الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة الطور
تسع وأربعون آية مكية
والواو الأولى واو القسم، وما بعدها للعطف. والجملة المقسم
عليها هي قوله: إن عذاب ربك لواقع.
وانتصب يوم بدافع، قاله الحوفي، وقال مكي:
لا يعمل فيه واقع، ولم يذكر دليل المنع. وقيل: هو منصوب بقوله:
لواقع {دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً} ، وينبغي
أن يكون {ما له من دافع} على هذا جملة اعتراض بين العامل
والمعمول.
وسحر: خبر مقدم، وهذا: مبتدأ، وسواء: مبتدأ، والخبر محذوف، أي
الصبر والجزع. وقال أبو البقاء: خبر مبتدأ محذوف، أي صبركم
وتركه سواء.
وقرأ الجمهور: فكهين، نصباً على الحال، والخبر في جنات ونعيم
{تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ
تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ
سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّتٍ وَنَعِيمٍ *
فَكِهِينَ بِمَآءَاتَهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَهُمْ رَبُّهُمْ} .
وقرأ خالد: بالرفع على أنه خبر إن، وفي جنات متعلق به. ومن
أجاز تعداد الخبر، أجاز أن يكونا خبرين. {ووقاهم} معطوف على
{في جنات} ، إذ المعنى: استقروا في جنات، أو على {آتاهم} ، وما
مصدرية، أي فكهين بإيتائهم ربهم النعيم ووقايتهم عذاب الجحيم.
وجوز أن تكون الواو في ووقاهم واو الحال، ومن شرط قد في
الماضي، قال: هي هنا مضمرة، أي وقد وقاهم.
قال الزمخشري: أكلاً وشرباً هنيئاً، أو طعاماً وشراباً هنيئاً،
وهو الذي لا تنغيص فيه. ويجوز أن يكون مثله في قوله:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامرلعزة من
أعراضنا ما استحلت أعني: صفة استعملت استعمال المصدر القائم
مقام الفعل، مرتفعاً به ما استحلت، كما يرتفع بالفعل، كأنه
قيل: هنا عزة المستحل من أعراضنا. وكذلك معنى هنيئاً ههنا:
هنأكم الأكل والشرب، أو هنأكم ما كنتم تعملون، أي جزاء ما كنتم
تعملون، والباء مزيدة كما في: كفى بالله {الْجَحِيمِ * كُلُواْ
وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ، والباء
متعلقة بكلوا واشربوا، إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب. انتهى.
وتقدم لنا الكلام مشبعاً على {هنيئاً} في سورة النساء. وأما
تجويزه زيادة الباء، فليست زيادتها مقيسة في الفاعل، إلا في
فاعل كفى على خلاف فيها؛ فتجويز زيادتها في الفاعل هنا لا
يسوغ. وأما قوله: إن الباء تتعلق بكلوا واشربوا، فلا يصح إلا
على الأعمال، فهي تتعلق بأحدهما. وانتصب {متكئين} على الحال.
قال أبو البقاء: من الضمير في {كلوا} ، أو من الضمير في
{ووقاهم} ، أو من الضمير في {آتاهم} ، أو من الضمير في
{فاكهين} ، أو من الضمير في الظرف. انتهى. والظاهر أنه حال من
الظرف، وهو قوله: {في جنات} .
والظاهر أن قوله: {والذين آمنوا} مبتدأ، وخبره {ألحقناه} .
وأجاز أبو البقاء أن يكون {والذين} في موضع نصب على تقدير:
وأكرمنا الذين آمنوا.
وقال الزمخشري: {والذين آمنوا} ، معطوف على حور عين.
وقال الحوفي: {بنعمة ربك} متعلق بما دل
عليه الكلام، وهو اعتراض بين اسم ما وخبرها، والتقدير: ما أنت
في حال إذكارك بنعمة ربك بكاهن. قال أبو البقاء: الباء في موضع
الحال، والعامل في بكاهن أو مجنون، والتقدير: ما أنت كاهناً
ولا مجنوناً ملتبساً بنعمة ربك. انتهى. وتكون حالاً لازمة لا
منتقلة، لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبساً بنعمة ربه.
وقيل: {بنعمة ربك} مقسم بها، كأنه قيل: ونعمة ربك ما أنت كاهن
ولا مجنون، فتوسط المقسم به بين الاسم والخبر، كما تقول: ما
زيد والله بقائم.
وحكى الثعلبي عن الخليل أنه قال: كل ما في سورة والطور من أم
فاستفهام وليس بعطف.
يستمعون فيه {بِهَذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ} : أي عليه أو منه، إذ
حروف الجر قد يسد بعضها مسد بعض، وقدره الزمخشري: صاعدين فيه،
ومفعول يستمعون محذوف تقديره: الخبر بصحة ما يدعونه.
سورة النجم
اثنتان وستون آية مكية
علمه {النُّجُومِ * وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ
صَحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ
هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو
مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالاٍّفُقِ الأٌّعْلَى * ثُمَّ
دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ
مَا رَأَى * أَفَتُمَرُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ
رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى} : الضمير عائد على الرسول صلى الله
عليه وسلّم فالمفعول الثاني محذوف، أي علمه الوحي. أو على
القرآن، فالمفعول الأول محذوف، أي علمه الرسول صلى الله عليه
وسلّم
وقوله: وهو {فَاسْتَوَى * وَهُوَ
بِالاٍّفُقِ الأٌّعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ
أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَرُونَهُ
عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً} ، يعني محمداً
صلى الله عليه وسلّم وفي هذا التأويل العطف على الضمير المرفوع
من غير فصل، وهو مذهب الكوفيين.
