البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب الصلاة الخامس
من سماع موسى بن معاوية الصمادحي من ابن القاسم
مسألة
قال موسى بن معاوية الصمادحي سئل ابن القائم عن المساجد هل يكره الكتاب فيها في القبلة بالصبغ شبه آية الكرسي أو نحوها من قوارع القرآن قل هو الله أحد ، والمعوذات ، ونحوها ؟ .
قال ابن القاسم : كان مالك يكره أن يكتب في القبلة في المسجد شيء من القرآن ، أو التزاويق ، ويقول : إن ذلك يشغل المصلي ؛ قال : ولقد كره مالك أن يكتب القرآن في القراطيس ، فكيف في الجدران ؟ .

(2/107)


قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة من كراهية تزويق المسجد ، والعلة في ذلك ما يخشى على المصلين من أن يلهيهم ذلك في صلاتهم ؛ وقد مضى بيان هذا المعنى من الحديث في رسم سلعة سماها ، ورسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم ، ومضى في رسم سلف في حيوان منه ؛ وجه كراهية مالك لكتابة القرآن في القراطيس أسداساً وأسباعاً ، فكتاب شيء من القرآن في قبلة المسجد ، مكروه عند مالك لوجهين ، وقد خفف ذلك ابن نافع ، وابن وهب في المبسوطة ، وقول مالك أولى وأصح في المعنى .
مسألة
قال : أخبرنا موسى بن معاوية الصمادحي ، وسحنون ، قالا : أخبرنا علي بن زياد أنه سأل مالكاً عن الذي ينزل الماء في عينيه ، فيريد أن يقدحهما ، فيخبره الطبيب أنه إن قدحهما استلقى على ظهره ثلاثة أيام لا يقوم ولا يقدح ما ترى أن يصنع ؟ قال مالك : بل يقولون أربعين يوماً ، لا أدري ما هذا ؟ وأبى أن يجيب فيه .
قال محمد بن رشد : قد أجاب في المدونة بأن ذلك مكروه ، لا خير فيه . قال ابن القاسم - بعد هذا - ( في هذا ) السماع : فإن فعل ، قام فصلى - وإن ذهبت عيناه . قال في المدونة : فإن لم يفعل وصلى إيماء أعاد أبداً في الوقت وبعده . وهذا على قياس قول مالك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب في الذي يركب السفينة وهو لا يقدر على السجود فيها الا على ظهر

(2/108)


أخيه ، لأن الأصل في ذلك واحد ، فلم يعذره بالزحام ولا بالمرض الذي أصابه من قدح عينيه ؛ لأنه هو الذي أدخل ذلك على نفسه باختياره ، ولو شاء لم يفعل ؛ وقد روى ابن وهب عن مالك أنه يجوز له أن يقدح عينيه ويصلي على قدر طاقته من الإيماء ، وتجزئه صلاته ؛ وهو قول جابر بن زيد من تابعي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا في هذا السماع ، ووجه ذلك القياس على ما أجمعوا عليه من أن للرجل أن يسافر - وإن علم أنه يعدم الماء في سفره فينتقل إلى التيمم ، فكما يجوز له أن يسافر وإن أوجب ذلك عليه الانتقال من الوضوء إلى التيمم ، فكذلك يجز له أن يقدح عينيه وإن أوجب ذلك عليه الانتقال من الركوع والسجود إلى الإيماء ؛ والفرق بين الموضعين على القول الأول ، وهو أن التيمم بدل من الوضوء ند عدم الماء بنص القرآن ، وليس الإيماء ببدل من الركوع والسجود ، لأنه إذا أو ما فيهما فقد أتى ببعض الانحطاط إليهما ، وترك تمامهما دون أن يأتي لما ترك من تمامها ببدل ؛ فماله بدل إذا عجز عنه وجب عليه بدله ، وما ليس له بدل - إذا عجز عنه سقط وبرئت منه ذمته ؛ لقوله تعالى : {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} . فجاز فيما له بدل أن يفعل ما يضطره إلى البدل ، وعلى هذا أجاز مالك لصاحب الحقن الشديد أن يفطر ، ويتداوى إذا ألجأ إلى ذلك - وإن كان قادراً على الصيام وترك التداوي دون مرض يصيبه في ذلك - والله أعلم ؛ ولم يجز فيما لا بدل له أن يفعل ما يضطره إلى ترك الفرض جملة ، فهذا وجه القول الأول .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الذي يصلي على العذرة اليابسة أو الدم اليابس أو المكان القذر ، مثل المزابل ونحوها - ولا يشعر ، ثم يعلم

(2/109)


بعد . قال مالك : يعيدها ما كان في الوقت . قال : وما يصيب الأرض من ذلك مثل ما يصيب الثوب .
قال محمد بن رشد : هذا هو المشهور في المذهب : أن من صلى بثوب نجس ، أو على موضع نجس - وهو لا يعلم أعاد في الوقت ، والوقت في ذلك إلى اصفرار الشمس ؛ قال ابن المواز : فإن صلى به أو عليه - وهو لا يقدر على غيره - مضطراً إلى ذلك ، أعاد إلى الغروب ، وقد روي عن مالك أنه يعيد إلى الغروب في المسألتين جميعاً ، ومعنى ذلك أن يدرك الصلاة كلها قبل الغروب ، وأما إذا لم يدرك قبل الغروب إلا بعضها ، فقد فاته في هذه المسألة وقتها - والله أعلم . وأما إذا لم يدرك قبل الغروب إلا بعضها ، فقد فاته في هذه المسألة وقتها - والله أعلم . وأما إذا كان جاهلاً أو متعمداً من غير ضرورة ، فإنه يعيد أبداً ، بدليل هذه الرواية ، وهو المشهور في المذهب ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى ، فقف على ذلك هناك ، وبالله تعالى التوفيق .
مسألة
قال : وسئل عن الرجل يصلي فيخطف رداؤه عنه ، هل له أن يخرج ويقطع الصلاة ويطلب خاطفه ، أم لا يقطع ويلي ويدفع رداءه يذهب ؟ وعن الرجل يخاف على الشيء من متاع البيت السرق والحرق والفساد ، مثل قلة الزيت ، أو الماء ، أو الخل ، تقلب فيهراق ما فيها ، هل يسعه أن يسويها ويرجع في صلاته ؟ ومثل ذلك زقاق الزيت ، أو الخل ، ونحوه ، يخاف عليها أن تنشق أو تنفسخ ، أو يفسدها شيء - وهو يصلي ، ويصلح الزقاق ويربطها ويرجع في صلاته ؟ أو يقطع صلاته ويستأنف ؟ فقال ابن القاسم : إذ

(2/110)


خطف ثوبه في الصلاة ، فلا بأس أن يقطع ويذهب في طلب الذي أخذه ، ويستأنف إذا رجع ؛ وأما مالك فكان يكره نحوه ، وذلك أني سألته عن الذي يكون في الصلاة فيرى الشاة تأكل الثوب ، أو العجين ؛ فقال : إن كان في فريضة ، فلا يقطع ؛ وأما الرجل يصلي وفي البيت قلة أو شيء يخاف عليه أن يهراق ، فإن سألت مالكاً عن الرجل يقرأ فيتعايا في قراءته ، فيأخذ المصحف ينظر فيه - وهو بين يديه - فكرهه ، فهذا مثله .
قال محمد بن رشد : قد تقدم الكلام على هذه المسألة في رسم صلى نهارً ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم مجوداً ، فلا معنى لإعادته .
مسألة
قال الصمادحي : وحدثني عبد العزيز الدراوردي ، عن داوود بن صالح ، عن أمه قالت : بعثتني مولاتي بهريسة إلى عائشة - رضي الله عنها - فجئت وهي تصلي - فأشارت إلي أن ضعها ، فجاءت هرة فأكلت منها ، فلما قضت الصلاة قالت لنسوة عندها كلن ، قال فأكلن واتقين موضع الهرة ؛ فقالت : كلن فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم .
قال محمد بن رشد : زاد بعض الرواة في الحديث أنها قالت : وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفضلها ، وأنها دورتها ثم أكلت من حيث أكلت الهرة . وهذا من فعل عائشة في أكلها من الموضع الذي

(2/111)


أكلت منه الهرة ؛ وأمرتهن بذلك ، لما سمعته من النبي - عليه الصلاة والسلام - مثل فعل أبي قتادة في حديث الموطأ : "إذ أصغى لها الإناء حتى شربت ، ثم توضأ بسؤرها" . وإلى هذا ذهب مالك - رحمه الله - وجميع أصحابه في أن سؤر الهرة طاهر ، إلا أن يوقن أنه كان في فيها أذى ؛ خلافاً لما ذهب إليه أبو حنيفة وغيره من أنه نجس ، لما روي عن أبي هريرة من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر ، أن يغسل مرة أو مرتين ، وهو حديث يوقفه بعض الرواية على أبي هريرة ، ولم ير ذلك من ذهب إلى نصرة مذهب أبي حنيفة علة فيه ، وضعف حديث أم داوود ، لكونها غير معروفة عند أهل العلم بالحديث ؛ وقال في حديث أبي قتادة إنه ليس فيه طهارة سؤر الهرة إلا من فعل أبي قتادة ، إذ قد يحتمل أن يكون أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ليست بنجس في كونها في البيوت ومماستها الثياب .
قال محمد بن رشد : أبو قتادة ألحن بمراد النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن بعده ، ويحمل ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فمرت به حية ، أو عقرب ، فيقتلهما أو يرمي طيراً بحجر فيقتله ، أو يأخذ قوساً فيرمي به صيداً فيقتله - عامداً غير ناس ؛ قال ابن القاسم : خلائه كان مالك قتل الحية والعقرب في الصلاة . قال ابن القاسم : فإن فعل ولم يكن في ذلك شغل عن الصلاة ، فلا شيء عليه ؛ وكذلك قتل الحية ، والطير - يرميه - لا شيء عليه في ذلك ، وقد أساء في رميه الطير ، ولا يفسد ذلك صلاته إلا أن يطول ذلك ؛ فإن رماه بحجر يتناوله من الأرض ، فلا شيء عليه - ما لم يطل ذلك .

(2/112)


قال محمد بن رشد : قد روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - من رواية أبي هريرة أنه أمر بقتل الأسودين في الصلاة : الحية والعقرب . وهو حديث حسن م جهة الإسناد ، والمعنى في ذلك عند مالك - رحمه الله - إذا أراداه ؛ وكذلك قال في أول سماع عبد الملك - بعد هذا - إنه لا يقتلهما إلا أن يريداه ، فإذا أراداه ، جاز له أن يقتلهما ويتمادى على صلاته ، إلا أن يطول ذلك ويكثر الشغل به ، فيبتدئ صلاته ؛ وأما إذا لم يريداه ، فلا ينبغي له - عنده - أن يشتغل بقلتهما في صلاته ، فإن فعل فقد أساء ، ويبني على صلاته ، إلا أن يطول ذلك فيبتدئ ؛ ومن أهل العلم من أجاز له أن يقتلهما - وإن لم يريداه على ظاهر الحديث ، وذلك فيما أمر بقتله من الحيات وهن ذوات الطفيتين ، والأبتر ، وما سوى حيات المدينة ، وعمار البيوت من غيرهن - على الاختلاف في النهي عن قتل عوامر البيوت ؛ هل ذلك خاص بالمدينة ، أو عام فيها وفي سواها ؟ فأما ما سوى الحية والعقرب : من صيد ، أو طير ، أو ذرة أو نملة ، أو بعوضة ، أو قملة ؛ فلا اختلاف في أن قتل شيء من ذلك في الصلاة مكروه لا ينبغي ، فإن فعل ، لم تبطل صلاته إلا بما كان من ذلك فيه شغل كثير ؛ وقال في الرواية إنه إن أخذ القوس فرمى به ( الصيد ) ، أو تناول الحجر من الأرض ، فرمى به الطير ، لم تفسد صلاته - إذا لم يطل ؛ وذلك إذا كان جالساً - والحجر أو القوس إلى جنبه ، فتناولهما ورمى بهما ؛ وأما لو كان قائماً ، فتناول الحجر ، أو القوس من الأرض ، ورمى بهما ، لكان بذلك

(2/113)


مبطلاً لصلاته ، وما مضى في رسم صلى نهاراً ثلاث ركعات من تفسير المسألة المتقدمة قبل هذا ، هو من هذا المعنى ، فقف عليه وتدبره .
مسألة
وحدثنا المسيب بن شريك ، عن زايد بن أبي زياد ، عن الأزرق بن قيس ، قال : كنا بشاطئ مهران ، فجاء رجل على فرس له فنزل عنه يصلي ، فأفلت منه فاتبعه حتى أخذه ورجع إلى مصلاه ؛ فقال بعضنا ما أهون على هذا صلاته ، فسمع الرجل ، فجاء فوقف بنا ؛ فقال : قد سمعت قائلكم ، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : إذا انفلتت دابة أحدكم – وهو يصلي – فليتبعها حتى يأخذها ويرجع إلى صلاته ، لا يشتد عليه طلبها .
قال محمد بن رشد : الرجل المذكور في الحديث ، هو أبو برزة الأسلمي ، وليس فيه بيان قدر ما اتبع فرسه إلهي في قلة ذلك من كثرته ، ولا إن كان رجع إلى مصلاه ، فابدأ صلاته من أولها أو بنى عليها ؛ فإن كان أراد أنه رجع إلى مصلاه ، فبنى على صلاته ، فيحمل أمره على ( أن ) اتباعه إياه لم يكثر ، إنما مشي إليه قليلاً عن يمينه ، أو عن يسارهن أو أمامه ؛ وإن كان أراد أنه قطع صلاته فاتبع فرسه حتى أخذه ، ثم رجع إلى مصلاه فابتدأ صلاته ؛ فالمعنى في ذلك أنه بعد عنه ، أو صار خلفه ، فاحتاج أن يستدبر القبلة إليه ، وهذا هو قول مالك في المدونة أنه يقطع ويبتدئ - إن بعدت عنه دابته - قداما ، أو يميناً أو شمالاً ، أو صارت خلفه ؛ وهذا إذا كان في سعة من الوقت ، وأما

(2/114)


إذا كان في خناق ( منه ) فإنه يتمادى على صلاته - وإن ذهبت دابته ، ما لم يكن في مفازة ، ويخاف على نفسه إن ترك دابته حتى يصلي - على ما قالوا في الحاج يقبل إلى عرفة قرب الفجر - ولم يصل المغرب والعشاء ؛ وهو إن مضى إلى عرفة وترك الصلاة أدرك الوقوف ، وإن صلاهما فاته الوقوف والحج في ذلك العام ، أن يبدأ بالصلاة - وإن فاته الحج ، لأنه قد يلزمه من النفقة والمؤنة في الحج - عاماً قابلاً أكثر من قيمة الدابة أضعافاً ؛ وهذا على القول بأن الحج على التراخي ، وأما على القول بأنه على الفور ، فهما فرضان قد تزاحما في وقت واحد ، فالبداية بالوقوف أولى ؛ لأن تأخير الصلاة التي يقضيها بالقرب ، أولى من تأخير الحج الذي لا يقضيه إلى عام آخر ، ولعل المنية تخترمه دون ذلك - وبالله التوفيق .
مسألة
وحدثني عن المسيب بن شريك ، قال : حدثني محمد بن عبيد الله ، عن عطاء ، عن عائشة ، قالت : أتت هدية - والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي ، وأنا نائة ، فكسلت أن أقوم فأفتح الباب ، فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح الباب ، ورجع إلى مصلاه ؛ ثم خرج صاحب الهدية ، فكسلت أن أقوم فأغلق الباب ، فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أغلق الباب ورجع إلى مصلاه - قال الصمادحي : وكانت نافلة .

(2/115)


قال محمد بن رشد : قول الصمادحي إنها كانت نافلة صحيح ، بدليل أن الفريضة إنما كان يصليها في المسجد بالناس لا في بيته ، والمعنى في ذلك - والله أعلم - أن الباب كا نفي قبلته ، وكان قريباً من مصلاه ، فتقدم إليه في فتحه وغلقه ، ثم رجع القهقري إلى مصلاه في صلاته - دون أن يستدبر القبلة ؛ وهذا جائز أن يفعل في النافلة ، وفي الفريضة أيضاً - إذا دعت إلى ذلك ضرورة ، كالمسألة التي قبل هذه ، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بمن معه ركعة ، فكلمه إنسان في حاجة ، وكلمه الإمام مجيباً له غير ساه ؛ له تفسد صلاته وصلاة من خلفه ؟ فقال ابن القاسم : يعيد ويعيدون ، وكل ما تعمده الإمام مثل أن يحدث فينهض بهم في صلاتهم - عامداً ، أو يكون جنباً فيتعمد الصلاة بهم ، فإنه يعيد ويعيدون .
قال محمد بن رشد : هذا معلوم من مذهب مالك وأصحابه ، أن الإمام إذا قطع صلاته - متعمداً ، أو أحدث فيها متعمداً ، أو تمادى فيها بعد حدثه متعمداً ؛ أنهم بمنزلة فيها يجب عليه من الإعادة في الوقت وبعده ؛ حاشا أشهب ، وابن عبد الحكم ، فإنهما ذهبا إلى أن الإمام إذا صلى بالقوم على غير وضوء - متعمداً ، أو أحدث فتمادى بهم متعمداً - وهم لا يعلمون أنه لا إعادة عليهم ، وقد مضى في رسم يدير ماله من سماع عيسى وجه قول أشهب ، وابن عبد الحكم ، وتفرقة ابن القاسم بين أن يحدث الإمام في أثناء صلاته ، أو بد التشهد الآخر ، فيتمادى بهم - متعمداً حتى يسلم بهم ؛ فقف على ذلك هناك .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فنعس في بعض صلاة النهار ، حتى استثقل نوماً ، فلم يستيقظ حتى سبح به القوم ؛ هل

(2/116)


تنتقض صلاته وصلاة من خلفه ، أم تنتقض صلاته - وحده ؟ وهل يكون عليه وضوء النوم - وهو قائم ؟ فقال ابن القاسم : هذا كله قريب ، وليس عليه شيء - وإن طال ذلك .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن النوم ليس بحدث في نفسه ، وإنما هو سبب للحدث ، فلا ينتقض الوضوء منه ، إلا ما يخشى إن كان منه حدث ألا يشعر به ؛ والإمام إذا نام في صلاته فلا يبلغ هذا الحد دون أن يسبح به القوم ، ولم يبين في الرواية على أي حال كان نومه ؛ فإن كان في الركوع ، أو السجود ، فجوابه على القول بأن النوم في تينك الحالتين لا ينقض الوضوء إلا أن يطول ، وقد مضى القول في تفصيل أحوال النائم في حال نومه في رسم سن من سماع ابن القاسم ، فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الأمة تدخل في الصلاة - وهي أمة ، ثم يدركها العتق - وهي في الصلاة ، وليس عليها خمار ولا مقنعة ، وليس عندها ولا قربها ثوب ، أتمضي في الصلاة ؟ أم تقطع وتستأنف ؟ قال ابن القاسم : إذا كان قربها ثوب فأخذته فاستترت به ، رجوت أن يجزئها ؛ وأحب إلي - إن كانت صلت ركعة ، أن تضيف إليها ركعة أخرى وتجعلها نافلة ، وتبتدئ الصلاة ؛ وكذلك لو لم يكن عندها ثوب إن أعتقت - وهي قد صلت ركعة ، أضافت إليها أخرى وابتدأت الصلاة ؛ وكذلك قال مالك فيما يشبهه في المسافر يصلي بعض

(2/117)


الصلاة ، ثم ينوي الإقامة ؛ قال مالك : أحب إلي أن يعيد ، فكذلك بمسألتك ، لأنها دخلت نيتان .
وسئل ابن القاسم عن المسافرة تصلي في ثوب وخمار أو مقنعة ، فيطرح الريح خمارها أو مقنعتها عن رأسها ، فتبعدها عنها ، فإ ، ابتعتها انحرفت عن القبلة ؛ أتمضي في صلاتها ، أم تقطع ؟ قال ابن القاسم : أما إذا كانت قريباً تتناوله فلا بأس به ، وأما إذا تباعد ذلك ، فإنها تسلم وتسأنف .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في رسم استأذن من سماع عيسى في الأمة تعتق في الصلاة ، أو يأتيها الخبر بالعتق فيها - وهي مكشوفة الرأس ، مستوعباً مستوفى ، فلا وجه لإعادة القول في ذلك - هنا - مرة أخرى ؛ وقد مضى أيضاً في رسم لم يدرك منه تحصيل الاختلاف في المسافر ينوي الإقامة بعد أن دخل في الصلاة ؛ فتأمله هناك ؛ وأما مسألة المسافرة تدخل في الصلاة بقناع فيطرح الريح خمارها عنها ، فهي مسألة صحيحة لا يدخلها من الاختلاف ما يدخل المسألتين المذكورتين ، وإنما ساقها حجة لقوله في هذه الرواية : وكذلك حق ما جعل أصلاً لما اختلف فيه أن يكون متفقاً عليه .
مسألة
وسئل ابن القاسم : عن إمام صلى بثوب واحد - متوشحاً به ، فلما ركع سقط الثوب عن عاتقه إلى الأرض ، وانكشف فرجه ودبره ، فهب ليأخذه ويتوشح به ، فلم يقدر حتى رفع من الركعة ، وعجل بالرفع قبل أن يتمها ؛ وما ترى في صلاته وصلاة من خلفه ؟

(2/118)


وكيف الأ/ر في الركعة الناقصة هل تجزئه أم يعيدها ؟ وكيف ينبغي أن يصنع حين رفع ، أيرجع أم يعيد الركعة ؟ وهل يضره سقوط الثوب عنه حين انكشف ؟ فقال ابن القاسم : إذا أخذ ثوبه ساعتئذ ، وإن رفع من الركعة قبل أن يأخذ ثوبه ، فلا شيء عليه - إذا تقارب ذلك ولم يتباعد ؛ قال سحنون : فإن نظر القوم إلى فرجه - منكشفاً ، أعاد الصلاة كل من نظر إليه - منكشفاً ، ولا شيء على من لم ينظر إليه .
قال محمد بن رشد : أجاز ابن القاسم صلاته ولم ير عليه شيئاً - وإن انكشف فرجه ودبره فيها بسقوط ثوبه عنه - إذا أخذه بالقرب ، وإن كان بعد أن رفع من الركعة قبل أن يتمها - أي قبل أن يتمكن في ركوعها ، ولو لم يأخذه بالقرب ، لأعاد في الوقت على أصله في رسم استأذن من سماع عيسى ، من أن ستر العورة من سنن الصلاة ، لا من فرائضها ؛ وسيأتي على القول بأن ذلك من فرائضها ، أن يخرج ويستخلف من يتم بالقوم ( صلاتهم ) فإن لم يفعل وتمادى بهم ؛ وإن استتر بالقرب فصلاته وصلاتهم فاسدة ، وهو قول سحنون في كتاب ابنه ، خلاف قوله ههنا ، ولا شيء على من لم ينظر إليه . وأما قوله إنه يعيد كل من نظر إليه منكشفاً ، فمعناه إذا تعمد النظر إليهن لأنه بذلك مرتكب للمحظور في صلاته ، ولأن من نظر إليه على غير تعمد ، فهو بمنزلة من لم ينظر ، إذ لا إثم عليه في ذلك ولا حرج ؛ ويلزم على قوله أن تبطل صلاة من عصى الله في صلاته بوجه من وجوه العصيان ، خلاف ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي من أنه لا تبطل صلاته بذلك ، وقال : أرأيت لو سرق دراهم لرجل في صلاتهن أو غصبه ثوباً فيها - وبالله التوفيق .

