البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
البيان
والتحصيل
والشرح والتوجيه والتعليل
في مسائل المستخرجة
لأبي الوليد ابن رشد القرطبي
المتوفى عام 520 هـ
وضمنه
المستخرجة من الأسمعة المعروفة بالعتبية
لمحمد العتبي القرطبي
المتوفى عام 255 هـ
تحقيق
الأستاذ سعيد أعراب
الجزء الثاني
دار الغرب الإسلامي
(2/1)
بسم الله
الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم تسليماً
كتاب الصلاة
الرابع
من سماع عيسى من كتاب أوله بع ولا نقصان عليك
مسألة
وسئل ابن القاسم عمن افتتح الصلاة المكتوبة ،
فلما صلى ركعتين شك في أن يكون على وضوء
فتمادى في صلاته - وهو على شكه ذلك ، فلما فرغ
من صلاته ، استيقن أنه كان على ضوء . قال
صلاته مجزئة عنه ، إلا أن يكون نواها نافلة
حين شك .
(2/5)
قال محمد بن
رشد : إنما قال : صلاته تامة - وإن تمادى على
شكه ، إلا أن يكون نواها نافلة ؛ لأنه لما دخل
في الصلاة بطهارة متيقنة ، لم يؤثر عنده فيها
الشك الطارئ عليه بعد دخوله في الصلاة ؛
والأصل في ذلك ، ما روي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : إن الشيطان يفسو بين أليتي
أحدكم ، فإذا كان يصلي فلا ينصف حتى يسمع
صوتاً أو يجد ريحاً . وليس هذا بخلاف لقوله في
المدونة : من أيقن بالوضوء وشك في الحديث
انتقض وضوؤه . لأن الشك طرأ عليه في هذه
المسألة بعد دخوله في الصلاة ، فوجب ألا ينصرف
عليها إلا بيقين - كما جاء في الحديث ، ومسألة
المدونة طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول
في الصلاة ، فوجب ألا يدخل فيها إلا بطهارة
متيقنة -وهو فرق بين . وقد روى سحنون عن أشهب
في أول سماعه خلاف هذا في هذه المسألة أن
صلاته باطلة وهذا أظهر لما بيناه .
مسألة
قال : وقال مالك يمسح السيف من الدم ويصلي به
. قلت :
(2/6)
فلو صلى به ولم
يسمحه ، هل كنت تراه يعيد الصلاة ما دام في
الوقت ؟ قال : لا . قال : عيسى بن دينار يريد
إذا كان في الجهاد أو الصيد الذي يكون عيشه .
قال محمد بن رشد : أجاز أن يمسح السيف من الدم
ويصلي به وإن لم يغسله ، لأن اليسير من الدم
معفو عنه ، فإذا مسحه من السيف لم يبق فيه منه
إلا أقل مما جز للراعف أن يفتله بين أصابعه
ويمضي في صلاته ، ولم ير عليه إعادة إن صلى به
ولم يمسحه ، لما مضى عليه عمل السلف من
استجازة مثل هذا ، وترك التعمق فيه - على ما
يأتي في رسم حبل الحبلة من السماع ، ولأن ذلك
يكثر ويشق على المجاهد ، والذي يكون عيشه
الصيد ، وقول عيسى تفسير وبيان شاء الله .
مسألة
وقال رجل نسي صلاتين : ظهراً وعصراً ، واحدة
في السفر وأخرى في الحضر ، لا يدري أيتهما نسي
في الحضر ، ولا أيتهما نسي في السفر ، ولا
أيتهما قبل صاحبتها ؟ قال يصلي ثلاث صلوات ،
وإن شاء صلى الظهر والعصر للحضر مرة ، وصلاهما
للسفر مرتين ؛ وإن شاء صلى للسفر مرة ، وللحضر
مرتين ؛ قلت له : كيف يصنع ؟ قال : إن أراد أن
يصليهما للحضر مرتين بدأ فصلى الظهر والعصر
للحضر ، ثم صلى أيضاً الظهر والعصر للسفر ، ثم
صلى الظهر والعصر للحضر ؛ فإن كانت صلاة الحضر
قبل صلاة السفر ، فقد صلاهما كما وجبتا عليه ،
وإن كانت صلاة السفر قبل صلاة
(2/7)
الحضر ، فقد
صلاها قبلها حين صلى بعدها الظهر ( والعصر
للحضر ) وكذلك العمل فيها أيضاً لو بدأ بصلاة
السفر قبل صلاة الحضر لصلاها مرتين .
قال محمد بن رشد : قوله في أول المسألة يصلي
ثلاث صلوات يريد ثلاث صلوات في كل صلاة ، فهي
ست صلوات . وقوله إنه يصليهما حضريتين
وسفريتين صحيح ، لأن صلاة الحضر لا تجزئي عن
صلاة السفر إذا خرج وقتها ، كما لا تجزئ صلاة
السفر عن صلاة الحضر إذا خرج وقتها ، فلما لم
يدر كيف وجبتا عليه ، وجب عليه أني صليهما
للحضر وللسفر حتى يأتي على شكه ، ويوقن أنه قد
صلاهما كما وجبتا عليه . وأما قوله إنه
يعيدهما بعد ذلك للسفر إن كان بدأ بالسفر ،
وللحضر إن كان بدأ بالحضر من أجل الرتبة ؛ إذ
لا يدري هل كان السفر قبل الحضر ، أو الحضر
قبل السفر ، فهو على خلاف أصله في المدونة ،
إذ لا يلزم أن يراعي الترتيب في الفوائد على
أصله فيها ، لأنه قال فيها : إن من ذكر صلاة
فتعمد فصلى الصلاة التي هو في وقتها - وهو
ذاكر لها ، أنه لا يعيدها إلا في وقت ، فإذا
كان لا يلزمه أن يعيدها إلا في الوقت - وهو
يوقن أنه قد قدمها قبل الأولى ، فأحرى أن لا
يعيد هذه إلا في الوقت ، إذ ليس على يقين من
أنه قدمها قبل الأولى - والوقت قد خرج بتمام
الصلاة ، لأن الصلاة الفائتة إذا صلها فقد خرج
وقتها ، لأنه كأنه قد وضعها في وقتها - وهذا
بين - وبالله التوفيق .
(2/8)
ومن كتاب لم
يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس
مسألة
وقال من صلى فقرأ سجدة فركع بها ، أنه إن كان
تعمد الركوع بها ، أجزأته تلك الركعة وقرأها
إذا قام في أخرى وسجد ؛ قال والمكتوبة
والنافلة في ذلك سواء ، إلا أني لا أحب للإمام
أن يخلط على الناس بسجدته أن يقرأ سجدة في
المكتوبة . قال وإن أراد أن يهوي يسجدها فنسي
فركع ، فإنه إن ذكر وهو راكع خر من ركعته
فسجدها ثم اعتدل فقرأ وركع ، وإن لم يذكر حتى
فرغ من ركعته ، ألغى تلك الركعة . وقالا لا
أحب لأحد أن يعتد الركوع بسجدة ، فإن فعل أجزأ
عنه . قال أشهب عن مالك إنه يعتد بها وإن
ركعها ساهياً للسجدة ولا يلغيها .
قال محمد بن رشد : قوله فيمن قرأ سجدة فركع
بها ( إنه ) إن كان تعمد الركوع بها أجزأته
تلك الركعة ، صحيح لا اختلاف فيه ، لأنه ركع
بنية الركوع الواجب عليه ، وترك السجود الذي
ليس بواجب عليه . وأما قوله إنه يقرأها إذا
قام في الأخرى ويسجد في المكتوبة والنافلة ،
فهذا موضع اختلف فيه ، فقال ابن حبيب : إنه لا
يقرأها إذا قام في المكتوبة ولا في النافلة ،
لأن الركعة التي ركعها لصلاته تجزئه من السجدة
، وعلى مذهبه في المدونة لا يجزئه ركوعه
للصلاة عن السجدة ، فهو بمنزلة من ترك سجود
السجدة
(2/9)
يقرأها في
الركعة الثانية في النافلة دون الفريضة ،
وقوله إلا أني لا أحب للإمام الذي يخاف أن
يخلط على الناس بسجدته ، أن يقرا سجدة في
المكتوبة ، هو مثل ما مضى ، ومضى القول فيه في
رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب - خلاف ما في
المدونة . وأما قوله : إنه إن أراد أن يهوي
ليسجدها فنسي فركع ، أنه إن ذكرها - وهو راكع
يخر من ركعته فيسجدها ، ثم يعتدل - قائماً
فيقرأ ويركع ؛ فصحيح على مذهبه في الاعتبار
باختلاف نيته في الصلاة ، إلا أنه يسجد لسهوه
بعد السلام - إن كان قد أطال الركوع قبل أن
يذكر - قاله ابن حبيب ، وكذلك قوله : إنه إن
لم يذكر حتى فرغ من ركعته ، أنه يلغيها ؛ صحيح
أيضاً على مذهبه في الاعتبار باختلاف نيته في
الصلاة ، وهو قوله في رسم السلم بعد هذا : إن
من حالت نيته في صلاته إلى نافلة تبطل عليه
صلاته - إن طال ذلك ، وإذا ألغاها من أجل أنه
لم ينو بها الفريضة ونوى بها النافلة ، فيأتي
بركعة مكانها ويسجد بعد السلام .
وقول أشهب عن مالك ، إنه يعتد بها وإن ركعها
ساهياً للسجدة ولا يلغيها ؛ صحيح أيضاً على
أصل أشهب في سماع سحنون أن من حالت نيته في
صلاته إلى نافلة ، فصلاته صحيحة لا تبطل عليه
- وإن طال ذلك ، وليس تحول النية بشيء ، وذلك
ينحو إلى قول ابن المسيب وابن شهاب في أن
تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام ، فتدبر
ذلك ، فإنه أصل واحد .
مسألة
وقال في المسافر يدخل يوم الجمعة حاضرته وقد
صلى الظهر في السفر ، فأتى المسجد فوجد الناس
في الجمعة ، فدخل معهم ، فأحدث الإمام فقدمه
فصلى بالناس ؛ قال أرى صلاتهم مجزئة عنهم ،
لأن كل
(2/10)
من دخل حاضرته
قبل أن يصلي الإمام ، فعليه أن يحضر الجمعة ،
وإن فاتته ولم يحضرها أو قد كان في الحضر حين
صلى الإمام الجمعة ، فعليه أن يعيدها ظهراً
أربعاً ، وإن كان قد صلاها في السفر اثنتين
حتى يجعل صلاته بعد صلاة الإمام .
قال محمد بن رشد : رأى صلاته التي صلى في
السفر منتقضة إذا دخل حاضرته قبل أن يصلي
الإمام الجمعة ، ولذلك قال : إن صلاتهم مجزئة
عنهم إذا صلاها بهم ؛ ونحو هذا في سماع عبد
الملك بن الحسن ، وقد اختلف في هذا وفي المريض
يصلي الظهري وم الجمعة بعد الزوال قبل صلاة
الإمام ، ثم يصح في وقت لو مضى إلى الجمعة
لأدركها أو ركعة منها ؛ وفي العبد يصلي الظهر
أيضاً ثم يعتق في وقت لو مضى إلى الجمعة
لأدركها أو ركعة منها ، وفي الذي يلي الظهر
ناسياً أو على ألا يأتي الجمعة أو هو يظن أن
الجمعة قد صليت في وقت لو مضى إلى الجمعة
لأدركها أيضاً ، أو ركعة منها ؛ فقيل إن
الجمعة عليهم كلهم واجبة ، وإن فاتتهم أعادوا
ظهراً أربعاً ، لأن الصلاة الأولى قد بطلت ،
وهو الذي يأتي على هذه الرواية ؛ وقيل إن
الأولى هي صلاتهم ويؤمرون بإتيان الجمعة ، فإن
لم يفعلوا ، فلا شيء عليهم ، وهو قول ابن نافع
؛ وقيل إن العبد والمريض والمسافر الذي صلى في
السفر لا يلزمه الإتيان إلى الجمعة ، بخلاف
الذي يصلي الظهر سهواً أو على ألا يصلي الجمعة
، أو وهو يظن أن الجمعة قد صليت ، وهذا الذي
يأتي على مذهب سحنون ، وأشهب ؛ وقال سحنون -
على أصله : ليس على المسافر إذا دخل من سفره
أن يصلي الجمعة ، إلا أن تكون صلاته الظهر على
ثلاثة أميال من وطنه . وقال أشهب - على أصله
(2/11)
أيضاً : إنه إن
كان صلى الظهر في سفره في جماعة ، فلا ينبغي
له أن يأتي الجمعة ، كما لا ينبغي له في غير
الجمعة إذا صلى في سفره صلاة من الصلوات في
جماعة ، أن يعيد تلك الصلاة في الحضر في جماعة
.
مسألة
قال ابن القاسم : إذا ظن الرجل أنه نقص من
صلاته فسجد سجدة أو سجدتين ، ثم ذكر أنه لم
ينقص شيئاً ، فإنه إن ذكر ذلك ولم يسجد إلا
سجدة لم يسجد إليها الأخرى ، وسجد سجدتين بعد
السلام ؛ وإن ذكر وقد سجد سجدتين كذلك أيضاً ،
يسجد سجدتين بعد السلام ؛ قيل له : فلو كان ظن
أنه زاد فسجد سجدة أو سجدتين ، ثم علم أنه لم
ينقص من صلاته لسهوه بعد السلام ، ثم ذكر أنه
لم يزد ؛ قال يقطع ولا يسجد إليها أخرى .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة لا إشكال
فيها ولا كلام - على ما في المدونة وغيرها ،
لأنه إذا ظن أنه قد نقص من صلاته فسجد قبل
السلام سجدة أو سجدتين ، ثم علم أنه لم ينقص
من صلاته شيئاً ، فقد حصل بسجوده للسهو سهو
زيادة يسجد له بعد السلام ؛ وإذا ظن أنه قد
زاد فسجد سجدة واحدة بعد السلام ثم ذكر أنه لم
يزد شيئاً ، وجب ألا يسجد إليها سجدة أخرى ،
إذ السجود إنما شرع للسهو ، وهذا لم يسه -
وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته عن الرجل يكون في الزحام يوم الجمعة
فلا يقدر أن يركع مع الإمام هل يركع ويتبعه ؟
قال : إذا لم يركع معه فلا يجزئه أن
(2/12)
يركع بعده ،
قلت فالرجل يغفل أو ينعس فلا ينتبه حتى يعتدل
الإمام من ركعته ، قال : اختلف قول مالك في
ذلك ، فمرة كان يقول يلغي تلك الركعة ، ومرة
كان يقول إذا كانت من أول صلاته ألغاها ، ومرة
كان يقول يركع ويتبعه ، فإن لحقه في السجود ،
أجزأت عنه ؛ فإن لم يلحقه في السجود ألغاها .
قلت : فأي شيء تأخذ به أنت ؟ قال : أما في
الزحام إذا لم يستطع أن يركع مع الإمام ، فإنه
يلغي تلك الركعة ولا يركع ويتبعه - كانت أول
ركعة أو غيرها هو سواء ، ولكن يتبعه في السجود
ويلغي ؟ الركعة ويصلي ركعة مكانها ؛ فإن فاتته
الأولى والثانية ، قضى ما فاته بعد سلام
الإمام ، ولو ركع الركعة الأولى مع الإمام فلم
يستطع أن يركع الثانية من الزحام ، لم يركع
ويتبع الإمام - وإن طمع أن يدركه في سجوده
وألغى تلك الركعة التي لم يركعها مع الإمام ،
وصلاها إذا سلم الإمام ، والزحام مخالف للغفلة
والنعسة إذا لم ينتبه حتى يستقل الإمام من
الركعة أو لم ينتبه لركوع الإمام حتى يستقل
الإمام ، هذا الذي نعس أو غفل وقد ركع مع
الإمام أول ركعة ، صلى معه وركع واتبعه ما طمع
أن يدركه في سجوده ، وإن لم يطمع فلا يتبعه ،
وإن لم يركع بعد أول ركعة ودخل عليه من الغفلة
فيها مما ذكرت ، كان أمره وأمره الذي في
الزحام سواء في جميع صلاته - إذا لم يركع معه
الركعة الأولى .
قال محمد بن رشد : قد مضى تحصيل الاختلاف في
هذه المسألة في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع
ابن القاسم ، وتكررت أيضاً في رسم
(2/13)
الصلاة الثاني
من سماع أشهب ، وفي أول رسم
من هذا السماع ؛ ووجه قوله : إنه يتبع الإمام
بالركوع في الركعة الأولى والثانية ، ( ما ثبت
من أمر ) رسول الله صلى الله عليه وسلم - لمن
دخل مع الإمام أن يتبعه في صلاته ، من ذلك
قوله : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا ركع
فاركعوا - الحديث . والفاء تقتضي التعقيب ،
وتوجب أن الثاني بعد الأول ، والقياس أيضاً
على ما أجمعوا عليه ( حق اتباعه ) في السجود
إذا فاته السجود معه بغفلة أو ما أشبه ذلك ؛
ووجه قوله إنه لا يتبعه في الأولى ولا في
الثانية ، ظاهر قول عبد الله بن عمر وغيره من
الصحابة : من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ،
ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة . إذ لم
يفرقوا بين الأولى والثانية ، ووجه تفرقته بين
الأولى والثانية ، أن الركوع ركن من أركان
الصلاة كالسجود ، فإذا فاته مع الإمام لم يكن
له أن يفعله بعده ، إلا أن يكون قد تقدمه ركوع
أصل ذلك السجود .
مسألة
وسئل عن المسافر يؤم بمسافرين فيصلي بهم ركعة
ثم يبدو له في المقام ، قال يخرج فيقدم رجلاً
يتم بهم ويقطع هو صلاته . قلت : وإن كان خلفه
مقيمون ومسافرون كيف يصنع المسافرون ؟ قال :
إن قدم الخارج مسافراً صلى صلاة مسافر يسلم من
ركعتين ( بالمسافرين ، ثم أتم المقيمون
لأنفسهم . وإن قدم مقيماً أضاف إلى
(2/14)
التي صلى
الخارج - ركعة ، ثم أشار إليهم كلهم المسافرين
والمقيمين : أن اجلسوا ، ويتم هو لنفسه ، فإذا
سلم ، سلم المسافرون بسلامه ، ثم يتم المقيمون
بعد سلام الإمام ، قال عيسى : وأحب إلي أن (
ينتقض ) بهم صلاتهم إذا تحولت نية الإمام .
قال محمد بن رشد : اختلف في المسافر ينوي
الإقامة في صلاته على ثلاثة أقوال : أحدها -
وهو مذهبه في المدونة - أن تحول نيته مفسد
لصلاته ، فهو كمن ذكر صلاة في صلاة ، ( يخرج
عن نافلة أو يقطع ) على الاختلاف في ذلك ،
ويصلي صلاة مقيم ؛ فعلى هذا القول يأتي جوابه
في هذه المسألة : أن الإمام يقطع ويخرج .
وقوله إنه يقدم رجلاً يتم بهم الصلاة على أحد
قوليه في الإمام يذكر صلاة وهو في صلاة ، أنه
يستخلف ويقطع ولا يقطعون ، واختيار عيسى في
هذه أن يقطعوا ، خلاف اختيار في الإمام يذكر
صلاة وهو في صلاة ؛ فيحتمل أن يكون ذلك
اختلافاً من قوله ، وإلا ظهر أنه فرق بين
المسألتين ، لقوة الاختلاف في هذه ، ( فيكون
الإمام على قول من رأى ) أنه يتمادى على صلاته
وتجزئه إذا قطع ، قد أفسد صلاته متعمداً ،
فوجب أن يفسد عليهم ؛ والقول الثاني ، وهو
اختيار بعض المتأخرين - أنه لا تأثير لتحول
نيته في إفساد صلاته ، فيتمادى عليها وتجزئه ،
كالمتيمم ( يدخل ) في الصلاة ( ثم يطلع عليه )
رجل معه ماء ، أنه يتمادى ولا يقطع . والقول
الثالث رواه ابن الماجشون عن مالك واختاره ابن
حبيب ، أنه إن كان لم يركع ، أتم على إحرامه
رابعاً ، وإن كان قد ركع أتم صلاته صلاة سفر ،
كما ابتدأها وأجزأته ؛
(2/15)
وهو استحسان
على غير قياس ، لأنه راعى تحول نيته في حال
دون حال ؛ وقال : إنه يتم أربعاً - وهو قد
أحرم بنية ركعتين . وفي ذلك اختلاف قد مضى
القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم .
وقوله إن قدم مقيماً - إلى آخر قوله - صحيح ،
لأنه ، إنما استخلفه على الركعة التي بقيت من
صلاته ، فإذا صلاها بهم وقام إلى إتمام صلاته
، لم يصح للمقيمين أن يأتموا به فيها ؛ لأن
السنة أن يصلوا أفراداً ، فإن ائتموا به ، جرى
الأمر في وجوب الإعادة عليهم على الاختلاف
فيمن وجب عليه أن يصلي فذا ، فصلى في جماعة
على ما يأتي في رسم إن خرجت بعد هذا ، وفي
سماع سحنون ، وفي سماع موسى بن معاوية - بعد
هذا إن شاء الله تعالى .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المسافر يدخل في صلاة قوم
وهو يظنهم مسافرين فلما صلى تبين له أنهم
مقيمون ، قال أحب إلى أن يعيد .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول
فيها - مجوداً في أول رسم من سماع ابن القاسم
لا وجه لإعادته .
مسألة
قال ابن القاسم لا تجمع الصلاتان في الخوف ،
لأن الله تبارك وتعالى يقولك {فرجالا أو
ركباناً} . قال ابن القاسم بعد ذلك ولم أسمع
أحداً جمع ، ولو جمعوا لم أر به بأساً .
قال محمد بن رشد : يريد جمعهم بين الصلاتين في
الخوف على سنة صلاة الخوف - إذا كانوا نازلين
بموضع ، وخافوا هجوم العدو عليهم فيه ، فلم ير
ذلك في القول الأول ، إذ لم يذكر الله فيه إلا
بفرقة الجماعة طائفتين على إمام واحد ، ولم ير
مالك للمسافرين الجمع إلا إذا جد بهم السير ،
وهؤلاء نازلون غير سائرين ؛ وخفف ذلك في القول
الثاني لما جاء من السعة في الجمع لاشتراك
الوقتين ، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم جمع بين الصلاتين في غير خوف ولا سفر . (
قال ابن عباس راوي ) - الحديث : إنما فعل ذلك
لئلا يحرج أمته - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن دراسة القرآن بعد صلاة الصبح في
المسجد يجتمع عليه نفر فيقرؤون في سورة واحدة
، فقال : كرهها مالك ونهى عنها ورآها بدعة .
قال محمد بن رشد : قد مضت كراهية مالك لذلك في
أول رسم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
سماع ابن القاسم ، والقول فيها هناك بما يغني
عن رده .
مسألة
قال وسألته عن الرجل يدخل المسجد في رمضان
فيدرك الإمام في آخر ركعة الوتر - وقد صلى معه
بعد العشاء نافلة . قال : إذا سلم أضاف إليها
أخرى وسلم ، ثم أوتر بواحدة - إذا كان الإمام
ممن يسلم ، وإن كان ممن لا يسلم أضاف إليها
اثنتين بغير سلام .
قال محمد بن رشد : قوله : إنه لا يجتزئ
بالنافلة التي صلى بعد العشاء ، ( لبعد ما
بينها وبين الوتر ) الذي صلى مع الإمام ، ليس
على قياس مذهب
(2/17)
مالك ، ووجهه
مراعاة قول من يرى أن الوتر ثلاث لا يفصل
بينهن بسلام ، والذي تقدم لمالك في رسم الصلاة
الأول من سماع أشهب والصحيح على قياس مذهبه .
وقوله : وإن كان الإمام ممن لا يسلم أضاف
إليها اثنتين بغير سلام ، هو نحو قول مالك في
رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب : لو كنت
صانعه لم أسلم بين الاثنتين والواحدة ، وقد
مضى القول على ذلك هناك .
