إرشاد
السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك (كتاب الحج)
(4)
- يَلْزَمُ كُلَّ مُسْلِمٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتطِيعٍ عَلَى الْفَوْرِ (5)
مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَالاِسْتِطَاعَةُ إِمْكَانُ الْوُصُولِ مَعَ
الأَمْنِ
_________
(1) مأخوذ من العكوف وهو اللزوم ومنه قوله تعالى {العاكف فيه والباد - الذي
ظللت عليه عاكفاً - لن نبرح عليه عاكفين} هذه حقيقته اللغوية، وحقيقته
الشرعية ما ذكره المصنف، واختلف في حكمه فقيل مندوب وقال ابن العربي سنة،
وقال ابن عبد البر في الكافي سنة في رمضان وفي غيره جائز والراجح الثاني
لمواظبته صلى الله عليه وآلاه وسلم على فعله.
(2) وأقله يوم وليلة ولا حد لأكثره.
(3) قوله إلا من تلزمه الجمعة. معناه أنه يجوز الاعتكاف في كل مسجد سواء
كان جامعاً أو غيره والجامع هو الذي تقام فيه الجمعة وغيره الذي لا تقام
فيه إلا إذا كان المعتكف تلزمه الجمعة أي ذكر حر بالغ عاقل مستوف لشروط
الجمعة وكان يوم الجمعة واقعاً في أيام اعتكافه بأن نوى الاعتكاف سبعة أيام
أو ثلاثاً أولها الأربعاء أو الخميس أو نوى مدة أكثر من ذلك فلا بد من وقوع
الجمعة فيها، فهذا يجب عليه أن يعتكف في المسجد الجامع، فإذا اعتكف في غيره
وجب عليه الخروج للجمعة وبطل اعتكافه بمجرد خروجه من المسجد، ويقضيه
وجوباً، أما لو كان اعتكافه أياماً ليس فيها يوم الجمعة أو كان المعتكف لا
تلزمه الجمعة فيجوز اعتكافه في الجامع وغيره.
(4) الحج لغة القصد، ومن ذلك رجل محجوج أي مقصود وشرعاً القصد إلى مكة
للنسك والنسك إما حج وإما عمرة ولكل منهما أركان أي أفعال إذا أداها الحاج
أو المعتمر فقد أدى الفرض في الحج والسنة في العمرة وبرئت ذمته من مطالبة
الله له بهما.
(5) هذا قول العراقيين وقاله مالك أيضاً وشهر وعليه لو أخر عن أول سني
الاستطاعة فهل يكون قضاء وهو قول ابن القصار أو أداء وهو قول غيره. وقال
الماربة هو على التراخي ما لم يخف الفوات وشهر أيضاً ولذا قال خليل في
المختصر. وفي المغاربة هو على التراخي الفوات خلاف.
(1/41)
كَيْفَمَا تَيَسَّرَ وَالْمَرْأَةُ مَعَ
مُحْرَم أَوْ رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ، وَالمَيِّتُ الضَّرُورَةُ (1) إِنْ
أَوْصَى بِهِ يَلْزَمُهُ فِي ثُلُثِهِ فَلْيُسْتَأْجَرْ مَنْ يَحِجُّ
عَنْهُ، ثُمَّ الإِجَارَةُ ضَرْبَانِ: بَلاَغٌ وَهِيَ دَفْعُ مَالٍ
بِحَسَبِ كِفَايَتِهِ ذِهَاباً وَإِيَاباً فَمَا فَضَلَ لَزِمَهُ رَدُّهُ
فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فَلَهُ التَّرْكُ، فَإِنْ مَضَى لَمْ
يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ بِنَفَقَتِهِ وَبَعْدَهُ يَلْزَمُهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ
بِالنَّفَقَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى المُسْتَأْجِرِ وَقَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ فِي بَقِيَّةِ الثُّلُثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى
المُسْتَأْجِرِ الثَّانِي مَضْمُونَةٌ وَفِيهَا يَتَعَيَّنُ قَدْرُ
الأُجْرَةِ وَصِفَةُ الْحَجِّ وَمَوْضِعُ الاِبْتِدَاءِ، وَالمَشْهُورُ
اشْتِراطُ تَعَيُّنِ السَّنَةِ، وَقِيلَ بَلْ تَتَعَيَّنُ السَّنَةُ
الأُولَى بِالإِطْلاَقِ ثُمَّ مَا فَضَلَ أَوْ أَعْوَزَ فَلَهُ وَعَلَيْهِ
وَلاَ يُسْتَأْجَرُ لَهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ إِلاَّ
أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذلِكَ فَلَوْ عَيَّنَ شَخْصاً فَأَبَى عَادَ الْمَالُ
مِيرَاثاً كَمَا لَوْ عَيَّنَ قَدْراً فَوُجِدَ مَنْ يَرْضَى بِدُونِهِ
إِلاَّ إِنْ قَصَدَ دَفْعَهُ إِلَيْهِ، وَلَوْ عَيَّنَ صِفَةً فَأَحْرَمَ
بِغَيْرِهَا لَمْ يُجْزِهِ فَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ انْفَسَخَتِ
الإِجَارَةُ، وَمَنْ تَطَوَّعَ أَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ فَرْضِهِ
كُرِهَ وَوَقَعَ عَلَى مَا نَوَاهُ.