وانتصب نزلة، قال الزمخشري: نصب الظرف الذي هو مرة، لأن الفعلة
اسم للمرة من الفعل. وقال الحوفي وابن عطية: مصدر في موضع
الحال. وقال أبو البقاء: مصدر، أي مرة أخرى، أو رؤية أخرى.
لقد رأى من أيات ربه الكبرى {رَءَاهُ نَزْلَةً} ، قيل: الكبرى
مفعول رأى.
وقيل: {من آيات} هو في موضع المفعول، والكبرى صفة لآياته ربه،
ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة، وحسن ذلك هنا كونها فاصلة،
كما في قوله: {لنريك من آياتنا الكبرى} ، عند من جعلها صفة
لآياتنا.
والتاء في اللات قيل أصلية، لام الكلمة كالباء من باب، وألفه
منقلبة فيما يظهر من ياء، لأن مادة ليت موجودة. فإن وجدت مادة
من ل وت، جاز أن تكون منقلبة من واو. وقيل: التاء للتأنيث،
ووزنها فعلة من لوى، قيل: لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون
للعبادة، أو يلتوون عليها: أي يطوفون، حذفت لامها. فجعل
المفعول الثاني لأفرأيتم جملة الاستفهام التي قدرها، وحذفت
لدلالة الكلام السابق عليها.
وهي من رؤية العين، ولو كانت أرأيت التي هي
استفتاء لم تتعد. انتهى. ويعني بالأجرام: اللات والعزى ومناة،
وأرأيت التي هي استفتاء تقع على الأجرام، نحو: أرأيت زيداً ما
صنع؟ وقوله: ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء، يعني الذي تقول
النحاة فيه إنها بمعنى أخبرني، لم تتعد؛ والتي هي بمعنى
الاستفتاء تتعدى إلى اثنين، أحدهما منصوب، والآخر في الغالب
جملة استفهامية. وقد تكرر لنا الكلام في ذلك، وأوله في سورة
الأنغام. ودل كلام ابن عطية على أنه لم يطالع ما قاله الناس في
أرأيت إذا كانت استفتاء على اصطلاحه، وهي التي بمعنى أخبرني.
والظاهر أن الثالثة الأخرى {الْكُبْرَى * أَفَرَءَيْتُمُ
اللَّتَ وَالْعُزَّى} صفتان لمناة، وهما يفيدان التوكيد.
ولفظ آخر ومؤنثه أخرى لم يوضعا للذم ولا للمدح، إنما يدلان على
معنى غير، إلا أن من شرطهما أن يكونا من جنس ما قبلهما. لو
قلت: مررت برجل وآخر، لم يدل إلا على معنى غير، لا على ذم ولا
على مدح. وقال أبو البقاء: والأخرى توكيد، لأن الثالثة لا تكون
إلا أخرى. انتهى. وقيل: الأخرى صفة للعزى.
وكم {وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ} : هي خبرية، ومعناها هنا:
التكثير، وهي في موضع رفع بالابتداء، والخبر {لا تغني} .
{إلا اللمم} : استثناء منقطع، لأنه لم يدخل تحت ما قبله.
اللام للصيرورة في قوله ليجزيهم.
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}
قيل: يصح أن يكون استثناء متصلاً.
وأفرأيت هنا بمعنى: أخبرني، ومفعولها الأول الموصول، والثاني
الجملة الاستفهامية، وهي: {أعنده علم الغيب} .
{أن لا تذر} وأن هي المخففة من الثقيلة، وهي بدل من ما في
قوله: {بما في صحف} ، أو في موضع رفع، كأن قائلاً قال: ما في
صحفهما، فقيل: {لا تزر وازرة وزر أخرى} .
والضمير المرفوع في يجزاه عائد على الإنسان، والمنصوب عائد على
السعي، والجزاء مصدر. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون الضمير
للجزاء، ثم فسره بقوله: الجزاء الأوفى {يُرَى * ثُمَّ
يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى} . وإذا كان تفسيراً للمصدر
المنصوب في يجزاه، فعلى ماذا انتصابه؟ وأما إذا كان بدلاً، فهو
من باب بدل الظاهر من الضمير الذي يفسره الظاهر، وهي مسألة
خلاف، والصحيح المنع.
وفي حرف أبي عاد غير مصروف جعله اسم قبيلة، فمنعه الصرف
للتأنيث والعملية، والدليل على التأنيث وصفه بالأولى.
وهم يجوز أن يكون تأكيداً للضمىر المنصوب، ويجوز أن يكون
فصلاً، لأنه واقع بين معرفة وأفعل التفضيل، وحذف المفضول بعد
الواقع خبراً لكان، لأنه جار مجرى خبر المبتدأ، وحذفه فصيح
فيه، فكذلك في خبر كان.
والظاهر أن أهوى ناصب للمؤتفكة، وأخر العامل لكونه فاصلة.
ويجوز أن يكون والمؤتفكة {الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ
عَاداً الاٍّولَى * وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ
مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى *
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّهَا مَا غَشَّى} معطوفاً
على ما قبله، و {أهوى} جملة في موضع الحال. |