الإعراب المحيط من تفسير البحر المحيط سورة التين
ثماني آيات مكية
قال الزمخشري: ونحو سينون بيرون في جواز الإعراب بالواو
والياء، والإقرار على الياء تحريك النون بحركات الإعراب،
انتهى.
وأحسن صفة لمحذوف، أي في تقويم أحسن.
ثم رددناه أسفل سافلين {فَارْغَبْ} ، قال عكرمة والضحاك
والنخعي: بالهرم وذهول العقل وتغلب الكبر حتى يصير لا يعلم
شيئاً. أما المؤمن فمرفوع عنه القلم والاستثناء على هذا منقطع،
وليس المعنى أن كل إنسان يعتريه هذا، بل في الجنس من يعتريه
ذلك. وقال الحسن ومجاهد وأبو العالية وابن زيد وقتادة أيضاً:
{أسفل سافلين} في النار على كفره، ثم استثنى استثناء متصلاً.
سورة العلق
تسع عشرة آية مكية
وقرأ الجمهور: اقرأ {الْحَكِمِينَ *
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَنَ
مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأٌّكْرَمُ * الَّذِى
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ *
كَلاَّ إِنَّ الإِنسَنَ لَيَطْغَى * أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى *
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى
* عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى} بهمزة
ساكنة؛ والأعشى، عن أبي بكر، عن عاصم: بحذفها، كأنه على قول من
يبدل الهمزة بمناسب حركتها فيقول: قرأ يقرا، كسعى يسعى. فلما
أمر منه قيل: اقر بحذف الألف، كما تقول: اسع، والظاهر تعلق
الباء باقرأ وتكون للاستعانة، ومفعول اقرأ محذوف، أي اقرأ ما
يوحى إليك. وقيل: {باسم ربك} هو المفعول وهو المأمور بقراءته،
كما تقول: اقرأ الحمد لله. وقيل: المعنى اقرأ في أول كل سورة،
وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم. وقال الأخفش: الباء بمعنى على،
أي اقرأ على اسم الله، كما قالوا في قوله: {وقال اركبوا فيها
بسم الله} ، أي على اسم الله. وقيل: المعنى اقرأ القرآن
مبتدئاً باسم ربك. وقال الزمخشري: محل باسم ربك النصب على
الحال، أي اقرأ مفتتحاً باسم ربك، قل بسم الله ثم اقرأ، انتهى.
وهذا قاله قتادة. المعنى: اقرأ ما أنزل عليك من القرآن مفتتحاً
باسم ربك. وقال أبو عبيدة: الباء صلة، والمعنى اذكر ربك. وقال
أيضاً: الاسم صلة، والمعنى اقرأ بعون ربك وتوفيقه.
{أن رآه استغنى} : الفاعل ضمير الإنسان،
وضمير المفعول عائد عليه أيضاً، ورأى هنا من رؤية القلب، يجوز
أن يتحد فيها الضميران متصلين فتقول: رأيتني صديقك، وفقد وعدم
بخلاف غيرها، فلا يجوز: زيد ضربه، وهما ضميرا زيد. وقرأ
الجمهور: {أن رآه} بألف بعد الهمزة، وهي لام الفعل؛ وقيل:
بخلاف عنه بحذف الألف، وهي رواية ابن مجاهد عنه، قال: وهو غلط
لا يجوز، وينبغي أن لا يغلطه، بل يتطلب له وجهاً، وقد حذفت
الألف في نحو من هذا، قال:
وصاني العجاج فيما وصني
يريد: وصاني، فحذف الألف، وهي لام الفعل، وقد حذفت في مضارع
رأى في قولهم: أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة، وهو حذف لا
ينقاس؛ لكن إذا صحت الرواية به وجب قبوله، والقراءات جاءت على
لغة العرب قياسها وشاذها.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما متعلق أرأيت {الرُّجْعَى *
أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى} ؟ قلت: {الذي ينهى} مع الجملة
الشرطية، وهما في موضع المفعولين. فإن قلت: فأين جواب الشرط؟
قلت: هو محذوف تقديره: {إن كان على الهدى، أو أمر بالتقوى} ،
{ألم يعلم بأن الله يرى} ، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب
الشرط الثاني. فإن قلت: فكيف صح أن يكون {ألم يعلم} جواباً
للشرط؟ قلت: كما صح في قولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أحسن إليك
زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت: فما {أرأيت} الثانية وتوسطها بين
مفعولي {أرأيت} ؟ قلت: هي زائدة مكررة للتوكيد، انتهى.
