البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب زكاة الذهب والورق

(2/355)


من سماع أبي القاسم عن مالك
من كتاب أوله نذر سنة بصومها
وسئل مالك عن رجل كانت له عشرة دنانير فحال عليها الحول ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم ، أترى أن يزكيها ؟ قال : نعم ، أرى أن يزكيها .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح على ما في المدونة ، وعلى المشهور في المذهب أن الأرباع مزكاة على أصول الأموال ؛ فهذه المئتا درهم على هذا ، كأنها لم تزل في يديه من يوم ملك الأصل الذي اشتراها به وهو العشرة دنانير ؛ وقد قيل إن الأرباح فوائد ، وقيل إنه إن اشترى بأكثر مما بيده لم يترك من الربح على الأصل ( إلا ما ينوب

(2/356)


، وقيل إنما يزكي منه على الأصل ) ما ينوبه إذا كان قد نقد ، فإن لم ينقد كان الربح فائدة ؛ فيتحصل في ذلك أربعة أقوال ، أحدها : أن الربح مزكي على الأصل - وإن اشترى بأكثر مما بيده . وإن لم ينقد وهو نص قول مالك فيرسم استأذن من سماع عيسى . والقول الثاني أن الربح فائدة - وان اشترى بما في يده ونقده ، وهذا القول يقوم مما رواه أشهب ، وابن عب الحكم - عن مالك في رجل له عشرون ديناراً حال عليها الحول ، ولم يزكها فاشترى بها سلعة ، ثم باعها بعد لحول بأشره بثلاثين ديناراً ؛ أنه يزكي العشرين ويكون حولها في يوم كان حال عليها الحول ؛ ولا زكاة عليه في الربح حق يحول عليه الحول من يوم ربحه ؛ فجعل الربح فائدة - وإن كان قد نقد العشرين التي كان الربح فيه ؛ فعلى هذا القول لا يلزم الرجل الذي كانت له عشرة دنانير ،فحال عليها الحول ؛ ثم اشترى بها بعد ذلك مائتي درهم - أن يزكي المائتي درهم حتى يحول عليها - حول آخر من يم ربحها ، وصارت بيده .
والقول الثالث أنه إن اشترى بأكثر مما بيده ، لم يترك من الربح إلا ما ينوب ما بيده منه ، وهو قول مالك في رواية زياد عنه ؛ مثال ذلك أن يكون له عشرة دنانير فيحول عليه الحول ، فيشتري بعد حلوله سلعة بعشرين ديناراً فينقد العشرة أو لا ينقدها ، ثم يبيعها بثلاث مائة درهم ؛ أنه يزكي مائتي درهم - مائة للأصل ، ومائة من الربح ؛ وهو ما ناب الأصل الذي كان عنده منه ؛ ويستقبل بالمائة الثانية من الربح - وهو ما ناب العشرة التي زادها في الثمن على ما كان بيده حولاً من يوم صارت بيده ؛ والقول الرابع أنه لا يزكي من الربح ما ناب الزائد على الأصل ، ولا ما ناب الأصل منه أيضاً ؛ إلا أن ينقده ، فإن لم ينقد لم يزكه حتى استقبل حولاً ، وهو قول مالك في رسم الزكاة من سماع أشهب . قال : ويكون حوله من يوم ربحه وصار له ، واختار محمد ههنا أن يكون حول الربح من يوم اشترى وأدان ، وحكي أن مالكاً رجع إلى هذا :ا ، يحسب حول الربح من يوم أدان الأصل ، ووجه القول بأن الأرباح فوائد يستقبل بها الحول ، قوله عليه الصلاة والسلام : ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول فعم ولم يخص ربحاً من غيره ، ووجه القول بأنها مزكاة على الأصول قياساً على غذاء الغنم ، لأنهما نماآن من المال ، مما يشق حفظ أحوالهما لمجيئهما شيئاً بعد شيء ، فوجب أن يستوي حكمهما في تزكيتهما على الأصل ؛ وأما التفرقة بين أن ينقد أو لا ينقد ، وبين أن يشتري بما بيد أو بأكثر منه ؛ فإنما هو استحسان ، إذ لا يخرج شيء من ذلك عن القولين المتقدمين - والله أعلم .

(2/357)


من كتاب
أوله يسلف في المتاع والحيوان
وقال : في الرجل يكون عنده عشرون ديناراً ويحول عليها الحول وهي عشرون فلا يزكيها ويشتري بها متاعاً ،فيبيعه بعد شهر أو نحوه بثلاثين دينارً ، كم يزكي : العشرين ، أم الثلاثين ؟ قال : بل أرى أن يزكي العشرين ولا شيء عليه في الربح ، وذلك أن العشرين لو تلفت لزمه زكاة عشرين ؛ قال ابن القاسم : ويستقبل بالعشرة ، والعشرين ، حولاً من يوم وجبت الزكاة في العشرين ؛ وتفسير ذلك أن لو وجبت عليه في رجب زكاة عشرين ، فلم يزكها وعمل بها ، ثم أدى عنها في المحرم - وهي ثلاثون ، زكاها كلها في رجب .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على الأصول ، لقوله فيها : إنه يستقبل بالعشرة والعشرين حولاً من يوم وجبت الزكاة في العشرين ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في المسألة التي قبلها ، وإنما قال : إنه يزكي العشرين حين البيع ؛ لأن زكاتها قد تقررت في ذمته ، ووجبت عليه ديناً بحلول الحول ، وهو في عمله في المال بعد الحول على حول مستأنف ؛ وقول ابن القاسم : ويستقبل بالعشرة والعشرين حولاً من يوم وجبت الزكاة في العشرين وهم ، وإنما يستقبل الحول بما بقي من الثلاثين بعد إخراج زكاة العشرين ، أو لم يكن ، خلافاً لقول أشهب في المدونة ؛ وقد روي ابن وهب عن مالك أنه يزكي الثلاثين كلها حين باع المتاع ، قيل له فإن باع بأقل من عشرين ، فسكت - وهو وهم ؛ لأنه يأتي على أن حوله قد انتقل إلى حين باع المتاع بالثلاثين ، ويلزمه على هذا إ ، باع بأقل من عشرين ، أن تسقط عنه الزكاة ، ألا ترى أنه سكت لما لزمه ما لزمه من الحجة ، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق .

(2/358)


ومن كتاب
أوله أخذ يشرب خمراً
وسئل مالك عن سهم المؤلفة ، أترى أن يقسم على سهمان الصدقة ؟ .
قال محمد بن رشد : يريد بالاجتهاد لا بالسواء ، وإن رأى أن يجعله فيصنف واحد ، كان ذلك له ؛ إذ الزكاة على مذهبه ، إنما توضع في الأصناف المذكورين في الآية - بالاجتهاد ، ويتبع في ذلك الحاجة في كل عام ، ولا يقسم بينهم اثمان على السواء ؛ هذا مذهبه الذي لم يختلفه في قوله ، ولا خالفه في أحد من أصحابه ؛ وقيل يجعل نصف ذلك السهم لعمار المساجد ، ونصفه على سائر الأصناف السبعة ؛ والمؤلفة قلوبهم قوم من صناديد مضر ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطيهم من الزكاة يتألفهم على الإسلام - ليسلم بإسلامهم من وراءهم ؛ منهم : أبو سفيان بن حرب ، واختلف في الوقت الذي بدئ فيه بائتلافهم ، فقل قبل أن يسلموا لكي يسلموا ، وقيل بعد ما أسلموا كي يجب إليهم الإيمان ؛ فكانوا على ذلك إلى صدر من خلافة أبي بكر ، وقيل إلى صدر من خلافة عمر ؛ ثم قال لأبي سفيان : قد أعز الله الإسلام ، وأغنى عنك وعن ضربائك ، إنما أنت رجل من المسلمين وقطع ذلك عنهم ؛ واختلف هل يعود ذلك السهم إن احتيج إليه ، أم لا يعود ؛ فرأى مالك أنه لا يعود وهو مذهب أهل الكوفة ؛ وقد قيل إنه يعود إن احتيج إليه ورأى ذلك الإمام ، وهو قول ابن شهاب ، وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب الشافعي .

(2/359)


ومن كتاب الرطب باليابس
قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يذكر أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز كتب إليه : إن الناس قد أسرعوا في أداء الزكاة ورغبوا في ذلك لموضع عدلك . وأنه قد اجتمعت عندي زكاة كثرة ؛ فكأن عمر كره ذلك من كتابه لمدحه فكتب إليه ، ما وجدوني وإياك على ما رجوا وظنوا ، فاسمها . قال ابن القاسم : وقال عمر : وأي رأي لي فيها حين كتب .
قال محمد بن رشد : في هذا فضل عمر بن عبد العزيز ، وقوله : وأي رأي لي فيها - يريد أنه لا رأي لأحد في ذلك مع السنة الثابتة عن النبي - عليه السلام - في الصدقة : أن تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء .
ومن كتاب
أوله تأخير صلاة العشاء
وسئل مالك عن رجل يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأته ، فيحول عليه الحول ، وهو عنده ؛ - أترى أن يزكيه ؟ فقال : نعم .
قال محمد بن رشد : لأشهب في كتاب ابن المواز والواضحة ، ( ولأصبغ في الواضحة ) ، أنه لا زكاة عليه ، وقول مالك أظهر ، لأن الحلي من الذهب والفضة تجب في عينه الزكاة بظاهر ما في القرآن والسنن ، والآثار ؛ فلا تسقط منه الزكاة إلا فحبسه للانتفاع بلبسه في الحال ، قياساً على الثياب التي تلبس ، والعروض التي تقتني ؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "ليس

(2/360)


على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة" . وإسقاط أشهب وأصبغ عنه الزكاة بما نواه فيه ضعيف ، إذ قد يبدو له ، وقد قال مالك في الذي يقدم مكة ليسكنها إنه ليس كأهل مكة ، لأنه إنما قدم ليسكنها ولعله أن يبدو له .
مسألة
وسئل عن رجل له أربعون درهماً ، أو رأس ، أو رأسان ؛ أيعطى من الصدقة ؟ فقال مالك : إذا كان كثير العيال ، فأراه أهلاً أن يعطاها في حاله وكثرة عياله .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة سواء ، وإنما وقع السؤال عن الأربعين درهماً لما في حديث الأسدي من قول النبي - صلى الله عليه وسلم : "من سأل منكم وله أوقية أو عدلها ، فقد سأل إلحافاً" . وقد روي عن سهل بن الحنظلية أنه قال : سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : "من سأل الناس عن ظهر غنى ، فإنما يستكثر من جمر جهنم" فقلت : يا رسول الله ، وما ظهر غنى ؟ قال : "أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم" . وروي عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله ، عليه

(2/361)


السلام : "لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه ، إلا جاءت شيئاً أو كدوحاً أو خدوشاً في وجهه يوم القيامة" . قيل : يا رسول الله وما غناه ؟ قال : خمسون درهماً ، وحسابها من الذهب .
وروي عن رجل من قرينة أنه أتى النبي ، عليه السلام ، يسأله ، فسمعه يقول : "من سأل الناس وله خمس أواقي سأل الحافاً" فأولى هذه المقادير التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصدقة تحرم بوجودها - = بالاستعمال ، ما في حديث المزني بدليل أمر سول الله - عليه السلام - معاذ بن جبل إذ بعثه على الصدقة - أن يأخذها من أغنيائهم فيضعها في فقرائهم ؛ فالفقير من توضع فيه ، والغني من تؤخذ منه ؛ وهو من ملك المقدار الذي في حديث المزني ؛ ويحتمل أن يكون - كأن الله عز وجل أولاً قد حرم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصدقة على من عده قوت يومه ، ثم نسخ ذلك تخفيفاً عن عباده ؛ فحرمها على من عنده أوقية ( من ) فضة ، ثم نسخ ذلك تخفيفاً عنهم ،فحرمها على من يملك خمسين درهماً ؛ ثم نسخ ذلك تخفيفاً عنهم ، فحرمها على من يملك خمس أواق ؛ فكان حمل هذه الحادث على هذا ، أولى من حملها على التعارض ؛ فمن ملك من الذهب أو الفضة ما تجب فيه الزكاة ؛ أو عدل ذلك سوى ما يحتاج إلى سكناه أو استخدامه ، لم حل له الزكاة - وإن كثر عياله ؛ ومن تملك أقل من ذلك لم تحرم عليه الصدقة - وإن لم يكن له عيال ؛ إلا أن غيره ممن هو أحوج منه أحق وأولى ؛ وقد قال المغيرة إنه لا يعطى الفقير من الصدقة ما تجب فيه الصدقة ، ولا يعطى من له الخادم والمسكن من الزكاة - إن كان في ذلك

