الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة التحريم
اثنتا عشرة آية مدنية
وتبتغي {عِلْمَا} : في موضع الحال. وقال الزمخشري تفسير لتحرم،
أو استئناف.
ونبأ وأنبأ، الأصل أن يتعديا إلى واحد بأنفسهما، وإلى ثان بحرف
الجر، ويجوز حذفه فتقول: نبأت به، المفعول الأول محذوف، أي
غيرها. ومن أنبأك هذا {حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ} : أي
بهذا، {قال نبأني} أي نبأني به أو نبأنيه، فإذا ضمنت معنى
أعلم، تعدت إلى ثلاثة مفاعيل، نحو قول الشاعر:
نبئت زرعة والسفاهة كاسمهاتهدي إليّ غرائب الأشعار ومفعول عرّف
المشدد محذوف، أي عرّفها بعضه.
وأتى بالجمع في قوله: قلوبكما {اللَّهِ
فَقَدْ صَغَتْ} ، وحسن ذلك إضافته إلى مثنى، وهو ضميراهما،
والجمع في مثل هذا أكثر استعمالاً من المثنى، والتثنية دون
الجمع، كما قال الشاعر:
فتخالسا نفسيهما بنوافذكنوافذ العبط التي لا ترفع وهذا كان
القياس، وذلك أن يعبر بالمثنى عن المثنى، لكن كرهوا اجتماع
تثنيتين فعدلوا إلى الجمع، لأن التثنية جمع في المعنى،
والإفراد لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر، كقوله:
حمامة بطن الواديين ترنمي
يريد: بطني. وغلط ابن مالك فقال في كتاب التسهيل: ونختار لفظ
الإفراد على لفظ التثنية.
والأحسن الوقف على قوله: مولاه {عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ
هُوَ} . ويكون {وجبريل} مبتدأ، وما بعده معطوف عليه، والخبر
{ظهير} . فيكون ابتداء الجملة بجبريل.
وجوزوا أن يكون {وجبريل وصالح المؤمنين} عطفاً على اسم الله،
فيدخلان في الولاية، ويكون {والملائكة} مبتدأ، والخبر {ظهير} .
وقرىء: وأهلوكم بالواو، وهو معطوف على الضمير في قوا
{ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ} وحسن العطف للفصل بالمفعول.
وقال الزمخشري: فإن قلت: أليس التقدير قوا أنفسكم وليق أهلوكم
أنفسهم؟ قلت: لا، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم
واقع بعده، فكأنه قيل: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم. لما جمعت مع
المخاطب الغائب غلبته عليه. فجعلت ضميرهما معاً على لفظ
المخاطب. انتهى. وناقض في قوله هذا لأنه قدر وليق أهلوكم فجعله
من عطف الجمل، لأن أهلوكم اسم ظاهرة لا يمكن عنده أن يرتفع
بفعل الآمر الذي للمخاطب، وكذا في قوله: {اسكن أنت وزوجك
الجنة} ، ثم قال: ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو، فناقض
لأنه في هذا جعله مقارناً في التقدير للواو، وفيما قبله رفعه
بفعل آخر غير الرافع للواو وهو وليق.
وانتصب {ما أمرهم} على البدل، أي لا يعصون أمره لقوله تعالى:
{أفعصيت أمري} ، أو على إسقاط حرف الجر.
ومن قرأ بالضم جاز أن يكون مصدراً وصف كما
قدمناه، وجاز أن يكون مفعولاً له، أي توبوا لنصح أنفسكم. وقرأ
الجمهور: ويدخلكم {اللَّهِ تَوْبَةً} عطفاً على {أن يكفر} .
وقال الزمخشري: عطفاً على محل عسى أن يكفر.
وجاز أن يكون: والذين {الأٌّنْهَرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ
النَّبِىَّ وَالَّذِينَ} معطوفاً على {النبي} ، فيدخلون في
انتفاء الخزي. وجاز أن يكون مبتدأ، والخبر {نورهم يسعى بين
أيديهم وبأيمانهم} .
ومعنى عنهما {فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا
مِنَ اللَّهِ} : عن أنفسهما، ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل
عن اسما، كهي في: دع عنك، لأنها إن كانت حرفاً، كان في ذلك
تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور، وهو يجري
مجرى المنصوب المتصل، وذلك لا يجوز.
