نواسخ القرآن ناسخ القرآن ومنسوخه ت آل زهوي ... الباب السابع والخمسون باب ذكر ما
ادّعي عليهن النسخ من سورة الممتحنة
ذكر الآية الأولى والثانية
: قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ [الممتحنة: 8] الآية.
وقوله: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ
فِي الدِّينِ [الممتحنة: 9] الآية. زعم قوم أن هذا عام في جميع
الكفار، وأنه منسوخ بآية السيف.
(1/205)
[220] (1) - أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا
ابن أيوب قال: ابنا ابن شاذان قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال:
ابنا أبو داود، قال: بنا محمّد بن عبيد، قال: بنا محمّد بن
ثور، عن معمر، عن قتادة لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ قال نسختها:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
وقال غيره: معنى الآيتين منسوخ بآية السيف.
قال أبو جعفر ابن جرير الطبري: لا وجه لادّعاء النسخ، لأن برّ
المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابة أو غير قرابة غير محرم
إذا لم يكن في ذلك تقوية لهم على الحرب بكراع أو سلاح أو دلالة
لهم على عورة أهل الإسلام. ويدل على ذلك حديث أسماء بنت أبي
بكر رضي الله عنها لما قدمت عليها أمها قتيلة بنت عبد العزى
المدينة بهدايا فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت لها
عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية فأمرها
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها
وتكرمها وتحسن إليها (2).
ذكر الآية الثالثة والرابعة
: قوله تعالى: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ
فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة: 10] الآية.
وقوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى
الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ [الممتحنة: 11] الآية. كان رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم قد صالح مشركي مكة عام الحديبية على أن
من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو
لهم وكتبوا بذلك الكتاب، فجاءت امرأة بعد الفراغ من الكتاب،
وفي تلك المرأة ثلاثة أقوال:
الأول: أم كلثوم بنت عقبة (3).
والثاني: سبيعة بنت الحارث.
والثالث: أميمة بنت بشر.
__________
(1) أخرجه النحاس (ص 237).
(2) أخرجه أحمد (4/ 4) والحاكم (2/ 485 - 486) والبزار (2/
372/ 1874 - كشف الأستار) وابن سعد في «الطبقات» (8/ 252). من
طرق؛ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن عامر بن عبد
الله بن الزبير، عن أبيه رضي الله عنه.
وإسناده ضعيف؛ مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير؛ ليّن
الحديث.
لكن له شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت:
قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله؛ إن أمي قدمت عليّ وهي
راغبة؛ أفأصلها؟ قال: «نعم؛ صليها».
أخرجه البخاري (2620، 3183، 5978) ومسلم (1003) وغيرهما.
(3) أخرجه البخاري (2711، 2712).
(1/206)
فنزلت: فَامْتَحِنُوهُنَّ وفيما كان
يمتحنهن به ثلاثة أقوال:
الأول: الإقرار بالإسلام.
والثاني: الاستحلاف لهن: ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة [عن أرض
ولا التماس] دنيا وما خرجن إلا حبا لله ولرسوله.
والثالث: الشروط المذكورة في قوله: إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ
يُبايِعْنَكَ [الممتحنة: 12] فإذا أقررن بذلك لم يردهن إليهم.
واختلف العلماء، هل دخل رد النساء إليهم في عقد الهدنة لفظا أو
عموما؟
فقالت طائفة: قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة بلفظ صريح فنسخ
الله تعالى ردهن من العقد وأبقاه في الرجال.
وقالت طائفة: لم يشرطه صريحا بل كان ظاهر العموم اشتمال العقد
عليهن مع الرجال، فبين الله عزّ وجلّ خروجهن عن عمومه، وفرق
بينهن وبين الرجال، لأمرين:
الأول: أنهن ذوات فروج تحرمن عليهم.
والثاني: أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا.
فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم، وقال القاضي أبو يعلى:
إنما لم يرد النساء عليهم لأن النسخ جائز بعد التمكن من الفعل،
وإن لم يقع الفعل فأما قوله: وآتوهم، يعني أزواجهن الكفار، ما
أنفقوا، يعني: المهر، وهذا إذا تزوجها مسلم، فإن لم يتزوجها
أحد، فليس لزوجها الكافر شيء، والأجور: المهور وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ
وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ
بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة: 10].