(2/362)


فضل يبلغ ما تجب فيه الزكاة ؛ وقوله ظاهر بين المعنى على ما ذكرناه .
من كتاب
أوله اغتسل على غير نية
قال : وسئل مالك عن رجل أخرج زكاة ماله فسرق منه المال ، وبقيت الزكاة ؛ قال : أرى أن يخرجها ولا يحبسها .
قال محمد بن رشد : يريد وإن سرق منه المال بالقرب في الموضع الذي لو تلف قبل أن يخرج منه الزكاة ، لم يلزمه ضمان الزكاة ؛ والوجه في ذلك أنه رأى إخراج الزكاة عند محلها قسمة صحيحة بينه وبين المساكين ؛ فوجب أن يكون ضمان المال منه دونهم ، كما يكون ضمان الزكاة المخرجة منهم دونه ، إلا أن يمسكها بعد إخراجها فيلزمه ضمانها بالتعدي منه في حبسها ؛ وأما لو سرق منه المال على بعد من إخراجه الزكاة ، لم يشكل أن عليه إخراج الزكاة .
من سماع أشهب وابن نافع عن مالك
من الكتاب الذي فيه الحج والوصايا والزكاة
رواية سحنون بن سعيد عنهما
وسألته عمن ابتاع سيفاً فيه حلية تجب في مثلها الزكاة ، فيحول عليها عنده الحول ؛ قال : ليس فيه زكاة - وإن أقام عنده سنة . قلت له : إنه يشتريه للتجارة ، قال : ليس عليه فيه زكاة ؛ قلت له : ربما

(2/363)


كان في السيف الفضة الكثيرة فيكون النصل فيها تبعاً لما فيه من الحلية حتى يشتري بالدنانير - وهو جل ذلك ، ومن أجله اشتري ؛ فقال : لا أرى فيه زكاة يباع ، ثم فيه زكاة واحدة ، وهو - عندي - مثل الرأس يشتريه الرجل لتجارة .
قال محمد بن رشد : معناه أنه غير مدير ، ولو كان مديراً لقومه في كل عام وزكاه على مذهبه ؛ وهذا على أصله في رواية أشهب عنه أن الحلي المربوطة بالحجارة كالعرض سواء ، يقومه المدير ، ويزكيه غير المدير - إذا باعه كان الذهب تبعاً للحجارة أو غير تبع ؛ وأما على رواية ابن القاسم عنه فيزكي ما فيه من الفضة تحرياً في كل عام ، ويقوم النصل وإن كان غير مدير ، زكي في كل عام ما فيه من الفضة تحرياً ، ولا زكاة عليه في النصل حتى يبيع ، فإذا باع فض الثمن على قيمة النصل ، وقيمة الحلى - مصوغاً ، فزكي ما ناب النصل من ذلك ؛ وقد تؤول على مذهبه أنه لا يفض الثمن ويزكي ما زاد على ما زكي - تحرياً ، وسواء كان الحلي تبعاً للنصل ، أو غير تبع ؛ وقد روي ابن القاسم عنه إ ، كان احلي تبعاً للنص - كرواية أشهب .
مسألة
وسل عن رجل يكون له خمسة عشر ديناراً ، ونقرة فيها خمسة دنانير ، فيشح على أن يعطي نصف دينار ، ويأبى إلا أن يعطي ربع العشر من الخمسة عشر ، وربع العشر من النقرة التي فيها خمسة دنانير ، قال : ذلك له .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، إذ لا يلزم أن يخرج من النقرة مسكوكاً ، لأن ذلك أكثر مما عليه ، فإنشاء قطع من النقرة ربع عشرها وإن شاء أخرج من غيرها مثلها ، مثل وزن ربع عشرها ، وأما المذهب فإن كان مقطوعاً

(2/364)


مجموعاً ، أخرج منه ، وإن كانت مثاقيل قائمة ، لم يكن ( له ) أن يقطع منها ما وجب عليه من زكاتها ، وأخرج صرف ذلك دراهم ، وهذا كله بين .
مسألة
فقلت : له : أرأيت الذي تجارته الحلي ونقار الذهب ، والفضة ، قال :يؤدي زكاة ذلك كل عام ربع عشره ، فيخرج ذلك منه - إن شاء ، أو من غيره ؛ وذلك لأن فيما مضى لم تكن دنانير ، إنما كانت الذهب والفضة ، وكانت فيها الزكاة ، ثم ضربت بعد ذلك ، فكان مثل ذلك ، سواء كان مصروفاً أو لم يكن ففيه الزكاة كل عام مثل العين .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إن له أن يخرج الزكاة ذلك منه - إن شاء أو من غيره ، إذ لا كراهية في قطع النقرة والحلي ، بخلاف الدنانير القائمة ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل له : أرأيت إن كان ذلك مربوطاً بالحجارة ؟ قال : ليس فيه زكاة حتى يبيعه ثم يزكيه مثل البز ، إذا باعه زكاه .
قلت له : أرأيت إذا كان الذهب جل حلي ذلك ، أو أكثره ؛ فقال : لا أبالي لا يزكي ذلك حتى يبيعه ، وقاله أشهب .

(2/365)


قال محمد بن رشد : معناه أنه غير مدير ، ولو كان مديرا لقومه في كل عام – على ما هو عليه – كالعرض في هذه الرواية – رواية أشهب ، خلاف رواية ابن القاسم عنه : أنه يزكي الذهب في كل عام – تحرياً ، وتقوم الحجارة إن كان مديراً وإن لم يكن مديراً لم يكن عليه في الحجارة شيء حتى يبيع وإن بعد أعوام ، فيزكي ما زاد الثمن على ما زكي - تحرياً ، أو نقص على ما تقدم ، وسواء كان الحلي تبعاً للحجارة ، أو غير تبع ؛ لم يختلف قول مالك في رواية ابن القاسم عنه ، كما اختلف في السيف والمصحف إذا كانت الحلية تبعاً للنصل ، أو للمصحف - على ما مضى فوق هذا .
مسألة
وسئل عن رجل يؤدي زكاة ماله قبل حلولها قبل أن يحول على ماله الحول ، أترى عليه إعادة الزكاة ؟ قال : نعم ، أرى ذلك عليه ؛ أرأيت الذي يصلي الظهر قبل زوال الشمس ، أو الصبح قبل اطلاع الفجر ، أليس يعيد ؟ فهذا مثله .
قال محمد بن رشد : ظاهر هذه الرواية ، أنها لا تجزيه إذا أخرجها قبل محلها - وإن كان ذلك قريباً ؛ وعلى هذا حمل ابن نافع قول مالك ، فقال معناه أنها لا تجزئه إلا بعد محلها ، فإن أداها قبل محلها لم تجزه ؛ قال ابن نافع : وهو رأيي : أنها لا تجزئه قبل محلها بيوم واحد ، ولا ساعة ، وهو ضامن لها حتى يخرجها بعد محلها ؛ وقد قيل إنها تجزيه إن كان قريباً ، واختلف في حد القرب على أربعة أقوال ، أحدها : أنه اليوم واليومان ونحو ذلك ، وهو قول ابن المواز . والثاني : أنه العشر الأيام ونحوها ، وهو قول ابن حبيب في الواضحة . والثالث : أنه الشهر ونحوه ، وهو رواية عيسى عن ابن القاسم . والرابع : أنه

(2/366)


الشهران ونحوهما ، وقع ذلك في المبسوطة ، والأظهر أنها تجزية إذا أخرجها قبل المحل بيسير ، لأن الحول توسعة ، فليس كالصلاة التي وقتها محدود لا يجوز أن تعجل قبلهن ولا تؤخر بعده ؛ ولو كانت الزكاة كالصلاة في هذا ، لوجب أن يعرف الساعة التي أفاد فيها المال ليخرج الزكاة عندها وفي هذا تضييق ، وقد ساق سحنون رواية أشهب هذه في المدونة على هذا ، فقال : إن الذي أداها قبل أن يتقارب ، إنما ذلك بمنزلة الذي يصلي الظهر قبل الزوال .
ومن الكتاب الذي فيه قراض ومساقاة
وكراء الأرض ، وشفعة ، وعقول ، وزكاة ، وذكر المفقود
قال مالك : وزعموا أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن رجالً منع زكاة ماله ، فكتب إليه عمر أن دعوه فتركوه فندم الرجل ،فأداها فقبلها ( منه عمر ) .
قال محمد بن رشد : معنى هذا ،أنه منع زكاته لسوء رأيه في عمر ، لا شحاً بها ؛ فلما لم يتهمه عمر في إمساكها عن أهلها ، كتب أن يترك فترك ؛ فندم الرجل في اعتقاده في عمر ، ورأى أن دفعها إليه واجب لعدالته ، فأدها فقبلها منه عمر - رضي الله عنه ؛ ولو اتهمه في إمساكها بخلا بها ، لما تركها عنده ، ولأمر أن تؤخذ منه شاء أو أبى ؛ وقد قيل إنه كتب أن لا تؤخذ منه زكاة مع المسلمين - توبيخاً له حتى يستبرأ أمره ، فإن سمح بها وأدها ، وإلا أخلت منه كرهاً ؛ وإلى هذا التأويل ذهب ابن حبيب ، والأول أظهر وأشبهه بمعمر - رضي الله عنه .
ومن كتاب الزكاة
وسئل مالك عن رجل يبتاع الجارية فيريد البيع فتعجبه فيبدو

(2/367)


له أن يحبسها يطؤها فتقيم عنده ثلاث سنين ، ثم يبدو له فيبيعها ؛ أيزكي ثمنها حين يبيعها ؟ قال : نعم ، يزكي ثمنها حين بيعها ؛ قيل له إنه حين أمسكها ، أمسكها لا يريد بيعها ؛ فقال أرى أن يزكي ثمنها - إذا باعها .
قال محمد بن رشد : اتفق ابن القاسم وأشهب في الذي يرث السلعة ، أو يشتريها للقنية ، أنها لا ترجع إلى التجارة لنيته ، واختلفا إذا اشتراها للتجارة ثم نوى بها القنية ، فقال أشهب : أنها لا ترجع بنية إلى القنية ؛ ورواه عن مالك ؛ وقال ابن القاسم : إنها ترجع بنيته إلى القنية ؛ ورواه أيضاً عن مالك ، لأن الأصل القنية ، فترجع السلعة إلى الأصل بالنية ، ولا ترجع عن الأصل بالنية ؛ وذهب أشهب إلى أنهما أصلان ، فلا ترجع السلعة من أحدهما إلى الآخر بالنية ؛ ورواه عن مالك بقوله في الذي يبتاع الجارية للبيع فتعجبه فيبدو له فيحبسها للوطء ، ثم يبدو له بعد مدة فيبيعها ؛ أنه يزكي ثمنها حتى يبيعها هو على أصله الذي رواه أشهب عنه في أن ما كان من العروض للتجارة ، لا يرجع إلى القنية بالنية ؛ وعلى قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن ما كان أصله للتجارة يرجع إلى القنية بالنية ، يستقبل بثمن الجارية حولاً من يوم قبضه - وبالله التوفيق .
مسألة
قال : وسئل عن الذي يبتاع الجارية يختدمها فتقيم عنده سنين تخدمه ، ثم يبيعها ؛ أيزكي ثمنها ؟ فقال : نعم ، ثم أطرق شيئاً ثم التفت إلى السائل فقال : إن الذي سألت عنه يختلف من الناس من يشتري الولائد يخدمنه ، ثم يبيع ، فهذا الذي أرى عليه

(2/368)


الزكاة إذا باع ؛ فأما الذي يشتري الخادم للخدمة ليس يرصد فيها بيعا ولا يهم به ولا يريده ؛ فلا أرى عليه زكاة حتى يحول على الثمن الحول .
قال محمد بن رشد :ما فسر في آخر المسألة يقضي على أن جوابه في أولها إنما هو في الذي يشتري الجارية لتخدمه ، وفي نفسه إن وجد ثمناً باعها ؛ وأما الذي يشتري الجارية لتخدمه لا يريد بيعها ولا يهم به ، فلا اختلاف في أنه لا زكاة عليه في ثمنها - إتباعها حتى يحول عليه الحول ؛ وقول هذا جار على أصله في رواية أشهب عنه أن ما اشتري للتجارة لا يرجع بالنية إلى القنية ، كما لا يرجع ما ورث أو اشتري للقنية إلى التجارة بالنية ؛ وذلك أنه لما كانت القنية والتجارة عنده أصلين لا يرجع أحدهما إلى صاحبه - بالنية ، فاشترى الجارية للوجهين جميعاً ، غلب التجارة احتياطاً للزكاة كالبينتين إذا أوجبت إحداهما حكماً ، ونفته الأخرى ، أنه يؤخذ بالموجبة للحكم دون النافية له ؛ وكما قال مالك فيم نله أهل بمكة ، وأهل ببعض الأفاق ، إنه متمتع يجب عليه الهدي ؛ وهي رواية ابن غانم عن مالك ، واختيار سحنون ؛ وعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، إذا اشترى للوجهين جميعاً ، يغلب القنية ؛ فلا تجب عليه الزكاة - إذا باع حتى يستقبل بالثمن حولاً على أصله في أن ما اشتراه للتجارة ، يرجع إلى القنية بالنية ، لأنها هي الأصل ، وقد روى ذلك ابن وهب أيضاً عن مالك ، واختلف قول مالك في رواية ابن القاسم عنه فيما اشترى للغلة بالكراء من المساكين ، أو العبيد ، أو الثياب ، لا لسكنى ولا استخدام ، ولا لباس ؛ فمرة قال عليه الزكاة - إذا باع ، مرة قال : لا زكاة عله حتى يستقبل بالثمن حولاً ؛ ولسحنون في نوازله مثل ذلك في مسألة السفينة - وبالله التوفيق .