{ومريم} : معطوف على امرأة فرعون.
سورة الملك
ثلاثون آية مكية
وأيكم أحسن عملاً {الْقَنِتِينَ *
تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَوةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفُورُ * الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَتٍ طِبَاقًا مَّا
تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَوُتٍ فَارْجِعِ
الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ
كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ
حَسِيرٌ * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا
بِمَصَبِيحَ وَجَعَلْنَهَا رُجُوماً لِّلشَّيَطِينِ
وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ * وَلِلَّذِينَ
كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
* إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ
تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِىَ
فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ
نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا
وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ
فِى ضَلَلٍ كَبِيرٍ * وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ
نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَبِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُواْ
بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأًّصْحَبِ السَّعِيرِ * إِنَّ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ
بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ
مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * هُوَ الَّذِى
جَعَلَ لَكُمُ الأٌّرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا
وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ * أَءَمِنتُمْ
مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأٌّرْضَ فَإِذَا
هِىَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى السَّمَآءِ أَن
يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَصِباً
فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ
كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ}
مبتدأ وخبر، فقدر الحوفي قبلها فعلاً تكون الجملة في موضع
معموله، وهو معلق عنها تقديره: فينظر، وقدّر ابن عطية فينظر أو
فيعلم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: من أين تعلق قوله: {أيكم أحسن عملاً}
بفعل البلوى؟ قلت: من حيث أنه تضمن معنى العلم، فكأنه قيل:
ليعلمكم أيكم أحسن عملاً، وإذا قلت: علمته أزيد أحسن عملاً أم
هو؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه، كما تقول:
علمته هو أحسن عملاً. فإن قلت: أيسمى هذا تعليقاً؟ قلت: لا،
إنما التعليق أن توقع بعده ما يسد مسدّ المفعولين جميعاً،
كقولك: علمت أيهما عمرو، وعلمت أزيد منطلق. ألا ترى أنه لا فصل
بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدّراً بحرف
الاستفهام وغير مصدّر به؟ ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان،
كما افترقتا في قولك: علمت أزيد منطلق، وعلمت زيداً منطلقاً.
انتهى. وأصحابنا يسمون ما منعه الزمخشري تعليقاً، فيقولون في
الفعل إذا عدى إلى اثنين ونصب الأول، وجاءت بعده جملة
استفهامية، أو بلام الابتداء، أو بحرف نفي، كانت الجملة معلقاً
عنها الفعل، وكانت في موضع نصب، كما لو وقعت في موضع المفعولين
وفيها ما يعلق الفعل عن العمل. وقد تقدّم الكلام على مثل هذه
الجملة في الكهف في قوله تعالى: {لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} ،
وانتصب {طباقاً} على الوصف السبع، فإما أن يكون مصدر طابق
مطابقة وطباقاً لقولهم: النعل خصفها طبقاً على طبق، وصف به على
سبيل المبالغة، أو على حذف مضاف، أي ذا طباق؛ وإما جمع طبق
كجمل وجمال، أو جمع طبقة كرحبة ورحاب.
والظاهر أن قوله تعالى: {ما ترى} استئناف أنه لا يدرك في خلقه
تعالى تفاوت، وجعل الزمخشري هذه الجملة صفة متابعة لقوله:
{طباقاً} .
والجملة من قوله: {هل ترى من فطور} في موضع
نصب بفعل معلق محذوف، أي فانظر هل ترى، أو ضمن معنى {فارجع
البصر} معنى فانظر ببصرك هل ترى؟ فيكون معلقاً.
وقال ابن عطية وغيره: {كرتين} معناه مرتين ونصبها على المصدر.
وقرأ الجمهور: {ينقلب} جزماً على جواب الأمر؛ والخوارزمي عن
الكسائي: يرفع الباء، أي فينقلب على حذف الفاء، أو على أنه
موضع حال مقدرة.
وقرأ الجمهور: {عذاب جهنم} برفع الباء؛ والضحاك والأعرج وأسيد
بن أسيد المزني والحسن في رواية هارون عنه: بالنصب عطفاً على
{عذاب السعير} ، أي وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم.
