نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي

الباب السادس والأربعون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة الدخان
قوله تعالى: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ [الدخان: 59].
قد ذهب جماعة من المفسرين إلى أنها منسوخة بآية السيف، ولا نرى ذلك صحيحا لأنه لا تنافي بين الآيتين، وارتقاب عذابهم إمّا عند القتل أو عند الموت أو في الآخرة وليس في هذا منسوخ.

... الباب السابع والأربعون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة الجاثية
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الجاثية: 14].
جمهور المفسرين على أنها منسوخة، لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين، واختلفوا في ناسخها على أربعة أقوال:
القول الأول: آية السيف.
[202] (1) - أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: ابنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا ابن شاذان، قال: بنا أحمد بن كامل، قال: بنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ قال: كان نبي الله صلّى الله عليه وسلّم يعرض عن المشركين إذا آذوه، وكانوا يستهزءون به ويكذّبونه، فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة، فكان هذا من المنسوخ.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: نسخت بآية السيف.
[203] (2) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين، قال: ابنا البرمكي، قال: ابنا محمد بن إسماعيل، قال: ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا
__________
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (25/ 86).
(2) أخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (355) والبيهقي (9/ 11).

(1/193)


يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: حدّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ونحو هذا من القرآن مما أمر الله فيه بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5] وقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 29].
[204] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمر، عن قتادة: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.
قال: نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
والقول الثاني: أن ناسخها قوله في الأنفال: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ [الأنفال: 57] وقوله في براءة: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: 36] رواه سعيد عن قتادة.
[205]- أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: بنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة قال: نسختها فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ [الأنفال: 57].
والثالث: قوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 29].
[206]- أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد قال: ابنا أبو داود، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا ابن رجاء، عن همام، عن قتادة: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ثم نسخ فقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
والرابع: قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج: 39] قاله أبو صالح.
ويمكن أن يقال: إنها محكمة، لأنها نزلت على سبب وهو أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر فأرسل عبد الله بن أبي غلامه ليستقي الماء، فأبطأ عليه فلما أتى، قال ما حبسك؟ قال: غلام عمر ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي
__________
(1) أخرجه النحاس في «ناسخه» (ص 219).

(1/194)


وقرب أبي بكر وملأ لمولاه فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل:
«سمّن كلبك يأكلك» فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.

... الباب الثامن والأربعون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة الأحقاف
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: 9].
اختلف المفسرون في هذا على قولين:
القول الأول: أنه راجع إلى الدنيا، ثم لهؤلاء فيه قولان:
الأول: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصّها على أصحابه ثم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله؛ متى نهاجر؟ فسكت، فنزلت هذه الآية، ومعناها: لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا. رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال عطية: ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها.
والثاني: ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي وأقتل كما قتلوا؟ أو لا أدري ما يفعل بكم، أتعذّبون أم تؤجرون، أتصدّقون أم تكذّبون؟ قاله الحسن.
والقول الثاني: أنه راجع إلى الآخرة.
[207]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين، قال: ابنا البرمكي، قال: ابنا محمد بن إسماعيل، ابنا أبو بكر أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: حدّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ فأنزل الله بعدها: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] وقال: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ [الفتح: 5] فأعلمه ما يفعل به وبالمؤمنين.
وممن ذهب إلى نحو هذا أنس وعكرمة وقتادة، وقد زعم قوم أن هذا من

(1/195)


الناسخ والمنسوخ؛ فروى الضحاك عن ابن عباس، قال: نسختها إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الآية [الفتح: 1].
[208]- وأخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين، قال: ابنا البرمكي، قال: ابنا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن قهزاد قال: حدّثني علي بن الحسين بن واقد، قال: حدّثني أبي، وابنا محمد بن أبي منصور، قال: ابنا علي بن أيوب، قال: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ نسختها الآية التي في الفتح، فخرج إلى الناس فبشّرهم بالذي غفر له، وما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال رجل من المؤمنين: هنيئا لك يا نبي الله؛ قد علمنا الآن ما يفعل بك فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله في سورة الأحزاب وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً [الأحزاب: 47] وقال: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [الفتح: 5].
قلت: والقول بنسخها لا يصح لأنه إذا خفي عليه علم شيء ثم أعلم به لم يدخل ذلك في ناسخ ولا منسوخ. وقال النحاس: محال أن يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، ولم يزل يخبر أن من مات على الكفر يخلد في النار، ومن مات على الإيمان فهو في الجنة، فقد درى ما يفعل به وبهم في الآخرة. والصحيح في معنى الآية قول الحسن: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا (1).

