ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن

وَمن سُورَة بَرَاءَة
التَّوْبَة

{إِلَّا وَلَا ذمَّة} فالإل: الله - عز وَجل، والذمة: الْعَهْد. {وليجة} الوليجة: الرجل يدْخل على الْمُؤمنِينَ، فَيَقُول: أَنا مِنْكُم، وَيدخل على الْمُنَافِقين وَيَقُول: أَنا مِنْكُم، وَيدخل على الْيَهُود فيسهل عَلَيْهِم أَمر الْيَهُودِيَّة، وَجمعه: ولائج.

(1/241)


{بِمَا رَحبَتْ} أَي: اتسعت، يُقَال مِنْهُ: فعل يفعل فعلا. {الشقة} السفرة الْبَعِيدَة الشاقة. {إِلَّا خبالا} أَي: إِلَّا فَسَادًا. {ولأوضعوا} : ولأسرعوا إِلَى الْهَرَب.

(1/242)


{خلالكم} أَي: مَا تفرق من الْجَمَاعَة لطلب الْخلْوَة للفرار. {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} قَالَ: يَعْنِي: الجواسيس. {إِلَّا مَا كتب الله لنا} مَعْنَاهُ: إِلَّا مَا كتب الله علينا. {من يَلْمِزك} أَي: يعيبك.

(1/243)


{وهم يجمحون} [6 / ب] أَي: وهم يَمْشُونَ بالعجلة فِي جَانب. {أَنه من يحادد الله وَرَسُوله} أَي: يخالفهما. {والمؤتفكات} : المتقلبات بالخسف والزلازل. {وَمَا نقموا} أَي: وَمَا أَنْكَرُوا. {أولُوا الطول} أَي: أولو الْغنى وَالْمَال الْكثير.

(1/244)


{رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} أَي: مَعَ النِّسَاء. {المعذرون} قَالَ: المعذرون المقصرون، والمعذرون: الَّذين لَهُم عذر. قَالَ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " لعن الله المعذرين، ورحم الله المعتذرين ".

(1/245)


(صفحة فارغة)

(1/246)


{مَرَدُوا على النِّفَاق} أَي: تطاولوا على النِّفَاق. {وَآخَرُونَ مرجون} أَي: مؤخرون. {وَإِرْصَادًا} أَي: إعدادا. {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} قَالَ ابْن الْأَعرَابِي:

(1/247)


يُقَال: لَيْسَ فِي الْكِرَام أكْرم مِمَّن يَشْتَرِي من عَبده مَا وهبه لَهُ، وَالله - عز وَجل - أكْرم الأكرمين، اشْترى من عبيده أنفسهم، وأنفسهم ملكه دونهم وَاشْترى مِنْهُم أَمْوَالهم، وَهِي مِنْهُ نعم عَلَيْهِم، فَهَذِهِ صفة من الْكَرم لَا يقدر عَلَيْهَا أحد غَيره - جلّ وَعز.
أَواه أَي: تواب. {حَلِيم} أَي: وقور.

(1/248)


{وظنوا} : تيقنوا - هَاهُنَا.

(1/249)


(صفحة فارغة)

(1/250)


وَمن سُورَة يُونُس - عَلَيْهِ السَّلَام
{أَن أبدله} أخبرنَا أَبُو عمر قَالَ: أخبرنَا ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء - قَالَ: يُقَال أبدلت الْخَاتم بالحلقة، إِذا نحيت هَذَا وَجعلت هَذِه مَكَانَهُ، وبدلت الْخَاتم بالحلقة، إِذا أذبته وَجَعَلته حَلقَة، وبدلت الْحلقَة بالخاتم، إِذا أذبتها وجعلتها خَاتمًا. قَالَ ثَعْلَب: وَحَقِيقَة أَن " بدلت " إِذا غيرت الصُّورَة إِلَى صُورَة غَيرهَا، والجوهرة بِعَينهَا، و " أبدلت " إِذا نحيت الْجَوْهَرَة،

(1/251)


وَجعلت مَكَانهَا جَوْهَرَة أُخْرَى، قَالَ: وَمِنْه قَول الْقَائِل: نحى السديس وانتحى للمعدل عزل الْأَمِير لِلْأَمْرِ الْمُبدل وَقَالَ: أَلا ترى انه قد نحى جسما، وَجعل مَكَانَهُ جسما غَيره؟

