إرشاد السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك

كتاب الأَيمان (1)
- وَهِيَ لاَغِيَةٌ كَالْحِلفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ (2) ، وَغَمُوسٌ (3) كَالْكَذِبِ عَمْداً وَمُعْتَقِدَةٌ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ وَهِيَ بِالله وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَوْلُهُ أُقْسِمُ أَوْ أَعْزِمُ، إِنْ أَرَادَ بِاللهِ لاَ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ وَنَحْوُهُ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ لِذلِكَ فَلَوْ قَالَ أَقْسَمْتُ لأَفْعَلَنَّ إِنْ قَصَدَ عَقْدَ الْيَمِينِ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَتْهُ لاَ مُجَرَّدَ مَسْأَلَة، وَهُوَ فِي لأَفْعَلَّن وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ عَلَى حِنْثٍ وَفِي لاَ فَعَلْتُ وَإِنْ فَعَلْتُ عَلَى بِرٍّ، وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِفَوْتِ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ
_________
(1) الأيمان جمع يمين واليمين والحلف والايلاء والقسم ألفاظ مترادفة، واليمين وردت مؤنثة وفي الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم (من اقتطع مال مسلم بيمين كاذبة أدخله الله النار) فقيل له ولو شيئاً قلايلاً قال ولو قضينا من أراك تجمع اليمين على أيمان وعلى أيمن، وهي في اللغة مأخوذة من اليمين الذي هو العضو لأنهم كانوا إذا تحالفوا وضع أحدهم يمينه في صاحبه فسمي الحلف يميناً لذلك وقيل اليمين القوة ويسمى العضو يميناً لوفور قوته على اليسار. ولما كان الحلف يقوي الخبر سمي يميناً، وإذا وردت اليمين مذكرة فذلك على معنى الامتناع من فعل المعلق عليه أو الحض على فعله نحو إن دخلت الدار فزوجتي طالق أو إن لم أدخل الدار فزوجتي طالق والثاني القسم بالله تعالى أو بصفته من صفاته على تحقيق خبر أو نفيه على أمر إثباتاً أو نفياً بقصد الامتناع عن الشيء المحلوف عليه أو الحث إلى فعله نحو والله لأسافرن أو لا أسافرن: أو والله لقد سافر خالد أو لم يسافر خالد.
(2) في الموطأ عن عائشة أنها كانت تقول لغو اليمين قول الانسان لا والله وبلى والله. قال مالك أحسن ماسمعت في هذا أن اللغو حلف الانسان على الشيء يستبن أنه كذلك ثم يوجد الناس وتجاوزهم: وهذا اختيار أبي بكر الأبهري قال الناجي: ووجهه أنها أيمان جارية على اللسان من غير اعتقاد ولا قصد إلى عقد اليمين اه. وهو مذهب الشافعية.
(3) سميت هذه اليمين غموساً لأنها تغمس حالفها في النار.

(1/52)


كَقَوْلِهِ لأَدْخُلَنَّ الْيَوْمَ فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ يَدْخُلْ وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ ثُمَّ الْبَاعِثُ ثُمَّ الْعُرْفُ ثُمَّ الْوَضْعُ، فَمَنْ حَلَفَ لاَ شَرِبْتُ لِفُلاَنٍ مَاءً، يُرِيدُ عَدَمَ الاِنْتِفَاعِ بِمَائِهِ أَوْ قَطْعَ مِنَّتِهِ حَنِثَ وَلَوْ بِسِلْكٍ يُحِيطُ بِهِ أَوْ قَالَ لاَ سَكَنْتُ مَعَ فُلاَنٍ لَزِمَهُ الاِنْتِقَالُ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ بِدَارٍ، فَإِنْ أَرَادَ فِي بَلَدِهِ فَإِلَى فَوْقِ ثَلاَثَةِ أَمْيَال أَوْ لاَيَلْبَسُ ثَوْباً وَهُوَ لاَبِسُهُ، أَوْ لاَ يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لاَ يَدْخُلُ بَيْتاً وَهُوَ فِيهِ لَزِمَهُ المُبَادَرَةُ إِلَى التَّرْكِ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ الاِسْتِئْنَافَ أَوْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ شَيْئاً بِعَيْنِهِ فَانْتَقَلَ عَنْ صِفَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلاَّ حَنِثَ أَوْ عَلَى شَيْءٍ أَوْ أَشْيَاء، فَفَعَلَ الْبَعْضَ حَنِثَ، وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ، وَيُلْغَى تَحْرِيمُ الْحَلاَلِ إِلاَّ فِي الزَّوْجَةِ وَالأَمَةِ فَيَلْزَمُهُ الطَّلاَقُ وَالْعِتْقُ.