(2/119)


مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل صلى بقوم فمر به إنسان فأخبره بخبر يسره ، فحمد الله تعالى لذلك عامداً ؛ هل تفسد صلاته ؟ أو يمر به إنسان فيخبره بمصيبة فيتوجع ، أو يخبره ببعض ما بسوؤه فيقول : الحمد لله على كل حال ، أو يسره حين سمعه فيقول : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ؛ قال ابن القاسم : لا يعجبني ، فإن فعل رأيت صلاته تامة ؛ لا ، مالكاً قال : إذا عطس الرجل في الصلاة ، يحمد الله ويخفيه في نفسه ، وكان أحب إلى مالك ترك ذلك في الصلاة ؛ فإن فعل لم تفسد صلاتهن وكذلك الذي سألت عنه إن حمد الله لشيء أخبر به ، أو استرجع لشيء أخبر به ، فلا يعجبني ؛ فإن فعل ، رأيت صلاته تامة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن المصلي ينبغي له أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بما سواها من الإصغاء إلى من يخبره بما يسره فيحمد الله ، أو يسوؤه فيتوجع ؛ فإن فعل لم تبطل صلاته ، لأن ذلك من ذكر الله ؛ وقد رفع أبو بكر - رضي الله عنه - يديه في صلاته ، وحمد الله على ما أمره به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن يمكث في موضعه ، إلا أن هذا قد أساء ، إذ أصغى في صلاته إلى استماع ما يسره من أمور الدنيا ، فحمد الله على ذلك ، وترك ما هو آكد عليه من ذلك - وهو الإقبال على صلاته ، وقد مضى ما يشبه هذا المعنى في موضعين من رسم الصلاة الثاني في نحو وسطه وقرب آخره - وبالله التوفيق .

(2/120)


مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل صلى فدخل عليه داره رجل فصاح به ، فسبح به ، فقال : سبحان الله - يريد بذلك أن يخبر صاحبه أنه يصلي ، هل يفسد ذلك صلاته ؟ قال ابن القاسم التنحنح عند مالك شديد فكرهه ، وأما التسبيح فلا بأس به - وإن تعمد بالتسبيح ليعلم لصاحبه مكانه .
قال محمد بن رشد : أجاز التسبيح في الصلاة لما ينوبه فيها - وإن كان ذلك فيما لا يتعلق بإصلاحها ، مثل ما في المدونة - سواء ؛ ودليله قول النبي - عليه الصلاة والسلام - من نابه شيء في صلاته فليسبح . لأنه كلام قائم مستقل بنفسه ، فيحمل على عمومه فيما يتعلق بإصلاح الصلاة ، وفيما لا يتعلق بإصلاحها ، ولا يقصر على ما يتعلق بإصلاحها - وإن كان الكلام خرج على ذلك السبب ؛ وقد قيل إنه يقصر على سببه ، والأول أصح القولين في النظر ؛ وقد اختلف فيما عدا التسبيح من ذكر الله ، وقراءة القرآن - إذا رفع بذلك صوته لإنباه رجل ؛ فلم ير ذلك أشهب كالكلام ، ورآه ابن القاسم كالكلام ،فافسد به الصلاة ؛ وانظر في تكبير المكبر في الجوامع ، هل يدخله في هذا الاختلاف أم لا ؟ والأظهر أنه لا يدخله ، لأنه مما يختص بإصلاح الصلاة ، وشهد له حديث صلاة الناس بصلاة أبي بكر خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ؛ وأما إنكاره للتنحنح في الصلاة ، فهو مثل ما مضى له في رسم البز من سماع ابن القاسم : وقد تقدم القول على ذلك هناك .

(2/121)


مسألة
وسئل ابن القاسم عن امرأة صلت في صف من صفوف الرجال : عن يمينها رجل ، وعن يسارها رجل ، ومن ورائها رجل ؛ هل تفسد صلاة هؤلاء الثلاثة ؟ فقال ابن القاسم : لا تفسد صلاتهم . قال موسى بن معاوية : وسئل ابن القاسم عن إمام صلى – وخلفه رجال ونساء ، فدخل قوم آخرون فلم يجدوا سعة إلى صفوف الرجال من كثرة النساء ، فصلوا من وراء النساء ، هل تفسد صلاتهم ؟ قال ابن القاسم : قال مالك لا تفسد صلاتهم – إن كان النساء بين أيديهم ، وصلاتهم تامة ؛ وسئل ابن القاسم عن إمام صلى برجل وسناء ، فقام الرجل عن يمين صاحبه ، والسناء من خلفهما ، فأحدث الإمام فقدم صاحبه ؛ هل يصلي بالنساء اللائي خلفه ؟ وكيف به إن خرج ولم يستخلف صاحبه ، ونوى صاحبه أن يصلي لنفسه ويصلي بمن معه من النساء ؟ قال ابن القاسم : يصلي المستخلف بالنساء ، وإن خرج الإمام ولم يستخلف ، فإن صلاة الباقي تجزئ من خلفه من النساء – إذا نوى أن يكون إمامهن . وسئل ابن القاسم عن إمام صلى خلفه نساء ، وعن يمينه نساء ، وعن يساره نساء ، وبين يديه نساء ، يصلين بصلاته ، ويأتممن به – وهو ينوي إمامتهن ، والصلاة بهن ؛ هل تفسد صلاته وصلاة من معه ؟ أم تجزئهم صلاتهم ؟ قال ابن القاسم : قد أساء – وصلاة الإمام تامة ، وصلاة النساء تامة – إذا أردن أن يأتممن به ، أو نوى هو في نفسه أن يؤمهن – وهو قول مالك .
قال محمد بن رشد : المسألة كلها صحيحة بينة في المعنى ، غير مفتقرة إلى كلام مثل ما في المدونة ، ومعنى الاشتراط في إمامة الرجل

(2/122)


بالنساء - إذا نوى أن يكون إمامهن ، فإن ذلك خلاف لما في المدونة من قوله إذا صلى الرجل لنفسه فأتى رجل فائتم به ، فصلاته جائزة - نوى أن يؤم به أو لم ينو ؛ ودليله حديث ابن عباس إذ بات مع النبي - عليه السلام - عند خالته ميمونة ، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل يصلي ، قام إلى جانبه دون أن يستأذنه حتى يعلم أنه قد نوى أن يؤمه . ووجه القول الأول ، أن الإمام يصلي لنفسه ولمن يأتم به ، فيحمل عنهم القراءة ، وما سوى الإحرام ، والركوع ، والسجود ، والجلوس ، الآخر والسلام ؛ واعتقا دنية الفريضة بما ألزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ضمان صلاتهم بقوله : الإمام ضامن . فإذا لم ينو الإمامة بهم ، لم تنتظم صلاته بصلاتهم ، ولا حمل عنهم شيئاً منها ، ففسدت بذلك عليهم ؛ فالقول الأول أتبع للأثر ، وهاذ أظهر من جهة النظر ؛ وقد رأيت لأبي حنيفة - فيما أظن - أن ائتمام الرجل بالرجل دون أن ينوي أن يؤمه جائز ، بخلاف ائتمام النساء به دون أن ينوي أن يؤمهن - وهو بعيد ؛ ولعله ذهب - إن صح ذلك عنه - إلى أن الأصل الذي يعضده القياس ، كان لا يصح الائتمام بمن لا يعتقد الإمامة ، فخرج من ذلك ائتمام الرجل بمن لا ينوي الإمام ، لحديث ابن عباس ، وبقي النساء على الأصل في أنهن لا يجوز لهن أن يأتممن من لا ينوي الإمامة - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن قرأ في صلاته سورة طويلة ونواها في نفسه ، فأدركه كسل ملالة ، فترك القراءة وركع وسجد ؛ أتجزئه صلاته ؟ قال ابن القاسم . ليس عليه شيء .

(2/123)


قال محمد بن رشد : لم يوجب عليه إتمام السورة التي ابتدأها ونوى قراءتها ، إذ لم يوجب ذلك على نفسه بالنذر ؛ وهو على أصله فيمن افتح الصلاة النافلة - قائماً على أن يتمها قائماً ، أن له أن يتمها جالساً مع القدرة على القيام ، خلافاً ما ذهب إليه أشهب من أنه يلزمه أن يتمها - قائماً ، كما افتتحها قائماً ، وقول ابن القاسم أظهر : إنه إنما يلزمه إتمامها لأكثر ، وبالله تعالى التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عمن صلى ركعتين وجلس يتشهد فعرض له شك فيما مضى من صلاته فجعل يتذكر ساعة بعد التشهد ، ثم ذكر أنه قد أصاب الصلاة ، ولم ينقص ولم يزد ؛ له يكون عليه أن يسجد لسهوه ، لأنه قعد بعد التشهد ساعة يتذكر ؟ ومتى يكون سجوده قبل السلام أو بعده ؟ قال ابن القاسم ليس عليه شيء - وإن طال الجلوس ، ولا يسجد لسهوه . وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم ركعة فلما سجد لها ، شك في سجوده حين سجد واحدة ، فوقوف يتذكر وينظر إن كان سجد لركعته سجدتين أم واحدة ، فطال فكره ، ثم سبح به القوم ، فذكر أنه لم يسجد إلا واحدة ، فسجد الثانية ومضى في صلاته حتى فرغ ؛ هل عليه سجود السهو ؟ ومتى يسجد قبل السلام أو بعده ؟ وكيف به إن شك - وهو راكع فيما مضى له من صلاته - ( فلم يدر ) أمضى له ركعة أو ركعتان ؟ فثبت راكعاً يتذكر

(2/124)


حتى طال ذلك ، ثم ذكر بعد ساعة أنه لم يمض إلا ركعة ؛ هل يكون عليه في مثل هذا سجود للذي عرض له - إذا وقف لشك عرض له في صلاته وهو قائم أو ساجد ؟ أو عرض له بعدما ركع ، فوقف يتذكر قبل أن يخر ساجداً ؟ أو نحو هذا من الشك ؟ ومتى يكون سجوده ؟ قال ابن القاسم الذي يعلم من قول مالك ، أنه لا يكون عليه شيء ، كان ذلك منه ساجداً أو راكعاً أو قائماً أو قاعداً ، في التشهد هذا كله سواء ، لأنه لم يعمل عملاً يكون زيادة ولا نقصانا .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة وما فيها من الاختلاف وتوجيهه في أول رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم ، فأغنى ذلك عن إعادته - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن مؤذن مسد أذن قبل زوال الشمس ، أو قبل وقت العصر أو قبل غروب الشمس ، أو قبل غيوب الشفق ، ثم علم بذلك قبل أن تقم الصلاة ؛ هل عليه أن يعيد الأذان ثم يقيم ؟ وكيف بهم إن صلوا بلا أذان ولا إقامة ؟ قال ابن القاسم : يعيد الأذان إن علم قبل الصلاة ، فإن صلى لم يعد .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف في أنه لا يؤذن لصلاة من الصلوات قبل وقتها ، إلا الصبح فإنه ينادى لها قبل وقتها عند مالك ، وأكثر أهل العلم ؛ قيل في السدس الآخر من الليل ، وقيل في النصف الثاني منه - إذا خرج وقت العشاء الآخر ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام : "إن بلالاً ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" - الحديث . فإذا نودي لما عدا الصبح

(2/125)


قبل الوقت ، وجب أن يعاد الأذان ما لم يصل ؛ لوجهين ، أحدهما ، أن الأذان الأول لم يجز ، والثاني أن يعلم أهل الدور أن الأذان الأول كان قبل الوقت ، فيعيد الصلاة من كان صلى منهم ؛ فقد روي أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ، فرجع فنادى ، ألا إن العبد نام ، ليعلموا أنهم في ليل بعد ، حتى يقوم من شاء القيام ، ولا يمسك عما يمسك عنه الصوام ، ولا يلزم أن يعاد الأذان بعد الصلاة لهذه العلة ، مخافة أن يقبل الناس إلى الصلاة - وقد صليت فيعنوا لغير فائدة .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المؤذن يرعف حتى يكثر ذلك عليه وهو يؤذنن هل يقطع أذانه ويذهب فيغسل الدم ويرجع فيبني على ما مضى من أذانه أم يستأنف الأذان ؟ وهل يجوز لأ÷ل المسجد أن يقدموا رجلاً غيره ؟ وهل على المقدم أن يبتدئ الأذان من أوله ؟ أم يبني على الأذان الأول ؟ وهل للمؤذن أن يؤذن - وهو جنب ؟ قال ابن القاسم : إن مضى على أذانه في رعافه ذلك حتى فرغ ، أجزأه ، ولا يجوز له أن يقطع أذانه ؛ فإن قطع أذانه فغسل الدم عنه ، ثم رجع ، استأنف الأذان ، ولا يشبه هذا الذي يرعف في الصلاة ، فيبني إذا غسل الدم ؛ قال : ويجوز لأهل المسجد أن يقدموا رجلاً – إذا قطع المؤذن الأذان ليغسل رعافه ويبتدئ المقدم الأذان ، قال ولا بأس أن يؤذن - وهو على غير وضوء ، ولا يؤذن وهو جنب .
قال محمد بن رشد : الفرق بين الأذان والصلاة في أن الراعف في

(2/126)


الأذان يتمادى على أذانه أو يقطع ولا يبني ، أن الأذان لما لم يكن من شرط صحته ( الطهارة من النجاسة ، جاز للراعف أن يتمادى عليه مع رعافه ، بخلاف الصلاة ؛ ولما لم يجب على من ابتدأه أن يتممه ، وكان له أني قطعه بخلاف الصلاة التي يجب على من أحرم بها أن لا يقطعها ، وجب إذا لم يقدر على التمادي على أذانه مع رعافه أن يقطع ، بخلاف الصلاة ؛ ولما كان من شرط صحته ) أن يكون متوالياً وألا يفرق ، لم يجز لمن أذن بعض أذانه أن يستخلف على بقيته ، لا ، ذلك أشد من تفرقته ؛ ووجب إذا قطع المؤذن الأذان من أجل رعافه ، أن يستأنف رجل آخر الأذان من أوله ، ولا يبني على أن أذان الراعف ؛ وأن يستأنف هو الأذان من أوله - إذا غسل الدم عنه ، ولا يبني على ما مضى من أذانه ؛ وتفرقته في الأذان بين أن يكون المؤذن جنباً ، أو على غير وضوء ، استحسان على غير قياس ؛ والذي يوجبه القياس ألا فرق بينهما ، فيجز جنباً وعلى غير وضوء ، أو لا يجوز لا جنباً ولا على غير وضوء ؛ فوجه الجواز فيهما - وهو قول سحنون ورواية أبي الفرج عن مالك ، إذا كانت المئذنة في غير المسجد للجنب ؛ هو أن الأذان ذكر الله تعالى ، وذكر الله عز وجل يجوز للجنب ، كما يجوز للذي هو على غير وضوء . ووجه المنع فيهما - وهو مذهب الشافعي - ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يؤذن إلا متوضئ ؛ - رواه أبو هريرة عن النبي - عليه السلام - وقال به .
والجنب بذلك أحرى ، والاختيار عند مالك ألا يؤذن الرجل جنباً ولا على غير وضوء ؛ وما وري عن النبي - عليه الصلاة والسلام - إن صح - فمعناه أن ذلك

(2/127)


كان في أول الإسلام حين كان ذكر الله ممنوعاً إلا على طهارة ، ثم نسخ والله أعلم ، وإن كان أبو هريرة راوي الحديث متأخر الإسلام ، فالمعنى فيه أنه لم يسمعه من النبي - عليه الصلاة والسلام - بعد إسلامه ، وإنما أخذه عمن تقدم إسلامه من أصحابه .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المؤذن يقيم الصلاة فيرعف أو يدخل عليه ما يقطع وضوءه ، أيقطع الإقامة أو يتمها ؟ وكيف ( به ) إن خرج وقطعها ؟ هل يستأنف القوم رجلاً غيره يقيم لهم الصلاة يبتدئها من أوله أن أو يقيم من حيث انتهت إقامة الأول ؟ قال ابن القاسم : أرى أن يقطع الإقامة ولا يمضي فيها ، ويستأ ،ف رجل آخر بهم الإقامة ؛ لأن مالكاً قال : لا بأس أن يصلي بإقامة من لم يؤذن .
قال محمد بن رشد : قال فيمن رعف في الإقامة أنه يقطع ، بخلاف الأذان ؛ والفرق بينهما - مع أنه يؤذن على ( غير ) وضوء ، ولا يقيم إلا على وضوء - أن الإقامة متصلة بالصلاة ؛ فلو تمادى عليها ، لترك اللاة لغسل الدم ، فكان تركه الإقامة لذلك ، أولى من تركه الصلاة له ؛ والأذان بائن عن الصلاة ، فهو يقدر أن يتمادى على أذانه ، ثم يخرج لغسل الدم ، ويرجع إلى الصلاة . وأ/ا قوله إنه يستأنفرجل آخر بهم الإقامة فصحيح ، لأنه إذا لم يجز في الأذان أن يبني الثاني على ما مضى من أذان الأول ، للعلة اليت ذكرناها قبل هذا ، فالإقامة أحرى ألا يجوز ذلك فيها ؛ وأما الصلاة بإقامة من لم يؤذن ، فقد تعارضت الىثار في ذلك ، فروي عن عبد الله بن الحارث الصدائي أنه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان أوان الصبح ، أمرني فأذنت ، ثم قام إلى الصلاة ، فجاء بلال ليقيم ، فقال رسول الله - صلى الله

(2/128)


عليه وسلم : إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم . وروي أن عبد الله بن زيد حين أري الأذان ، أمر الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأذن ، ثم أمر عبد الله فأقام ؛ فأخذ مالك - رحمه الله - بالذي يوجبه النظر من ذلك ، لما تعارضت فيه الآثار وذلك أن الأذان والإقامة من أسباب الصلاة ، فلما جاز أن يقيم الصلاة غير الإمام ، جاز ا ،يقيمها غير الذي أذن ، إذ هي إلى الصلاة أقرب منها على الأذان ؛ وثبت أنهما شيئان يجوز أن يفعل أحدهما غير الذي فعل الآخر ، بخلاف الأذان ، فإنه لا يجوز لرجلين أن يفعل كل واحد منها بعضه .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن مسجد بين قوم ، فتنازعوا فيه واقتسموه بينهم ، وضربوا وسطه حائطاً ؛ أيجزئ أن يكون مؤذنهم واحداً ؟ وإمامهم واحد ؟ قال ابن القاسم : ليس لهم أن يقتسموه ، لأنه شيء سبلوه لله - وإن كانوا بنوه جميعاً ، وقال أشهب مثله ؛ ولا يجزئهم مؤذن واحداً ، ( ولا إمام واحد ) .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إنه ليس لهم أن يقتسموه ، لأن ملكهم قد ارتفع عنه حين سبلوه ؛ فإن فعلوا ، فله حكم المسجدين في الأذان ؛ والإمام حين فصلوا بينهما بحاجز ، يبين به كل واحد منهما عن صاحبه ، وإن كان ذلك لا يجوز لهم - وبالله التوفيق .