{فاعترفوا بذنبهم فسحقاً} :والسحق: البعد، وانتصابه على
المصدر: أي سحقهم الله سحقاً، قال الشاعر:
يجول بأطراف البلاد مغرباًوتسحقه ريح الصبا كل مسحق والفعل منه
ثلاثي. وقال الزجاج: أي أسحقهم الله سحقاً، أي باعدهم بعداً.
وقال أبو علي الفارسي: القياس إسحاقاً، فجاء المصدر على الحذف،
كما قيل:
وإن أهلك فذلك كان قدري
أي تقديري. انتهى، ولا يحتاج إلى ادعاء الحذف في المصدر لأن
فعله قد جاء ثلاثياً، كما أنشد:
وتسحقه ريح الصبا كل مسحق
قال ابن عطية: {فسحقاً} : نصباً على جهة الدعاء عليهم.
والنصب في هذا كله بإضمار فعل، وإن وقع وثبت، فالوجه فيه
الرفع، كما قال تعالى: {ويل للمطففين} ، و {سلام عليكم} ، وغير
هذا من الأمثلة. انتهى.
{ألا يعلم من خلق} : الهمزة للاستفهام ولا للنفي، والظاهر أن
من مفعول، وأجاز بعض النحاة أن يكون من فاعلاً والمفعول محذوف،
كأنه قال: ألا يعلم الخالق سركم وجهركم؟
وعطف الفعل على الاسم لما كان في معناه، ومثله قوله تعالى:
فالمغيرات صبحاً فأثرن {فَوْقَهُمْ صَفَّتٍ} ، عطف الفعل على
الاسم لما كان المعنى: فاللاتي أغرن صبحاً فأثرن، ومثل هذا
العطف فصيح، وعكسه أيضاً جائز إلا عند السهيلي فإنه قبيح، نحو
قوله:
بات يغشيها بغضب باتريقصد في أسوقها وجائر أي: قاصد في أسوقها
وجائر.
وقرأ الجمهور: أمن {بَصِيرٌ * أَمَّنْ
هَذَا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ
الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ} ، بإدغام
ميم أم في ميم من، إذ الأصل أم من، وأم هنا بمعنى بل خاصة لأن
الذي بعدها هو اسم استفهام في موضع رفع على الابتداء، وهذا
خبر.
و {مكباً} : حال من أكب، وهو لا يتعدى، وكب متعد.
وانتصب {قليلاً} على أنه نعت لمصدر محذوف، وما زائدة، وتشكرون
مستأنف أو حال مقدرة، أي تشكرون شكراً قليلاً.
وجواب {إن أهلكني} : {فمن يجير} ، وجواب {إن أصبح} : {فمن
يأتيكم} .
سورة القلم
اثنتان وخمسون آية مكية
وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره: ن حرف من حروف
المعجم، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم، فهو إذن حرف
هجاء كما في سائر مفاتيح السور. انتهى. ومن قال إنه اسم الدواة
أو الحوت وزعم أنه مقسم به كالقلم، فإن كان علماً فينبغي أن
يجر، فإن كان مؤنثاً منع الصرف، أو مذكراً صرف، وإن كان جنساً
أعرب، ونون وليس فيه شيء من ذلك فضعف القول به.
وسعيد بن جبير وعيسى: بخلاف عنه بفتحها،
فاحتمل أن تكون حركة إعراب، وهو اسم للسورة أقسم به وحذف حرف
الجر، فانتصب ومنع الصرف للعلمية والتأنيث، ويكون والقلم
{مَّعِينٍ * ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأّجْراً
غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ *
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ *
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ *
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلاَ تُطِعْ كُلَّ
حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ
لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
* أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِءَايَتُنَا قَالَ أَسَطِيرُ الأٌّوَّلِينَ *
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ * إِنَّا بَلَوْنَهُمْ كَمَا
بَلَوْنَآ أَصْحَبَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ
لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ
عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ *
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ
اغْدُواْ عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَرِمِينَ} معطوفاً
عليه. واحتمل أن يكون لالتقاء الساكنين، وأوثر الفتح تخفيفاً
كأين، وما يحتمل أن تكون موصولة ومصدرية.
وجواب القسم: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} .