(2/369)


مسألة
وسئل عن الذي يقطع من ماله قطعة قبل أن يحول عليها الحول ، فيبعث بها إلى مصر يبتاع بها طعاماً يريد أكله ، لا يريد بيعاً ؛ فيحول عليه الحول قبل أن يشتري بها ، قال أرى فيه الزكاة ؛ فقيل إنه قد بعث بها وخرجت من يده بيعاً ، فقال ما أرى الزكاة إلا عليه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن العين في عينه الزكاة وليس مما يقتني للانتفاع بعينه ، فلا تأثير لما نواه من صرفه إلى قوته في إسقاط الزكاة منه ، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي مضى في رسم تأخير صلاة العشاء يتزوجها ؛ لأن الحلي يصلح اقتناؤه للانتفاع بعينه ، بخلاف العين ؛ وقال ابن نافع : في المجموعة وإن جاءه الطعام وهو كثير لا ينفقه في مثل خمس سنين وشبه ذلك ، فإنه إذا باع الحول ما يجاوز قوت مثله ، زكى ثمنه ، وقوله صحيح ؛ ووجهه أنه إذا كان الطعام كثيراً ، فقد علم أنه لم يشتره كله لقوته ، وإنما أراد أن يتقوت ببعضه ويبيع بعضه ؛ فإذا باع بعد الحول ما تجاوز قوت مثله أي من الأعوام ، إذ من الناس من يتقوت لعام واحد ، ومنهم من يتقوت لعامين ، ومنهم من يتقوت للأعوام ، وذلك على قدر اليسار والجدة ؛ وما يتمكن من شراء الطعام ، ويخاف من غلائه ؛ وإنما ذكر الخمس سنين لأنه يبعد عنده أن يتقوت أحد إلى خمس سنين ، ولعل الطعام في ذلك البلد يسرع إليه الفساد قبل خمس ( سنين ) ؛ فيعلم أنه لم يشتر جملته للقوت - والله أعلم .

(2/370)


مسألة
وسئل عن الرجل كانت عنده مائة دينار ، ستة أشهر ، ثم اشترى بها براً فلم ينقدها حتى أربحه إنسان في البر ثلاثين دينارً ، فباعه إياه وأخذ الثلاثين فجعلها مع المائة ؛ فأقام بذلك ستة أشهر أخرى ، فتمت السنة على المائة دينار ؛ أيزكي الثلاثين مع المائة دينار ( التي ) قد حال عليها الحول ؟ قال : لا ، ولكن يزكي المائة إذا كان قد حال حولها ، ولا يزكي الثلاثين حتى يحول عليها الحول من يوم ربحها وصارت له ، وقد قال مالك من رواية ابن القاسم عن مالك من كتاب أوله شك في طوافه ، قال ابن القاسم : سئل مالك عن الرجل يكون له المال في مزكيه فيشتري به سلعة بنقد ، فيبيعها قبل أن ينقد فيها فربح ؛ أترى أن يزكي ذلك الربح يشترون ويبيعون ولا ينقدون ثمناً ؛ هؤلاء الذي يحضرون السوق ، فهؤلاء إذا حال عليهم الحول ، زكوا ما بأيديهم ؛ قال مالك : وجل الناس ليس لهم قد .
قال محمد بن رشد : قد مضت المسألة ، وتحصيل ما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع ابن القاسم ، فلا معنى لإعادته .
من سماع عيسى من ابن القاسم
من كتاب أوله نقدها نقدها
قال عيسى : وقال ابن القاسم : في الذي يقدم زكاة ماله قبل محلها ، قال : لا يجبني ، إلا أن يكون الشيء القريب ، وأرى الشهر

(2/371)


قريباً على زحف وكره ، ولم أره يرى عليه إعادتها في إخراجه إياها قبل محلها بشهر .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة ، وما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع أشهب ، فلا وجه لإعادته ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أول استأذن سيده
قال : وقال مالك : إذا دفن الرجل بضاعة له ، فضل عنه موضعها ، فلم يجدها سنين ، ثم وجدها ، فإنه يزكيها لكل سنة مضت ، وقال سحنون مثله . وإذا وجد لقطة له سقطت منه ، فوجدها بعد سنين ، فليس عليه إلا زكاة واحدة ؛ قال سحنون : اللقطة بمنزلة المال - المدفون - إذا كان الملتقط حبسها ولم يتركها ، زكاها ربها لكل سنة غابت عنه اللقطة ؛ لأنه لم يكن ضماراً ، وإنما الضمار المال المحبوس عن صاحبه الذي يكون على الذي حبسه ضمانه ؛ ألا ترى أن اللقطة لو تلفت في يد الذي التقطها ، لم يكن عليه ضمانها ؛ وإنما الضمار المال الذي يغتصبه صاحبه ، فيكون في يد الغاصب في ضمانه حين غصبه ، فعلى الغاصب فيه الزكاة ، ولا يكون على سيده فيه الزكاة للسنين كلها ، إلا سنة واحدة ؛ وإن كان الملتقط تسلفها لنفسه حين يصير في ضمانه ، فحكمها حكم الدين - زكاة واحدة لما مضى من السنين ؛ قال : قلت لأشهب : فهل يقبل قول الملتقط أو المستودع إن كان تسلفها ويضمنها ، أم لا ؟ فقال نعم ، يسأل عن ذلك ، فما قال قبل قوله ، وكان ذلك في أمانته ؛ فإن قال ( كنت ) تسلفتها لم يجب على صاحبها إلا زكاة واحدة ، وإن قال حبستها

(2/372)


وكانت عندي موقوفة ، كانت على حال ما أعلمتك ، يزكيها لكل سنة مضت .
قال محمد بن رشد : فرق مالك في هذه الرواية بين المال المدفون يضل عن صاحبه موضعه ، فيجده بعد سنين ؛ وبين اللقطة ترجع إلى ربها بعد سنين ؛ فأوجب الزكاة في المال المدفون لجميع السنين ، ولم يوجبها في اللقطة إلا لعام واحد ؛ ورد سحنون مسألة اللقطة إلى مسألة المال المدفون ، فأجب الزكاة فيها لما مضى من السنين ؛ ورد مالك في رواية علي بن زياد عنه في المجموعة - المال المدفون إلى اللقطة ، فلم يوجب الزكاة فيهما جميعاً إلا لعام واحد ، وهو أصح الأقوال في النظر ؛ لأن الزكاة إنما وجبت في المال المعين - وإن لم يحركه صاحبه ولا طلب النماء فيه ، لقدرته على ذلك ، وهو ههنا غير ق ادر على تحريكه وتنميته في المسألتين جميعاً ؛ فوجب أن تسقط عنه الزكاة فيهما ، ولقد روى ابن نافع عن مالك على طرد هذه العلة - أن الوديعة لا زكاة على صاحبها فيها حتى يقبضها فيزكيها لعام واحد ؛ إذ لا قدرة له على تنميتها إلا بعد قبضها - وهو إغراق ؛ إلا أن يكون معنى ذلك أن المودع غائب عنه ، فيكون لذلك وجه ؛ فهذه الرواية تدل على أن عدم القدرة على تنمية المال ، علة صحيحة في إسقاط الزكاة عنه ؛ ووجه قول مالك في تفرقته بين المال المدفون واللقطة ، أنه هو عرض المال بدفنه إياه لخفاء موضعه عليه ، بخلاف اللقطة ؛ قال ذلك ابن حبيب ، وليس بفرق بين ؛ لأنه مغلوب بالنسيان على الجهل بموضع المال المدفون ، كما هو مغلوب على الجهل بموضع اللقطة ؛ ووجه مساواة سحنون بينهما في وجوب الزكاة فيهما ، هو ما اعتل به من استوائهما في الضمان منه فيهما ، وعدم القدرة على التنمية هي العلة الصحيحة التي تشهد لها الأصول ؛ وقال ابن المواز إن دفنها في بيته فلم يجدها ثم وجدها حيث دفنها ، فعليه زكاتها لما مضى من الأعوام ؛ وإن دفنها في صحراء ، فغاب عنه موضعها ، فليس عليه فيها إلا زكاة واحدة - إذا وجدها ، وهو قول له وجه ،

(2/373)


لأنه إذا دفنها في بيته ، فهو قادر عليها فاجتهاده في
الكشف عنها ؛ وقال ابن حبيب : في اللقطة إذا وجدها بعد أن كان يئس منها ،استقبل بها حولاً على أصله في المال المغصوب - إذا رد عليه ، أنه يستقبل بها حولاً كالفائدة ؛ وقول سحنون إن الملتقط إذا حبس اللقطة - ولم يحركها ، زكاها ربها لما مضى من الأعوام ، ولم يكن عليه هو فيها زكاة ، معناه على مذهبه ؛ ورواية ابن القاسم ، وابن وهب عن مالك - إذا حبسها ليردها على صاحبها ، أو ليتصدق بها عنه ، لا ليأكلها ؛ فإن حبسها ليأكلها ، فليزكها لحول من يوم نوى ذلك فيها ؛ ولابن القاسم في المجموعة : أنه لا زكاة عليه فيها إذا حبسها لنفسه ليأكلها بعد أن عرفها سنة - للحديث . ما لم يحركها ، فإن حركها ، فمن يومئذ تدخل في ضمانه .
قال محمد بن رشد : فإذا دخلت في ضمانه لحبسه إياها لنفسه ، أو بتحريكها - على الاختلاف المذكور ؛ سقطت عن ربها فيها الزكاة - قولاً واحداً .
مسألة
( قال ) : وإذا قال رجل لرجل هذه مائة دينار اتجر فيها - ولك ربحها ، وليس عليك فيها ضمان ؛ فليس على الذي في يديه ولا على الذي هي له زكاتها حتى يقبضها ؛ فيزكيها زكاة واحدة لسنة ؛ إلا أن يكون صاحبها ممن يدير ،فيزكيها م ماله إذا علم أنها على حالها ، قال سحنون أراها كالسلف وعليه ضمانها ، بمنزلة الرجل يحبس المال على الرجل فينقص منه ، أنه ضامن .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه ،

(2/374)