(2/129)


مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى على شرف وأصحابه تحته في وطاء ، أو يصلي على كدية وهم خلفه على الأرض ؟ أو يصلي في الأرض وأصحابه على مصطبة ؟ أو يصلي على مصطبة - وهم تحته على الأرض ؟ قال ابن القاسم إذا تقارب ذلك فلا بأس به .
قال محمد بن رشد : ظاهر هذه الرواية أنه ساوى بين أن يكون الإمام أرفع موضعاً ممن خلفه ، أو من خلفه أرفع موضعاً منه ، وذلك خلاف ما في المدونة ؛ وقد مضت هذه المسألة موعبة بتحصيل ما فيها من الاختلاف ، وتوجيهه في رسم الصلاة الثاني - من سماع أشهب .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بمن معه ركعة فأصابه نضح بول ، أو نجس قطر عليه ؛ هل يقطع ذلك صلاته وصلاة من خلفه ؟ أم لا يقطع صلاته ، إلا أن يكون شيئاً كثيراً ؟ قال ابن القاسم : إذا أصابه قطر من نجس ، فإنه يستخلف ، بمنزلة ما لو أحدث ، ولا يقطع ذلك صلاته ؛ وإن نزع ثوبه ذلك إن كان عليه غيره ، أجزأه وأحب إلي أن يستخلف بمنزلة ما لو أحدث .
قال محمد بن رشد : قوله إنه ستخلف ولا يقطع ذلك صلاتهن ليس بصحيح ، والصواب : لا يقطع ذلك صلاتهم ؛ وأما هو فتنتقض صلاته بمنزلة ما لو أحدث كما قال ، ولو لم يقطع ذلك صلاته لتمادى - ولم يستخلف ، وإنما يستخلف ولا يقطع صلاته الذي يمرض فيها مرضاً لا يقدر معه على القيام فيستخلف ، إذ لا تجوز إمامة الجالس ، ويتم هو وراء المستخلف - جالساً ؛

(2/130)


والذي قطر عليه نجس في الصلاة ، لا يخلو من ثلاثة أحوال ، أحدها : لا يكون عليه ولا معه ثوب سواه ، تجزئه ( به ) الصلاة ؛ والثاني : ألا يكون عليه ثوب سواهن ويكون معه ثوب سواه ؛ والثالث : أن يكون عليه ثوب سواه ، تجزئه الصلاة به ؛ فإذا لم يكن عليه ولا معه ثوب سواه ، فإنه يتمادى على صلاته ، ويعيد في الوقت إن وجد ثوباً غيره ، أو ماء يغسله به ؛ وإذا لم يكن عليه ثوب غيره - وكان معه ثوب غيره ، فإنه يخرج ويستخلف ، ( وإن كان وحده قطع ، وابتدأ صلاته بالثوب الطاهر الذي معه ؛ وأما إن كان عليه ثوب سواه ، تجزيه به الصلاة ، فالقياس أن يخرج ويستخلف ) ؛ وإن كان وحده قطع ، لأنه قد حصل حامل نجاسة . وقال في الرواية إن ذلك أحب إليه ، وإن نزعه أجزأه ؛ وإنما قال ذلك - والله أعلم - لحديث ابن مسعود في طرح عقبة بن أبي معيط على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو يصلي - سلا الجزور ، وغسل فاطمة - رضي الله عنها - ذلك عنه ، وتماديه على صلاته ؛ وقد روي أنه إنما طرح عليه الفرث بدمه ، وأياً ما كان ، فلا حجة فيه ؛ لأن ذلك ان في ألو الإسلام ، حيث كانت ذبائح المشركين حلالاً ؛ والسلا : وعاء الولد ، فهو كلحم الناقة المذكاة ؛ وكذلك الفرث طاهر ، لأن أرواث ما يؤكل لحمه طاهر ؛ ولعل الذي كا فيه من الدم يسير . وأما من علم أن في ثوبه نجاسة - وهو يصلي ، فإنه يقطع في المشهور في المذهب ؛ وقد قيل

(2/131)


إنه ينزعه ويتمادى على صلاته ، وقد مضى ذلك في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى ، فقف على ذلك .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام صلى بقوم فنام في صلاته ، فلم يستيقظ حتى احتلم في نومه ؛ هل يفسد ذلك صلاة من خلفه ؟ وكيف ينبغي له أن يصنع فيما أصابه في صلاتهم ؟ قال ابن القاسم : لا تفسد صلاتهم ، ويقدم رجلاً يصلي بهم بقية صلاتهم ، بمنزلة ما لو أحدث في صلاته ، ولا تفسد صلاة القوم .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الاحتلام حدث غلب عليه بالنوم ، فكان كالحدث الذي يغلبه سواء .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن مؤذن مسجد يؤذن فيه ويصلي بمن جاءه من بعداء الناس ، فأذن وأقام الصلاة ، ولم يأته أحد حتى صلى ركعة ، ثم جاء نفر فدخلوا معه في بقية الصلاة ، فأحدث قبل أن يركع الثانية ، فقدم رجلاً من النفر الذين سبقهم بركعة ، فصلى بهم بقية صلاة الإمام الذي قدمه ؛ كيف يصنع : أيشير إليهم أن امكثوا ويتنحى عن المحراب ،فيقوم فيقضي ركعته التي سبقه بها الإمام ، ثم يسلم كما كان يصنع الإمام لو لم يحدث ؟ أو يقوموا - إذا أقام فيقضوا - أفذاذاً - ولا يسلم ؟ وكيف الأمر إن كان سها الإمام سهواً قبل أن

(2/132)


يدخلوا عليه سهواً يكون سجوده قبل السلام ؟ قال : قال مالك يتم بقية صلاة الإمام ، ثم يشير إليهم أن امكثوا ، ثم يقوم - وهو في مكانه ذلك لا يتحول ، فيقضي تلك الركعة ، ثم يجلس في تشهد ويسلم ، ويقيموا فيقضوا تلك الركعة ؛ وإن دخلوا معه في الثانية فأحدث قبل أن يركع فقدم رجلاً منهم ، أجزأ عنهم أن يصلي بهم ، وعليه أن يقضي ما كان على الإمام من سهو قبل أن يدخلوا معه ؛ فإن كان سجوداً يكون قبل السلام ، فإذا قضى الركعة ، سجد بهم وسجدوا معه ؛ وإن كان بعد السلام ، فإذا قضى الركعة وسلم ، سجدهما ولا يسجد معه الآخرون حتى يقضوا الركعة ؛ فإذا قضوا الركعة سجدوهما .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة ، لأن الإمام إذا استخلف بعد أن صلى ركعة من فائتة تلك الركعة معه ، فإنما استخلفه على ما بقي من صلاته ، فإذا صلى بالقوم بقية صلاة الإمام الذي استخلفه ؛ قام فقضى الركعة التي فاتته من صلاة الإمام - وهم جلوس ، فإذا سلم ، قاموا فقضوا لأنفسهم ما فاتهم ؛ لأن من فاته شيء من صلاة الإمام ، لا يقضي إلا بعد سلامه ، وقد حصل المستخلف مكانه ، فلا يقضون إلا بعد سلامه أيضاً . وقوله وإن دخلوا معه في الثانية فأحدث قبل أن يركع ، فقدم رجلاً منهم أجزأ عنهم أن يصلي بهم ؛ ( تكرير في المسألة لا معنى له ، ولا فائدة فيه . وقوله ) : وعليه أن يقضي ما كان على الغمام من سهو قبل أن يدخلوا معه صحيح ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أدرك ركعة من الصلاة ، فقد أدرك الصلاة . لأن المعنى في ذلك ، أنه أدرك حكمها ، ووجب عليه ما وجب على الإمام فيها من

(2/133)


سهو أو إتمام - إن كان مسافراً والإمام مقيم ، أو قصر إن كانت جمعة . وأما قوله : فإن كان سجوداً يكون قبل السلام ، فإذا قضى الركعة سجد بهم ، فهو خلاف ما في سماع أصبغ بعد هذا أنه يسجد بهم - إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن يقوم لتمام ما بقي عليه ، ولكلا القولين وجه من النظر .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة فجاءه مقيم فصلى خلفه - وهو يعلم بسفره ، فصلى معه ركعة ، ثم جاء مقيم آخر فصلى الركعة الثانية ، فأحدث الإمام المسافر في التشهد ، فقدم أحد الرجلين الذي سبقه بركعة ؛ كيف يصنع في صلاته ؟ قال ابن القاسم : يتم هذا المستخلف بقية صلاة الإمام المسافر ، ثم يشير إليهم فيمكثوا ، ثم يقوم فيقضي الركعة التي سبقه بها الإمام المسافر ، والركعتين الآخرتين ؛ لأنه مقيم ، ثم يسلم المسافرون ويقوم المقيمون فيتمون .
قال محمد بن رشد : كذا وقع في أكثر الكتب ، وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى بمسافرين ركعة واحدة ؛ وفي بعض الكتب : وسئل ابن القاسم عن مسافر صلى وحده ، فجاءه مقيم ؛ وليس شيء من ذلك بصواب ، والصواب : وسئل عن مسافر صلى بمسافرين فجاءه مقيم ؛ وعلى هذا تستقيم المسألة . وقوله فيها ثم يقوم فيقضي الركعة التي سبقه بها الإمام المسافر ، والركعتين الآخرتين ؛ لأنه مقيم ، هو على قياس قوله في المسألة التي تقدمت قبل هذه ، ولم يبين صفة العمل في ذلك ؛ والذي يأتي على مذهبه : أن يبدأ بالبناء قبل القضاء ، لأن الركعة التي فاتته من صلاة الإمام الذي استخلفه قضاء ، والركعتين الآخرتين بناء ، فيقوم أولاً فيأتي بالثالثة فيقرأ فيها بالحمد وحدها ويجلس ، لأنها ثانية

(2/134)


بنائه ؛ ثم يأتي بالرابعة فيقرأ فيها أيضاً بالحمد وحدها ويقوم ، لأنها ثالثة بنائه - قاله ابن حبيب . وقال ابن المواز : بل يجلس فيها ، لأنه لا يقام إلى القضاء إلا من جلوس ، فتأتي صلاته على مذهبه - جلوساً كلها ، ثم يأتي بالركعة الأولى التي فاتته فيقضيها بالحمد وسورة - كما فاتته ، وعلى مذهب سحنون يبدأ بالقضاء قبل البناء ، فقف على ذلك وتدبره .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام مسجد أقام الصلاة وصلى ركعة مع رجل واحد ، ثم جاء رجل آخر فصلى به ركعة مع الأول ، ثم جاء ثالث فصلى به الثالثة ؛ ثم قام في الرابعة فدخل معه فيها رجل رابع ، فأحدث الإمام فيها فقدم الرابع - وهو آخرهم ؛ كيف يصنع ويصنعون في صلاتهم ؟ قال : قال مالك يتم هذا المستخلف بقية صلاة الإمام ، ثم يقوم فيقضي ما عليه - وهم قعود ، ثم يسلم ويسلم من أتم الصلاة ، ويقوم من فاته بعض الصلاة فيتم ما بقي عليه .
قال محمد بن رشد : قوله فيتم ما بقي عليه - يريد فيقضي ما بقي عليه ، وهي مسألة صحيحة بينة في المعنى على قياس ما تقدم في المسألتين اللتين قبلها ، فلا معنى لإعادة القول فيها .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام أحدث فقدم رجلاً قد دخل في الصلاة قبل حدث الإمام - وهو جاهل بما مضى للقوم وللإمام ، كيف يصنع المقدم ؟ أيمضي على صلاة نفسه ، ويصلي لنفسه حتى يسبح به القوم - إن خالف صلاتهم ، ويشيروا إليه بما بقي من صلاة

(2/135)


إمامهم ؟ أم يسعه أن يشير إليهم ويشروا إليه - إن لم يفهم بالتسبيح ؟ وله يسعه إن لم يفطن بالإشارة ويفهم بها أن يكلم ويكلموه ، ولا يقطع ذلك صلاته ؟
قال ابن القاسم : يشير إليهم حتى يفهم ما ذهب من الصلاة ، فإن لم يفهم بالإشارة ومضى حتى يسبح به فلا بأس ، وغن لم يجد بداً إلا أن يتكلم فلا بأس به .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح على المعلوم من مذهب ابن القاسم ، ورايته عن مالك في المدونة وغيرها : أن الكلام فيما تدعو إليه الضرورة من إصلاح الصلاة جائز ، لا يبطل الصلاة على حديث ذي اليدين ، خلاف ما ذهب إليه ابن كنانة ، وسحنون ، وجماعة من أهل العلم سواهما .
مسألة
وسئل عن رجل أحدث فقدم رجلاً أمياً لا يحسن القراءة ، كيف يصنع أيتأخر ويقدم غيره ؟ أم يمضي بالقوم في صلاة الذي استخلفه : يسبح ، ويهلل ، ويحمد الله ، ويكبر ؟ وكيف إن كان صلى بهم بغير قراءة حتى فرغ ، هل تكون عليهم إعادة الصلاة ؟ قال ابن القاسم يتأخر ويقدم غيره ممن يحسن القراءة ، فيصلي بهم ؛ وإن لم يفعل ولم يقدم غيره ، أعادوا الصلاة .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال : إنه إن كان في القوم من لا يحسن القرآن فلا يصلح له أن يصلي بهم ، ويلزمه أن يخرج ويقدم غيره ممن يحسن القراءة ؛ فإن لم يفعل وصلى بهم ، أعادوا أبداً ، وأعاد هو أيضاً ؛ لأنه كان

(2/136)


يقدر أن يصلي خلف من يحسن القرآن - وهو قول سحنون ، وابن المواز . وقال أشهب في مدونته : لا إعادة عليه هو ، قال ولا أحب له أن يصلي فذاً - وهو يجد من يأتم به ممن يحسن القرآن ؛ وعلى قول سحنون وابن المواز لا يجوز له أن يصلي فذاً وهو يجد من يأتم به ، فإن لم يفعل أعاد ؛ وأما إن لم يكن في القوم من يحسن القرآن فإنه يتمادى بهم وتجزئهم صلاتهم .
قال محمد بن سحنون : وفرضه أن يذكر الله في موضع القراءة . وقال أبو محمد عبد الوهاب : ليس يلزمه على طريق الوجوب تسبيح ، ولا تحميد ؛ ويستحب له أن يقف وقوفاً ما ، فإن لم يفعل وركع أجزأه . وقال محمد بن مسلمة يستحب له أن يقف قدر قراءة أم القرآن وسورة ، وقد قيل لا يلزمه الوقوف ؛ لأن الوقوف إنما هو للقراءة ، فإذا سقط عنه فرض القراءة ، لم يلزمه الوقوف لغير فائدة - يريد قائل هذا القول أنه لا يلزمه أن يقف قدر ما كان يلزمه من القراءة ، ولابد أن يلزمه من الوقوف في أول ركعة قدر ما يوقع فيه تكبيرة الإحرام ، وفيما سواها أقل ما يقع عليه اسم قيام - والله أعلم . ومن قال إنه يلزمه ذكر الله وتسبيحه ، وتهليله ، مكان القراءة ، ذهب إلى ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي لما أمره بإعادة الصلاة : إن كان معك قرآن فاقرأ ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله . وحجة من قال إن ذلك لا يلزمه ، أن هذه الزيادة لم يخرجها أصحاب الصحيح ، وقد سقط عنه فرض القراءة لعجزه عنها ، فلا يلزم بدلاً منها إلا بيقين ، ويلزمه ألا يفرط

(2/137)


في التعليم ، فإن فرط فيه لزمه أن يعيد من الصلوات ما صلى - فذا بعد القدر الذي كان يتعلم فيه ، وقد مضى في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب - تمام القول في هذه المسألة .
مسألة
قال ابن القاسم في إمام صلى برجل وامرأتين فأحدث الإمام ، فخرج ولم يقدم صاحبه ، ونوى صاحبه أن يؤم نفسه والمرأتين ، حتى صلى بقية الصلاة ؛ هل تكون صلاتهم مجزئة ولا تفسد عليهم ؟ قال ابن القاسم : نعم لا بأس به ، وتجزئهم صلاتهم - وإن لم يستخلفه إذا نوى أن يكون إمامهم .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما تقدم في هذا السماع من اشتراطه في صحة صلاتهم - أن ينوي أن يكون إمامهم ، وقد مضى القول في ذلك ، فلا معنى لإعادته - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الإمام إذا أحدث - راكعاً ، أو ساجداً ، أو قاعداً ، فتأخر ؛ كيف ينبغي له أن يتأخر وهو ساجد أو راكع ؟ وكيف يتقدم المستخلف ؟ قال ابن القاسم : إن كان قاعداً تقدم قاعداً ، وإن كان قائماً تقدم قائماً .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة لا إشكال فيها ، وقد مضت فيها في رسم باع شاة من سماع عيسى - زيادة بيان لها .

(2/138)


مسألة
وسئل ابن القاسم عمن أدرك ركعة من صلاة الإمام ، فلما سلم الإمام ، قام يصلي ما بقي من صلاته - وهو أمي لا يحسن ( أن ) يقرأ - كيف يقضي صلاته ؟ قال ابن القاسم : أحب إلي أن يصلي الذي لا يحسن القراءة في جماعة ، ولا يصلي وحده - إذا قدر ، ولا يدع أن يتعلم ما يقرأ به في صلاته ؛ فإنه صلى كما ذكرت ولا يحسن فأدرك ركعة ، قضى ما بقي كيف تهيأ له ، وليس في ذلك قدر معلوم .
قال محمد بن رشد : قد تقدم فوق هذا - الكلام على هذه المسألة ، فلا معنى لإعادته - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن قوم أدركوا من صلاة الإمام ركعتين ، فلما سلم قاموا فقدموا رجلاً منهم ، فأمهم في الركعتين الباقيتين من صلاتهم ؛ هل تجزئهم صلاتهم ؟ قال ابن القاسم : أحب إلي أن يعيدوا في الوقت وبعد الوقت ، . وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر صلى بمسافرين ومقيمين ، فلما سلم الإمام ، قدم المقيمون رجلين منهم إمامين ، كل إمام بطائفة منهم ، فأتما بهم الصلاة ؛ هل تجزئهم صلاتهم ، أم تفسد على الطائفتين جميعاً صلاتهم ؟ قال ابن القاسم : يعيدون في الوقت أحب إلي وبعد الوقت .
قال محمد بن رشد : في كتاب ابن المواز في المسألة الثانية : أنهم يعيدون في الوقت وبعده ، لخلاف سنة المسلمين ، ولخلافهم سنة عمر ، وقاله أصبغ ؛ وقد تقدمت هذه المسألة ، ووجه الاختلاف فيها في سماع سحنون ، وفي رسم

(2/139)


لم يدرك ، ورسم إن خرجت من سماع عيسى ، فلا معنى لإعادة ذلك - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يصلي وفي فيه الدرهم ، أو في أذنه درهم ، أو على رأسه خرقة ، مثل المنديل - وليست بعمامة ، أو يصلي في سراويل وليس عليه غيره ، أو يصلي في سراويل وعمامة يلقيها على كتفه ، أو سراويل وإزار يرتدي به - ولا يتوشح ، أو يصلي مشمر الكمين ، محتزماً بخيط أو حبل ، كما كان يعمل ؛ هل تجزئه صلاته ؟ أم يعيد ما كان في الوقت ؟ وما حد الوقت الذي يعيد فيه الصلاة ؟ قال ابن القاسم : إذا كان الدرهم في أذنه فلا بأس به ، وأما في فيه فإني أكرهه . قال : وقال مالك : وأما الخرقة والوقاية على رأسه ، فلا بأس بالصلاة بذلك - إذا كان طاهرا ما لم يتعمد أن يكفت به شعره من غبار أو غير ذلك ؛ وكذلك الذي يصلي مشمر الكمين لا بأس به إذا لم يتعمد بذلك حين يدخل في الصلاة ؛ وأما أن يكون الرجل في عمل مشمر الكمين بحضرة الصلاة ، فلا بأس به ؛ وكان مالك يكره

(2/140)


الصلاة في السراويل وحده ، إلا ألا يجد غيره ، ويقول إذا كان معه إزار توشح به ولم يرتد .
قال محمد بن رشد : هذه المسائل كلها بينة المعنى ، أما تخفيف ابن القاسم لصلاته بالدرهم يكون في أذنه ، فلأن ذلك مما لا يشغله فيها ؛ وأما كراهيته لكونه في فيه ، ظما في ذلك من اشتغاله به عند قراءته عما يلزم همن الإقبال على صلاته ؛ وأما تخفيف مالك لصلاته بالخرقة والوقاية يجعلها على رأسه ، فإنما معناه إذا احتاج إلى ذلك ليستدفئ به ، أو نحو ذلك ؛ إذ ليس ذلك من الهيئة المستعملة إلا في الخلوة دون الجماعة ، وشرط ألا يقصد أن يكفت بذلك شعره من غبار أو غيره ؛ لما جاء من النبي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أن يصلي الرجل - وشعره معقوص . وأجاز أن يصلي الرجل مشمر الكعبين - إذا حضرت الصلاة - وهو على تلك الحال ، لعمل كان فيه ، فيشمر من أجاله لما ( قد ) يشق عليه في بعض الأحايين من مفارقة شمرته ، وتحسين هيئته لصلاته ؛ وكره أن يصلي الرجل في السراويل وحده . إلا ألا يجد غيره ، لكونه مكشوف البطن والظهر ؛ وقد قال عز وجل : {خذوا زينتكم عند كل مسجد} . وقال عمر بن الخطاب : "جمع رجل عله ثيابه صلى في إزار ورداء في قميص ورداء" - الحديث . فحسن الهيئة في اللباس مشروع في الصلاة ، لأن المصلي يناجي ربه ، ويقف بين يدي خالقه ؛ فيجب عليه أن يتأهب لذلك ، ويتمل له بتحسين هيئته في لباسه ؛ فإن الله جميل يحب الجمال . وإذا كان الرجل يلتزم ذلك في المجتمعات ، وعند الكبراء من الناس ، فما بالك بالوقوف بين يدي الله رب الناس .