(فصل) المواقيت: الزماني والمكاني
- الميقَاتُ زَمَانِي: شَوَّالٌ، وَذُو القِعْدَةِ وَعَشْر ذِي الْحِجَّةِ
وَمَكَانِيٌّ: ذو الْحُليْفَةِ) (2) وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَم وَقَرْنُ
الْمَنَازِلِ وَذَاتُ عِرْق فَهِيَ لأَهْلِهَا وَمَنْ مَرَّ بِهَا فَمَنْ
تَجَاوَزَهُ
_________
(1) الضرورة هو من عليه حجة الاسلام.
(2) في الموطأ عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يهل
أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن"
قال ابن عمر وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ويهل أهل
اليمن من يلملم"، قلت وهذا رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، وروت عائشة وجابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق
ذات عرق. وقال صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المواقيت هن لهن ولمن أتى
عليهن من غير أهلهن وقد جمع بعضهم المواقيت المكانية لغير المكي في قوله:
عرق العراق يلملم اليمن * وبذي الحليفة يحرم امدني
والشام جحفة إن مررت بها * ولأهل نجد قرن فاستبن
(1/42)
حَلاَلاً لَزِمَهُ دَمٌ إِلاَّ أَنْ
يَرْجِعَ غَيْر مُحْرِمٍ وَمَنْ مَنْزِلهُ بَعْدَ مِيقَاتٍ فَهُوَ
مِيقَاتُهُ، وَمَكَّةَ مِيقَاتُ أَهْلِهَا وَالْمُعْتَمِرُ يَخْرُجُ
مِنْهَا إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ وفي قِرَانِ المَكي مِنْهَا خِلاَفٌ وَلاَ
يَدْخُلُ آفَاقِيٌّ مَكَّةَ إِلاَّ مُحْرماً.
(فصل) أَرْكَانُ الْحَجِّ
- أَرْكَانُ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ: الإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ (1) ،
وَالطَّوَافُ (2) وَالسَّعْيُ (3)
فَالإِحْرَامُ ثَلاَثَةُ أَضْرُبٍ: إِفْرَادٌ وَهُوَ أَفْضَلُهَا،
وَتَمَتُّعٌ وَهُوَ أَنْ يَأْتي الآفَاقِيُّ بالْعُمْرَةِ أَوْ بَعْضِهَا
فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجُّ، مِنْ عَامِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ
إِلَى أًفْقِهِ أَوْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إِلاَّ
لِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقِرَانٌ وَهُوَ جَمْعُ الْعُمْرَةِ
وَالْحَجِّ فِي إِحْرَام مُقَدِّماً لِلْعُمْرَةِ لَفْظاً أَوْ نِيَّةً
أَوْ يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَيْهَا فِي أَثْنَائِهَا وَيَلْزَمُ الْهَدْيُ
وَتَدْخُلُ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَمُرِيدُ الإِحْرَامِ إِذَا أَتَى
الْمِيقَاتَ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ وَاغْتَسَلَ
(4) وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً اسْتِحْبَاباً، وَيَتَجَرَّدُ مِنْ
مخيطٍ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ ثُمَّ يَنْوِي مَا يُرِيدُ
عَقْدَهُ مُلَبِّياً وَمُتَوَجِّهاً، وَلَفْظُهَا لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ
لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ
الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ
يُعَادِوُهَا فِي كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَتَلَقِّي الرِّفَاقِ وَدُبُرَ
الصَّلَوَاتِ وَيَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا جُمْلَةً،
ثُمَّ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعاً، أَتَى مَكَّةَ
_________
(1) هو الحضور بعرفة ودة زمنية مهما قلت وقوفاً أو جلوساً ومروراً أو
اضطجاعاً ليلة النحر.
(2) والطواف بالبيت العتيق سبعاً.
(3) والسعي بين الصفا والمرة سبعاً أيضاً. وعمال العمرة الطواف والسعي
والإحرام فليس فيها وقوف وسيأتي للمؤلف بيانها.
