الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط

سورة ق

خمسة وأربعون آية مكية


والقرآن {عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلايمَنِ إِنُ كُنتُمْ صَدِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَتِ وَالأٌّرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُواْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأٌّرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَبٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَهَا وَزَيَّنَّهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأٌّرْضَ مَدَدْنَهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَسِىَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَسِقَتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَبُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَنُ لُوطٍ * وَأَصْحَبُ الأٌّيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأٌّوَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ


الْوَعِيدِ * وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ * لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * الَّذِى جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاًءَاخَرَ فَأَلْقِيَهُ فِى الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِى ضَلَلٍ بَعِيدٍ} مقسم به و {المجيد} صفته، وهو الشريف على غيره من الكتب، والجواب محذوف يدل عليه ما بعده، وتقديره: أنك جئتهم منذراً بالبعث، فلم يقبلوا. {بل عجبوا} ، وقيل: ما ردوا أمرك بحجة. وقال الأخفش، والمبرد، والزجاج: تقديره لتبعثن. وقيل: الجواب مذكور، فعن الأخفش قد علمنا ما تنقص الأرض منهم؛ وعن ابن كيسان، والأخفش: ما يلفظ من قول؛ وعن نحاة الكوفة: بل عجبوا، والمعنى: لقد عجبوا. وقيل: إن في ذلك لذكرى، وهو اختيار محمد بن علي الترمذي. وقىل: ما يبدل القول لديّ، وهذه كلها أقوال ضعيفة.

وقرأ الأعرج، وشيبة، وأبو جعفر، وابن وثاب، والأعمش، وابن عتبة عن ابن عامر: إذا بهمزة واحدة على صورة الخبر، فجاز أن يكون استفهاماً حذفت منه الهمزة، وجاز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر وأضمر جواب إذا، أي إذا متنا وكنا تراباً رجعنا. وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب رجع بعيد على تقدير حذف الفاء، وقد أجاز بعضهم في جواب الشرط ذلك إذا كان جملة اسمية، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة. وأما في قراءة الاستفهام، فالظرف منصوب بمضمر، أي: أنبعث إذا متنا؟
وقال الزمخشري: وإذا منصوب بمضمر معناه: أحين نموت ونبلى نرجع؟ انتهى.


بل كذبوا بالحق لما جاءهم {عَجِيبٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} : وقدروا قبل هذا الإضراب جملة يكون مضروباً عنها، أي ما أجادوا والنظر، بل كذبوا. وقيل: لم يكذبوا المنذر، بل كذبوا، والغالب أن الإضراب يكون بعد جملة منفية. وقال الزمخشري: بل كذبوا: إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات. انتهى. وكان هذا الإضراب الثاني بدلاً من الأول، وكلاهما بعد ذلك الجواب الذي قدرناه جواباً للقسم، فلا يكون قبل الثانية ما قدروه من قولهم: ما أجادوا النظر، {بل كذبوا بالحق} .
والجحدري: لما جاءهم، بكسر اللام وتخفيف الميم، وما مصدرية، واللام لام الجر، كهي في قولهم كتبته لخمس خلون أي عند مجيئهم إياه.
وقرأ الجمهور: تبصرة وذكرى {بِالْحَقِّ لَمَّا} بالنصب، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما، أي بصر وذكر. وقيل: مفعول من أجله. وقرأ زيد بن علي: تبصرة بالرفع، وذكر معطوف عليه.
{باسقات} : أي طوالاً في العلو، وهو منصوب على الحال.
و {رزقاً} نصب على المصدر، لأن معنى: وأنبتنا رزقنا، أو على أنه مفعول له.
هو معطوف على إذ يتلقى {عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ} .
وما نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد وموصولة، والظرف صلتها. وعتيد، قال الزمخشري: بدل أو خير بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف. انتهى. وقرأ الجمهور: عتيد بالرفع؛ وعبد الله: بالنصب على الحال، والأولى إذ ذاك أن تكون ما موصولة.


ومنهم الذي جوزوا فيه أن يكون منصوباً بدلاً من كل كفار، وأن يكون مجروراً بدلاً من كفار، وأن يكون مرفوعاً بالابتداء مضمناً معنى الشرط، ولذلك دخلت الفاء في خبره، وهو فألقياه. والظاهر تعلقه بما قبله على جهة البدل، ويكون فألقياه توكيداً. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون صفة من حيث يختص كفار بالأوصاف المذكورة، فجاز وصفه بهذه المعرفة. انتهى. وهذا ليس بشيء لو وصفت النكرة بأوصاف كثيرة لم يجز أن توصف بالمعرفة.

