الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة النبأ
أربعون آية مكية
وقرأ الجمهور: عم؛ وعبد الله وأبيّ وعكرمة وعيسى: عما بالألف،
وهو أصل عم، والأكثر حذف الألف من ما الاستفهامية إذا دخل
عليها حرف الجر وأضيف إليها. ومن إثبات الألف قوله:
على ما قام يشتمني لئيمكخنزير تمرغ في رماد وقال ابن عطية: قال
أكثر النحاة قوله {عن النبأ العظيم} متعلق بيتساءلون، الظاهر
كأنه قال: لم يتساءلون عن النبأ العظيم؟ وقال الزجاج: الكلام
تام في قوله {عم يتساءلون} ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب
فيقول: يتساءلون عن النبأ.
{يوم ينفخ في الصور} : بدل من يوم الفصل. قال الزمخشري: أو عطف
بيان.
ويجوز أن يتعلق للطاغين بمرصاداً، ويجوز أن
يتعلق بمآبا. ولبثين حال من الطاغين، وأحقاباً نصب على الظرف.
وقال الزمخشري: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون من حقب عامنا إذا قل
مطره وخيره، وحقب إذا أخطأ الرزق فهو حقب، وجمعة أحقاب، فينتصب
حالاً عنهم، يعني لبثين فيها حقبين جحدين. وقوله: لايذوقون
فيها برداً ولا شراباً {سَرَاباً * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ
مِرْصَاداً * لِّلطَّغِينَ مَئَاباً * لَّبِثِينَ فِيهَآ
أَحْقَاباً * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً} تفسير له،
والاستثناء منقطع، يعني: لا يذوقون فيها برداً ورَوحاً ينفس
عنهم حر النار، ولا شراب يسكن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها
{حميماً وغساقاً} .
والذي يظهر أن قوله: {لا يذوقون} كلام مستأنف وليس في موضع
الحال، و {إلا حميماً} استثناء متصل من قوله: {ولا شراباً} ،
وإن {أحقاباً} منصوب على الظرف حملاً على المشهور من لغة
العرب، لا منصوب على الحال على تلك اللغة التي ليست مشهورة.
{وفاقاً} : أي لأعمالهم وكفرهم، وصف الجزاء بالمصدر لوافق، أو
على حذف مضاف، أي ذا وفاق.
وقال الزمخشري: هو مثل قوله: أنبتكم من الأرض نباتاً {حِسَاباً
* وَكَذَّبُواْ بِئَايَتِنَا كِذَّاباً} يعني: وكذبوا بآياتنا
فكذبوا كذاباً، أو تنصبه بكذبوا لا يتضمن معنى كذبوا، لأن كل
مكذب بالحق كاذب.
فخرج على أنه جمع كاذب وانتصب على الحال المؤكدة، وعلى أنه
مفرد صفة لمصدر، أي تكذيباً كذاباً مفرطاً في التكذيب. وقرأ
الجمهور: {وكل شيء} بالنصب: وأبو السمال: بالرفع، وانتصب
{كتاباً} على أنه مصدر من معنى {أحصيناه} أي إحصاء، أو يكون
{أحصيناه} في معنى كتبناه. والتجوز إما في المصدر وإما في
الفعل وذلك لالتقائهما في معنى الضبط، أو على أنه مصدر في موضع
الحال.
و {حدائق} بدل من {مفازاً} وفوزاً، فيكون أبدل الجرم من المعنى
على حذف، أي فوز حدائق، أي بها.
قال الزمخشري: {جزاء} : مصدر مؤكد منصوب
بمعنى قوله: {إن للمتقين مفازاً} ، كأنه قال: جازى المتقين
بمفاز وعطاء نصب بجزاء نصب المفعول به، أي جزاءهم عطاء. انتهى.
وهذا لا يجوز لأنه جعله مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة التي هي
{إن للمتقين مفازاً} ، والمصدر المؤكد لا يعمل، لأنه ليس ينحل
بحرف مصدري والفعل، ولا نعلم في ذلك خلافاً. وقرأ الجمهور:
{حساباً} ، وهو صفة لعطاء.