(4) هذا أحد اغتسالات الحج المسنونة وهو الاغتسال للإحرام والثاني لدخول
مكة ولا تفعله الحائض والنفساء والثالث للوقوف بعرفة والغسل الأول لا بد
فيه من الدلك والثاني والثالث قيل لا بد فيهما أيضاً من ذلك لكنه خفيف وقال
مياسرة في شرح متن ابن عاشر لا دلك فيهما ويستحب الغسل أيضاً لدخول
المدينة.
(1/43)
لِطَوَافِ الْقُدُومِ فَيَدْخُلُهَا مِنَ
الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيَدْخُلَ مِنْ
بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ
وَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ هذَا الْبَيْتَ تَشْريفاً وَتَعْظِيماً،
وَمَهَابَةً وَتَكْرِيماً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ
حَجَّهُ أَوِ اعْتَمَرَهُ، تَشْرِيفاً وَتَعْظِيماً، وَمَهَابَةً
وَتَكْرِيماً فَيَأْتِي الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، فَيُقَبِّلُهُ (1)
وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِيمَاناً بِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَتَصْدِيقاً
بِكِتَابِكَ، وَاتِّبَاعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ، وَيَبْتَدِئُ الطَّوَافَ
مِنْهُ، فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ جَاعِلاً
الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِةِ، الثَّلاَثَةُ الأُولَى خَبَباً كُلَّمَا مَرَّ
بِالْحَجَرِ قَبَّلَهُ، وَبِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لَمَسَهُ بِيَدِهِ،
وَاسْتِيفَاءُ الْعَدَدِ شَرْطٌ كَالطَّهَارَةِ، فَإِذَا فَرَغَ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، وَالأَفْضَلُ وَرَاءَ الْمَقَامِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى
الصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهَا حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ فَيَتَوَجَّهُهُ،
وَيُكَبِّرُ وَيَقُولُ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،
لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ
يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلهَ
إِلاَّ اللهُ، لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
ثمَّ يَنْزِلُ فَيَسْعَى حَتَّى يُجَاوِزَ الْمِيلَيْنِ الأَخْضَرَيْنِ،
ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَعْمَلُ عَلَيْهَا
كَالصَّفَا وَذلِكَ شَوْطٌ، ثُمَّ يَأْتِي بِتَمَامِ سَبْعةِ أَشْوَاطٍ
كَذلِكَ،
وَهذَا السَّعْيُ هُوَ الرُّكْنُ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ
_________
(1) ولا يقبله إلا متوضئ لأنه كالجزء من الطواف المشترط فيه الطهارة وفي
ذلك ألغز الشيخ التادي بن سودة بقوله:
أيها العالم المفيد البرايا * ما مقالك في جواب سؤالي
قبلة لم تجز بدون وضوء * وهي لا تنقض الوضوء بحال
(1/44)
بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ أَخَّرَهُ
عَنْهُ سَعَى مَعَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ، وَشُرُوطُهُ أَنْ يَكُونَ عَقِيبَ
طَوَاف، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْيَوْمِ الثَامِنِ إِلَى مُنَى وَيُعَاوِدُ
التَّلْبِيَةَ. وَيُسْتَحَبُّ الْمَبِيتُ بِهَا، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ
دَفَعَ إِلَى عَرَفَةَ فَيَنْزِلُ بِهَا، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ قَطَعَ
التَّلْبِيَةَ وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ ثُمَّ وَقَفَ، وَعَرَفَةُ
كلَها مَوْقِفٌ إِلاَّ بَطْنَ عَرَفَةَ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ
وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ دَفَعَ إِلَى الْمُزْدَلِفَة، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ
عَرَفَةَ قَبْلَ تَوَارِيهَا بَطَلَ حَجُّهُ إِلاَّ أَنْ يَعُودَ فَيَقِفَ
جُزْءاً مِنَ اللَّيْلِ وَمَنْ تَرَكهُ نَهَاراً مُتَمَكِّناً فَعَلَيْهِ
دَمٌ فَإِذَا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ جَمَعَ بَيْنَ العِشَاءَيْنِ فَإِنْ
لَمْ يَنْزِلْهَا لَزِمَهُ الدَّمُ وَالأَفْضَلُ الْمَبِيتُ. وَيَلْتَقِطُ
مِنْهَا حَصَاةَ الْجِمَارِ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَتَى الْمَشْعَرَ
الْحَرَامَ فصلى الصُّبْحَ وَوَقَفَ ذَاكِراً، ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ
الطُّلُوعِ إِلَى مِنًى فَيَرْمِي بِهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَة بَعْدَ
الطُّلُوعِ بِسَبْعِ حَصِيَاتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ
وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ، ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ فَيَطُوفُ طَوَافَ الإِفَاضَةِ
وَهذَا هُوَ الرُّكْنُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُنًى فَيَبِيتَ بِهَا
لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فَيَرْمِي الأَيَّامَ
الثَّلاَثَة كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لاَ يُجْزِئُ قَبْلَهُ وَلاَ
لَيْلاً وَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ السُّفْلَى فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ
حَصِيَّاتٍ رَمْياً لاَ وَضْعاً،
(1/45)
وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ
وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا فَيَتَوَجَّهُ الْعَقَبَةَ، وَيَبْتَهِلُ
بِدُعَاءٍ، ثُمَّ يأْتِي الْعُلْيَا فَيَرْمِيهَا، وَالتَّرْتِيبُ شَرَطٌ،
فَإِنْ نَكَسَ أَعَادَ مَا نَكَسَ، وَلاَ يَرْمِي بِمَا قَدْ رُمِىَ بِهِ،
وَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ وَلَوْ لَيْلَةً وَالرَّمْيُ فِي كُلِّ جَمْرَةٍ
حَصَاةً لَزِمَهُ الدَّمُ وَلَوْ فَضَلَ فِي يَدِهِ حَصَاةٌ لاَ يَدْرِي
مِنْ أَيِّهِنَّ؟ يَرْمِي فِي كُلِّ جَمْرَةٍ حَصَاةً حَصَاةً عَلَى
التَّرْتِيبِ ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْوِدَاعِ وَهُوَ
آخِرُ الْمَنَاسِكِ.
