نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي ... الباب
السابع باب أقسام المنسوخ
المنسوخ من القرآن على ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول: ما نسخ رسمه وحكمه
[9] (2) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عبيد
الله البقال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا
إسحاق بن أحمد الكاذي، قال:
حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال:
حدّثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني
أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن رهطا من أصحاب النبي صلّى الله
عليه وسلّم أخبروه؛ أنه قام رجل منهم من جوف الليل يريد أن
__________
(1) أخرجه النحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص (7 - 8) قال: حدثنا
بكر بن سهل الدمياطي، قال:
حدّثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح،
عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به.
وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 531/ 2822) وابن جرير
الطبري في «تفسيره» (5/ 576/ 6177 و 6/ 199/ 6623) وأبو عبيد
في «الناسخ والمنسوخ» رقم (3، 4). من طريق:
معاوية بن صالح به.
وإسناده ضعيف مرسل، علي بن أبي طلحة لم ير ابن عباس، قال
الحافظ في «التقريب» (4788): «أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق
قد يخطئ».
(2) أخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (17) والطحاوي في
«مشكل الآثار» (2/ 417) - ط.
الهند- من طريق: الزهري به.
قال الطحاوي: «هكذا حدثنا يونس بهذا الحديث، فلم يتجاوز به أبا
أمامة. وأصحاب الحديث يدخلون هذا في المسند، لأن أبا أمامة ممن
ولد في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم».
(1/27)
يفتتح سورة كان قد وعاها، فلم يقدر منها
على شيء إلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فأتى باب
النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أصبح يسأل النبي صلّى الله
عليه وسلّم عن ذلك، وجاء آخر وآخر حتى اجتمعوا، فسأل بعضهم
بعضا ما جمعهم، فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة، ثم أذن لهم
النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبروه خبرهم، وسألوه عن السورة.
فسكت ساعة، لا يرجع إليهم شيئا، ثم قال: «نسخت البارحة، فنسخت
من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه».
[10] (1) - أخبرنا المبارك بن علي، أخبرنا أحمد بن الحسين بن
قريش، قال:
أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا أبو بكر محمد بن
إسماعيل الوراق، قال: حدّثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود،
قال: حدّثنا سليمان بن داود بن حماد قال: أخبرنا ابن وهب، قال:
أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال:
أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كانت معه سورة فقام
من الليل يقرؤها، فلم يقدر عليها قال: فأصبحوا فأتوا رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم، فاجتمعوا عنده، فقال بعضهم: يا رسول
الله؛ قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها، وقال
الآخر: ما جئت يا رسول الله إلا لذلك، وقال الآخر: وأنا رسول
الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنها نسخت
البارحة».
- قال أبو بكر بن أبي داود: وحدّثنا محمد بن عبد الملك
الدقيقي، قال:
أبنا عوان، قال: بنا حماد، قال: بنا علي بن زيد، عن أبي حرب بن
أبي الأسود، عن أبيه، عن أبي موسى قال: نزلت سورة مثل براءة،
ثم رفعت، فحفظ منها: «إن الله يؤيد الدين بأقوام لا خلاق لهم،
ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا، ولا يملأ
جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» (2).
__________
(1) انظر الذي قبله.
(2) أخرجه مسلم (1050) وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 323)
وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
تنبيه: اتّكأ البعض على هذا الحديث بنسبة القول بالتحريف لأهل
السنة! وهذا يشبه قول القائل:
«رمتني بدائها وانسلّت».
وممن ذكر هذا الحديث الخوئي في «البيان في تفسير القرآن» (ص
204) وجعفر مرتضى العاملي في «حقائق هامة حول القرآن» (ص 325 -
وما بعدها).
والحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الزكاة، باب: لو أن لابن
آدم واديين لابتغى ثالثا.
ففقه الحديث في تبويبه كما ترى.
والحديث مروي عن جابر بن عبد الله وابن عباس وأنس بن مالك وأبي
بن كعب وأبي واقد الليثي وغيرهم. منهم من ذكر قول أبي موسى في
أنه ظنها من القرآن، ومنهم من ذكر الحديث من قول النبي صلّى
الله عليه وآله وسلّم.
(1/28)
قال ابن أبي داود: وحدّثنا محمد بن عثمان
العجلي قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا سيف، عن مجاهد قال:
«إن الأحزاب كانت مثل البقرة أو أطول».