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف، ولا يصح له هذا إلا أن يكون المعنى فاصبر عن قتالهم وسياق الآيات يدل على غير ذلك، قال بعض المفسرين: كأنه ضجر من قومه، فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمر بالصبر.
...
__________
(1) انظر «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص 219 - 220) و «صفوة الراسخ» (ص 133) و «جمال القراء» (2/ 831 - 833) و «الإيضاح» لمكي (ص 411 - 412).

(1/196)


الباب التاسع والأربعون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة محمّد صلّى الله عليه وسلّم
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمّد: 4] فيها قولان:

الأول: أنها محكمة
، وأن حكم المنّ والفداء باق لم ينسخ، وهذا مذهب ابن عمر والحسن وابن سيرين ومجاهد، وأحمد والشافعي.

والثاني: أن المنّ والفداء نسخ
بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5]. وهذا مذهب ابن جريج والسدي، وأبي حنيفة (1).
[209]- أخبرنا عبد الوهاب، قال: ابنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا أحمد بن كامل، قال: حدثني محمّد بن سعد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً قال: الفداء منسوخ نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
[210]- أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: بنا ابن السرح قال:
حدثني خالد بن بزار، قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن حجاج بن الحجاج الباهلي، عن قتادة: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً قال: كان أرخص لهم أن يمنوا على من شاءوا ويأخذوا الفداء إذا أثخنوهم، ثم نسخ، فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
[211]- أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً قال: نسخ ذلك في براءة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
__________
(1) انظر «أحكام القرآن» لابن العربي (4/ 131 - 132) و «أحكام القرآن» للكيا الهراسي (4/ 399 - 401) و «المغني» لابن قدامة (10/ 400 - 401) و «الجامع لأحكام القرآن» (16/ 228) و «الإيضاح» لمكي (ص 414) و «صفوة الراسخ» (ص 134 - 135) و «جمال القراء» (2/ 836 - 838) و «زاد المسير» (7/ 397).

(1/197)


قال: أحمد، وبنا عبد الصمد، عن همام، عن قتادة، قال: رخص له أن يمن على من يشاء منهم بأخذ الفداء ثم نسخ ذلك بعد في براءة، فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
قال أحمد: وبنا حجاج، قال: بنا سفيان، قال: سمعت السدي، قال: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً قال: نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1).
قال أحمد وبنا معاوية بن عمرو، قال: ابنا أبو إسحاق، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد أنه قال: هي منسوخة لا يفادون، ولا يرسلون.
قال أحمد: وبنا حجاج قال: بنا شريك، عن سالم، عن سعيد قال: يقتل أسرى الشرك، ولا يفادون حتى يثخن فيهم القتل.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ [محمّد: 36].
زعم بعضهم أنها منسوخة بآية الزكاة، وهذا باطل، لأن المعنى: لا يسألكم جميع أموالكم. قال السدي: إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا.
وزعم بعض المغفلين من نقلة التفسير أنها منسوخة بقوله: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا [محمّد: 37] وهذا ليس معه حديث.

... الباب الخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة ق
قوله تعالى: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق: 45].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تبعث لتجبرهم على الإسلام وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم، قالوا: ونسخ هذا بآية السيف.
...
__________
(1) أخرجه الطبري (26/ 26) وأبو عبيد (393).

(1/198)


الباب الحادي والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ من سورة الذاريات
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19] الحق هاهنا النصيب وفيه قولان:
الأول: أنه ما يصلون به رحما، أو يقرون به ضيفا، أو يحملون به كلا، أو يغنون به محروما، وليس بالزكاة. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
والثاني: أنه الزكاة، قاله، قتادة وابن سيرين.
وقد زعم قوم: أن هذه الآية اقتضت وجوب إعطاء السائل والمحروم، فذلك منسوخ بالزكاة، والظاهر أنها حث على التطوع ولا يتوجه نسخ.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات: 54].
زعم قوم: أنها منسوخة، ثم اختلفوا في ناسخها: فقال بعضهم: آية السيف، وقال بعضهم: إن ناسخها وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.
وهذا قد يخيل أن معنى قوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أعرض عن كلامهم، فلا تكلمهم، وفي هذا بعد. فلو قال: هذا إن المعنى أعرض عن قتالهم صلح نسخها بآية السيف، ويحتمل أن يكون معنى الآية أعرض عن مجادلتهم فقد أوضحت لهم الحجج، وهذا لا ينافي قتالهم.

... الباب الثاني والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة الطور
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور: 31].

(1/199)


قال المفسرون: معناها: انتظروا فيّ ريب المنون فإني منتظر عذابكم، فعذّبوا يوم بدر بالسيف.
وزعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف، وليس بصحيح؛ إذ لا تضاد بين الآيتين.

ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور: 45] في هذا اليوم ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يوم موتهم.
والثاني: يوم النفخة الأولى.
والثالث: يوم القيامة.
وقد زعم بعضهم: أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، وإذا كان معنى ذرهم الوعيد لم يقع نسخ.

ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور: 48].
زعم بعض المفسرين: أن معنى الصبر منسوخ بآية السيف وليس بصحيح، لأنه يجوز أن يصبر لحكم ربه ويقاتلهم، ولا تضاد بين الآيتين.

... الباب الثالث والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة النجم
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ [النجم: 29].
المراد بالذكر هاهنا القرآن، وقد زعموا أن هذه الآية منسوخة بآية السيف.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: 39].
روي عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية منسوخة بقوله: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ [الطور: 21] قال: فأدخل الابن الجنة بصلاح الآباء.

(1/200)


[212] (1) - أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين، قال ابنا البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى قال: فأنزل الله تعالى بعد هذا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ [الطور: 21] فأدخل الله الأبناء بصلاح الآباء الجنة.
قلت: قول من قال: إن هذا نسخ غلط؛ لأن الآيتين خبر، والأخبار لا يدخلها النسخ، ثم إن إلحاق الأبناء بالآباء إدخالهم في حكم الآباء بسبب إيمان الآباء فهم كالبعض تبع الجملة، ذاك ليس لهم إنما فعله الله سبحانه بفضله وهذه الآية تثبت ما للإنسان إلا ما يتفضل به عليه.

... الباب الرابع والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة القمر
قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [القمر: 6].
قال الزجاج: الوقف التام، (فتول عنهم) و (يوم) منصوب بقوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ [القمر: 7].
وقال مقاتل: المعنى: فتول عنهم إلى يوم يدع الداع، وليس هذا بشيء، وقد زعم قوم أن هذا التولي منسوخ بآية السيف، وقد تكلمنا على نظائره وبينا أنه ليس بمنسوخ.

... الباب الخامس والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة المجادلة
قوله تعالى: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً.
__________
(1) أخرجه الطبري (27/ 44) والنحاس (ص 230) وإسناده ضعيف.

(1/201)


[213] (1) - أخبرنا عبد الأول بن عيسى، قال: ابنا ابن المظفر الداوديّ، قال: ابنا عبد الله بن أحمد بن حموية، قال: ابنا إبراهيم بن حريم، قال: بنا عبد بن حميد، قال حدّثني أبي شيبة، قال حدّثني يحيى بن آدم قال حدّثني عبيد الله الأشجعي، عن سفيان بن سعيد، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن سالم بن أبي الجعد، عن علي بن علقمة الأنماري، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة: 12] قال: لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى دينارا» قال: قلت: لا يطيقونه، قال: «فكم».
قلت: شعيرة، قال: «إنك لزهيد»، قال: فنزل أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ [المجادلة: 31] الآية، فبي خفّف الله عزّ وجلّ عن هذه الأمة.
[214] (2) - أخبرنا علي بن أبي عمر، قال: ابنا علي بن أيوب، قال: ابنا أبو
__________
(1) إسناده ضعيف، والحديث صحيح.
أخرجه الترمذي (3300) والنسائي في «خصائص علي» (152) وابن أبي شيبة (12/ 81) وأبو يعلى في «مسنده» (1/ 322/ 400) وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (90) وابن حبان في «صحيحه» (15/ 390 - 391/ 6941، 6942) وابن جرير الطبري في «تفسيره» (28/ 21) وابن عدي في «الكامل» (5/ 1847 - 1848) والعقيلي في «الضعفاء» (3/ 243) والحسكاني في «شواهد التنزيل» (2/ 234 - 235/ 954، 955) وابن المغازلي في «مناقب علي» (372) والنحاس في «ناسخه» (ص 233).
من طريق: عثمان بن المغيرة الأشجعي به.
وإسناده ضعيف لأجل علي بن علقمة؛ قال فيه البخاري: «في حديثه نظر» وقال عنه الحافظ في «التقريب»: «مقبول»! قلت: بل هو مجهول؛ تفرّد بالرواية عنه سالم بن أبي الجعد، وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/ 109): «منكر الحديث؛ ينفرد عن علي بما لا يشبه حديثه. ثم قال: والذي عندي ترك حديثه».
وقال الألباني في «ضعيف سنن الترمذي» (652): «ضعيف الإسناد». قلت: لكن يشهد له الحديث الذي بعده؛ فيرتقي إلى درجة الصحّة، والله أعلم.
(2) إسناده ضعيف، والأثر صحيح.
ليث بن أبي سليم، ضعيف. لكن تابعه منصور عن مجاهد به، كما سيأتي، وهو منقطع بين مجاهد وعلي عليه السلام.
وأخرجه أبو عبيد في «ناسخه» (473). من طريق: ليث، عن مجاهد به.
وأخرجه الحاكم (2/ 481 - 482) وابن أبي شيبة (12/ 81/ 12174) والجصاص في «أحكام القرآن» (3/ 526) والمغازلي في «مناقب علي» (373).
من طريق: جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي به.
وصحّحه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
تنبيه: كنت قد عزوت- في تحقيقي على «الخصائص» (ص 113) - هذه الطريق إلى ابن الجوزي

