نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي

... الباب الخامس عشر باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة الأنفال
ذكر الآية الأولى
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال: 1].
اختلف العلماء في هذه الآية، فقال بعضهم: هي ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه، وذلك أن الغنائم كانت حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين، فنسخ الله ذلك بهذه الآية وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال: 41].
[150] (2) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: ابنا وكيع، قال: بنا إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد
__________
(1) انظر «الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه» لمكي (ص 291 - 292) و «صفوة الراسخ» (ص 104 - 105) و «الجامع لأحكام القرآن» (7/ 346) و «جمال القراء وكمال الإقراء» للسخاوي (2/ 707 - 708) و «زاد المسير» للمصنف (3/ 307).
(2) أخرجه النحاس (ص 143) من طريق: وكيع به. وأخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (399) من طريق: ابن جريج، عن مجاهد.
وابن جريج مدلس؛ وقد دلّس هنا فأسقط منه سليم مولى أبي علي. وهو على الجادة عند النحاس (ص 143) فأخرجه من طريق: ابن جريج، قال: أخبرني سليم مولى أبي علي، عن مجاهد.

(1/146)


وعكرمة، قالا: كانت الأنفال لله فنسخها وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ.
هذا قول السدي. وقال آخرون المراد بالأنفال شيئان:
الأول: ما يجعله النبي صلّى الله عليه وسلّم لطائفة من شجعان العسكر ومقدميه، يستخرج به نصحهم ويحرضهم على القتال.
والثاني: ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها، كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سرية فغنمنا إبلا، فأصاب كل واحد اثني عشر بعيرا، ونفلنا بعيرا بعيرا (1).
فعلى هذا هي محكمة، لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا، والعجب ممن يدّعي أنها منسوخة فإن عامة ما تضمنت أن الأنفال لله والرسول، والمعنى: أنهما يحكمان فيها وقد وقع الحكم فيها بما تضمنته آية الخمس، وإن أريد أن الأمر بنفل الجيش ما أراد، فهذا حكم باق، فلا يتوجه النسخ بحال، ولا يجوز أن يقال عن آية إنها منسوخة إلا أن يرفع حكمها وحكم هذه ما رفع فكيف يدعي النسخ؟ وقد ذهب إلى نحو ما ذكرته أبو جعفر ابن جرير الطبري.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ [الأنفال: 15 - 16].
وقد ذهب قوم، منهم ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، والحسن وابن جبير، وقتادة والضحاك إلى أنها في أهل بدر خاصة.
[151] (2) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا محمّد بن جعفر، قال: بنا شعبة، عن داود، قال: سمعت الشعبي، يحدث عن أبي سعيد الخدري: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: نزلت في يوم بدر.
__________
(1) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3134، 4338) ومسلم (7149).
(2) أخرجه أبو داود (2648) والنسائي في التفسير من «الكبرى» (6/ 350/ 11203) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (5/ 1670/ 8891) والحاكم (2/ 327) والنحاس في «ناسخه» (ص 146).
من طرق؛ عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري. وإسناده صحيح. كما قال الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2306).

(1/147)


قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا حبيب بن الشهيد، عن الحسن: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: نزلت في أهل بدر.
قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا شعبة، عن الحسن، قال: إنما شدد على أهل بدر.
قال أحمد: وبنا حسين، قال: بنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ قال: يوم بدر.
قلت: لفظ الآية عام، وإن كانت نزلت في قوم بأعيانهم، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره أنها عامة. ثم لهؤلاء فيه قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال: 66]. فليس للمؤمنين أن يفروا عن مثليهم.
قال آخرون: هي محكمة، وهذا هو الصحيح، لأنها محكمة في النهي عن الفرار، فيحمل النهي على ما إذا كان العدو أعلى من عدد المسلمين، وقد ذهب إلى نحو هذا ابن جرير (1).

ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: 33].
[152] (2) - أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا علي بن الحسين. عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ نسختها الآية التي بعدها وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ [الأنفال: 34].
وقد روى مثله عن الحسن وعكرمة، وهذا القول ليس بصحيح؛ لأن النسخ لا يدخل على الأخبار، وهذه الآية بينت أن كون الرسول فيهم منع نزول العذاب بهم، وكون المؤمنين يستغفرون بينهم منع أيضا، والآية التي تليها بينت استحقاقهم العذاب لصدهم عن سبيل الله، غير أن كون الرسول والمؤمنين بينهم منع من تعجيل ذلك، أو عمومه، فالعجيب من مدّعي النسخ.
__________
(1) انظر «تفسيره» (14/ 42) و «صفوة الراسخ» (ص 106 - 107) و «الإيضاح» (ص 295 - 297) و «جمال القراء» (2/ 712).
(2) أخرجه ابن أبي حاتم (5/ 1693/ 9030).

(1/148)


ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال: 61].
اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية على قولين:
الأول: أنهم المشركون، وأنها نسخت بآية السيف، وبعضهم يقول: بقوله:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [التوبة: 29] وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وقتادة في آخرين.
[153] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: ابنا حجاج عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فنسختها قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
[154]- وأخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: ابنا أحمد بن محمّد، قال: ابنا علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها نسختها قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
قال أحمد بن محمد: وابنا موسى بن مسعود، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
والثاني: أنهم أهل الكتاب. وقال مجاهد: بنو قريظة.
[155]- أخبرنا عبد الوهاب، قال: ابنا أبو طاهر قال: ابنا شاذان قال: ابنا عبد الرحيم قال: ابنا إبراهيم قال: ابنا آدم قال: ابنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها يعني: قريظة.
فعلى هذا القول إن قلنا إنها نزلت في ترك حرب أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية وقاموا بشرط الذمة فهي محكمة، وإن قيل: نزلت في موادعتهم على غير
__________
(1) أخرجه البيهقي في «سننه» (9/ 11) وأبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (361).
من طريق: حجاج به.
وإسناده ضعيف؛ لكن له شواهد يصحّ بها، والله أعلم.

(1/149)


جزية توجه النسخ لها بآية الجزية وهي قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (1).

ذكر الآية الخامسة
: قوله تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال: 65].
قال المفسرون: لفظ هذا الكلام لفظ الخبر، ومعناه الأمر والمراد: يقاتلوا مائتين، وكان هذا فرضا في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ [الأنفال: 66] ففرض على الرجل أن يثبت لرجلين فإن زاد جاز له الفرار.
[156] (2) - أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار، قال: ابنا أبو بكر البرقاني، قال: ابنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، قال: أخبرني الحسن، قال: ابنا حيان، قال: ابنا عبد الله، قال: ابنا جرير بن حازم، قال: سمعت الزبير بن الخريت، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزّ وجلّ: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ قال: فرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم، قال: فجهد الناس ذلك وشق عليهم فنزلت الآية الأخرى الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ [الأنفال: 66]، فرض عليهم أن لا يفرّ رجل من رجلين، ولا قوم من مثليهم، ونقص من الصبر بقدر ما خفّف من العدد.
[157] (3) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: ابنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ فنسختها الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ.
[158]- أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال:
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 107) و «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص 149) و «الإيضاح» (ص 300) و «الناسخ والمنسوخ» لعبد القاهر البغدادي (ص 66 - 67) و «جمال القراء» (2/ 714 - 715) و «الجامع لأحكام القرآن» (8/ 39 - 40).
(2) أخرجه البخاري (4653) وأبو داود (2646) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (5/ 1729/ 9141) والبيهقي في «سننه» (9/ 76) وابن المبارك في «الجهاد» (237) وأبو بكر الدينوري في «المجالسة» (6/ 190 - 191/ 2537) والنحاس في «ناسخه» ص 149. من طريق: جرير به.
(3) إسناده ضعيف، والخبر صحيح بما قبله.
أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (358) والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (1/ 250/ 246).
من طريق: حجاج به.

