنا أنه بفتح الغين الشيطان، وبضمها
الباطل، مصدر، من غررت.
(غَرَابِيب سود) :
قد قدمنا أنه جمع غِرْبيب، وهو الشديد السواد، وقدم الوصف
الأبلغ لقصد التأكيد.
(غَوْل) .
بفتح الغين: اسم عام في الأذى والضرّ.
ومنه يقال: غالَه وأغاله، إذا أهلكه.
وقيل: الغَوْل وَجَع في البطن.
ويقال الغضب غَوْل للحم، والحرب غول للنفوس، وإنما قدم المجرور
في قوله: (لا فيها غَوْل) ، تعريضاً بخَمْر الدنيا، لأن فيها
غَوْل.
(غَسَّاقاً) : بتخفيف السين وتشديدها: صَدِيد أهل النار.
وقيل: ما يَسِيل من عيونهم.
وقيل: عذابٌ لا يعلمه إلا الله.
(غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) :
فيه أقوال: الليل إذا أظلم.
ومنه قوله: (إلى غَسق الليل) ، وهو قول الأكثر، لأن ظلمةَ
الليلِ ينتشر
عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولذلك قيل في المثَل: الليل
أَخفَى للويل.
وقيل القمر، للحديث: "يا عائشة، استعيذي بالله مِنْ شرِّ هذا
الغاسق، وأشار إليه.
ووُقوبه على هذا كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى
الظلمة
والسَّوَاد، وبمعنى الدخول، فالمعنى إذا دخل في الكسوف، أو إذا
أظلم به.
وقيل، الشمس إذا غربت، والوقوب على هذا بمعنى الظلمة، أو
الدخول.
وقيل النهار إذا دخل في الليل وهذا قريبٌ من الذي قبله وقيل
الغاسق سقوط الثريا، لأنها تهيج عندها الأسقام والطاعون
للحديث: "النجم هو الغاسق". فيحتمل أن يريدَ الثريا.
(2/633)
وقيل إنه الذّكَر إذا قام، حكاه النقاش عن
ابن عباس، لأنه لا يملك
الإنسان نفسه مع انتشاره، ولهذا أكْرِم من ذكر الله عند جماعه
بأن الشيطان لا يضرّ ولده إنْ كان، لأنه آثر ذِكْرَ الله على
شهوة نفسه.
وقال الزمخشري: يجوز أن يريد بالغاسق الأسود من الحيات،
ووقَبَه ضربه.
وحكى السهيلي أنه إبليس.
(غادَرَ) : ترك.
ومنه: (لا يُغَادِرُ صغيرةً ولا كبيرة) .
(فَلَمْ نغَادِرْ منهم أحدا) .
(غُلْف) :
جمع أغلف، وهو كلّ شيء جعلته في غلاف، ولما قالوا: (قلوبنا في
أَكِنَّة مما تَدْعونا إليه) ، أي محجوبة - ردّ الله عليهم
بأنَّ عدمَ إيمانهم بسبب كفرهم، (فقليلاً ما يُؤمنون) ، أي
إيماناً قليلاً يؤمنون.
وما زائدة ويجوز أن تكون القلةُ بمعنى العدم أو على أصلها، لأن
من دخل منهم في الإسلام قليل، أو لأنهم آمنوا ببعض الرسل
وكفروا ببعض.
(غرْفة) :
بضم الغين لها معنيان: المسكن المرتفع، ومنه: (أولئك يُجْزَون
الغرْفَة) .
(وهم في الغُرفات آمِنون) .
وغَرفة من الماء - بالفتح: المرة الواحدة.
ومنه: (إلا من اغترف غرفةً بيده) .
وقرئ بضم الغين، وهو المصدر، وبفتحها هو الاسم.
(غفْرانَك) :
مصدر، والعامل فيه مضمر، ونصب على المصدرية، تقديره: اغفر
غفْرانك.
وقيل على المفعولية، تقديره نطلب غفرانك.
(غزَّى) :
جمع غاز، ووزنه فعّل - بضم الفاء وتشديد العين.
ومعناه أن المنافقين قالوا لإخوانهم من الأوْس والخزرج يوم
أحد: (إذا
ضربوا في الأرض) ، أي سافروا، وإنما قال (إذا) التي
(2/634)
للاستقبال مع قالوا، لأنه على حكايةِ الحال
الماضية، لأنهم ظنوا أن إخوانهم لو كانوا عندهم لم يموتوا ولم
يُقتلوا.
وهذا قول مَنْ لا يؤمن بالقَدَر والأجَل المحتوم، ويقرب منه
مذهب المعتزلة في القول بالأجَلين.