وقرأ عبد الله وابن أبي إسحاق والأعمش وابن محيصن وابن عامر
وعاصم: رب والرحمن بالجر؛ والأعرج وأبو جعفر وشيبة وأبو عمرو
والحرميان برفعهما؛ والإخوان: رب بالجر، والرحمن بالرفع، وهي
قراءة الحسن وابن وثاب والأعمش وابن محيصن بخلاف عنهما في الجر
على البدل من ربك، والرحمن صفة أو بدل من رب أو عطف بيان، وهل
يكون بدلاً من ربك فيه نظر، لأن البدل الظاهر أنه لا يتكرر
فيكون كالصفات، والرفع على إضمار هو رب، أو على الابتداء،
وخبره {لا يملكون} .
وما منصوب بينظر ومعناه: ينتظر ما قدّمت يداه، فما موصولة.
ويجوز أن يكون ينظر من النظر، وعلق عن الجملة فهي في موضع نصب
على تقدير إسقاط الخافض، وما استفهامية منصوبة تقدّمت.
سورة النازعات
ست وأربعون آية مكية
والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفاً
وتقديره: لتبعثن لدلالة ما بعده عليه، قاله الفراء. وقال محمد
بن عليّ الحكيم الترمذي: الجواب: إن في ذلك لعبرة لمن يخشى
{قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ
وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَلَيْتَنِى كُنتُ تُرَباً *
وَالنَّزِعَتِ غَرْقاً * وَالنَّشِطَتِ نَشْطاً *
وَالسَّبِحَتِ سَبْحاً * فَالسَّبِقَتِ سَبْقاً *
فَالْمُدَبِّرَتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} ،
والمعنى فيما اقتصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى عليه السلام
وفرعون. قال ابن الانباري: وهذا قبيح لأن الكلام قد طال. وقيل:
اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله: {يوم ترجف الراجفة}
، أي ليوم كذا، {تتبعها الرادفة} ، ولم تدخل نون التوكيد لأنه
قد فصل بين اللام المقدرة والفعل؛ وقول أبي حاتم هو علي
التقديم والتأخير، كأنه قال: {فإذا هم بالساهرة} . {والنازعات}
، قال ابن الأنباري: خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام. وقيل:
التقدير: {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} ، {والنازعات} على
التقديم والتأخير أيضاً وليس بشيء. وقيل: الجواب: {هل أتاك
حديث موسى} ، لأنه في تقدير قد أتاك وليس بشيء، وهذا كله إعراب
من لم يحكم العربية، وحذف الجواب هو الوجه، ويقرب القول بحذف
اللام من {يوم ترجف} .
والعامل في يوم اذكر مضمرة، أو لتبعثن المحذوف.
{قلوب} : مبتدأ، {واجفة} : صفة تعمل في {يومئذ} ، {أبصارها} :
أي أبصار أصحاب القلوب، {خاشعة} : مبتدأ وخبر في موضع خبر
{قلوب} . وقال ابن عطية: رفع قلوب بالابتداء، وجاز ذلك، وهي
نكرة لأنها قد تخصصت بقوله: {يومئذ} . انتهى. ولا تتخصص
الأجرام بظروف الزمان، وإنما تخصصت بقوله: {واجفة} .
وقال الزمخشري: {نكال الآخرة} هو مصدر مؤكد، كـ {وعد الله} ، و
{صبغة الله} ، كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة والأولى.
انتهى. والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من
معنى الجملة.
والجمهور: {متاعاً} بالنصب، أي فعل ذلك
تمتيعاً لكم؛ وابن أبي عبلة: بالرفع، أي ذلك متاع. وقال
الزمخشري: فإن قلت: فهلا أدخل حرف العطف على أخرج؟ قلت: فيه
وجهان، أحدهما: أن يكون معنى {دحاها} : بسطها ومهدها للسكنى،
ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر
المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها. والثاني: أن يكون أخرج
حالاً بإضمار قد، كقوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} . انتهى.
وإضمار قد قول للبصريين ومذهب الكوفيين. والأخفش: أن الماضي
يقع حالاً، ولا يحتاج إلى إضمار قد، وهو الصحيح. ففي كلام
العرب وقع ذلك كثيراً. انتهى. {ومرعاها} : مفعل من الرعي،
فيكون مكاناً وزماناً ومصدراً، وهو هنا مصدر يراد به اسم
المفعول، كأنه قيل: ومرعيها: أي النبات الذي يرعى.
