الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة الفتح
تسع وعشرون آية مدنية
وقال ابن عطية: المراد هنا: أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك علامة
لغفرانه لك، فكأنها صيرورة.
ورد بأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها، ولو جاز بحال لجاز:
ليقوم زيد، في معنى: ليقومّن زيد. انتهى. أما الكسر، فقد علل
بأنه شبهت تشبيهاً بلام كي، وأما النصب فله أن يقول: ليس هذا
نصباً، لكنها الحركة التي تكون مع وجود النون، بقيت بعد حذفها
دلالة على الحذف، وبعد هذا، فهذا القول ليس بشيء، إذ لا يحفظ
من لسانهم: والله ليقوم، ولا بالله ليخرج زيد، بكسر اللام وحذف
النون، وبقاء الفعل مفتوحاً.
ليدخل: هذه اللام تتعلق، قيل: بإنا فتحنا لك. وقيل: بقوله:
{ليزدادوا} . فإن قيل: {ويعذب} عطف عليه.
{ويكفر} : معطوف على ليدخل.
المفعول محذوف، أي إنما يبايعونك لله.
وقرأ الجمهور: أو يسلمون، مرفوعاً؛ وأبي، وزيد بن علي: بحذف
النون منصوباً بإضمار أن في قول الجمهور من البصريين غير
الجرمي، وبها في قول الجرمي والكسائي، وبالخلاف في قول الفراء
وبعض الكوفيين. فعلى قول النصب بإضمار أن هو عطف مصدر مقدر على
مصدر متوهم، أي يكون قتال أو إسلام، أي أحد هذين، ومثله في
النصب قول امرىء القيس:
فقلت له لا تبك عيناً إنمانحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
والرفع على العطف على تقاتلونهم، أو على القطع، أي أو هم
يسلمون دون قتال..
وتحت، يحتمل أن يكون معمولاً ليبايعونك، أو حالاً من المفعول.
وجوز الزمخشري في: وأخرى {يُبَايِعُونَكَ
إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ
وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ
أَجْراً عَظِيماً * سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ
الأٌّعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَلُنَا وَأَهْلُونَا
فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ
فِى قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ
شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ
نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ
ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ
إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ
وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً * وَمَن
لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا
لِلْكَفِرِينَ سَعِيراً * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَتِ
وَالأٌّرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * سَيَقُولُ
الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ
لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن
يُبَدِّلُواْ كَلَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا
كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
* قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأٌّعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى
قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَتِلُونَهُمْ أَوْ
يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً
حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً * لَّيْسَ عَلَى الأٌّعْمَى
حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأٌّعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ
حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّتٍ تَجْرِى
مِن تَحْتِهَا الأٌّنْهَرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ
عَذَاباً أَلِيماً * لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ
كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً *
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا
فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنْكُمْ
وَلِتَكُونَءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَطاً
مُّسْتَقِيماً * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ
أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ
قَدِيراً * وَلَوْ قَتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ
الأٌّدْبَرَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً *
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً * وَهُوَ الَّذِى كَفَّ
أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ
مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ
وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ
مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ
مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن
تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ
عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ
تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ
عَذَاباً أَلِيماً * إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ} ، أن تكون مجرورة
بإضمار رب، وهذا فيه غرابة، لأن رب لم تأت في القرآن جارة، مع
كثرة ورود ذلك في كلام العرب، فكيف يؤتى بها مضمرة؟ وإنما يظهر
أن {وأخرى} مرفوع بالابتداء، فقد وصفت
بالجملة بعدها، وقد أحاط هو الخبر. ويجوز
أن تكون في موضع نصب بمضمر يفسره معنى {قد أحاط الله بها} : أي
وقضى الله أخرى.
{
سنة الله} : في موضع المصدر المؤكد لمضمون الجملة قبله، أي سن
الله عليه أنبياءه سنة.
والهدي، بكسر الدال وتشديد الياء، وهما لغتان، وهو معطوف على
الضمير في صدّوكم؛ ومعكوفاً: حال، أي محبوساً.
وقرأ الجعفي، عن أبي عمرو: والهدي، بالجر معطوفاً على المسجد
الحرام: أي وعن نحر الهدي. وقرأ: بالرفع على إضمار وصد الهدي.
يحتمل أن يتعلق بالصد، أي وصدوا الهدى، وذلك على أن يكون بدل
اشتمال، أي وصدوا بلوغ الهدي محله، أو على أنه مفعول من أجله،
أي كراهة أن يبلغ محله. ويحتمل أن يتعلق بمعكوفاً، أي محبوساً
لأجل أن يبلغ محله، فيكون مفعولاً من أجله.