(فصل) الفدية
- تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الْفِدْيَةُ (1) بِلُبْسِ الْمَخِيطِ لُبْساً
مُعْتَاداً وَلَوْ بِإِدْخَالِ كَتِفَيْهِ الْقَبَاءَ وَلُبْسِ الْخُفِّ
إِلاَّ أَنْ يَقْطَعَهُ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبِ وَالتَّرَفُّهِ بِحَلْقِ
شَعْرٍ، وَتَقْلِيمِ ظَفْرٍ، وَإِزَالَةِ شَعْثٍ وَتَطَيُّبٍ وَتَغْطِيَةِ
الرَّجُلِ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ وَالْمَرْأَةِ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا
وَاكْتِحَالِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَهَا لُبْسُ المُخِيطِ وَالْخُفِّ
وَسَدْلُ ثَوْبٍ عَلَى وَجْهِهَا غَيْرَ مَرْبُوطٍ خَوْف فِتْنَتِهَا،
وَبِلَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ وَشَدِّ تَعْوِيذٍ عَلَى عَضُدِهِ،
وَتِكَّةٍ أَوْ خَيْطٍ فَوْقَ إِزَارِهِ لاَ بِحَمْلِ مَتَاعِهِ
لِلضَّرُورَةِ وَشَدِّ نَفَقَتِهِ تَحْتَ إِزَارهِ وَتَسَاقُطِ شَعْرٍ
بِحَكَّةٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ بِتَخْلِيلِ وُضُوءٍ، وَهِيَ إِطْعَامُ
سِتَّةِ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ، أَوْ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ
يَنْسِكُ بِشَاةٍ فَمَا فَوْقَهَا غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِمَكَانٍ
وَتَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ مُوجبِهَا
_________
(1) الفدية ثلاثة أنواع:
-1- شاة من ضأن أو معز أو أعلى منها من إبل وبقر وقيل الشاة أفضل من البقر
والإبل فالبقر أفضل من اٌبل ويشترط فيها من السن والشمن وغيرهما ما يشترط
في الضحية والهدي.
-2 - إطعام ستة مساكين من غالب قوت المحل الذي أخرجه فيه لكل مسكين مدّان
بمدّه صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم فجملتها ثلاثة آصع والصاع قدحان مصريان
وأربعة أمداد ويجزي غذاء وعشاء لكل مسكين حيث بلغ الغذاء أو العشاء المدين
والمدان أفضل.
-3 - صيام ثلاثة أيام ولو أيام منى ولا تختص الفدية بأنواعها بمكان أو زمان
فيجوز تأخيرها لبلده وغيره في أي وقت شاء بخلاف الهدي فإن محله منى أو مكة
وتعدد الكفارة بتعدد موجبها فلكل من اللبس والحلق والتطيب وتقليم الظفر
فدية خاصة إذا فعلت متفرقة أو نوى الحاج فعل كل واحد منفرداً عن الآخر أما
إن فعله دفعة واحدة كأن حلق وتطيب وقلم أظافره ولبس المخيط دفعة واحدة
فعليه فدية واحدة وشرط وجوب الفدية في اللبس الانتفاع به بأن يلبس مدة تكون
مظنة للانتفاع فان نزع الملبوس عن قرب فلا فدية عليه.
(1/46)
لاَ بِفِعْلِهَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ.
