قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن عَمرو بن لحَىّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآبَ من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عِمْلاق.
ويقال : عِمْليق بن لَاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ،
فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها فنستَمْطرها فتُمطرنا، ونستَنْصرها فتنصُرنا،
فقال لهم : ألا تعطوننى منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له : هُبَل ، فقدم به مكة، فنصبه ، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
قال ابن
إسحاق : ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بنى إسماعيل ،
أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حين ضاقت عليهم ، والتمسوا الفُسَح في البلاد،
إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيما للحرم ، فحيثما نزلوا وضعوه ، فطافوا به
كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة
وأعجبهم ، حتى خلف الخُلوف ، ونسوا ما كانوا عليه ، واستبدلوا بدين إبراهيم
وإسماعيل غيره ، فعبدوا الأوثان ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من
الضلالات ، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها : من تعظيم البيت ، والطواف
به ، والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهَدْي البُدْن ، والإهلال بالحَج
والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه. فكانت كنانةُ وقريش إذا أهلُّوا قالوا :
"لَبَّيك اللّهمَّ لبيك ، لَبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكُه وما
مَلَكَ ". فيوحدونه بالتلبية، ثم يُدخلون معه أصنامَهم ، ويجعلون مِلْكَها بيده. ي
قول اللّه
تبارك وتعالى لمحمد – صلى اللّه
عليه وسلم - {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ
بِاللّه إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] أي ما يوحدونَنى لمعرفة حقِّي إلا جعلوا معي شريكاً في خلقي.
أصنام قوم نوح
وقد كانت لقوم نوح أصنامٌ قد عَكفوا عليها، قَصَّ اللّه - تبارك وتعالى -
خبَرها على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم -
فقال :
{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا
وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}
[نوح:٢٣،٢٤]
القبائل العربية وأصنامها
فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم ، وسمَّوا بأسمائهم
حين فارقوا دين إسماعيل : هُذَيْلَ بنَ مُدْركة بن إلياس بن مُضَر، اتخذوا سُواعاً
فكان لهم بِرُهاط. وكلب بن وَبْرة من قضاعة اتخذوا وَدّاً بدومة الجندل.
قال ابن
إسحاق : وقال كعب بن مالك الأنصاري :
وننسى
اللَّاتَ والعُـــــزَّى ونسلُبها
القَلائد والشُّنوفا
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها - إن شاء اللّه.
قال ابن
هشام : وكَلب بنُ وَبزةَ بن تغلب بن حُلْوَان بن
عِمران بن الحاف بن قضاعة.
عباد يغوث
قال ابن
إسحاق : وأنعُم من طيِّى، وأهل جُرَش من مَذْحج اتخذوا يغوث بجُرش.
قال ابن
هشام.
ويقال : أنْعَم. وطيّئ بن أدَد بن مالك ، ومالك : مَذْحج بن أدَد،
ويقال طيِّىء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ.
عباد يعوق
قال ابن
إسحاق : وخَيْوان بطن همدان ، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن.
قال ابن
هشام : وقال مالك بن نَمَط الهَمْداني.
يَريش
اللّه في الدنيا ويَبْر ولا يبرِي يَعوقُ
ولا يَرِيشُ
وهذا البيت في أبيات له.
قال ابن
هشام : اسم همدان : أوْسَلة بن مالك بن زيد بن ربيعة
بن أوْسَلة بن الخِيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
ويقال : أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخِيار.
ويقال : همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد
بن كهلان بن سبأ.
عباد نسر
قال ابن
إسحاق : وذو الكُلَاعِ من حِمْير، اتخذوا نَسْراً بأرضِ حِمْير.
عباد عميانس: وكانَ
لخَوْلان صنم يقال له : عُمْيَانِس بأرض خَوْلان يقسمون له من أنعامهم وحروثهم
قَسَماً بينه وبين اللّه بزعمهم ، فما دخل في حق عُمْيانس من حق اللّه تعالى الذي
سموه له تركوه له ، وما دخل في حق اللّه تعالى من حق عُمْيانس ردوه عليه. وهم في
من خَوْلان ، يقال لهم : الأديم ، وفيهم أنزل اللّه - تبارك وتعالى - فيما يذكرون
: { وَجَعَلُوا للّه مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ
وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للّه بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا
لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللّه وَمَا كَانَ
للّه فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}
[الأنعام:١٣٦]
قال ابن
هشام : خَوْلان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة،
ويقال : خَوْلان بن عَمرو بن مُرة بن أدَد بن زَيد بن مِهْسَع بن
عَمرو بن عَرِيب بن زَيد بن كهلان بن سبأ،
ويقال : خَوْلان بن عُمر بن سعد العشيرة بن مَذْحِج.