مسألة
قال ابن القاسم في الذي يصلي المغرب في بيته
ثم يأتي السجد يجد الناس في الصلاة فينسي
فيدخل معهم . قال : إن ذكر قبل أن يركع رجع ،
وإن ذكر بعد أن صلى ركعة ، فإن قطع كان أحب
إلي ، وإن صلى الثانية ثم قطع ، رجوت أن يكون
خفيفاً ؛ وإن لم يذكر إلا بعد ثلاث ركعات ،
أضاف إليها ركعة وسلم وخرج . وقال سحنون : وقد
روى علي بن زياد أنه لا يشفعها برابعة ، وعليه
أن يعيدها ثالثة .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة في رواية أبي
صالح ، واستحباب القطع فيها إذا ذكر بعد ركعة
، هو الذي يأتي على ما في المدونة ، وقد ذكرنا
الاختلاف في مسألة المدونة في آخر رسم نقدها
من هذا السماع . وقوله : إنه إن ذكر بعد ثلاث
ركعات ، أضاف إليها رابعة ؛ صحيح على القول
بأن من أعاد في جماعة ، فالأولى هي صلاته ،
وهذا القول هو الذي يصح في هذه المسألة - على
مذهب مالكن إذ لا يرى لمن صلى المغرب أن
يعيدها في جماعة ، ورواية علي بن زياد تأتي
على ( أن ) من أعاد في جماعة ، فهما جميعاً له
صلاتان فريضتان ، وقد مضى هذا المعنى في آخر
رسم المحرم من سماع ابن القاسم - وبالله
التوفيق .
(2/18)
ومن كتاب سلف
دينار في ثوب
مسألة
وقال فيمن صلى المغرب والعشاء من الحاج قبل أن
يأتي مزدلفة من غير عذر ، أعادهما بالمزدلفة ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصلاة
أمامك .
قال محمد بن رشد : قوله من غير عذر - يريد من
غير عذر يمنعه من أن يسير بسير الناس ، لأنه
من لم يكن عنده عذر يمنعه من أن يسير بسير
الناس ، فلا يصلي حتى يغيب الشفق ويصل إلى
المزدلفة ، فإن صلى قبل أن يصل إلى المزدلفة
أو قبل أن يغيب الشفق ، أعاد ؛ ومن كان له عذر
يمنعه من أن يسير بسير الناس ممن وقف مع الناس
، فإنه يجمع الصلاتين إذا غاب الشفق قبل أن
يصل إلى المزدلفة ، ومن أتى متفاوتاً ولم يقف
مع الناس ، فإنه يصلي كل صلاة لوفتها .
ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار
مسألة
قال ابن القاسم : إذا عزل الوالي يوم الجمعة ،
وجاء وال آخر فتمادى المعزول فصلى الجمعة
بالناس - وهو يعلم بعزله ؛ قال : أرى أن
يعيدوا وإن ذهب الوقت ؛ وإن أذن له الوالي
القادم فصلى بهم ،
(2/19)
فصلاتهم جائزة
- إذا كان أذن له قبل الصلاة ، وإن كان أذن له
بعد الصلاة ، فإن عليهم الإعادة ؛ فإن جاء
الوالي - وقد خطب هذا ، قال : أرى أن يخطب
خطبة أخرى ولا يصلي بهم بخطبة غيره ، فإن أذن
له بالصلاة وقد خطب هذا ، قال : أرى أن يبتدئ
الخطبة - ثانية .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة مبنية على
معنى ما في المدونة من أن الوالي الأول معزول
عن الصلاة بوصول الوالي الثاني إليه وإعلامه
بعزله . فإ ، صلى الوالي الأول قبل أن يقدم
الوالي الثاني ويعلمه بالعزل ، صحت الصلاة ؛ (
وإن قدم وقد خطب ولم يصل ، لم يجز له أن يصلي
بالناس بخطبة الأول ، لأنه خطب وهو أمير ، ولا
يصح أن يخطب أمير ويصلي أمير غيره ؛ كما لا
يصح أن يقدم أميران احدهما على الخطبة والثاني
على الصلاة ، ولو قدم بعد أن صلى بالناس ركعة
، لأتم بهم الركعة الثانية وسلم ، وأعادوا
الخطبة والصلاة - قاله في كتاب ابن المواز .
وذهب مطرف وابن الماجشون إلى أنه يجوز له أن
يصلي الناس بخطبة الأمير الأول ، وحجته ما جاء
من أن أبا عبيدة قدم - وخالد بن الوليد يخطب
،فأمره أبو عبيدة أن يتم بهم الخطبة ، وهذا لا
حجة فيه ، لأنه لما أمره بإتمام الخطبة ، حصل
مستخلفاً له على ذلك وأجزأه من الخطبة ما بقي
منها ، إذ ليست مؤقتة لا يجوز ترك شيء منها ،
ولو استأنفها من أولها لكان أحسن ؛ وهذا الذي
قلناه من أنه إن صلى الوالي الأول قبل أن يقدم
الثاني ويعلمه بعزله ، صحت الصلاة ) ولم تجب
إعادتها - وإن كان الوقت قائماً - بين من
الرواية ، بدليل قوله فيها : وهو يعلم بعزله ،
وهو ينبئ من فاسد ما حكاه عبد الحق عن بعض
شيوخه عن المذهب من أن الوالي
(2/20)
الثاني إذا قدم
بعد أن صلى الأول - والوقت قائم - أنه يعيد
الجمعة ولا يعتد بها ، كما لا يعتد بالخطبة
إذا قدم قبل الصلاة ؛ وقد بينا وجه فساد
اعتداده بالخطبة إذا قدم قبل الصلاة . وقوله
في الرواية : إن صلاة الأول بهم جائزة - بإذن
الثاني - إذا كان أذن له قبل الصلاة ، معناه
قبل الخطبة ( والصلاة ) ، وهذا كله بين ،
فتدبره .
مسألة
قال ومن جس امرأته للذة ، ثم نسي فصلى - ولم
يتوضأ ، أنه يعيد في الوقت وبعد الوقت .
قال محمد بن رشد : معناه أنه جسها للذة فالتذ
، وأما لو جسها للذة فلم يلتذ ، ( لما أنبغي )
أن تجب عليه الإعادة إلا في الوقت ، لأن كل من
عمل في وضوئه أو صلاتهن بما اختلف أهل العلم (
فيه ) ، فلا إعادة عليه إلا في الوقت ، وقد
اختلف قول مالك في إيجاب الوضوء على من مس
امرأته للذة فلم يلتذ ، وأما من مسها للذة
فالت ، فلا اختلاف في المذهب أن الوضوء عليه
واجب ، فلذلك قال : إنه يعيد أبداً ، ولم يراع
مذهب أهل العراق . وما روي عن عمر بن الخطاب ،
وعبد الله بن عباس ، من أن الملامسة للذة لا
تنقض الوضوء ، لحملهما الملامسة التي عنى الله
بقوله : {أو لامستم النساء} على لجماع دون ما
سواه ، احتياطاً للصلاة - والله أعلم .
(2/21)
مسألة
وسئل عن إمام خطب يوم الجمعة ففرغ من الخطبة
وأحرم بالصلاة ، فذكر صلاة نسيها ، فقال :
يتحول إليهم ويكلمهم حتى يتم صلاته ، قيل له
فيبتدئ الخطبة ؟ قال : أحب إلي أن يبتدئ
الخطبة ، قيل له فإن ذكر ذلك بعد أن فرغ من
الصلاة ، أو بعد أن صلى منها ركعة ؛ قال : إذا
لم يذكر حتى فرغ من صلاته ، فصلاتهم مجزئة
عنهم ، وإن ذكر بعد ركعة ، قدم رجلاً بنى على
تلك الركعة ؛ قال : وكذلك في كل صلاة ذكر فيها
الإمام صلاة نسيها - وقد ركع ركعات ، فإن تلك
الركعة التي صلى بهم - وهو ناس للصلاة - مجزئة
عنهم ، ويبني عليها الذي يقدم ؛ قال عيسى وقد
كان قال لي تنفسخ صلاتهم ، ثم رجع إلى هذا ؛
وهذا قول ابن دينار ، وابن كنانة : إن ما صلى
بهم - وهو ناس - فذلك مجزئ عنهم ، وبه يأخذ
عيسى .
قال محمد بن رشد : قوله الأول : إن صلاتهم
تتنقض ، ويقطع ويقطعون ، ولا يستخلف ؛ هو قول
مالك في المدونة ، ووجه مراعاة قول من يقول إن
صلاته لا تفسد بذكر الصلاة المنسية فيها ،
فيتمادى عليها وتصح ( له ) ولهم ويصلي هو وحده
الصلاة التي نسي ، وقد نحا ابن القاسم في سماع
سحنون عنه - إلى هذا القول ، فلم ير عليه
الإعادة إن تمادى على صالته إلا في الوقت ؛
فلما كان على قول هذا القائل( إنه ) إذا قطع
قد
(2/22)
أفسد على نفسه
صلاته ( متعمداً ) من غير عذر ، وجب أن يفسد
عليهم ، ولا يصح له الاستخلاف ؛ وقد قيل إنه
يستخلف - ركع أو لم يركع ، وهو ظاهر ما ( وقع
) في رسم أوصى - في بعض الروايات ؛ ووجه ذلك
القياس على ما اتفقوا عليه من جواز الاستخلاف
في الأحداث ، وقد قيل في الفرق بين المسألتين
أن الأصل كان إذا فسدت الصلاة على الإمام ، أن
تفسد على من خلفه ، لارتباط صلاتهم بصلاته ؛
فخرج من ذلك الاستخلاف في الأحداث بالسنة
والإجماع ، وبقي ما عدا ذلك على الأصل ؛
واستحسن هذا الفرق بعض الناس ، وطعن على الأول
بما لا يلزم ، فهو الأظهر - عندي ؛ وظاهر ما
رجع إليه في هذه الرواية ، أنه إن ذكر قبل أن
يركع قطع وقطعوا ، وإن ذكر بعد أن يركع ، قدم
من يتمم بهم - وهو استحسان ؛ وفي المسألة قول
رابع لابن كنانة في المبسوطة : أنه إن ذكر قبل
أن يركع قطع وقطعوا ، وإن ذكر بعد أن ركع
تمادى بهم وأجزأتهم ، وأعاد هو الصلاة -
وبالله تعالى التوفيق .
مسألة
وسئل عمن أدرك من الجمعة ركعة ، فلما سلم
الإمام قام فقضى الركعة ، ثم جلس فتشهد فذكر
أنه نسي سجدة لا يدري أمن الركعة التي أدرك مع
الإمام أم من التي قضى ؟ قال : يسجد سجدة ثم
يقوم فيصلي ركعة بسجدتيها ، ثم يتشهد ويسلم
ويسجد سجدتي السهو بعد السلام ، ثم يقوم
فيصليها ظهراً أربعاً ؛ لأنه لا يدري لعله نسي
السجدة من الأولى فتنتقض جمعته ، ولا ينبغي له
أن ينصرف من ذلك إلا على شفع ؛ قال عيسى أرى
أن يسجد سجدة ويتشهد ثم يسلم ، ويسجد عبد
السلام ، ثم يعيد ظهراً أربعاً .
قال محمد بن رشد : لما ذكر سجدة لا يدري إن
كانت من التي قضى بعد سلام الإمام ، أو من
التي صلى مع الإمام والركعة لا تتم إلا
بسجدتيها ؛
(2/23)
كان قد تيقن
أنه لم يصح له إلا ركعة واحدة لا يدري إن كانت
التي صلى مع الإمام ، أو التي قضى بعد سلامه ،
فإن كانت السجدة من التي صلى مع الإمام ، فقد
صحت له التي صلى بعد سلامهن فوجب أن يضيف
إليها ركعة ويخرج عن نافلة ، ويصلي الظهر
أربعاً ؛ وإن كانت من التي صلى بعد سلامه ،
فقد صحت له التي صلى مع الإمام ، ووجب عليه أن
يسجد سجدة يصلح بها الركعة التي قضى ، وتتم له
الجمعة ؛ فلما لم يدر ( أي الأمرين عليه ) ،
جمعهما جميعاً عليه ، ليكون على يقين أنه قد
أتى بما عليهن فهذا وجه قول ابن القاسم ؛ وأما
قول عيسى إنه يسجد سجدة ، ويشتد ويسلم ، ويسجد
بعد السلام ، ثم يصلي ظهراً أربعً ؛ فهو
اختيار ابن المواز ، ووجهه الاحتياط للجمعة ؛
لأنه إن كان ترك السجدة من الركعة التي قضى
بعد سلام الإمام ، فسجد سجدة ثم أتى بركعة
ليخرج عن شفع ، فقد أفسد على نفسه الجمعة ،
فيعمل على أنه ترك السدة من الركعة التي صلى
بعد سلام الإمام ، رجاء أن تصح له الجمعة ، ثم
يصلي ظهراً أربعاً - مخافة أن تكون السجدة من
التي صلى مع الإمام ، لأن المحافظة على الجمعة
آكد عليه من المحافظة على أن يخرج عن شفع ،
وأشبه يقول إنه يأتي بركعة ولا يسجد ، إذ لأي
تحقق أن السجدة من الركعة التي قضى بعد سلام
الإمام ، ثم يعيد ظهراً أربعاً على أصله فيمن
ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة ، أنه يأتي بركعة
ولا يخر إلى سجدة ، إذ لابد له من الإتيان
بركعة وليس على يقين من إصلاح الركعة الأخيرة
؛ وقول ابن القاسم أظهر ألا يترك هذه الركعة
على شك من تمامها - وهو يقدر على إصلاحها .
مسألة
قال ابن القاسم : قال مالك إذا كثر السهو على
الرجل ولزمه ذلك ، فلا يدري أسها أم لا ؟ قال
مالك : يسجد سجدتي السهو بعد السلام .
(2/24)
قال محمد بن
رشد : قد مضت هذه المسألة في رسم أوصى من هذا
المساع ، ومضت أيضاً - والكلام عليها في رسم
باع غلاما من سماع ابن القاسم ، فلا معنى
لإعادته هنا .
مسألة
وسئل عن رجل سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا
يدري قبل السلام هو أو بعد السلام ، قال :
يسجد قبل السلام .
قال محمد بن رشد : إنما قال إنه يسجد قبل
السلام ، لأنه غلب حكم النقصان على حكم
الزيادة عند الشك فيها ، كما غلبه عليه عند
اجتماعهما ، لكونه أحق بالمراعاة على المشهور
من قوله ، وقد مضى القول في ذلك في رسم استأذن
سيده من هذا السماع .
مسألة
وسئل عن الذي يسهو فيسر بقراءة أم القرآن فيما
يعلن فيه ، فيذكر بعد فراغه من قراءتها ؛ قال
: أحب إلي أن يعود لقراءتها فيقرأ ويعلن ويسجد
سجدتي السهو بعد السلام .
وقال محمد بن رشد : هذا خلاف ما يأتي في رسم
إن أمكنتني من هذا السماع ، وخلاف ما مضى في
الرسم الأول من سماع أشهب ، والقولان قائمان
من المدونة ، وقد مضى القول على ذلك في الرسم
الأول من سماع أشهب .
مسألة
وسألت ابن القاسم عن مسافر أم مقيمين ومسافرين
، فصلى بهم ركعة ، ثم أحدث فقدم رجلاً مقيماً
فأتم بهم ساهياً . أو صلى بهم
(2/25)
مسافر ركعتين
ثم سلم فقال : أتموا لأنفسكم فجهلوا ، فقدموا
رجلاً مقيماً فأتم بهم ؛ أما في المسألة
الأولى فإن المسافرين الذين أتموا مع المقيم
يعيدون الصلاة ما كانوا في الوقت ؛ وأما
المقيمون ففي كلا الوجهين صلاتهم مجزئة ، ولو
أعادوا لرأيته حسناً .
قال محمد بن رشد : قوله إن المسافرين الذين
أتموا مع المقيم يعيدون في الوقت ، هو خلاف ما
يأتي في سماع سحنون ، وخلاف ما تقدم في أول
رسم من سماع ابن القاسم ، لأنهم أتموا بعد أن
أحرموا على القصر ، وقد مضى هناك القول في
تحصيل الخلاف في إتمام المسافر ، فلا معنى
لإعادته ؛ وإنما اسحب للمقيمين الإعادة في كلا
الوجهين ، لأنهم صلوا بإمام ما وجب عليهم أن
يصلوه - فذا ؛ وسيأتي نحو هذا أيضاً في سماع
سحنون ، وفي سماع موسى بن معاوية ؛ وقد اختلف
في ذلك ، فقال ابن القاسم : إذا صلى - فذا ما
يجب عليه فذا ، فلا إعادة عليه ؛ وقال أشهب ،
وعبد الله بن عبد الحكم : يعيدون ، وهو مذهب
أصبغ ؛ إلا أنه قال : إن أحدث الإمام في تشهده
فخرج ولم يستخلف ، فسلموا لأنفسهم من غير أن
يستحلفوا ، فصلاتهم مجزئة عنهم - إذا لم يبق
إلا التسليم ، فوافق ابن القاسم ههنا ؛ قال :
( محمد ) بن رشد : ولهو إذا صلى مع الإمام ما
يجب عليه أن يصلي - فذا ، أشد - والله أعلم .
مسألة
قال ابن القاسم : إذا أجمع المسافر إقامة
أربعة أيام ، فإنه يصلي صلاة مقيم لا يحسب
اليوم الذي يدخل فيه ، ولكن إن كان نوى إقامة
أربعة أيام وأربع ليال مستقبلة سوى اليوم الذي
دخل فيه أتم
(2/26)
الصلاة ، وإن
كان دخل أول النهار ، فإني أحب إلي أن يحسب
ذلك اليوم .
قال محمد بن رشد : الأصل في تحديد أربعة أيام
في هذا ، ما روي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قدم مكة صبيحة رابعه من ذي الحجة ، قال :
لا يقيم ، مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث
. فدل على أن ما فوق ثلاث في حيز الإقامة ، إذ
لم يبح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
للمهاجر الذي لا تصح له الإقامة بمكة ، وإنما
قال ابن القاسم : إنه يلغى اليوم الذي دخل فيه
، إلا أن يكون دخل أول النهار ، لما روي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة
رابعة من ذي الحجة ، ثم خرج يوم التروية ،
وذلك أحد وعشرون صلاة ، ( أو اثنان وعشرون
صلاة ) ؛ فقصر بمنى صلى الله عليه وسلم بعد أن
أقام بمكة . وإلى هذا ذهب مالك في أن أهل مكة
يقصرون - بمنى والله تعالى أعلم ؛ وذهب ابن
الماجشون وسحنون ، إلى أنه إذا نوى إقامة
عشرين صلاة من وقت دخوله إلى حين خروجه أتم ،
وقد اختلف في ذلك اختلافاً كثيراً من يوم
وليلة - وهو مذهب ربيعة - إلى تسعة عشر يوماً
وهو مذهب ابن عباس ، روي عنه أنه قال : أقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يوماً
يقصر ، فإن زدنا أتممنا .
(2/27)
ومن كتاب أوله
أسلم وله بنون صغار
مسألة
وسئل عن الذي ينسى الوتر أو ينام عنه فلا يذكر
إلا بد طلوع الفجر ، قال : إن كان ركع بعد أن
صلى العشاء أوتر بواحدة ، وإن كان لم يركع شفع
الوتر بركعتين .
قال محمد بن رشد : إنما قال : إنه يوتر بواحدة
- إن كان قد ركع بد أن صلى العشاء ، لما جاء
من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا
صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر . فليس ذلك
بخلاف لما مضى في رسم لم يدرك من هذا السماع ،
لأنها مسألة أخرى ، وإنما الخلاف فيما بين
مسألة ( رسم ) لم يدرك ، ومسألة أخرى أول رسم
من سماع أشهب ، وقد بينا وجه ذلك هناك .
مسألة
وسألته عن الذي يصلي ركعتين من مكتوبة فينسي
فيسلم ثم يدخل في نافلة ، ثم يذكر ذلك ؛ فقال
: إن كان طال ذلك استأنف الصلاة ، وإن كان ركع
استأنف أيضاً - طال أو لم يطل ، سواء خرج من
الكرعتين بسلام ، أو خرج بغير سلام ، فإن كان
ذلك منه قريباً حين قام ، بنى وسجد .
قال محمد بن رشد : قوله إنه يستأنف الصلاة ،
إن طال أو ركع وبنى إن كان ذلك منه قريباً
وسجد ، مبني على أن ما صلى بنية النافلة لا
يعتد به من صلاته ، فإن كان قريباً ، ألغى ما
عمل ، واستأنفه وسجد بعد السلام - كما قال
(2/28)
في رسم لم يدرك
- إذا ركع بالسجدة ساهياً ، وإن طال ذلك
استأنف الصلاة وجعل الركوع مع ما تقدم من
القراءة بنية النافلة - طولاً ؛ ولو ركع بنية
النافلة بعد أن قرأ بنية الفريضة ، لوجب أن
يلغي الركعة يستأنفها ، ويسجد بعد السلام على
قياس قوله في هذه الرواية وحتما قاله في الذي
أراد أن يسجد السجدة فركع بها ساهياً ، وقد
قيل : إنه إن ركع ولم يطل القراءة ، ألغى
الركعة واستأنفها وسجد بعد السلام ، ولم
يستأنف الصلاة ، وهو قول مطرف ، وابن الماجشون
، وابن وهب ، وابن عبد الحكم ، وروايتهم عن
مالك ؛ فسواء على هذا خرج من الركعتين بسلام ،
أو بغير سلام - كما قال ؛ وإنما يفترق ذلك على
مذهب من يرى أن تحول النية في الصلاة لا تأثير
له في إفسادها ، وهو قول أشهب في سماع سحنون ،
وروايته عن مالك ، فيعتد على هذا القول بما
صلى بنية النافلة - إن كان خرج من الركعتين
بسلام أو بغير سلام - على القول بأن السلام
على طريق السهو لا يخرج المصلي عن صلاته ، ولا
يعتد بذلك - إن كان خرج من الركعتين بسلام على
القول بأن السلام على طريق السهو يخرج به عن
صلاته ، فإن لم يطل ذلك رجع إلى صلاته وسجد
بعد السلام ، وإن طال ، استأنف صلاته من أولها
.
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الذي يدرك ركعة من صلاة
الجمعة فينسي فيها سجدة فلا يذكرها إلا وهو
قائم في إتمام الأخرى ، أو بعد أن ركع ؛ فقال
: إن ذكر قبل أن يركع ألغى ما صلى مع الإمام ،
لأنه كهيئة من لم يستطع أن يسجد من زحام الناس
حتى سلم الإمام وصلى ظهراً أربعاً ، وإن ذكر
بعد أن صلى الركعة ، أضاف إليها ثلاثة - وكانت
له ظهراً ؛ وروى أصبغ عن ابن القاسم مثله ،
وقال
(2/29)
من رأيه : لا
يعجبني ، وأرى أن يسجدها يتم بها الركعة ، ثم
يتم الجمعة على سنتها بركعة أخرى ، ثم يبتدئ
الصلاة أربعاً للاختلاف ؛ وإن جعلها ظهراً أو
طرح الجمعة ، رأيتها مجزئة ، ولم أر عليه
الإعادة ؛ وقال في كتاب أوصى أن ينفق على
أمهات أولاده أنه يخر فيسجد سجدة ، ثم يبني
على تلك الركعة إن كانت جمعة ، وأجزأت عنه ،
وإن كانت ظهراً ، فمثل ذلك .
قال محمد بن رشد : وقعت هذه المسألة ههنا
مستوعبة بما فيها من الاختلاف ، وقوله في
القول الأول لأنه كهيئة من لم يستطع أن يسجد
من زحام الناس حتى سلم الإمام ، ليس بحجة ،
لأنها هي المسألة بعينها ، إذ لا فرق بين أن
يزحم أو ينسى ، لأنه مغلو على ترك السجود في
الوجهين ، فالمطالبة بالحجة باقية ؛ فقال له :
ولم لم يسجد بعد سلام الإمام الذي زحم عن
السجود مع الإمام ؟ والحجة له أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : ومن أدرك ركعة من
الصلاة فقد أدرك الصلاة ، ومن أدرك ركعة من
الجمعة فقد أدرك الجمعة . والسجدتان من تمام
الركعة ، ( والذي سجد بعد سلام الإمام ، لم
تتم له الركعة إلا بالإمام ، والحجة لقوله
الثاني - وهو قول أشبه - قول النبي صلى الله
عليه وسلم : من أدرك الركعة ، فقد أدرك السجدة
، ومن
(2/30)
أدرك ليلة عرفة
، فقد أدرك الحج . إذ قد حصل اليقين أنه ليس
معنى ذلك أنه يكون مدركاً للسجدة بنفس إدراك
الركعة ) دون أن يفعل السجدة ، ولا مدركاً
للحج بنفس إدراك ليلة عرفة دون أن يفعل بقيته
؛ للإجماع على ذلك ، ولا أنه أراد أنه يكون
مدركاً لذلك بفعله مع الإمام ؛ ( إذ ليس
للإخبار بذلك فائدة ، فلم يبق إلا أنه يكون
مدركاً بذلك بفعله بعد الإمام ) ، وقول أصبغ
استحسان واحتياط للصلاة من أجل هذا الخلاف .