وأن تطؤهم {الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ} :
بدل اشتمال من رجال وما بعده. وقيل: بدل من الضمير في
{تعلموهم} .
{إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية} : إذ
معمول لعذبنا، أو لو صدوكم، أو لا ذكر مضمرة.
وصدق يتعدى إلى اثنين، الثاني بنفسه وبحرف
الجر. تقول: صدقت زيداً الحديث، وصدقته في الحديث؛ وقد عدها
بعضهم في أخوات استغفر وأمر. وقال الزمخشري: فحذف الجار وأوصل
الفعل لقوله تعالى: صدقوا ما عاهدوا الله عليه {عَلِيماً *
لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ
اللَّهُءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ
لاَ تَخَفُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن
دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً * هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً * مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَهُمْ فِى
وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى
التَّوْرَاةِ} . انتهى. فدل كلامه على أن أصله حرف الجر.
وبالحق متعلق بمحذوف، أي صدقاً ملتبساً بالحق. {لتدخلن} :
اللام جواب قسم محذوف، ويبعد قول من جعله جواب بالحق؛ وبالحق
قسم لا تعلق له بصدق، وتعليقه على المشيئة.
و {آمنين} : حال مقارنة للدخول. ومحلقين ومقصرين: حال مقدرة.
والظاهر أن قوله: {محمد رسول الله} مبتدأ وخبر. وقيل: رسوله
الله صفة. وقال الزمخشري: عطف بيان، {والذين} معطوف، والخبر
عنه وعنهم أشداء. وأجاز الزمخشري أن يكون محمد خبر مبتدأ
محذوف، أي هو محمد، لتقدم قوله: {هو الذي أرسل رسوله} . وقرأ
ابن عامر في رواية: رسوله الله بالنصب على المدح.
وقرأ الحسن: أشداء رحماء بنصبهما. قيل: على المدح، وقيل: على
الحال، والعامل فيهما العامل في معه، ويكون الخبر عن المتبدأ
المتقدم: تراهم.
وكزرع: خبر مبتدأ محذوف، أي مثلهم كزرع، أو
هم كزرع. وقال الضحاك: المعنى ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة
وتم الكلام، ثم ابتدأ ومثلهم في الإنجيل كزرع، فعلى هذا يكون
كزرع خبر ومثلهم.
سورة الحجرات
ثماني عشرة آية مدنية
وقرأ الجمهور: لا تقدموا، فاحتمل أن يكون متعدياً، وحذف مفعوله
ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم.
واحتمل أن يكون لازماً بمعنى تقدم، كما تقول: وجه بمعنى توجه،
ويكون المحذوف مما يوصل إليه بحرف، أي لا تتقدّموا في شيء مّا
من الأشياء.
{وأن تحبط} مفعول له، والعامل فيه ولا تجهروا، على مذهب
البصريين في الاختيار، ولا ترفعوا على مذهب الكوفيين في
الاختيار.
وجاءت في هذه الآية إن مؤكدة لمضمون الجملة، وجعل خبرها جملة
من اسم الإشارة الدال على التفخيم والمعرفة بعده.
وقد أثبت أصحابنا في معاني من أنها تكون لابتداء الغاية
وانتهائها في فعل واحد، وأن الشيء الواحد يكون محلاً لهما.
وتأولوا ذلك على سيبويه وقالوا من ذلك قولهم: أخذت الدرهم من
زيد، فزيد محل لابتداء الأخذ منه وانتهائه معاً. قالوا: فمن
تكون لابتداء الغاية فقط في أكثر المواضع، وفي بعض المواضع
لابتداء الغاية وانتهائها معاً.
قال الزمخشري: أنهم صبروا {تَشْعُرُونَ *
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَتَهُمْ عِندَ رَسُولِ
اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إَنَّ
الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَتِ أَكْثَرُهُمْ
لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ
إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ} في موضع الرفع على الفاعلية، لأن المعنى: ولو ثبت
صبرهم. انتهى، وهذا ليس مذهب سيبويه، أن أن وما بعدها بعد لو
في موضع مبتدأ، لا في موضع فاعل. ومذهب المبرد أنها في موضع
فاعل بفعل محذوف، كما زعم الزمخشري. واسم كان ضمير يعود على
المصدر المفهوم من صبروا، أي لكان هو، أي صبرهم خيراً لهم.