(فصل) الاسْتِثْنَاءُ
- الاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ الاِنْعِقَادَ (1) ، وَهُوَ بِمَشِيئَةِ اللهِ إِنْ قَصَدَهُ وَبِإِلاَّ وَأَخَوَاتِهَا نُطْقاً مُتَّصِلاً، إِلاَّ أَنْ يَنْقَطِعَ بِسُعَالٍ وَنَحْوِهِ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالحِنْثِ، وَهِيَ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَسَطاً مِنَ الشَّبَعِ (2) وَرَطْلاَنِ خُبْزاً، وَيُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنَ الإِدَامِ (3) ، وَالْعَدَدُ شَرْطٌ أَوْ كُسْوَتُهُمْ مَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلاَةُ (4) أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ صِفَتُهَا مَا تَقَدَّمَ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَتَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ
_________
(1) في الرسالة ولا ثنيا ولا كفارة إلا في اليمين بالله أو بشيء من أسمائه وصفاته اه. والثنيا الاستثناء قال وظاهر كلام الشيخ أن الثنيا لاينعقد في الطلاق المعلق كما إذا قال أنت طالق إذا دخلت الدار إن شاء الله ولو رده إلى الفعل وهو كذلك عند ابن القاسم وقال ابن الماجشون إن رده إلى الفعل فلاشيء عليه وصوبه ابن رشد لأنه جار على مذهب أهل السنة اه.
وهل الاستثناء رافع للكفارة وهو قول ابن القاسم أو يحل اليمين من أصلها وهو قول ابن الماجشون. فلو حلف واستثنى ثم حلف أنه ماحلف حنث على الأول دون الثاني.
(2) بأن يغديهم مرتين أو يعشيهم مرتين أو يغديهم ويعشيهم في يوم واحد أو أكثر.
(3) الإدام هو مانسميه نحن اليوم الغموس كالحلاوة الطحينية والفول والحلوى كالتمر والزبيب ونحو ذلك.
(4) للرجل ثوب يستر جميع بدنه إلى كعبه أو قريب منه لا إزار وعمامة وللمرأة درع سابغ وخمار أي قميص يستر جميع بدنها و (طرحة) من وسط كسوة أهله كالطعام وكانت الكسوة من غير وسط أهله كفت لأن المراد منها الستر لا الزينة وعند الشافعية يكفي مايسمى كسوة كالازار والخمار والقلنسوة ونحو ذلك.

(1/53)


الْيَمِينِ إِلاَّ أَنْ يُريدَ التَّأْكيدَ، وَالْمَشْهُورُ إِجْزَاؤُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ، وَفِي الصِّيَامِ خِلاَفٌ وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَام وَاللهُ أَعْلَمُ.

كتابُ النذور (1)
- وَهُوَ الْتِزَامُ طَاعَةٍ مُطْلَقاً أَوْ مُقَيَّداً بِصِفَةٍ وَلَوْ فِي الْغَضَبِ وَمَا لاَ مَخْرَجَ لَهُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنْ قَيَّدَهُ بِطَاعَةٍ وَفَعَلَهَا لَزِمَهُ أَوْ بِمَعْصِيَةٍ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا فَإِنْ فَعَلَهَا لَزِمَهُ، وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَالِ (2) يُوجِبُ ثُلُثَهُ، وَبِجُزْءٍ (3) يَلْزَمُهُ مَا سَمَّاهُ، وَإِنْ عَيَّنَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ عَلَى صِفَتِهِ، فَإِنِ الْتَزَمَهُ مَاشِياً لَزِمَهُ إِلَى التَّحَلُّلِ، فَإِنْ رَكِبَ فِي أَثْنَائِهَا رَجَعَ فَيَمْشِي مَوْضِعَ الرُّكُوبِ وَأَهْدَى.
وَفِي الْيَسِيرِ يُجْزِيهِ بَعْثُ هَدْيٍ، وَإِنِ الْتَزَمَ حَافِياً (4) انْتَعَلَ، وَإِنْ نَذَرَ صَلاَةً بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ لَزِمَهُ، وَفِي غَيْرِهَا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، فَإِنْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ تَقَرُّباً لَزِمَهُ هَدْيٍ، وَفِيمَا يُهْدَى بِمِثْلِهِ يَلْزَمُهُ وَإِلاَّ بَاعَهُ وَصَرَفَهُ فِي هَدْيٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.