قال ابن داود: وحدّثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا شريك، عن
عاصم، عن زر، قال: قال أبي بن كعب: كيف تقرأ سورة الأحزاب؟
قلت: سبعين أو إحدى وسبعين آية. قال: والذي أحلف به لقد نزلت
على محمد صلّى الله عليه وسلّم وإنها لتعادل البقرة أو تزيد
عليها (1).
__________
فالعجيب من تناقض صاحب «حقائق هامة»! كيف ادّعى ص 328 من
الكتاب أن أبا موسى الأشعري هو الذي انفرد بهذه الرواية، مع
أنه ذكر ص 326 من روى هذا الحديث.
وجوابا على هذا أقول:
هذا الحديث يندرج تحت باب النسخ كما هو هنا في هذا الكتاب،
وكما قال علماء أهل السنة قاطبة. انظر «المفهم لما أشكل من
تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (3/ 93 - 94). حيث قال رحمه الله:
«وهذا ضرب من النسخ؛ فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة
أضرب: أحدها:
نسخ الحكم وبقاء التلاوة.
والثاني: عكسه؛ وهو: نسخ التلاوة وبقاء الحكم.
والثالث: نسخ الحكم والتلاوة؛ وهو كرفع هاتين السورتين اللتين
ذكرهما أبو موسى، فإنهما رفع حكمهما وتلاوتهما. وهذا النحو من
النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنْسِها [البقرة: 106] على قراءة من قرأ بضم النون وكسر
السين. وكذلك قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما
شاءَ اللَّهُ [الأعلى: 6، 7]. وهاتان السورتان مما قد شاء الله
تعالى أن ينسيه بعد أن أنزله وهذا لأن الله تعالى فعّال لما
يريد، قادر على ما يشاء، إذ كل ذلك ممكن. ولا يتوهّم متوهّم من
هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء؛ فإن ذلك باطل، بدليل قوله
تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحافِظُونَ [الحجر: 9] وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد
على أن القرآن الذي تعبّدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين
دفّتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان، كما قرّرناه في أصول
الفقه» اه.
وانظر «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني (11/ 262 - 263)
و «البرهان في علوم القرآن» للزركشي (2/ 168).
قلت: وممن قال بأن هذه الآية- أو هذا الحديث- يدخل في باب
الناسخ والمنسوخ:
1 - أبو علي الطبرسي صاحب «مجمع البيان» حيث قال: «وقد جاءت
أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن، فنسخ تلاوتها، فمنها ما
روي عن أبي موسى أنهم كانوا يقرءون: لو أن لابن آدم واديين من
مال ... » «مجمع البيان» (1/ 230) - ط. دار إحياء التراث-.
2 - أبو جعفر الطوسي في تفسيره المسمى ب «التبيان في تفسير
القرآن» حيث قال: «كانت أشياء من القرآن، ونسخت تلاوتها،
ومنها: «لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من
تاب» اه. «التبيان» (1/ 394) - مكتب الإعلام الإسلامي- إيران.
3 - كمال الدين العتائقي الحلي في «الناسخ والمنسوخ» ص 34 - ط.
مؤسسة آل البيت- بيروت- حيث قال: «ما نسخ خطه وحكمه، وهي: «لو
أن لابن آدم واديين من فضة ... » اه.
(1) إسناده ضعيف. والخبر صحيح بالشواهد.
(1/29)
وقد روي عن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنه
قال: أنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية فكتبتها في
مصحفي فأصبحت ليلة فإذا الورقة بيضاء، فأخبرت رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم، فقال: «أما علمت أن تلك رفعت البارحة».
القسم الثاني: ما نسخ رسمه وبقي
حكمه
[11] (1) - أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب، قال:
أخبرنا أحمد بن
__________
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد «المسند» (5/ 132) والنسائي
في «الكبرى» (4/ رقم:
7150) والحاكم (2/ 415 و 4/ 359) وابن حبان (10/ رقم: 4428،
4429) والطيالسي (540) والبيهقي (8/ 211) وغيرهم. من طرق؛ عن
عاصم به.
(1) أخرجه البخاري (6829، 6830) ومسلم (1691) ومالك في
«الموطأ» (2/ 268) - 41 - كتاب الحدود.- مختصرا- وأحمد في
«المسند» (1/ 23، 29، 36، 40، 43، 47، 50، 55، 56) وأبو داود
(4418) والترمذي (1431) والنسائي في «الكبرى» رقم (7151، 7514،
7157، 7158، 7159، 7160) وابن ماجة (2553) وغيرهم.