ويتخرج في المسألة قول رابع وهو ألا تصح له
الجمعة لفوات السجدة مع الإمام ، ولا يبني
أربعاً على ذلك الإحرام ، لأنه نوى به ركعتين
على ما مضى من الاختلاف في أول رسم من سماع
ابن القاسم في مسألة المسافر يدخل مع القوم
وهو يظنهم مسافرين فيجدهم حضريين .
مسألة
وسئل عن الرجل يصلي في بيته ، ثم يأتي المسجد
فيجد الناس في تلك الصلاة فيصلي معهم ، فيذكر
عند فراغه أن التي صلى فيه البيت صلاها على
غير وضوء ، ولم يعمد صلاح تلك بهذه التي صلى
مع الإمام ؛ فقال : صلاته التي صلى على الظهر
مجزئة عنه ، وليس عليه إعادة .
(2/31)
قال محمد بن
رشد : مثل هذا في سماع سحنون لابن القاسم ،
وزاد فيه : أن مالكاً قاله ؛ وفيه لأشهب أن
صلاته باطلة ، وعليه الإعادة ؛ فوجه قول ابن
القاسم وروايته عن مالك ، أنه لم يدخل مع
الإمام بنية النافلة ، وإنما دخل معه بنية
الإعادة لصلاتهن وإن كان قد صلاها فوجب أن
يجزيه إن بطلت الأولى ، وأن تجزئه الأولى إن
بطلت هذه ؛ لأنه صلاهما جميعاً بنية الفرض ،
كالمتوضئ يغسل وجهه مرتين أو ثلاثاً ، فإن ذكر
أنه لم يعم في بعضها ، أجزأه ما عم به منها ؛
ويؤيد هذا قول عبد الله بن عمر للذي سأله
أيتهما يجعل صلاته ؟ أو أنت تجعلها ، إنما ذلك
( إلى ) الله . وقد قيل إنهما جميعاً صلاتان
له فريضتان ، وهو الذي يدل عليه قول مالك ،
لأنه لا يعيد المغرب في جماعة ، لأنه إذا
أعادها كانت شفعاً ؛ ووجه قول أشهب ، أنه جعل
الأولى صلاته ، إذ إنما دخل مع الإمام لفضل
الجماعة ، مع ما قد جاء عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنها له نافلة ، وليس قوله بجار على
المذهب ، إذ لو كانت الأولى هي صلاته على كل
حال ، والثانية نافلة ؛ لما جاز لمن صلى الصبح
أو العصر وحده أن يعيدهما في جماعة ، إذ لا (
ينتفل ) بعدهما ، وقد قيل إنه إذا أعاد في
جماعة ودخل فيها فقد بطلت الأولى ، وحصلت هذه
صلاته ؛ فإن بطلت عليه لزمه إعادتها ، ويل
إنها لا تبطل عليه الأولى حتى يعقد من الثانية
ركعة أو أكثر ، وبالله تعالى التوفيق .
مسألة
قال : وقال مالك من دخل من نافلة فيم كتوبة
بغير سلام ، قطع تلك المكتوبة متى ما ذكر
واستأنفها ؛ وإن ذكر أنه ( قد ) سلم منها ولم
يتم النافلة ، مضى على مكتوبته ولا شيء عليه
في نقصان النافلة .
(2/32)
قال محمد بن
رشد :مثل هذا في سماع سخون لابن القاسم ، وزاد
فيه : أن مالكاً قاله ، وفيه لأشهب أن صلاته
باطلة ، وعليه الإعادة ، فوجه قول ابن القاسم
وروايته عن مالك ، أنه لم يدخل مع لإمام بنية
النافلة ، وإنما دخل معه بنيه الإعادة لصلاته
، وإن كان قد صلاها فوجب أن يجزيه إن بطلت
الأولى ، وان تجزئه الأولى إن بطلت هذه ، لأنه
صلاهما جميعاً بنية الفرض ، كالمتوضى يغسل
وجهه مرتين أو ثلاثاً ، فإن ذكر أنه لم يعم في
بعضها ، أجرأه ما عم به منها ، ويؤيد هذا قول
عبد الله بن عمر للذي سأله أيتهما يجعل صلاته
؟ أو أنت تجعلها ، إنما ذلك ( إلى ) الله .
وقد قيل إنهما جميعاً صلاتان له فريضتان ، وهو
الذي يدل عليه قول مالك ، لأنه لا يعيد المغرب
في جماعة ، لأنه إذا أعادها كانت شفعاً ، ووجه
قول أشهب ، أنه جعل الأولى صلاته ، إذا إنما
دخل مع الإمام لفضل الجماعة ، مع ما قد جاء عن
النبي عليه الصلاة والسلام أنها له نافلة ،
وليس قوله بجار على المذهب ، إذا لو كانت
الأولى هي صلاته على كل حال ، والثانية نافلة
، لما جاز لمن صلى الصبح أو العصر وحده أن
يعيدهما في جماعة ، إذ لا ( يتنفل ) بعدهما ،
وقد قيل إنه إذا أعاد في جماعة ودخل فيها فقد
بطلت الأولى ، وحصلت هذه صلاته ، فإن بطلت
عليه لزمه إعادتها ، إنها لا تبطل عليه الأولى
حتى يعقد من الثانية ركعة أو أكثر ، وبالله
التوفيق .
مسألة
قال : وقال مالك من دخل من نافلة في مكتوبة
بغير سلام ، قطع تلك المكتوبة متى ما ذكر
واستأنفها ، وإن ذكر أنه ( قد ) سلم منها ولم
يتم النافلة ، مضى على مكتوبته ولا شيء عليه
فى نقصان النافلة .
قال محمد بن رشد : قوله قطع تلك المكتوبة متى
ما ذكر ، يريد أنه لا يتمادى عليها على أنها
مكتوبة ، إذا قد فسدت عليه ولا تجزئه باتفاق ،
ويخرج عن نافلة ، فإن كان على وتر أتم شفعاً .
وقوله ، يدل على أن السلام على السهو يخرج
المصلى به عن صلاته ، مثل ما مضى له فى رسم
أوصى ، وقد مضى هناك من القول في ذلك ما فيه
شفاء .
مسألة
قال وقال مالك : لو أن رجلاً نسي صلاة فذكرها
قبل غروب الشمس ، صلى الصلاة التي نسي وأعاد
الظهر والعصر ـ إن طمع أن يصليهما جميعاً ، أو
طمع أن يصلى الظهر وركعة من العصر ، فان لم
يطمع إلا بصلاة واحدة بعد التي نسي قبل غروب
الشمس ، صلى التي نسي وصلى العصر ، قال : ولو
كان يرى ويظن أنه لا يقدر إلا على صلاة واحدة
بعد التي نسي قبل غروب الشمس ، صلى التي نسي
وصلى العصر ؛ قال : ولو كان يرى ويظن أنه لا
يقدر إلا على صلاة واحدة بعد التي نسي فصلى
التي نسي وصل العصر ، فلما فرغ من صلاتهما تين
أن عليه نهاراً قدر ما لو صلى حين ابتدأ
الصلاة أولاً ، أدرك التي نسي والظهر والعصر ،
أو الظهر وركعة من العصر ؛ قال مالك : إذا
تبين له مثل ما وصفت من بعد فراغه من الصلاة ،
صلى الظهر ثم أعاد العصر وإن غربت الشمس ،
لأنه قد كان وجب صلاتهما عليه ( حين كان عليه
) من النهار مثل ما ذكرت ، وقد قال صلى الله
عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل غروب
الشمس فقد أدرك العصر .
(2/33)
قال محمد بن
رشد : قوله ثم أعاد العصر وإن غربت الشمس ،
خلاف ما مضى في رسم أسلم ، وقد بينا وجه ذلك
هناك . وقوله لأنه قد كان وجب عليه ( أن يعيد
) في الوقت فلم يفعل ، أعاد أبداً وبالله
التوفيق .
ومن كتاب أوله حمل صبياً
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقول فأسر فيها
يجهر فيه ، فكلم ثم مضى على صلاته وهو يشار
إليه ، ويعلم الناس أنه قد علم ، فتمادى على
إسراره ذلك حتى فرغ قال : كنت ناسياً ، ( أو
قال : كنت عامداً لذلك ، هل عليهم الإعادة ؟
قال ابن القاسم : إن قال : كنت ناسياً ) ، سجد
وسجدوا سجدتي السهو ، وإن كان عامداً ، أعاد
وأعادوا . قال عيسى : يعيدون في الوقت وبعده ،
قال أصبغ فيمن أسر فيما يجهر فيه ، أو جهر
فيما يسر فيه - عامداً ، لا إعادة عليه ،
وليستغفر الله ولا يعود .
قال محمد بن رشد : قوله : إن قال كنت ناسياً
سجد وسجدوا - يريد إذا لم يسجد قبل السلام على
المشهور في المذهب ، وقد مضى ما في ذلك من
الخلاف - قرب آخر أول رسم من سماع أشهب ؛ وإن
قال كنت عامداً أعاد وأعادوا - يريد في الوقت
وبعده على ما فسر به عيسى ، وقد مضى ما في ذلك
(2/34)
من الخلاف
أيضاً في الرسم المذكور من مساع أشهب ، ومن لم
يوجب السجدة في ترك الجهر سهواً ، ( ولا )
الإعادة في تركه عمداً ، فهو عنده من مستحبات
الصلاة ، لا من سننها .
ومن كتاب العشور
مسألة
وسألته عمن قرأ في صلاته بأم القرآن - وحدها
في الأربع ركعات جميعاً - ساهياً ، فقال يسجد
سجدتي السهو قبل السلام . قلت فإن نسيهما حتى
طال ذلك ثم ذكر ، قال : أرجو ألا يكون عليه
شيء ؛ قال عيسى : يعيد - جاهلاً كان أو عامداً
أبداً .
قال محمد بن رشد : ( هذا على ما في المدونة ،
وعلى المشهور في المذهب ، أن قراءة السورة مع
أم القرآن من سنن الصلاة ؛ فإن ترك ذلك سهواً
سجد ، وإن تركه عمداً أعماد أبداً من أجل
التهاون بالصلاة ؛ خلاف ما في آخر الرسم الأول
من سماع أشهب ، فقف على ذلك .
مسألة
قال : وسألته عن الذي تفوته بعض صلاة الإمام ـ
وعلى الإمام سهو يسجد له ـ بعد السلام ، فيجهل
فيسجد معه ، ثم يقدم فيصلي ما فاته به الإمام
، أيسجدهما بعد فراغه ؟ فقال : نعم ، هو أجب
إلى أن يكون عليه ويسجدهما متى ما علم . قال
عيسى : أحب إلي أن يعيد أبداً - إن كان
(2/35)
جاهلاً أو
معتمداً ، هو القياس على أصل المذهب ، لأنه
أدخل في صلاته ما ليس منها - متعمداً أو
جاهلاً ،فأفسدها بذلك ؛ ( وعذره ) ابن القاسم
بالجهل ، فحكم به بحكم النسيان ، مراعاة لقول
من توجب عليه السجود مع الإمام ، وهو قول
سفيان الثوري في المدونة .
مسألة
قيل لأصبغ ما تقول في إمام صلى بقوم فسها في
صلاته سهواً يكون سجوده بعد السلام ، فلما كان
في التشهد الآخر ، سمع أحدهم شيئاً ، فظن أنه
قد سلم الإمام فسلم ، ثم سجد سجدتين ؛ ثم سمع
سلام الإمام بعده ، فسلم أيضاً ، وسجد الإمام
وسجد معه ؟ قال يعيد الصلاة - إذا كان قد سلم
قبل سلامه وسجد .
قال محمد بن رشد : قوله يعيد الصلاة - إذا كان
قد سلم قبل سلامه وسجد ، صحيح على القول بأن
السلام على طريق السهو يخرج المصلي عن صلاته ،
فلما كان يخرج به عن صلاته ؛ أبطل سجوده بعده
عليه الرجوع إليها ، وأوجب عليها استئنافها ؛
وذلك مثل قول في المدونة فيمن سلم من ركعتين -
ساهياً ، ثم أكل أو شرب ولم يطل ذلك : إنه
يبتدئ ولا يبني . وأما على القول بأن السلام
على السهو لا يخرج به المصلي عن صلاته ،فيجب
أن يحمل الإمام عنه السجود الذي يسجد بعد أن
سلم قبل أن يسلم الإمام ، لأنه في حكمه ،
فيرجع إلى صلاته بغير تكبير ، ويسلم بسلامه
ولا سجود عليه ؛ لأن سهوه في داخل صلاة الإمام
، ويجب على هذا القول في مسألة المدونة أن
يبني على صلاته ويسجد بعد السلام ، كما لو أكل
أو شرب في
(2/36)
أثناء صلاته
دون أن يسلم لو يطل لك ؛ وقد روى علي بن زياد
عن مالك في المجموعة - على قياس هذا القول -
في إمام سلم من اثنتين - ساهياً - وسجد لسهو
عليه ، ثم ذكر أنه يتم صلاته ويعيد سجود السهو
؛ قال سحنون وكذلك لو كان قبل السلام لأعادهما
، وهذا يبين ما ذكرناه ؛ فمن ظن أن الإمام قد
سلم فسلم قبل سلامه وعلم قبل أن يسلم ، فإنه
يرجع إلى صلاته بلا تكبير على القول بأن
السلام على طريق السهو لا يخرج به عن الصلاة ،
وبتكبير - على القول بأنه يخرج به عن الصلاة ؛
وأما إن لم يعلم حتى سلم الإمام ، فيسلم بعد
سلامته وتجزئه صلاته - على القول بأن السلام
على طريق السهو يخرج به عن صلاته ، إذ لا يصح
أن يرجع إلى صلاته في حكم الإمام بعد خروج
الإمام عنه ؛ فهذا وجه القول في هذه المسألة
وتحصيله - وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته عن الذي ينسى سجدتي السهو اللتين بعد
السلام حتى تطاول ، ثم يذكر فيريد السجود لهما
بإحرام ؛ قال لا . قلت أيهوي ساجداً وهو قائم
أم يقعد ويسجد ؟ قال بل يقعد ويسجد ، رجع ابن
القاسم وقال : لا يرجع إليهما إلا بإحرام .
قال محمد بن رشد : وجه قوله الأول ، أنهما
سجدتان منفصلتان عن الصلاة بالسلام : فلا يحرم
في البعد ، كما لا يحرم في القرب ، إذ لم يوجب
البعد انفصالا عن الصلاة لم يكن قبل ؛ ووجه
القول الثاني ، أن السلام لم يوجب
(2/37)
انفصالاً باتاً
من الصلاة بإجماع ، وإنما اختلف هل أوجب
انفصالاً غير بات أو لم يوجبه ؟ ألا ترى أنه
لو ذكر منها شيئاً بقرب سلامه ، لجاز له أن
يرجع إليه ، قيل بإحرام على القول بأنه أوجب
انفصالا ( غير بات ، وقيل بغير إحرام ؛ بدليل
ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يأمر ألا ينتقل أحد بعد الصلاة حتى يقوم
أو يتكلم . ولهذا قال مالك في المدونة فيمن
أوتر في المسجد ثم أراد أن ينتفل ، أنه يترك
قليلاً ثم يقوم فينتفل ما بدا له ، وإذا طال
الأمر بعد السلام فقد انفصل عن الصلاة
انفصالاً ) باتاً لا يجوز له الرجوع إلى شيء
يذكره منها بإجماع ، وهذا فرق بين الموضعين ،
لأنه إذا أيقن على أنه لم يخرج بالسلام عن
الصلاة - خروجاً باتاً ، وجب إذا سلم على أن
يسجد ألا يجب عليه أن يحرم ، وإذا طال الأمر
بعد سلامه ، وجب أن يحرم لسجوده ، إذ قد انفصل
عن الصلاة انفصالاً باتاً ، وقد قيل في الفرق
بينهما إن الأصل كان أن يحرم لهما في القرب
والبعد ، لانفصالهما عن الصلاة ، فخرج القرب
عن ذلك بالإجماع ، وبقي البعد على أصله ، وليس
بفرق صحيح ، لما ذكرناه من أنه إذا سلم على أن
يسجد وجب ( ألا يجب ) عليه أن يحرم - وبالله
التوفيق .
ومن كتاب حبل حبلة
مسألة
قال عيسى : قال أبو محمد المخزومي : وسألت
مالكاً عن
(2/38)
الصلاة
بالكيمخت فغضب علي وقال ما هذا التعمق ؟ قد
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون
بأسيافهم - وفيها الدم ، فلم يزدني على هذا!
قال ابن القاسم ما يعجبني . وروى سحنون عن علي
بن زياد ، عن مالك ، أنه سئل عن الكيمخت ،
فقال : ما زال الناس يصلون بالسيوف - وفيها
الكيمخت ، وما يتقون شيئاً . وأخبرني موسى بن
معاوية الصمادحي ، عن جرير ، عن عبيدة ، عن
إبراهيم ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم يجعلون الكيمخت في سيوفهم ، ويقولن
دباغة طهره .
قال محمد بن رشد : الكيمخت : جلد الحمار ،
وقيل إنه جلد الفرس ، والحمار والفرس لا
يؤكلان عند مالك ، فلا تعمل الذكاة في لحومهما
، ولا يطهر الدباغ جلودهما للصلاة بهما
وعليهما ؛ واختلف قوله في جلد الميتة مما يؤكل
لحمه ، فالمشهور عنه أن الدباغ لا يطهر إلا
للانتفاع به دون الصلاة عليه ؛ وروى أشهب عنه
في كتاب الضحايا ما ظاهره أن الدباغ يطهر ،
وهو قول ابن وهب في سماع عبد الملك ؛ ومن أهل
العلم من يرى أن الدباغ يطهر كل جد حتى جلد
الخنزير ، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام :
إذا دبغ الاهاب فقد طهر . ومن أهل العلم من
ذهب إلى أنه لا يطهر إلا جلود الأنعام ، إذ قد
قيل إنه لا يتسمى إهاباً في اللغة إلا جلد
الأنعام ، وأما سائر جلود الحيوان فإنما يقال
له جلد ولايقال له إهاب ؛ فالصلاة بالكيمخت
على أصل مذهب مالك لا يجوز ، إلا أنه استخفه
للخلاف فيه ، واستجازة السلف له ، ورأي المنع
له والتشديد فيه من التعمق الذي لا ينبغي ؛
وكرهه ابن القاسم للخلاف فيه من غير تحريم ،
فقال ما يعجبني ؛ وقد مضى في سماع أشهب من
كتاب الوضوء وجه استعمال الآثار الواردة عن
النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب .
(2/39)
مسألة
قال ابن القاسم في المسافر ينوي إقامة أربعة
أيام فيقصر الصلاة ، قال عليه الإعادة في
الوقت وبعده .
قال محمد بن رشد : قد مضى في رسم إن خرجت ما
في هذا التحديد من الخلاف ، إلا أنه ضعف عند
ابن القاسم فلم يراعه ، ولذلك أوجب الإعادة
أبداً من قصر وقد نوى إقامة أربعة أيام .
ومن كتاب جاع فباع امرأته
( مسألة )
وسئل عن الذي يدرك أول صلاة الإمام ، فإذا صلى
بعد الصلاة وقعد في التشهد الآخر أو قبل ذلك ،
شك في الركعة الأولى أن يكون ركع معه ، قال لا
يصلي مكانها ركعة ، ولكن يسلم مع الإمام
فيصليها ثانية ،يبتدئ الصلاة خوفاً أن يكون قد
ركعها فيزيد في الصلاة مع الإمام خامسة .
قال محمد بن رشد : وجه هذا القول مراعاة قول
من يقول إن الركعة تجزئه ، وإن شك في تمكنه
فيها مع الإمام فيعمل على أنها تجزئه ، ثم
يعيد الصلاة احتياطاً ؛ كمن ترك قراءة أم
القرآن في ركعة من صلاته - على القول بالإعادة
، وذلك خلاف ما تقدم في رسم الصلاة الثاني من
سماع أشهب ، وقد مضى هناك من القول في ذلك ما
فيه كفاية ، وبالله سبحانه التوفيق .
مسألة
وقال في مسافر دخل مع إمام مقيم في أول صلاته
، فلم يركع الإمام شيئاً حتى أحدث ، فأخذ بيده
فقدمه ولم يصل معه شيئاً ، إلا
(2/40)
أنه قد أحرم ،
قال : يصلي بهم - أربعاً ، قال وكذلك لو لم
يكن مع الإمام المقيم غيره ثم دخل عليه حدث
فخرج ، كان عليه أن يصلي أربعاً ـ وحده ، لأنه
قد أحرم معه ووجبت عليه صلاة القيم ، وقال :
أنظر إذا دخل المسافر مع القيم في صلاته وبقي
على الإمام القيم شيء من صلاته ـ وإن ركعة ،
ثم دخل على الإمام حدث ، فإن السافر الذي دخل
معه قد وجبت عليه صلاة الحضر ـ وإن كان لم
يرجع معه شيئاً ، لأن الركعة التي بقيت على
الإمام قد أدركها ، فهو لا بد له من أربع قدمه
الإمام الخارج أو قدم غيره ، وإن لم يبق على
الإمام شيء وإنما أدركه في الجلوس الآخر ،
فإنه يصلي ركعتين لأنه لم يدرك معه شيئاً .
قال محمد بن رشد : الأصل في هذه المسألة ،
قوله عليه الصلاة والسلام : من أدرك ركعة من
الصلاة فقد أدرك الصلاة ـ يريد أدرك حكمها ،
فلا اختلاف أحفظه في أن المسافر إذا أدرك ركعة
من صلاة الحاضر فصلاها معه ، أنه قد أدرك حكم
صلاته ، ووجب عليه الإتمام ، وأما إذا دخل معه
- وقد بقيت عليه ركعة من صلاته فأكثر ، فأحدث
الإمام وخرج قبل أن يصلي معه شيئاً ؛ فجعله
ابن القاسم في حكم المدرك لما بقي على الإمام
من صلاته - وإن لم يصله معه على ظاهر قول رسول
الله صلى الله عليه وسلمك من أدرك ركعة من
الصلاة . إذ لم يقل صلى الله عليه وسلم فصلاها
معه وأوجب عليه الإتمام ، وأن يصلي بالقوم
أربعاً - إن استخلفه الإمام ، وهو مذهب أشهب
وغيره من أصحاب مالك ، حاشا ابن وهب ، فإنه
ذهب إلى أنه لا يكون مدركاً للركعة ، ولا
يلزمه حكم صلاة الإمام ، إلا إذا صلى معه
(2/41)
ركعة من صلاته
فأكثر ؛ وتأول الحديث على ذلك فقال إنه إن
أحدث المقيم قبل أن يصلي المسافر خلفه ركعة ،
لم يصح له الإتمام ، وبقي على سنته في القصر ،
ولم يجز للإمام أن يستخلفه ؛ فإن فعل وصلى بهم
، أفسد على نفسه وعليم - يريد على ما قد قيل
في المسافر يحرم بنية السفر ثم يتم - معتمداً
، أنه يعيد في الوقت وبعده . وأما قوله وكذلك
لو لم يكن مع الإمام المقيم غيره ثم دخل عليه
حدث فخرج ، كان عليه أن يصلي أربعاً ؛ ظاهره
أنه يبني على إحرامه مع الإمام ، والصواب أن
يقطع ويبتدئ ؛ لأن من ابتدأ صلاته في جماعة
فلا ينبغي أن يتم وحده ، فإن لم يقطع وبنى على
إحرامه ، أجزأته صلاته عند ابن القاسم ؛
ولأصبغ في نوازل سحنون ، أنه لا يجوز له أن
يبني ، ويقطع وبتدئ ؛ وقد مضى في رسم إن خرجت
- ذكر الاختلاف في ذلك ، فقف عليه وتدبره .
مسألة
قال ابن القاسم : بلغني أن القوم ، إذا نسوا
ظهراً من يوم واحد ، فاجتمعوا فذكروا ،
فأرادوا أن يجمعوها ؛ أن ذلك لهم ، قال ابن
القاسم وأنا استحسنه وآخذ به ؛ وذلك أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رقد عن صلاة هو
وأصحابه حتى طلعت الشمس عليهم ، فصلاها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( بأصحابه ) جماعة
جمعها بهم .فالساهي عنها بمنزلة النائم ، قال
ابن القاسم : ولو كانت ظهرهم من أيام مفترقة
لم يجز لهم أن يجمعوا ، وإنما يجمعونها إذا
نسوها من يوم واحد . قال عيسى : ولا إعادة على
الإمام .