(1/150)


ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: ابنا أحمد بن محمّد، قال: ابنا علي بن الحسين عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ نسخ فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ.
[159]- أخبرنا ابن الحصين، قال: ابنا ابن غيلان قال: ابنا أبو بكر الشافعي، قال: ابنا إسحاق بن الحسن، قال: ابنا أبو حذيفة قال: ابنا سفيان الثوري، عن ليث، عن عطاء: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ قال: كان لا ينبغي لواحد أن يفر من عشرة، فخفف الله عنهم.
[160]- أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: ابنا أبو طاهر الباقلاوي، قال: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا عبد الرحمن بن الحسن قال: ابنا إبراهيم بن الحسين قال: ابنا آدم قال: ابنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان قد جعل على أصحاب محمد يوم بدر على كان رجل منهم قتال عشرة من الكفار، فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل قتال رجلين، فنزل التخفيف من الله عزّ وجلّ فقال: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ.
قال أبو جعفر النحاس (1): وهذا تخفيف لا نسخ، لأن معنى النسخ رفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول، لأنه لم يقل فيه: لا يقاتل الرجل عشرة، بل إن قدر على ذلك فهو الاختيار له. ونظير هذا إفطار الصائم في السفر، لا يقال إنه نسخ الصوم، وإنما هو تخفيف ورخصة، والصيام له أفضل.

ذكر الآية السادسة
: قوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال: 67].
روي عن ابن عباس ومجاهد في آخرين أن هذه الآية منسوخة بقوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمّد: 4].
وليس للنسخ وجه لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قلة، فلما كثروا واشتد سلطانهم نزلت الآية الأخرى، ويبين هذا قوله: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ.
قال أبو جعفر النحاس: ليس هاهنا ناسخ ولا منسوخ، لأنه قال عزّ وجلّ:
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ فلما أثخن في الأرض كان له أسرى (2).
__________
(1) «الناسخ والمنسوخ» (ص 149).
(2) انظر «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص 150) و «الإيضاح» (ص 301 - 302) و «الناسخ والمنسوخ» لعبد القاهر البغدادي (ص 74 - 75) و «جمال القراء» (2/ 716 - 717).

(1/151)


ذكر الآية السابعة
: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا [الأنفال: 72].
قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لا يهاجر لا يرث قريبه المهاجر وذلك معنى قوله: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا.
[161] (1) - أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: ابنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أحمد بن كامل، قال:
حدّثني محمّد بن سعد العوفي، قال: ابنا أبي، قال: حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المؤمنون على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ثلاثة منازل: منهم المؤمن المهاجر المرافق لقومه في الهجرة، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم، وفي قوله: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد فهذان مؤمنان، وكانوا يتوارثون إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر، ثم ألحق كل ذي رحم برحمه.
[162] (2) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: ابنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل بن العباس، قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: ابنا محمّد بن قهزاد قال: ابنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدّثني أبي، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا قال: وكان الأعرابي لا يرث المهاجر، ولا يرثه المهاجر، فنسخها، فقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ الآية [الأنفال: 75].
[163] (3) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: ابنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي قال: ابنا أبو سعيد مولى بني هاشم، قال: ابنا عمر بن
__________
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (5/ 1738/ 9185).
(2) أخرجه أبو داود (2924). وقال الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2537): «حسن صحيح».
(3) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (5/ 1739/ 9190).

(1/152)


فروخ، قال: ابنا حبيب بن الزبير، عن عكرمة: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا قال: لبث الناس برهة، والأعرابي لا يرث المهاجر، والمهاجر لا يرث الأعرابي، حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين فأنزل الله وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.
وقال الحسن: كان الأعرابي لا يرث المهاجر، ولا يرثه المهاجر فنسخها وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.
وقد ذهب قوم إلى أن المراد بقوله: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ولاية النصرة والمودة. قالوا: ثم نسخ هذا بقوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التوبة:
71]، وأما قوله: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ [الأنفال: 72] فقال المفسرون: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأهل العهد.
وذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى أحياء من كفار العرب كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موادعة، فكان إن احتاج إليهم عاونوه، وإن احتاجوا عاونهم فنسخ ذلك بآية السيف (1).