لأن رب المال قد صرح بإسقاط الضمان عنه ، وإنما قال سحنون : أنه ضامن بمنزلة الرجل يحبس المال على الرجل - إذا قال له اعمل به قراضاً - ولك الربح كله ، خلاف ظاهر قول ابن القاسم في كتاب القراض من المدونة . فوهم العتبي في سياقه قول سحنون على هذه المسألة ، وقول ابن القاسم إنه لا زكاة فيها على الذي هو في يده صحيح ، لأنها ليست له ، ولا هي في ضمانه ؛ فسواء كان له بها وفاء ، أو لم يكن ، بخلاف السلف . قال ابن حبيب إن ربح فيها عشرين ديناراً ، استقبل بها حولاً ، وهو صحيح أيضاً ؛ لأنها فائدة ، إذ لا أصل له يزكيها عليه ، فلا اختلاف في أنه ستقبل بها حولاً . وأما قوله إنه لا زكاة على صاحبه فيها ، فوجهه أنه لما أو جب ربحها لغيره لم يقدر أن يحركها لنفسه ، فأشبه ذلك اللقطة التي سقطت عنه زكاتها ، لعدم قدرته على تحريكها ، وطلب النماء فيها ؛ ويأتي على قول سحنون في مسألة اللقطة أن زكاتها عليه ، لأن ضمانها منه ؛ ومثله في المختصر لابن شعبان ؛ قال : ومن دفع إلى رجل مالاً يأكل ربحه ، فالزكاة على ربه .
مسألة
وسئل عن الرجل عليه مائة دينار - سلفاً وليس له منها وفاء . فأقامت بيده ستة أشهر لا وفاء له منها ، ثم أتته فائدة مائة دينار عند الستة أشهر ، هل يزكي المائة التي كانت عنده سلفاً - إذا تمت السنة من حين كانت عنده سلفاً ، أم يستقبل بها سنة من حين كان له بها وفاء ؛ قال : بل يستقبل بها سنة من حين كان له منها وفاء ، ولا يسحب في حولها بشيء مما مضى مما لم يكن له منها وفاء .
قال محمد بن رشد : هذا مذهب مالك في المدونة ، لأنه قال فيها إن

(2/375)


الذهب السلف إذا وهبت للذي هي عليه بعد حلول الحول ، وليس له بها وفاء استقبل بها حولاً ، إذ لا فرق بين أن يوهب له الذهب بعد أن حال عليه عنده الحول ، أو يستفيد بعد حلول الحول فائدة يكون فيها وفاء بها ؛ وقد روي عن ابن القاسم أن الزكاة تجب عليه فيها إذا حال عليها لحول ، وإن لم يتم للفائدة عنه حول ؛ وعلى هذا يأتي جوابه في مسألة ( رسم ) العرية ، وحكاه ابن المواز عن أشبه ، وأصحاب ابن القاسم : أصبغ ، وغيره ، وقال به ؛ وهو قول غير ابن القاسم في المدونة : أن عليه الزكاة في الذهب إذا وهبت له بعد الحول - وإن لم يكن له وفاء بها ؛ والقول الأول هو الصواب : أنه لا زكاة في المائة السلف حتى يتم للوفاء بها عنده حولاً كاملاً ؛ لأن ما مضى من المدة قبل أن يستفيد الفائدة التي يجعلها وفاء بما عليه من السلف ، لم يكن فيها مال لاستغراق الدين ما بيده من المال ؛ فإذا زكاه قبل أن يحول على الفائدة الحول ، فقد زكاه قبل أن يحول عليه الحول ، لأنه لم يكن له مال إلا من يوم ملك الفائدة .
مسألة
وسألته عن الرجل يكون عنده المال سلفاً ، وعنده منه وفاء ، فيتصدق له عليه قبل الحول أو بعده ؛ قال : يزكيه حين يحول عليه الحول ، لأنه من ماله ، ولأنه لو لم يتصدق به عليه زكاه .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح بين ، وهو في المدونة لسحنون - بياناً لقول مالك ، إذ لا اختلاف في ذلك .
مسألة
وسئل عن رجل كانت له عشرون ديناراً يزكيها كل حول ، فحال عليها حول ولم يبق عنده منها إلا عشرة دنانير ، فلما كان

(2/376)


بعد الحول بأشهر ، أسلف عشرين ديناراً ، فضم العشرين ديناراً إلى العشرة ، فاتجر فيها حتى صار له من الفضل ما تجب فيه الزكاة - إذا ضمه إلى العشرة ؛ فقال : إذا كان قد حال على العشرة الحول ، حتى ما صار له من الفضل في الثلاثين : العشرين السلف والعشرة ما تجب فيه الزكاة إذا ضم إلى العشرة ، أخرج العشرين السلف ، والعشرة ما تجب فيه الزكاة إذا ضم إلى العشرة ، أخرج العشرين السلف ، ثم زكى العشرة وجميع الفضل : فضل العشرين السلف ، وفضل العشرة ؛ وذلك أني سمعت مالكاً - وسئل عن رجل كانت له ثمانون ديناراً ، فاشترى سلعة بمائتي دينار ونقد فيها الثمانين دينار ، أو لم ينقدها حتى مر حول الثمانين ؛ فقال إذا حال حول الثمانين ، ضم فضل المائتي إلى الثمانين ، فزكاها لا يبالي حال الحول على السلعة من يوم اشتراها ، ولم يحل إذا حال عليها حول الثمانين ؛ ومثله لو أن رجلاً كانت له عشرة دنانير قد حال عليها الحول ، فاشترى سلعة بمائة دينار بدين ، ونقد فهيا العشرة ، فإنه يزكيها متى ما صار في فضلها ما يجب فيه الزكاة .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة وتحصيل ما فيها من الاختلاف مجوداً في أول مسألة من سماع ابن القاسم ، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك . وقوله في آخر المسألة : فإنه يزكيها متى ما صار في فضلها ما تجب فيه الزكاة - . يريد متى ما صار في فضلها ما تجب فيه الزكاة مع العشرة التي كانت له ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب العرية
وسئل عن الرجل يكون له مائتا دينار - وحولهما مختلف ، وعليه مائة دينار ديناً ، فيحول إحدى مائتيه قبل حلول حول الأخرى ،

(2/377)


أيجعل دينه في هذه التي حال حولها ، وينتظر بالأخرى ؛ فإذا حال حولها زكاها ، أم يزكي هذه التي حال حولها أولاً ويجعل دينه في التي لم يحل حولها ؛ ( قال : يزكي هذه التي حال حولها أولاً ، ويجعل دينه في التي لم يحل حولها ) ؛ وذلك أني سمعت مالكاً يقول في رجل كانت له مائة دينار ناضة في يديه ؛ ومائة دينار ديناً ، وعليه مائة دينار ، فحال الحول على التي في يديه ؛ فقال : يزكيها ويجعل دينه في المائة الدين ، فمسألتك أبين من هذا - إذا كانت على مالئ .
قال محمد بن رشد : قوله إنه يزكي هذه التي حال حولها ويجعل دينه في التي لم يحل حولها ، خلاف ما مضى في الرسم الذي قبل هذا أيضاً في الذي عليه مائة دينار سلفاً ، فأقام ستة أشهر لا وفاء له بها ، ثم أفاد مائة فأقام ستة أشهر ؛ أنه لا يزكي المائة التي بيده قد حال عليها الحول ، حتى يحول على الفائدة الحول ، إذ لم يقل فيها إنه يجعل الدين الذي عليه من السلف في هذه الفائدة التي لم يحل عليها الحول ، ويزكي المائة التي بيده وقد حال عليها الحول ، كما قال في هذه ؛ وهو مثل قول أشهب وأصبغ ، واختيار ابن المواز ، ومثل قول غير ابن القاسم في المدونة ، ويلزم على قياس هذا القول إذا حل حول المائة الثانية التي جعل دينه فيها ، أن يزكيها ويجعل دينه في الأولى التي كان زكاها ؛ لأن الثانية تصير كالأولى بحلول الحول عليها ، والأولى تصير كالثانية ، إذ لم يحل حولها بعد من أجل أن حولها من يوم كان زكاها ، فكما زكى أولاً الأولى بحلول حولها ، وجعل الدين في الثانية التي لم يحل حولها ؛ فكذلك يزكي أيضاً الثانية بحلول حولها ، ويجعله دينه في الأولى التي لم يحل حولها بعد ، من أجل أن حولها من يوم زكاها ؛ ثم إذا حل حول الأولى زكاها أيضاً ، وجعل دينه في الثانية ، ثم إذا حل حول الثانية زكاها وجعل دينه في الأولى ؛ فلا يزال على هذا

(2/378)


القول يزكي كل مائة منها متى ما حال حولها ، ويجعل دينه في الأخرى التي لم يحل حولها ؛ إلا أن تكون الزكاة قد نقصتها ولم ينجبر النقصان بربح ربحه فيها ، فيجعل من دينه فيها بقدر ما بقي منها ، ويجعل بقية دينه في التي حال حولها ، ويزكي بقيتها ؛ بيان هذا ، أنه إذا جعل دينه في الثانية التي لم يحل حولها ، وزكى بقيتها ؛ بيان هذا ، أنه إذا جعل دينه في الثانية التي لم يحل حولها ، وزكى الأولى التي حال حولها ؛ رجعت إلى سبعة وتسعين وصنف ، فإذا حال حول المائة الثانية ، جعل من دينه سبعة وتسعين وصنفاً في السبعة وتسعين
ونصف التي بقيت من الأولى ، وجعل بقية دينه - وذلك ديناران ونصف في هذه الثانية التي حال حولها ، وزكا بقيتها - وذلك سبعة وتسعون ونصف ؛ هكذا أبداً كلما حل حول المائة الواحدة ، جعل من دينه في الثانية عدد ما بقي منها ، وجعل بقية الدين في التي حال حولها ، وزكى بقيتها ؛ هكذا أبداً ؛ وسواء كان مديراً أو لم يكن ، لأن المدير يزكي كل مال لحوله - كما يزكيه غير المدير ؛ ولا يصح له من أجل الإدارة إذا كان له مالان مختلفان في أحوالهم ، أن يزكيهما جميعاً على حول أحدهما بتأخير الذي حل حوله ، أو بتعجيل الذي لم يحل حوله ؛ وقد حكى ابن لبابة عن العتبي أنه قال : وهذا إذا لم يكن مديراً ، وأما إن كان مديراً فلا زكاة عليه في المائة الثانية التي جعل فيها دينه إذا حل حولها ؛ وذكر أنه سأل عنها ابن المزين فقال : له عليه فيه الزكاة ، وقال له : وسواء كان مديراً أو غير مدير ؛ فقال له وما دخول المدير ههنا وغير المدين يا بليد ؛ فأعلم العتبي بقوله ، فقال له أخطأ . قال ابن لبابة ، وهو كما قال العبتي - قول ابن مزين فيها باطل .
قال محمد بن رشد : والصحيح ما قال ابن مزين : أنه قال : لا يفترق في هذا المدير من غير المدير ، للعلة التي ذكرناها من أنما يستويان في تزكية كل مال على حوله ، وإنما يفترق المدير من غير المدير في مسألة سماع أبي زيد ، وسيأتي الكلام عليها في موضعها - إن شاء الله تعالى ؛ وهذا القول إن يؤدي إلى ألا يسقط الدين زكاة العين ، لأنه إذا زكى كل مائة منها لحولها كلما حل ،

(2/379)


وجعل الدين في التي لم يحل حولها أبداً ، فلم يكن للدين تأثير في إسقاط الزكاة ؛ فالقول الآخر - وهو قول ابن القاسم في الرسم الذي قبل هذا أصح أن يجعل دينه في المائة التي حال حولها ، فلا يزكيها حتى يحول حول المائة الثانية ، فيصير حولهما واحداً ومالاً واحداً يجعل الدين فيه ويزكي ما بقي منه ؛ وأما مسألة مالك التي احتج بها ابن القاسم في الذي بيده مائة قد حال عليها الحول ولعيه مائة ، وله دين مائة ؛ أنه يجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له ، ويزكي المائة التي بيده ؛ فلا حجة له فيها ، إذ قد يحتمل أن يكون تكلم مالك على أن الدين الذي له قد حال عليه الحول ، فهو لو قبضه اليوم أو باعه بعرض ، ثم باع العرض بعين ، لوجبت فيه الزكاة ، فوجب أن يجعل دينه فيه ، ويزكي ما بيده ؛ وأما إن كان الدين الذي له لم يحل عليه الحول ، فهي ومسألة ابن القاسم سواء في المعنى ، ويدخلها الخلاف ؛ فعلى ما في هذا الرسم بجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له ، وإن كان لم يحل عليه الحول ، ويزكي ما بيده ؛ وعلى ما في الرسم الذي قبله : لا زكاة عليه فيما في يده حتى يحول على الدين الذي له الحول ، فيجعل ( الدين ) الذي عليه فيه ويزكي ما بيده ؛ والله الموفق .
ومن كتاب
أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده
وسئل عمن كانت بيده عشرة دنانير عشرة أشهر ، ثم أفاد عشرة أخرى ، فاشترى بهما جميعاً سلعة ، فباع تلك السلعة بعد حلول العشرة الأولى بما يجب في كل واحد منهما الزكاة بريحها ؛ قال : يزكي العشرة الأولى بربحها ، ويستقبل بالعشرة الفائدة وربحها - الحلو من يوم استفادها .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على المشهور من أن أرباح