قال محمد بن رشد : قوله : ولو كانت ظهرهم من
أيام مفترقة( لم يجز لهم أن يجمعوا ، معناه من
أيام مفترقة ) يعلمونها بأعيانها ؛ وهذا على
القول بأن من ذكر صلاة - لا يدري أن كانت من
السبت ، أو من الأحد ؟ أنه يجب عليه أن يصلي
صلاتين : صلاة للسبت ، وصلاة للأحد ؛ وأما على
مذهب من لا يراعي التعيين ، ويقول إنما عليه
أن يصلي واحدة ينوي به اليوم الذي تركها فيه ،
كان الظهر أو العصر ، وهو مذهب سحنون ، فيجوز
لهم أن يصلوا جماعة وإن كانت ظهرهم من أيام
مفترقة .
(2/42)
ومن كتاب
النسمة
( مسألة )
قال وسألت ابن القاسم وابن وهب عمن سها عن
سجدة من الركعة الأولى ، فذكرها في الثانية أو
الثالثة - وهو مع الإمام ، فقالا : إن ذكر وهو
قائم مع الإمام في الثانية قبل أن يركع ،
فليهو ساجداً ثم ينهض إلى الإمام ؛ وإن ذكرها
حين ركع الإمام فليمض مع الإمام ، وإن ذكرها
أيضاً بعد أن رفع الإمام رأسه ، أو في الثالثة
. فليصل مع الإمام أيضاً ، ويتبعه فيما بقي ؛
فإذا سلم الإمام فليقض ركعة بسجدتيها ثم يسلم
.
قال محمد بن رشد : قوله وإن ذكرها حين ركع
الإمام فليمض مع الإمام ، وإن ذكرها أيضاً بعد
أن رفع الإمام رأسه ؛ - معناه إن خشي إن سجد
(2/43)
ألا يدرك
الإمام - في الركوع ؛ وأما لو علم أنه يدرك
أنه يسجد ويدرك الإمام راكعكاً ، لجاز له أن
يسجد ويتبع الإمام على القول بأن عقد الركعة
رفع الرأس من الركوع ، وهو المعلوم من مذهب
ابن القاسم ، وروايته عن مالك خلاف رواية أشهب
عنه ؛ ولو رجا وظن أنه يدرك أن يسجد ويدرك
الإمام راكعاً فسجد ورفع الإمام رأسه قبل أن
يرفع ( هو ) رأسه من سجوده ، لبطلت عليه
الركعة الأولى والثانية . وقوله فإذا سلم
فليقض ركعة بسجدتيها ثم يسلم - يريد ويقرأ
فيها بالحمد وسورة ؛ لأنها ركعة قضاء ، ويسجد
لسهوه بعد السلام - وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله يدير ماله
مسألة
قال وسألته عن إمام أحدث بعد التشهد ، فتمادى
حتى سلم بالقوم - متعمداً ، قال أرى أن تجزي
من خلفه صلاتهم ؛ قال عيسى : يعيد ويعيدون .
قال محمد بن رشد : مذهب ابن القاسم وروايته عن
مالك في المدونة وغيرها ، أن الإمام إذا أحدث
فتمادى بالقوم - متعمداً ، أو جاهلاً ، أو
مستحيياً ؛ فقد أفسد عليهم الصلاة ، ووجبت
عليهم إعادتها في الوقت وبعده - خلافاً لأشهب
، ومحمد بن عبد الحكم - في قوليهما : إن
صلاتهم جائزة ،
(2/44)
ولا إعادة
عليهم له ، من أجل أنه ليس له أن يوجب عليهم
بقوله صلاة قد سقطت عنهم بأدائهم لها على
الوجه الذي أمروا به ، وحصل هو ضامناً لها
بقول النبي عليه الصلاة والسلام الإمام الضامن
. لا من أجل أن صلاتهم غير مرتبطة بصلاته ، لا
اختلاف في المذهب في أن صلاة القوم مرتبطة
بصلاة إمامهم ؛ وإنما قال ابن القاسم في
الإمام إذا أحدث بعد التشهد فتمادى بالقول حتى
سلم بهم عامداً ، أنه لا إعادة عليهم لصلاتهم
، مراعاة لقول أبي حنيفة في أن الرجل إذا جلس
في آخر صلاته مقدار التشهد فقد تمت صلاته وخرج
منها - وإن لم يسلم ؛ وقول عيسى بن دينار هو
القياس على المذهب في أن السلام من فرائض
الصلاة ، وأنه لا يتحلل منها إلا به .
مسألة
وسألته عن المسافر يكون إماماً فيصلي ركعة ثم
ينوي الإقامة . قال : يقدم غيره ويخرج . قلت
له : فهل يتم لنفسه بركعة أخرى ويجعلها نافلة
بمنزلة ما لو كان وحده ؟ قال : لا . ويدخل
معهم ويقضي باقي الصلاة وتجزئه . قال عيسى بن
دينار : وأرى أن يبتدئوا الصلاة هو وهم : قال
: قال محمد بن رشد : إنما قال : إنه يقطع ولا
يضيف إليها ركعة ، بخلاف المنفرد لما جاء عن
النبي عن ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام
أصلاتان معاً ؟! وقد مضى التكلم على هذه
المسألة في رسم لم يدرك - مستوفى ، فأغنى ذلك
عن إعادته ههنا .
(2/45)
ومن كتاب
البراءة
مسألة
وسئل عن الذي يقهقه في الصلاة - وهو وحده أو
مع إمام ناسيا ، أو عامداً ؛ أو يبتسم - وهو
وحده ، أو مع إمام - عامداً أو ناسياً ؟ قال :
أما المبتسم وحده أو وراء الإمام ، فلا شيء
عليه فيه ، لأنه لو كان عليه سجود السهو في
التبسم فيم انسي ، لكان عليه إذا تعمد ذلك -
إعادة الصلاة ؛ وأما إذا قهقه فإني لم أسمع
مالكاًيفرق بين نسيانه ولا تعمده ، ولو كان
عمده يفترق من نسيانه ، لفرقه كما فرق الكلام
؛ وأرى أن يعيد منه - ناسياً كان أو عامداً ؛
فإن كان مع إمام مضى وأعاد إذا سلم ، وكذلك
قال لي مالك ؛ وإن كان وحده ، قطع واستأنف
الإقامة والإحرام .
قال محمد بن رشد : إنما قال : إنه يقطع ولا
يضيف إليها ركعة ، بخلاف المنفرد قد مضى القول
في التبسم في رسم الصلاة الثاني من سماع أشبه
، وفي القهقهة في رسم استأذن من هذا السماع -
مستوعباً مستوفى ، فليس لإعادة شيء من ذلك هنا
معنى .
ومن كتاب الجواب
مسألة
قال : وسألت مالكاً عن الذي تفوته بعض صلاة
الإمام ، ويدرك بعضها ؛ أرأيت ما أدرك أهو أول
صلاته ، أم آخرها ؟ قال : بل آخرها . قال
سحنون : بل أولها - وهو الذي لم يعرف خلافه ،
وهو
(2/46)
قول مالك ؛
هكذا أخبرني ( به ) غير واحد ، ويقضي الذي
فاته على ما فاته سواء .
قال محمد بن رشد : قد قيل في اختلاف قول مالك
هذا : إنه اختلاف في عبارة ، لا في معنى حكم
شيء من الصلاة ؛ إذ لم يختلف قول مالك في صفة
ما يفعله من فاته بعض صلاة الإمام باختلاف
قوليه هذين ، فهو على كليهما بان في صفة
القيام والجلوس ، قاض في القراءة ؛ فيحسن أن
يعبر عما أدرك الرجل مع الإمام بأنه أول صلاته
، من أجل أنه بان على ذلك ، لما بقي عليه منها
في صفة القيام والجلوس ؛ ويحسن أني عبر عنه
بأنه آخر صلاته ، من أجل أنه قاض لما فاته
منها على صفة ما فاته في القراءة ؛ ووجه ما
اختاره سحنون من قولي مالك أن الذي أدرك مع
الإمام هو أول صلاته ، هو أنه بذلك ابتدأها ،
وفيه أو مع تكبيرة الإحرام ، وذلك لا يكون إلا
في أولها ؛ إذ لا يصح أن يبدأ أحد صلاته من
نصفها ؛ وقد قال ، عليه الصلاة والسلام : وما
فاتكم فأتموا والتمام لا يكون إلا آخراً لا
أولاً ، ووجه القول الآخر اتباع ظواهر قول
النبي عليه الصلاة والسلام : فما أدركتم فصلوا
ومعلوم أن الذي أدرك من صلاة الإمام هو آخرها
، فوجب بحق هذا الظاهر ، أن يكون ذلك هو آخر
صلاته أيضاً ؛ وقيل إن اختلاف قول مالك هذا
اختلاف فيما يفعله من فاته شيء من صلاته من
قضاء أو بناء ، فعلى قوله إن الذي أدرك مع
الإمام هو آخر صلاته ، يكون قاضياً في القراءة
والجهر ، وفي صفة القيام والجلوس ، كمذهب أبي
حنيفة ، فيأتي إذا أدرك ركعة من صلاة رباعية
بالركعة الأولى أولاً فيقرأ فيها بالجهر وسورة
ويقوم ، ثم يأتي بالركعة الثانية فيقرأ فيها
أيضاً بالحمد وسورة ويجلس ؛ ثم يأتي بالركعة
الثالثة فيقرأ فيها بالحمد وحدها
(2/47)
فيجلس ويتشهد (
ويسلم ) ، لأنها آخر صلاته ؛ وعلى قوله إن
الذي أدرك مع الإمام هو أول صلاته ، يكون
بانياً في القراءة ، والجهر ، وفي صفة القيام
والجلوس ، كمذهب الشافعي ؛ فيأتي إذا أدرك
ركعة من صلاة رباعية بالركعة الثانية يقرأ
فيها بالحمد وسورة ويجلس ؛ ثم يأتي بالركعة
الثالثة يقرأ
فيها بالحمد وحدها ويقوم ، ثم يأتي بالركعة
الرابعة يقرأ فيها بالحمد وحدها ويجلس ويتشهد
ويسلم ؛ وهذا التأويل على مالك غير صحيح ، إذ
لا يوجد ذلك له ، ولا يعرف من مذهبه ؛
والتأويل الأول مرغوب عنه ، إذ لا فائدة في
الاختلاف في الألفاظ - إذا لم يختلف باختلافها
شيء من الأحكام ، ولا يعد ذلك اختلاف قول ،
والذي أقول به في اختلاف قول مالك ، إنه
اختلاف يؤدي إلى اختلاف في كثير من المعاني
والأحكام ، مع أن قوله لم يختلف في أن من فاته
شيء من صلاته مع الإمام ، يكون بانياً في صفة
القيام والجلوس ، وقاضياً في القراءة ؛ والأصل
في ذلك عنده اتباع ظاهر قول النبي عليه الصلاة
والسلام فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا .
والإتمام هو البناء ، فوجب عنده بحق هذا
الظاهر أن يبني على ما أدرك ما فاته ؛ ومعلم
أن الذي فاته يقرأ فيه بالحمد وسورة ، فعلى
قوله إن الذي أدرك مع الإمام هو أول صلاته ،
يكون ذلك للإمام آخر الصلاة ، وله هو أول
الصلاة ؛ ولا يضره اختلاف نيته ونية إمامه في
أعيان الركعات - على ما يأتي في رسم باع شاة ؛
وإن أدرك معه ركعة من الصبح قنت في الركعة
التي يقضي ، لأنها ثانيته ؛ وإن أدرك ركعتين
يكبر إذا قام ، لأن ذلك وسط صلاته ؛ وإذا سجد
مع الإمام قبل السلام لسهو ، كان عليه فدخل
عليه هو فيما يقضي لنفسه سهو ، سجد له أيضاً ،
وإن كان سهو الإمام بعد السلام أضاف سهوه إلى
سهو الإمام فسجد قل السلام - إن كان سهوه
سهواً يكون
(2/48)
سجوده قبل
السلام ، وعلى قوله إن الذي أدرك مع الإمام هو
آخر صلاته ، لا يقنت في الركعة التي يقضي في
الصبح ، ويقوم إذا أدرك ركعتين بغير تكبير ؛
وإذا سجد مع الإمام لسهو ، كان عليه قبل
السلام فدخل عليه فيما يقضي سهو لم يسجد له ؛
وإن كان سهوه بعد السلام لم يضف سهوه إلى سهو
الإمام ؛ وأما على مذهب أشهب من أصحاب مالك
الذي يقول إن من أدرك بعض صلاة الإمام ، يبني
على ما أدرك منها في صفة القياس والجلوس ، وفي
القراءة ؛ فإن أدرك من صلاته ركعتين بنى
عليهما ركعتين بأم القرآن - وحدها ، كمذهب
الشافعي ، فلا إشكال على مذهبه - أن ما أدرك
الرجل مع الإمام فهول أول صلاته .
مسألة
وسئل عن المجنون المطبق الذي يعرف أنه لا
يتوضأ ولا يغتسل من جنابة ، يكون أمام الرجل
في الصف في الصلاة ، وكيف إن صلى وراءه - وهو
أمامه - عامداً أو ناسياً ، هل يعيد الصلاة ؟
أو الصبي الصغير ، أو المرأة - على مثل ذلك ؟
قال ابن القاسم : المجنون الذي ذكرت ، والصبي
والمرأة في هذا بمنزلة وحدة ، ولا أحب له أن
يفعل ذلك ؛ ولا يصلي - وهو أمامه ، وليتنح عن
ذلك أو ينحيهم أو يتقدم عنهم ؛ وقد بلغني أن
أبا سلمة بن عبد الأسد ، كان في الصلاة وكان
أمامه رجل مأبون في دبره ، فقدم رجلاً إلى
جنبه ليكون أمامه في مكانه فلم يتقدم الرجل ؛
لأنه لم ير خللاً ولا فرجة ، ولم يأبه لما
أراد ؛ فلما فرغ من صلاتهن عزله في التقدم حين
قدمه فلم يتقدم ، فكأنه اعتذر بنحو ما أخبرتك
؛ فقال أبو سلمة بن عبد الأسد : ألم ترك إلى
فلان المأبون في دبره أمامنا ؟ إنما قدمتك
لذلك ، وهو أبو سلمة بن عبد الأسد الذي كان
زوج أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام .
قال ابن القاسم : فإن فات ذلك وصلى حذاءهم ،
أو هم
(2/49)
أمامه ، لم أر
عليه إعادة الصلاة - عامداً كان أو ناسياً أو
جاهلاً ، لا في وقت ولا في غيره - في كل ما
سمينا ؛ لأنه بمنزلة الرجل إلى جدار مرحاض
أمامه ، وقد قيل فيه لا شيء عليه ؛ وكذلك
الكافر مثل المجنون ، والصبي ، والمرأة ، في
ذلك سواء .
قال محمد بن رشد : هذا نحو ما مضى في رسم
الصلاة الثاني من سماع أشهب ، وليس فيه معنى
يشكل فنتكلم عليه ، إذ قد الشرع تعظيم شأن
القبلة ، فمن الاختيار للمصلي أن ينزه قبلته
في الصلاة عن كل شيء مكروه ، ولم يكن قوله في
الرجل إنه مأبون في دبره غيبة فيه ، لأن
المقول له كان عالماً بما قاله له من ذلك
القائل ، فلم يتنقصه بقوله ولا اغتابه عنده به
- وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته متى يفرق بين الصبيان في المضاجع ؟
فقال ابن القاسم : إذا أثغروا من نحو التفرقة
في البيع ، قال عيسى : وحدثني ابن وهب أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا بلغ
الصبيان سبع سنين ، فمروهم بالصلاة ، وإذا
بلغوا عشر سنين فاضربوهم عليها ، وفرقوا بنيهم
في المضاجع . قال عيسى : وبه آخذ .
قال محمد بن رشد : قوله إنه يفرق بينهم في
المضاجع - إذا أثغروا ، خلاف ظاهر الحديث ،
وكذلك ما في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب ،
من
(2/50)
أنهم يضربون
على الصلاة - إذا أثغروا ؛ هوأيضاً خلاف ظاهر
الحديث ، ولا رأي لأحد مع الحديث ، فاتباع
ظاهره في المعنيين على ما ذهب إليه عسى - هو
الصواب ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك
مسألة
قال ومن شك في قراءة أم القرآن حتى هم أن يركع
وقبل أن يرفع - وقد قرأ السورة التي معها ،
فإنه يرجع ويقرأ أم القرآن والسورة التي معها
، وليس عليه سجود .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف ما مضى في رسم إن
خرجت ، ومثل ما في الرسم الأول من سماع أشبه ،
والقولان قائمان من المدونة ، وقد مضى القول
في ذلك على مسألة سماع أشهب المذكور ، فقف
عليه .
مسألة
وسئل عن الإمام يصلي بالناس فيجلس في ثالثة ،
أو يقوم إلى خامسة ، فيسبح به فلا يرجع ،
فيكلمه إنسان ممن يصلي خلفه ؛ قال : قد أحسن
وتتم صلاته . قلت : وكذلك لو سأل الإمام أتممت
صلاته أم لا ؟ قال : نعم كذلك أيضاً يتم على
ما صلى . قال : وينبغي للإمام إذا سبح به ، أن
يجيبهم إذا كان في شك ، ولا يدري في ثلاث هو
أو في أربع ، فليقم إلى أربع ، إلا أن يسبح به
قد تممت صلاتك فيرجع .
(2/51)
قال محمد بن
رشد : مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، أن
الكلام في الصلاة فيما تدعو إليه الضرورة من
إصلاح الصلاة - إذا لم يفهم بالتسبيح ، ولا
بالإشارة ، جائز ، ولا يبطل الصلاة على ما جاء
عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ذي
اليدين . وهذب ابن كنانة ، وابن نافع ، وأكثر
أصحاب مالك - إلى أن ذلك منسوخ لا يجوز لأحد
بعد النبي - عله الصلاة والسلام . وأخذ سحنون
بالحديث فيم وضعه ولم يقس عليه سائر المواضع .
وقوله وكذلك لو سأل الإمام أتمت صلاته ، قال :
نعم ؛ كذلك أيضاً ظاهره قبل السلام وهو بعيد ،
إذ لا ضرورة بالإمام إلى السؤال قبل السلام :
هل أكمل صلاته أم لا ؟ لأن الواجب عليه إذا شك
أن يبني على اليقين ، إلا أن يسبح به فيرجع ؛
فإن سألهم قبل أن يسلم ، أو سلم على شك ، فقد
أفسد الصلاة ؛ وإن سلم على يقين ثم شك ، جاز
له أن يسألهم ، فينبغي أن يعدل بالكلام عن
ظاهره ، ويقال : معناه إذا شك في إتمام صلاته
بعد أن سلم عن يقين ؛ وذلك بخلاف الذي استخلف
ساعة دخوله - ولا علم له بما صلى الإمام ،
فإنه يجوز له السؤال إذا لم يفهم بالإشارة على
ما في سماع موسى بن معاوية ، إذ ليس عنده أصل
يقين يبني عليه . وقوله إنه ينبغي للإمام أن
يجيب من خلفه إذا سبحوا به - وكان في شك -
صحيح ، وقد مضى من معناه في أول رسم من سماع
ابن القاسم .
مسألة
وسئل عن رجل صلى المغرب خمس ركعات - ساهياً ،
قال : يسجد سجدتي السهو بعد السلام .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف ما وقع في أول رسم
من سماع ابن
(2/52)
القاسم من
رواية سحنون عن ابن القاسم ، أن من زاد في
صلاته مثل نصفها ، أعاد الصلاة أبداً ؛ وهو
مثل ما في المدونة فيمن شفع وتره ساهياً . وما
في سماع أي زيد فيمن صلى ركعتي الفجر أربعاً
من استحباب إعادتها ، يقوم منه قول ثالث - وهو
الإعادة في الوقت ؛ والقول الأول أظهر من جهة
القياس - وهو أن الزيادة في الصلاة لما كان
يستوي القليل والكثير منها في العمد ، وجب أن
يستويا في السهو ؛ ووجه القول الثاني ، أن
الاقتصار في الصولات على ما وقت فيها من عدد
الركعات فرض ، والفروض لا تسقط بالنسيان ؛
فكان الأصل أن تبطل صلاة من زاد في صلاته ركعة
فأكثر من أي الصلوات كانت ، فخرج من ذلك من
زاد ركعة في صلاة هي أربع ركعات ، بحديث ابن
مسعود إذا صلى النبي - عليه الصلاة والسلام -
الظهر خمساً وبقي م زاد على ذلك على الأصل -
وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل أدرك الإمام جالساً في التشهد في
الصلاة ، فأحرم ثم جلس ، فلما سلم الإمام ،
سها فسلم معه ثم قام فبنى ؛ قال : عليه سجدتا
السهو بعد السلام ، لأن السلام زيادة .
قال محمد بن رشد : وهذا - كما قال ، لأنه
زيادة خارجة عن حكم الإمام ، فوجب السجود له -
على مذهب مالك عبد السلام .
ومن كتاب التفسير
مسألة
قال ابن القاسم من ركع فرفع رأسه من الركوع
فلم يعتدل
(2/53)
حتى خر ساجداً
، فليستغفر الله ولا يعد ؛ ومن خر من ركعته
ساجداً ، فلا يعتد بتلك الركعة ؛ ومن رفع رأسه
من السجود فلم يعتدل - جالساً حتى سجد الأخرى
، فليستغفر الله ولا يعد ؛ وأحب إلي للذي خر
من الركعة - ساجداً قبل أن يرفع رأسه ، أن
يتمادى في صلاته ويعتد بها ، ثم يعيد الصلاة ؛
قال سحنون : روى علي بن زياد عن مالك ، أنه لا
إعادة عليه .
قال محمد بن رشد : قوله فيمن رفع رأسه من
الركوع أو السجود فلم يعتدل قائماً ، أنه
يستغفر الله ولا يعد ؛ يدل على أن الاعتدال في
الرفع منها ، عنده من سنن الصلاة ، لا من
فرائضها ، ولا من فضائلها ؛ إذ لو كان عنده من
فرائضها لما أجزأه الاستغفار ، ولو كان من
فضائلها ، لما لزمه الاستغفار ؛ ويجب على هذا
القول إن لم يعتدل قائماً في الرفع من الركوع
، وجالساً في الرفع من السجود - ساهياً ، أن
يسجد لسهوه ؛ وروى ابن القاسم من مالك في
المبسوطة ، أنه لا سجود عليه ، ولا إعادة -
وحده كان أو مع الإمام ، عامداً كان أو ساهياً
؛ وهذا - عندي - على القول بأنه لا سجود على
من نسي تكبيرة واحدة ، إذ يبعد أن يسهو عن ذلك
في جميع صلاته ؛ وذهب ابن عبد البر إلى أن ذلك
من فرائض الصلاة ، وعاب قول من لم يجب في ذلك
الإعادة ، لقول النبي - عليه الصلاة والسلام -
لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود .
ولقوله للذي رآه يصلي ولا يعتدل في كروعه
وسجوده - : ارجع فصل ، فإنك لم تصل . قال :
وإنما اختلف الناس في الطمأنينة بعد
(2/54)
الاعتدال .
والصحيح أن ذلك سنة لا فريضة على ما دلت عليه
هذه الرواية ، والآثار التي احتج بها ليست على
ظاهرها ، بدليل ما في سائرها .
وأما الرفع من الركوع فاختلف هل هو فرض لا يتم
الركوع إلا به ، أو سنة ؟ وعلى هذا الاختلاف
يأتي اختلاف قول مالك في عقد الركعة : هل هو
الركوع ، أو الرفع منه ؛ فعلى القول بأنه سنة
- إن خر من ركعته - ساهياً ، سجد قبل السلام ،
وإن كان متعمداً ، استغفر الله ولم تكن عليه
إعادة ، وهي رواية علي بن زياد عن مالك ؛ وعلى
القول بأنه فرض من تمام الركوع - إن كان
متعمداً ، أفسد الصلاة ، وإن كان ناسياًن رجع
إلى الركعة محدوداً - قاله ابن المواز ،
وأجزأته صلاته ، وسجد لسهوه بعد السلام ، إلا
أن يكون مع الإمام فيحمل ذلك عنه ، وإن بعد
ذلك وفاته الرجوع إليها ، ألغاها وأتى بها
وسجد لسهوه ؛ إلا أن يكون أيضاً مع الإمام
يحمل عنه السهو ؛ وقول ابن القاسم : إنه لا
يعتد بتلك الركعة ظاهر قوله ناسياً كان أو
متعمداً ،و استحباه أن يتمادى ويعيد في
الوجهين ؛ وجهه مراعاة الاختلاف ، كمن ترك أم
القرآن من ركعة ، فمرة قال بالإلغاء ، ومرة
قال بالإعادة ، وأما الرفع من السجود ، فلا
اختلاف أنه فرض ، إذ لا يتم السجود إلا به ،
وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب ، والله
- سبحانه وتعالى أعلم ، وبه التوفيق .