(1/252)


قَالَ أَبُو عمر: فعرضت الْكَلَام على مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ فِيهِ: قد بقيت فِيهِ فاصلة أُخْرَى على احْمَد ابْن يحيى، قلت: وَمَا هِيَ، أعزّك الله؟ قَالَ: بَقِي أَن الْعَرَب قد جعلت " بدلت " بِمَعْنى [7 / أ] " أبدلت " وَهُوَ قَوْله - عز وَجل: {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} أَلا ترى أَنه - تبَارك وَتَعَالَى - قد أَزَال السَّيِّئَات، وَجعل مَكَانهَا حَسَنَات؟ قَالَ: وَأما شَرط لَك أَحْمد بن يحيى فَهُوَ بِمَعْنى قَوْله - عز وَجل: {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا} قَالَ: فَهَذِهِ هِيَ الْجَوْهَرَة،

(1/253)


وتبديلها تَغْيِير صورتهَا الى غَيرهَا، لِأَنَّهَا كَانَت ناعمة، فاسودت بِالْعَذَابِ، فَردَّتْ صُورَة جُلُودهمْ الأولى لما نَضِجَتْ تِلْكَ الصُّورَة، فالجوهرة وَاحِدَة، وَالصُّورَة مُخْتَلفَة. {فقد لَبِثت} أَي: فقد أَقمت، وَيُقَال مِنْهُ: فعل يفعل فعالا ووفعلا وفعالة. وَقَوله - عز وَجل: {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم برِيح طيبَة} قَالَ ثَعْلَب والمبرد: خرج من المخاطبة إِلَى الْإِخْبَار، فالمخاطبة {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك} . {وجرين بهم} : إِخْبَار.

(1/254)


{وَلَا يرهق وُجُوههم قتر وَلَا ذلة} يرهق: يغشى، والقتر: الْغُبَار، والذلة: الذل، فَهَذِهِ من صفة الْكفَّار، وَقد عدلت هَذِه الصّفة عَن الْمُؤمنِينَ، فوجوههم نَضرة. {هُنَالك تبلو كل نفس} أَي: تختبر، و {تتلوا} تقْرَأ.

(1/255)


{ويستنبئونك أَحَق هُوَ} أَي: يستخبرونك. {قل إِي وربي} أَي: نعم. {إِذْ تفيضون فِيهِ} أَي: إِذْ تأخذون فِي حَدِيثه وَأمره. {وَمَا يعزب} أَي: وَمَا يغرب: أَي وَمَا يبعد. {يخرصون} أَي: يكذبُون.

(1/256)


و {الْكِبْرِيَاء} أَي: العظمة، وَالْغَلَبَة. {فاليوم} : وَاحِد الْأَيَّام. {ننجيك ببدنك} ننجيك من النجَاة، ببدنك، أَي: بجسمك، وننجيك من: النجوة، وَهِي: الدكة. ببدنك، أَي: بدرعك. قَالَ أَبُو عبد الله: وَذَلِكَ أَن بني إِسْرَائِيل شكوا فِي غرق فِرْعَوْن، فَأمر الله الْبَحْر أَن يقذفه على دكة فِي الْبَحْر بِبدنِهِ، أَي:

(1/257)


بدرعه، وَكَانَت من لُؤْلُؤ منظوم، فَلَمَّا قذفه الْبَحْر رَأَتْهُ بَنو إِسْرَائِيل، فَقَالُوا: نعم يَا مُوسَى، هَذَا فِرْعَوْن قد غرق، فَخرج الشَّك من قُلُوبهم، وابتلع الْبَحْر فِرْعَوْن كَمَا كَانَ. قَالَ أَبُو عمر: سَمِعت الْإِمَامَيْنِ ثعلبا والمبرد يَقُولَانِ: معنى {فَإِن كنت فِي شكّ} أَي: قل يَا مُحَمَّد للْكَافِرِ: فَإِن كنت فِي شكّ من الْقُرْآن فاسأل من اسْلَمْ من الْيَهُود، الَّذين يقرءُون الْكتاب من

(1/258)