وقد تكلمنا على أحكام {أرأيت} بمعنى أخبرني
في غير موضع منها التي في سورة الأنعام، وأشبعنا الكلام عليها
في شرح التسهيل. وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما
قررناه، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول
الواحد، والموصول هو الآخر، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون
إلا جملة استفهامية، كقوله: {أفرأيت الذي تولى، وأعطى قليلاً
وأكدى، أعنده علم الغيب} ، {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال
لأوتين مالاً وولداً، اطلع الغيب} ، {أفرأيتم ما تمنون أأنتم
تخلقونه} ، وهو كثير في القرآن، فتخرج هذه الآية على ذلك
القانون، ويجعل مفعول {أرأيت} الأولى هو الموصول، وجاء بعده
{أرأيت} ، وهي تطلب مفعولين، وأرأيت الثانية كذلك؛ فمفعول
{أرأيت} الثانية والثالثة محذوف يعود على {الذي ينهى} فيهما،
أو على {عبداً} في الثانية، وعلى {الذي ينهى} في الثالثة على
الاختلاف السابق في عود الضمير، والجملة الاستفهامية توالى
عليها ثلاثة طوالب، فنقول: حذف المفعول الثاني لأرأيت، وهو
جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه.
حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه.
وحذفاً معاً لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول،
ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر. وهؤلاء
الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع، لأن الجمل لا يصح
إضمارها، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع. وأما تجويز
الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جواباً للشرط بغير فاء، فلا أعلم
أحداً أجازه، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلباً
بوجه مّا، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر.
وقرأ الجمهور: ناصية، خاطئة
{بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} ، بجر
الثلاثة على أن ناصية بدل نكرة من معرفة. قال الزمخشري: لأنها
وصفت فاستقبلت بفائدة، انتهى. وليس شرطاً في إبدال النكرة من
المعرفة أن توصف عند البصريين خلافاً لمن شرط ذلك من غيرهم،
ولا أن يكون من لفظ الأول أيضاً خلافاً لزاعمه. وقرأ أبو حيوة
وابن أبي عبلة وزيد بن علي: بنصب الثلاثة على الشتم؛ والكسائي
في رواية: برفعها، أي هي ناصبة كاذبة خاطئة.
سورة القدر
خمس آيات مكية
بإذن ربهم: متعلق بتنزل {من كل أمر} : متعلق بتنزل ومن للسبب،
أي تتنزل من أجل كل أمر قضاه الله لتلك السنة إلى قابل.
{وسلام} : مستأنف خبر للمبتدأ الذي هو هي، أي هي سلام إلى أول
يومها، قاله أبو العالية ونافع المقري والفراء، وهذا على قول
من قال: إن تنزلهم التقدير: الأمور لهم. وقال أبو حاتم: من
بمعنى الباء، أي بكل أمر.
ولا يجوز أن يكون سلام بهذه اللفظة الظاهرة التي هي المصدر
عاملاً فيما قبله لامتناع تقدم معمول المصدر على المصدر. كما
أن الصلة كذلك لا يجوز تقديمها على الموصول، انتهى.
سورة البينة
ثماني آيات مدنية.
وقرأ بعض القراء: والمشركون رفعاً عطفاً على الذين كفروا
{أَمْرٍ * سَلَمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ * لَمْ
يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ
وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً
مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} . والجمهور: بالجر
عطفاً على {أهل الكتاب} .
ومنفكين اسم فاعل من انفك، وهي التامة
وليست الداخلة على المبتدأ والخبر. وقال بعض النحاة: هي
الناقصة، ويقدر منفكين: عارفين أمر محمد، أو نحو هذا، وخبر كان
وأخواتها لا يجوز حذفه لا اقتصاراً ولا اختصاراً، نص على ذلك
أصحابنا، ولهم علة في منع ذلك ذكروها في علم النحو، وقالوا في
قوله: حين ليس مجير، أي في الدنيا، فحذف الخبر أنه ضرورة.