ومن كتاب القطعان
مسألة
وسألت ابن القاسم عمن نسي صلاة يوم لا يدري
أفي السفر نسيها أو في الحضر ؟ قال : يعيد
صلاة يوم للسفر ، ثم يعيد صلاة يوم للحضر ،
ولا يعيد الصبح ، ولا المغرب للحضر .
(2/55)
قال محمد بن
رشد : قوله : إنه يعيد صلاة يوم للسفر ، ثم
يعيدها للحضر ، صحيح – كما قال ، لأن من ذكر
صلاة السفر في الحضر وقد خرج وقتها يصليها
سفرية – كما كانت عليه ، لقوله – عليه الصلاة
والسلام – إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها
ثم فزع إليها ، فليصلها – كما كان يصليها في
وقتها . فإذا لم يدر إن كانت الصلاة التي
ذكرها – وقد خرج وقتها – سفرية أو حضرية ، وجب
أن يصليها سفرية وحضرية ، حتى يوقن أنه قد أتى
بما عليه . وأما قوله : إنه لا يعيد الصبح ولا
المغرب للحضر ، معناه إذا لم يعين الأيام ،
وأما لو عينها مثل أن يقول : لا أدري إن كنت
نسيت صلاة يوم السبت في السفر ، أو صلاة يوم
الأحد في الحضر ، لوجب أن يعيد المغرب والصبح
ليوم الأحد – على مذهب ابن القاسم ، وقد مضى
ذلك في أول رسم أوصى من هذا السماع .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن أهل منى هل يقصرون إذا
أرادوا الإفاضة ، أو أهل عرفة ؟ فقال : أما
أهل عرفة فيقصرون ولا يقصر أهل منى ، قال ابن
القاسم : وكل من كان بمنى يقصر ، فإذا أفاض
قصر ، وكل من كان بمنى يتم ، فإذا أفاض قصره ،
وكل من كان بمنى يتم ، فإذا أفاض أتم .
قال محمد بن رشد : قوله في الحاج من أهل منى
إنهم لا يقصرون في إفاضتهم من منى إلى مكة
صحيح ، لقرب ما بين منى ومكة . وقوله في أهل
عرفة : إنهم يقصرون في إفاضتهم من منى إلى مكة
صحيح أيضاً ، على قياس قوله إنهم يقصرون بمنى
، فهم على ذلك يرجعون إلى وطنهم بعرفة . وفي
قوله إنهم يقصرون بمنى نظر ، لأنه إنما قال :
إنهم
(2/56)
يقصرون بها
قياساً على تقصير الحاج من أهل مكة بها ، وذلك
إنما فيه الاتباع لرسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في تقصيره بها ، ولا يتعدى بالسنة
موضعها - إذا لم تكن موافقة للأصول ، لا سيما
وقد قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم
يكن مقيماً بمكة ، ولذلك قصر بمنى ؛ وإلى ذلك
ذهب أهل العراق ، فلم يجيزوا للحاجة من أهل
مكة التقصير بمنى وعرفة ، وقد مضى هذا في رسم
شك في طوافه من سماع ابن القاسم . وقول ابن
القاسم وكل من كان بمنى يقصر ، فإذا أفاض قصر
، مثل قوله أولاً أما أهل عرفة فيقصرون ، لأن
أ÷ل عرفة يقصرون عنده بمنى - على ما تقدم ؛
ووقع في بعض الروايات : وكل من كان بعرفة يقصر
، فإذا أفاض قصر - وهو غلط ، لأن قوله يتناقض
بذلك ، من أجل أن أهل منى يقصرون بعرفة ، وهو
قد قال أنهم يتمون إذا أفاضوا .
مسألة
فقلت له : هل يؤذن المؤذن يوم عرفة - والإمام
على المنبر يخطب ؟ - قال : قال مالك ذلك واسع
، قال عيسى : وقال لي ابن وهب : تلك السنة .
قال محمد بن رشد : قول مالك في أذان المؤذن -
والإمام وعلى المنبر يخطب إن ذلك واسع ، دليل
على أن الاختيار عنده ألا يؤذن إلا بعد فراغه
من الخطبة - كما قال في آخر كتاب الصلاة
الثاني من المدونة ، إذ لا يوسع إلا فيما يغره
أحسن منه . فقول ابن وهب تلك السنة ، خلاف
لقول مالك ، إن لا يصح أن يكون الاختيار عنده
خلاف السنة ؛ ولو ثبت السنة عند مالك ، لما
اختار خلافها ؛ وإن كان ذلك أظهر في المعنى ،
من أجل أن أذان المؤذن - والإمام يخطب ، ترك
منه لما أمر به من استماع الخطبة ، والإصغاء
إليها ، وقد
(2/57)
قال في كتاب
الحج الأول من المدونة : إن ذلك واسع ، إن شاء
أذن - والإمام يخطب ، وإن شاء بعد فراغ الإمام
من الخطبة . والوجه في ذلك ، أنه لما لم يقطع
بثبوت السنة ، وكان الأذان بعد تمام الخطبة
أولى من جهة النظر والمعنى ، خير بين الوجهين
فراراً من أن يحض على خلاف ما قد روي عن النبي
- عليه الصلاة والسلام ، أو يترك ما يوجبه
النظر إلى ما لم يثبت عن النبي - عليه الصلاة
والسلام ؛ وهذا منه - رضي الله عنه - بنهاية
في التوقي . وفي الواضحة : أنه يؤذن في جلوس
الإمام بين خطبته على ما ( حكي ) من سيرة الحج
فيما كتب به القاسم ، وسالم - إلى أمير الحج
في زمن يزيد بن عبد الملك ، وقد روي عن ابن
الماجشون أن المؤذن يؤذن بعد صدر من خطبته .
مسألة
قال ابن القاسم فيمن نسي صلاة يوم الجمعة فلم
يذكر حتى صلى الجمعة ، قال يصلي الصبح ، ثم
يصلي الجمعة أربعاً .
قال محمد بن رشد : والوقت في ذلك ، النهار كله
، قال ذلك ابن المواز ؛ وقال أشهب وسحنون
والليث بن سعد وغيرهم : إن السلام من الجمعة
خروج وقتها ، ولو ذكر صلاة الصبح - وهو في
الجمعة مع الإمام ، لخرج إن أيقن أنه يدرك من
الجمعة ركعة بعد صلاة الصبح ، وإن لم يوقن ذلك
تمادى مع الإمام وأعاد ظهراً أربعاً على مذهب
ابن القاسم ، خلافاً لأشهب ؛ ومن قال بمثل
قوله : إن السلام من الجمعة خروج وقتها . وجه
قول ابن القاسم ، أن الجمعة لما كانت بدلاً من
الظهر ، ووقت الظهر قائم بعد ، وجب أن يعيد
الجمعة ظهراً أربعاً ، لتعذر إقامتها جمعة ؛
ووجه قول أشهب ومن قال بمثل قولهن أنه لما
تعذر إقامتها جمعة كما كان صلاها ، سقطت عنه
الإعادة ، إذ ليست بواجبة ؛ ألا ترى أنها لا
تجب بعد خروج الوقت ، وستأتي المسألة متكررة
في سماع سحنون .
(2/58)
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فأصابه حدث
، فأخذ بيد رجل فقدمه ، فجهل الذي قدم ، فقال
للذي خلفه : كيف أصنع أبني أم أستأنف ؟ فقالوا
: بلى ابن ، قال ابن القاسم : عليه وعليهم
الإعادة .
( قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إن الكلام
جوز من إصلاح الصلاة فيما تدعو إلهي الضرورة ،
ولا يوجد من ذلك بد ، والجهل ليس بعذر يجيز له
التكلم في صلاته ، فهو كمعتمد الكلام .
مسألة
وسئل ابن القاسم عمن نسي سجدة من أول ركعة ،
فذكرها في تشهد الرابعة ، قال : يقوم فيقضي
ركعة يقرأ فيها بأم القرآن فقط ، ويسجد قبل
السلام ، لأنه نقصان وزيادة . قال ابن وهب :
يقضي ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ، ويسجد
عبد السلام ، لأنه زيادة فقط . قال عيسى :
وقول ابن القاسم أعجب إلي ) .
قال محمد بن رشد : معنى هذه المسألة في
المنفرد ، وهو عند ابن القاسم بأن يخلاف
المأموم على المشهور في المذهب ؛ وعلى هذا
يأتي جوابه في هذه المسألة ، لأن الركعة
الأولى التي أسقط منها السجدة تبطل إذ لم
يصلحها قبل أن يعقد بعدها ركعة ، فتصير
الثانية له أولى ، وهو دق جلس فيها فزاد
الجلوس في غير موضعه ، وزاد أيضاً عمل الركعة
التي أسقط منها السجدة ، وتصير الثالثة له
ثانية ، وهو لم يقرأ فيها إلا بالحمد - وحدها
، وقام لم يجلس فأسقط منها السورة والجلوس ،
وتصير الرابعة له ثالثة ، فيأتي بالركعة
الرابعة بأم
(2/59)
القرآن فقطن
ويسجد قبل السلام ؛ لأنه نقصان وزيادة . وقوله
في المدونة فيمن أسقط السجود من الركعة الأولى
، والركوع من الركعة الثانية : إنه لا يجزيه
أن يجعل سجود الركعة الثانية للركعة الأولى ،
لأنه لمينوه لها ، وإنما نواه للكرعة الثالثة
؛ معارض لأصله في هذه المسألة ، ومعنى قول ابن
وهب أنه عنده قاض كالمأموم فتبطل عنده عليه
الركعة الأولى ، وتبقى الثانية على حالها
ثانية ، والثالثة ثالثة ، والرابعة رابعة ؛
ويقوم فيقضي الأولى التي بطلت عليه بترك
السجود فيها ، فيكون على هذا قد زاد عمل
الركعة الأولى التي أسقط منها السجدة . فهذا
تفسير قول ابن وهب ومعناه ، فجميع أصحاب مالك
على أن الفذ بان إلا ابن وهب ؛ وجميعهم على أن
المأموم قاض ، إلا أشهب - وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله باع شاة
مسألة
وسألت ابن القاسم عن القوم تفوتهم الجمعة
ويريدون أن يجمعوا ، قال ابن القاسم : كنت مع
ابن وهب بالإسكندرية - وكنا في بيت فلم نحضر
الجمعة لأمر خفناهن ومعنا ناس كانوا جاؤونا ،
فأردنا أن نصلي ، فقال ابن وهب : نجمع ، فقلت
أنا لا ؟ فألح ابن وهب فجمع بالقوم ، وخرجت
أنا عنهم ؛ فقدمنا على مالك ، فسألناه عن ذلك
، فقال لا تجمعوا ، ولا يجمع الصلاة من فائته
الجمعة ، إلا أهل الحبس ، والمسافرين ،
والمرضى ، فأما غير ذلك فلا .
قال محمد بن رشد : كان تخلفهم عن الجمعة لمكان
البيعة ، وكانت قامت في ذلك اليوم ؛ وقع ذلك
في المبسوطة ، فحملهم ابن القاسم محمل من
فاتتهم الجمعة ، لقدرتهم على شهودها ؛ وحملهم
ابن وهب محمل المسافرين
(2/60)
الذين لا تجب
عليهم الجمعة ، لما لهم من العذر في التخلف
عنها ؛ فهذا وجه قوليهما ، وقد مضى في رسم
نقدها من هذا السماع - تحصيل القول في هذه
المسألة ، ونزيد ذلك ههنا بياناً بأن نقول :
إن المصلين الجمعة ظهراً أربعاً ، حيث تجب
الجمعة - أربع طوائف : طائفة لا تجب عليهم
الجمعة وهم المرضى ، والمسافرون ، وأهل السجون
؛ فهؤلاء يجمعون ، إلا على رواية شاذة جاءت عن
ابن القاسم - أنهم لا يجمعون ويصلون أفذاذاً ؛
فإن جمعوا على هذه الرواية ، لم يعيدوا ؛
وطائفة تخلفت عن شهود الجمعة لعذر يبيح لهم
التخلف عنها ، فهؤلاء اختلف هل يجمعون أم لا -
على ما جاء في هذه الرواية من الخلاف بين ابن
القاسم ، وابن وهب ؛ فإن جمعوا على قول ابن
وهب ، لم يعيدوا على قول ابن القاسم ؛ وطائفة
فاتتهم الجمعة ، فهؤلاء المشهور أنهم لا
يجمعون ، وقد قيل إنهم يجمعون ؛ وروي ذلك عن
مالك وبعض أصحابهن فإن جمعوا لم يعيدوا ؛
وطائفة تخلفت عن الجمعة لغير عذر ، فهؤلاء لا
يجمعون ، واختلف إن جمعوا ، فقيل إنهم يعيدون
، وقيل غنهم لا يعيدون - على ما مضى في رسم
نقدها .
مسألة
وسألته عن الرجل يؤم الناس ، فلما استقل من
الركعة ، أحدث فقدم رجلاً لم يدرك معه تلك
الركعة فسجد بهم ، هل تجزئهم تلك الركعة ؟ وعن
الإمام يحدث - وهو راكع - كيف يخرج ؟ وكيف
يصنع ؟ قال ابن القاسم : لا تجزئهم الركعة ،
ولا يعتدون بها ؛ لأنه لم يعتد هو بها ، ولا
ينبغي لهم أن يتبعوه ؛ فإن فعلوا ، فسدت
صلاتهم جميعاً ؛ لأني لا آمرهم أن يقعدوا بعد
أربع ركعات ، لأن
(2/61)
تلك الركعة لم
تجز عنهم حين سجد بهم لا يجزئ عنه سجوده ؛ ولا
آمرهم أن يصلوا خامسة ، فيكونوا قد صلوا خامسة
عامدين ؛ فأحب إلي أن يستأنفوا صلاتهم - إن
فعلوا ؛ وإن علم ، رأيت له أن يتأخر ويقدم من
أدرك ركعة فيسجد بهم . وقال في الإمام يحدث -
وهو راكع - : إنه يرفع رأسه ويقدم رجلاً يدب
راكعاً فيرفع بهم ويسجد .
قال محمد بن رشد : قوله إنه لا تجزئهم الركعة
ولا الصلاة أيضاً - إن سجد بهم السجدتين
اللتين بقيتا عليهم من الركعة التي فاتته ، هو
قول أشهب أيضاً ، وقد قيل إنه جزئهم ) ، حكى
ابن المواز القولين جميعاً ؛ فأما القول الأول
فقد بين في الرواية وجهه ، وهو أنه لما كان هو
لا يعتد بها من صلاته ، وجب ألا يتبعوه فيها ،
وأن تبطل صلاتهم إن اتبعوه فيها ؛ لأنهم زادوا
فيها ما ليس منها ؛ وإن قعدا ولم يتبعوه في
السجود ، بطلت عليهم الركعة ؛ فلهذا رأى أن
يأخر ويقدم من أدرك الركعة فيسجد بهم ، فتصح
لهم الركعة والصلاة ؛ ووجه القول الثاني ، أنه
لما كان لابد لهم من سجود سجدتي تلك الركعة ،
استخلف عليهم الإمام ، أو لم يستخلف ، لمي
ضرهم أن يعتدوا به في السجود ، وكانوا في
سجودهم معه كسجودهم - أفراداً ؛ وإذا أنزلنا
سجودهم معه كسجودهم أفراداً ، فإنما يجزئهم
سجود تلك الركعة على القول بأن ما فعل في حكم
الإمام يعتد به على ما ذكرته من قول ابن نافع
في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب ، لأنهم
في حكم المستخلف ، وهو شذوذ في المذهب ؛ وقوله
في الذي يحدث - راكعاً - أنه يرفع رأسه ويقدم
رجالً يدب راكعاً ، فيرفع بهم ويسد ، صحيح ؛
ولو قدم رجالً قد أحرم معه قبل أن يركع ، لوجب
أن يركع ويرفع بهم ، وجب عليهم أن يرجعوا معه
إلى الركوع ، حتى يرفعوا برفعه ؛ فإن لم
يفعلوا أجزأتهم صلاتهم لأنهم بمنزلة من رفع
قبل إمامه .
(2/62)
مسألة
(
قال ) : وسألته عن الإمام يصلي فيركع بهم
ويسجد سجدة ، ويسهو فلا يسجد غيرها ، فينهض
قائماً وينهض معه بعض من يصلي معه - عالمين
بأنه قد سها عن سجدة ، فاتبعوه - اقتداء به ،
أو ساهون بسهوه ، أو سجد بعضهم حين علموا أنه
قد ترك سجدة ثم اتبعوه ، ثم ذكر الإمام قبل أن
يركع فسجدها ؛ هل ترى لمن كان قد سجدها أن
يعيدها ثانية من الإمام ، أم يعتدوا هم
بسجدتهم التي سجدوا قبل الإمام ؛ أو لم يذكر
الإمام حتى ركع ، هل ترى للذين سجدوها أن
يعتدوا بها ؟ قال ابن القاسم : أما الذين
سجدوا لأنفسهم ، فإنه إن رجع الإمام إلى
السجدة قبل أن يركع ، فإنهم لا يسجدون معه -
ثانية ، وسجدتهم الأولى تجزئهم ؛ وإن لم يرجع
الإمام إلى السجدة وسها عنها حتى يركع ، فإن
الذين سجدوا يتبعونه في صلاته حتى يتموا
أربعاً بتلك الركعة التي سها منها الإمام
السجدة ، فإذا أتموا أربعاً ، قعدوا وقام
الإمام ومن سها معه فصلوا ركعة بسجدتين يؤمهم
فيها الإمام ، فإذا فرغ وسلم الإمام سلموا
بسلامه ، ثم سجد الإمام ، ويسجد معه من سجد
السجدة ومن لم يسجدها ؛ قال ابن القاسم : وأحب
إلي أن لو أعادوا الصلاة الذين سجدوا السجدة
بعد سلام الإمام ، وهو أحب إلي من أن آمرهم أن
يسجدوا معه ثلاثة ، فيزيدوا في صلاتهم متعمدين
، أو أن يقوموا معه ولا يسجدوا فيقطعوا ركعتهم
ويصلوا معه - خامسة من غير سهو ؛ فالذي أرى أن
يمضوا على صلاتهم على سنتها ، ثم يعيدوا بعد
فراغ
(2/63)
الإمام -
احتياطاً ؛ وأما الذين اتبعوه - عامدين ،
فصلاتهم منتقضة على كل حال - رجع الإمام من
قبل أن يركع ، أو لم يرجع ؛ قال أصبغ ولا أدري
ما هذا ولا يجبني . وإن رجع الإمام قبل الركعة
ورجعوا معه ، فأرجو أن تجزئهم وإلا فلا . قال
أصبغ : وهذا فقه هذه المسألة .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة تنقسم على
وجهين : أحدهما أن يسهو الإمام عن السجدة -
وحده ، والثاني أن يسهو عنها هو وبعض من خلفه
؛ فأما إذا سها عنه هو وحده ، فلا يخلو من
خلفه من حالين : أحدهما أن يسجدوا لأنفسهم ،
والثاني أن يتبعوه على ترك السجدة - عالمين
بسهوه ؛ فأما إن سجدوا لأنفسهم ولم يرجع
الإمام إلى السجدة حتى فاته الرجوع إليها بعقد
الركعة التي يعدها ، فركعة القوم صحيحة باتفاق
، ويقضي الإمام تلك الركعة بعينها التي أسقط
منها السجدة في آخر صلاته - وهم جلوس ، ثم
يسلم بهم ويسجد بعد السلام ؛ واختلف إن ذكر
الإمام قبل أن يركع ، فرجع إلى السجود ، هل
يسجدون معه ثانية أم لا على قولين ؛ وأما إن
اتبعوه على ترك السجود - عالمين بشهوده ،
فصلاتهم فاسدة باتفاق ؛ وأما الوجه الثاني -
وهو أن يسو عنها هو وبعض من خلفه - وهي مسألة
الكتاب ، فلا يخلو من لم يسه عنها بسهو الإمام
من حالين أيضاَ : أحدهما أن يسجدوا لأنفسهم ،
والثاني أن يتبعوه على ترك السجود - عالمين
بسهوه ؛ فأما أن يسجدوا لأنفسهم ولم يرجع
الإمام إلى السجود حتى فاته الرجوع إليه بعقد
الركعة التي بعدها ، ففي ذلك ثلاث أقوال ،
أحدها : قول ابن القاسم في هذه الرواية أن
السجود يجزئهم وتصح لهم الركعة ويلغيها الإمام
ومن سها معه ، فإذا أكمل ثلاث ركعات ، قام ومن
سها معه إلى الرابعة ، وقعدوا حتى يسلم
فيسلموا بسلامه ، ويسجد بهم جميعاً سجدتي
السهو بعد السلام ؛ - وهو أضعف الأقوال ،
لاعتدادهم بالسجدة ، وهم إنما فعلوها في حكم
الإمام ؛ ولمخالفتهم إياه بالنية في أعيان
الركعات ، لأن
(2/64)
صلاتهم تبقى
على نيتها وتصير للإمام ومن سها معه الركعة
الثانية أولى ، والثالثة ثانية ، والرابعة
ثالثة ؛ ولهذا المعنى قال ابن القاسم في
الرواية : وأحب إلي أن لو أعادوا الصلاة ،
وإنما يسجد الإمام بهم بعد السلام - كما قال -
إن كان ذكر بعد أن ركع في الثانية ؛ لأنه
يجعلها أولى ،
ويأتي بالثانية بالحمد وسورة ، ويجلس فيها
فيكون سهوه زيادة كله ؛ وأما إن لم يذكر حتى
صلى الثالثة أو رفع من ركوعها ، فإنه يسجد قبل
السلام - على ما اختاره من قول مالك في اجتماع
الزيادة والنقصان ؛ لأنه يجعلها ثانية ، وقد
قرأ فيها بأم القرآن وحدها ، وقام ولم يجلس ،
فأسقط السورة والجلوس منها ، فاجتمع عليه في
سهوه زيادة ونقصان ؛ واختلف أيضاً في هذا
الوجه - إن ذكر الإمام قبل أن يركع فرجع إلى
السجدة ، هل يسجدون معه ثانية ، أم لا على
قولين ؟ والقول الثاني : إن صلاتهم فاسدة
للمعنى الذي ذكرناه من مخالفة نيتهم لنية
إمامهم في أعيان الركعات - وهو قول أصب ؛
والقول الثالث : أن السجود لا يجزئهم وتبطل
عليهم الركعة ، كما بطلت على الإمام ومن معه ،
ويتبعونه في صلاته كلها وتجزئهم ؛ حكى هذا
القول محمد بن المواز في كتابه . وأما إن
اتبعوه على ترك السجدة - عالمين بسهوه ، فقال
في الرواية : إن صلاتهم منتقضة ، ويتخرج على
ما في كتاب محمد : أن تبطل عليهم الركعة ، كما
بطلت على الإمام ومن معه ، ولا تنتقض عليهم
الصلاة ؛ لأن السجدة إذا كان على مذهبه لا
يجزيهم فعلها ، فلا يضرهم تركها - وبالله
التوفيق .
ومن كتاب العتق
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الذي يكون عليه سجود السهو
بعد السلام ، فيسهو فيسجد قبل السلام ؛ قال
يعيدهما بعد السلام ، وإنما هذا سهو دخل عليه
.