وهي مبتدأ أو فصل. والعائد على من من الخبر محذوف على رأي
البصريين، أي المأوى له، وحسن حذفه وقوع المأوى فاصلة. وأما
الكوفيون فمذهبهم أن أل عوض من الضمير. وقال الزمخشري: والمعنى
فإن الجحيم مأواه، كما تقول للرجل: غض الطرف، تريد طرفك؛ وليس
الألف واللام بدلاً من الإضافة، ولكن لما علم أن الطاغي هو
صاحب المأوى، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره، تركت الإضافة. ودخول
حرف التعريف في المأوى، والطرف للتحريف لأنهما معرفان. انتهى.
وهو كلام لا يتحصل منه الرابط العائد على المبتدأ، إذ قد نفى
مذهب الكوفيين، ولم يقدر ضميراً محذوفاً، كما قدره البصريون،
فرام حصول الربط بلا رابط.
ويوم يتذكر {طَغَى * وَءاثَرَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا} : بدل من
{فإذا} ؛ وجواب إذا قال الزمخشري: فإن الأمر كذلك. وقيل:
عاينوا وعلموا. ويحتمل أن يكون التقدير: انقسم الراؤون قسمين،
والأولى أن يكون الجواب: فأما وما بعده، كما تقول: إذا جاءك
بنو تميم، فأما العاصي فأهته، وأما الطائع فأكرمه.
وقال الزمخشري: وقرىء منذرر بالتنوين، وهو
الأصل والإضافة تخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال؛ فإذا
أريد الماضي، فليس إلا الإضافة، كقولك: هو منذر زيد أمس.
انتهى. أما قوله: وهو الأصل، يعني التنوين، فهو قول قد قاله
غيره ممن تقدم. وقد قررنا في هذا الكتاب، وفيما كتبناه في هذا
العلم أن الأصل الإضافة، لأن العمل إنما هو بالشبه، والإضافة
هي أصل في الأسماء. وأما قوله: فإذا أريد الماضي، فليس إلا
الإضافة، فهذا فيه تفصيل وخلاف مذكور في علم النحو.
سورة عبس
اثنتان وأربعون آية مكية
أن جاءه: مفعول من أجله، أي لأن جاءه، ويتعلق بتولى على مختار
البصريين في الأعمال، وبعبس على مختار أهل الكوفة.
وقرأ الجمهور: {فتنفعه} ، برفع العين عطفاً على {أو يذكر} ؛
وعاصم في المشهور، والأعرج وأبو حيوة أبي عبلة والزعفراني:
بنصبهما. قال ابن عطية: في جواب التمني، لأن قوله: {أو يذكر}
في حكم قوله {لعله يزكى} . انتهى. وهذا ليس تمنياً، إنما هو
ترج وفرق بين الترجي والتمني. وقال الزمخشري: وبالنصب جواباً
للعل، كقوله: {فأطلع إلى إله موسى} . انتهى. والترجي عند
البصريين لا جواب له، فينصب بإضمار أن بعد الفاء. وأما
الكوفيون فيقولون: ينصب في جواب الترجي، وقد تقدم لنا الكلام
على ذلك في قوله: {فأطلع إلى إله موسى} في قراءة حفص، ووجهنا
مذهب البصريين في نصب المضارع.
وقرأ الجمهور: إنا بكسر الهمزة؛ والأعرج وابن وثاب والأعمش
والكوفيون ورويس: أنا {طَعَامِهِ * ط {أَنَّا صَبَبْنَا} بفتح
الهمزة؛ والحسين بن عليّ رضي الله تعالى عنهما: أني بفتح
الهمزة مما لا؛ فالكسر على الاستئناف في ذكر تعداد الوصول إلى
الطعام، والفتح قالوا على البدل، ورده قوم، لأن الثاني ليس
الأول. قيل: وليس كما ردوا لأن المعنى: فلينظر الإنسان إلى
إنعامنا في طعامه، فترتب البدل وصح. انتهى. كأنهم جعلوه بدل كل
من كل، والذي يظهر أنه بدل الاشتمال.
{يوم يفر} : بدل من إذا، وجواب إذا محذوف تقديره: اشتغل كل
إنسان بنفسه، يدل عليه: {لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} . |