(2/380)


الأموال مزكاة على أصول الأموال ، وقد مضى تحصيل ما في ذلك من الاختلاف في أول سماع ابن القاسم .
مسألة
وقال : فيمن تسلف عرضاً فاتجر فيه حولاً ، ثم رد ما استسلف من ذلك وفضل له ما تجب فيه الزكاة ، أنه يزكي هذه الفضلة ؛ وإن كان عنده أيضاً من العروض وفاء لما كان استسلف ، زكى ذلك أيضاً وجعله بمنزلة من استسلف مائة دينار فاتجر فيها ، واشترى عرضاَ بدنانير فاتجر في ذلك حولاً ثم باع بعد الحول .
قال محمد بن رشد : قوله واشترى عرضاً بدنانير فاتجر في ذلك حولاً ، ثم باع بعد الحول ، يريد اشترى عرضاً بدنانير ديناً في ذمته ، فاتجر في ذلك حولاً ، ثم باع بعد الحول ، فأدى الثمن وبقي له الربح ؛ وذلك كله صحيح على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أموال الأصول ، إلا أن حول الربح الذي تسلف العرض واتجر فيه ، محسوب من يوم اتجر في العرض ،لا من يوم استسلفه ؛ من أجل أن العرض لا زكاة في عينه ، وحول الربح الذي تسلف الدنانير واتجر فيها ، محسوب من يوم تسلف الدنانير ؛ لأنه لا ضمان لها بالسلف ، وفي عينها الزكاة ، وحول ربح الذي اشترى العرض فاتجر فيه ، محسوب من يوم اشتراه - إن كان اشتراه للتجارة ، وإن كان اشتراه للقنية ، ثم بدا له فاتجر فيه ، فهو محسوب من يوم باعه ، وقيل من يوم نض ثمنه في يده ، والله الموفق للصواب .
مسألة
وسألت ابن القاسم عن الحديث لا تحل الصدقة لآل محمد ،

(2/381)


فقال إنما ذلك في الزكاة ، وليس في التطوع ؛ قلت له فمواليهم ؟ قال : لا أراهم من ذلك ، ولا أرى بأساً أن يعطوا من الزكاة ؛ فاحتججت عليه بالحديث الذي جاء مولى القوم منهم . فقال : قد جاء حديث آخر : ابن أخت القوم منهم - يضعف بذلك حديث الموالي ؛ قال أصبغ : وإنما تفسير مولى القوم منهم يريد في الحرة منه بهم ، والبر منهم به ؛ كما يفسر الحديث : أنت ومالك لأبيك . - يريد في الطواعية والبر ، لا في الإلزام ، ولا في القضاء ؛ قال أصبغ : وآل محمد عشيرته الأقربون . آل عبد المطلب ، وآل هاشم ، وآل عبد مناف ، وآل قصي ، وآل غالب ؛ قال عيسى : قلت لابن القاسم فلو أن رجلاً فرق زكاة ماله ، ألا يعطيهم منها وهم محتاجون ؟ قال : لا يعطيهم . قلت فإن فعل ، أتجزئ عنه ؟ قال : لا تجزئ عنه . قال ابن القاسم : إنما ذلك في بني هاشم أنفسهم . قال أصبغ : وقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} . نادى بأعلى صوته يا آل قصي ، يا آل غالب ، يا فاطمة بنت رسول الله ، يا صفية عمة رسول الله ؛ إعملوا لما عند الله ، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً . ( فتبين ) بمناداته إياهم ، أنهم عشيرته الأقربون ؛ وقد اختلف الناس في سهم ذوي القرى من الفيء ، والغنيمة : من هم ؟ فمن الناس من قال محمد وقرابته - خاصة ، ومنهم من قال قريش كلها قربى ، وقد بلغني عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك ،

(2/382)


فقال : نحن هم . - يعني آل محمد - وقد أبى ذلك علينا قومنا ؛ قال أصبغ : الذي وجدت عليه معاني العلم والآثار ، أنهم آل محمد خاصة .
قال محمد بن رشد : آل محمد - عليهم السلام - الذين لا تحل لهم الصدقة هم ذوو القربى الذين جعل الله لهم سهماً في الفيء ، وخمس الغنيمة ؛ لأن الله حرم عليهم الصدقة على لسان نبيه ، ونزههم عنها إكراماً لهم ، لأنها أوساخ الناس يغسلونها عنهم ؛ وعوضهم من ذلك فيما جعل لهم من الحق في الفيء ، وخمس الغنيمة ؛ وقد اختلف في تمييزهم وتعيينهم ، وفيما لهم من الحق في خمس الغنيمة وفي الفيء ، وفيما يحل لهم من الصدقة ، ويحرم عليهم منها ؛ وهل يدخل مواليهم مدخلهم في ذلك أم لا ؟ وهل حكمهم في ذلك بعد النبي - عليه الصلاة والسلام - كحكمهم في حياته ( أم لا ) ؟ اختلافاً كثيراً قد أفردنا الكلام فيه ، وتحصيله وتلخيصه ، وما تعلق به المختلفون في ذلك مسألة حاوية لجميع ذلك ؛ فمن تأملها وقف عليها بشفاء من العلم بذلك ، ووقف على الحقيقة فيه . وقول ابن العباس نحن هم - يعني أن بني هاشم هو ذوو القربى - دون سائر قريش ، يبين ذلك ما روي عنه من أنه قال : وقد أبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا قريش كلها قربى . وقال ابن حبيب معنى قول أبى ذلك علينا قومنا أي أبوا أن يكون لنا فيه جزء معلوم ، وهو تأويل بعيد ، يرده ما روي عنه من قوله وقد أبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا قريش كلها قربى .

(2/383)


ومن كتاب
أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس
قال : وقال مالك : في الذي يتسلف مائة دينار - وليس له مال غيرها ، فيشتري سلعة فيربح فيها ، ما تجب فيه الزكاة ؟ فقال : إذا باع السلعة قضى المائة وزكى ما بقي - إن كان ما تجب فيه الزكاة إذا كان قد حال على المائة الحول .
قال محمد بن رشد : قوله إذا كان قد حال على المائة الحول - يريد من يوم تسلفها ، وقد مضت هذه المسألة والقول فيها في الرسم الذي قبل هذا ، وبالله التوفيق .
من كتاب
أوله إن خرجت من هذه الدار
قال عيسى : وسألت ابن القاسم عن الرجل تكون له عشرة دنانير ، فيحول عليها الحول عنده ، ثم يفيد خمسة دنانير فيضمها إلى العشرة ، فيشتري بها سلعة فيبيعها بعشرين دينار ؛ قال : ليس عليه فيها زكاة ، ويستقبل بالخمسة والعشر وربحهما حولاً يوم أفاد الخمسة ؛ إلا أن يتجر في العشرة قبل حلول الخمسة ، فيزكيها ساعة يتم ما تجب فيه الزكاة ؛ قلت ( له ) فإن باعها بثلاثين ديناراً ؟ قال : يزكي العشرة وربحها ، يدع الخمسة وربحها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة صحيحة بينة المعنى ، لا إشكال فيها ، مبنية على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أحوال أصول

(2/384)


الأموال ، وعلى أصولهم في أن الفوائد التي لا تجب فيها الزكاة إلا بجمعها ، تضاف الأولى منها للآخرة ، فتزكي على قرب الآخرة - وبالله التوفيق .
ومن كتاب الثمرة
وقالت : سألت ابن القاسم عن الرجل يفيد عشرين ديناراً ، فتمكث عنده ستة أشهر ، ثم يفيد عشرين أخرى ؛ قال : يزكي كل عشرين لحولها .
قلت : فإن انكسرت العشرون الأولى من الزكاة ، قال : إن كانت العشرون الأخرى على حالها كما كانت ، زكى الأولى عند حولها كما كان يزكيها ، ويزكي العشرين الأخرى على حولها - كما هي .
قلت : فإن نقصت العشرون الأخرى عن الزكاة ، إلا أنه إذا ضم ما بقي من العشرين الأولى - إلى ما بقي من العشرين الآخرة ، وجبت فيها الزكاة ؛ قال : أنظره أبداً إذا حل حول الأولى ، فانظر فإن كان فيضاً بقي منها وبقي من الآخرة ما لو جمع وجبت فيه الزكاة ، فزكى ما بقي من كل عشرين على حولها أبداً ، حتى ينكسرا جميعاً عن الزكاة .
قلت : فإن صار ما بقي منهما ما لو ضم بعضه إلى بعض ، لم تجب فيه الزكاة ؛ قال : فلا زكاة في شيء منهما .
قلت : فإن اتجر فيما بقي من الأولى فصارت بربحها ما إذا

(2/385)


ضممته إلى ما بقي من الآخرة وجبت فيه الزكاة ، وكانت الآخرة على حولها .
قلت : فإن لم تزد شيئاً – وكانت على حالها حتى حال حول الآخرة ، قال : إذا كانتا جميعاً حين يحول حول الآخرة ما لا – تجب فيما بقي منهما الزكاة فضمهما ، فمتى صارتا بربحهما ما تجب فيه الزكاة ، فزكهما ، ثم اجعل حولهما جميعاً حولاً واحداً من يومئذ .
قلت : إن كان حل حول الأولى فنظرنا فيما بقي منهما وفيما بقي من العشرين الآخرة ، فإذا ليس فيهما زكاة إن ضمتا ، فتركنا الزكاة فمضى لها بعد حلول حولها خمسة أشهر - ولم يحل حول الآخرة ، بقي لها شهرت فصارت قبل حلول حولها بشهر ما يجب فيه الزكاة بربحها – إذا ضممتها إلى ما بقي من الأولى ؛ قال : إذا صارت كذلك ، فزد ما بقي من العشرين الأولى مكانك ، واترك الأخرى إلى حلول حولها ، ويكون حلول ما بقي من العشرين الأولى من يوم صار ما بقي من العشرين الآخرة وربحها ، ما إذا ضممته إلى ما بقي من العشرين الأولى وجبت فيه الزكاة ؛ قال : وكذلك قال مالك في هذا كله .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى ، مفسرة لما وقع في المدونة فيها من الألفاظ الملتبسة ؛ والأصل فيها أن الفوائد المفترقة إذا كان في الأولى ما يجب فيه الزكاة ، فلا يضاف بعضها إلى بعض ، وتزكى كل

(2/386)


فائدة على حولها - حتى ترجع كلها إلى ما لا زكاة فيه ؛ مثال ذلك أن يفيد الرجل ما لا تجب فيه الزكاة ، ثم يفيد بعد ذلك بأشهر ما تجب فيه الزكاة ، أو لا تجب فيه الزكاة ؛ فإنه يزكي كل مال على حوله أبداً ، ولا يضيف أحدهما إلى الآخر حتى يرجعا إلى ما لا زكاة فيه ( إذا جمعا ) ؛ فإذا رجعا جميعاً إلى ما لا زكاة فيه وتمادياً جميعاً ناقصان عما تجب فيه الزكاة ، حتى يمر بهما الحولان جميعاً - وهما على نقصانهما ؛ صارا مالاً واحداً ، وسقطت منهما الزكاة ؛ إلا أن يرجعا بالربح فيهما ، أو في أحدهما إلى ما تجب فيه الزكاة ، فيزكيهما حين بلغا بالربح ما تجب فيه الزكاة ، ويكون حولهما واحداً من حينئذ ؛ وإن زكاهما على حوليهما - ما شاء الله ، ثم رجع بعد أن زكى أحدهما إلى ما لا تجب فيه الزكاة ، ثم رجعا جميعاً إلى ما تجب فيه الزكاة بالربح فيهما ، أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني ؛ بقيا جميعاً على حوليهما المتقدمين بأعيانهما يزكي كل مال منهما على حوله بربحه - إن كان الربح فيهما جميعاً ، وقد خلطهما ، أو لم يخلطهما ، ( غير أنه إن لم يخلطهما ) ، زكى كل واحد منهما بربحه الذي ربحه فيه ؛ وإن كان قد خلطهما ، نض الربح عليهما ، فزكى مع كل واحد منهما نوبته من الربح ؛ وإن كان الربح في أحدهما ، زكاه بربحه ، وزكى الآخر بغير ربح ؛ وإن زكاهما على حوليهما - ما شاء الله ، ثم رجا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا ، فأتى حول أحدهما وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة ، فترك تزكيتهما ، ثم لما كان بعد ذلك بأشهر قبل أن يأتي حول المال الآخر ، رجعا بالربح فيهما ، أو في أحدهما - إلى ما تجب فيه الزكاة ؛ فإنه يزكي حينئذ المال الذي
لم يزكه عند حوله بربحه - إن كان الربح فيه ، أو بما ينوبه من الربح إن كان الربح فيهما - جميعاً - وقد خلطهما ، ولو أتى حول المال الآخر - وقد رجعا إلى ما لا زكاة فيه فلم يزكهما ، إذ لا زكاة فيهما ؛ فلم كان بعد ذلك بأشهر ، رجعا إلى ما فيه الزكاة بالربح فيهما أو في أحدهما ، لا ينقل أيضاً حول هذا المال الآخر إلى حين الربح ؛ فهذا بيان هذه