(2/65)
قال محمد بن
رشد : جعل في هذه الرواية سجوده قبل السلام
سهواً فيما وجب عليه فيه السجود بعد السلام
سهوا ، دخل عليه في صلاته فأوجب عليه إعادة
السجود بعد السلام ، ولم يراع ما في أصل
المسألة من الاختلاف ، فيلزم على هذا - لو كان
جاهلاً أو متعمداً - أن يعيد الصلاة ؛ وقد روى
ذلك أبو زيد عن أشهب ، حكى ذلك ابن المواز ،
وهو خلاف ما في المدونة ، وفي آخر الرسم الأول
من سماع أشهب ؛ فعلى ما في المدونة وف السماع
المذكور لا إعادة عليه السجود بعد السلام إذا
سجد قبل السلام - ناسياً كان أو معتمداً ،
مراعاة للاختلاف ، وقد نص في كتاب محمد بن
المواز على ذلك فقال : لا إعادة عليه للسجود
بعد السلام - ساهياً كان أو متعمداً ؛ وذهب
ابن لبابة إلى أن يفرق بين الناسي والمتعمد في
الذي يجب عليه السجود بعد السلام فيسجد قبلهن
فيجعل رواية عيسى هذه مفسرة لما في المدونة ،
وإنما هي خلاف لها بما بان مما ذكره من كتاب
محمد ابن المواز - وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل يأتي المصلى يوم عيد - وقد سبقه
الإمام بالتكبير ، قال : إن أدركه قائماً ،
دخل معه في الصلاة وكبر سبعاً ؛ وإن وجده
راكعاً ، كبر تكبيرة واحدة ودخل معه في الركوع
- ولا شيء عليه ؛ وإن أدركه في الركعة الثانية
، أو بعد أن رفع رأسه من ( الركعة ) الأولى ،
قضى بعد تسليم الإمام ركعة بسجدتيها ، فكبر
فيها سبعاً ؛ فإن وجده جالساً في آخر صلاته ،
أحرم ودخل معه ، فإذا سلم الإمام قام فقضى
الركعتين ، يكبر في الأولى سبعاً ، وفي
(2/66)
الثانية خمساً
. قال عيسى : وقد قال ابن القاسم في غير هذا
الموضع : إنه يكبر في الأولى ما بقي عليه من
التكبير - وذلك ست تكبيرات .
قال محمد بن رشد : قد مضى في رسم يوصي لمكاتبه
، وجه قول ابن القاسم فيمن دخل مع الإمام في
العيد - وهو يقرأ ، أنه يكبر التكبير الذي
فاته معه ؛ ووجه قول ابن وهب هناك ، أنه لا
يكبر بعده - إذا فاته التكبير معه ؛ وقوله -
ههنا فيمن فاتته الركعة الأولى من صلاة العيد
: إنه يكبر إذا قام لقضائها سبعاً ، هو مثل ما
في الحج الأول من المدونة ؛ وخلاف أصله في
الصلاة الأول منها فيمن جلس مع الإمام في غير
موضع جلوس له ، أنه يقوم بلا تكبير ؛ ومثله
قوله فيمن أدرك الإمام جالساً في آخر صلاته ،
أنه يقوم بتكبير ؛ لأنها إنما هي سبع تكبيرات
بتكبيرة الإحرام ، وهو قد كبر تكبيرة الإحرام
؛ فإذا لم يكبر للقيام على الأصل المذكور ،
وجب أن يكبر ما بقي من التكبير ، وذلك ست
تكبيرات على ما قال في القول الثاني - وهو
قوله في كتاب الصلاة الثاني من المدونة . وإذا
كبر للقيام على قوله في الذي أدرك الإمام -
جالساً في آخر صلاته ، وجب أن يكبر سبع
تكبيرات ، واحدة للقيام والست التي بقيت ، وهو
مذهب ابن الماجشون أنه يقوم بتكبير على كل حال
؛ وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله فيمن أدرك
الإمام جالساً في آخر صلاته ، أنه يقوم بتكبير
، ليس بخلاف لأصله في تفرقته بين أن يجلس مع
الإمام في موضع جلوس ( أو في غير موضع جلوس )
؛ لكنه استحب لما كان في أول الصلاة أن تتصل
قراءات بتكبير ، وهذا يضعف بقول فيمن أدرك
الإمام جالساً في صلاة العيد من أنه يكبر
سبعاً وخمساً ، لأن الواحدة من السبع هي
(2/67)
للقيام ، وقد
كان معه من بقية التكبير ما يتصل له به
القراءة في أول الصلاة ، وهذا كله بين - والله
الموفق .
مسألة
وقال ابن القاسم في الغلام يحتلم بعد العصر ،
قال : أرى أن يصلي الظهر والعصر - وإن كان قد
صلاهما .
قال محمد بن رشد : وهذا صحيح ، لأنه إذا احتلم
- وقد بقي من النهار ما يدرك ( أن يصلي ) فيه
بد فراغه م غسله - الصلاة الواحدة ، وركعة
واحدة من الأخرى ؛ وجب عليه أني صليهما جميعاً
، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد
أدرك العصر - الحديث . - وإن كان قد صلاهما
قبل أن يحتلم ، لأنهما كانتا له قبل الاحتلام
نفلاً ، ولا تجزئ نافلة عن فريضة - وبالله
التوفيق .
من سماع يحيى ( بن يحيى ) من عبد الرحمن بن
القاسم من كتاب الصبرة
قال يحيى : قال ابن القاسم في الإمام يضعف عن
الخطبة يوم الجمعة : أنه لا ينبغي له أن يصلي
بالناس إذا اختطب بهم غيره ،
(2/68)
وليأمر الذي
يوكله بالاختطاب أن يصلي بالناس ، وليصل
الإمام وراءه خيراً له من أن يدع الجمعة ،
والأعياد مثل ذلك .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الخطبة
متضمنة بالصلاة ، فكانت هي والصلاة كالصلاة
وحدها - في أنه لا يجوز أن يفرق على إمامين
بالقصد إلى ذلك ؛ فإن حدث للإمام ما يخرجه عن
الصلاة - وقد صلى بعضها - جاز له أن يستخلف
على بقيتها ، فكذلك إذا حدث له ما يمنعه من
الصلاة بعد أن خطب ، جاز له أن يستخلف على
الصلاة ؛ وهذا كله بين لا إشكال فيه ، وقد مضى
ما دل على هذا المعنى في رسم إن خرجت - قبل
هذا . وقوله : وليصل الإمام وراءه خيراً له من
أن يدع الجمعة ، كلام ليس على ظاهره ، بل هو
الواجب عليه أن يصلي وراءه الجمعة ، ولا سعة
له في التخلف عن ذلك - وبالله التوفيق .
( ومن كتاب الصلاة )
مسألة
وسئل عن الرجل يدخل في أول صلاة الإمام يوم
الجمعة وينسي التكبير للإحرام في الركعة
الأولى : أيجزئه أن يكبر في الثانية ويجعلها
أول صلاته ؟ قال ذلك مجزئ عنه في الجمعة خاصة
، لئلاً تفوته ، ولا يجزئ ذلك في غيرها .
قال محمد بن رشد : قوله في السؤال أيجزئه ،
وقوله في الجواب ذلك مجزئ عنه ؛ لفظ غير محرر
، وصوابه : أيجوز له ، قال ذلك يجوز له ، ولا
يجوز له ذلك في غيرها - وهو الذي أراد ؛ لأن
ذلك إن فعله يجزئه في الجمعة وغيرها ،
(2/69)
ويجوز له في
الجمعة ، ولا يجوز له في غيرها ؛ لأن الاختيار
له في غير الجمعة أن يتمادى مع الإمام على
صلاته - رجاء أن تجزئه على قول من يرى تكبيرة
الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام ، ( ثم يعيد
مخافة أن لا تجزئه على قول من لا يرى تكبيرة
الركوع تجزئ من تكبيرة الإحرام ) ؛ والاختيار
له في الجمعة ، أن يقطع ويحرم في الثانية ،
فتكون له جمعة باتفاق . وقد وقع في أصل السماع
من كتاب الصلاة أيضاً ، وقال في الرجل يذكر في
صلاة الجمعة بعد ركعة ، أنه لم يحرم - وقد كبر
للركوع إن ذلك التكبير يجزئه - ولا شيء عليه ،
نواه للإحرام أو لم ينوه ، وذلك بعيد ؛ لأنه
إذا أجزاه في الجمعة ، كان أحرى أن يجزئه في
غيرها ؛ وليس ذلك موجوداً لمالك ، وإنما هو
قول سعيد بن المسيب ، وابن شهاب .
مسألة
وسألته عن الرجل يرجع ويسجد وهو مغلق اليدين ،
قابضاً أصابعه ( كلها ) : صنع ذلك من عذر لشيء
في يديه ، أو معتمداً من غير عذر ، قال :
يستغفر الله ولا يعد ، وليس عليه استئناف في
وقت ولا غيره ، صنع ذلك من عذر أو غير عذر .
قال محمد بن رشد : قوله يستغفر الله ولا يعد ،
يريد إذا فعل ذلك معتمداً من غير عذر ، وأما
إذا فعله من عذر فلا استغفار عليه في ذلك ،
إذا لم يأت بما يكره له ويستغفر منه ، وإيجاب
الاستغفار في ذلك عليه ، يدل على أنه عنده من
سنن الصلاة ، لا من فضائلها ، فيتخرج في ترك
ذلك معتمداً من غير عذر ـ قولان ، وبالله
التوفيق .
(2/70)
ومن كتاب أوله
يشترى الدور والمزارع
مسألة
وسئل عن المرأة تصلي العصر وتنسى الظهر ، ثم
تحيض وعليها من النهار ما تصلي فيه صلاة واحدة
، فقال : سواء عليها ، إذا حاضت ولم يبق من
النهار إلا ما كانت تصلي فيه صلاة واحدة وهي
ناسية للظهر قبل ذلك ، صلت العصر أو لم تصلها
، فليس عليها أن تعيد إلا الظهر ، وذلك أنها
لو نسيتهما جميعاً ، فحاضت ولم يبق من النهار
إلا قدر ما تصلي فيه صلاة واحدة ، فإنما عليها
إذا طهرت إعادة الظهر التي ( قد ) كان ( فرط )
وقتها ، وتكون إعادة صلاة العصر عنها موضوعة ،
لأنها حاضت في وقتها ، كما أنها لو حاضت وقد
بقي من النهار ما تصلي فيه الظهر والعصر ، لم
يكن عليها إذا طهرت أن تعيد شيئاً ، وإنما تعد
الوقت الآخر ، إذا لم يبق من النهار إلا قدر
ما كانت تصلي صلاة واحدة لآخر الصلاتين ، ولا
تعد ذلك الوقت للظهر ، بل قد فرط وقت الظهر
وبقي وقت العصر ، فما فرط قبل أن تحيض ،
فعليها إعادته إذا طهرت ، وما بقي وقته قبل أن
تحيض فليس عليها أن تعيد إذا طهرت ، كما لو
بقي وقتها جميعاً قبل أن تحيض ، لم يكن عليها
إعادة واحدة منهما ـ بعد أن
(2/71)
تطهر ، ألا ترى
أنها لو صلت الظهر ونسيت العصر وحاضت ـ وعليها
من النهار وقت صلاة واحدة ، لم تعد العصر ،
إذا طهرت ، وقد قال في سماع عيسى : ليس عليها
إعادة الظهر لأنها لما صلت العصر ونسيت الظهر
وحاضت وبقي عليها من النهار بقية ، جعل وقت ما
حاضت فيه الظهر ، وقاسها ابن القاسم بالرجل
ينسى الظهر في السفر ويصلي العصر فيدخل الحضر
وعليه بقية من النهار ، ففيها يتوضأ غربت
الشمس ، ان الظهر أربعاً ، قال ابن القاسم :
ومن قال خلاف هذا ، فقد أخطأ .
قال محمد بن رشد : عبر ابن القاسم في هذه
المسألة عن القضاء بالإعادة ، حيثما وقع منها
، وذلك تجوز في العبارة ، لأن الإعادة إنما
تستعمل فيما قد فعل ، وأما ما لم يفعل حتى خرج
وقته من الصلوات ، فإنما يقال فيه قضاء لا
إعادة ، فذلك يجوز في العبارة - كما قلناه .
وقوله في سماع عيسى : وقاسها ابن القاسم
بالرجل ينسى الظهر في السفر إلى آخر قوله ،
ليس بوجه القياس ، لأن حقيقة القياس أن يرد ما
اختلف فيه إلى ما اتفق عليه عند الجميع ، أو
مع المنازع ، ومسألة المسافر التي قاس عليها
مسألة الحائض ليست بمتفق عليها فتجعل أصلاً
لها ، وإنما هي نظيرة لها ، فيدخلها من الخلاف
ما دخلها ، وكذلك مسألة الحاضر بسافر لمقدار
ركعتين فأقل ، وقد صلى العصر ولم يصل الظهر ،
ومسألة الذي يصلي العصر بثوب طاهر ، والظهر
بثوب نجس ، ثم يعلم ذلك قبل الغروب بمقدار
أربع ركعات ، فأقل ، هذه الأربع مسائل
الاختلاف فيها واحد ، قيل إن الوقت فيها كلها
وقت للعصر ، صليت أو لم تصل ، قال هذا من ذهب
إلى أن العصر تختص بأربع ركعات قبل الغروب ،
لا يشاركها فيها الظهر ، وهي رواية عيسى هذه
عن ابن القاسم ،
(2/72)
فلا تسقط على
هذا القول عن الحائض صلاة الظهر ، إذا قد خرج
وقتها قبل أن تحيض ، وتسقط إعادتها عن الذي
صلاها بثوب نجس ، إذا قد خرج وقتها قبل أن
يعلم ، ويصليها المسافر سفرية إذا قد خرج
وقتها قبل أن يدخل ، ويصليها الحاضر حضرية ،
إذا خرج وقتها قبل أن يخرج ، وقيل إن الوقت
فيها كلها وقت للظهر التي لم تصل ، قال هذا من
ذهب إلى أن الظهر يشارك العصر في الوقت إلى
الغروب ، وهي رواية عيسى هذه ، ورواية أصبغ في
سماعه ، فعلى هذا القول لا تصليها الحائض ،
لأنها حاضت في وقتها ، ويعيدها الذي صلاها
بثوب نجس ، لأنه قد علم في وقتها ، ويصليها
المسافر حضرية ، لأنه قد دخل في وقتها ،
والحاضر سفرية ، لأنه قد خرج في وقتها ، فهذا
هو أصل الاختلاف في هذه المسألة ، فوجه القول
باختصاص العصر بالوقت دون الظهر ، قوله ـ عليه
الصلاة والسلام : من أدرك ركعة من العصر قبل
أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر . فأضاف الوقت
إلى العصر دون الظهر ، ووجه القول باشتراك
الظهر معها فيه ، إجماعهم على أنه يصلي الظهر
في ذلك الوقت من آخره إليه ، وأخذ ابن حبيب
برواية يحيى أن الوقت وقت للعصر في مسألة
الحاضر يخرج خاصة ، لأن الصلاة تجب على هذا
حضريه ، وبرواية عيسى وأصبغ : أن الوقت وقت
للظهر في سائر المسائل ، لوجوب الصلاة على ذلك
والإتمام احتياطاً للصلاة على غير قياس ،
وكذلك اختلف قول ابن القاسم في المرأة تطهر
لمقدار صلاة واحدة ، فتذكر أن عليها صلاة
منسية ، فمرة جعل الوقت الذي طهرت فيه للصلاة
المنسية بصلاتها فيه ويسقط عنها الأخرى ، ومرة
جعل الوقت للصلاة التي طهرت في وقتها فتصلى
الصلاة المنسية ، ثم تصلي الصلاة التي طهرت في
وقتها ـ وأن خرج الوقت ، واختار أصبغ القول
الأول ، وذكره من قول مالك ، ووجهه أن النبي ـ
صلى الله وعليه
(2/73)
وسلم ـ قال :
إذا نام أحدكما عن الصلاة ـ الحديث ، فجعل وقت
الصلاة المنسية وقت ذكرها ز واختار ابن المواز
القول الثاني ، وقال : إن القول الأول مخالف
لأصل قول مالك في موطئه في المسافر يخرج في
سفره لمقدار ركعتين من النهار ـ وهو ناس للظهر
والعصر ، إنه يصلي الظهر أربعاً ، والعصر
ركعتين . إذا ينبغي على القول الأول أن يجعل
الوقت للظهر فيصليها ركعتين ، ويصلي العصر
أربعاً ، وهذا مما لم يقل به مالك ، ولا أحد
من أصحابه ، ووجه قوله ـ عليه الصلاة والسلام
ـ : من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
، فقد أدرك العصر . بدليل حمله على عمومه ـ
وبالله سبحانه وتعالى التوفيق .
ومن كتاب المكاتب
مسألة
قال : وسألته عن الجنب يجز شعره ثم يصلي ـ وفي
ثوبه بعضه ، قال : ليس عليه أن يعيد في وقت
ولا غيره ، إلا أن يكون في الشعر بعينه نجس
أصابه ، وقد يصلي الرجل على بساط شعر ميتة فلا
يكون عليه شيء .
قال محمد بن رشد : هذا استدلال مقلوب ، لأنه
بنى الأصل على فرعه ، وذلك لا يصح إلا بعد
تسليمه والقول بصحته ، إذ لا اختلاف بين أحد
من أهل العلم في جواز أخذ الشعر من الحي وأنه
طاهر ، لقوله عز وجل :
(2/74)
{ومن أصوافها
وأوبارها وأشعارها} - الآية . إنما اختلفوا في
جواز أخذه من الميت ، إذ من أهل العلم من رآه
نجساً ( يموت ) بموت الميتة ، إذ قد حلفه
الروح عنده ؛ والدليل على أنه طاهر ، وأن
الروح لم يحله ، جواز أخذه من الحي ، فهذا هو
القياس الصحيح ؛ ووجه التنظير بين المسألتين ،
أن الشعر كما لا ينجس بالجنابة .
مسألة
وقال في الجاهل من مسالمة أهل الذمة ، أو
القريب العهد بالإسلام من غيرهم ، يصلي المغرب
أياماً أربعاً ، أربعاً ؛ إنه يعيد تلك
الصلوات كلها في الوقت ، علم بقبيح ما صنع ،
أو بعد ذهاب الوقت .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الجاهل
لا يعذر بجهله في الصلاة ، فهو كالمتعمد
العالم ، وهو أصل من الأصول في المذهب .
مسألة
وسألته عن المريض أيجوز له أن يصلي المكتوبة
على المحمل ، فقال سمعت مالكاً يقول : لا يجوز
ذلك - حتى لا يستطيع الصلاة قاعداً ؛ فإذا كان
على كل حال لا يستطيع أن يصلي إلا إيماء
مستلقياً أو مضطجعاً ، جازت صلاته على المحمل
ويحبس له المحمل ، ويستقبل به القبلة ، كما
كان يصنع به لو كان نازلاً بالأرض .
(2/75)
قال محمد بن
رشد : هذه الرواية عن مالك خلاف رواية ابن
القاسم عنه في رسم سن : أنه لا يجوز له أن
يصلي المكتوبة على المحمل ـ أصلاً ، وخلاف
رواية أشهب عنه في آخر رسم الصلاة الثاني ،
أنه يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل ـ
إذا لم يقدر على السجود ـ وإن قدر الجلوس ،
فهي ثلاثة أقوال ، وقد مضى في رسم سن المذكور
.
مسألة
قال : وسألته عن المسافر يريد مسيرة أربعة برد
، فإذا صار عشرين ميلاً ، أجمع إقامة أربع
ليال ، فأتم الصلاة ، ثم يخرج ماضياً إلى تمام
سفره ، أيقصر الصلاة أم لا ؟ فقال : كل من
أجمع إقامة أربع ليال فأتم الصلاة ثم خرج
لإتمام سفره ، فإنه لا يقصر الصلاة ، إلا أن
يكون فيما بقي من سفره مسيرة أربعة برد
فصاعداً ، وهذا يعد بإقامته الأربع ليال التي
وجب بهن عليه الإتمام ، كمبتدئ السفر من أوله
؛ قلت لسحنون : فلو نواه أن يسير يوماً ويقيم
أربعة أيام ، قال يقصر كلما سار ، ويتم كلما
أقام ؛ وإنما ينظر إلى نيته في منتهى سفره ،
فإذا كان ما يقصر في مثله الصلاة ، فعليه
الإقصار في مسيره والإتمام في مقامه إذا نوى
مقام أربعة أيام .
قال محمد ابن رشد : لا فرق بين المسألتين ،
فقول سحنون خلاف لقول ابن القاسم : ينظر إلى
ما بقي من سفره بعد الإقامة في المسألتين
جميعاً ، فلا يقر فيهما إلا إن كان بقي من
سفره ما تقصر في مثله الصلاة ؛ وسحنون ينظر
إلى نيته في ابتداء سفره ، فإن كان ذلك ما يجب
فيه قصر الصلاة ، قصر في مسيرة ذلك وإن تخلله
إقامة أربعة أيام ، نوى الإقامة من أول سفره
أو لم ينوها - وبالله التوفيق .
(2/76)
مسألة
قال : وسألته عن الرجل يرى في ثوب الإمام
نجاسة ، ما ترى له أن يصنع ؟ فقال : إن أطاق
أن يريه إياه فليفعل ، وإن لم يطلق ذلك فصلى
معه وقد رآه أو علم به ، فليعد صلاته في الوقت
، وغيره أحب إلي ، وإن لم يعد إلا في الوقت
أجزأه ؛ قال وإنما رأيت أن يعيد بعد ذهاب
الوقت ، لأن كل من تعمد الصلاة بثوب نجس ،
فالإعادة عليه واجبة في الوقت وبعده ؛ فهذا قد
صلى ، وهو يعلم أن الإمام قد صلى بثوب نجس ؛
قلت له : أكنت تحب أن ينصرف إذا لم يقدر على
أن يعلم الإمام بما في ثوبه ، أو ترى أن يعلم
الناس ويسمعهم ، وكيف إن علم أن الإمام غير
متوضئ ، فماذا يجب ، أجيب عليه أن يعلم الناس
، أم الإمام دونهم ؟ أم ينصرف ولا يصلي بصلاته
؟ قال سحنون : إذا كانت بينه وبين الإمام صفوف
، فلا أرى بأساً – أن يكلم الإمام ويخبر بأن
في ثوبه نجاسة ، ثم يتدئ الصلاة .
قال محمد بن رشد : قوله في الذي رأى في ثوب
الإمام نجاسة - إن أطاق أن يريه ذلك فليفعل ،
يريد فيخرج الإمام ويستخلف ، ويتمادى هو مع
المستخلف على صلاته ؛ إلا أن يكون عمل من
الصلاة معه عملاً بعد أن رآه وقبل أن يريه
إياه ، فيكون قد أفسد على نفسه صلاته بذلك ،
فيقطع ويبتدئ - قاله يحيى بن يحيى ؛ وهو صحيح
على ما قال : إذا لم يطق أن يريه إياه فصلى
معه ، أنه يعيد في الوقت ، وبعده أحب إلي ؛
وإنما قال : وإن لم يعد
(2/77)
إلا في الوقت
أجزأه ، مراعاة لقول من يرى أن صلاة المأمومين
غير مرتبطة بصلاة إمامهم ، مع ما في أصل
المسألة مع الاختلاف ، إذ قد قيل في رلع
النجاسات من الثياب والأبدان أنه فرض ، وهو
قول ابن وهب ؛ فعلى قوله يعيد من صلى بثوب نجس
عامداً أو جاهلاً أو ناسياً أبداً ؛ وقيل إنه
سنة - وهو المشهور في المذهب ؛ فعلى هذا يعيد
من صلى بثوب نجس في الوقت إن كان ناسياً ، أو
لم يجد غيره ، وإن صلى به متعمداً أو جاهلاً -
وهو يجد ثوباً طاهراً ، أعاد أبداً ، لتركه
السنة عامداً مستخفاً بصلاته ، أو جاهلاً فلا
يعذر بجهله ؛ ومن الناس من يعبر عن رفع
لنجاسات من الثياب والأبدان - على هذا - بأنه
فرض بالذكر مع القدرة ، يسقط بالنسيان ، أو
عدم القدرة ، وليست بعبارة مخلصة ؛ وقد روى
البرقي عن أشهب أن من صلى بثوب نجس عامداً ،
فلا إعادة عليه إلا في الوقت ، وهو ظاهر قوله
في المدونة فيمن مسح مواضع المحاجم ولم يغسلها
، أنه يعيد في الوقت ، - إذ لم يفرق في ذلك
بين النسيان والعمد ؛ وعلى ذلك حملها أبو
عمران فقال : ناسياً كان أو عامداً ، للاختلاف
في المسح ؛ إذ قد روي عن الحسن وغيره ، أنه
قال : ليس عليه غسل موضع المحاجم .
وقد قال ابن أبي زيد : معناه ناسياً ؛ وجعل
ذلك ابن حبيب أخف من الدم الذي يفتله الراعف
ويتمادى على صلاته ، ( وحكم الذي يعلم في
الصلاة - أن الإمام غير متوضئ ، حكم الذي يرى
في ثوب الإمام نجاسة - ولا يقدر على أن يريه
إياه ، لبعد ما بينه وبينه ؛ يعلم الإمام بذلك
، ويستأنف الصلاة عند سحنون ؛ وسكت ابن القاسم
عن الجواب في هذا الذي يأتي على مذهبه في ذلك
أن يكلمه ويبني على صلاته - على أصله في إجازة
الكلام فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح
الصلاة على حديث ذي اليدين ؛ وقد قيل إنه إن
قدر أن يفهم الإمام أنه على غير وضوء ، وأن في
ثوبه نجاسة ، بأن يتلو
(2/78)
آية الوضوء ،
أو أول المدثر ، فعل ذلك وتمادى على صلاته مع
مستخلف الإمام ، وهو قول الأوزاعي ، وقد قيل
إنه لا يمنع الرجل أن يرى الإمام النجاسة في
ثوبه بعدما بينه وبينه ، وله أن يخرق الصفوف
إليه ، ثم يرجع إلى الصف ، ولا يستدبر القبلة
في رجوعه إلى الصف ؛ قال يحيى بن يحيى وهو
خلاف ظاهر قول سحنون .