عباد سعد
قال ابن
إسحاق : وكان لبني مِلْكَان - بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدْرِكة بن
الياس بن مُضر - صنم ، يقال له : سعد : صخرة بفَلاة من أرضهم طويلة، فأقبل رجل من
بنى مِلكَان بإبل له مُؤَبلة ؛ ليقفها عليه ، التماسَ بركته – فيما يزعُم – فلما رأته الإبل وكانت مَرْعيَّة لا
تُركب ، وكان يُهْراق عليه الدماء نفرت منه ، فذهبت في كل وجه ، وغضب ربُّها
المِلْكاني ، فأخذ حجراً فرماه به ،
ثم قال : لا بارك اللّه فيك ، نفَّرت عليَّ إبلى ، ثم خرج في طلبها حتى جمعها، فلما اجتمعت له
قال :
أتينا
إلى سعدٍ ، ليجمعَ شملَنــا فشتتنا سعد،
فلا نحنُ من سعدِ
وهل سعدُ إلا صخرة بتَنُوفــةٍ من الأرض لاتدعو لِغَي ولا رُشْد
دوس وصنهم
وكان في دوس
صنم لعمرو بن حُمَمة الدَّوْسى.
قال ابن
هشام : سأذكر حديثه في موضعه - إن شاء اللّه.
ودَوْسُ بنُ عُدْثان بن عبد اللّه بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد
اللّه بن مالك بن نصر بن الأسْد بن الغوث.
ويقال : دوس ابن عبداللّه بن زهران بنِ الأسْد بن الغوْث.
عباد هبل :
قال ابن
إسحاق : وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له :
هُبَل.
قال ابن
هشام : سأذكر حديثَه -إن شاء اللّه في موضعه.
إساف ونائلة
قال ابن
إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة، على موضع زمزم ينحرون عندهما، وكان
إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو : إساف بن بَغْي ونائلة بنت دِيك - فوقع
إساف على نائلةَ في الكعبة : فمسخهما اللّه حجَرَيْن.
قال ابن
إسحاق : حدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم. عن عَمْرة بنت عبد الرحمن بن
سعد بن زُرإرة أنها
قالت : سمعت عائشة - رضي اللّه عنها - تقول : ما زلنا نسمع أن إسافاً ونائلة كانا رجلا
وامرأة من جُرْهم ، أحدثا في الكعبة : فمسخهما اللّه تعالى حجَريْن - واللّه أعلم.
قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب :
وحيث يُنيخُ الأشْعرون رِكابَهم بِمُفْضَ
السيولِ من إسافٍ ونائِل
قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له ؛سأذكرها في موضعها – إن شاء اللّه تعالى.
فعل العرب مع أصنامهم
قال ابن
إسحاق : واتخذ أهلُ كلِّ دار في دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد
الرجل منهم سفراً تمسَّح به حين يركب ، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره ،
وإذا قدم من سفره تمسَّح به ، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ،
فلما بعث اللّه رسوله محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - بالتوحيد، قالت قريش : {أَجَعَلَ
الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}
[ص:٥]
الطواغيت : وكانت العرب
قد اتخذت مع الكعبة طَواغيت ، وهي بيوتٌ تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سَدَنَة
وحُجَّاب ، وتُهْدى لها كما تُهْدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها،
وهي تَعْرف فضل الكعبة عليها، لأنها كانت قد عَرَفت أنها بيت إبراهيم الخليل
ومسجده.
العُزَّى وسدنتها وحجابها : فكانت لقريش وبني كنانة : العُزَّى بنَخْلة، وكان سَدنَتَها وحُجابَها بنو
شيبان من سُلَيْم ، حلفاء بني هاشم.
قال ابن
هشام : حلفاء بنى أبيِ
طالب خاصة، وسُلَيْم : سُلَيْم بن منصور بن عكرمة
بن خَصَفة بن قيْس بن عَيْلان.