وقرأ الجمهور: رسول {الْكِتَبِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ
حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ
يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً} بالرفع بدلاً من {البينة} ،
وأبيّ وعبد الله: بالنصب حالاً من البينة.
وقرأ الجمهور: {مخلصين} بكسر اللام، والدين منصوب به؛ والحسن:
بفتحها، أي يخلصون هم أنفسهم في نياتهم. وانتصب {الدين} ، إما
على المصدر من {ليعبدوا} ، أي ليدينوا الله بالعبادة الدين،
وإما على إسقاط في، أي في الدين.
وقرأ الأعرج وابن عامر ونافع: البرئة بالهمز من برأ، بمعنى
خلق. والجمهور: بشد الياء، فاحتمل أن يكون أصله الهمز، ثم سهل
بالإبدال وأدغم، واحتمل أن يكون من البراء، وهو التراب. قال
ابن عطية: وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ، وهو اشتقاق غير مرضي،
ويعني اشتقاق البرية بلا همز من البرا، وهو التراب، فلا يجعله
خطأ، بل قراءة الهمز مشتقة من برأ، وغير الهمز من البرا؛
والقراءتان قد تختلفان في الاشتقاق نحو: أو ننساها أو ننسها،
فهو اشتقاق مرضي.
سورة الزلزال
ثماني آيات مدنية
فكأن قائلاً قال: متى ذلك؟ فقال: إذا زلزلت الأرض زلزالها
{الصَّلِحَتِ} . قيل: والعامل فيها مضمر، يدل عليه مضمون الجمل
الآتية تقديره: تحشرون. وقيل: اذكر. وقال الزمخشري: تحدث،
انتهى.
ويومئذ بدل من إذا، فيعمل فيه لفظ العامل في المبدل منه، أو
المكرر على الخلاف في العامل في البدل.
وتحدث هنا تتعدى إلى اثنين، والأول محذوف،
أي تحدث الناس، وليست بمعنى اعلم المنقولة من علم المتعدية إلى
اثنين فتتعدى إلى ثلاثة.
وقال أيضاً: ويجوز أن يكون بأن ربك {لَهَا * يَوْمَئِذٍ
تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}
بدلاً من {أخبارها} ، كأنه قيل: يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربك
أوحى لها، لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا، انتهى.
وإذا كان الفعل تارة يتعدى بحرف جر، وتارة يتعدى بنفسه، وحرف
الجر ليس بزائد، فلا يجوز في تابعه إلا الموافقة في الإعراب.
فلا يجوز استغفرت الذنب العظيم، بنصب الذنب وجر العظيم لجواز
أنك تقول من الذنب، ولا اخترت زيداً الرجال الكرام، بنصب
الرجال وخفض الكرام. وكذلك لا يجوز أن تقول: استغفرت من الذنب
العظيم، بجر الذنب ونصب العظيم، وكذلك في اخترت. فلو كان حرف
الجر زائداً، جاز الاتباع على موضع الاسم بشروطه المحررة في
علم النحو، تقول: ما رأيت من رجل عاقلاً، لأن من زائدة، ومن
رجل عاقل على اللفظ. ولا يجوز نصب رجل وجر عاقل على مراعاة
جواز دخول من، وإن ورد شيء من ذلك فبابه الشعر. وعدى أوحى
باللام لا بإلى، وإن كان المشهور تعديتها بإلى لمراعاة
الفواصل. قال العجاج يصف الأرض:
أوحى لها القرار فاستقرتوشدها بالراسيات الثبت فعداها باللام.
وقيل: الموحى إليه محذوف، أي أوحى إلى ملائكته المصرفين أن
تفعل في الأرض تلك الأفعال. واللام في لها للسبب.
والظاهر انتصاب خيراً وشراً على التمييز، لأن مثقال ذرة مقدار.
وقيل: بدل من مثقال.
{يومئذ يصدر الناس} : انتصب يومئذ بيصدر.
{ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره} وقرأ عكرمة: يراه بالألف
فيهما، وذلك على لغة من يرى الجزم بحذف الحركة المقدرة في حروف
العلة، حكاها الأخفش؛ أو على توهم أن من موصولة لا شرطية، كما
قيل في أنه من يتقي ويصبر في قراءة من أثبت ياء يتقي وجزم
يصبر، توهم أن من شرطية لا موصولة، فجزم ويصبر عطفاً على
التوهم، والله تعالى أعلم. |