(فصل) ممنوعات الإحرام
- يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ جَمِيعِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ
طَائِراً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَتْلَهُ لاَ مَا صَادَهُ حَلاَلٌ لغَيْرِ
مُحْرم، فَإِنْ صَادَهُ أَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ مَعَهُ لَزِمَهُ إِرْسَالَهُ،
فَإِنْ عَطِبَ لَزِمَهُ جَزَاءَهُ كَمَا لَوْ نَقَرَهُ أَوْ تَعَلَّقَ
بِحِبَالَتِهِ أَوْ سَقَطَ فِي بئْرٍ حَفَرَهَا لِسَبْعٍ وَنَحْو ذلِكَ
فَإِنْ أَكَلَهُ فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَسَرَهُ وَتَرَكَهُ مَخُوفاً
لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ فَإِنْ تَلَفَ فَجَزَاءَانِ لاَ إِنْ بَرِئَ وَلَحِقَ
بِالصَّيْدِ. ثُمَّ مِثْلُ الصَّيْدِ مِنَ الأَنْعَامٍ أَوْ مَا
يُقَارِبُهُ خِلْقَةً فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ
كَحَمَامِ الْحَرَمِ، وَفِي حَمَامِ الْحِلِّ حُكُومَةٌ وَفِي حِمَار
الْوَحْشِ بَقَرَةٌ كَالإِبِلِ أَوْ قِيمَة الصَّيْدِ حَياً طَعَاماً
يُطْعِمُهُ المَسَاكِينَ مُدٍّا وَلِلْكَسْرِ مِسْكِيناً لاَ يَلْزَمُهُ
تَكْمِيلُهُ أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ وَلِكَسْرِهِ، وَيَحْكُمُ بِهِ
ذُو عَدْلٍ وَفِيمَا لاَ مِثْلَ لَهُ إِطْعَامٌ أَوْ صَوْمٌ وَصَغِيرُ
الصَّيْدِ كَكَبِيرِهِ، وَفِي بَيْضِهِ عُشْرُ مَا فِي أُمِّهِ وَيَجُوزُ
قَتْلُ مَا يُخَافُ كَالسِّبَاعِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالزنْبُورِ
وَالْفَأْرَةِ وَالْحِدَأَةِ وَالأَبْقَعِ وَدَفْعِ الصَّائِلِ، وَلاَ
يَحِلُّ صَيْدُ الْحَرَمِ لِحَلاَلٍ وَلاَ لِمُحْرِمٍ وَلَوْ رَمَاهُ مِنَ
الْحِلِّ وَفِي الْعَكْسِ خِلاَفٌ كَفَرْعِ شَجرِ الْحِلِّ فِي الْحَرَمِ
وَبِالْعَكْسِ وَلاَ يَجُوزُ قَطْعُ شَجَرهِ وَكُرِهَ الاِحْتِشَاشُ
بِخِلاَفِ الرَّعْي وَقَطْعِ الإِذْخِرِ
(1/47)
وَالسَّنَا وَمَا غُرِسَ، وَحَرَمُ
المَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَفِي جَزَاءِ صَيْدِهِ خِلاَفٌ.
(فصل) الهدي
- دِمَاءُ الْحَجِّ كُلُّهَا هَدْيٌ إِلاَّ نُسُكَ الأَذَى وَأَعْلاَهُ
بَدَنَةٌ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ، وَتَقْلِيدُهُ تَعْلِيق نَعْل (1) فِي
عُنُقِهِ وَإِشْعَارُهُ شَقُّ صَفْحَةِ سَنَامِهِ الْيُسْرَى، وَهُوَ فِي
السَّلاَمَةِ وَالسِّنِّ كَالأُضْحِيَةِ فَيُوقِفُهُ وَيَنْحَرُهُ بِمِنى
وَمَا لَمْ يُوقَفْ مَنْحَرُهُ مَكَّةُ، وَسَبِيلُ وَلَدِهَا كَسَبِيلِهَا
وَمَنْ عَدِمَهُ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا
رَجَعَ، وَيَجُوزُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، وَالْمُعْتَمِرُ يَتَطَوَّعُ بِهِ،
ثُمَّ يَصِيرُ قَارِناً يَلْزَمُهُ آخَرُ لِقِرَانِهِ، وَيَجُوزُ الأَكْلُ
مِنْهُ إِلاَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَنَذْرَ المَسَاكِينِ، وَقِدْيَةَ
الأَذَى، وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحَلَّهُ، وَمَنْ أَكَلَ
مِمَّا لَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ ضَمِنَ وَهَلْ لَحْماً أَوْ قِيمَةً
قَوْلاَنِ، وَلاَ يُرْكَبُ وَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ
فَإِنْ زَالَتْ بَادَرَ إِلَى النُّزُولِ وَالْحَطِّ عَنْهُ وَلاَ تَجُوزُ
الشَّرِكَةُ فِي الْهَدْيِ، وَيَفْسُدُ الْحَجُّ بِوَطءٍ وَاسْتِدْعَاءِ
المَنِى مَا بَيْنَ الإِحْرَامِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُهُ وَالْقَضَاءُ وَالْهَدْيُ يَسُوقُهُ فِي حَجَّهِ
الْقَضَاءِ وَيُفَارِقُ المَوْطُوءَةَ فِيهَا مِنْ حِينِ إِحْرَامِهِ إِلَى
التَّحَلُّلِ وَيَقْضِي عَلَى صِفَةِ مَا أَفْسَدَ، وَلاَ يُنْكِحُ
المحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ حَتَّى يَتَحَلَّلَ وَيَحِلّ بِالإِفَاضَةِ
جَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ.