قال ابن
إسحاق : فقال شاعر من العرب :
لقد أنْكِحَتْ أسماءُ رأسَ
بُقَيْرةٍ من الأدْم أهداها امرؤ من بني
غَنْم
رأى قَدَعاً في عينها إذْ يسوقُها إلى
غَبْغَبِ العُزى فوسَّع في القَسْم
وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هدياً قسَّموه فيمن حضرهم. والغَبْغَب: المنحَر،
ومُهراق الدماء.
قال ابن
هشام : وهذان البيتان لأبي خراش الهذليّ واسمه :
خُوَيلد ابن مُرة في أبيات له.
من هم السدنة : والسدنةُ :
الذين يقومون بأمر الكعبة. قال رُؤبة ابن العجاج :
فلا
وربِّ الآمناتِ القطَّنِ يَعْمرن أمناً بالحرامِ المأمن
بمحبسِ الهدْي وبيتِ المَسْدَنِ
وهذان البيتان في
أرجوزة له ، وسأذكر حديثها – إن شاء اللّه
تعالى في موضعه.
قال ابن إسحاق : وكانت اللاتُ لثقيف بالطائف ، وكان سَدنتَها وحجابها بنو مُعَتِّب من ثقيف.
قال ابن هشام : وسأذكر حديثها – إن شاء اللّه تعالى في موضعه.
قال ابن
إسحاق : وكانت مُناة للأوْس والخزرج ، ومن دان
بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر من ناحية المُشَلَّلِ بقُدَيْد.
قال ابن
هشام : وقال الكُمَيْت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة :
وقد آلتْ قبائلُ لا تُولِّي مناةَ ظهورَها مُتَحرِّفينا
وهذا البيت في قصيدة له.
هدم مناة :
قال ابن
هشام : فبعث رسولُ اللّه -صلى اللّه
عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها،
ويقال : علي بن أبى طالب.
قال ابن
إسحاق : وكان ذو الْخَلَصة لدَوْس وخَثْعم وبَجِيلة، ومن كان
ببلادهم من العرب بتَبَالة.
قال ابن
هشام :
ويقال : ذو الخُلُصة. قال رجل من العرب :
لو كنتَ
يا ذا الخُلص الموتورا مثلى وكان شيخُك المقبورا
لم تنهَ عن قتلِ العُداة زورَا
قال : وكان أبوه قُتل ، فأراد الطلب بثأره ، فأتى ذا الخلَصة،
فاستقسم عنده بالأزلام. فخرج السهم بنهيه عن ذلك ، فقال هذه الأبيات. ومن الناس من
ينحلها امرأ القيس بن حُجْر الكِنْدي ، فبعث إليه رسول اللّه - صلى
اللّه عليه وسلم - جريَر بنَ عبد اللّه
البجْلى، فهدمه.
قال ابن إسحاق : وكانت فِلْس لطيّى ومن يليها بجبلىْ طيى، يعنى سَلْمى وأجأ.
قال ابن هشام : فحدثنى بعضُ أهل العلم أن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعث إليها عليُّ بن أبى طالب فهدمها، فوجد فيها سيفيْن ، يقال لأحدهما : الرَّسُوب ، وللآخر : المِخْذَم. فأتى بهما رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- فوهبهما له ، فهما سيفا علي رضى اللّه عنه.
قال ابن
إسحاق : وكان لحميَر وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له : رِئام.
قال ابن
هشام : قد ذكرت حديثه فيما مضى.
رُضاء وعباده وهدمه :
قال ابن
إسحاق : وكانت رُضَاء بيتاً لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة
بن تميم. ولها يقول المُسْتَوْغِر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام :
ولقد
شَدَدْتُ على رُضَاءٍ شَدَّةً فتركتُها
قفراً بقاعٍ أسْحَما
قال ابن هشام : قوله :
فتركتُها قفراً بقاعٍ أسْحَمَا
عن رجل من بني سعد.
عُمْر المستوغر :
ويقال : إن المستوغر عُمِّر ثلاثمائة سنة وثلاثين
سنة، وكان أطولَ مُضَر كلها عمراً، وهو الذي يقول :
ولقد
سئمتُ من الحياةِ وطولها وعَمَرْتُ من
عددِ السنين مئينا
مائة حَدَتْها بعدها مئتان لــي وازددتُ
من عدد الشهورِ سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنــا يوم
يمرُّ وليلة تحدونا
وبعض الناس يروى هذه الأبيات لزُهير بن جَناب الكلبيِّ.