وقال الزمخشري: في كان، إما ضمير فاعل الفعل المضمر بعد لو.
انتهى، لأنه قدر أن وما بعدها فاعل بفعل مضمر، فأعاد الضمير
على ذلك الفاعل، وهو الصبر المنسبك من أن ومعمولها.
{أن تصيبوا} : مفعول له، أي كراهة أن يصيبوا، أو لئلا تصيبوا،
{بجهالة} حال.
والجملة المصدرة بلو لا تكون كلاماً مستأنفاً لأدائه إلى تنافر
النظم، ولكن متصلاً بما قبله حالاً من أحد الضميرين في فيكم
المستتر المرفوع، أو البارز المجرور، وكلاهما مذهب سديد.
ولا بعد أن تكون الجملة المصدرة بلو مستأنفة لا حالاً، فلا
تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب.
فضلاً من الله ونعمة {يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ
صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً
لَّهُمْ} ، قال ابن عطية: مصدر مؤكد لنفسه، لأن ما قبله هو
بمعناه، هذ التحبيب والتزيين هو نفس الفضل. وقال الحوفي: فضلاً
نصب على الحال. انتهى، ولا يظهر هذا الذي قاله. وقال أبو
البقاء: مفعول له، أو مصدر في معنى ما تقدم. وقال الزمخشري:
فضلاً مفعول له، أو مصدر من غير فعله.
وانتصب ميتاً على الحال من لحم، وأجاز
الزمخشري أن ينتصب عن الأخ، وهو ضعيف، لأن المجرور بالإضافة لا
يجيء الحال منه إلا إذا كان له موضع من الإعراب، نحو: أعجبني
ركوب الفرس مسرجاً، وقيام زيد مسرعاً. فالفرس في موضع نصب،
وزيد في موضع رفع. وقد أجاز بعض أصحابنا أنه إذا كان الأول جزأ
أو كالجزء، جاز انتصاب الحال من الثاني، وقد رددنا عليه ذلك
فيما كتبناه في علم النحو.
وكره يتعدى إلى واحد، فقياسه إذا ضعف أن يتعدى إلى اثنين،
كقراءة الخدري ومن معه، أي جعلتم فكرهتموه. فأما قوله: وكره
إليكم الكفر {أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}
فعلى التضمين بمعنى بغض، وهو يتعدى لواحد، وبإلى إلى آخر، وبغض
منقول بالتضعيف من بغض الشيء إلى زيد. والظاهر عطف {واتقو
الله} على ما قبله من الأمر والنهي.
وقرأ الجمهور: إن، بكسر الهمزة؛ وابن عباس: بفتحها، وكان قرأ:
لتعرفوا، مضارع عرف، فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا، وتكون
اللام في لتعرفوا لام الأمر، وهو أجود من حيث المعنى. وأما إن
كانت لام كي، فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوباً وقبائل لأن
تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى. فإن جعلت مفعول لتعرفوا محذوفاً،
أي لتعرفوا الحق، لأن أكرمكم عند الله أتقاكم، ساغ في لام
لتعارفوا أن تكون لام كي.
لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي، بل متصلاً بزمان
الإخبار أيضاً، لأنك إذا نفيت بلم، جاز أن يكون النفي قد
انقطع، ولذلك يجوز أن تقول: لم يقم زيد وقد قام، وجاز أن يكون
النفي متصلاً بزمن الإخبار. فإذا كان متصلاً بزمن الإخبار، لم
يجز أن تقول: وقد قام، لتكاذب الخبرين. وأما لما، فإنها تدل
على نفي الشيء متصلاً بزمان الإخبار، ولذلك امتنع لما يقم زيد
وقد قام للتكاذب. والظاهر أن قوله: لما يدخل الإيمان في قلوبكم
{وَقَبَآئِلَ لِتَعَرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ
أَتْقَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ * قَالَتِ
الأٌّعْرَابُءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ
أَسْلَمْنَا وَلَمَّا} ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب.
{قل أتعلمون الله بدينكم} ، هي منقولة من: علمت به، أي شعرت
به، ولذلك تعدّت إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر لما
ثقلت بالتضعيف.
فإن أسلموا في موضع المفعول، ولذلك تعدى إليه في قوله: {قل لا
تمنوا عليّ إسلامكم} . ويجوز أن يكون أسلموا مفعولاً من أجله.
وقرأ عبد الله وزيد بن عليّ، إذ هداكم، جعلا إذ مكان إن،
وكلاهما تعليل، وجواب الشرط محذوف. |