_________
(1) في الموطأ عن ابن عمر أنه كان إذا أهدى هدياً من المدينة قلده وأشعر من
ذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة
يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر إلخ قال الباجي في المنتقى هذا هو
المستحب أن يقلده بنعلين ي رقبته للحديث المقدم حديث ابن عباس عن النبي
صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم وفيه (قلدها بنعلين) وإن قلدها بنعل واحدة فقد
قال مالك تجزئه النعل الواحدة اهـ. ومنه يعلم أن ما ذكره المصنف خلاف
المستحب.
(1/48)
(فصل) حَجُّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ
- حَجُّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ نَافِلَةٌ وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ فِي
أَثْنَائِهَا، وَلَيْسَ لَهُ الإِحرَامُ بِغَيْر إِذْنِ سَيِّدِهِ. وَلَهُ
تَحْلِيلُهُ كَالزَّوْجَةِ فِي التَّطَوُّعِ فَإِنْ كَانَ الصَّبِيٌّ
قَوِيّاً يَتَعَقَّلُ بَاشَرَ الأَفْعَالَ وَإِلاَّ أَحْرَمَ وَطَافَ
وَسَعَى بِهِ وَلِيُّهُ، فَإِنْ كَانَ وَصِيّاً وَخَافَ عَلَيْهِ ضَيْعَةُ
فَنَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِلاَّ ضَمِنَ الزَّائِدَ عَلَى نَفَقَةِ
الْحَضَرِ، وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ أَوْ بَلَغَ يَوْمَ عَرَفَةَ
فَأَحْرَمَ وَوَقَفَ سَقَطَ فَرْضُهُ، وَالمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَتَحَلَّلُ
مَكَانَهُ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ، المُحْصَرُ
بِمَرَضٍ لاَ يُحَلِّلُهث إِلاَّ الْبَيْتُ.
(فصل) الْعُمْرَةُ
- الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ (1) مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَمَحْظُورَاتُهَا
كَالْحَجِّ وَأَرْكَانُهَا الإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ،
وَيَحِلُّ بِالْحِلاَقِ أَوِ التَّقْصِيرِ، وَيَصِحُّ الإِحْرَامُ بهَا فِي
جَمِيع السَّنَةِ إِلاَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَمَنْ أَحْرَمَ مِنَ
المِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَمِنَ
الجعِرَّانَةِ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ، وَمِنَ التَّنْعِيمِ إِذَا دَخَل
المَّسْجِدَ، وَإِذَا حَاضَتْ المُعْتَمِرَةُ قَبْلَ طَوَافِهَا
انْتَظَرَتْ الطُّهْرَ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ دَفَتْ الحَجَّ
وَسَقَطَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ، وَالمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ
وَتَقِفُ وَتَنْتَظِرُ الطُّهْرَ لِلطَّوَافِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
_________
(1) قال في الموطأ سنة ولا نعلم أحداً من المسلمين أرخص في تركها اهـ. وقال
الشافعي هي فرض كالحج ووافقه من المالكية ابن حبيب وأبو بكر ابن الجهم ثم
هي لا تكرر عند مالك بل تفعل مرة في السنة وقال مطروف وابن المواز لا بأس
أن يعتمر في السنة مراراً وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
(تنبيه) لم يتعرض المصنف للزيارة النبوية وهي كما قال القاضي عياض مجمع
عليها وفضيلة مرغب فيها قال الشيخ أبو عمران الفارسي إنها واجبة قال عبد
الحق الاشبيلي يعني وجوب السنن المؤكدة فينبغي للحاج إذا فرغ من نسكه أن
يتوجه نحو المدينة المنورة لزيارة الروضة الشريفة والمسجد النبوي المعظم ثم
يزور البقيع والشهداء أحد ويكثر من الدعاء في تلك الأماكن الطاهرة كما قال
ابن عاشر:
واعلم بأن ذا المقام يستجاب * فيه الدعاء فلا تمل من طلاب
(1/49)
ما يفسد النسك
- يفسد الجماعُ الموجب للغسل الحجَّ والعمرةَ، سواء أنزل أم لا، عامداً أو
ناسياً أو مكرهاً، في آدمي أو غيره. وقولنا الموجب للغسل أي جماع البالغ
امرأة مطيقة للجماع، فخرج الصبي وجماع البالغ غير المطيقة، فلا إفساد للحج
بذلك إذا لم ينزل. وخرج بالجماع وَضْعُ الذَّكَر في هواء الفرج أو مع لف
خرقة كثيفة عليه إذا لم ينزل أيضاً فلا فساد بذلك. ومِثْلُ الجماع في إفساد
الحج الاستنماءُ ولو باستدامة نظر أو فكر، فخروج المني مفسد للحج مطلقاً.