قال جعفر مرتضى في كتابه «حقائق هامة حول القرآن الكريم» (ص
347): «وكلام عمر الآنف الذكر يدل على أن كتابتها في المصحف
جائزة، ومعنى ذلك: هو أنها مما لم تنسخ تلاوته بنظره!! «ولو
صحّ القول بنسخ التلاوة!! وقد أثبتنا عدم صحته، وعدم ثبوته ...
» اه.
أقول: قول عمر رضي الله تعالى عنه لا يدلّ البتة على جواز
كتابتها على أنها من المصحف، وفي قوله: «كنا نقرؤها ... »
دلالة واضحة على نسخها، فتأمل.
أما إنكاره للنسخ؛ فهذا مخالفة صريحة لصريح القرآن، وقد صرّح
بوقوع النسخ كبار علماء الشيعة، ولم ينكره إلا المتقدمين. وقد
ألّف الحلي؛ كمال الدين عبد الرحمن العتائقي كتابا في ذلك هو
«الناسخ والمنسوخ».
وممن قال بالنسخ؛ الطوسي صاحب «التبيان» وأبو علي الطبرسي في
«مجمع البيان» بل قال:
«والصحيح أن القرآن يجوز أن ينسخ بالسنة المقطوع عليها» «مجمع
البيان» (1/ 232). والفيض الكاشاني في «تفسير الصافي» (1/ 178
- 179) وغيرهم كثير.
والعجيب من الرجل أنه ذكر أنه قد رويت رواية في آية الرجم عن
الإمام الصادق عليه السلام.
ثم قال بعد ذلك: «ولأجل ذلك فقد حمل بعض العلماء ما روي عن
الإمام الصادق عليه السلام على التقية»!! أقول: وهكذا كذب على
الإمام، فقد روى الكليني في «الكافي» - الفروع- (7/ 176) عن
الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام قوله: «الرجم في
القرآن، قول الله عزّ وجلّ: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما
البتة فإنهما قضيا الشهوة».
وقد أحسن المعلق على الكتاب بقوله: «وقيل: إنها منسوخة
التلاوة». ورواه أيضا ابن بابويه القمي في «من لا يحضره
الفقيه» (4/ 24/ 4998).
وصحّح هذه الرواية المجلسي في «مرآة العقول» (23/ 267) وقال:
«وعدّت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمها».
وممن قال بهذا الطبرسي صاحب «مجمع البيان» (1/ 230) والطوسي في
«التبيان» (1/ 294) والحلّي في «الناسخ والمنسوخ» (ص 35) وصاحب
كتاب «لمحات من تاريخ القرآن» (ص 222) - الأعلمي-.
(1/30)
جعفر قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: حدّثني إسحاق بن عيسى الطباع، قال: حدّثنا
مالك بن أنس، قال: حدّثني ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله،
أن ابن عباس أخبره، قال: جلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذّن
قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد؛ أيها الناس
فإني قائل مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي
أجلي، فمن وعاها وعقلها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن
لم يعها؛ فلا أحل له أن يكذب عليّ. إن الله عزّ وجلّ بعث محمدا
صلّى الله عليه وسلّم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما
أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس
زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك
فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق، على من زنى إذا
أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو
الاعتراف، ألا وإنا قد كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه
كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم». أخرجاه في الصحيحين.
وفي رواية ابن عيينة عن الزهري: وأيم الله لولا أن يقول قائل:
زاد عمر في كتاب الله، لكتبتها في القرآن.
[12] (1) - أخبرنا المبارك بن علي قال: أخبرنا أبو العباس بن
قريش قال:
أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل
الوراق، قال: حدّثنا ابن أبي داود، قال: حدّثنا عيسى بن حماد
قال: أخبرنا الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن
عمر بن الخطاب قال: «أيها الناس؛ قد سننت لكم السنن، وفرضت لكم
الفرائض، وتركتكم على الواضحة، أن لا تضلوا بالناس يمينا
وشمالا، وآية الرجم لا تضلوا عنها، فإن رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم قد رجم ورجمنا، وأنها قد أنزلت، وقرأناها: الشيخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، ولولا أن يقال: زاد عمر في
كتاب الله لكتبتها بيدي».
- قال ابن أبي داود: وحدّثنا موسى بن سفيان، قال: حدّثنا عبد
الله يعني ابن الجهم، قال: حدّثنا عمرو بن أبي قيس، عن عاصم بن
أبي النجود، عن زر؛ أن أبي بن كعب سأله: كم تقرأ هذه السورة؟
يعني الأحزاب. قال: إما ثلاثا
__________
فهل هؤلاء كلهم قالوا ذلك تقية؟!! فالحمد لله الذي هدانا للحق
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
(1) أثر صحيح.
أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 268) - 41 - كتاب الحدود. عن يحيى
بن سعيد به.
وإسناده صحيح كما قال ابن عبد البر في «التمهيد» (23/ 93).
وقد صحّ سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه على الصحيح.
(1/31)
وسبعين وإما أربعا وسبعين، قال: «إن كنا
لنقرأها كما نقرأ سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها: إذا زنى
الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم»
(1).
- قال ابن أبي داود: وحدّثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدّثنا سعيد
بن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن عمر، قال: حدّثني أن ابن أبي
مليكة، عن المسور بن مخرمة قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن
عوف: ألم تجد فيما أنزله الله علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم
أول مرة»، فإنا لا نجدها. قال: سقطت فيما أسقط من القرآن (2).
- قال: وحدّثنا محمد بن معمر، قال: حدّثنا أبو عاصم، عن ابن
جريج، قال: حدّثني ابن أبي حميدة قال: أخبرتني حميدة، قال:
أوصت لنا عائشة رضي الله عنها بمتاعها فكان في مصحفها: «إن
الله وملائكته يصلّون على النّبي، والذين يصلون الصّفوف
الأولى» (3).
[13] (4) - أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب، قال:
وأخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي قال: بنا
__________
(1) تقدم قبل قليل.
(2) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 325) من طريق: سعيد
بن أبي مريم به. وإسناده صحيح.
(3) أخرجه أبو داود في «المصاحف» (85) وأبو عبيد في «فضائل
القرآن» (ص 324). من طريق:
حجاج به.
وإسناده ضعيف؛ ابن أبي حميد؛ هو: عبد الملك بن عبد الرحمن بن
خالد بن أسيد، ترجمه البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 355/
1683) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 421/ 1369) وابن
حبان في «الثقات» (7/ 106) وقالوا: يروي عن أمه عن عائشة. وقال
العقيلي في «الضعفاء» (3/ 27): «حديثه غير محفوظ». وأمه لم أقف
لها على ترجمة فيما بين يديّ من مصادر. فالخبر لا يصح.
لكن جملة «إن الله وملائكته يصلون على النبيّ ... » صحّت عن
عائشة مرفوعا. أخرجه أحمد (6/ 67، 89، 160) وابن ماجة (995)
وابن خزيمة في «صحيحه» (1550) والحاكم (1/ 214) وابن حبان (5/
رقم: 2163، 2164) والبيهقي في «السنن» (1/ 101) و (3/ 103)
وغيرهم. من طرق؛ عن عروة بن الزبير، عن عائشة مرفوعا. وصححه
الحاكم والذهبي، وكذا الألباني في «الصحيحة» (2532).
(4) أخرجه البخاري (4090، 4091) وغيره.
وما ذكره صاحب «الحقائق»! (ص 354) شنشنة فارغة. فقد حكم بنسخ
ذلك الطبرسي والطوسي، وقالا: بأن هذا النسخ هو من نسخ التلاوة.
انظر «مجمع البيان» (1/ 230) و «التبيان» (1/ 294).
(1/32)
عبد الصمد، قال: حدّثنا همام قال: حدّثنا
إسحاق، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم بعث حراما خاله في سبعين رجلا، فقتلوا يوم بئر معونة.
فأنزل علينا فكان مما نقرأ، فنسخ؛ «أن بلغوا قومنا إنا لقينا
ربنا فرضي عنا وأرضانا». انفرد بإخراجه البخاري.
فصل
ومما نسخ رسمه واختلف في بقاء حكمه.
[14] (1) - أخبرنا المبارك بن علي قال: أخبرنا أبو العباس بن
قريش، قال:
أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق
قال: أبنا ابن أبي داود، قال: حدّثنا عبد الله بن سعد قال:
حدّثني عمر، قال: حدّثني أبي، عن محمد بن إسحاق قال: حدّثني
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو، عن عمرة بنت عبد الرحمن،
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «لقد نزلت آية الرّجم ورضعات
الكبير عشرا، وكانت في ورقة تحت سرير في بيتي، فلما اشتكى رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم تشاغلنا بأمره، فدخلت دويبة لنا
فأكلتها» تعني الشاة.
قال ابن أبي داود: حدّثنا أبو الطاهر، قال: أخبرنا ابن وهب،
قال: أخبرني مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة
قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر
رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخت بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي مما يقرأ من القرآن (2).
__________
(1) أخرجه أحمد (5/ 269) وابن ماجة (1944) والدارقطني (4/ 179)
من طريق: محمد بن إسحاق به.