(2/387)


المسألة إذا تمادى النقص بالمالين عما تجب فيه الزكاة حتى يمر بها الحولان - وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة ، رجعا مالاً واحداً ، وبطل ما كان قبل ذلك من حوليهما ؛ وإذا رجعا جميعاً إلى ما لا تجب فيه الزكاة بعد أن زكي أحدهما ، ثم رجعا إلى ما تجب فيه الزكاة بالربح فيهما ، أو في أحدهما قبل أن يأتي حول المال الثاني ، بقيا على حوليهما المتقدمين بأعيانهما ؛ وإذا أتى حول أحدهما - وهما ناقصان عما تجب فيه الزكاة ، فلما كان بعد ذلك بأشهر قبل أن يأتي حول المال الآخر ، رجعا إلى ما فيه الزكاة ، انتقل حول هذا المال إلى حين الربح وبقي المال الآخر على حوله ؛ ولو أتى حول المال الآخر - وقد نقصا عما فيه الزكاة ، ثم رجعا بعد ذلك بأشهر إلى ما فيه الزكاة ؛ انتقل حول هذا المال الثاني أيضاً إلى حين بلغا بالربح جميعاً ما تجب فيه الزكاة ؛ فهي أربعة وجوه ، وجه ينتقض فيه حولاهما جميعاً ويرجعان إلى حول واحد ، ووجه واحد ينتقل فيه حولاهما جميعاً ويبقيان على حولين أيضاً ، ووجه ينتقل فيه حول أحدهما ويبقى الآخر على حوله ، ووجه يرجعان فيه بالربح على حوليهما المتقدمين بأعيانهما ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب العتق
قال ابن القاسم : من كانت عليه مائة دينار - وله مائة ، ثم أفاد فائدة من عرض ، أو عين - قبل الحول ، أو بعد الحول ؛ فإنه لا زكاة عليه فيما بقي في يديه من الناض حتى يحول عليه الحول من يوم أفاد الفائدة .
قال محمد بن رشاد : قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم استأذن ، فلا معنى لإعادته .

(2/388)


مسألة
قلت : أرأيت إن كانت عنده مائة ( دينار ) ، وعليه دين مائة فحال عليه الحول ، قال : لا زكاة عليه ، لأنه ليس له مال فضل عن دينه فسقطت الزكاة عنه .
قلت : فإنه لما مضى شهر استفاد مائة فقضى بها دينه ، قال : لا زكاة عليه في هذه المائة الباقية حتى يحول عليها الحول مرة أخرى ؛ لأن الحلو الأول مر وليس من أهل الزكاة ، فإن تجر بها فربح مكانه عشرين ديناراً ؛ قلنا له : أد الزكاة ، فإنما سقطت عنك في هذه المائة يوم حل الحول ؛ لأنك كنت من غير أهلها ، فلما ربحت هذه العشرين ، قلنا هذه العشرين قد حال عليها الحول ، لأنه حال على الأصل ؛ فأما الأصل فلا زكاة فيه ، لأنها قد سقطت عنه حين مر حوله ، فلا زكاة فيه حتى يحول الحول ؛ وأما هذا الربح ، فما يسقط ( عنه ) الزكاة وقد حال عليه الحول ، ولا دين اليوم على صاحبه يسقط عنه الزكاة وقد بلغ ما تجب فيه الزكاة ؛ فأرى أن تؤخذ الزكاة من الربح ، ولا تؤخذ من المائة ؛ ثم تجعل المائة على حولها الأول ، والربح على حوله يوم زكي ؛ لأنه إنما وجبت الزكاة فيه يوم ربح .
قال محمد بن رشد : قوله في أول المسألة إنه إذا كان عنده مائة دينار فحال عليه الحول - وعليه دين مائة ، أنه لا زكاة عليه - صحيح لا اختلاف

(2/389)


في أن الدين يسقط زكاة العين ، لقول عثمان بن عفان هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين ، فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة ؛ وأما قوله بعد ذلك إنه إن استفاد مائة بعد الحول بشهر ، فقضى بها دينه ، فلا زكاة عليه في المائة التي بيده حتى يحول عليها الحول مرة أخرى ؛ فقد مضى مثله في رسم استأذن ، وذكرنا هنالك ما فيه من الخلاف ؛ وأما قوله إنه إن تجر فيها فربح مكانه عشرين ديناراً ، زكاها وكان حولها من يوم زكاها ، فصحيح على أن الأرباح مزكاة على الأصول ، وقد مضى معنى هذه المسألة والقول فيها في رسم أوصى .
مسألة
قال ابن القاسم : إذا اشترى الرجل الدار للتجارة أو النخل ، ثم استغل الدار وأثمرت النخل عنده ، ثم باعهما جميعاً - بعد أن مضى الحول ؛ قال : ينظر إلى الغلة فيستقبل بها حولاً من يوم أخذها ، وينظر إلى ثمن الدار فيزكيه مكانه ؛ وكذلك النخل إذا أثمرت وحل بيعها ثم باع الأصل والتمر ، فإن الزكاة عليه تمراً ، وينظر إلى ثمن الدار فيزكيه مكانه ؛ وكذلك النخل إذا أثمرت وحل بيعها ثم باع الأصل والتمر ، فإن الزكاة عليه تمراً ، وينظر إلى ثمن النخل والتمر ، فينظر كم ثمن التمر من ثمن النخل ؛ فإذا عرفته فاستقبل بثمن التمر حولاً ، وتزكي ثمن الأصل الساعة ؛ ولو كانت داراً للتجارة وفيها غلة خمسون ديناراً ، فباع الدار وغلتها بألف إردب ؛ فإنه لا زكاة عليه في القمح ، ويعرف حصة الغلة من القمح من حصة أصل الدار ؛ فإذا باع القمح ، نظر إلى ما يصير من القمح للغلة فيستقبل بثمنه حولاً من يوم باعه ، وما كان ثمناً للدار زكاه

(2/390)


مكانه ؛ فإن لم يكن ما تجب فيه الزكاة ، جعل حولها واحداً واستقبل بها سنة .
قال محمد بن رشد : قوله في أول المسألة في الذي اشترى الدار للتجارة فاستغلها ، ثم باعهما جميعاً بعد أن مضى الحول ؛ معناه أن الغلة طعام أو عروض ، فباع الدار بعد أن مضى الحول وما قبض من المكتري في كراء العام الماضي من الطعام ، أو العروض ، أو ما وجب له على المكتري من ذلك بثمن واحد ؛ فإنه يفض الثمن - إذا قبضه على الدار ، وعلى الطعام ، أو العروض ؛ فما وجب من ذلك للدار زكاه مكانه ، لأنها كانت للتجارة ؛ وما وجب من ذلك الطعام أو العروض استقبل به حولاً ، لأن الغلة فائدة وهي عروض أو طعام ، فلا تجب فيه الزكاة ، إلا بعد أن يحول الحول على ثمنها من يوم قبضه ؛ ولو كانت الغلة دنانير لم يجز له أن يبيعها مع الدار بدنانير ، لأنه ذهب وعرض بذهب ، وقد بين هذا بقوله بعد ذلك ؛ ولو كانت داراً للتجارة - وفيها غلة خمسون ديناراً فباع الدار وغلتها بألف إردب ، وهذا ما لا اختلاف فيه إذا كانت الغلة قد وجبت للبائع على المكتري بمضي المدة ، أنه لا يجوز بيعها مع الدار بالذهب - إن كانت السلعة ذهباً ، ولا بالورق على مذهب ابن القاسم ، إلا أن يكون الثمن نقداً ، ويكون ذلك أقل من صرف دينار ؛ ونما الخلاف إذا باع الدار وما وجب له على المكتري من الكراء الذي عاقده عليه ، لما يأتي من المدة ، فكان شيخنا الفقيه ابن رزق - رحمه الله - يجيز ذلك ، ويعتل بأن الكراء لم يجب للبائع بعد ؛ إذ قد تتهدم الدار فيبطل الكراء على المكتري ؛ وإنما يسكن المكتري الدار بعد عقد البيع فيها على ملك المبتاع ،فكأن البائع باع منه الدار وتبرأ إليه من العقد الذي قد لزمه فيها للمكتري ، فرضي به ؛ وكان يستدل لما كان يذهب إليه من ذلك بمسائل ، منها أول مسألة من سماع سحنون : أن الكراء المقبوض لما يأتي من المدة إذا حل عليه الحول لا يلزم أن يزكي منه ، إلا ما يجب منه لما مضى من المدة ، وكان غيره من الشيوخ يخالفونه في ذلك ، ولا يجيزون البيع ويساوون بين ما يجب
لما مضى من المدة ، ولما يأتي منها ؛ وقول

(2/391)


ابن رزق - رحمه الله - أصح في المعنى ، وأظهر في الحجة ؛ إلا أن الرواية عن ابن القاسم منصوصة في الدمياطية : أن ذلك لا يجوز ، بخلاف ما كان يذهب إليه ؛ وقوله في أول المسألة ينظر إلى الغلة فيستقبل بها حولاً - يريد ينظر إلى ما يجب للغلة من الثمن فيستقبل به حولاً ؛ لأنه إنما تكلم على أنه باع الغلة والدار صفقة واحدة ، فوجب أن يفض الثمن على ذلك ، لافتراقهما في حكم الزكاة ؛ إذ الدار للتجارة ، والغلة فائدة ؛ وكذلك لو كانت الدار للقنية ، فباعها مع ما هو للتجارة ، قد حال عليها الحول ، لفض الثمن ، فاستقبل بما ينوب الدار منه حولاً ، وزكى ما ينوب الذي هو للتجارة ؛ مثال ذلك أن يكون للرجل بقعة من فائدة ،فيبنيها للتجارة ، ثم يبيعها مبنية ؛ فإنه يزكي من ذلك ما ناب البناء - إذا كان الحول قد حال على المال الذي بناها به ، ويستقبل بما ناب البقعة حولاً ، وقد روي ذلك عن آل مغيرة - وهو صحيح .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة إذا كانوا محاويج ؟ فاقل : إن نزلت بهم حاجة ، فأرى أن يعطوا من الزكاة - وهم من المسلمين يرثون ويورثون .
قال محمد بن رشد : يريد الهواء الخفيف الذي يبدع صاحبه ولا يكفر ، كتفضيل علي - رضي الله عنه - على سائر الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين ، وما أشبه ذلك ؛ وأما الأهواء المضلة كالخوارج ، والقدرية ، وشبههم ؛ فمن كفرهم بمآل قولهم ، قال : لم يجز أن يعطوا من الزكاة ؛ ومن لم يكفرهم بمآل قولهم ، أجاز أن يعطوا منها إذا نزلت بهم حاجة - وهو الأظهر ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - وتتمارى - في الفرق ، ومن البدع ما لا يختلف أنه كفر ، كمن يقول من الروافض إن علي بن أبي طالب كان

(2/392)


النبي ولكن جبريل أخطأ في الرسالة ؛ وكمن يقول منهم : إن الرسل تترى ، وأنه لا يزال في كل أمة رسولان ، أحدهما ناطق ، والثاني صامت ؛ فكان محمد عليه السلام ناطقاً ولعي صامتاً ، أن الأئمة أنبياء يعلمون ما كان وما يكون - إلى يوم القيامة ؛ فهؤلاء ومن أشبههم لا يعطون من لزكاة بإجماع ، لأنهم كفار ؛ وقد قال ابن حبيب : لا يعطي تارك الصلاة من الزكاة شيئاً ، وهذا على أصله بأن تارك الصلاة كافر على ظاهر قول النبي - عليه الصلاة والسلام : من ترك الصلاة فقد كفر - وإن تركها مفرطاً فيها - أو متهاوناً بها - وهو بعيد ، وبالله تعالى التوفيق .
مسألة
قال : أرأيت الرجل يكون عنده مائة دينار ، وعليه مائة دينار - وعنده مائتا شاة قيمتها مائة دينار ؛ قال : يزكيها ، لأن الغنم وفاء لدينه ، والدنانيرفضل ؛ ولو لم يكن معها المائة دينار ، وكانت الغنم وحدها ، لم يكن دينه بالذي يسقط عنه الزكاة من رقابها .
قلت : فلم يزكي الغنم وهي وفاء بالدين ؟ قال : لأنها لا تشبه الدنانير ، وهي لو كانت وحدها لم يكن معها المائة دينار لم يكن دينه بالذي يسقط الزكاة من رقابها ؛ ولو لم تكن الغنم وكانت المائة وحدها ؛ لم يكن عليه فيها زكاة الغنم ؛ والحوائط والزرع كله لا يمنع صاحب الدين من زكاته .
قال محمد بن رشد : سأله لم لا يسقط الدين زكاة الغنم ، ويسقط زكاة العين ؟ .