قبلك، أَي: يَا عَابِد [7 / ب] الوثن، إِن كنت فِي شكّ من الْقرَان فاسأل من أسلم من الْيَهُود - يَعْنِي: عبد الله بن سَلام، وَأَمْثَاله - لِأَن عَبدة الْأَوْثَان كَانُوا يقرونَ للْيَهُود أَنهم أعلم مِنْهُم، من أجل أَنهم أَصْحَاب كتاب، فَدَعَاهُمْ الرَّسُول - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى أَن يسْأَلُوا من يقرونَ بِأَنَّهُم أعلم مِنْهُم: هَل بعث الله رَسُولا من بعد مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام؟

(1/259)


(صفحة فارغة)

(1/260)


وَمن سُورَة هود - عَلَيْهِ السَّلَام
{إِنَّهُ لَيَؤسٌ كَفُورٌ} أَي: آيس من الرَّحْمَة، كفور، أَي: كفور للنعم. {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه ويتلوه شَاهد مِنْهُ وَمن قبله كتاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة} فَالْبَيِّنَة يَعْنِي: الْقُرْآن، وَالشَّاهِد:

(1/261)


الْإِنْجِيل {وَمن قبله} أَي: من قبل الْإِنْجِيل {كتاب مُوسَى} - صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى الْأَنْبِيَاء وَسلم - أَي: التَّوْرَاة. قَالَ ثَعْلَب: وَمَعْنَاهُ: إِن شَكَكْتُمْ فِي الْقُرْآن وَفِي الْإِنْجِيل - فانظروا فِي التَّوْرَاة، فَإِنَّكُم تجدونني بصفتي وبرسالتي وبصدق مَا قلت. قَالَ ثَعْلَب: لِأَنَّهُ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَعْرُوف فِي التَّوْرَاة، ومعروف فِي الْإِنْجِيل. {وأخبتوا إِلَى رَبهم} أَي: تضرعوا إِلَى رَبهم.

(1/262)


وَأما قَوْله: {وَبشر المخبتين} أَي: بشر الْمُؤمنِينَ المتواضعين لله - جلّ وَعز. والإخبات: التضرع فِي وَقت، والإخبات: التَّوَاضُع لله - عز وَجل - فِي كل وَقت. {بَادِي الرَّأْي} من همز {بَادِىءَ الرَّأي} أَرَادَ: فِي ابْتِدَاء الرَّأْي. وَمن قَرَأَ {بَادِي الرَّأْي} وَلم يهمز {بَادِىء} أَرَادَ: فِي ظَاهر الرَّأْي، فَبَدَأَ - مهموزا -: ابْتَدَأَ، وبدا - غير مَهْمُوز -: ظهر.

(1/263)


وَقد يَأْتِي " بَادِي " غير مَهْمُوز، بِمَعْنى: الِابْتِدَاء، وَلم يَأْتِ " باديء " مهموزا - بِمَعْنى: ظهر. {تزدري} أَي: تحتقر. {يعصمني} أَي: يَمْنعنِي. {وغيض المَاء} أَي: نقص. {واعْتَراك} أَي: مسك، يُقَال: عراه واعتراه: إِذا أَتَاهُ.

(1/264)


{عنيد} العنيد: الْمعَارض للحق بِالْبَاطِلِ. {أَلا بعدا لعاد قوم هود} قَالَ: الْبعد: الْهَلَاك، والتباعد من الْخَيْر، يُقَال: بعد يبعد بعدا: إِذا تَأَخّر وتباعد، وَبعد يبعد بعدا: إِذا هلك. {غير تخسير} أَي: غير إبعاد من الْخَيْر، والتخسير لَهُم، لَا لَهُ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَأَنَّهُ قَالَ: غير تخسير لكم، أَي: غير إبعاد من الْخَيْر لكم [8 / أ] لَا لي. {بعجل حنيذ} اخْتلف النَّاس، فَقَالُوا: الحنيذ: المشوي

(1/265)


الكبيس، وَقَالَت طَائِفَة: الحنيذ: يكون السمين مشويا كبيسا وَغير كبيس. {فَضَحكت} اخْتلف النَّاس فِيهِ، ووسمعت أَبَا مُوسَى يسْأَل ثعلبا - قَالَ: جَاءَ فِي الْخَبَر: فَضَحكت: أَي حَاضَت، فَقَالَ ثَعْلَب: نسلم للتفسير كَمَا جَاءَ، وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب: ضحِكت إِلَّا من الضحك، الَّذِي هُوَ ضد الْبكاء، وَإِنَّمَا ضحِكت

(1/266)