وشرط إفساد كل ما تقدم أن يقع قبل يوم النحر أو في يوم النحر قبل جمرة
العقبة وطواف الإفاضة، أو يقع في حالة الإحرام بالعمرة قبل تمام سعيها، فإن
وقع بعد يوم النحر أو فيه جمرة العقبة وطواف الإفاضة أو في العمرة بعد تمام
سعيها فلا فساد ويلزم هدي.
كتَابُ الْجِهَادِ (1)
- إِذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ دَارَ الإِسْلاَمِ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ مَنْ
أَمْكَنَهُ النُّصْرَةَ حَتَّى الْعَبِيدِ وَالْمَرْأَةِ، وَلاَ مَنْعَ
لِلسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَإِلاَّ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ،
وَيَلْزَمُ الإِمَامُ حِرَاسَةُ الثُّغُورِ وَالْبَعْثُ إِلَى دَارِ
الْحَرْبِ فِي كُلِّ وَقْت يُمْكِنُهُ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ
فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْجِزْيَةِ وَالدُّخُولِ فِي ذِمَّةِ الإِسْلاَمِ
فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ وَلاَ يُقْتَلُونَ قَبْلَ الدَّعْوَةِ إِلاَّ
أَنْ يَتَعَجَّلُوا وَيَجُوزُ التَّنْكِيل بِهِمْ بِقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ
وَمَنْعِ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ وَإِرْسَالِهَا عَلَيْهِمْ وَرَمْيِهِمْ
بِالمَجَانِيقِ وَعَقْرِ دَوَابِّهِمْ وَنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ وَبِكُلِّ
مَا فِيهِ نَكَايَةٌ، وَمَنْ أَجَابَ إِلَى الْجِزْيَةِ أُقِرَّ عَلَى
دِينِهِ وَقُبِلَتْ مِنْهُ وَهِيَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً
عَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ حُرٍّ
ذَكَرٍمُكَلَّفٍ غَيْرِ مُتَرَهَّبٍ وَلاَ عَتِيقٍ مُسْلِمٍ، وَلاَ
يُؤْخَذُ مَلِيٌّ بِمُعْدِم وَلاَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ مَعَ ضِيَافَةِ
المُجْتَازِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةَ أَيَّام، وَتَسْقُطُ
بِالإِسْلاَمِ وَلَوْ عَنْ أَحْوَالٍ، لاَ بِانْتِقَالِهِ إِلَى مِلةٍ
أُخْرَى، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ تَجَرَ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ عُشْرُ مَا
يَبِيعُ حُرًّاً، كَانَ أَوْ عَبْداً، فَإِنْ بَاعَ بِبَلَد وَاشْتَرَى
بِغَيْرِهِ فَعُشْرَانِ، وَنِصْفِهِ مِمَّا
_________
(1) قال ابن رشد في المقدمات الجهاد مأخوذ من الجهد وهو التعب فمعنى الجهاد
المبالغة في اتعاب الأنفس في ذات الله تعالى وهو ينقسم أربعة أقسام جهاد
بالقلب وهو جهاد الشيطان ومجاهدة النفس عن الشهوات وجهاد اللسان وهو بالقلب
بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد باليد وهو تغيير المنكرات وتعزيز أهلها
بما يقتضيه وجهاد الاجتهاد السيف وهو قتال المشركين وقد ورد في حديث ضعيف
أن النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال للصحابة في عودتهم من غزوة تبوك
(رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر مجاهدة العبد هواه) وأما جهاد
المشركين والكفار ففضله عظيم وقدره جسيم نوه به في غير آية من كتابه الكريم
وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال (مثل
المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لايفتر من صلاة ولا
صيام حتى يرجع) وحديث (ما جميع أعمال الجهاد إلا كبصقة في بحر) منكر باطل
ولا يصح ذكره إلا للتنبيه على بطلانه.