ويظهر أن {بنعمة ربك} قسم اعترض به بين المحكوم علىه والحكم
على سبيل التوكيد والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم
عنه صلى الله عليه وسلّم وقال ابن عطية: {بنعمة ربك} اعتراض،
كما تقول للإنسان: أنت بحمد الله فاضل. انتهى. ولم يبين ما
تتعلق به الباء في {بنعمة} . وقال الزمخشري: يتعلق {بمجنون}
منفياً، كما يتعلق بعاقل مثبتاً في قولك: أنت بنعمة الله عاقل،
مستوياً في ذلك النفي والإثبات استواءهما في قولك: ضرب زيد
عمراً، وما ضرب زيد عمراً تعمل الفعل مثبتاً ومنفياً إعمالاً
واحداً، ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون
منعماً عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله
لأنها زائدة لتأكيد النفي.
وما ذهب إليه الزمخشري من أن {بنعمة ربك} متعلق {بمجنون} ،
وأنه في موضع الحال، يحتاج إلى تأمل، وذلك أنه إذا تسلط النفي
على محكوم به، وذلك له معمول، ففي ذلك طريقان: أحدهما: أن
النفي يتسلط على ذلك المعمول فقط، والآخر: أن يتسلط النفي على
المحكوم به فينتفي معموله لانتفائه بيان ذلك، تقول: ما زيد
قائم مسرعاً، فالمتبادر إلى الذهن أنه منتف إسراعه دون قيامه،
فيكون قد قام غير مسرع. والوجه الآخر أنه انتفى قيامه فانتفى
إسراعه، أي لا قيام فلا إسراع، وهذا الذي قررناه لا يتأتى معه
قول الزمخشري بوجه، بل يؤدي إلى مالا يجوز أن ينطق به في حق
المعصوم صلى الله عليه وسلّم
{بأيكم المفتون} فقال قتادة وأبو عبيدة
معمر: الباء زائدة، والمعنى: أيكم المفتون؟ وزيدت الباء في
المبتدأ، كما زيدت فيه في قوله: بحسبك درهم، أي حسبك. وقال
الحسن والضحاك والأخفش: الباء ليست بزائدة، والمفتون بمعنى
الفتنة، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً؟ وقال
الأخفش أيضاً: بأيكم فتن المفتون، حذف المضاف وأقام المضاف
إليه مقامه. ففي قوله الأول جعل المفتون مصدراً، وهنا أبقاه
اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف. وقال مجاهد والفراء: الباء
بمعنى في، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون؟ انتهى. فالباء
ظرفية، نحو: زيد بالبصرة، أي في البصرة، فيظهر من هذا القول أن
الباء في القول قبله ليست ظرفية، بل هي سببية.
{ودوا لو تدهن} : لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن، أي
ودوا ادهانكم، وتقدم الكلام في ذلك في قوله تعالى: {يود أحدهم
لو يعمر ألف سنة} ، ومذهب الجمهور أن معمول ود محذوف، أي ودوا
ادهانكم، وحذف لدلالة ما بعده عليه، ولو باقية على بابها من
كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره، وجوابها محذوف تقديره
لسروا بذلك.
وفيدهنون عطف على تدهن. وقال الزمخشري: عدل به إلى طريق آخر،
وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف، أي فهم يدهنون كقوله: {فمن يؤمن
بربه فلا يخاف} ، بمعنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، أو
ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك. انتهى. وجمهور
المصاحف على إثبات النون. وقال هارون: إنه في بعض المصاحف
فيدهنوا، ولنصبه وجهان: أحدهما أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت؛
والثاني أنه على توهم أنه نطق بأن، أي ودوا أن تدهن فيدهنوا،
فيكون عطفاً على التوهم، ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من
جعل لو مصدرية بمعنى أن.