(2/141)


مسألة
وسئل ابن القاسم عن المرأة تصلي ورأسها مكشوفة ليس عليه خمار ولا مقنعة ، أو صلت في درع رقيق يصف جسدها ؛ هل تعيد الصلاة متى ما ذكرت ؟ أو صلت في ثوب واحد وهو صفيق ؟ أو صلت وعليا ثوب وخمار رقيق يبين قرطبها ، وعنقها ، ونحرها ، وبعض رأسها ؟ أو صلت في ملحفة متوشحة بها ، قد غطت رأسها واستترت بها ، هل يجزئها ؟ أم تعيد في الوقت ؟ وما حد الوقت الذي تعيد فيه ؟ قال ابن القاسم : إذا صلت وليس عليها خمار ، أو صلت وعليها ثوب رقيق يصف ، أو نحو ذلك مما تعاد فيه الصلاة ، فإنها تعيد ما كانت في الوقت ؛ والوقت للظهر والعصر إلى اصفرار

(2/142)


الشمس ، وكذلك قال مالك ؛ وأما التي تصلي في ثوب واحد ملتحفة به ، فإن كانت تستتر به - كما لو كان عليها درع وخمار ، ويستر كل شيء منها بلا اشتغال منها بشيء من ذلك تمسكه بيديها ، فلا بأس به ؛ فأما إن كانت تمسكه بيديها ، فلا خير فيه .
قال محمد بن رشد : ساوى بين أن تصلي المرأة بغير خمار ، أو تصلي - وعليها خمار رقيق يصف - فيما تؤمر به من الإعادة ، لقوله - عليه الصلاة والسلام : "نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" -الحديث . لأتهن إذا لبس ما يصفهن ولا يسترهن ، فهن كاسيات في الفعل والاسم ، عاريات في الحكم والمعنى ؛ وقال : إنها تعيد إلى اصفرار الشمس ، لكونه الإعادة عليها مستحبة غير واجبة ؛ فأشبهت عنده النافلة ، ولذلك لم ير أن يصلي في وقت لا يصلي فيه نافلة ، وقد قيل إنها تعيد إلى الغروب . وهذه إحدى المسائل الأربعة التي اختلفت فيها : فقيل إنها تعيد إلى الغروب ، وقيل إلى الاصفرار ، والثانية المصلي بنجاسة ولا يعلم ، والثالثة المصلي إلى غير القبلة ، والرابعة ذاكر صلوات كثيرة قبل أن يصلي الظهر والعصر ، فإنه يبدأ بالظهر والعصر ، إلا أن يكون إن بدأ بالفوائت التي ذكر ، يدرك الظهر والعصر قبل اصفرار الشمس ؛ ويل في هذه قبل ذهاب الوقت المستحب - قاله ابن حبيب ، وقد مضى ذلك في سماع سحنون .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المريض الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير - وهو يعرف الصلاة ، أيجزئه أن ينوي التكبير ويومئ في الركوع والسجود بغير قراءة - وتجزئه صلاته ؟ قال ابن القاسم : يحرك لسانه بالتكبير والقراءة على قدر ما يطيق ، وتجزئه الصلاة ولا يجزئه أن ينوي التكبير والقراءة إذا لم يحرك بذلك لسانه .
قال محمد بن رشد : معنى هذه المسألة في الذي لا يستطيع القراءة ولا التكبير من أجل مرضه بإسماع نفسه في موضع السر ، ورفع صوته في موضع الجهر - ألا يجهر ، ومشقة تلحقه في ذلك ؛ وأما لو كان لا يستطيع أن يحرك لسانه بالتكبير والقراءة ، لأجزأته صلاته دون أن يحرك لسانه بشيء من ذلك ؛ لأن عدم القدرة على الفروض ، مسقط لوجوبها بإجماع ؛ قال الله تعالى :

(2/143)


{لا تكلف نفس إلا وسعها} ، وقد مضت في سماع سحنون - مسألة من هذا المعنى .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الذي ينزل الماء في عينيه ويؤمر أن يستلقي على ظهره أياماً ، أيصلي مستلقياً على ظهره ، أن يقعد ويومئ برأسه ؟ قال ابن القاسم : لا يفعل ولا يقدحهما ؛ فإن فعل وجهل ، قام فصلى - وإن ذهبت عيناه ، كذلك قال مالك . قال موسى بن معاوية الصمادحي : حدثني هشيم بن خالد عن الربيع ، عن رجل ، عن جابر بن زيد ، أنه قال : لا بأس أن يقدح الرجل عينيه ، ويصلي على قفاه ويومئ إيماء .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة في أول السماع والكلام عليها - موعباً فلا معنى لرده .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن نفر من المرضى مجتمعين في بيت ، أيجمعون الصلاة في مرضهم ، ويؤمهم رجل منهم ؟ وهل يجوز لهم

(2/144)


ذلك ولا يستطيعون القيام ويجمعون ( قعوداً ) أو كيف بهم إن كانوا قعوداً - وإمامهم مضطجع لا يقوي على القعود ؟ وكيف إن كانوا مضطجعين كلهم ، أيجمعون الصلاة ؟ قال ابن القاسم : إذا كانوا قعوداً لا يستطيعون القيام ، فلا بأس أن يؤمهم رجل منهم - وهو قاعد بين أيديهم في القبلة ، فأما إذا لم يستطيعوا القعود - وكان إمامهم لا يستطيع الجلوس - فلا أعرف هذا ولا إمامة فيه .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف أعرفه في جواز إمامة المريض الذي لا يستطيع القيام - جالساً - بالمرضى الذين لا يستطيعون القيام - جلوساً ، وما وقع في رسم استأذن من سماع عيسى لابن القاسم من رواية سحنون عنه - متصلاً برواية موسى هذه ، من أنه لا يجوز لأحد أن يؤم قاعداً بعد ما كان من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إنما معناه في إمامة المريض الجالس الأصحاء - قياماً ، فليس بخلاف لراوي موسى ، وقد تقدم ذلك هناك ؛ وأما إمامة المضطجع المريض بالمضطجين المرضى ، فمنع من ذلك في الرواية ، والقياس أن ذلك جائز - إذا اشتدت حالهم ؛ إلا أن يريد أنهم لا يمكنهم الاقتداء به ، لأنهم لا يفهمون فعله ، لأجل اضطجاعه ؛ فيكون لذلك وجه ، فإن فعل ، أجزأته صلاته ، وأعاد القوم - قاله يحيى بن عمر ، وهو مبين لقول ابن القاسم - والله أعلم .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المحموم الذي به الحمى والنافض ، يأخذه ذلك غباً ، فيدخل عليه الحين الذي قد عرف أنها تأخذه فيه ، فيريد أن يصلي صلاة ذلك الحين قبل أن تأخذه الحمى

(2/145)


أو النافض ، فتشغله عن الصلاة . قال ابن القاسم : لا يقدم الصلاة قبل وقتها ، فإن دخل الوقت وزالت الشمس ، فلا بأس أن يجمع الظهر والعصر - وهو قول مالك ؛ قال : وإن دخل وقت الصلاة والحمى عليه ، فأراد أن يؤخرها حتى تنقلع عنه ؛ قال : إن طمع أن تنقلع عنه - وهو في الوقت - أخرها ، وإلا صلاها ولم يؤخرها ، وصلاها كيف استطاع .
قال محمد بن رشد : قوله : إن دخل عليه وقت الصلاة والحمى عليه ، فأراد أن يؤخرها حتى تنقلع عنه ، أن ذلك له إن طمع أن تنقلع عنه - وهو في الوقت ؛ قيل يريد الوقت المستحب : المقامة للظهر ، والقامتين للعصر ، ومغيب الشفق للمغرب ، وانتصاف الليل للعشاء الآخر . وقيل يريد أنه يؤخر الظهر والعصر إلى آخر وقت العصر المستحب - وهو القامتان ، ويؤخر المغرب والعشاء إلى آخر وقت العشاء المستحب - وهو نصف الليل - وهو الأظهر ؛ وقد وقع في رسم صلى نهاراً ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم ، ما ظاهره أن له أن يؤخر المغرب والعشاء من أجل مرضه ، فيصليهما جميعاً فيما بينه وين طلوع الفجر - وهو بعيد ؛ إلا أن يكون معناه في الوعك الشديد الذي يشبه المغلوب على عقله ، فلا يقدر معه على الصلاة ؛ وقد ذكرنا ذلك هناك ، فهذا ما يحتاج إلى بيانه من هذه المسألة ، وسائرها صحيح لا إشكال فيه ولا اختلاف .
مسألة
قال موسى بن معاوية : حدثنا محمد بن عبد الحكم ،عن حيوة بن شريح ، عن السكن بن أبي كريمة ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من

(2/146)


خرج يوم الجمعة من دار مقامه ، دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره ، ولا تقضي حوائجه . وحدثني عبد الله بن رجاء المكي ، عن صدفة بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : السفر يوم الجمعة بعد الصلاة .
قال محمد بن رشد : ما روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - من دعاء الملائكة على من خرج من دار مقامه يوم الجمعة ، ليس على ظاهره ، إذ لا يجب ترك السفر يوم الجمعة ، إلا في الوقت الذي أمر الله بالسعي فيه إليها - حيث يقول : "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" ، لأنه أباح في الآية البيع إلى وقت وجوب السعي ، والسفر من أسباب البيع ؛ وقد روى ابن وهب وابن نافع ، وابن أبي أويس ( عن مالك ) أنه قال : لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم تحضر الجمعة ويفئ الفيء . قال في رواية ابن أبي أويس : وأحب إلي لمن طلع عليه الفجر يوم الجمعة في أهله ، ألا يبرح حتى يصلي الجمعة ، ومثله في رسم المحرم من سماع ابن القاسم ؛ فيحتمل أن يكون معنى الحديث من خرج يوم الجمعة من دار مقامه بعد حضور الجمعة ، أو قبل ذلك - رغبة عن شهودها ؛ ومعنى قول سعيد بن المسيب السفر يوم الجمعة بعد الصلاة ، أي هو الذي يستحب له يؤمر به ، ومعناه في السفر المباح غير المندوب إليه ؛ روي عن ابن عباس قال : بعث النبي - عليه السلام - عبد الله بن رواحة في سرية ، فوافق ذلك يوم الجمعة ، فغدا أصحابه ؛ فقال : أتخلف فأصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ألحقهم ،

(2/147)


فلما صلى مع النبي - عليه السلام - قال له : ما منعك أن تغدو مع أصحابك ؟ فقال : أدرت أن أصلي معك ثم ألحقهم ، فقال : لو أنفقت ما في الأرض ، ما أدركت فضل غدوتهم .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن المرأة تصلي الفريضة - ومعها ولدها - تمسكه في الركوع والسجود ، ولا تضعه في الأرض - حتى تفرغ ، هل تعيد تلك الصلاة ؟ فقال ابن القاسم : ما أحب لها أن تفعل ، فإن فعلت ولم يشغلها عن الصلاة - فلا إعادة عليها .
قال محمد بن رشد : قوله : ما أحب لها أن تفعل ذلك ، معناه على حب ولديها من غير ضرورة - إلى ذلك وأما إذا اضطرت إلى ذلك ولم تجد من يكفيها ، وأمكن ألا يشغلها عن صلاتها مع ألا تضعه بالأرض في ركوعها وسجودها ؛ فذلك لها جائز أن تفعله - على ظاهر ما قاله مالك في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب ، لما جاء في ذلك من الأحاديث ، وقد مضى هناك القول فيه ، فقف عليه وتدبره .
مسألة
وسئل عن الذي يصلي ومعه الكيس الكبير الذي لا يقدر على أن يصره في كمه ، ولا يستطيع أن يصلي به حتى يجعله تحت إبطه

(2/148)


( من ثقله ) - وهو يخاف عليه إن وضعه في الأرض أن يخطف ؛ هل يصلي به - وهو لا يستطيع أن يضع يده على ركبته ، ولا يضع يده في الأرض ، هل تجزئه صلاته ؟ قال ابن القاسم : إذا اضطر إلى ذلك ، وخاف عليه فلا إعادة عليه ؛ وأما إذا لم يخفف عليه وصنع ذلك حتى لا يستطيع أن يضع يده على ركبته ، فأرى أن يعيد ؛ لأن مالكاً قال في الذي يصلي وعنان فرسه في يده ، لا يضع يده على ركبته - إذا خاف على دابته ، فلا إعادة عليه .
قال محمد بن رشد : ( وقع ) قول مالك هذا الذي احتج به في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم ، وهو أصح في المعنى ؛ مما في رسم اغتسل منه ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : السجود على سبعة آراب ، لأن ذلك إن لم يقتض إيجاب السجود على السبعة الآراب ، فهو يقتضي أن ذلك من سنة السجود ، والسنة لا يرخص في تركها إلا من ضرورة - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر بمسافرين ومقيمين ثم سلم ، فقدم المقيمون رجلاً منهم ، فأتم بهم الركعتين - ولم يصلوا

(2/149)


فرادى ؛ هل يفسد ( ذلك ) صلاتهم ؟ قال ابن القاسم : يعيدون في الوقت ، وبعد الوقت أحب إلي .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة فيما مضى من هذا السماع ، ونبهنا على ما مضى فيها من الكلام في مواضعه - والحمد لله .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة فيما مضى من هذا السماع ، ونبهنا على ما مضى فيها من الكلام في مواضعه - والحمد لله .
من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم
( مسألة )
قال محمد بن خالد : سألت عبد الرحمان بن القاسم عن الذي يصلي في بيته العصر ، ثم يأتي إلى المسجد فيجد القوم لم يصلوا ؛ هل يتنفل ؟ قال إن أحب أن ينتظر الصلاة فلا يتنفل ، وإن أحب أن ينصرف فلينصرف ولا ينتظر الصلاة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وهذا في النوافل عند مالك ؛ وإنما يعيد العصر في جماعة بعد أن صلاها - وحده بنية الفريضة ، ولا يدري أيتهما صلاته ؟ ومن

(2/150)


جعل الأولى صلاته ، والثانية نافلة لا يجيز له إعادة العصر ، ولا الصبح في جماعة ، إذ لا نافلة بعدهما .
من سماع عبد الملك بن الحسن وسؤاله ابن القاسم وأشهب
مسألة
قال عبد الملك بن الحسن : سئل ابن القاسم - وأنا أسمع - عن الرجل يصلي فيمر بين يديه حية ، أو عقرب ، هل يقتلهما ؟ قال : قال مالك لا يقتلهما إلا أن يريداه .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة في صدر سماع موسى ، والكلام عليه ، فلا معنى لإعادته .
مسألة
( قال ) وسألته عن إمام صلى بالناس العصر ، فلم اسلم ذكر أنه لم يكن صلى الظهر ؛ قال يجزئ عن القوم صلاتهم ، ويعيد الإمام الظهر ثم العصر ؛ وإن ذكر ذلك ، وقد صلى ركعة أو ركعتين ، قد رجلاً غيره .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة في رسم إن خرجت ، والكلام عليها ، فلا معنى لإعادته .

(2/151)


مسألة
قال وسألت عبد الوهاب بن وهب عن الرجل يسجد في آخر الأعراف ثم يبتدئ قراءة "يسألونك عن الأنفال" ؛ هل يقرأ بسم الله الرحمان الرحيم أولاً ؟ قال نعم ، يقرؤها ولا يتركها فيها ولا في غيرها من السور ، وهو قول مالك ؛ وذلك في النوافل ، وقيام رمضان ، وما أشبهه ؛ قال أشهب لا أرى ذلك عليه .
قال محمد بن رشد : قول ابن وهب وروايته عن مالك في قراءة بسم الله الرحمان الرحيم في النوافل ، هو مثل ما في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم ، وقد مضى هناك تحصيل القول في هذه المسألة ، فلا معنى لإعادته ؛ وقول أشهب هنا : لا أرى ذلك عليه ، يقتضي التخيير في ذلك ، فهو مثل ما في المدونة .
مسألة
قال وسألت أشهب عن الرجل أيصلي بالثوب الحرير ؟ قال لا ، قلت له : فإن صلى به ؟ قال إن كان عليه ثوب يواريه غيره ، فلا إعادة عليه .
قال محمد بن رشد : قوله : فلا إعادة عليه يريد لا في الوقت ولا في غيره ، ولو لم يكن عليه ثوب غيره ، لأعاد على مذهبه في الوقت وغيره . وإلى هذا ذهب ابن حبيب ، قال : لأنه شبيه بالعريان حين لم يكن عليه في صلاته إلا ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عيسى بن دينار .

(2/152)


وقال سحنوك : لو صلى بثوب حرير ، وعليه أربعون قطيعة ، لأعاد في الوقت ، وهو مذهب ابن القاسم ؛ وفي كتاب ابن الصابوني : مثله لأشهب ، ويأتي بعد هذا في هذا السماع - لابن وهب ، وابن الماجشون ؛ أنه لا إعادة عليه في وقت ولا غيره ، وسواء على مذهبهم كلهم فعل ذلك متعمداً وله ثوب غيره ، ( أو لم يكن له ثوب غيره ) ؛ فجعل ابن القاسم تجنب لباس الحرير للرجال في الصلاة من سنن الصلاة ، كتجنب النجاسة فيها ، لنهي النبي - عليه السلام - عنهما جميعاً ، لأن الصلاة عنده بالثوب الحرير ، أخف من الصلاة بالثوب النجس - على قوله وروايته عن مالك في المدونة في الذي له ثوب حرير ، وثوب نجس ، أنه يصلي بالحرير ، ويعيد في الوقت ؛ خلافاً لأصبغ في قوله : إنه يصلي بالنجس ، ويعيد في الوقت ، فإن صلى بالحرير لم يعد ؛ ولم ير ابن وهب ، وابن الماجشون ، تجنب لباس الحرير مما يختص بالصلاة ، فيكون من سننها أو من فرائضها ، فلذلك قالا : إنه لا إعادة على من صل بثوب حرير ، لا في الوقت ولا في غيره ؛ وقد قيل في الذي لا يكون له إلا ثوب حرير ، إنه يصلي عرياناً ولا يصلي بالثوب الحرير ؛ روى ذلك أصبغ عن ابن القاسم ، وذهب إليه أحمد ابن خالد .
مسألة
وسئل ابن وهب عن شارب الخمر ، هل تجوز الصلاة خلفه ؟ فقال لا ، فإن صلاها رجل خلفه ، أعاده في الوقت وبعد الوقت ؛

(2/153)


قيل له فالذي يعصر الخمر ، أيصلي الرجل خلفه ؟ قال لا يصلي خلفه ، فإن فعل فلا إعادة عليه .
قال محمد بن رشد : إنما أوجب الإعادة في الوقت وبعده على من صلى خلف شارب الخمر ، لا ، شارب الخمر فاسق لا تقبل شهادته ، والفاسق الذي لا تقبل شهادته لا يؤتمن على ما جيب تقليده فيه من إحضار النية والطهارة ، والتوقي من النجاسة ، وشبه ذلك ؛ مما هو موكول إلى أمانته ، ولا أمانة له ؛ وقد قيل فيمن ائتم بفاسق إن صلاته جائزة ، ويعيد في الوقت استحباباً . وقال أبو بكر الأبهري : إن كان فاسقاً بتأويل ، أعاد من صلى خلفه في الوقت ، وإن كان فاسقاً بإجماع ، كمن ترك الطهارة عمداً ، أو زنى ، أو سرق ، أو شرب خمراً ، أعاد من صلى خلفه أبداً . وقال بعض المتأخرين : إن كان فسقه فيما لا تعلق به بالصلاة - كالزنى ، والقتل ، والغصب ، أعاد في الوقت ؛ وإن كان فيما له تعلق بالصلاة ، كالطهارة ، أو يخل بشيء من فرائض الصلاة مثل أن يفعله - وهو سكران - فيعيد أبداً في الوقت وبعده ؛ وجعل عصر الخمر من الذنوب التي لا يخرج بها إلى الفسق ، ولا تسقط أمانته ، وعلى هذا تجوز شهادته ، وه ظاهر ما في كتاب الرجم من المدونة ، إلا أنه يعيد ، إلا أن يعذر في ذلك بجهل .
مسألة
قال عبد الله بن وهب : لا بأس إذا اغتسل الرجل يوم الجمعة بعد الفجر - إذا نوى غسل الجمعة - أن يروح به ، قال والفضل أن يكون غسله متصلاً بالرواح
قال محمد بن رشد : هذا خلاف المشهور في المذهب من أن غسل