(2/393)


فلم يجبه بأكثر من أن قال : ( إن ) الغنم لا تشبه الدنانير ، وليس ذلك بجواب مقنع ، ولا فرق بين ، إذ لم يبين المعنى الذي أزال الشبه بينهما ؛ والفرق بينهما أن الدين يمنع من تنمية العين ، إذ لصاحب الدين أني قوم بدينه فيحجر على المديان التصرف في ماله ، والغنم والزرع والحوائط لا يمنع التحجير على المديان فيها بالدين من نمائها ، لأنها نامية بأنفسها ؛ وأيضاً فإن الله تبارك وتعالى قال : {خذ من أموالهم صدقة} - الآية . فكان هذا عاماً فيمن عليه دين ، وفيمن لم يكن عليه دين ؛ لأن المال مال الذي هو له - وإن كان عليه دين ، فخصص من ذلك العين بإجماع الصحابة ، لأن عثمان بن عفان كان يصيح في الناس : هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة بحضرتهم من غير نكير منهم لذلك ، وبقي سائر الأموال من الماشية والحرث على الأصل في وجوب أخذ الزكاة منها ، كان على صاحبها دين ، أو لم ينكح فهذان وجهان بينان فيو جوب إسقاط الدين زكاة العين دون زكاة الحرث والماشية ، والحمد لله .
مسألة
قلت : أرأيت لو كان ديناً لا يترجى قضاؤه ، وهو لو باعه الساعة بعرض ، باعه بنصف ثمنه ، أو ثلث ثمنه ، أو ثلث ثمنه ؛ هل يحسب ذلك أم لا يحسب ؟ قال : إن كان يجزيه ذلك ، حسب ذلك الذي يجده وتمام الدين فيما في يديه ، وزكى ما بقي إ ، كان بقي ما تجب فيه الزكاة ؛ قال سحنون : يزكي قيمة الدين ولا يزكي عدده - إذا كان صاحبه موسراً ، وابن القاسم يقول : يزكي عدده .

(2/394)


قال محمد بن رشد : هذا في المدير الذي يلزمه أن يزكي ماله من الديون ، وقوله إن الدين الذي لا يرتجى إذا كانت له قيمة يحسب تلك القيمة ، ينبغي أني حمل على التفسير لما في المدونة ،فيكون قوله فيها إنه لا يزكي الدين الذي لا يرتجي ، معناه إذا لم تكن له قيمة ؛ وقد اختلف إذا كان الذي عليه الدين موسراً ، هل يزكي عدده أو قيمته على ثلاثة أقوال ، أحدها : أنه يزكي عدده حالاً كان أو مؤجلاً ، وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب ابن المواز ، وظاهر قول ابن القاسم ههنا ؛ والثاني : أنه يزكي قيمته لا عده ، وهو قول سحنون ، وظاهر ما في المدونة ؛ قال محمد بن المواز : وهو القياس ، غير أني ما علمت أحداً من أصحاب مالك يقوله . والثالث : أنه إن كان حالاً زكي عدده ، وإن كان مؤجلاً زكي قيمته ؛ ومن الناس من يجعل هذا القول مفسراً لقول ابن القاسم ههنا ، ولما في المدونة ، وكتاب ابن المواز ؛ والأظهر أنه قول ثالث في المسألة ، وبالله الموفق .
من مساع يحيى بن يحيى من ابن القاسم
من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع
قال يحيى : قال ابن القاسم : في رجل استحق له معدن في أرضه للإمام فيه أمر ، فقال : الأمر كله إليه في جميع المعادن كان في أرض رجل خاصة أو في أرض أهل الذمة من العنوة أو في أرض موات ليست المعادن لأحد إلا بقطيعة الإمام ، وليست لمن أقطعها الإمام ، إلا على ( حال ) ما وصفت لك من الانتفاع بنيلها ما عمل ؛ ثم إن خرج فترك العمل أو مات عنها ، أقطعها الإمام من شاء ؛ قال يحيى : قلت لابن القاسم أفيجوز للإمام إن طال عمله

(2/395)


فيها ؛ فلم يتركها ، ولم يمت عنها ، أن يزيل منها غيره فيخرجه ويقطعها سواه ، أو أن ترك العمل ثم نبذه زماناً فطلبها غيره من الإمام ، إن ينزعها ويقطعها غيره ممن يعمل ؛ قال سحنون : إنما ذلك في المعادن التي في الأرض التي لا تملك بمنزلة الموات ، فأما الرجل تكن له الأرض يملكها فيظهر فيها معدن فهو له يمنعه ويعمل فيه ، ولا يجوز له بيعه ؛ لأنه غرر لا يدري ما فيه ، ولا كم يدوم له ، أو ما يجد فيه مما لا يجد ؟ وكذلك برك الحيتان تكون في أرضه فهو يمنعها ويحميها ممن يريد أني صيد فيها ؛ وليس لأحد الدخول في أرضه وماله ؛ قال يحيى : قلت لابن القاسم فمعادن أرض الصلح أللإمام فيها أمر ؟ فقال : أما ما كانوا على دينهم ، فلهم صلحهم والوفاء بعهدهم ؛ فإن أسلم الذي المعدن في يديه وأرضه رجع أمره إلى الإ/أم ، ولم يكن لصاحب الأرض منه شيء .
قال محمد بن رشد : مذهب ابن القاسم أن المعادن ليست تبعاً للأرض ، وأمرها إلى الأمام يقطعها لمن يعمل فيها لا على سبيل تمليك أصلها كانت في أرض مملوكة أو غير مملوكة ؛ إلا أن تكون في أرض قوم قد صالحوا عليها ، فهم أملك بأرضهم ، فإن أسلموا رجع أمرها إلى الإمام ؛ هذا قول ابن القاسم في هذه الرواية : إن أهل الصلح إذا أسلموا على أرضهم رجع ما كان فيها من المعادن إلى الإمام ، وليس يلتئم على أصله : أن يرجع إلى الإمام من معادن أهل الصلح ، إلا ما ظهر في أرضهم منها بعد إسلامهم ؛ وأما ما ظهر فيها قبل إسلامهم ، فالواجب على أصله أن يكون لهم ؛ لأنهم ( قد ) أسلموا عليها ، مثل ذلك حكى ابن المواز عن مالك ، وقد ظن بعض أهل النظر أن

(2/396)


قول مالك في كتاب ابن المواز في أهل الصلح إذا أسلموا على أرضهم ، وفيها معادن ، أنها لهم مخالف لمذهب ابن القاسم مثل قو سحنون ، وليس ذلك بصحيح ؛ بل قول مالك هو الصحيح على أصل ابن القاسم في مالك الأرض لا يملك بملكها ما كان فيها من مجهول لم يعلم به كالمعدن وشبهه ، خلاف مذهب سحنون في أنه يملك بملكها ما كان فيها من مجهول - لم يعلم به ، وعلى هذا الأصل ذهب في المعادن إلى أنها إن كانت في أرض مملوكة ، فهي لصاحب الأرض ، وهو قول ابن حبيب في الواضحة . وجه القول الأول أن الذهب والفضة التي في المعادن التي في جوف الأرض أقدم من ملك المالكين لها ، فلم يحصل ذلك ملكاً لهم بملك الأرض ؛ إذ هو الظاهر من قول . وجل : {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} . إذ لم يقل إن الأرض لله يورثها وما فيها ( من يشاء من عباده ) فوجب بحق هذا الظاهر ، أن يكون ما في جوف الأرض من ذهب أو ورق في المعادن فيئا لجميع المسلمين ، بمنزلة ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ؛ ووجه القول الثاني أنه لم أكان الذهب والفضة نابتين في الأرض كانا لصاحب الأرض بمنزلة ما نبت فيه امن الحشيش والشجر .
والقول الأول أظهر ، لأن الحشيش والشجر حادثان بعد الملك ، فهما بخلاف الذهب والفضة في المعادن ؛ وأما الحيتان المتولدة في برك أرض الرجل ، فقد قيل أنها لصاحب الأرض ، لأنها تولدت في أرضه ، وهو قول سحنون ؛ وقيل إنها لمن صادها من المسلمين ، لأنه غيث ساقه الله لم يملك صاحب الأرض أصله ؟ وروي عن أشهب أنه قال إن كان صاحب الأرض وضع في البرك الحيتان فتوالدت فيها فهي له ، وإلا فهي لمن صادها من المسلمين ، ولكل وجه ؛ وسأله في الرواية هل للإمام أن يزيل منها الذي أقطعه إياها إذا طال عمله فيها ولم يتركها ولا مات عنها ، وتركها ويقطعها غيره أم لا ؟ فلم يجبه في ذلك ، وقد

(2/397)


روى أشهب عن مالك أن ذلك لهن وهو ظاهر في الوجهين جميعاً ، لأنه إذا طال عمله فيها ، فقد انتفع بما أقطع ولم يستحق المعدن بالإقطاع ملكاً ولا العمل فيه حياته ، لا أن يقطعه إياه حياته ، فله أن يقطعه غيره ، وإذا ترك العمل فيه ونبذه ، فقد ترك حقه ، فللإمام أن يقطعه غيره . وأما إذا مات فقال فيك تاب الشركة من المدونة ؛ إن للإمام أن يقطعه لمن شاء ولم يبين إن كان قد أدرك النيل أو لم يدركه ؛ وقال سحنون إن كان قد أدرك النيل فليس للإمام أن يقطعه إلا لورثته ؛ وقال أشهب ، وإن مات قبل أن يدرك النيل ، فورثته أحق به ، وهو القياس ؛ لأنه إذا قطع لغير ورثته وقد عمل فيه ، ذهب عناؤه وعمله باطلاً ، كان قد أدرك النيل ، أو لم يدركه ؛ إلا أن يكون قد أدرك النيل ، قدر له مدة لو شاء الإمام أن يقطعه لغيره قبل أن يموت ، كان ذلك له ؛ فيكون له أن يقطعه لغير ورثته ، هذا هو النظر في هذه المسألة ، وبالله التوفيق .
من مساع سحنون
وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون : وسئل ابن القاسم عن الرجل يكري داره خمس سنين بمائة دينار ، فيتعجلها فيحول الحول عليه - وهي عنده ، ول يس له مال غير الدار . قال : يزكيها لأنه كان ضامناً لها ، وهي مال من ماله بمنزلة الدين يكون عليه ينظر إلى ما صار له من الكراء فيما سكن ، فإن كان عشرة دنانير ، نظر إلى قيمة الدار ، فإن كان قيمتها تسعين زكى المائة كلها ، لأن في قيمة الدار وفاء مما عليه من التسعين ؛ وإن كان قيمتها ثلاثين زكى الأربعين ، لأنه إنما وجب له عشرة والتسعون ديناً عليه ، فهو يخالف على الدار أن تهدم فيبطل الكراء فيما بقي ويرجع عليه بالتسعين ؛ فإنما قومناها بعد السنة لتعرف قيمتها ، وليجعل الدين فيه ، ولا يكون عليه فيما بقي شيء ، لأنه دين عليه ؛