وإسناده حسن، صرّح ابن إسحاق فيه بالتحديث.
والخبر حسّنه المحدث الألباني في «صحيح سنن ابن ماجة» (1580).
وقد أنكر هذا الخبر السرخسي في «أصوله» (2/ 79 - 80) فقال:
«وحديث عائشة لا يكاد يصح .. ».
وكذا القرطبي في تفسيره (14/ 113) حيث قال: «وأما ما يحكى من
أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة، فأكلتها الداجن؛
فمن تأليف الملاحدة والروافض»!.
وما ادّعاه صاحب «الحقائق» ونقله عن القزويني! أن ذلك لم يرد
في كتب الشيعة، ولا رواه أحد من علمائهم، أو رد عليه .. منقوض
بما ذكره الطوسي في «التبيان» في مقدمته (1/ 13) وقال:
إن هذا من باب نسخ التلاوة والحكم معا.
وانظر «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص 372 - وما بعدها) -
طبع المكتب الإسلامي- و «حاشية السندي على سنن ابن ماجة» (1/
599) وتأمل في الحديث الذي بعده.
(2) أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 116) - 30 - كتاب الرضاع (3)
باب جامع ما جاء في الرضاعة.
(1/33)
قلت: أما مقدار ما يحرم من الرضاع فعن أحمد
بن حنبل رحمه الله فيه ثلاث روايات:
الأولى: رضعة واحدة، وبه قال أبو حنيفة ومالك أخذا بظاهر
القرآن في قوله: وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ [النساء:
23]، وتركا لذلك الحديث.
والثانية: ثلاث، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم
المصة والمصتان» (1).
والثالثة: خمس لما روينا في حديث عائشة. وتأولوا قوله: «وهي
مما يقرأ من القرآن» أن الإشارة إلى قوله: وَأَخَواتُكُمْ مِنَ
الرَّضاعَةِ وقالوا: لو كان يقرأ بعد وفاة رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم، لنقل إلينا نقل المصحف، ولو كان بقي من القرآن شيء
لم ينقل لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخا لما نقل، فذلك محال
(2).
ومما نسخ خطّه واختلف في حكمه؛ ما روى مسلم في أفراده عن عائشة
رضي الله عنها؛ أنها أملت على كاتبها: «حافظوا على الصلوات،
والصلاة الوسطى، وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين» وقالت:
سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (3).
وقد اختلف الناس في الصلاة الوسطى على خمسة أقوال بعدد الصلوات
الخمس، وقد شرحنا ذلك في التفسير.
__________
ومسلم (1452) وأبو داود (2062) والنسائي (6/ 100) والترمذي (3/
456) - 10 - كتاب الرضاع. وابن ماجة (1942) وابن حبان (10/
رقم: 4221، 4222) والبيهقي (7/ 454) والدارمي (2/ 157) وغيرهم.
(1) أخرجه مسلم (1450) وغيره.
(2) انظر تفصيل هذه المسألة في: «المغني» لابن قدامة (9/ 192 -
194) و «المحلى» لابن حزم (11/ 88) مسألة: (1872) و «سبل
السلام» للصنعاني (6/ 329 - بتحقيق الحلاق-) و «التمهيد» لابن
عبد البر (8/ 263 - 271) و «فتح الباري» (9/ 147) و «شرح صحيح
مسلم» للنووي (10/ 21) و «نيل الأوطار» (6/ 250) و «الاعتبار
في الناسخ والمنسوخ» (ص 188) و «رسوخ الأخبار في منسوخ
الأخبار» (ص 462 - 463) و «أحكام الرضاع في الفقه الإسلامي»
للدكتور محمد عمر الغروي (ص 81 - وما بعدها).
(3) أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 88) - 8 - كتاب صلاة الجماعة
(8) باب الصلاة الوسطى.
ومسلم (629) وأحمد (6/ 73، 178) وأبو داود (410) والنسائي (1/
236) والترمذي (2982) وغيرهم.
وهي منسوخة التلاوة، وتعتبر من القراءات الشاذة. وقد اتكأ
عليها صاحب كتاب «أكذوبة تحريف القرآن» ص 43. ولم يعلم هذا
المسكين- أو أنه تجاهل- بأن كبار علمائه يقولون بأنها من
القراءات الواردة ويثبتونها في تفاسيرهم.
انظر «تفسير القمي» (1/ 106) ط. دار السرور. و «تفسير العياشي»
(1/ 146) و «البرهان» للبحراني (1/ 230) و «تفسير الصافي» (1/
269) و «بحار الأنوار» للمجلسي (18/ 72).
(1/34)
|