مسألة
وسألته عن الرجل يختم القرآن وهو في نافلة قد
استفتح الركعة التي ختم فيها بأم القرآن ، ثم
يريد أن يتبدئ القرآن من سورة البقرة ؛ أيجب
عليه أن يفتتح بأم القرآن أيضاً لابتدائه
القرآن من أوله ؟ أم يجزئه أن يفتتح البقرة
ويدع أم القرآن ؟ قال : يفتتح البقرة - ولا
جناح عليه في ترك أم القرآن ، لأنه لا يقرأ أم
القرآن في ركعة مرتين .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال - لأن السنة
أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة مرة ، كما قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي علمه
الصلاة .
ومن كتاب أول عبد اشتريه فهو حر
مسألة
قال : وسئل عن القوم يمنعهم شدة المطر من شهود
الجمعة ، أيجمعون الظهر بمكانهم الذي هم فيه ؟
فقال : إن جاء من
(2/79)
ذلك أمر غالب
يعذرون به ، جز لهم أن يجمعوا كما جوز مالك
للمرضى والمحبوسين ، لما تبين من عذرهم ؛ وإن
كان مطراً لا يمنعهم من شهود الجمعة ، فإن
جمعوا أعادوا الصلاة - إذا تركوا شهود الجمعة
لغير عذر غالب .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه
المسألة مجوداً في أول رسم من سماع عيسى ، فلا
معنى لإعادة القول في ذلك .
مسألة
وسألته عن الإمام يرى في ثوبه دماً تعاد
الصلاة من مثله ، أيجزئه أن ينزعه ويعلم الناس
ويبتدئ صلاته ؟ أم يخرج ويستخلف مكانه ؟ فقال
: بل يخرج فينزع ثوبه ويغسله - إن أحب ، ثم
يرجع فيدخل مع الناس فيما أدرك ، ويدخل عند
خروجه - رجلاً فيبني الداخل على صلاة الإمام ؛
لأن ما مضى منها مجزئ عمن خلفه ، ومنتقض عليه
هو ؛ فلذلك لزمه الخروج ، لأنه لو ابتدأ من
خلفه يبني ، لاختلط عليهم ما هم فيه .
قال محمد بن رشد : قوله في الإمام يرى في ثوبه
نجاسة ، أنه ينصرف ويستخلف من يتم بالقوم بقية
صلاتهم ، هو المشهور المعلوم في المذهب ؛
(2/80)
والأصل في ذلك
ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
رأى في ثوبه دماً في الصلاة فانصرف ، فإذا وجب
عليه أن ينصرف لما في ثوبه من النجاسة ، وجب
عليه أن يستخلف كما إذا ذكر أنه على غير وضوء
وأحدث ؛ وقد قال ابن القصار : إن من رأى نجاسة
في ثوبه - وهو في الصلاة وعليه ما تجزئه به
الصلاة سواه ؛ أنه يخلعه ويتمادى على صلاته ،
كما فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - في
النعل الذي علم في الصلاة أن فيه نجاسة ؛ وقد
فرق بعض الناس بين الثوب والنعل ، بأن النجاسة
في أسفل النعل ، فأشبه أن لو بسط عليها ثوباً
وجلداً ، وهي تفرقة ضعيفة ، والصواب أن ذلك
تعارض بين الآثار ؛ ولذلك اختلف أهل العلم في
طهارة الثوب والبقعة ، هل هو من فرائض الصلاة
، أو من سننها - وبالله التوفيق .
(2/81)
من سماع سحنون
وسؤاله أشهب وابن القاسم
مسألة
قال سحنون : وسئل أشهب عن الرجل يدخل المكتوبة
فيصلي ركعتين ، ثم يشك في أنه بقي عليه مسح
رأسه ، ثم يتم بقية صلاته ، ثم يذكر بعد ذلك
أنه قد أتم وضوءه ، قال صلاته باطل .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف قول ابن القاسم في
أول رسم بع من سماع عيسى ، وقد مضى هناك وجه
قوله ، ووجه قول أشهب هذا ، أن الصلاة واجبة
عليه بطهارة ، فلا يصح الدخول فيها ، ولا
التمادى عليها ، إلا بطهارة متيقنة غير مشكوك
فيها .
مسألة
قيل لأشهب فالرجل يأتي إلى القوم وهم في
الصلاة فيدخل معهم فيها - وهو عند نفسه قد
صلاها في البيت ، فإذا فرغ من الصلاة مع
الإمام ، ذكر أنه لم يكن صلاها في البيت ؛ قال
: صلاته باطل ، وعليه الإعادة .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف ما يأتي بعد هذا
في هذا السماع من قول ابن القاسم وروايته عن
مالك ، وخلاف ما مضى أيضاً في رسم أسلم من
(2/82)
سماع عيسى ،
وقد مضى هناك من توجيه القولين ما أغنى عن
إعادته ههنا .
مسألة
قال أشهب في الذي يدخل يوم الجمعة - وهو يرى
أنه يوم الخميس ، أو يدخل يوم الخميس - وهو
يرى أنه يوم الجمعة ؛ أرى عليه الإعادة في
الأمرين جميعاً ، قيل له : فإن كان مسافراً
دخل مع قوم - وهو يظنهم مسافرين ، فأصابهم
حضريين ؛ أو وهو يظن أنهم حضريون فأصابهم
مسافرين ؛ قال : صلاته في الأمرين جميعً مجزئة
عنهم .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه
المسألة موعباً في أول رسم من سماع ابن القاسم
، فلا وجه لإعادته .
مسألة
قيل لأشهب في الذي يدخل في الظهر فتتحول نيته
- وهو يظن أنه في نافلة ، فيصلي ركعتين ويسلم
، ثم يذكر بحضرة ذلك ؛ قال : يبني وصلاته تامة
، وليس تحول النية بشيء ؛ قال سحنون : قال لي
يوسف بن عمرو : قلت له فإن تحولت نيته وظن أنه
في عصر حتى صلى ركعتين ؟ قال : صلاته مجزئة
وليس تحول النية بشيء ، وقال سحنون مثله .
(2/83)
قال محمد بن
رشد : لم يراع أشهب تحول النية في الصلاة وهو
على روايته عن مالك في الذي ركع بالسجدة -
ساهياً في رسم لم يدرك من سماع عيسى خلاف قول
ابن القاسم فيه وفي رسم أسلم بعده ، وقد مضى
الرسمين من الكلام في ذلك ما فيه كفاية لمن
تدبره ووقف عليه .
مسألة
وسألت أشهب عن الحائض تطهر فتغتسل وقد بقي
عليها من النهار ما تصلي فيه ثلاث ركعات ، ثم
تعلم قبل أن تصلي أن الماء غير طاهر ، فإن
اغتسلت ذهب النهار . قال : آمرها أن تصلي بهذا
الغسل في الوقت ، أحب إلي من أن تغتسل بماء
طاهر فتصلي وقد ذهب الوقت ؛ لأن الصلاة في
الوقت في الثوب غير الطاهر خير من الصلاة بعد
الوقت بثوب طاهر ؛ قيل له فإن طهرت وقد بقي
عليها من النهار قدر ما تصلي فيه خمس ركعات
عند نفسها ، فصلت الظهر ثم غابت الشمس ؛ قال :
أخطأت في التقدير ، وإنما كان عليها أن تصلي
العصر ، فعليها أن تعيد العصر أربع ركعات ؛
قيل لأشهب فإ ظنت أنه إنما بقي عليها أربع
ركعات ، فبدأت بالعصر ففرغت وقد بقي عليها من
النهار قدر ما تصلي فيه ركعة ؛ قال : تصلي
الظهر وليس عليا إعادة العصر ، لأنها الظهر
والعصر كانتا عليها جميعً ؛ وإنما ذلك بمنزلة
من صلى العصر ، ونسي الظهر ثم ذكر قبل مغيب
الشمس بقدر ما يصلي ركعة أو أربع ركعات قبل
غروب الشمس ، فليس عليه إعادة العصر ؛ ولو بقي
عليه من النهار قدر خمس ركعات ، صلى الظهر
(2/84)
وأعاد العصر ؛
فكذلك مسألة الحائض قيل لأشهب ، فإن نسي الصبح
، ثم ذكر قبل مغيب الشمس بقدر ما يصلي ركعة
ولم يكن صلى العصر ابتدأ بالعصر ، قال يبدأ
بالصبح - وإن غربت الشمس ، وهو قول مالك .
قال محمد بن رشد : قوله في الحائض التي تطهر
فتغتسل بماء غير طاهر - وقد بقي من لوقت ما
تصلي فيه ثلاث ركعات ، أنها تصلي بهذا الغسل ؛
لأن الوقت يفوتها - إن لم تصل حتى تعيد الغسل
بماء طاهر! معناه أن الماء الذي تطهرت به لم
يتغير أحد أوصافه بما حل فيه من النجاسة ، فهو
ماء مختلف في طهارته ، لا تجب الإعادة على من
تطهر به إلا في الوقت استحباباً ؛ فهو ماء تصح
به الصلاة ، ولو لم تصل به واغتسلت بماء طاهر
، فذهب الوقت ، لوجب على قياس قوله - أن تصلي
بعد ذهاب الوقت ؛ لأن الصلاة قد كانت وجبت
عليها في الوقت بذلك الغسل ، خلاف قول ابن
القاسم في رسم كتاب السهو من سماع أصبغ فيها
وفي المغمى عليها ، وإن علما قبل أن يصليا ،
أعادا الغسل والوضوء ، وعملاً على ما بقي لهما
بعد فراغهما ، ولم ينظر إلى الوقت الأول ؛ إلا
أن تحمل رواية أصبغ على أن ذلك الماء قد تغير
أحد أوصافه بالنجاسة ، والأظهر أنه إنما تكلم
على الماء الذي لم تغيره النجاسة ، فحكم له
بحكم الماء الذي غيرته النجاسة ، وذلك على
قياس قوله في المدونة أنه يتيمم ولا يتوضأ به
؛ فهو خلاف لقول أشهب هذا ، وقياسه مسألة
الحائض تظن أنه إنما بقي من الوقت أربع ركعات
بعد ظهرها ، فتصلي العصر ويبقى من الوقت ركعة
على الذي يصلي العصر - وهو ناس للظهر ، ثم
يذكر ولم يبق بينه وبين المغرب إلا مقدار ما
يصلي فيه الظهر ، أنه لا إعادة عليه للعصر ؛
صحيح ، والمعنى الجامع بينهما ، أن كل واحد
منهما صلى العصر - وهو يظن أن الظهر غير
(2/85)
واجبة عليه -
وإن افترق موجب ظنهما ؛ لأن الحائض ظنت أنها
لم يجب عليها باعتقادها أنها طهرت بعد وقتها ،
والآخر ظن أنه لم يجب عليه اعتقاد أنه قد كان
صلها ؛ ولمالك في كتاب ابن المواز في مسألة
الحائض : أنها تعيد العصر بعد الغروب .
قال محمد ابن المواز : وذلك عندنا - إذا علمت
بالركعة قبل أن تسلم من العصر ، فأما لو لم
تعلم إلا بعد أن سلمت ، فلا شيء عليها ، إلا
الظهر - وحدها فلم ير بين المسألتين فرقاً ؛
ويحتمل أن يفرق بنيهما على مذهب من يرى أن
الظهر تختص بأربع ركعات بعد الزوال ، لا
يشاركها فيها العصر ؛ لأن ظهرها آخر الوقت أول
الوقت لها ، كزوال الشمس لسائر الناس ، بخلاف
الذي يؤخر الصلاة عن أول وقتها ، فلما صلت
العصر في الوقت المختص بالظهر على هذا القول ،
صارت كمن صلى الصلاة قبل وقتها ، يجب عليه
إعادتها أبداً ، وهذا بين - والله أعلم ؛ وأما
قوله في الذي نسي الصبح فذكر قبل الغروب
بمقدار ركعة ، أنه يبدأ بالصبح ، وإن فات وقت
العصر ، فذلك ما لا اختلاف فيه أحفظه في
المذهب أن ترتيب الصلوات اليسيرة الفوائت مع
ما هو في وقته واجب وجوب السنن ؛ فإن بدأ
بالعصر - وهو ذاكر للصبح - فلا إعادة عليه إلا
في الوقت ، وإن ذكر الصبح بعد أن دخل في العصر
، أعادها أبداً ، للحديث الذي جاء - وهو قوله
- عليه السلام - : من ذكر صلاة في صلاة ، فسدت
هذه عليه . - وهو مذهبه في المدونة .
(2/86)
مسألة
وقال أشهب في رجل دخل المسجد فوجد الإمام
ساجداً في آخر صلاته ، فأحدث الإمام ، فقدمه
فصلى بهم السجدة التي بقيت عليهم ، ثم تشهد
بهم وقام يتم لنفسه صلاته ، فلما أتم ما عليه
سلم بالقوم ؛ أن صلاة القوم الذين وراءه فاسدة
، لأنه صلى بهم سجدة لا يعتد بها ، ولا يبني
عليها .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة
والاختلاف فيه ، وتوجيهه في رسم باع شاة من
سماع عيسى ، فلا معنى لإعادته ههنا .
مسألة
قال سحنون : سئل ابن القاسم عن رجل أتى المسجد
فوجد الإمام قد سبقه بركعة ، فأحدث الإمام
فقدمه ، فلما قام يقضي لنفسه ، قام رجل فائتم
به في تلك الركعة ، لأنه بقيت عليه كما بقيت
على الإمام ؛ قال : أرى صلاته مجزئة تامة ، ثم
رجع فقال : أحب إلي أن يعيد الصلاة .
قال محمد بن رشد : إنما اختلف قوله في وجوب
الإعادة من أجل أنه صلى بإمام ما وجب عليه أن
يصلي - فذا ، وقد مضى ذكر ذلك الاختلاف فيه في
رسم لم يدرك ، ورسم إن خرجت من سماع عيسى ،
ويأتي في سماع موسى بن معاوية أيضاً .
(2/87)
مسألة
قلت له : فالرجل يصلي في بيته ثم يأتي المسجد
فيجد تلك الصلاة قد قامت ، فدخل معهم للحديث ،
فصلى ركعة ثم انتقض وضوؤه ؛ قال : لا إعادة
عليه . وكذلك لو دخل على غير وضوء لا إعادة
عليه ، وكذلك قال لي مالك ؛ قال وإذا صلى في
بيته صلاة على غير طهر - وهو لا يدري ، ثم
توضأ فوجد الناس يصلونها ، فدخل معهم للحديث ؛
رأيتها مجزئة ، وكذلك قال مالك .
قال محمد بن رشد : قوله في المسألة الثانية إن
صلاته مجزئة ، خلاف ما تقدم لأشهب في أول هذا
السماع ، وقد مضى في رسم أسلم من سماع عيسى
ذكر الخلاف في المسألتين جميعاً ، وتوجيه ذلك
، فلا معنى لإعادته .
مسألة
قال سحنون : قال ابن القاسم في الذي يكون عليه
صلوات كثيرة - عشرة صلوات ، أو نحو ذلك ، أو
أكثر ؛ فيذكر قبل صلاة الظهر ؛ قال : إن كان
يقدر أن يصلي ما ذكر قبل أن تغيب الشمس وتفوت
الظهر والعصر ، وذلك أن الناس مختلفون ، منهم
: من يقوى ومنهم من لا يقوى ؛ فليصل ما ذكر ثم
ليصل الظهر والعصر ؛ وإن كان لا يقدر ويخاف
فوات ذلك ، فليبدأ بالظهر فليصلها ، ثم ليصل
العصر ، فإن فرغ وبقي عليه نهاراً ، أعاد
الظهر والعصر ، لأنه أساء التقدير ؛ وإن كانت
الصلوات يسيرة مثل
(2/88)
الصلاتين ،
والثلاث ، ونحو ذلك ، وما قل ؛ فليبدأ بما ذكر
- وإن ذهب وقت الصلوات التي هو فيها .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف فيمن ذكر صلوات
كثيرة ، أنه يبدأ بما هو في وقته من الصلوات
قبلها ، إلا أن يدرك بعد أن يصليها - ما هو في
وقته من الصلوات ؛ إلا أنه اختلف في حد الوقت
في ذلك ، فقال ابن حبيب : إنه يبدأ بالفوائد -
ما لم يفته وقت الاختيار فيما هو في وقته .
وقال ابن القاسم في مختصر يحيى بن عمر : ما لم
تصفر الشمس ، وقال في هذه الرواية ما لم تغب
الشمس ؛ وكذلك لا اختلاف أيضاً في الصلوات
اليسيرة ، أنه يبدأ بها - وإن فاته وقت ما هو
في وقته من الصلوات ؛ لقوله - عليه الصلاة
والسلام - إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها
ثم فزع إليها ، فيصلها كما كان يصليها في
وقتها . ولا اختلاف في ست صلوات فأكثر ، أنها
كثير ، ولا في ثلاث صلوات فأقل ، أنها يسير ؛
واختلف في الأربع والخمس ، فقيل إن ذلك كثير -
وهو ظاهر ما في المدونة ، وقيل إن ذلك يسير -
وهو قول ابن القاسم في آخر رسم سن من سماعه ،
وهو أظهر الأقوال ، وقد مضى هناك وجهه ؛ وقيل
إن الأربع يسير ، والخمس كثير - وهو قول سحنون
، ظاهر هذه الرواية - وبالله التوفيق .
مسألة
قلت له أرأيت إن ذكر صلوات يسيرة : صلاة ، أو
ثلاث صلوات في صلاة ، يخاف ذهاب وقتها ، فتعمد
فصلى الصلاة التي هو فيها وترك القاضي ، ثم
أخذ يقضي فلم يفرغ حتى خرج وقت الصلاة
(2/89)
التي ذكر هؤلاء
الصلوات فيها ؛ قال : لا يعيد وقد تمت
المكتوبة .
قال محمد بن رشد : إذ قد قال ( إنه ) لا
يعيدها بعد خروج الوقت ، وإن ذكر الصلوات
اليسيرة فيها فأحرى ألا يعيدها بعد خروج الوقت
إذا ذكر الصلوات اليسيرة قبل ابتدائه بها ؛
وقد قيل إنه يعيدها أبداً في الوجهين جميعاً ،
وقد فرق بينهما وهو مذهبه في المدونة ، وقد
تقدم ذلك في هذا السماع .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الإمام في صلاة الخوف يصلي
بالطائفة الأولى ركعة من المغرب ، ثم يدخل رجل
في الركعة الثانية ؛ قال إذا صلى الإمام
الركعة الثانية وقام فوقف ، أتم القوم صلاتهم
؛ ولا ينبغي للداخل أن يقضي - والإمام لم يفرغ
؛ لأن الطائفة الأولى ، إن تتم صلاتها ولا
تقضي .
قال محمد بن رشد : قال : إنه لا يقضي -والإمام
لم يفرغ ، ولم يبين ماذا يصنع ، وقد اختلف في
ذلك فقيل : إنه يصلي لنفسه الثالثة كما تفعل
الطائفة الأولى التي هو منها ، ثم يقف عن قضاء
الركعة التي فاتته حتى يسلم الإمام ؛ وإلى هذا
ذهب ابن لبابة ، وهو معنى ما ذهب إليه في
الرواية ؛ وقيل إنه لا يصلي شيئاً فيثبت
جالساً حتى يسلم الإمام ، وهذا يأتي على مذهب
من يرى أنه يبدأ بالقضاء قبل البناء ، والقضاء
لا يكون قبل سلام الإمام ، فإذا سلم الإمام
على هذا القول ، قام فقضى الركعة الأولى التي
فاتته بأم القرآن
(2/90)
وسورة ، فتتم
له ركعتان ويبني عليهما الثالثة ؛ وقد قيل إنه
يصلي ركعتين قبل سلام الإمام - وهو أحد قولي
سحنون ؛ ووجهه أنه من الطائفة الأولى ، فكما
يصلي الثالثة قبل سلام الإمام ؛ لأن هفي حكم
من خرج من صلاته ، فكذلك يقضي الأولى قبل
سلامه ؛ وهذا القول أظهر من جهة القياس ، وقيل
إنه يقف مع الإمام ولا يصلي شيئاً حتى تأتي
الطائفة الثانية ، فيصلي معهم ويقضي الركعة
الأولى بعد سلام الإمام ؛ وهذا القول أضعف
الأقوال ، لدخوله مع الطائفة الثانية - وهو من
أهل الطائفة الأولى ؛ فيصير قد صلى الركعة
الثالثة بإمام - وهو إنما وجب عليه أن يصليها
- فذا ، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم إن
خرجت من سماع عيسى .
مسألة
قال سحنون أكره أن يجعل الثوب على النار لمكان
القمل ، قال ولا بأس به على الشمس ، وخفف
المهاميز تهمز به الدواب .
قال محمد بن رشد : إنما كره أن يجعل الثوب على
النار لمكان القمل ، لما جاء من النهي عن
المثلة ، وعن أن يعذب بعذاب الله ، ولما روي
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
إذا قتلتم فأحسنوا القتلة . وخفف المهاميز
يهمز بها الدواب من أجل أنه لا يتأتى منها في
أغلب الأحوال - مما أذن الله به من تسخيرها ،
والانتفاع بها إلا بذلك ، وقد مضى هذا لسحنون
أيضاً في نوازله من كتاب الوضوء .
(2/91)
مسألة
قلت : فالرجل يصلي المغرب في المسجد - ويظن أن
الناس قد صلوا ، فيصلي ركعة ، ثم تقام الصلاة
، أو ركعتين ثم تقام الصلاة ، أو يقوم في
الثالثة ويمكن يديه من ركبتيه ، إلا أنه لم
يرفع رأسه ثم تقام الصلاة ؛ قال : أما إذا صلى
ركعة ثم أقيمت الصلاة ، فإنه يضيف أخرى ويسلم
ويدخل مع القوم ؛ وإن كان قد صلى ركعتين ثم
أقيمت الصلاة ، سلم ودخل مع القوم ؛ وإن أقيمت
وقد أمكن يديه من ركبتيه في الثالثة ولم يرفع
رأسه ، رفع رأسه وتشهد فخرج من المسجد ووضع
يده على أنفه .
قال محمد بن رشد : قد تقدم القول في هذه
المسألة في آخر رسم نقدها من سماع عيسى ، فلا
وجه لإعادته .
مسألة
قال : وسألت ابن القاسم عن قراءة الظهر والعصر
التي يسر فيها إن حرك لسانه ولم يسمع أذنيه ،
قال يجزئه ؛ ولو أسمع شيئاً ، لكان أحب إلي .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأنه إذا حرك
لسانه بالقراءة ، فقد قرأ ، وإسماعه نفسه أربع
مرتبة في قراءة السر من ألا يسمع نفسه ؛ فلذلك
استحب أن يسمع نفسه ، كما يستحب فيما شرع فيه
الجهر أن يرفع صوته ؛ ولا يكتفي بأقل مما يقع
عليه اسم جهر ، وسيأتي في سماع موسى بن معاوية
مسألة من نحو معنى هذه - إن شاء الله .
(2/92)
مسألة
وسألت ابن القاسم عن النصراني يسلم فيتوضأ
ويصلي ولا يغتسل - يجهل ذلك . قال : يعيد
الصلاة - إن خرج الوقت - إذا كان قد جامع ، او
أجنب ؛ قلت له فإن تيمم ولم يجد الماء ،
أيجزئه التيمم - إذا لم ينو الجنابة ؟ قال :
يج زئه ، لأنه إنما يتمم للإسلام - يريد بذلك
الطهر ، فهو يجزئه ؛ وكذلك إذا اغتسل ولم ينو
الجنابة ، لأنه نوى بالغسل الإٍسلام ، فقد
أراد الطهر من كل ما كان فيه .