وقد زعم بعضهم: أنه منسوخ بقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة: 5] وليس هذا بشيء، لأن
المراد بالكوافر الوثنيات ثم لو قلنا إنها عامة كانت إباحة
الكتابيات تخصيصا لها لا نسخا كما بينا في قوله: وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ [البقرة: 221] وقوله: وَسْئَلُوا ما
أَنْفَقْتُمْ [الممتحنة: 10] أي: إن لحقت امرأة منكم بأهل
العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا لم
يدفعوها إليكم وَلْيَسْئَلُوا [الممتحنة: 10] يعني المشركين
الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم، من تزوجهن ما
أنفقوا وهو المهر، والمعنى:
عليكم أن تغرموا لهم الصدقات كما يغرمون لكم وَإِنْ فاتَكُمْ
شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ
[الممتحنة: 11] أي: أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم
فَآتُوا
(1/207)
الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما
أَنْفَقُوا [الممتحنة: 11] أي: أعطوا الأزواج من رأس الغنيمة
ما أنفقوا من المهر.
[221]- أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله،
قال: ابنا ابن شاذان قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد
الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن سعيد،
عن قتادة، قال: كن إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم عهد، إلى أصحاب نبي الله فتزوجوهن،
بعثوا بصداقهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم عهد، فإذا فررن من أصحاب رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم إلى كفار ليس بينهم وبين نبي الله صلّى
الله عليه وسلّم عهد، فتزوجوهن فأصاب المسلمون غنيمة أعطى
زوجها من جميع الغنيمة ثم اقتسموا بعد ذلك، ثم نسخ هذا الحكم،
ونبذ إلى كل ذي عهد عهده وأمر بقتال المشركين كافة.
قال أحمد: وبنا أسود بن عامر، قال: بنا إسرائيل، عن المغيرة،
عن إبراهيم في قوله: وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ
وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا [الممتحنة: 10] قال: هؤلاء قوم
كان بينهم وبين المسلمين صلح فإذا خرجت امرأة من المسلمين
إليهم أعطوا زوجها ما أنفق.
قال القاضي أبو يعلى: وهذه الأحكام من أداء المهر وأخذه من
الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق، قد وجب رده على
أهل الحرب منسوخة عند جماعة من أهل العلم، وقد نص أحمد بن حنبل
على هذا، وكذلك قال مقاتل بن سليمان: كل هؤلاء الآيات نسختها
آية السيف (1).
الباب الثامن والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
التغابن
قوله تعالى: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14].
[222]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين، قال:
ابنا
__________
(1) انظر «صفوة الراسخ» (ص 140 - 142) و «الجامع لأحكام
القرآن» (18/ 63 - 69) و «أحكام القرآن» للكيا الهراسي (4/
462) و «المغني» لابن قدامة (7/ 534 - 535) و «جمال القراء»
(2/ 868 - 871) و «الإيضاح» (ص 431 - 435).
(1/208)
البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل، قال:
ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا
عبد الله بن صالح، قال: حدّثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي
طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما وَإِنْ تَعْفُوا
وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا ونحو هذا من القرآن مما أمر الله به
المؤمنين بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك قوله: فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: 5].
قلت: قد روينا عن جماعة من المفسرين منهم ابن عباس رضي الله
عنهما أن سبب نزول هذه الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يهاجر
من مكة إلى المدينة منعته زوجته وولده،
وعلى هذا يمكن أن يكونوا قد آمنوا معه ولكنهم يمنعونه حبا
لإقامته فلا يتوجه نسخ.
... الباب التاسع والخمسون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في
سورة ن
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ
[ن: 44].
زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، وإذا قلنا إنه وعيد
وتهديد فلا نسخ.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [ن: 48].
قال بعضهم معنى الصبر منسوخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائر
هذا فيما سبق.
... الباب الستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة سأل
سائل
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [المعارج: 5].
قال المفسرون: صبرا لا جزع فيه، وزعم قوم منهم ابن زيد أن هذا
كان قبل
(1/209)
الأمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف وقد
تكلمنا على نظائر هذا.
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى
يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [المعارج: 42].
زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، وإذا قلنا: إنه وعيد
بلقاء القيامة فلا وجه للنسخ.
... الباب الحادي والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
المزمل
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ
انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا [المزمل: 2، 3].
قال المفسرون، المعنى: انقص من النصف قليلا أو زد على النصف،
فجعل له سعة في مدة قيامه إذا لم تكن محدودة، فكان يقوم ومعه
طائفة من المؤمنين فشق ذلك عليه وعليهم، وكان يقوم الليل كله
مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب، فنسخ الله ذلك عنه وعنهم
بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ
ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [المزمل: 20] هذا مذهب جماعة من المفسرين.