والجهاد كما يكون بالمقاتلة والمجالدة يكون بانفاق المال في ذلك وكل مايعلي
شأن الدين وباللسان أيضاً بأن يبين بطلان عقائد النصارى وفساد ما هم عليه
لحديث أنس أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم قال: "جاهدوا المشركين
بأموالكم وأيديكم وألسنتكم" صححه النسائي ومن الجهاد أيضاً الرد على مبتدعة
العصر وملاحدته وبيان بطلان آرائهم لئلا يغتر بها عوام المسلمين وضعفه أهل
العلم، فهذا من أهم الواجبات في هذا العصر والله المستعان.
(1/50)
حَمَلُوهُ إِلَى الْحَرَمَيْنِ مِنَ
الأَقْوَاتِ وَنَحْوِهَا وَالْحَرْبِيُّ بِغَيْرِهِ إِلاَّ أَنْ يُشْتَرَطَ
عَلَيْهِ أَكْثَرُ، وَيُمْنَعُونَ شِرَاءَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى
المُسْلِمِينَ كَالسِّلاَحِ وَالْحَدِيدِ وَتُنْقَصُ كَنَائِسُ بِلاَدِ
الْعَنْوَةِ لاَ الصُّلْحِ لكِنْ يُمْنَعُ رَمُّ دَائِرِهَا وَيُعَلَّمُونَ
بِمَا يُمَيِّزُهُمْ عَنِ المُسْلِمِينَ، وَمَنْ أَظْهَر صَلِيباً أَوْ
خَمْراً أُدِّبَ وَكُسِرَ وَأُرِيقَتْ، وَيُمْنَعُونَ ضَرْبَ النَّاقُوسِ،
وَرَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقِرَاءَةْ، وَشِرَاءَ الرَّقِيق، وَرُكَوبَ
نَفَائِس الدَّوَابِّ وَجَادَّةَ الطَّرِيقِ، وَلاَ يُكَنَّوْنَ، وَلاَ
تُشَيَّعُ جَنَائِزُهُمْ وَلاَ يُسْتَعَانُ بِهِمْ.
(فصل) الغنائم
- لِلْجَيْشِ انْتِفَاعٌ بِمَا وَجَدُوا مِنْ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ
قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَمَنْ غَلَّ مِنَ الْمَغْنَمِ أُدِّبَ وَرَدَّهُ
وَيَأْخُذُ الإِمَامُ خُمْسَهُ وَيَقْسِمُ بَاقِيهِ فِي الْقَائِمِينَ،
وَلاَ يَخْتَصُّ قَاتِلٌ بِسَلَبٍ، إِلاَّ أَنْ يُنَفِّلَهُ الإِمَامُ مِنَ
الْخُمْسِ كَتَنْفِيلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ ظَهَرَ مِنْهُ زِيَادَةُ
اجْتِهَادٍ، وَتُسْتَحَقُّ الأَسْهَامُ بِشُهُودِ الْوَقِيعَةِ،
لِلَّراجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلاَثَةٌ، وَالمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ،
وَلاَ يُرْضَخُ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَسَهْمُ مَنْ
مَاتَ لِوَارِثِهِ، وَالأَجِير لِمُسْتَأْجِرِهِ، وَلاَ تُقْسَمُ أَرْضُ
الْعَنْوَةِ بَلْ تَصِيرُ وَفْقاً بِالاسْتِيلاءِ وَإِذَا غَنِمَ
الْكُفَارُ مَالَ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ مَلَكَهُ،
وَمَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمَا عُلِمَ لَمْ يُقْسَمْ
(1/51)
وَمَا جُهِلَ فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مَجَّانَاً
وَبَعْدَهَا بِالثَّمَنِ وَالْمَأْخُوذُ بِغَيْرِ إِيجَافٍ فَهُوَ لِبَيْتِ
الْمَالِ كَالْخُمسِ وَالْجِزْيَةِ، وَمِيرَاثَ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ.
يَأْخُذُ الإِمَامُ كِفَايَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِي
بِالاِجْتِهَادِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَيُخَيَّرُ الإِمَامُ فِي
الأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالاِسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ
وَعَقْدِ الذِّمَّةِ وَيُقْتَلُ مَن اسْتَحْياُه وَامْرَأَةٌ وَصَبِيٌّ
وَرَاهِبٌ وَيُؤْخَذُ فَضْلُ مَالِهِ، وَيَجُوزُ أَماَنُ أَدْنَى
الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ مِنَ الْكُفَّارِ فَأَمَّا بَلَدٌ أَوْ حِصْنٌ
وَنَحْوهُ فَإِلَى الإِمَامِ وَتَجُوزُ الْهُدْنَةُ لِلضَّرُورَةِ بِحَسَبِ
مَا يَرَاهُ الإِمَامُ مَصْلَحةً وَرَدُّ رَهَائِنِهِمْ وَإِنْ أَسْلَمُوا،
وَاللهُ أَعْلَمُ. |