قال محمد بن رشد : في قوله إذا كان قد جامع أو
أجنب ، دليل بين ظاهر على أنه لو مل يجامع ولا
أجنب ، لما وجب عليه غسل إذا أسلم ، وإن كان
رجلاً قد تجاوز سن البلوغ ؛ وهو صحيح في
المعنى ، مفسر لجميع الروايات في المدونة
وغيرها ؛ وقد روى ابن وهب عن مالك أنه لا غسل
على النصراني إذا أسلم ، وهو بعيد في المعنى ،
خراج عن الأصول والقياس ، وقد مضى القول في
هذه المسألة مستوفى في سماع موسى بن معاوية من
كتاب الوضوء .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يحرم مع الإمام
إحراماً واحداً معاً ، أترى أن يجزئه عنه ؟
قال : أرى أن يجزئه عنه ، ولو أحرم بعده ، كان
أجزأ وأصوب .
(2/93)
قال محمد بن
رشد : قوله إذا أحرم مع الإمام معاً أنه يجزئه
، هو مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة ، وقول ابن
عبد الحكم ؛ وقد قيل إنه لا يجزئه ، وهو قول
مالك في المجموعة ، وقول أصبغ ، وإليه ذهب ابن
حبيب - وهو الأظهر ؛ لقوله - عليه الصلاة
والسلام : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا
كبر فكبروا - الحديث . إذ الفاء توجب التعقيب
، فإذا لم يتقدمه الإمام بالابتداء بالتكبير
للإحرام ، فلم يأتم به ؛ وهذا الاختلاف إنما
هو إذا ابتدأ تكبيرة الإحرام معه معاً ،
فأتمها معه أو بعده ؛ وأما إن ابتدأ بها قبله
فلا تجزئهن وإن أتمها قبله قولاً واحداً ؛ وإن
ابتدأ بها بعده فاتمها معه أو بعدهن أجزأه
قولاً واحداً ، والاختيار ألا يحرم المأموم
إلا بعد أن يسكت الإمام - قاله مالك ، فإن
أحرم معه معاًن كان الاختيار له أن يعيد
الإحرام ، فإن لم يفعل ، دخل في الاختلاف
المذكور ؛ وحكم السلام في ذلك على المذهب حكم
الإحرام ، يجري على التفصيل الذي ذكرناه ؛
لقوله عليه الصلاة والسلام : تحريم الصلاة
التكبير ، وتحليلها التسليم . فكما لا يجوز أن
يحرم بالصلاة قبل إمامه ، فكذلك لا يجوز أن
يتحلل منها قبله ، خلافاً لمن لا يوجب السلام
من أهل العراق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يجعل في بيته
محراباً حنيته مثل حنية المسجد ، قال : ليس
بالمحراب في المساجد ، ولا في البيت ، بأس .
قال محمد بن رشد : أما جواز الفعل ، فلا إشكال
فيه ، ولا وجه للسؤال عنه ؛ وإنما موضع السؤال
إذا فعل ذلك ، هل يتحرم المحراب بحرمة
(2/94)
المسجد ،
ويترفع ملكه عنه أم لا ؟ إذ من أهل العراق من
مذهب إلى أنه من بنى في داره مسجداً ، وخلى
بين الناس وبينه حتى صلوا فيه صلاة واحدة ،
أنه يتحرم بذلك بحرمة المسجد ، ويرتفع ملكه
عنه ؛ واحتج على من ذهب إلى أنه لا يتحرم
بحرمة المسجد إذا كان في دار يغلق بابها عليه
، ويحول بين الناس وبينه في حال ما ؛ - بما
روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر
بالمساجد أن تبني في الدور وتطيب ، أو كما قال
. وهذا لا حجة فيه ، لاحتمال أن يكون أراد
خلال الدور ، لا داخلها ؛ لأن الدور المجتمعة
لقوم تسمى داراً ، قال تعالى : {تمتعوا في
داركم} . ومنه الحديث : "خير دور الأنصار دار
بني النجار ، ثم دار بني عبد الاشهل ، ثم دار
بلحرث ، ثم دار بني ساعدة ، وفي كل دور
الأنصار خير" قال هذا بعض من تكلم على معنى
الحديث ، والذي أقول به على ظاهره : أن من بنى
مسجداً في داره أو محراباً للصلاة ، فإنه
يتحرم بحرمة المسجد في أن ينزه بما تنزه عن
المساجد ، دون أن يترفع ملكه عنه ، ما لم
يخرجه من غلق داره - وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم : لا بأس أن يتبخر بلحوم
السباع إذا كانت ذ كية ، وإن كانت ميتة ، فلم
يكن يعلق دخانها بالثياب ، كما يعلق الدخان
دخان عظام الميتة ، فلا بأس به ، وأرجو أن
يكون خفيفاً ، وإن كان يعلق بالثياب ، فلا
يعجبني .
(2/95)
قال محمد بن
رشد : حكم دخان لحوم الميتة حكم رمادها ، لأنه
جسمها استحال إلى الدخان والنار ، كما استحال
به إلى الرماد ؛ والاختلاف في طهارة ذلك ، جار
على الاختلاف في طهارة جلد الميتة المدبوغ ،
لأنه استحال بالدباغ عن صفة الميت الذي يتغير
بالبقاء إلى صفة المتاع الذي لا يتغير به ؛
ولذلك كره أن يتبخر بها إذا كان دخانها يعلق
بالثياب ، لأنه جسم الميتة المستحيل بالنار ؛
والأظهر فيه من طريق القياس الطهارة ، لا ،
الجسم الواحد تتغير أحكامه بتغيير صفاته ؛ ألا
ترى أن العصير طاهر ، فإذا تغير إلى صفة الخمر
، حرم ونجس ؛ ثم إذا تغير إلى صفة الخل ، حل
وطهر ، وهذا بين ؛ وأما إجازته التبخير بلحوم
السباع – إذا كانت ذكية ، فهو مثل ما في
المدونة من إجازة ذكاتها لجلودها . وفي ذلك
اختلاف ، وقد قال في سماع أشهب من كتاب
الضحايا : إن الذكاة لا تعمل إلا فيما يؤكل
لحمه .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المسافر يؤم المسافرين
والمقيمين ، فيصلي بهم ركعة ، فيحدث فيقدم
مقيماً فيتمادى بهم ويصلي أربعاً ؛ قال : صلاة
الإمام تامة ، ومن خلفه من المقيمين
والمسافرين يعيدون في الوقت وبعده ، لأنه لا
يكون في صلاة واحدة إمامان ، وإنما ينبغي
للإمام المقيم ، أن يتم الصلاة صلاة المسافر ،
ويقضي ما بقي عليه ، ولا يكون فيه إماماً .
قال محمد بن رشد : تعليله لإيجاب الإعادة
أبداً على المقيمين والمسافرين جميعاً ، بأنه
لا يكون في صلاة واحدة إمامان ليس ببين ؛
وإنما العلة في إيجاب الإعادة على المسافرين
أبداً ، أنهم أتموا على خلاف ما أحرموا عليه
من نية التقصير ؛ وقد مضى في رسم إن خرجت من
سماع عيسى ، أنه
(2/96)
لا إعادة عليهم
إلا في الوقت ، ومضى تحصيل الاختلاف في إمام
المسافر في أول سماع ابن القاسم ؛ والعلة في
إيجاب الإعادة أبداً على المقيمين ، أنهم صلوا
بإمام ما وجب عليهم أن يصلوه - فذا ؛ وقد مضى
الكلام على هذا المعنى ( في رسم لم يدرك ) وفي
رسم إن خرجت من سماع عيسى ، ويأتي أيضاً في
سماع موسى بن معاوية - وبالله التوفيق .
مسألة
قلت لابن القاسم : فلو أن مسافراً صلى بمقيمين
ومسافرين بتعمد الصلاة بهم أربعاً ، وتمادى
معه المقيمون ؛ قال : يعيد الإمام في الوقت ،
والمسافرون الذين خلفه - إن كانوا تعمدوا
بتعمده ، ونووا ذلك من أول ، كانوا مثله ؛ وإن
كانوا نووا في أول ما عليهم ركعتين ، فلما
تمادى الإمام تمادوا معه ، فأرى عليهم الإعادة
في الوقت وبعده - وإن كانوا سهواً فتمادوا معه
؛ وأما المقيمون فصلاتهم فاسدة ، وعليهم
الإعادة في الوقت وبعده ؛ لأنه إن كان ساهياً
فإنما عليه سجود سهو ، ولا يجوز لهم أن
يجتزئوا في الفريضة لهم بنافلة ( الأول ) وإن
كان غير ساه ، فقد تعمد فسادها عليهم ، لأن
ذلك لا يجزئه في الوقت .
قال محمد بن رشد : أما قوله في المسافرين إنهم
إن كانوا تعمدوا بتعمده ونووا ذلك من أول ،
كانوا مثله ؛ فصحيح لا اختلاف فيه . وأما قوله
وإن كانوا نووا في أول ما عليهم ركعتين ، فلما
تمادى الإمام تمادوا معه ، فأرى عليهم الإعادة
في الوقت وبعده ؛ فهو مثل ما تقدم له في
المسألة التي قبل هذه ، لأنه أتم على إحرامه
بنية القصر . وأما قوله : وإن كانوا سهواً
فتمادوا معه ، فيحتمل أن يكون الكلام
(2/97)
لا جواب له ؛
ويحتمل أن يكون جوابه جواب المسألة التي قبلها
لعطفها عليها ، وهو أن عليهم الإعادة في الوقت
وبعده ؛ فإن كان الكلام لا جواب له ، فالجواب
فيه على تعليل قوله في إيجاب الإعادة على
المقيمين أبداً بأنه إن كان ساهياًن فإنما
عليه سجود سهو أن سجدوا لسهوهم وتجزئهم صلاتهم
، وإن كان جوابه جواب المسألة التي عطفها
عليها ، أن عليم الإعادة في الوقت وبعده ؛ فقد
تناقض قوله في المسألة ، وقال بخلاف تعليله
فيها ؛ والقولان معلومان لابن القاسم فيمن زاد
في صلاته مثل نصفها - ساهياًن وقد مضى توجيهها
جميعاً في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى .
وقوله ولا يجوز لهم أن يتجزئوا في الفريضة
بنافلة الإمام ، يريد بما صلى على طريق السهو
؛ صحيح على أصله في أن من صلى خامسة سهواً ،
ثم ذك سجدة من أول صلاته ، أنه يأتي بركعة ولا
يعتد بما صلى على السهو ؛ وعلى ما ذهب إليه
ابن نافع ، وابن الماجشون ، وسحنون ، واختاره
ابن المواز ، أنه يعتد بما صلى على السهو ،
ينبغي أن يعتد المقيمون بالركعتين اللتين
صلاهما بهم المسافر - ساهياًن وهو منصوص لابن
كنانة .
وأما قوله : وإن كان غير ساه ، فقد تعمد
فسادها عليهم ، لأن ذلك لا يجزئه في الوقت ؛
فهو تعليل غير صحيح ، لأنه إذا لم يجب على
الإمام الإعادة بما تعمد من فسادها إلا في
الوقت ، فأحرى ألا يجب ذلك عليهم ، إلا في
الوقت ، وهو قول مالك في رسم الصلاة الأول من
سماع أشهب في بعض الروايات : أنهم يعيدون في
الوقت وبعده ، أنهم صلوا بإمام ما يجب عليهم
أن يصلوه - فذا ؛ وقد قيل إنه لا إعادة عليهم
في الوقت ولا غيره على الاختلاف في هذا الأصل
، وقد مضى ذلك في المسألة التي قبل هذه .
مسألة
قال : وسألت ابن القاسم عن الرجل يصلي العتمة
مع الإمام
(2/98)
في رمضان ،
ويصلي معه إشفاعاً ثم ينقلب ، ثم يرجع ويجد
الإمام في ركعة الوتر ، فيقول قد ركعت ،
والوتر إنما هي واحدة ، فأنا أدخل معه واحتسب
بها فيجزئني فيدخل ؛ قال : لا أحب له أن يعتد
بها ، وأحب إلي أن يشفعها بركعة ثم يوتر ؛ قلت
له فإن فعل ، قال : فإن فعل ، فالوتر ليست
بواجبة .
قال محمد بن رشد : قد مضى لابن القاسم مثل هذا
في رسم لم يدرك من سماع عيسى ، وزاد فيه أن
الإمام إن كان ممن لا يسلم ، أضاف إليها
ركعتين بغير سلام ، ومضى في آخر الرسم الأول
من سماع أشهب خلافه ، فتدبر الكلام على ذلك في
الموضعين ، فقد مضى فيهما مستوعباً .
مسألة
قال ابن القاسم في الإمام يصلي من صلاة الخوف
ركعة ، ثم ينكشف الخوف ؛ قال : يتم الصلاة بمن
معه ويصلي بالأخرى إمام آخر ، ولا أحب لهم أن
يصلوا مع هذا الإمام الذي ابتدأ صلاة الخوف ؛
ثم سألته بعد ذلك فقال لا أرى بأساً أن يصلوا
معه الركعة الثانية ، وهو أحب إلي - وترك قوله
الأول فيها .
قال محمد بن رشد : لا معنى لما كره من ذلك ،
والقول الذي رجع إليه هو الصواب ؛ لأن الطائفة
الثانية في دخولهم مع الإمام في الركعة
الثانية إذا انكشف الخوف ، كمن فاته بعض صلاة
الإمام في غير خوف ؛ وإنما الذي لا يجوز أن
يصلي رجل من الطائفة الأولى الركعة الثانية مع
الإمام إذا صلاها بالطائفة الثانية مع تمادي
الخوف ، فإن فعل ذلك ، جرى على الاختلاف فيمن
صلى بإمام ما وجب عليه أن يصليه - فذا ،
فاشتبهت عليه المسألتان - والله أعلم .
مسألة
وسألت ابن القاسم عن مثل الذي أصاب إمام
الاسكندرية من
(2/99)
سهوه عن
القراءة حتى ركع ، أرأيت لو اطمأن راكعاً ،
أكنت ترى أن يمضي كما يمضي الذي ينهض من
اثنتين فيعتدل قائماً ؟ قال : لا أرى ذلك مثله
، وأرى له أن ينصرف فيقوم ثم يركع ويسجد لسهوه
بعد السلام .
قال محمد بن رشد : لابن القاسم في كتاب ابن
المواز أنه يقطع ، وقال أصبغ : إنه يتمادى
ويعيد ، وقد مضى القول على هذه المسألة مجوداً
في رسم أوصى أن ينفق من سماع عيسى ، فقف عليه
هناك - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطس وهو يبول ، أو
وهو على حاجته ؛ أيحمد الله ؟ قال نعم .
قال محمد بن رشد : قد روي عن ابن عباس أنه قال
يكره أن يذكر الله على حالتين على خلائه وهو
يواقع أهله ؛ والدليل لقول ابن القاسم من جهة
الأثرن ما روي من أن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء ، قال : أعوذ
بك من الخبث والخبائث . وما روي عن عائشة ا
،ها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يذكر الله في كل أحيانه . ومن طريق
النظر ، أن ذكر الله يصعد إلى الله ، فلا
يتعلق به من دناءة الموضع شيء .
قال الله عز وجل : {إليه يصعد الكلم الطيب ،
والعمل الصالح يرفعه} . - فلا ينبغي أن يمتنع
من ذكر الله على حال من الأحوال ، إلا
(2/100)
بنص ليس فيه
احتمال ؛ ومن ذهب إلى ما روي عن ابن عباس ،
تأول ما روي من أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - كان إذا دخل الخلاء ، قال : اللهم إني
أعوذ بك من الخبث والخبائث . - على أن معنى
ذلك ، كان إذا أراد أن يدخل الخلاء ، وأظن ذلك
يوجد في بعض الآثار ؛ وإن ثبت ذلك ، فأكثر ما
فيه ارتفاع النص في جواز ذكر الله على تلك
الحال ، لا المنع من ذلك ؛ وإذا لم يثبت الحظر
والمنع في ذلك ، وجب أن يكون مطلقاً على الأصل
في جواز الذكر عموماً ؛ م اروي من أن سول الله
- صلى الله عليه وسلم - مر عليه رجل - وهو
يبول فسلم عليه ، فقال : إذا رأيتني على هذه
الحال ، فلا تسلم علي ؛ فإنك إن فعلت لم أرد
عليك ؛ لا دليل فيه على أن ذكر الله لا يجوز
على تلك الحال ، إذ قد يحتمل أن يكون - صلى
الله عليه وسلم - ترك رد السلام على من سلم
عليه في تلك الحال - بعد أن نهاه عن ذلك -
أدباً منه ( له ) على مخالفته نهيه ؛ لكونه
على تلك الحال ، أو لكونه على غير طهارة على
ما كان عليه في أول الإسلام من أنه لا يذكر
الله إلا على طهارة ، حتى نسخ ذلك - على ما
روي بقول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة} - الآية .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل نسي صلاة الصبح - ولم
يذكرها حتى صلى الجمعة مع الإمام ، قال : يصلي
الصبح ويعيد الجمعة ظهراً أربعاً .
قال محمد بن رشد عن رجل نسي صلاة الصبح - ولم
يذكرها حتى صلى الجمعة مع الإمام ، قال : يصلي
الصبح ويعيد الجمعة ظهراً أربعاً .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة
والقول فيها - موعباً - في رسم القطعان من
سماع عيسى ، فلا وجه لإعادته .
(2/101)
مسألة
قال ابن القاسم : قال مالك كل ما كان من
الصلاة لا تعاد بعد أن تصلى ، يكره للمرء أن
يصلي به فصلى وجهل ، لم يؤمر بالإعادة في
الوقت ؛ فهو إذا ذكره وهو في الصلاة ، لم تفسد
عليه صلاته ، مضى عليه مثل أن يصلي الرجل
بالماء الذي ولغ فيه الكلب ، أو يصلي بالدم
القليل ، أو ما أشبه هذا .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأنه
المكروه ما تركه أفضل ، ولا إثم فيه ولا حرج ؛
فإذا افتتح الصلاة بشيء من ذلك جهلاً ثم علم
به بعد دخول فيها ، لم ينبغ له أن يقطعها ،
لقوله عز وجل : {ولا تبطلوا أعمالكم}
مسألة
وسئل سحنون عن الذي يقول في تكبيرة الإحرام
الله أعظم ، الله أجل ، قال : صلاته فاسدة ،
ويعيد في الوقت وبعده ، لا يجزئ من تكبيرة
الإحرام إلا الله أكبر ، ولا من السلام إلا
السلام عليكم .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو أمر متفق
عليه في مذهب مالك : أنه لا يجزئ في الإحرام
إلا الله أكبر ، قوله - عليه الصلاة والسلام -
تحريم الصلاة التكبير . ولقوله إنما جعل
الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر
(2/102)
فكبروا . ولفظ
التبكير إذا أطلق لا يقع على ما سوى الله أكبر
مع الإجماع على العمل بذلك ، دون خلاف يؤثر
فيه منذ زمن النبي - عليه الصلاة والسلام -
إلى اليوم ؛ فلا يجزئ الإحرام بغير لفظ
التكبير ، ولا بالتكبير على خلاف صفة الله
أكبر ؛ خلافاً لأبي حنيفة في الوجهين ،
وللشافعي في قوله : إنه يجوز في الإحرام الله
أكبر ، فخالفا الإجماع المنعقد قبلهما - إلى
غير قياس صحيح ؛ أما أبو حنيفة فساوى في
الإحرام بين التكبير ، والتسبيح ، والتهليل ،
والتحميد ، ومعانيها مفترقة ؛ ألا ترى أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -قال : من سبح دبر
كل صلاة - ثلاثاً وثلاثين ، وكبر ثلاثاً
وثلاثين ، وحمد ثلاثاً وثلاثين وختم المائة
بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، غفرت
ذنوبه - ولو كانت مثل زبد البحر . فلو كانت
معانيها متفقة ، لقال من سبح دبر كل صلاة ، أو
كبر أو هلل ، أو حمد ، مائة ، غفرت ذنوبه -
ولو كانت مثل زبد البحر .
وأما الشافعي فساوى في التكبير بين الله أكبر
، والله الأكبر ، وأجز الإحرام بكل واحد منهما
، ولم يجز فيه الله الكبير ، فجمع بين الله
أكبر ، والله الأكبر - وإن كانت معانيها
مفترقة ، لأن الله أكبر أبلغ في المدح من قولك
: الله الأكبر ؛ لأنه أجل في القصد إلى الوصف
بأنه أكبر من غيرهن لأن الله أكبر جملة تامة -
ابتداء وخبر مفيدة بأن الله أكبر مما سواه ،
لا يحتمل الكلام غير ذلك ؛ والله أكبر ، يحتمل
أن يريد قائله به الله هو الأكبر ، فيكون قد
قصد بكلامه إلى الإخبار بأن الله أكبر مما
سواه ، كقوله الله أكبر - سواء ؛ ويحتمل ألا
يريد به ذلك ، فيجعل الأكبر صفة الله ، ويضمر
الخبر فيكون إنما قصد إلى استشعار الخبر الذي
أضمره ، لا إلى أن الله أكبر من غيره ؛ وإن
كانت الصفة دالة على ذلك ، مثل أن يريد الله
الأكبر هو الذي هداني إلى الإسلام ، ووفقني
لفعل الصلاة ؛ وليس ما يقتضيه الكلام مما لم
يقصد إليه كمثل ما قصد إليه ؛ ووجه
(2/103)
ما ذهب إليه
الشافعي أن بناء الله الأكبر كبناء الله أكبر
- سواء ، إلا أن الألف واللازم زيدت للتعظيم ،
فكان ذلك بخلاف الله أكبر ، لا اختلاف البناء
والمعنى جميعاً ؛ لأن الله أكبر ، أبلغ في
المدح من الله الكبير ، وهذا كله بين . وقوله
إنه لا يجزئ من السلام إلا السلام عليكم ، هو
مثل ما في المدونة ، وقد وقع في أول رسم من
سماع أشهب في بعض الروايات : يقول سلام عليك ،
سلام عليكم - دون معرفة بالألف واللام ، وذلك
خلاف لقول سحنون هذا ، ولما في المدونة .
مسألة
قال سحنون : سألت ابن القاسم عن الإمام في
صلاة الخوف ، إذا صلى بالطائفة الأولى ركعة ،
ثم ثبت قائماً وأتم القوم ومضوا ؛ ثم أتت
الطائفة الثانية فصلى بهم ركعة ، فلما جلس ذكر
سجدة نسيها لا يدري من الأولى ومن الثانية ؟
قال : في سجد سجدة وتسجد معه الطائفة الثانية
، ثم يقوم ويثبت قائماً ، وتصلي الطائفة التي
معه بقية الركعة الثانية تمام صلاتهم -
وحداناً ، لا يؤمهم أحد ، ويسجدوا بعد السلام
؛ وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام هذه
الركعة ( التي احتاط بها ، ثم يقعد ويسلم ،
ويسجد للسهو ، وتقم الطائفة الأولى فتتم
ركعتها لأنفسها ؛ فإن كانت السجدة التي نسي
الإمام من الركعة الأولى ، فقد كانت صلاتهم
باطلة ، وهذه التي صلوا مع الإمام ، هي أول
صلاتهم ، وهي فريضة ؛ وإن كانت سجدة من الركعة
)
(2/104)
الثانية التي
كان فيها الإمام قاعداً ، فقد كانت صلاتهم
تامة ، وهذه التي صلوا مع الإمام نافلة .
قال محمد بن رشد : قوله وتسجد معه الطائفة
الثانية ، معناه إن شكت بشك الإمام ، فتصح لها
الركعة وتصير هي الطائفة الأولى ، لاحتمال أن
تكون السجدة من الركعة الأولى ، فتكون قد بطلت
، وصارت الثانية هي الأولى ؛ وقد قيل إنهم
يعيدون ، لاحتمال أن تكون السجدة من الركعة
الثانية ، فتصح صلاة الأولين بصحة الركعة
الأولى ، ويكون هؤلاء هم الطائفة الثانية على
حالهم - وقد سلموا قبل إمامهم ، وهو قول ابن
عبدوس ؛ ولو أيقنوا بسلامة الركعة التي صلوا
معه ، لما سجدوا معه سجدة التحري - على ما
لابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى ،
ولا وجبت عليهم إعادة باتفاق ، لتحققهم أنهم
قد صاروا هم الطائفة الأولى ؛ وذلك إن كانت
الطائفة الأولى تشك في السجدة بشك الإمام ، أو
توقن بإسقاطها ؛ وأما إن كانت لا تشك في أنها
سدت سجدتين فصلاتهم تامة ، ويقضي الإمام تلك
الركعة - وحده - قبل أن تقوم الطائفة الثانية
التي معه لقضاء ركعتهم ، ثم يسلم بهم - وبالله
التوفيق .
تم كتاب الصلاة الرابع
بحمد الله وحسن عونه
(2/105)
|