وقالوا: ليس في القرآن سورة نسخ آخرها أولها سوى هذه السورة.
وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام الليل في حقه بقوله: وَمِنَ
اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء: 79] ونسخ
في حق المؤمنين بالصلوات الخمس وقيل: نسخ عن الأمة وبقي فرضه
عليه أبدا، وقيل إنما كان مفروضا عليه دونهم.
[223] (1) - أخبرنا ابن ناصر، قال: ابنا علي بن أيوب، قال:
ابنا ابن شاذان، قال:
ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود، قال بنا أحمد بن
محمّد، قال: بنا علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن
عكرمة، عن ابن عباس: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نسختها
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: 20].
[224]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين بن
قريش،
__________
(1) أخرجه أبو داود في «سننه» (1304). وحسّنه الألباني في
«صحيح سنن أبي داود» (1156).
(1/210)
قال: ابنا أبو إسحاق البرمكي، قال: ابنا
محمّد بن إسماعيل بن العباسي، قال:
ابنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا زيد بن أخرم، قال: بنا بشر
بن عمر، قال: بنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي
المتوكل، عن جابر بن عبد الله، قال:
كتب علينا قيام الليل فقمنا حتى انتفخت أقدامنا، وكنا في مغزى
لنا فأنزل الله الرخصة عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى
[المزمل: 20] آخر السورة.
قال أبو بكر: وبنا عبد الله بن محمّد بن خلاد، قال: بنا يزيد،
قال: بنا مبارك، عن الحسن، قال: لما نزلت: يا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ
انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: 1 - 4]
كان قيام الليل فريضة، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
سنة. قال الحسن: أما والله ما كلهم قام بها فخفف الله فأنزل
آخر السورة عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى إلى آخر
الآية.
[225] (1) - أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا عمر بن عبيد
الله قال ابنا بن بشران، قال: ابنا إسحاق بن أحمد، قال: ابنا
عبد الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن
سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة
رضي الله عنها، قالت: «كان الله افترض قيام الليل في أول سورة
المزمل، فقام النبي صلّى
الله عليه وسلّم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك
خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا، ثم أنزل الله آية فيها يسر
وتخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة». قال قتادة: نسختها
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ الآية.
قال أحمد: وبنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن
عباس رضي الله عنهما: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ
اللَّيْلَ قال: فلما قدم المدينة نسختها هذه الآية إِنَّ
رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ
اللَّيْلِ الآية (2).
قال أحمد: وبنا عبد الصمد، عن همام، عن قتادة، قال: فرض قيام
الليل في أول سورة المزمل، فقام أصحاب رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء
حولا ثم أنزل الله التخفيف في آخرها، فقال: عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى فنسخ ما كان قبلها.
__________
(1) أخرجه مسلم (746) وأحمد (6/ 54) وأبو داود (1342، 1349،
1352) والترمذي (445) والنسائي في «المجتبى» (3/ 60 - 61، 199
- 201، 220، 221، 240، 241، 242) وفي «الكبرى» (1/ 443/ 1411،
1414) و (6/ 500/ 11627) وابن ماجة (1191، 1348) وغيرهم.
(2) أخرجه أبو عبيد (467).
(1/211)
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ
هَجْراً جَمِيلًا [المزمل: 10].
قال المفسرون: واصبر على ما يقولون من تكذيبهم إياك وأذاهم لك
وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا لا جزع فيه وهذه منسوخة عندهم
بآية السيف، وهو مذهب قتادة وعلى ما بينا من تفسيرها يمكن أن
تكون محكمة.
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ
وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11].
زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف، وليس بصحيح، لأن
قوله ذَرْنِي وعيد، وأمره بإمهالهم ليس على الإطلاق، بل أمره
بإمهالهم إلى حين يؤمر بقتالهم فذهب زمان الإمهال، فأين وجه
النسخ؟
ذكر الآية الرابعة
: قوله تعالى: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا
[المزمل: 19].
زعم بعض من لا فهم له أنها نسخت بقوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] وليس هذا بكلام من يدري ما
يقول، لأن الآية الأولى أثبتت للإنسان مشيئته، والآية الثانية
أثبتت أنه لا يشاء حتى يشاء الله، فكيف يتصور النسخ؟
... الباب الثاني والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
المدثر
قوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: 11].
هذه نزلت في الوليد بن المغيرة (1) والمعنى: خلّ بيني وبينه
فإني أتولى هلاكه.
وقد زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف وهذا باطل من وجهين.