وقدمت: يجوز أن يكون بمعنى تقدمت، أي قد تقدم قولي لكم ملتبساً بالوعيد، أو يكون قدم المتعدية، وبالوعيد هو المفعول، والباء زائدة.
وانتصاب يوم بظلام، أو بأذكر، أو بأنذر كذلك. قال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بنفخ، كأنه قيل: ونفخ في الصور يوم نقول، وعلى هذا يشار بذلك إلى يوم يقول. انتهى، وهذا بعيد جداً، قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة، فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته.
غير بعيد {الشَّدِيدِ * قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِى ضَلَلٍ بَعِيدٍ * قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} : مكاناً غير بعيد، وهو تأكيد لأزلفت، رفع مجاز القرب بالوعد والإخبار. فانتصاب غير على الظرف صفة قامت مقام مكان، فأعربت بإعرابه. وأجاز الزمخشري أن ينتصب غير بعيد على الحال من الجنة. قال: وتذكيره يعني بعيد، لأنه على زنة المصدر، كالزئير والصليل، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث. انتهى. وكونه على وزن المصدر، لا يسوغ أن يكون المذكر صفة للمؤنث.


وهي جملة اعتراضية بين المبدل منه والبدل. ولكل أواب {هَذَا مَا} : هو البدل من المتقين. {من خشي} : بدل بعد بدل تابع {لكل} ، قاله الزمخشري. وإنما جعله تابعاً {لكل} ، لا بدلاً من {للمتقين} ، لأنه لا يتكرر الإبدال من مبدل منه واحد. قال: ويجوز أن يكون بدلاً من موصوف أواب وحفيظ، ولا يجوز أن يكون في حكم أواب وحفيظ، لأن من لا يوصف به، ولا يوصف من بين سائر الموصولات إلا بالذي. انتهى. يعني بقوله: في حكم أو أب: أن يجعل من صفته، وهذا حكم صحيح. وأما قوله: ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي، فالحصر ليس بصحيح، قد وصفت العرب بما فيه أل، وهو موصول، نحو القائم والمضروب، ووصفت بذو الطائية، وذات في المؤنث. ومن كلامهم: بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمك الله به، يريد بالفضل الذي فضلكم والكرامة التي أكرمكم، ولا يريد الزمخشري خصوصية الذي، بل فروعه من المؤنث والمثنى والمجموع على اختلاف لغات ذلك. وجوز أن تكون من موصولة مبتدأ خبره القول المحذوف، تقديره: يقال لهم ادخلوها، لأن من في معنى الجمع، وأن تكون شرطية، والجواب الفعل المحذوف، أي فيقال: وأن يكون منادى، كقولهم: من لا يزال محسناً أحسن إليّ، وحذف حرف النداء للتقريب. وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون من نعتاً. انتهى، وهذا لا يجوز، لأن من لا ينعت بها، وبالغيب حال من المفعول، أي وهو غائب عنه، وإنما أدركه بالعلم الضروري، إذ كل مصنوع لا بد له من صانع. ويجوز أن تكون صفة لمصدر خشي، أي خشية خشيه ملتبسة بالغيب، حيث خشي عقابه وهو غائب، أو خشيه بسبب الغيب الذي أوعده به من عذابه. وقيل: في الخلوة حيث لا يراه أحد، فيكون حالاً من الفاعل.

{وما مسنا من لغوب} : احتمل أن تكون جملة حالية، واحتمل أن تكون استئنافاً.


وقيل: مفعول استمع محذوف تقديره: نداء المنادي. وقيل تقديره: نداء الكافر بالويل والثبور. وقيل: لا يحتاج إلى مفعول، إذ حذف اقتصاراً، فيوم منتصب على أنه مفعول به.
يوم يسمعون {السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن} : بدل من {يوم ينادي} .
{ذلك} : أي يوم النداء والسماع، {يوم الخروج} من القبور، وقيل: الإشارة بذلك إلى النداء، واتسع في الظرف فجعل خبراً عن المصدر، أو يكون على حذف، أي ذلك لنداء نداء يوم الخروج، أو وقت النداء يوم الخروج.
ويوم بدل من يوم الثاني. وقيل: منصوب بالمصدر، وهو الخروج. وقيل: المصير، وانتصب سراعاً {قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} على الحال من الضمير في عنهم، والعامل تشقق. وقيل: محذوف تقديره يخرجون، فهو حال من الواو في يخرجون، قاله الحوفي. ويجوز أن يكون هذا المقدر عاملاً في {يوم تشقق} . {ذلك حشر علينا يسير} : فصل بين الموصوف وصفته بمعمول الصفة، وهو علينا، أي يسير علينا، وحسن ذلك كون الصفة فاصلة.