(2/154)


الجمعة لا يكون إلا متصلاً بالرواح ، لقول النبي - عليه الصلاة والسلام : "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" . - فشرط الغسل بالإتيان إلى الجمعة . ومن طريق المعنى أن الغسل إنما شرع في الجمعة للتنظيف لها ، وإزالة التفل والرائحة التي تكون من العرق ، فيتأذى بذلك الناس ؛ فإذا اغتسل أول النهار ذهب المعنى الذي كان لأجله الغسل ، لا سيما في شدة الحر ، وقد روى أبو قرة عن مالك أن غسل الجمعة يجزئ في الفجر وهو شذوذ في المذهب .
مسألة
قال ابن وهب لا بأس أن يشير الرجل في الصلاة ببلى ، ونعم .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة ، والأصل في جاز ذلك ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى قباء فسمعت به الأنصار ؛ فجاءوا يسلمون عليه - وهو يصلي ، فرد عليهم إشارة بيده . فكأن مالكاً لا يرى بأساً أن يرد الرجل إلى الرجل جواباً بالإشارة في الصلاة ، وأن يرد إشارة على من سلم عليه ولم يكن يكره شيئاً من ذلك ؛ وقد روى عنه زياد أنه كره أن يسلم على المصلي ، وأن يرد المصلي على من سلم عليه - إشارة بيد ، أو برأس ، أو بشيء ، والحجة لهذه الرواية ما روي في ابن مسعود سلم على النبي - عليه الصلاة والسالم - وهو يصلي ، فلم يرد عليه . والأظهر من

(2/155)


القولين عند تعارض الأثر من وجوب رد السلام ؟ إشارة لقوله عز وجل : {وإذا حييتم بتحية فحيوابأحسن منها أو ردوها} . وأما إشارة الرجل إلى الرجل في الصلاة ببعض حوائجه فالأولى والأحسن أن يقبل على صلاته ولا يشتغل بشيء من ذلك ، إلا أن يكون تركه لذلك سبباً لتمادي اشتغال باله في صلاته ، فيكون فعله لذلك أولى .
مسألة
قال وسألته عن تفسير قولهن عليه الصلاة والسلام : إذا دبغ الإهاب فقد طهر . قال بلغني أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : ذكاة كل أديم دباغه . فلا بأس أن يصلي الرجل بجلود الميتة إذا دبغت ، ولا بأس أن يصلي عليها ويبيعها .
قال محمد بن رشد : مذهب ابن القاسم أنه إنما يطهر للانتفاع به ، دون الصلاة عليه وبيعه ، وقد مضى القول في هذه المسألة مجوداً في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الوضوء ، فمن أحب الوقوف عليه ، تأمله هناك .
مسألة
قال وسألته عن المؤذن هل هو في سعة من أذانه في أن يؤذن في أي حين شاء من نصف الليل - إلى آخره ؟ قال لا يؤذن المؤذن إلا سحراً . قلت وما السحر عندك ؟ قال السدس الآخر .

(2/156)


قال محمد بن رشد : الأصل في جواز الأذان لصلاة الصبح قبل دخول وقتها عند مالك ، وجميع أصحابه ، بخلاف سائر الصلوات ؛ قوله – عليه الصلاة والسلام – إن بلالاً ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم . فقيل إن الأذان لها جائز من الليل إذا خرجت وقت العشاء ، وهو شطر الليل – على ظاهر الحديث : ( قوله إن بلالاً ينادي بليل ) . ووجه اختيار في الرواية ألا يكون الأذان لها إلا في السحر قرب الفجر ، ما جاء في بعض الآثار عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت ولم يكن بينهما إلا مقدار ما ينزل هذا ويصعد هذا .
مسألة
وسئل وأنا أسمع عن رجل صلى في بيته الظهر يوم الجمعة لعلة كانت به ، ثم أتى المسجد فوجد الناس في صلاتهم ، أو وجد الإمام يختطب ، أو وجد الناس قد فرغوا من صلاتهم ، فقال : إذا صلى في بيته الظهر يوم الجمعة ، والإمام يختطب ، فإنه يصلي الجمعة ، فإن أتى المسجد وقد فرغ الإمام من الصلاة ؛ اجتزأ بالصلاة التي صلى في بينه ، إلا أن يعلم أن صلاته كانت قبل الزوال ؛ وإن انتقض وضوؤه - وهو مع الإمام في صلاته – خرج فتوضأ وصلى ظهراً أربعاً .
قال محمد بن رشد : سأله عمن صلى الظهر يوم الجمعة في بيته لعلة كانت به ، يريد من مرض ، أو شبه ذلك مما يمنعه من شهود الجمعة ، ثم ذهبت

(2/157)


العلة فأتى المسجد ، فأجابه عمن صلى في بيته الظهر يوم الجمعة ولم يذكر العلة ، ثم أتى المسجد ؛ فدل ذلك على استواء المسألتين عنده ، وأن العلة إن ذهبت في المسألة الأولى ؛ فأتى المسجد ، فأدرك من صلاة الجمعة ركعة أو أكثر أو ذهب في وقت لو أتى المسجد لأدرك من الصلاة ركعة أو أكثر ، بطلت صلاته التي صلى في بيته ، ووجب عليه أن يعيد صلاته ظهراً أربعاً ؛ وأن يصلي مع الإمام - أن جاء ، فإن لم يفعل ، أو انتقض وضوؤه فيها ، وجب عليه أن يعيد صلاته ظهراً أربعاً ، وأن صلاته وإن وقعت في المسألة الثانية ، وقد صلاها على ألا يأتي الجمعة ، أو وهو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو أتى الجمعة لأدركها ، أو ركعة منها ؛ فهي باطل ، وعليه إعادتها إن لم يأت الجمعة ، وأن يصليها مع الإمام إن أتى ؛ فإن لم يفعل أو انتقض وضوؤه فيها ، أعاد الظهر أربعاً . وقد روى ابن وهب عن مالك فيم نظن أن الصلاة يوم الجمعة قد صليت ، فصلاها في بيته ظهارً أربعاً ثم مر بالمسجد فوجد الناس لم يصلوا ، فجهل فمضى لحاجته ولم يصل معهم ؛ أرجو أن تجزئ عنه صلاته .
فعلى هذه الرواية لا تبطل صلاته التي صلى في بيته في المسألتين جميعاً - أتى إلى المسجد أو لم يأت ، وإنما يؤمر أن يصلي مع الإمام إن أتى المسجد - استحباباً ؛ - لأنه إذا قال إن صلاته التي صلى في بيته ، وهو يظن أن الجمعة قد صليت في وقت لو أتى إلى الجمعة لأدركها أو ركعة منها لا تبطل ، فأحرى ألا تبطل إذا صلاها في بيته لعلة كانت به من مرض أو شبهه ؛ وقد مضت هذه المسألة ، وتحصيل الاختلاف فيها في رسم لم يدرك من سماع عيسى ؛ وأما إذا صلى في بيته قبل صلاة الإمام في قوت لو مضى إلى الجمعة لم يدركها ولا ركعة منها ، فلا تبطل صلاته باتفاق ، بمنزلة إذا صلاها بعد صلاة الإمام ؛ كما أن المحصر بعدو إذا انكشف عنه الوقت في وقت لا يدرك فيه الحج - وإن كانت أيام الحج لم تنقض ، فهو محصور كما لو كانت أيام الحج قد انقضت ، على ما في كتاب الحج الثاني من المدونة ، وهذا كله بين .

(2/158)


مسألة
وسئل - وأنا أسمع - عن القوم في المركب فيصلون جلوساً - وهم يقدرون على الصلاة قياماً ، قال يعيدون في الوقت وبعد الوقت . وإن لم يقدروا أن يصلوا قياماً ، فلا بأس أن يؤمهم إمامهم وهم جلوس .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح لا إشكال فيه ، لأن القيام فرض في الصلاة ، قال الله عز وجل : {وقوموا لله قنتين} . فمن تركه مع القدرة عليه . فلا صلاة له .
مسألة
وسئل عمن نسي صلاة فذكرها بعد شهر فصلاها ، ثم تبين له بعدما صلى أن في ثوبه نجاسة ، فقال ابن وهب يعيدها .
قال محمد بن رشد : قول ابن وهب هذا صحيح على أصله في أن رفع النجاسة من الثياب والأبدان من فروض الصلاة ، خلاف مذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك ، لأن الصلاة الفائتة بتمامها يخرج وقتها .
مسألة
وسئل عن الذي يصلي بثوب حرير - متعمداً لذلك - وهو يجد غيره ، أنه لا إعادة عليه في وقت ولا غيره ، وقال ابن الماجشون .
قال محمد بن رشد : قد تقدم في هذا السماع - القول في هذه المسألة ، فلا معنى لإعادته .

(2/159)


مسألة
قال : وسألته عن مسجدنا - وهو المسجد الذي تصلى فيه الجمعة - إذا كان شهر رمضان ، أمر الوالي أن يصنع طعاماً في ناحية منه للمساكين والأيتام يفطرون عليه ، والنار التي توقد فيه هي في ناحية منه ، إلا أنه في داخل المسجد ؛ أترى للإمام أن ينهي عن مثل هذا ، ويأمر بإخراجه من المسجد ؟ قال سبحان الله! وهل يكون هذا في المساجد ؟ فقلت نعم ، هذا عندنا ظاهر ؛ فتعاظم ذلك ، وقال لا ينبغي أن يوقد في مساجد يصلي فيها نار ، وأرى أن ينهي عن ذلك أشد النهي ؛ قلت له فماء يكون عندنا طاهراً في المسجد ، فإذا كان أيام الطين والمطر ، غسل الناس فيه أرجلهم ، إلا أن يتوضأ فيه ؛ أترى أن يمنع مثل هذا ؟ فقال نعم أشد المنع ، ولا يكون مثل هذا في المساجد .
قال محمد بن رشد : قد مضى من القول في هذا المعنى ، ما فيه كفاية في أول رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم .
مسألة
قلت له : فالجنائز هل ينادى بها في المسجد ؟ قال لا ينادى بها في المساجد ، ولا ينادى بها إلا على أبواب المساجد .
قال محمد بن رشد : كره في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الجنائز ، أن ينادى بالجنائز على أبواب المساجد ، وأن يصاح خلفه : استغفروا له يغفر الله لكم ؛ والوجه في ذلك أنه رآه من ناحية النعي المنهي عنه .

(2/160)


مسألة
قال ابن وهب لا يؤم الأقطع وإن حسنت حاله ، ولا الأشل إذا كان لا يقدر على أن يضعه يده على الأرض .
قال محمد بن رشد : قد روى ابن نافع عن مالك ، أنه لا بأس بإمامة الخصي والأقطع وكل ذي عيب في جسده في الجمعة والأعياد وغيرها - إذا كانوا لذلك أهلاً ، وإنما العيوب في الأديان لا في الأبدان ؛ وإلى هذا ذهب ابن الماجشون في الواضحة ، ووجه قول ابن وهب ، أن الأقطع والأشل يعجز كل واحد منهما عما يحاوله من الطهارة والتنظف من النجاسة ، عن أن يكون في ذلك بمنزلة الصحيح ، والصلاة أولى ما احتيط لها ؛ مع أن الأقطع إن تاب وحسنت حاله ، وكان القطع كفارة له يؤذي بذلك أيضاً ، كذلك الزاني ، فتكره إمامته أيضاً من هذا الوجه الآخر ؛ ووجه آخر أيضاً يختص بالأشل - وهو الذي يأتي على تعليل ابن وهب فيه - إذا كان لا يقدر أن يضع يده بالأرض ، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال السجود على سبعة آراب . وقال عبد الله بن عمر اليدان يسجدان كما يسجد الوجه ، فإذا لم يقدر الرجل أن يضع يده بالأرض لشلل بها ، وجب ألا تجوز إمامته ؛ كما إذا لم يقدر أن يضع جبهته بالأرض لضرر بها . واعتل ابن الفخار للمنع من جواز إمامة الأقطع والأشل ، بأنهما ناقصاً الفضيلة ، وأن ذلك يسري إلى المأمومين ويتعدى إليهم ، لارتباط صلاتهم بصلاته .
مسألة
وسئل عن الإمام يكون ممن يسلم اثنتين ، فقام رجل بعد أن يسلم واحدة ، فقال لا إعادة عليه وبئس ما صنع .

(2/161)


قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن السلام الأول هو الفرض الذي يتحلل به من الصلاة ، والثاني سنة ؛ فإذا قام الرجل بعد سلامه الأول ، فصلاته تامة ؛ وقد مضى نحو هذا في رسم شك في طوافه ، ورسم نذر سنة من سماع ابن القاسم .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
من كتاب الجامع
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم - وسئل عن الرجل يشتري العلج والعلجة مع العجم - فيريد إمساكهما ، هل يجب عله خفض العلجة ، وختان العلج ، وتعليمهما القرآن ، وعدد الصلوات ؛ قال : على الرجل أن يختن من عبيده ، ويخفض من إمائه ما يجمع على إمساكه ؛ وأن يعلمهم من القرآن السورتين والثلاث ، فمن كان منهم أعجمياً لا يفسح أمر من يعلمه وقوت الصلوات وعدد الركعات ، ويوقفه على الركوع والسجود ، وعلى التوحيد والإحرام بالصلاة والتسليم منها ، والوضوء ؟ قال أصبغ وعليه

(2/162)


أن يدخله في الإسلام إذا ملكه ، إذا كان من غير أهل الكتاب ، من المجوس ، والزنج ، والسودان ، والصقالبة ، والبربر ، وما أشبههم .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إن على الرجل أن يختن من عبيده ، ويخفض من إمائه ما يجمع على إمساكه ، لأنهم حوله وملك يمينه ؛ فيلزمه من ختان ذكورهم ، ما يلزمه من ختان ذكور ولده ؛ لأن الختان طهور الإسلام وشعاره ، فهو سنة واجبة ، ويستحب له من خفاض إناثهم ما يستحب له من خفاض إناث ولده ؛ لأن الخفاض في النساء مكرمة ، وليس بسنة واجبة ، روت أم عطية أن امرأة كانت تختن ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشمي ولا تنهكي ، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند البعل . وعليه - ( كما قال ) - أن يعلمهم الوضوء ، والصلاة ، ويوقفهم على حدودها ، ويعلمهم من القرآن ما يحتاجون إليه في صلاتهم . قال تعالى : {وآمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} وقال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} - الآية . وقول أصبغ : وعليه أن يدخله في الإسلام ، إذا ملكه - يريد صغراً ، كانوا أو كباراً ، فهو ظاهر قوله ههنا ؛ وفي نوازله من كتاب التجارة إلى أرض الحرب ، مثل رواية ابن نافع عن مالك في المدونة ، خلاف ما في سماع ابن القاسم ، وسماع يحيى من كتاب التجارة إلى أرض

(2/163)


الحرب ، فإنه فرق في السماعين بين الصغار والكبار ، فلا اختلاف في الصغار من غير أهل الكتاب أنهم يجبرون على الإسلام ، ولا يتركون على الكفر - إذا عقلوا ؛ واختلف في حكمهم قبل أن يعقلوا على أربعة أقوال : أحدها أن يحكم له بحكم سيده من الإسلام بملكه إياه ، وهو قول ابن دينار ، ورواية معن بن عيسى عن مالك . والثاني أنه يحكم له بحكم الإسلام إذا نوى به سيده الإسلام ، ( وهو قول ابن وهب . والثالث : أنه لا يحكم له بحكم الإسلام ) حتى يرتفع عن حدثان الملك شيئاً ، وبزييه سيده بزي الإسلام ، ويشرعه بشرائعه ، وهو قول ابن حبيب في الواضحة . والرابع أنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يعقله ويجيب إليه ، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم .
وقد قيل إنه لا يحكم له بحكم الإسلام - وإن عقله وأجاب إليه - ما لم يبلغ ، وهو مذهب سحنون ، ومثله لابن القاسم في النكاح الثالث من المدونة . واختلف في الكبار على القول بأنهم يجبرون على الإسلام في حكمهم قبل أن يجبروا عليه ، فقيل إنه يحكم لهم بحكم سيدهم من الإسلام بملكه إياهم ، وهو قول مالك في كتاب النذور من المدونة في الأعجمي إنه يجزئ في الرقاب الواجبة إذا لم يجد غيره ، وإن كان من صلى وصام أحب إليه . وقيل إنه لا يحكم له بحكم الإسلام حتى يجيب إليه ، وهو قول سحنون في مسألة كتاب النذور المذكورة ، وذلك إذا كان قد أجاب إلى الإسلام ؛ وهذا كله فيما سبي أو اشتري من رقيق أهل الحرب ، وأما ما اشتري من أهل الذمة من

(2/164)


المجوس ، فإنهم لا يجبرون على الغسلام - على ما بينه أصبغ في نوازله من كتاب التجارة إلى أرض الحرب .
ومن كتاب السهو
قال ابن القاسم : قال مالك في النصراني يسلم ، والمغمى عليه يفيق ، والحائض تطهر - قبل غروب الشمس ، أو طلوع الفجر - : إنهم إن كانوا يدركون خمس ركعات من النهار ، أن أربع ركعات من الليل قبل طلوع الفجر ، صلوا الصلاتين جميعاً : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ؛ لأن المغرب ثلاث ركعات ، وركعة من العشاء ، فوجبت كلها ؛ وصلاة النهار للظهر أربع ركعات ، ومن صلاة العصر ركعة ،فوجبت كلها ؛ قال وإن لم يدركوا من صلاة النهار إلا أربع ركعات فأدنى ، ومن صلاة الليل إلا ثلاث ركعات فأدنى ، قضوا العصر وحدها ، أو العشاء وحدها ؛ لأن ذلك وقت لها ، وقد خرج وقت ما كان قبلها .
قال ابن القاسم وإنما تنظر الحائض إلى ما بقي من الوقت بعد فراغها من غسلها وجهازها ، وليس حين ترى الطهر - إذا لم تكن في ذلك مفرطة ولا متوانية ، والنصراني يسلم ينظر إلى الوقت ساعة يسلم ، فيقضي ما عليه ، وليس بعد فراغه من غسله أو ضوئه ؛ لأن مالكاً قال في النصراني يسلم في مرضان في يقوم وقد مضى بعضه ، أنه يكف عن الأكل يقيه يومه ، ويقضي يوماً مكانه ؛ فالصلاة في الإعادة أوكد وأحرى أن يكون عليه ما أسلم في وقته ، قياساً على قول مالك في الصيام أن يقضي يوماً مكانه ، فالصلاة أولى بالقضاء ؛ قلت

(2/165)


فالمغمي عليه ، أينظر إلى ما بقي من الوقت ساعة يفيق ، أو إلى فراغه من وضوئه ؟ فقال ينظر إلى ما بقي بعد فراغه من وضوئه ، وذلك الشأن والقياس فيه ، وفي النصراني ؛ إلا أني استحسن في النصراني ما قلت لك ، للذي أخبرتك من قول مالك في الصيام ؛ فقال ابن القاسم : ولو أحدثت الحائض بع دفراغها من غسلها ، والمغمي عليه بعد فراغه من وضوئه ، أو بعد دخولهما في الصلاة ، فلم يفرغا من الوضوء ثانية حتى غابت الشمس ؛ كان عليهما القضاء ، لأنها صلاة قد وجبت عليهما ، وليس نقض الوضوء بالذي يسقطها ؛ ولو فرغا من وضوئها الثاني وقد بقي من النهار شيء ، لم ينظر إلى ما بقي ساعتئذ ، ولكن إلا ما قد وجب عليهما في أول ؛ فيقضيانه على كل حال ، ولا يعملان على ما بقي من النهار بعد الوضوء الثاني ، ولو كانا اغتسلا أو توضآ بماء غير طاهر وصليا ، ثم علما بعد غروب الشمس ، فلا إعادة عليهما ؛ فإن علما قبل أن يصليا ، أعادا الغسل والوضوء ، وعملاً على ما بقي لهما بعد فراغهما ، ولم ينظرا إلى الوقت الأول ، وهذه المسألة مخالفة للتي قبلها .
قال محمد بن رشد : أما النهار ، فلا اختلاف في أن مقدار أربع ركعات منه قبل الغروب وقت للعصر خاصة ، وأما الليل فاختلف في مقدار أربع ركعات منه قبل الفجر ، فقيل أنه وقت للمغرب والعشاء ؛ لأنه إذا بدأ بالمغرب بقيت ركعة للعشاء ، وهو مذهب ابن القاسم ؛ وقيل إنه وقت للعشاء خاصة ، لأنه مقدار ما يصلي فيه ؛ فليس على الحائض إذا طهرت لمقدار أربع ركعات ، أن تصلي إلا العشاء خاصة ؛ روي هذا القول عن ابن الماجشون وهو القياس ، وقول ابن القاسم استحسان ؛ وعكس هذه المسألة المسافرة تطهر لمقدار ثلاث ركعات قبل الفجر ، وسيأتي الكلام عليها في سماع أبي زيد ؛