الأول: أنه إذا ثبت أنه وعيد فلا وجه للنسخ، وقد تكلمنا على
نظائرها فيما سبق.
__________
(1) انظر «المستدرك» (2/ 506).
(1/212)
والثاني: أن هذه السورة مكية وآية السيف
مدنية، والوليد هلك بمكة قبل نزول آية السيف.
... الباب الثالث والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
(هل أتى)
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ
مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً [الإنسان: 8].
زعم بعضهم أن هذه تضمنت المدح على إطعام الأسير المشرك، قال:
وهذا منسوخ بآية السيف.
[226]- أخبرنا المبارك بن علي، قال: ابنا أحمد بن الحسين قال:
ابنا البرمكي، قال: ابنا محمّد بن إسماعيل، قال: ابنا أبو بكر
بن أبي داود، قال: ابنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا يحيى بن
بكير، قال: حدّثني ابن لهيعة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير:
وَأَسِيراً قال: يعني من المشركين، نسخ السيف الأسير من
المشركين.
قلت: إنما أشار إلى أن الأسير يقتل ولا يفادى، فأما إطعامه
ففيه ثواب بالإجماع لقوله عليه الصلاة والسلام: «في كل كبد حرى
أجر» (1). والآية محمولة على التطوع بالإطعام فأما الفرض فلا
يجوز صرفه إلى الكفار.
__________
(1) أخرجه أحمد (4/ 175) وابن ماجة (3686) والبيهقي (4/ 186)
والحاكم (3/ 619) والطبراني في «الكبير» (7/ رقم: 6600)
والحميدي (2/ 401/ 902).
من طريق: الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك بن جعشم، عن
أبيه، عن عمه سراقة بن مالك قال: سألت رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطتها من الإبل،
هل لي من أجر في شأن ما أسقيها؟ قال: «نعم؛ في كل ذات كبد حراء
أجر».
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2/ 299/ 542) من طريق: ابن شهاب،
عن محمود بن الربيع؛ عن سراقة به.
وأخرجه أحمد (4/ 175) وعبد الرزاق في «مصنفه» (19692) والبيهقي
(4/ 186) والطبراني في «الكبير» (7/ رقم: 6587). من طريق:
معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن سراقة.
وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (112) من طريق: سفيان، عن
الزهري، عن ابن سراقة أو غيره، عن سراقة.
والحديث صحيح؛ انظر «الصحيحة» (2152).
(1/213)
ذكر الآية الثانية
: قوله تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الإنسان: 24].
زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف، وقد تكلمنا على نظائرها،
وبينا عدم النسخ.
ذكر الآية الثالثة
: قوله تعالى: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا
[الإنسان: 29].
قال بعضهم، نسخت بقوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ
اللَّهُ [الإنسان: 30] وقال: وكذلك قوله في:
عبس قال تعالى: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ [عبس: 12] قال: وكذلك في
سورة:
التكوير قال تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ
[التكوير: 28] وقد رددنا هذا في سورة المزمل.
الباب الرابع والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
الطارق
ذكر الآية الأولى
: قوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً
[الطارق: 17].
زعم بعضهم أنه منسوخ بآية السيف، وإذا قلنا أنه وعيد فلا نسخ.
... الباب الخامس والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
الغاشية
قوله تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22].
[227]- أخبرنا محمّد بن ناصر، قال: ابنا علي بن أيوب، قال:
ابنا ابن
(1/214)
شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: بنا
أبو داود، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: حدّثت عن معاوية بن
صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لَسْتَ
عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ قال: نسخ ذلك فقال: فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
قلت: وقد قال بعض المفسرين في معناها: لست عليهم بمسلط فتكرههم
على الإيمان، فعلى هذا لا نسخ.
... الباب السادس والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
التين
قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ [التين:
8].
زعم بعضهم: أنه نسخ معناها بآية السيف لأنه ظن أن معناها: دعهم
وخل عنهم، وليس الأمر كما ظن، فلا وجه للنسخ.
... الباب السابع والستون باب ذكر ما ادّعي عليه النسخ في سورة
الكافرين
قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 6].
قال كثير من المفسرين: هو منسوخ بآية السيف، وإنما يصح هذا إذا
كان المعنى، قد أقررتم على دينكم وإذا لم يكن هذا مفهوم الآية
بعد النسخ.
... آخر الكتاب، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمّد
النبي وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا (1).
__________
(1) وكان الفراغ من تحقيقه والتعليق عليه ليلة السابع من شهر
شوال، عام إحدى وعشرين وأربعمائة وألف.
(1/215)
|