سورة الذاريات

ستون آية مكية


أي متى وقت الجزاء؟ سؤال تكذيب واستهزاء، وتقدمت قراءة من كسر الهمزة في قوله: أيان مرساها {وَعِيدِ * وَالذرِيَتِ ذَرْواً * فَالْحَمِلَتِ وِقْراً * فَالْجَرِيَتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَدِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَرصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ سَهُونَ * يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّتٍ وَعُيُونٍ} ، {وأيان يوم الدين} ، فيكون الظرف محلاً للمصدر، وانتصب يومهم بمضمر تقديره: هو كائن، أي الجزاء، قاله الزجاج، وجوزوا أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي هو يومهم، والفتحة فتحة بناء لإضافته إلى غير متمكن، وهي الجملة الإسمية. ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة والزعفراني. {يوم هم} بالرفع، وإذا كان ظرفاً جاز أن تكون الحركة فيه حركة إعراب وحركة بناء، وتقدم الكلام على إضافة الظرف المستقبل إلى الجملة الإسمية في غافر في قوله تعالى: {يوم هم بارزون} . وقال بعض النحاة: يومهم بدل من {يوم الدين} .
{هذا الذي} : مبتدأ وخبر. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون هذا بدلاً من فتنتكم، أي ذوقوا هذا العذاب. انتهى، وفيه بعد، والاستقلال خير من البدل.
والظاهر أن {قليلاً} ظرف، وهو في الأصل صفة، أي كانوا في قليل من الليل. وجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، أي كانوا يهجعون هجوعاً قليلاً، وما زائدة في كلا الإعرابين.


وقال الضحاك: {كانوا قليلاً} ، أي في عددهم، وثم خبر كان، ثم ابتدأ {من الليل ما يهجعون} ، فما نافية، وقليلاً وقف حسن، وهذا القول فيه تفكيك للكلام، وتقدم معمول العامل المنفي بما على عامله، وذلك لا يجوز عند البصريين، ولو كان ظرفاً أو مجروراً. وقد أجاز ذلك بعضهم، وجاء في الشعر قوله:
إذا هي قامت حاسراً مشمعلةيحسب الفؤاد رأسها ما تقنعفقدم رأسها على ما تقنع، وهو منفي بما، وجوزوا أن تكون ما مصدرية في موضع رفع بقليلاً، أي كانوا قليلاً هجوعهم، وهو إعراب سهل حسن، وأن تكون ما موصولة بمعنى الذي، والعائد محذوف تقديره: {كانوا قليلاً من الليل} من الوقت الذي يهجعون فيه، وفيه تكلف.

مثلُ بالرفع: صفة لقوله: لحق {وَالأٌّرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} ؛ وباقي السبعة، والجمهور: بالنصب، وقيل: هي فتحة بناء، وهو نعت كحاله في قراءة من رفع. ولما أضيف إلى غير متمكن بنى، وما على هذا الإعراب زائدة للتوكيد، والإضافة هي إلى أنكم تنطقون. وقال المازني: بنى مثل، لأنه ركب مع ما، فصار شيئاً واحداً، ومثله: ويحما وهيما وابنما، قال حميد بن ثور:
ألا هيما مما لقيت وهيماوويحاً لمن لم يلق منهن ويحما
قال: فلولا البناء لكان منوناً، وقال الشاعر:
فأكرم بنا أو أماً وأكرم بنا ابنما
انتهى هذا التخريج. وابنما ليس ابنا بني مع ما، بل هذا من باب زيادة الميم فيه، واتباع ما في الآخر، إذ جعل في الميم الإعراب. تقول: هذا ابنم، ورئت ابنما، ومررت بابنم، وليست ما في الثلاث في ابنما مركبة مع ما، كما قال: الفتحة في ابنما حركة إعراب، وهو منصوب على التمييز، وأنشد النحويون في بناء الاسم مع الحرف قول الراجز:


أثور ما أصيدكم أو ثورينأم تيكم الجماء ذاب القرنين وقيل: هو نعت لمصدر محذوف تقديره: إنه لحق حقاً مثل ما أنكم، فحركته حركة إعراب. وقيل: انتصب على أنه حال من الضمير المستكن في {لحق} . وقيل: حال من لحق، وإن كان نكرة، فقد أجاز ذلك الجرمي وسيبويه في مواضع من كتابه.
وما زائدة بنص الخليل، ولا يحفظ حذفها، فتقول: ذا حق كأنك ههنا، والكوفيون يجعلون مثلاً محلى، فينصبونه على الظرف، ويجيزون زيد مثلك بالنصب، فعلى مذهبهم يجوز أن تكون مثل فيها منصوباً على الظرف، واستدلالهم والرد عليهم مذكور في النحو.
وإذ معمولة للمكرمين إذا كانت صفة حادثة بفعل إبراهيم، وإلا فبما في ضيف من معنى لفعل، أو بإضمار اذكر، وهذه أقوال منقولة. وقرأ الجمهور: قالوا سلاماً، بالنصب على المصدر الساد مسد فعله المستغنى به.
قال سلام {لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَماً} بالرفع، وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره: عليكم سلام. قصد أن يجيبهم بأحسن مما حيوه أخذاً بأدب الله تعالى، إذ سلاماً دعاء. وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي أمري سلام، وسلام جملة خبرية قد تحصل مضمونها ووقع. وقال ابن عطية: ويتجه أن يعمل في سلاماً قالوا، على أن يجعل سلاماً في معنى قولاً، ويكون المعنى حينئذ: أنهم قالوا تحية؛ وقولاً معناه سلاماً.

والظاهر أن قوله: {وفي موسى} معطوف على {وتركنا فيها} : أي في قصة موسى. وقال الزمخشري وابن عطية: {وفي موسى} يكون عطفاً على {وفي الأرض آيات للموقنين} . {وفي موسى} ، وهذا بعيد جدًّا، ينزه القرآن عن مثله. وقال الزمخشري أيضاً: أو على قوله، {وتركنا فيها آية} ، على معنى: وجعلنا في موسى آية، كقوله:
علفتها تبيناً وماء بارداً
انتهى، ولا حاجة إلى إضمار {وتركنا} ، لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور {وتركنا} .


وقال أبو عبيدة: أو بمعنى الواو، ويدل على ذلك أنه قد قالهما، قال: إن هذا لساحر عليم {بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَحِرٌ أَوْ} ، و {قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} ، واستشهد أبو عبيدة بقول جرير:
أثعلبة الفوارس أو رباحاًعدلت بهم طهية والحشايا ولا ضرورة تدعو إلى جعل أو بمعنى الواو، إذ يكون قالهما، وأبهم على السامع، فأو للإبهام.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {وقوم} بالجر عطفاً على ما تقدم، أي وفي قوم نوح، وهي قراءة عبد الله. وقرأ باقي السبعة، وأبو عمرو في رواية: بالنصب. قيل: عطفاً على الضمير في {فأخذتهم} ؛ وقيل: عطفاً على {فنبذناهم} ، لأن معنى كل منهما: فأهلكناهم. وقيل: منصوب بإضمار فعل تقديره: وأهلكنا قوم نوح، لدلالة معنى الكلام عليه. وقيل: باذكر مضمرة. وروى عبد الوارث، ومحبوب، والأصمعي عن أبي عمرو، وأبو السمال، وابن مقسم: وقوم نوح بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي أهلكناهم.
أي: وبنينا السماء، فهو من باب الاشتغال، وكذا وفرشنا الأرض. وقرأ أبو السمال، ومجاهد، وابن مقسم: برفع السماء ورفع الأرض على الابتداء.
وإنا لموسعون {فَسِقِينَ * وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} : أي بناءها، فالجملة حالية، أي بنيناها موسعوها، كقوله: جاء زيد وإنه لمسرع، أي مسرعاً.
وقرأ الأعمش، وابن وثاب: المتين {الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ} بالجر، صفة للقوة على معنى الاقتدار، قاله الزمخشري، أو كأنه قال: ذو الأيد، وأجاز أبو الفتح أن تكون صفة لذو وخفض على الجوار، كقولهم: هذا جحر ضب خرب.