(2/166)


ولا اختلاف في الحائض تظهر أنه اإنما تنظر إلى ما يبقى من الوقت بعد كمال غسلها ، لأنها غير مخاطبة بالصلاة في حال حيضها ؛ فلما كانت غير مخابطة بها في حال حيضهان وكانت لا تملك الطهر عنها ، وكانت الطهارة بالماء من شرطها ؛ وجب ألا يجب إلا بعد كمالها ، وكذلك القياس في المغمي عليه ، لأنه غير مخاطب بالصلاة في حاله إغمائه وهو لا يملك الإفاقة منه ؛ وذهب مطرف ، وابن الماجشون ، وابن عبد الحكم ، إلى أنه إنما ينظر إلى ما بقي عليه من الوقت ساعة يفيق ؛ ووجه هذا القول ، مراعاة قول من يرى الإغماءك النوم في أنه لايسقط الصلاة ؛ وأما الصنراني يسلمح فالقياس فيه أن ينظر إلى ما بقي عليه من الوقت ساعة يسلم ؛ لأنا إن قلنا إنه غير مخاطب بالصلاة حتى يسلم ، فلا عذر له في تأخير الإسلام إلى الوقت الذي أسلم فيه ، إذ قد كان قدارص عليه قبل ، بخلاف الحائض والمغمي عليه ؛ فقول ابن القاسم في الرواية ، إن القياس في النصراني أن يكون كالحائض والمغمي عليه ، ليس بصحيح ، لما ذكرناه .
وقد قال أصبغ أنه كالحائض ، والمغمي عليه إنما ينظر إلى ما بقي عليه من الوقت بعد فراغه من غسله ؛ وذلك على قياس القول بأنه غير مخاطب بالصلاة حتى يسلم من غير أن يراعي ما فرقنا به بينه وبين الحائض والمغمي عليه ، من قدرته على الإسلام قبل ؛ وتفرقته في الحائض بين أن تحدث بعد الغسل أو تغتسل بماء نجس ليس ببين ؛ لأنهما جميعاً لم يكن منهما تفريط في التأخير ، فإما أن تعذر في المسألتين جمعياً ، فتعمل فيهما على ما بقي من الوقت ، بعد الوضوء وبعد الغسل الثاني - على ما روى أبو زيد عن ابن القاسم في كتاب ابن المواز ؛ وإما ألا تعذر فيهما جميعاً فتعمل فيهما على ما كان بقي من الوقت أولاً ، ولم يبين في الرواية إن كان الماء الذي اغتسلت به أولاً قد تغير من النجاسة أو لم يتغير ؛ فإن كان تكلم فيها على أن الماء لم يكن تغير ، فهو خلاف ما مضى من قول أشهب في سماع سحنون ، وقد تكلمنا هناك على ذلك ، وذكرنا وجه الاختلاف فيه .

(2/167)


مسألة
قال مالك : والطاهر تنسى الصلاة ، أو تفرط فيها ، ثم تحيض ، أنها إن حاضت في وقت ، فلا قضاء عليها فيما حاضت في وقته ؛ وما خرج وقته قبل أن تحيض ، كان عليها قضاؤه بعد أن تطهر . قال ابن القاسم وتفسير ذلك ، أنها إن نسيت الظهر والعصر أو فرطت فيهما ، ثم حاضت لمقدار خمس ركعات قبل الغروب ، فلا قضاء عليها لهما ؛ وإن كان لمقدار أربع ركعات فأدنى ، قضت الظهر ، لأن وقتها قد خرج ، ولا قضاء عليها للعصر ، لأن هذا الوقت لها ؛ وإن كانت إنما نسيت العصر وحدها ، ثم حاضت قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر ، في مثل ذلك لا قضاء عليها لها ؛ وإن كانت نسيت الظهر وصلت العصر ، ثم حاضت لقدر ركعة أو أكثر ، فلا قضاء عليها للظهر ؛ لأن هذا وقت لها حين كانت قد صلت العصر ، وإنما يكون وقت الظهر خارجاً ، ويكون آخر النهار وقت العصر ، إذا نسيتهما جميعاً ؛ فأما إذا كانت قد صلت العصر ، فالنهار كله وقت الظهر الذي نسيت ، فمتى حاضت قبل الغروب ، فقد حاضت في وقت ذلك ؛ وكذلك هي في صلاة الليل على ما وصفت لك في نسيان الصلاتين أو إحداهما ؛ قال مالك إ ، كان لقدر أ{بع ركعات أو أكثر ، فهو وقت لهما ، وإن كان لقدر ثلاث ركعات أو أدنى ، فهو وقت للعشاء . قال مالك : والمسافر ينسى الصلاة في سفره ، ثم يدخل في يومه أو ينسى في حضره ثم يخرج من يومه : إنه إن كان دخل في وقت صلى صلاة حضر ؛ وإن خرج في وقت صلى صلاة سفر . قال ابن القاسم : وتفسير ذلك ، أنه إن نسي الظهر والعصر جميعاً فيسفره ، ثم دخل من يومه ، فإنه إن دخل
لقدر خمس ركعات ؛ صلاهما جميعاً صلاة حضر ، وإن لم يدخل إلا لقدر أربع ركعات فأدنى ، صلى الظهر صلاة سفر ؛ لأن وقتها قد خرج

(2/168)


قبل دخوله ، وصلى العصر صلاة حضر ، لأنه قد دخل في وقتها .
وإن كان إنما نسي الظهر في سفره فصلى العصر ثم دخل من يومه ، فأي ساعة دخل قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر ، فهو وقت للظهر ؛ لأنه قد صلى العصر والوقت الذي دخل فيه وقت للصلاة التي نسيها فقضاها فليصلها صلاة حضر ؛ وإن كان في النهار فضل عنها لقدر ركعة ، أعاد العصر ، لأنها في وقتها ، وإلا فلا إعادة عليه لها ؛ وكذلك هو في الخروج على مثل ذلك في الوقت إن نسيهما جميعاً ، ثم سافر لمقدار ثلاث ركعات صلاهما صلاة سفر : ركعتين ركعتين ؛ وإن كان لقدر ركعتين أو أقل ، صلى الظهر صلاة حضر ؛ لأنه قد خرج وقتها قبل خروجه ، وصلى العصر صلاة سفر ، لأنه مسافر في وقتها ؛ وإن كان إنما نسي الظهر وصلى العصر ثم سافر من يومه ، فإن سافر لقدر ركعة فصاعداً ، فهو وقت الظهر التي نسيها ، فإنما يصليها صلاة سفر ، ولا إعادة عليه للعصر ، إلا أن يبقى عليه من الوقت قدر ركعة فصاعداً ، فيعيد العصر ويعيدها صلاة سفر ركعتين ، وكذلك هو في صلاة الليل على ما وصفت لك في الدخول والخروج سواء ، وفي نسيان الصلاتين جميعاً أو إحداهما ؛ إلا أن صلاة الليل كما قد علمت المغرب ثلاثاً ، والعشاء أربعاً ، فعلى ذلك كله فقس وأعرب ما يجب عليك من ذلك ، وما لا يجب ، وما تكون العشاء فيه صلاة حضر ، أو سفر ؛ قال ولو نسي الظهر في سفره وصلى العصر فدخل من يومه قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر ، فانتقض وضوؤه ، أو دخل غير متوضئ ، أو دخل جنباً ، فلم يفرغ من غسله ، ولا وضوئه حتى

(2/169)


غربت الشمس ، فعليه قضاؤها صلاة حضر أربعاً ، مثل الذي كان وجب عله حين الدخول ؛ وإنما ينظر في مثل هذا إلى الدخول ، فما وجب عليه ساعتئذ ، قضاء على كل حال ، وكذلك هو أيضاً في الخروج على مثل ذلك سواء .
قال محمد بن رشد : قوله إذا حاضت لمقدار أربع ركعات من الليل قبل الفجر ولم تكن صلت المغرب والعشاء ، إنه وقت لهما جميعاً ، فليس عليها أن تصليهما ؛ هو على قياس قول ابن القاسم في المسألة التي قبل هذه . وقد ذكرنا أن ابن الماجشون يرى الوقت لصلاة العشاء خاصة ، لأنه قدر ما تصلي فيه ، فعلى قوله يسقط عنها صلاة العشاء في هذه المسألة ، لأنها حاضت في وقتها ، ويكون عليها أن تصلي المغرب ، لأنه خرج وقتها قبل أن تحيض ، وهو القياس ، وقول ابن القاسم استحسان ؛ وأما قوله إذا صلت العصر ونسيت الظهر ثم حاضت لقدر ركعة فأكثر ، فلا قضاء عليها للظهر ؛ وإذا صلى المسافر العصر ونسي الظهر ثم دخل قبل الغروب لقدر ركعة أو أكثر فهو وقت للظهر ، يصليها صلاة حضر ؛ وإذا صلى المقيم العصر ونسي الظهر ثم سافر من يومه لمقدار ركعة فصاعداً ، فهو وقت للظهر يصليها صلاة سفر ، فهو خلاف رواية يحيى عن ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع من سماعه ، مثل ما وقع له هناك من رواية عيسى عنه ، وقد مضى من القول في ذلك هناك ما لا مزيد عليه ، وبالله التوفيق .
في سهو الإمام
قال : وقال مالك من أدرك من صلاة الإمام ركعة بسجدتيها فصاعداً ، فما دخل على الإمام من سهو وجب عليه - زيادة كان سهوه ، أو نقصاناً ، قبل دخوله مع الإمام كان أو بعده ؛ لأن من أدرك

(2/170)


من الصلاة ركعة فقد أدركها ، فهو بمنزلة من دخل معه في أول صلاته ، قال ابن القاسم وما وجب على الإمام من سجود السهو ، وجب على من خلفه ، لأنهم له تبع ، وإنما جعل الإمام ليؤتم به ؛ قال مالك وإن كان سجود الإمام نقصاناً ، سجد معه هذا الداخل قبل السلام ، ثم لا سجود عليه بعد ذلك ؛ وإن كان سجود الإمام زيادة ، فلا يسجد معه ؛ قال ابن القاسم وقد اختلف قول مالك في أن يقوم إذا سلم الإمام لقضاء ما عليه أو ينتظر حتى يفرغ الإمام من سجوده ، مرة كان يقول هذا ، ومرة كان يقول هذا ؛ وأحب إلي أن يجلس وينتظر حتى يفرغ الإمام ، لأن قيامه وانفراده بالقيام ، والإمام ساجد سماجة وشهرة . قال ابن القاسم وقال مالك فإذا فرغ من قضاء ما عليه سجد لنفسه بعد السلام ، كما كان وجب على الإمام قال ابن القاسم وإن دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو ، فإن كان نقصاناً سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام جميعاً ؛ لأنه نقصان وزيادة اجتمعا ، فالسجدتان لهما قبل السلام ؛ وإن كان سهوه لنفسه أيضاً زايدة ، فسجدتان بعد السلام يجمعان له سهوه وسهو الإمام .
قال : وإن كان سهو الإمام قبل السلام ، فيسجد معه ، ثم دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو ، سجد له أيضاً إن كان قبل السلام ، فقيل وإن كان بعد فبعد على سنته ؛ قال ابن القاسم وقد سمعت أن مالكاً أمره أن يسجد إذا سها فيما يقضي لنفسه وليس

(2/171)


( فيه ) تبيان أن سجود الإمام كان قبل أو بعد ، وهو - عندي سواء ؛ ولو لم آمره أن يسجد فيما يقضي لنفسه إذا كان قد سجد مع الإمام في النقصان ، لم آمره أن يسجد في الزيادة ؛ وذلك الذي لا شك فيه ، وهو عندي سواء ، وهو على ما فسرت لك ؛ قال وإن أحدث الإمام قدمه ، فإن كان سهو الإمام نقصاناً فليسجد بهم إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن ينهض لقضاء ما عليه ، كما كان الأول يفعل ؛ ثم يشير إليهم بعد ذلك للجلوس ويقوم لتمام ما بقي عليهن فإن دخل عليه في ذلك سهو ، فليسجد فيه لنفسه ، إن كان قبل فقبل ، وإن كان بعد فبعد ، ولا يسجدون معه في شيء من ذلك ، لأن صلاتهم قد انقضت ولم يبق لهم إلا سلمه فليس عليهم من سهوه ذلك شيء ، وإن سها في بقية صلاة الإمام الأول ، فإنه يسجد سجود الإمام الأول قبل السلام ، ويجزئه من ذلك كله ، كان سهوه في ذلك زيادة أو نقصاناً ؛ فسجود الإمام يجمع ذلك كله ، فإنما يسجد بالقوم سجود من استخلفه ، وليس هو إذا كان مستخلفاً بمنزلته فيما يفعل لنفسه - إذا انفرد وكان وحده . قال : وإن كان سهو الإمام زيادة فقدمه ، فلا يسجد حتى يتم بقية صلاته ، ويسلم ويسجد بهم ؛ فإن دخل عليه سهو ، فسواء كان في بقية صلاة الأول ؛ أو فيما يقضي لنفسه من بقية صلاته ؛ وسواء كان زيادة أو نقصاناً ، فإنما يسجد بعد السلام سجود الإمام الذي استخلفه ، ويجمع له ذلك كله ويسجدون معه ؛ لأنه إن كان سهوه إنما هو في بقية صلاة الإمام

(2/172)


الأول ، فهي صلاة يجب عليهم مثل ما وجب عليه فيها ؛ وإن كان سهوه إنما هو فيما يقضي لنفسه ، فإنما يسجدون معه بسجود الإمام ، وإنما يعمل في ذلك عمل من استخلفه .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة تشتمل على مسائل ، وقوله في أولها إن من أدرك من صلاة الإمام ركعة ، وجب عليه ما وجب على الإمام من سهو قبل أن يدخل معه في الصلاة ، بمنزلة من دخل معه في أول صلاته ؛ صحيح لا اختلاف فيه أحفظه ، والأصل في ذلك قول النبي - عليه الصلاة والسلام - من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . لأن المعنى في ذلك عند أهل العلم فقد أدرك حكم الصلاة ، خرج مخرج قوله : واسأل القرية يريد واسأل أهل القرية . فإذا أدرك الرجل ركعة من صلاة الإمام ، كان حكمه في صلاته حكم صلاة الإمام في القصر - إن كانت جمعة ، أو الإتمام إن كان الإمام مقيماً ، وهو مسافر ، وفيما يجب من سجود السهو على الإمام ، ولا يكون حكمه حكم الإمام إن كان الإمام مسافراً وهو مقيم ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بأهل مكة ركعتين ، ثم قال : أتموا صلاتكم يا أهل مكة ، فإنا قوم سفر . فخص هذا الحديث عموم قوله - عليه السلام - من أدرك ركعة من الصلاة ، فقد أدرك الصلاة .
وقوله بعد ذلك وما وجب على الإمام من سجود السهو ، وجب على من خلفه ، لأنهم له تبع ، وإنما الإمام ليؤتم به ؛ صحيح ،لأن سجود السهو إنما يجب فيما يحمله الإمام عمن خلفه ، وما يحمله الإمام عمن خلفه فسهوه عنه سهو لهم - وإن فعلوه ؛ وقول مالك وإن كان سجود الإمام نقصاناً ، سجد معه هذا الداخل قبل السلام ، ثم لا سجود عليه بعد ذلك ؛ هو المعلوم في المذهب ، وقد حكى ابن عبدوس من غير ابن القاسم ، أنه لا يسجد سجدتي السهو إلا بعد قضاء ما عليه بقرب سلامه ؛ وهذا على

(2/173)


قياس القول بأن ما أدرك مع الإمام ، هو أول صلاته ، إذ لا يكون السجود للسهو في وسط الصلاة ؛ والقول الأول على قياس القول بأن ما أدرك مع الإمام ، هو آخر صلاته مع ما جاء في الأمر من اتباع الإمام ، والنهي عن أن يختلف عليه ؛ وما حي بعد ذلك من اختلاف قول مالك في أن يقوم إذا سلم الإمام لقضاء ما عليه ، أو ينتظر حتى يفرغ الإمام ، هو خلاف ماله في المدونة ؛ لأنه خيره فيها بين أن يقوم أو يقعد حتى يفرغ الإمام من سجوده ، فهي ثلاثة أقوال لمالك ، وثلاثة أقوال أيضاً لابن القاسم ، لأن اختيار ههنا خلاف اختياره في المدونة ؛ وحكى ابن حبيب عنه أنه وسع له في القيام لقضاء ما فاته أو القعود حتى يفرغ الإمام من سجوده ، فوجه قوله إنه يقعد حتى يفرغ الإمام من سجوده ، اتباع ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه . لأن من ذلك أن يصلي هو ما فاته ، والإمام يسجد لسهوه ، وهذا معنى قوله في الرواية ، لأن انفراده بالقيام - والإمام ساجد - سماجة وشهرة ؛ ووجه قوله إنه يقوم لقضاء ما فاته مع الإمام ولا ينظره ، ما علل به اختياره في المدونة ؛ ووجه التوسعة في ذلك والتخيير فيه ، أن الدلائل لما استوت عنده في الأمرين خير بينهما ، إذ قد قيل أن الناظر إذا استوت عنده دلائل الحظر والإباحة ، كان له أن يأخذ بأيهما شاء .
وقوله إنه ، إن دخل عليه سهو فيما يقضي لنفسه ، فإنه يسجد له إن كان قبل فقبل ، وإن كان بعد فبعد ؛ كان سجود الإمام قبل السلام ، سجد معه أو بعد السلام فلم يسجد ، صحيح ؛ لأنه إن كان قد سجد مع الإمام قبل السلام ، فيسجد فيما يدخل عليه من سهو فيما يقضي على سنة السجود في الزيادة بعد السلام ، وفي النقصان قبل السلام . وإن كان لم يسجد مع الإمام ، لأن سجوده كان بعد السلام ، فيضيف سهوه إلى سهو الإمام ؛ فإن كان زيادة ، سجد بعد السلام ، لأن السهو كله زيادة ؛ وإن كان نقصاناً سجد قبل السلام ، لاجتماع الزيادة والنقصان . وخالف ابن الماجشون هذا الأصل كله فقال : إنه إذا سجد مع

(2/174)


الإمام للسهو قبل السلام ، فلا سجد عليه فيما يدخل عليه من سهو فيما يقضي لنفسه ، وهذا على قياس القول بأن ما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته ، وإلى هذا يرجع قوله في الواضحة بأنه لا يسجد للسهو في الصلاة - وإن كثر إلا مرة واحدة . وقال أيضاً على قياس قوله : إنه إن كان سجود الإمام بعد السلام ، فإنما يسجد بعد قضاء ما فاته بعد السلام ، لسجود الإمام على كل حال ، وإن دخل عليه فيما يقضي لنفسه سهو يكون سجوده قبل السلام . وقوله : إن سهو الإمام إن كان نقصاناً فأحدث فقدمه ، إنه يسجد بهم إذا انقضت صلاة الإمام الذي استخلفه قبل أن ينهض لقضاء ما عليه ، كما كان الأول يفعل ؛ هو خلاف ما تقدم في سماع موسى بن معاوية ، وخلاف قول أشهب أيضاً ، ولكلا القولين وجه من النظر ، وأما قوله إن سجوده يكون قبل السالم وإن دخل عليه في بقية صلاة الإمام سهو زيادة أو نقصان ، فصحيح لا اختلاف فيه ؛ وإنما الاختلاف إذا قدمه وعليه سجود بعد السلام ، فقال في الرواية إنه يسجد بعد السلام لسجود الإمام الذي استخلفه ، وإن سها في بقية صلاة الإمام ، أو فيما يقضي لنفسه سهواً يكون نقصانا .
وقال ابن حبيب إنه إن سها في بقية صلاة الإمام سهواً يكون سجوده قبل السلام ، سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام ؛ بخلاف إذا كان السهو فيما يقضي لنفسه ، فإنه يسجد بعد السلام سجود الإمام الذي استخلفه ؛ وفي كتاب ابن عبدوس عن غير ابن القاسم ، أنه إن سهل في بقية صلاة الإمام ، أو فيما يقضي لنفسه سهواً يكون سجوده قبل السلام ، سجد قبل السلام لسهوه وسهو الإمام ، فهي ثلاثة أقوال ، أظهرها تفرقة ابن حبيب ، والله أعلم .
مسألة
قلت أرأيت من لم يدرك مع الإمام إلا التشهد ، وعلى الإمام

(2/175)


سهو يكون قبل السلام أو بعده ؟ قال لا يسجد معه لا قبل ولا بعد ، لأنه لم يدرك من الصلاة شيئاً ؛ والحديث من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . وهو لم يدرك شيئاً حتى يجب عليه ما يجب على الإمام ، ومما يبين ( لك ) ذلك ، لو أن مسافراً دخل مع حضري في الصلاة قد علم أنه حضري ، فلم يدرك من صلاته شيئاً إلا التشهد أو السجود الآخر ، فإنما يصلي صلاة سفر ، وليس عليه أن يصلي صلاة حضر ، ولا يحل له أن يصليها ، وكذلك هذا .
قال محمد بن رشد : قوله ولا يحل له أن يصليها ، لفظ ليس على ظاهره في مذهب مالك ، إذ ليس القصر على مذهبه فرضاً ؛ ألا ترى أنه لا إعادة عليه عنده - إن أتم في جماعة ، ولا يعيد أيضاً إن أتم وحده إلا في الوقت ؛ ووقع في بعض الروايات ؛ ولا ينبغي له ، وهو أصح ؛ وقد تقدم في آخر رسم نقدها من سماع عيسى ، الاختلاف فيمن أدرك التشهد من صلاة الإمام ، وعليه سجود السهو قبل السلام أو بعده ، وتوجيه ذلك كله ، فلا وجه لإعادته .
مسألة
وسئل عمن صلى نافلة فسها عن السلام فيها حتى تطاول ذلك ، أو يحدث ، أو تباعد ، عليه السجود ؛ فقال أحب إلي أن يعيد احتياطاً ؛ ولا اختلاف الناس في ذلك ، فأرى أن يسجد متى ما ذكر ، ولا يحدث سلاماً قبل ذلك ؛ لأن طول حديثه وتباعده تسليم ، حتى لو دخل في مكتوبة بعد ذلك لم يضره ، ولم ينقضها ذلك عليه .