قال ابن عطية ما ملخصه، قرأ النحويان
والحرميان وحفص وأهل المدينة: {أن كان} على الخبر؛ وباقي
السبعة والحسن وابن أبي إسحاق وأبو جعفر: على الاستفهام؛ وحقق
الهمزتين حمزة، وسهل الثانية باقيهم. فأما على الخبر، فقال أبو
علي الفارسي: يجوز أن يعمل فيها عتل وأن كان قد وصف. انتهى،
وهذا قول كوفي، ولا يجوز ذلك عند البصريين. وقيل: {زنيم} لا
سيما على قول من فسره بالقبيح الأفعال. وقال الزمخشري: متعلق
بقوله: {ولا تطع} ، يعنى ولا تطعه مع هذه المثالب، {لأن كان ذا
مال} : أي ليساره وحظه من الدنيا، ويجوز أن يتعلق بما بعده على
معنى لكونه متمولاً مستظهراً بالبنين، كذب آياتنا ولا يعمل
فيه، قال الذي هو جواب إذا، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما
قبله، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب. انتهى. وأما
على الاستفهام، فيحتمل أن يفسر عامل يدل عليه ما قبله، أي
أيكون طواعية لأن كان؟ وقدره الزمخشري: أتطيعه لأن كان؟ أو
عامل يدل عليه ما قبله، أي أكذب أو جحد لأن كان؟
والكاف في {كما بلونا} في موضع نصب، وما مصدرية. وقيل: بمعنى
الذي، وإذ معمول لبلوناهم ليصرمنها جواب القسم لا على منطوقهم،
إذ لو كان على منطوقهم لكان لنصرمنها بنون المتكلمين.
{أن لا يدخلنها} : أي يتخافتون بهذا الكلام وهو لا يدخلنها،
وأن مصدرية، ويجوز أن تكون تفسيرية. وقرأ عبد الله وابن أبي
عبلة: لا يدخلنها، بإسقاط أن على إضمار يقولون، أو على إجراء
يتخافتون مجرى القول.
وقرأ الجمهور: {إن لكم} بكسر الهمزة، فقيل هو استئناف قول على
معنى: إن لكم كتاب فلكم فيه متخير. وقيل: أن معمولة لتدرسون،
وكسرت الهمزة من أن لدخول اللام في الخبر، وهي بمعنى أن بفتح
الهمزة، قاله الزمخشري وقرأ طلحة والضحاك: أن لكم بفتح الهمزة،
واللام في لما زائدة كهي في قراءة من قرأ الا أنهم ليأكلون
الطعام بفتح همزة أنهم. وقرأ الأعرج: أإن لكم على الاستفهام.
وقرأ الجمهور: بالغة {تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَنٌ
عَلَيْنَا بَلِغَةٌ} بالرفع على الصفة، والحسن وزيد بن علي:
بالنصب على الحال من الضمير المستكن في علينا. وقال ابن عطية:
حال من نكرة لأنها مخصصة تغليباً. {إن لكم لما تحكمون} : جواب
القسم، لأن معنى {أم لكم أيمان علينا} : أم أقسمنا لكم، قاله
الزمخشري.
وسل معلقة عن مطلوبها الثاني، لما كان السؤال سبباً لحصول
العلم جاز تعليقه كالعلم، ومطلوبها الثاني أصله أن يعدى بعن أو
بالباء، كما قال تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام {تَحْكُمُونَ
* سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ} ، وقال الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإننيعليم بأدواء النساء طبيب ولو كان غير
اسم استفهام لتعدى إليه بعن أو بالباء، كما تقول: سل زيداً عن
من ينظر في كذا، ولكنه علق سلهم، فالجملة في موضع نصب.
{يوم يكشف عن ساق} : وعلى هذا القول الناصب ليوم فليأتوا.
وقيل: اذكر، وقيل التقدير: يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت.
و {خاشعة} : حال، وذو الحال الضمير في {يدعون} .
ومن في موضع نصب، إما عطفاً على الضمير في ذرني، وإما على أنه
مفعول معه.
إذ نادى {سَلِمُونَ * فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا
الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}
: فالعامل في إذ هو المحذوف المضاف، أي كحال أو كقصة صاحب
الحوت.
والأصل في ذلك تتداركه، لأنه مستقبل انتصب بأن الخفيفة قبله.
وجواب لولا {مَكْظُومٌ * لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ
مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} قوله:
{لنبذ بالعراء وهو مذموم} .
{لما سمعوا الذكر} : من يقول لما ظرف يكون العامل فيه
{ليزلقونك} ، وإن كان حرف وجوب لوجوب، وهو الصحيح، كان الجواب
محذوفاً لدلالة ما قبله عليه، أي لما سمعوا الذكر كادوا
يزلقونك. |