تَعَجبا من الْغُلَام بعد الْكبر، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: فَأَنت أنشدتنا: تضحك الضبع لقتلى هُذَيْل قَالَ: تضحك - هَاهُنَا - تكشر، وَيُقَال للضاحك: قد كشر، قَالَ: وَذَلِكَ أَن الذِّئْب يُنَازع الضبع على الْقَتِيل، فتكشر الضبع فِي

(1/267)


وَجهه تهددا ووعيدا، فيتركها ويمر. {منيب} : تائب، يُقَال أناب وَتَابَ - عِنْدِي - وَاحِد. {عَصِيبٌ} أَي: شَدِيد

(1/268)


{يُهْرَعُونَ} أَي: يسرعون فِي فزع. {بِقِطْعٍ مِنَ الَّيْلِ} أَي: بساعة من اللَّيْل. {إِلَّا امْرَأَتَكَ} خرج من النَّهْي إِلَى الْإِخْبَار، وَمَعْنَاهُ: إِلَّا امْرَأَتك: فَإِنَّهَا تلْتَفت، وَالنّصب لَيْسَ فِيهِ عمل. {وَلَا تعثوا} قَالَ: العثو: أَشد الْفساد، يُقَال: عثا يعثو،

(1/269)


وعاث يعيث. {لَا يجرمنكم} اخْتلف النَّاس، فَقَالَت طَائِفَة: لَا يحملنكم، وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى: لَا يكسبنكم. {وَدُودٌ} متحبب إِلَى عباده بنعمه وإحسانه. {غَيْرَ تَتْبِيبٍ} قَالَ: التبيب: التخسير والهلاك لكم لَا

(1/270)


لي. {غَيْرَ مَجْذُوذ} أَي: غير مَقْطُوع. {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْل} قَالَ: الزلف: السَّاعَات، وَاحِدهَا: زلفة، وَقَالَ قوم: الزلفة: أول سَاعَة من اللَّيْل بعد مغيب الشَّمْس. {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقّ} قَالَ: فِي هَذِه: يَعْنِي: الدُّنْيَا،

(1/271)


وَقَالَ قوم: فِي هَذِه السُّورَة. قَالَ ثَعْلَب: وَالْعَمَل على الأول، لِأَن فِي كل سُورَة قد جَاءَ الْحق.

(1/272)


وَمن سُورَة يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام
{وشروه بِثمن بخس} أَي: باعوه، والبخس: النَّقْص، قَالَ مُجَاهِد: كَانَ الثّمن عشْرين درهما. {هيت لَك} أَي: تعال وَأَقْبل. {قد شغفها حبا} أَي: قد بلغ حبه إِلَى شغَاف قَلبهَا، وَهُوَ

(1/273)


حجاب الْقلب [8 / ب] وَمن قرا: {شَعَفَهَا} فَمَعْنَاه: أحرق حبه قَلبهَا، وعَلى الأول الْعَمَل. {فيسقي ربه} أَي: مَالِكه ومولاه. {وَقَالَ للَّذي ظن أَنه} أَي: تَيَقّن أَنه نَاجٍ مِنْهُمَا.

(1/274)


{اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} أَي: عِنْد مَوْلَاك ومالكك. {وَقَالَ لفتيانه} أَي: لِغِلْمَانِهِ ومماليكه، وَمن قَرَأَ {لفتيانه} أَي: لحشمه الْأَحْرَار من حوارييه، وَمِنْه قَوْله:

(1/275)


{إِنَّهُم فتية آمنُوا برَبهمْ} لأَنهم كَانُوا أحرارا. {إِلَّا حَاجَة فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا} ، قَالَ: الْحَاجة: خَافَ عَلَيْهِم الْعين. و {كَذَلِك كدنا ليوسف} أَي: دبرنا لَهُ؛ قَالَ وَذَلِكَ أَن السّنة كَانَت أَيَّام الْعَزِيز - من سرق أَخذ بسرقته وَملك. {حَتَّى تكون حرضا} قَالَ: الحرض، الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ عِنْد

(1/276)


الْعَرَب من كل شَيْء. {من الهالكين} أَي: من الميتين. {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم} أَي: لَا توبيخ. {لَوْلَا أَن تفندون} أَي: لَوْلَا تضعفون رَأْيِي. {وكأين من آيَة} مَعْنَاهُ: وَكم من آيَة.

(1/277)


(صفحة فارغة)

(1/278)