(2/176)


قال محمد بن رشد : يريد بقوله ، ولا اختلاف الناس في ذلك ، قول من يقول من أهل العراق وغيرهم ، أن التشهد والسلام ليس بواجب في الفريضة ، فاستخف لذلك في النافلة أن يصلحها بسجود السهو - إذا طال ، أو أحدث ، واستحب أن يعيد النافلة احتياطياً ؛ كما استحب لمن أفطر ناسياً في صيام التطوع ، أن يقضي ، وعلى أصل المذهب لا قضاء على من أفسد نافلته غير متعمد ، وقد مضى ذلك ( هذا ) الاختلاف في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب .
مسألة
وسئل سحنون عن إمام صلى بقوم ركعتين ، فلما قام في الثالثة أحدث ، فقدم رجلاً دخل ساعتئذ - وقد أدرك الإحرام ، فصلى بهم بقية صلاة الإمام المستخلف ، ثم رجع إليه الإمام الأول ، وهو في التشهد من أربعة ، فقال له أنه بقيت علي سجدة من أحد الركعتين الأوليين ، لا أدري أمن الثانية أم من الأولى ؟ قال سحنون يقوم الإمام ومن معه فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وحدها ، لأنها ركعة بناء ، ثم يقوم وهو ويقعد القوم فيأتي لنفسه بركعة بسجدتيها ، يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ؛ لأنها ركعة قضاء لنفسه ، وليست بناء ، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام من قبل أن الإمام الأول لما ترك السجود من إحدى ركعتيه ، فقد بطلت ؛ فإن كانت من الأولى بطلت وصارت الثانية هي الأولى ، وإن كانت من الثانية ، فقد بطلت الثانية وصحت الأولى ، وصار المستخلف إنما استخلف على ثانية الإمام الأول - وهي الأولى ، وقد قرأ فيها بأم القرآن فقط ، وقام فيها ، وقد كان عليه أن يقرأ فيها بأم القرآن وسورة ، ويجلس ، فدخل النقص من ههنا ،

(2/177)


وصارت الرابعة الثالثة ؛ وعليه أن يأتي برابعة الإمام وهي ركعة البناء ، فلذلك امر أنيقرأ فيها بأم القرآن ، ثم يأتي لنفسه بركعة القضاء وهي الأولى التي سبقه بها الإمام الأول ، قال وإن كان القوم على يقين قعدوا وقام الإمام فصلى ما بقي عليه .
قال محمد بن رشد : المسألة كلها صحيحة على أصولهم في أن الإمام إذا ذكر في آخر صلاته سجدة من أولها هو ومن معه أنه يلغي تلك الركعة ويبني على ما معه كالمنفرد ، بخلاف إذا أسقط السجدة هو وحده ؛ فمعنى ذلك ما تكلم عليه فيها إذا أسقط الإمام السجدة ومن معه ، أن بعضهم ، أن شك فيها هو ومن معه أن بعضهم . وقوله في آخرها : وإن كان القوم على يقين - يريد على يقين من أنهم لم يسقطوا شيئاً - قعدوا وقام الإمام فصلى ما بقي عليه ، يريد أنه يقضي الركعتين اللتين فاتتاه بأم القرآن وسورة ؛ لأن الإمام إذا كان إنما أسقط السجدة وحده دون من خلفه ، فإنما عليه قضاء تلك الركعة وحده دون من خلفه ، وبالله التوفيق .
تم سماع أصبغ بن الفرج بحمد الله وحسن عونه
* * *

(2/178)


من سماع ابن زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عن قوم ربطهم اللصوص أياماً لا يصلون ثم يرسلون ، قال : يقضون تلك الصلوات كلها ؛ وينبغي لهم أن يصلوا الصلاة إذا حضر وقتها إيماء إذا لم يقدروا على غير ذلك ، ثم يعيدوا إذا أرسلوا - ما أرسلوا في وقته ، فإن لم يفعلوا ، فعليهم القضاء ، قضاء تلك الصلوات .
قال محمد بن رشد : قوله : إنهم إذا لم يصلوا أياماً ثم أرسلوا أنهم يقضون تلك الصلوات ، صحيح ، لأنهم لما ربطهم اللصوص فلم يقدروا من أجل ربطهم على الركوع والسجود ، انتقل فرضهم إلى الإيماء ؛ فلما تركوا ذلك ، كان كمن ترك صلاته - متعمداً حتى خرج الوقت - أنه يجب عليه أن يصليها بعد خروج الوقت ولا اختلاف عندي في هذا الوجه ، وهو مثل قوله في المدونة في الذين تحت الهدم ، فإن صلوا إيماء ، فلا إعادة عليهم إلا في الوقت استحباباً . وقوله : فإن لم يفعلوا فعليهم قضاء تلك الصلوات ، يحتمل أن يريد فإن لم يصلوا إيماء ، فعليهم قضاء تلك الصلوات أبداً ؛ فإن كان أراد ذلك ، فهو صحيح على ما قلناه ؛ ويحتمل أن يكون أراد فإن لم يعيدوا في الوقت إذا صلوا إيماء ؛ فعليهم القضاء بعد الوقت ؛ فإن كان أراد ذلك ، فهو على أحد قولي ابن القاسم فيمن أمر بالإعادة في الوقت ، فلم يفعل حتى خرج الوقت ؛ وقد مضى ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى ، وفي غيره من المواضع ؛ وقد روى

(2/179)


معن بن عيسى عن مالك في الأسرى يكتفهم العدو أياماً لا يصلون ، قال لا صلاة عليهم إذا تركوا إلا ما أدركوا وقته ؛ وقاله ابن نافع في الذين تحت الهدم ، ورواه أشهب عن مالك ؛ ومعنى ذلك - عندي في الذين لا يقدرون على الصلاة أصلاً بإيماء ولا غيره ، أو في الذين ليسوا على طهارة ولا يقدرون عليها بوضوء ولا تيمم ، لأن الاختلاف إنما يصح في هؤلاء ؛ فعلى ظاهر ما في المدونة أتجب عليم الإعادة ، إذ لم يفرق فيها بين أن يقدروا على الإيماء أو لا يقدروا ؛ ولا بين أن يكونوا على طهارة ، أو لا يكونوا على طهارة ، أو لا يكونوا ؛ وعلى قول ابن نافع ورواية أشهب ومعن بن عيسى عن مالك ، لا إعادة عليهم .
وفي سماع مسألة أبي زيد من كتاب الوضوء في المريض الذي لا يقدر على الوضوء ، ولا على التيمم أنه يصلي على حاله ، ويعيد إذا قدر على الوضوء أو التيمم ، وقد تكلمنا هناك على وجه ذلك .
مسألة
قال ابن القاسم في رجل حضرته الصلاة وهو في سفر وليس معه إلا ثوبان ، أصابت أحدها نجاسة لا يدري أيهما هو ؟ قال : يصلي في أحدهما ، ثم يعيد في الآخر - مكانه ؛ وقد بلغني عن مالك ، أنه قال : يصلي في واحد منهما ، ويعيد ما كان في الوقت - إن وجد ثوباً - كما قال في الثوب ؛ ولست أرى أن ذلك ،يصلي في أحدهما ثم يعيد في الآخر - مكانه ، ثم لا إعادة عليه في وقت ولا غيره - وإن وجد غيرها .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم استحسان ، لأنه إذا صلى بأحد الثوبين ثم أعاد في الآخر - مكانه ؛ فقد تيقن أن إحدى صلاتيه قد خلصت بثوب طاهر - وفيه نظر ، لأنه إذا صلى في أحدهما على أن يعيد في الآخر ،

(2/180)


فلم يعزم في صلاته فيه على أنها فرضه ، إذ صلاها بنية الإعادة ، فحصلت النية غير مخلصة فيها للفرض ؛ وكذلك إذا أعادها في الآخر ، لم تخلص النية في إعادته للفرض ، لأنه إنما نوى أنها صلاته - إن كان هذا الثوب هو الثوب الطاهر . وقول مالك أصح وأظهر من جهة النظر والقياس ، لأنه يصلي في أحدهما على أنه فرضه فتجزئه صلاته ؛ إذ لو لم يكن له غيره فصلى به - وهو عالم بنجاسة لأجزأته صلاته ، ثم إن وجد في الوقت ثوباً طاهراً يوقن بطهارته ، أعاد استحباباً .
مسألة
قال ابن القاسم فيمن دخل في صلاة العيدين - والإمام يقرأ ، قال يكبر سبعاً ، قيل فوجده راكعاً ؟ قال يكبر واحدة ويركع معه .
قال محمد بن رشد : قد مضى في رسم يوصي لمكاتبه من سماع عيسى مثل هذا لابن القاسم ، وخلافه لابن وهب ؛ وتكلمنا هناك على توجيه القولين جميعاً ، فأغنى ذلك عن إعادته ( هنا ) .

(2/181)


مسألة
قال ابن القاسم في إمام صلى صلاة الخوف ، تقدم بطائفة فصلى بهم ركعة ، ثم ذهب العدو وأمنوا ؛ قال : يتم بالطائفة التي معه ركعتين ، ويقدم الطائفة الأخرى رجالً يؤمهم ويصلي بهم ركعتين .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة في سماع سحنون ، وزاد فيها اختلف فيها قوله ؛ فبينا الوجه في ذلك بما أغنى عن إعادته ( هنا ) .
مسألة
قال ابن القاسم لو كنت أعلم أن أحداُ لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر ما صليت خلفه .
قال محمد بن رشد : القراءة فيهما على مذهب مالك واجبة ، ولذلك مل ير ابن القاسم الصلاة خلف من لا يقرأ فيهما ، وقد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم ذلك الاختلاف في ذلك .
مسألة
قال ابن القاسم من لم يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن ، ثم ذكر وهو في الركعتين ؛ قال : يسلم ويبتدئ الصلاة ، قيل له فلم يقرأ في ركعة واحدة ؟ قال : يسلم ويبتدئ .
قال محمد بن رشد : قد تقدم القول في هذه المسألة – موعباً في جميع وجوهها في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى ، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك ( هنا ) .
مسألة
قال ابن القاسم في مسافرة طهرت وقد بقي عليها من الليل قد ما تصلي ثلاث ركعات ، قال : تصلي العشاء وليس عليها في الغرب شيء ، وقال أشهب مثله ؛ قال أصبغ : هذه آخر مسألة سألت عنها ابن القاسم ، قال : وذلك أن ابن عبد الحكم نازعني فيها فقال : تعيد الصلاتين جميعاً ، وقلت أنا لا تعيد إلا العشاء الآخرة ، فصحبت

(2/182)


ابن القاسم - وكان خارجاً إلى الحج إلى جب عميرة ، فسألته عنها وأخبرته بقولي ، وبقول ابن عبد الحكم ؛ فقال لي يا أصبغ أصبت ، واخطأ ابن عبد الحكم . وسئل عنها سحنون وأخبر بقول اصبغ ، وابن عبد الحكم ؛ فرأى ما روى أصبغ عن ابن القاسم - غلطاً ؛ وقول أصبغ ( خطأ ) ، ورأى قول ابن عبد الحكم صواباً : أن عليها الصلاتين جميعاً ، لأنها طهرت في وقت منهما جميعاً ؛ وذلك أن ركعتين للعشاء الآخرة ، وركعة للمغرب ؛ وكذلك لو حاضت قبل الفجر لثلاث ركعات - وقد نسيت المغرب والعشاء ، لم يكن عليها من الصلاتين شيء ، لأنها حاضت في وقتهما ؛ ألا ترى أن آخر الوقت لآخر الصلوات ، فالركعات من آخر الوقت للعشاء ، وركعة قبلها للمغرب ، فهو وقت لها جميعاً ؛ فقس على هذا ما ورد عليك - إن شاء الله تعالى .
قال محمد بن رشد : قول ابن عبد الحكم وسحنون ، هو الصحيح الذي يوجبه القياس والنظر ؛ لأنها قد طهرت في وقت منهما جميعاً ، لأن الوقت إنما يقدر لآخر الصلوات ؛ وهي إذا صلت العشاء - وحدها ، بقيت ركعة من وقت صلاة المغرب تذهب هدراً ، إذ لم تصلها ؛ وليس استغراق صلاة المغرب الذي يجب أن تبدأ بها للرتبة لوقت العشاء ، بالذي يمنع أن تبدأ بالمغرب - وإن صلت العشاء بعد الفجر ؛ كما أن الحائض إذا طهرت لمقدار ركعة أو أربع قبل غروب الشمس - وعليها صلاة قد فرطت فيها ، أو نسيتها قبل حيضتها ؛ أنها تبدأ بالصلاة التي فرطت فيها أو نسيتها على الصحيح من الأقوال ، ثم تصلي العصر

(2/183)


بعد الغروب ؛ وقد مضى القول في ذلك في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى ، فتدبر ذلك ، تجده صحيحا - إن شاء الله تعالى .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن إمام مسافر مر بقوم ممن لا تجب عليهم الجمعة ، فصلى بهم الجمعة ؛ قال يصلون على أثرها ركعتين ، ولا يعيد الإمام الصلاة .
قال محمد بن رشد : قوله يصلون على إثرها ركعتين ، يريد أنهم يتمون صلاتهم إذا سلم الإمام ، وتجزئ الإمام الصلاة ومن معه من المسافرين ، وتكون لهم صلاة سفر لا جمعة ؛ وهذا مثل قول مالك في موطئه ، ومثل قول ابن نافع في بعض روايات المدونة ؛ خلاف رواية ابن القاسم عنه فيها : أنهم يعيدون كلهم الصلاة أهل القرية والإمام ( ومن ) معه من المسافرين ؛ وإنما لم تجز الإمام والمسافرين ، وتكون لهم صلاة سفر ويبني عليها أهل القرية المقيمون ، لأنه جهر فيها متعمداً ، ففسدت عليه وعليهم ؛ هذا وجه رواية ابن القاسم ، ووجه رواية أبي زيد ، وما في الموطأ ، وقول ابن نافع ؛ أنه عذر الإمام بالجهل في التأويل ؛ ولمالك في المبسوط من رواية ابن نافع عنه ، أنهم يعيدون كلهم في الوقت ، فهي ثلاثة أقوال فيمن جهر في غير موضع الجهر من صلاته - متعمداً بتأويل .
مسألة
وسألت ابن القاسم عمن صلى بثوب حرير في كمه ، قال : أرجو أن يكون خفيفاً ، ولم ير عليه إعادة ، ولم يره من ناحية اللبس .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الحرير ليس بنجس ، فيكون إذا صلى به في كمه حامل نجاسة ، وإنما نهى عن لباسه من ناحية الترف ،

(2/184)


والتشبه في لباسه بالكفار ؛ فلا إثم عليه في صلاته به في كمه ، ولا كراهة إلا من جهة اشتغال باله بحفظه في صلاته ، ولذلك قال أرجو أن يكون خفيفاً .
مسألة
قال ابن القاسم فيمن أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة فأصابه رعاف ، فخرج فغسل الدم عنه ، ثم رجع إلى المسجد فبنى فيه فسها في الركعة الثانية عن قراءة أم القرآن ، قال ابن القاسم : يسجد سجدتي السهو ويسلم ، ثم يقول ويصلي الظهر أربعاً ، وكذلك في الصبح .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في كتاب الوضوء من المدونة ، وهو أحد أقوال مالك في الصلاة منها ؛ والقول الثاني أنه لا إعادة عليه ، والقول الثالث أنه يلغي تلك الركعة ؛ وقد قيل إن هذا الاختلاف إنما هو فيما عدا الصبح ، والجمعة ، وصلاة السفر ؛ والأول هو أظهر ما في المدونة ، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى .
مسألة
وسئل عن ركعتي الفجر أسنة هي ؟ فقال لي : نعم . قلت له : فالقنوت في الصبح ، فقال لي : ركعتا الفجر أبين ؛ ورأيت معنى قوله إن القنوت ليس بسنة .
قال محمد بن رشد : قوله في ركعتي الفجر إنهما سنة ، هو دليل ما في المدونة ، ومثل ما في رسم القبائل من سماع ابن القاسم ، خلاف ما في رسم الصلاة الأول من سمع أشهب ؛ وفي سماع عيسى من كتاب المحاربين والمرتدين لأصبغ ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك ، وتوجيهه في رسم القبائل

(2/185)


المذكور . وقوله : إن القنوت ليس بسنة ، هو مذهبه في المدونة ؛ لأنه لم ير على من نسيه سجود سهو ، فإن سجد لم تفسد صلاته ، بخلاف من ترك التسبيح فسجد لذلك ؛ وقال أشهب من سجد قبلا لسلام لترك القنوت أو التسبيح ، أعاد صلاته ؛ وقد روى زياد عن مالك أن من ألزم نفسه القنوت فنسيه فليسجد .
مسألة
وسئل عن الرجل يصلي وقلنسوة حرير على رأسه ، قال : لا يفعل ؛ قلت : فالتكة ؟ قال : لا .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأنه لباس كله ؛ ألا ترى لو أن رجلاً حلف ألا يلبس الخز ، أو الحرير ، فلبس منه قلنسوة ، كان لباساً ، وكان حانثاً ، وهذا بين .
مسألة
وسئل عن الرجل يصلي ركعتي الفجر ، فيقوم في الثالثة ؛ قال : يرجع فيقعد . قلت : فإن لم يفعل حتى مضى وصلى أربعاً وسجد سجدتي السهو ، قال : يعيد الركعتين أحب إلي .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى ، فلا معنى لإعادة ذلك .
مسألة
وسئل عن الذي يقرأ صدراً من الحمد لله ، ثم يصيبه حدث فيقدم رجالً ؛ قال لي : يقرأ من حيث انتهى الإمام .

(2/186)


قال محمد بن رشد : هذا قول ابن نافع ، وابن دينار ، وغيرهما من أصحاب مالك ؛ وقد روى محمد بن يحيى السبائي عن مالك ، أنه قال : ذلك واسع أن يقرأ من حيث انتهى الإمام ، أو يبدأ السورة ؛ وأحب إلي أن يبدأ بها ، والأول أظهر : أن الاختيار أن يقرأ من حيث انتهى الإمام ، لأنه خليفته على الصلاة يحل محله فيها ؛ فكما يبني على ما مضى من ركوعه وسجوده ، فكذلك يبني على ما مضى من قراءته - وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم : رأيت مالكاً إذا صلى الصبح يدعو ويحرك أصبعه التي تلي الأبهام - ملحاً ، وإذا أراد أن يدعو رفع يديه شيئاً قليلاً يجعل ظاهرهما مما يلي الوجه - أرانيه ابن القاسم .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في الإشارة بالأصبغ في تشهد الصلاة ، وفي رفع اليدين عند الدعاء - في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم - موعباً مستوفى ، فلا وجه لإعادته هنا .
مسألة
وقال فيمن صلى فنسى التبكير كله إلا تكبيرة الإحرام ، قال يسجد سجدتي السهو ، وأنكر الإعادة .