قال ابن
إسحاق : وكان ذو الكَعَبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بِسِنْدَاد،
وله يقول أعشى بنى قيس بن ثَعلبة :
بينَ الخَوَرْنق والسَّديرِ
وبارقٍ والبيتِ ذي الكَعَبات من سَنْداد
قال ابن هشام : وهذا البيت للأسود بن يَعْفر النهْشَلىّ : نهشل بن دارم بن
مالك بن زيد بن مناة بن تميم ، في قصيدة له ، وأنشدنيه أبو مُحْرز خلف الأحمر :
أهل
الخَوَرْنَقِ والسَّديرِ وبارقٍ والبيتِ
ذي الشُّرفات من سِنْدادِ
رأي ابن إسحاق فيها :
قال ابن إسحاق : فأما البَحيرة فهي : بنت السائبة، والسائبة : الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر، سُيبت فلم يُركب ظهرُها، ولم يُجزّ وبرُها، ولم يُشرب لبنُها إلا ضيف ، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقَّت أذنُها، ثم خُلِّى سبيلُها مع أمها، فلم يُركب ظهرُها، ولم يُجز وبرُها، ولم يُشرب لبنُها إلا ضيف ، كما فُعل بأمِّها، فهي البَحيرةُ بنت السائبة، والوَصِيلة : الشاة إذا أتأمَتْ عشرَ إناثٍ متتابعات في خمسة أبطن ، ليس بينهن ذكرٌ ، جُعلت وصيلة. قالوا : قد وَصَلتْ ، فكان ما وَلَدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن يموت منها شىء، فيشتركوا في أكله ، ذكورُهم وإناثُهم.
قال ابن هشام : ويروى : فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم.
قال ابن إسحاق : والحامي : الفحل إذا نُتج له عشرُ إناث متتابعات ليس بينهنَّ ذكر، حُمِىَ ظهره فلم يُركب ، ولم يُجز وبره ، وخُلِّي في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك.
ابن هشام يخالف ابن إسحاق :
قال ابن هشام : وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي ، فإنه عندهم على ما
قال ابن إسحاق. فالبَحيرة عندهم : الناقة تُشق أذنُها فلا يُركب ظهرُها، ولا يُجز وبرُها، ولا يَشربُ لبَنَها إلا ضيف ، أو يُتصدق به ، وتهمل لآلهتهم. والسائبة : التي ينذر الرجل أن يُسيبَها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمراً يطلبه. فإذا كان أساب ناقة من إبله ، أو جملا لبسعض آلهتهم ، فسابت فرعتْ لا يُنتفع بها. والوصيلةُ : التي تلد أمُّها اثنين في كل بطن ، فيجعل صاحبهما لآلهته الإناث منها، ولنفسه الذكورَ : فتلدُها أُمُّها ومعها ذكرٌ في بطن، فيقولون : وصلت أخاها، فُيسيَّب أخوها معها، فلا يُنتفع به.
قال ابن هشام : حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره. وروى بعض ما لم يرو بعض.
قال ابن إسحاق : فلما بعث اللّه تبارك وتعالى رسولَه محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - أنزل عليه : {مَا جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة:١٠٣] وأنزل اللّه تعالى : {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام:١٣٩].
وأنزل اللّه تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللّه لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ أَاللّه أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّه تَفْتَرُونَ} [يونس:٥٩]
وأنزل عليه : { ثمانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ* وَمِنْ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللّه بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّه لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:١٤٤]
البحيرة والوصيلة والحامي لغة
قال ابن هشام : قال الشاعر :
حُولُ الوصائِل في شُرَيفٍ حِقَّة والحامياتُ ظهورَها والسيبُ
وقال تميم بن أبيّ بن مُقْبِل أحد بني عامر بن صعصعة :
فيه من الأخرج المِرْباع قَرقَرة هَدْرَ الدِّيافيِّ وسط الهَجْمة البُحُر
وهذا البيت في قصيدة له. وجمع بحيرة : بحائر وبُحر. وجمع وصيلة : وصائل ووُصل. وجمع سائبة الأكثر : سوائب وسُيَّب ، وجمع حام الأكثر : حوَّم.