(1/202)


علي بن شاذان، قال: بنا أحمد بن إسحاق بن سحاب، قال: بنا محمّد بن أحمد بن أبي العوام، قال: بنا سعيد بن سليمان قال: بنا أبو شهاب، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال علي بن أبي طالب: آية في كتاب الله عزّ وجلّ ما عمل بها أحد من الناس غيري آية النجوى، كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تصدّقت بدرهم، فما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي.
[215]- أخبرنا ابن ناصر، قال ابنا ابن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني قال: ابنا أحمد بن محمّد، قال: حدثني علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً نسختها الآية التي تليها: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ.
[216] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال: ابنا ابن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي قال: بنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة: 12] نسختها أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ [المجادلة: 13].
قال أحمد: وبنا عبد الرزاق، قال: بنا ابن عينية، عن سليمان الأحول، عن مجاهد: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ قال: أمر أن لا يناجي أحد منهم النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى يتصدق بين يدي ذلك، وكان أول من تصدق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ورضي الله عنه، فناجاه فلم يناجه أحد غيره، ثم نزلت الرخصة أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ.
قال عبد الرزاق، وبنا معمر، عن قتادة: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار.
[217]- أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: ابنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: ابنا أبو علي بن شاذان، قال: ابنا أحمد بن كامل، قال:
حدّثني محمّد بن سعد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ قال: كان المسلمون
__________
في «نواسخ القرآن» وهذا خطأ، فطريق ابن الجوزي من رواية ليث، عن مجاهد، وليست من رواية منصور عنه، فليصحّح، واللهم غفرا.
(1) أخرجه أبو عبيد (470) من طريق: حجاج به.

(1/203)


يقدمون بين يدي النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا.
قلت: كأنه أشار إلى الآية التي بعدها وفيها فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [الحج: 78] قال المفسرون: نزل قوله: أَأَشْفَقْتُمْ أي خفتم بالصدقة الفاقة وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة: 13] أي تجاوز عنكم وخفف بنسخ إيجاب الصدقة. قال مقاتل بن حيان: إنما كان ذلك عشر ليال. وقد ذكرنا عن قتادة أنه قال: ما كان إلا ساعة من نهار.

... الباب السادس والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة الحشر
قوله تعالى: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ اختلف العلماء في المراد بهذا الفيء على قولين:
الأول: أنه الغنيمة التي يأخذها المسلمون من أموال الكفار عنوة، وكانت في بدء الإسلام للذين سماهم الله هاهنا دون الغالبين الموجفين عليها، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الآية. هذا قول قتادة ويزيد بن رومان في آخرين (1).
[218]- أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد الله، قال:
ابنا بن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا عبد الله بن أحمد، قال:
حدّثني أبي، قال: بنا عبد الصمد، عن همام، عن قتادة ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى [الحشر: 7] الآية، قال: كان الفيء بين هؤلاء فنسختها الآية التي في الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال: 41].
قال أحمد: وبنا معاوية بن عمرو، قال: ابنا أبو إسحاق، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة، قالا: نسخت سورة الأنفال سورة الحشر.
قال أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 137 - 138) و «الإيضاح» (ص 430) و «جمال القراء» (2/ 860 - 865) و «الجامع لأحكام القرآن» (18/ 12 - 13) و «جامع البيان» للطبري (28/ 41).

(1/204)


قالا: كانت الأنفال لله وللرسول، فنسختها: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ.
والثاني: أن هذا الفيء ما أخذ من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، كالصلح والجزية والعشور ومال من مات منهم في دار الإسلام ولا وارث له، فهذا كان يقسم في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسة أخماس فأربعة لرسول الله يفعل بها ما يشاء والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية.
واختلف العلماء فيما يصنع بسهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، فقال قوم:
هو للخليفة بعده، وقال قوم: يصرف في المصالح، فعلى هذا تكون هذه الآية مبينة لحكم الفيء، والتي في الأنفال مبينة لحكم الغنيمة، فلا يتوجه نسخ.
[219]- أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا علي بن الحسين بن أيوب قال: ابنا ابن شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: ابنا أحمد بن محمّد، قال: سمعت علي بن الحسين، يقول: روى لنا الثقة أن عمر بن عبد العزيز، قال: دخلت آية الفيء في آية الغنائم.
قال أحمد بن شبويه هذا أشبه من قول قتادة، وسورة الحشر نزلت بعد الأنفال بسنة فمحال أن ينسخ ما قبل ما بعد.
قال أبو داود: وبنا خشيش بن أصرم، قال: بنا يحيى بن حسان، قال: بنا محمّد بن راشد، قال: بنا ليث بن أبي رقية، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد، أن سبيل الخمس سبيل الفيء.