(2/187)


قال محمد بن رشد : وهذه مسألة قد مضى القول فيها - موعباً في رسم أوصى من سماع عيسى ، فأغنى عن إعادته .
مسألة
قوال ابن القاسم فيمن أراد أن يقرأ في الصبح تبارك ، فقرأ والسماء والطارق قال : يتمها ويقرأ سورة أخرى طويلة ؛ قيل له إمام وغيره ؟ قال سواء . ثم قال : كان ابن عمر يقرأ الثلاث سور .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الله عز وجل يقول : {فاقرءوا ما تيسر منه} . فلم يحد في ذلك حداً ، فجائز للرجل أن يقرأ مع أم القرآن في الركعتين الأولين من صلاته بما تيسر من القرآن ـ بعض سورة كان أو السور ، وإن كان الاختيار أن يقرأ في كل ركعة بسورة تامة ، لأنه المرئي من فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، والذي استمر عليه العمل بعده .
مسألة
وقال ابن القاسم من تيم للصبح وصلى ، ثم قعد يذكر الله إلى طلوع الشمس ، لا يصل به نافلة ، لأن الوقت قد ذهب وطال .

(2/188)


قال محمد بن رشد : إنما قال ذلك ، لأن الأصل كان ألا يصلي بالتيمم إلا صلاة واحدة ـ على ما مضى القول فيه في ( أول ) سماع أبي زيد من كتاب الوضوء ، وألا تصلى نافلة بتيمم فريضة وإن اتصلت بها ، فإنما تصلى النافلة بتيمم الفريضة ـ إذا اتصلت بها ـ استحساناً ، ومراعاة لقول من يقول : إن التيمم يرفع الحدث كالوضوء بالماء ، فإذا لم يتصل بها وطال الأمر بينهما ، واتسع الوقت لطلب الماء ثانية للنافلة ، وجب أن ينتقض التيمم على الأصل ، وألا يراعى في ذلك الخلاف ، كما روعي إذا اتصلت بها ، لكونها في اتصالها بها في معنى الصلاة الواحدة ، وقد مضت هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الوضوء ـ والحمد الله .
مسألة
قال ابن القاسم : رأيت مالكاً لا يرفع يديه في التكبير للصلاة ، ولا أراه ترك ذلك ، إلا أنه رأى أن ذلك من تعظيم الله وإجلاله ، قال ولقد سألنا مالكاً عن ذلك ، فقال : ولم يرفع يديه ؟ أيدرك تبارك وتعالى ؟! فأنكر مالك رفع اليدين على الجنازة وفي الصلوات .
قال محمد بن رشد : قد أنكر على نالك إنكاره لرفع اليدين في الصلاة ، للآثار المتواترة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر ابن لبابة بطرح هذه الرواية ، وقال ما قالت الإباضية بأكثر من هذا ؛ - يريد دفع السنن بالقياس والرأي ، وقد وقع في بعض الروايات من كتاب الحج الأول من المدونة - تضعيف رفع اليدين في الإحرام وغيره ، ونحا في رسم أوله يتخذ

(2/189)


الخرقة لفرجه من سماع ابن القاسم - إلى أن ذلك منسوخ ، وقد مضى التكلم على ذلك هناك .
مسألة وسئل عن رجل صلى بثوب واحد ركعة ، فسقط الثوب عنه حتى بدت سوءة الرجل ؛ قال : يستتر - ولا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة في صدر سماع موسى ، فلا وجه لإعادته .
مسألة
وسئل عمن قصر في ستة وثلاثين ميلاً ، أيعيد الصلاة في الوقت ؟ قال : لا إعادة عليه .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة في صدر سماع موسى ، فلا وجه لإعادته .
مسألة
وسئل عمن قصر في ستة وثلاثين ميلاً ، أيعيد الصلاة في الوقت ؟ قال : لا إعادة عليه .
قال محمد بن رشد : وهذه المسألة قد تمضى القول عليها في آخر أول رسم من سماع أشهب ، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .
مسألة
وسئل عن الرجل يصلي خلف الإمام في نوافل رمضان ، فسلم الإمام من ركعتين ويسهو الرجل عن السلام حتى يقوم معه في الثالثة ، فيذكر - وهو قائم ؛ - قال لي : يجلس ويسلم ، ثم يسجد سجدتي السهو ، ثم يدرك الإمام ؛ قلت : فإن ذكر - وهو راكع ، قال لي يمضي معه ويسجد سجدتي السهو ؛ قال : ورأيته يخففه ألا يكون عليه شيء .
قال محمد بن رشد : أما إذا ذكر - وهو قائم قبل أن يركع ،

(2/190)


فلا اختلاف في أنه يرجع إلى الجلوس ويسلم ويسجد لسهوه ؛ وأما إذا لم يذكر ذلك إلا وهو راكع ، فقال ههنا : إنه يمضي معه ويسجد سجدتي السهو ، - يريد قبل السلام لإسقاط السلام ؛ وقيل أنه يرجع إلى الجلوس ما لم يرفع رأسه من الركوع فيسلم ويسجد لسهوه بعد السلام ، ثم يدخل مع الإمام ؛ وهذا الاختلاف جار على الاختلاف في عقد الركعة ، هل هو الركوع ؟ أو الرفع منه ؟ والقولان قائمان من المدونة .
مسألة
( قال ) وسألت ابن القاسم عن الذي يوتر بالمعوذات ، أيقرأ إذا استفتح بسم الله الرحمن الرحيم بين السورتين ؟ قال ترك ذلك أحب إلي .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة وتحصيل ما وقع فيها من الاختلاف في رسم سنة من سماع ابن القاسم ، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق .
مسائل نوازل سئل عنها سحنون بن سعيد
وسئل عن صلاة الكسوف : هل تصلي في المسجد الجامع في سقفه أو في سقفه أو في صحنه ، أو خارج من بيوت القرية ؟ قال : تصلي صلاة الكسوف في المسجد ، وكذلك صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف في المسجد .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال : لأن السنة في البروز ، إنما هي في العيدين والاستسقاء .

(2/191)


مسألة
وقال في رجل خرج في سفر فخرج معه رجلان فشيعاه ، فحضرت الصلاة فتقدم المسافر فصلى بهما ونوى الإقامة في صلاته ، ونوى أحد الرجلين السفر ؛ قال : صلاتهم كلهم تامة ، وليس يكون السفر بالنية ، وإنما يكون بالعمل .
قال محمد بن رشد : قوله : ليس يكون السفر بالنية صحيح ، لأن من نوى السفر لا يقصر الصلاة بمجرد نيته ، حتى يخرج من بيوت قريته ، أو يتحرك من موضعه - إن كان خارجاً عن القرية ؛ بخلاف من نوى الإقامة - وهو في السفر ، فإنه يتم بمجرد نيته ، فصلاة المسافر الذي نوى الإقامة تامة بإجماع ؛ وأما صلاة المقيم الذي نوى السفر ودخل خلف الذي نوى الإقامة وهو يظنه مسافراً ، فرأى سحنون صلاته تامة أيضاً ؛ ويدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في الذي يدخل خلف الإمام يوم الخميس وهو يظنه يوم الجمعة ، وقد مضى القول في ذلك - موعباً في أول سماع ابن القاسم وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل أم قوماً فصلى بهم ركعتين ، ثم أحدث فقدم رجالً ، فقال المقدم : إني شككت في سجدتين ( من ) الركعة الثانية ، ولا أدري أسجدتهما أم لا ؟ والقوم شاكون بشكه ، أو بعضهم يتيقن أنهما من الركعة الثانية ، وبعضهم يقول سجدة واحدة من الأولى ، وسجدة من الركعة الثانية . قال : يسجدهما الثاني فتتم له ركعة ويسجد معه من كان شك بشكه ؛ وأما من أيقن أنهما

(2/192)


من الأولى فلا يسجدهما ، وتسجدهما الطائفة التي زعمت أن إحداهما من الأولى ، والأخرى من الثانية مع الإمام الداخل ، فتتم له ركعة ، وتبطل عليه الأولى ، ثم يبني عليها الإمام ؛ فإذا فرغ الإمام ، سلم وقامت الطائفة التي زعمت أنهما من الأولى ، فتأتي بركعة .
قال محمد بن رشد : المسألة كلها صحيحة ، إلا قوله وتسجدهما الطائفة التي زعمت أن إحداهما من الأولى ، والأخرى من الثانية ، فليس بصحيح ؛ إنما ينبغي أن يسجدوا معه منهما الواحدة ، ثم يقضوا ركعة بعد سلام الغمام ، كما تفعل الطائفة التي زعمت أنها من الأولى - وبالله التوفيق .
مسألة
قيل لسحنون : أرأيت رجلاً أم قوماً فتعايا في قراءته ، ففتح عليه رجل فلم يهتد الإمام لما فتح عليه ، فتقدم الفاتح إلى الإمام موقف معه في موضعه ، فقرأ بهم حتى فرغ من السورة - والإمام قائم في القبلة منصت حتى ركع بهم الركعة التي بقيت عليهم ، ثم سلم بهم الأول الفاتح عليه ومن خلفه بصلاة الإمام الأول ؛ فقال : ما أرى صلاتهم كلهم الفاتح على الإمام ، وغير الفاتح إلا فاسدة .
قال محمد بن رشد : وهذا بين - كما قال ، لأنهم ائتموا بمأموم في حكم الإمام ، ففسدت صلاتهم أجمعين .
مسألة
وسئل عمن نسي خمس صلوات مختلفات من خمسة أيام ، لا يدري أي الصلوات هي ؟ قال سحنون : يصلي صلاة خمسة أيام .

(2/193)


قال محمد بن رشد : هذا على القول المشهور في المذهب من اعتبار التعيين في الأيام ، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى ، فمن أحب الوقوف عليه تأمله - هناك - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل صلى مع الإمام يوم الجمعة ركعة ثم رعف فخرج يغسل الدم عنه ، فلما غسل الدم عنه ، حال بينه وبين الانصراف إلى المسجد واد أو أمر غالب ؛ قال : يضيف إليها ركعة أخرى ثم يقوم فيصلي ظهراً أربعاً .
قال محمد بن رشد : وهذا - كما قال ، لأن من شرط الجمعة أن تكون في المسجد ، فإذا لم يقدر على الرجوع إليه ، بطلت الجمعة ، وخرج عن نافلة ، وصلى ظهراً أربعاً ؛ وقد مضى في رسم من سن من سماع ابن القاسم - ما فيه بيان لهذه المسألة ، فقف على ذلك .
مسألة
قيل لسحنون أرأيت الرجل يصلي مع الإمام فيسجد قبلهن ويركع قبله في صلاته كلها ؛ قال : صلاته تامة - وقد أخطأ - ولا إعادة عليه ولا يعد .
قال محمد بن رشد : وهذا إذا سجد قبله وركع قبله فأدركه الإمام بسجوده وركوعه - وهو راكع وساجد ، فرفع برفعه من الركوع والسجود ، أو رفع قبله ؛ وأما إن ركع ورفع - والإمام واقف قبل أن يركع ، وسجد ورفع من السجد أيضاً قبل أن سجد الإمام ؛ ثم لم يرجع مع الإمام في ركوعه وسجوده ، وفعل ذلك في صلاته كلها ، فلا صلاة له ؛ واختلف إن فعل ذلك ركعة واحدة ، أو سجدة واحدة ؛ فقيل تجزئة الركعة ، وقيل لا تجزئه وقد بطلت

(2/194)


عليه ، فيأتي بها بعد سلام الإمام ، فإن لم يفعل بطلت صلاته ؛ وقد مضى في رسم باع شاة من سماع عيسى ما يدل على هذا الاختلاف ، فتدبر ذلك - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل في جواره مسجد فتجاوزه إلى غيره ، قال : إن كان إلى المسجد الجامع ، فلا بأس به ، وإن كان إلى غير ذلك ، لم أر أن يجاوزه إلى غيره ، إلا أن يكون إمامه غير عدل .
قال محمد بن رشد : قد روي عن مالك مثل هذا ، وهو يدل على ما ذهب إليه ابن حبيب : أن الصلاة في المسجد الجامع بخمسة وسبعين صلاة ، فهي أفضل من الصلاة في سائر المساجد والجماعات ؛ خلاف ما ذهب إليه غيره من استواء الفضيلة في جميع المساجد ، والجوامع ، والجماعات ؛ على ظاهر قول النبي - عليه الصلاة والسلام : صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً ، أو سبعة وعشرين جزءاً . ولم يخص جماعة من جماعة ، ولا مسجدا من مسجد ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت لسحنون : أرأيت الطحال هل يجوز للخراز أن يبطن به الخف ؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : الطحال حكمه حكم اللحم ، لا حكم الدم ؛ روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أحلت لنا ميتتان ، ودمان : الحوت والجراد ، والطحال والكبد . فهو وإن جاز

(2/195)


للخراز أن يبطن به من أجل أنه طاهر ليس بنجس ، إذ ليس بدم ، فهو يكره من ناحية أن له حرمة الطعام ، وقد مضى هذا من وقل مالك في رسم حلف من سماع ابن القاسم - وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في الإمام يسر في الجمعة عامداً أو جاهلاً فعليه الإعادة في قول علي بن زياد ، وأما قول مالك فلا يعيد ، وإن كان ناسياً - سجد .
قال محمد بن رشد : قد اختلف قول مالك في إيجاب الإعادة على من ترك الجهر في صلاته - متعمداً ، وفي إيجاب السجود على من سها عن ذلك ؛ وقد مضى ذكر ذلك في أول رسم من سماع أشهب في رسم حمل صبياً من سماع عيسى ، فمن لم ير في ذلك السجود في السهو ولا الإعادة في العمد ، جعله من مستحبات الصلاة لا من سننها - وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم في العراة يكون معهم ثوب واحد ، إنهم يصلون به أفذاذاً واحداً ، واحداً ؛ ولا يجمع بهم إمامهم ليلاً كان أو نهاراً .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن ستر العورة في الصلاة واجب على الأعيان ، فرض من فرائضها ، أو سنة من سننها - على الاختلاف في ذلك ؛ والصلاة في الجماعة سنة على الكفاية ، فترك الجماعة في الصلاة أولى من ترك ستر العورة فيها ؛ وإن كان الثوب لأحدهم - ولم يكن فيه فضل عما يستر

(2/196)


به عورته ، لم يجبر على أن يعرى منه ويعطيهم إياه ليصلوا به ؛ وأما إن كان فيه فضل عما يستر به عورته ، فالواجب يجبر على ذلك ؛ لأن المواساة إن كانت تلزم في باب المعيشة ، فهي في باب الدين ألزم - إن شاء الله ، وبه سبحانه التوفيق .
مسألة
قيل لسحنون : أرأيت الأنعام إذا شربت من ماء غير طاهر ، هل تكون ألبانها طاهرة ؟ قال : لا - وهي نجسة . قال العتبي : هي طاهرة ، وهي بمنزلة النحل إذا أطعمت العسل الذي ماتت فيه فأرة .
قال محمد بن رشد : قول سحنون شذوذ في المذهب ، إلا أن في كتاب الرضاع من المدونة ما ينحو إليه ، وهو قوله في المراضع النصرانيات ، وإنما غذاء اللبن مما يأكلن ، وهن يأكلن الخنزير ، ويشربن الخمر . وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة قرب آخر رسم الوضوء والجهاد ، من سماع أشهب من كتاب الوضوء .
مسألة
قال أبو زيد : وسئل أصبغ عن رجلين أم أحدهما صاحبه ثم يحدث الإمام منهما ، فيستخلف صاحبه ؛ قال اصبغ : لا يجوز له أن يبني على الصلاة ، لأنه ليس معه آخر ، فيكون خليفة على نفسه ، لا يجوز له ، ويقطع ويبتدئ ؛ ولا يجوز أن يبني ، استخلفه أو لم يستخلفه .

(2/197)


قال محمد بن رشد : إنما لم يجز له أن يبني ، وقال : إنه يقطع ويبتدئ ؛ لأنه ابتدأ في جماعة ، فلم يجز له أن يتم وحده - على أصله فيمن وجب عليه أن يصلي في جماعة فصلى - فذاً ، إن صلاته لا تجزئه ؛ وقد مضى هذا المعنى في رسم جاع ، ورسم إن خرجت من سماع عيسى ، فقف على ذلك وتدبره ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل أصبغ عن الإمام يصلي بقوم صلاة كسوف ، فتنجلي الشمس - وهو في الصلاة ، وقد عقد ركعة ولم يسجد ، قال أصبغ : يقضي صلاته على سنتها حتى يفرغ منها ، ولا ينصرف منها إلا على شفع .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأنها صلاة فإذا دخل فيها لم يصح له أن يقطعها من غير عذر حتى يتمها على سنتها - قياساً على سائر الصلات ؛ خلافاً لمن شذ فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ركع ركعتين في ركعة لينظر إذا رفع هل انجلت الشمس أم لا ؟ وهذا التأويل يبطل بأنه إنما صلى في المسجد ، لا في الصحراء ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ في إمام صلى بقوم صلاة المغرب في الخوف ، فجهل فصلى فجعل القوم ثلاث طوائف ، فصلى بكل طائفة منهم ركعة ، وأتم القوم لأنفسهم ؛ أرى صلاة الإمام ، والأوسطين ، والآخرين ، تامة ؛ وأرى صلاة الأولين فاسدة ؛ وذلك أنهم قضوا ركعتين تامتين في غير موضع قضاء ، لأن السنة كانت أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ؛

(2/198)


ثم يتمون لأنفسهم ؛ فلما صلى بهم ركعة ، ثم صلوا بهم بقية صلاتهم دونه ؛ كانوا قد صلوا ركعة واحدة من صلاة الإمام بلا إمام ، فلذلك فسدت صلاتهم ، وأجزأت الآخرين والأوسطين ؛ لأن الأوسطين كأنهم دخلوا في صلاة الأولين ، فأدركوا من صلاتهم ركعة ، فصلوا معهم ، ثم قضوا لأنفسهم ؛ وأما الآخرون فصلى بهم ركعة - كما كان ينبغي ( له ) أن يفعل قلت : فلو كانت صلاته هذه ظهراً ، أو خوفاً في حضر - فجهل الإمام فجعل القوم أربع طوائف ، وصلى بكل طائفة ركعة ؛ قال أصبغ : تجزئ الإمام الصلاة ، والطائفة الثانية ، والرابعة ، وتفسد صلاة الطائفة الأولى والثالثة - على هذا المثال الذي فسرت لك .
قال محمد بن رشد : مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف ، وابن الماجشون أيضاً ؛ وقال سحنون في كتاب ابنه : تفسد الصلاة عليه وعليهم أجمعين ، لأنه ترك سنة الصلاة وقام في غير موضع قيام ؛ وينبغي أن تفسد صلاة الطائفة الثانية إن كانوا أتموا صلاتهم قبل سلام الإمام - على مذهب من يرى أن الركعة الأولى التي هي قضاء ، لا يصلونها إلا بعد سلام الإمام ؛ وهو قول ابن القاسم ، وأحد قولي سحنون ، وقد مضى القول على ذلك - موعباً في سماع سحنون ، فقف عليه - وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل تيمم فصلى بتيممه المغرب والعشاء والصبح

(2/199)


والظهر ، أنه يعيد الصبح والظهر ، ولا إعادة عليه للمغرب ولا للعشاء ؛ وإن صلى الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء بتيمم واحد ، أعاد الظهر والعصر والمغرب والعشاء ؛ وإن كان يتممه للركعتين -ولم يكن تيمم للمكتوبة ، أعاد الخمس صلوات كلها أبداً ؛ وإن تيمم فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، أعاد المغرب والعشاء أبداً ؛ فإن تيمم وصلى الظهر والعصر ، ثم ذكر وهو في وقت صلاة العصر - أعاد العصر ، ووقتها إلى أن يكون ظلك مثليه ، ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل في التيمم ؛ وهذا قول أصبغ ، وقد قيل فيها إلى أن يغيب الشفق ، وهو قول أبي ضمرة .
قال محمد بن رشد : قد اختلف فيمن صلى صلاتين بتيمم واحد على ثلاثة أقوال : أحدها أنه يعيد الثانية أبداً ، وقيل لا يعيدها إلا في الوقت ؛ وقيل إن كانتا مشتركتي الوقت ، أعاد الثانية في الوقت ؛ وإن لم تكونا مشتركتين ، أعاد الثانية - أبداً ؛ ( وقيل ما لم يطل قبل اليومين والثلاثة ، وهو قول لاحظ له في النظر ؛ واختلف أيضاً في الوتق الذي يعيد الثانية من المشتركتين في الوقت ، فقيل : ما لم تغب الشمس ، وقيل ما لم يذهب وقتها المستحب ، وهو وقت العصر ونصف الليل للعشاء الآخرة ) وهو قوله في الرواية . وأما قول أبي ضمرة إن الوقت في ذلك إلى أن يغيب الشفق ، فمعناه البياض لا الحمرة ؛ لأن ذهاب الحمرة ، هو أول وقتها المستحب ؛ فيحتمل أن يكون أراد أن مغيب البياض هو آخر وقتها المستحب ، لا معنى لقوله غير هذا ؛ وقد ذكرنا في أول سماع أبي زيد من كتاب الوضوء المعنى الذي من أجله لم يجز للمتيمم أن

(2/200)


يصلي صلاتين بتيمم واحد ؛ وبينا وجهه بياناً شافياً ، فمن أحب الوقوف عليه تأمله - هناك - وبالله التوفيق .
تم كتاب الصلاة الخامس
بحمد الله ، وبتمامه ثم كتاب الصلاة

(2/201)