(غَلَا) يَغْلو، وهو مجاوزة الحدّ والإفراط، ومنه: (لا تغْلوا
في دينكم) .
(غمَّةً) : وغَمّ، ككربة وكَرْب بمعنى ظلْمة.
(غثَاء) : يعني هالكين كالغثَاء، وهو ما يحمل السيلُ من الورق
وغيره مِمّا يبلى ويسودّ.
ومنه قوله قعالى: (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) .
فمعناه أنَّ الله أخرج النباتَ أخضر، فجعله بعد خضْرته غثاء
أَسود، لأن الغثاء إذا قدم تعفَّن واسوَدَّ.
وقيل: إن (أَحْوَى) حال من المرعى، ومعناه الأخضر الذي يضرِب
إلى
السواد.
وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير، تقديره الذي أخرج المرعى
أحوى.
فجعله غثاء.
وفي هذا القول تكلّف.
(غرفات) : جمع غرفة.
وقد قدمنا أنها اسم جنس.
(غُصَّة) : أي يختنق به آكله.
وقيل: هو شَوْك من نار يعترض في حلوق أهل النار، لا ينزل ولا
يخرج.
وروي أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية
فصعق.
(غِشَاوة) :
مجاز باتفاق بمعنى الغطاء، تقول: غشيت الشيء غَطيته، ووحّد
السمع في قوله: (وعلى سَمعهم) ، لأنه مصدر في الأصل، والمصادر
لا تجْمع.
(غِلّ) : عداوة وحسد.
ومنه: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) .
(2/635)
(غِلْظَة) :
أي شدة، ومنه: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ، أي تفرقوا.
وأما قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) . فمعناه الأمر
بقتْل الأقرب فالأقرب، والشدة في إجلابهم على تدريج.
وقيل إنها إشارة إلى قَتْل الروم بالشام، لأنهم كانوا أقرب
الكفَّار إلى أرض
العرب، وكانت أرض العرب قد عمَّها الإسلام، وكانت العراق حينئذ
بعيدة.
(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) :
المراد به هزم كسْرى ملك الفرس.
وأَدنى الأرضِ بين الشام والعراق، وهي أدنى أرض الروم إلى
فارس.
وقيل: في أدنى أرضِ العرب منهم، وهي أطراف الشام.
وقد قدمنا أنها سُميت الروم باسم جدّهم.
(غيض) الماء، وغاض: نقص، بلغة الحبشة.
(غسْلين) : قد قدمنا أنه غسالة أهْل النار، وكلّ جرح أو دبر
غسلته فخرج منه ماء فهو غِسْلين.
(غَير) :
اسم ملازم للإضافة والإبهام، فلا تنصرف ما لم تقع بين ضِدّين.
ومن ثَمَّ جاز وصف المعرفة بها في قوله: (غير المغضوب عليهم) .
والأصل أن تكون وصفاً للنكرة نحو: (نعمل صالحا غير الذي كُنَّا
نعمل) .
وتقع حالاً إن صلح موضعها لـ لا واستثناء إن صَلح موضعها إلا،
فتعرب
بإعراب الاسم الواقع بعد إلا في ذلك الكلام.
وقرئ قوله تعالى (لا يستوي القاعِدون من المؤمنين غَيْر أولي
الضرَر) - بالرفع على أنها صفة للقاعدين، أو استثناء وبدل على
حَدِّ: (ما فعلوه إلا قليل) .
وبالنصب على الاستثناء.
وبالجر خارج السبع صفة للمؤمنين.
وفي المفردات للراغب: غير يقال على أوجه:
(2/636)
الأول: أن تكون للنفي المجرد من غير إثباتِ
مَعْنى به، نحو: مررتُ برجل
غير قائم، أي لا قائم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ
اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) .
(وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) .
الثاني: بمعنى إلاَّ فيسَتْثنَى به، ويوصف به النكرة، نحو:
(مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ، (هَلْ مِنْ خَالِقٍ
غَيْرُ اللَّهِ) .
الثالث: لنفي الصورة من غير مادَّتها، نحو: الماء إذا كان
حارًّا غيره إذا كان
باردًا.
ومنه قوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ
بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) .
الرابع: أن يكون ذلك متناولاً لذاتٍ، نحو: (تَقُولُونَ عَلَى
اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ) .
(أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا) .
(ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا) ، (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ) .
*******************
تم الجزء الثاني، ويليه إن شاء الله الجزء الثالث وأوله حرف
الفاء.
(2/637)
|