(2/398)


ولكن ينظر فكل ما سكن أخذ بقدره فزكاه ، وإن كان ديناراً واحداً ؛ لأنه قد حال عليه الحول نده وهو من أصل مال قد حال عليه الحول ، وذلك أنه كلما وجب له من السكنى شيء حسب عليه ، لأنه قد كان قبض الكراء كله ، وحال عليه من حين قبضه حول ، وصار بمنزلة العشرة الأولى التي وجبت له بمضي السنة ، وأوقفت الدار في عشرين ، فكلما سكن شيئاً حسب له من يوم قبضه ،فزكاه على ذلك وهو وجه ما سمعت .
قال محمد بن رشد : جواب ابن القاسم في هذه المسألة مبني على القول بأن الرجل إذا كان له مال وعليه دين مثله ، فوهب له الدين بعد حلول الحول على المال الذي بيدهن أو أفاد مالاً فيه وفاء به ؛ أنه يزكي ما بيده من المال ، ولاستقبل به حولاً ثانياً من يوم وهب له الدين ، أو أفاد ما فيه وفاء به ؛ وهو قول غير ابن القاسم في المدونة ، خلال قول مالك فيها ، وأحد قولي ابن القاسم على ما تقدم من اختلاف في قوله في ذلك في سماع عيسى ؛ لأنه قال إنه يزكي من المائة التي قبض مقدمة في كراء داره خمسة أعوام ، إذا حال عليها الحول ؛ ما يجب منها للعام الماضي مع قيمة الدار ، وما يجب منها للعام الماضي قد كان عليه ديناً ، وإنما سقط عنه الدين فيه بالسكنى شيئاً بعد شيء وسقوط الدين عنه فيه بالسكنى كهبته له سواء ، فأوجب عليه فيه الزكاة بحلول الحول ، ولم يأمره باستئناف حول من يوم سقط عنه فيه الدين شيئاً بعد شيء ؛ ويأتي على قياس القول الثاني وهو الذي في المدونة لمالك ، ألا يزكي شيئاً من ذلك حتى يحول عليه الحول بعد سقوط الدين عنه بالسكنى ؛ ووجه العمل في ذلك ، أن يؤخر حتى يمضي من العام الثاني ما له قدر فيزكي ما ينوب قدر ذلك من العام الثاني ماله قدر فيزكي ما ينوب قدر ذلك من العام الأول ، لأنه هو الذي حال عليه الأول بعد سقوط الدين عنه ؛ ثم إذا

(2/399)


مضى بعد ذلك أيضاً ماله قدر ؛ زكى ما ينوب ذلك كذلك أبداً حتى ينقضي العام الثاني ، فيزكي بانقضائه ما بقي من واجب العام الأول ؛ وأما تزكيته منها قدر قيمة الدار عند حلول الحول عليها عنده ، فلا اختلاف في ذلك ؛ لأن الدار وفاء بالدين وملكها له قديم ؛ وكذلك يدخل هذا الخلاف أيضاً فيما يجب عليه من الباقين فقال في الرواية على أصله فيها إنه يزكي منه بقد ما سكن شيئاً ، شيئاً ؛ وعلى ما في المدونة لمالك لا يزكي منه بقدر ما سكن حتى يحول عليه الحول من يوم سكنه .
و منى قوله وأوقفت الدار في عشرين ، أن هذا الباقي الذي يزكي منه بقدر ما يسكن ، إنما هو ما بعد قيمة الدار ، وبعد العشرين التي تجب العام الماضي ، لأنه قال إن الكراء كان خمس سنين بمائة دينار ، ويلزم على قياس القول الآخر - وهو بنى عليه جوابه في الرواية إذا زكى من المائة التي قبض ما يجب لما مضى مما حال عليه الحول ، أن يجعل ما بقي من ذلك أيضاً فيما عليه من الدين ، فيزكي قدره من المائة ؛ كما يجعل في ذلك قيمة الدار ، ويزكي قدره منها لأنه إذا أخرج زكاتهن صار الباقي منه بعد إخراج الزكاة كما أفاده مكانه ، فيجعل الدين فيه على هذا القول ، ويزكي قدر ذلك مكانه من غير أن يستقبل بذلك حولاً من حينئذ - كما قال ابن المواز ؛ على قياس هاذ القول فيمن آجر نفسه ثلاث سنين بستين ديناراً وقبضها ومضت سنة ولا عروض له ، أنه يزكي تسعة وثلاثين ديناراً ونصف دينار ؛ لأنه يخرج أولاً زكاة عشرين ديناراً نصف دينار ، ثم يجعل ما بقي منها وذلك تسعة عشر ديناراً ونصف دينار - فيما عليه من الدين ، ويزكي قدر ذلك مما قبض ، وعلى ما في المدونة لمالك لا يزكي بمضي السنة ما يجب لها من الإجارة ، لأن الحول لم يحل على جميع ذلك منذ وجبت له بسقوط الدين عنه فيها ؛ وقد قيل في الذي أكرى داره خمس سنين بمائة وقضها ، إنه يجب عليه أنيزكي جميعها إذا حال عليها الحول عنده ، لأن

(2/400)


الدر مأمونة ، وما يطرأ عليها من الهدم نادر ، فلا يعتبر به ؛ وهو ظاهر قوله في أول المسألة : يزكيها : لأنه كان ضامناً لها وهي مال من ماله ، خلاف ما بذكر بعد ذلك من التفسير ، فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال ؛ أحدها : أنه يزكي إذا حال الحول على المائة بيده المائة كلها وهو هذا القول ، والقول الثاني أنه يزكي منها قدر قيمة الدار وما يجب من الكراء للعام الماضي ، فكلما سكن بعد ذلك المكتري شيئاً زكى مما بقي قدر ذلك ، وهو قوله في هذه الرواية .
والقول الثالث أنه يزكي منها قدر قيمة الدار وما يجب منها للعام ، وما يبقى من ذلك بعد الزكاة ؛ فكلما سكن المكتري بعد ذلك شيئاً ، زكى مما بقي قدر ذلك ؛ وهذا القول يأتي على ما بنى عليه جوابه في الرواية ، وعلى ما ذكرناه عن محمد بن المواز في مسألة الإجارة ، والقول الرابع أنه يزكي منها قيمة الدار ، ولا يزكي مما وجب للعام الماضي ، ولا مما يسكن بعد ذلك ، إلا ما حال عليه الحول من ذلك بعد السكنى ؛ وهذا القول يأتي على مذهب مالك في المدونة على ما ذكرناه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسالت ابن القاسم عن الرجل يبعث بمال إلى افريقية فتحضره زكاته ، أيقومه ؟ قال : إن علم ذلك وتبين كم هو ، أو قدر على أن يتوخى قدر ذلك ، فعل ؛ وإن أخر ذلك حتى يقدم عليه ، زكاه لما مضى له .
قال محمد بن رشد : وهذا في المدير الذي يبعث من ماله بضاعة ، فإذا جاء شهر زكاته قومه وزكاه مع ما يزكي من ماله - إن علم قدره ، أو قدر أن يتوخاه ؛ وإن لم يعلم ذلك آخر زكاته حتى يقدم عليه فزكاه لما مضى له من الأعوام على ما يخبره به الذي هو بيده ، وهو هذا ما لا اختلاف فيه أعلمه ، لأنه ماله ضمانه منه وربحه له ، فلا تسقط عنه زكاته لمغيبه عنه .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل له مائتا درهم ليست كيلاً بالأندلس ،

(2/401)


وهي تجوز عندهم مجاز الكيل ، قال : لا يكون عليه فيه الزكاة ، إلا أن ينقص من الكيل نقصاناً يسيراً .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف بين أهل العلم في أن النصاب من الورق خمس أواق ، وهي مائتا درهم كيلاً تجيء بوزن زماننا مائتي درهم وثمانين درهماً ؛ فإن نقصت من ذلك نقصاناً بيناً تتفق عليه الموازين لم تجب فيه الزكاة ، إلا أن يجري عدداً ، وهي تجوز بجواز الوازنة فتجب فيها الزكاة . وإن كان النقصان كثيراً ، وهو ظاهر ما في الموطأ ؛ وقيل إن الزكاة لا تجب فيه وإن كان النقصان يسيراً ، وغلى هذا ذهب ابن لبابة ؛ وقيل إن كان النقصان يسيراً ، وجبت فيها الزكاة ؛ وإن كان كثيرا ؛ ، لم تجب فيها الزكاة ، وهو قول سحنون هذا ؛ وأما إن كانت لا تجوز بجواز الكيل ، فلا تجب فيها الزكاة ، وإن كان النقصان يسيراً قولاً واحداً ، فهذا تحصيل الخلاف في هذه المسألة .
مسألة
وسئل عن رجل حلت عليه الزكاة وهو ممن يدير ماله في التجارة ، فأتى شهره الذي يقوم فيه ؛ هل يجب عليه أن يبيع عروضه بالغاً ما بلغ ؟ قال : عليه أن يبيع كما يبيع الناس لحاجتهم ، ويؤدي زكاة ماله ؛ قيل له فإن لم يبع من العروض حتى تلفت بعدما حال عليه الحول ، هل يكون ضامناً للزكاة ؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إن للرجل أن يقتصي في سلعته للبيع ، ويجتهد في تسويقها ليؤدي منها الزكاة دون تفريط ولا تأخير ، وليس يلزمه

(2/402)


أن يبيعها من حينه بما يعطى فيها من قليل أو كثير ؛ لأن ذلك من إضاعة المال ، فإن فرط في بيعها حتى تلفت ، لزمه ضمان الزكاة ؛ وإن تلفت قبل أن يفرط ، لم يلزمه ضمان ما تلف ، وزكى الباقي إن كان ما يجب فيه الزكاة . وقيل إنه تلزمه الزكاة وإن لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة ، لأن المساكين نزلوا معه بحلول الحول منزلة الشركاء ، فما تلف فمنه ومنهم ، وما بقي فبينه وبينهم ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال سحنون : في الذي يموت ويترك مالاً وولداً صغاراً أو كباراً ، إن الزكاة على الصغار والكبار لكل سنة من يوم ورثوه - وإن لم يقسم المال ، ولا يكون مثل الدين على الرجل فيقيم عنده سنين ، أنه لا يكون عليه إلا زكاة واحدة حتى يقبضه ، لأن الذي كان في يديه الدين كان ضامناً ، ولم يكن رب الدين ضامناً له حتى يقبضه ، وإن الميراث ، إنما هو في ضمان أهل الميراث من حين ورثوه إن تلف ، ومصيبته منهم ، فلذلك كان عليهم زكاته كل سنة من حين ورثوه إلى يوم يصير إليهم ، لأنه لم يزل ملكاً لهم من حين ورثوه ، وإن لم يكونوا قبضوه .
قال محمد بن رشد : هذا مذهب سحنون : أن على الورثة زكاة ما ورثوه من الناض لكل سنة من حين ورثوه وإن لم يقبضوه ولا عملوا به صغاراً كانوا أو كباراً ، أو صغاراً وكباراً ، وهو قول المغيرة ؛ ووجه ذلك كونه في ضمانهم من يوم ورثوه ، وذهب ابن القاسم إلى أنه لا زكاة عليهم فيه حتى يقبضوه ويستقبلوا به حولاً من يوم قبضوه ، وإن علموا به صغاراً كانوا أو كباراً أو صغاراً وكباراً ؛ ووجه ذلك أن تنميته لا تصح لهم إلا بعد قبضه ، وهي المعنى

(2/403)


المقصود بالحول ؛ وقد فرق بين أن يعلموا أو لا يعلموا على وجهين ، أحدهما : أنهم إن لم يعلموا استقبلوا به حولاً بعد القبض ، وإن علموا ولم يقدروا على التخلص إليه ، زكوه لسنة واحدة ؛ وإن علموا وكانوا قادرين على التخلص إليه ، زكوه لما مضي من الأعوام ، وهذا قول مطرف ؛ والثاني أنهم إن لم يعلموا زكوه لسنة واحدة ، وإن علموا زكوه لم أمضى من الأعوام ، روي هذا عن مالك . واختلف في قبض لوكيل والوصي والسلطان ، فلم يراع ابن القاسم قبض السلطان ، ولا قبض الوصي - إذا كان الورثة كباراً أو صغاراً أو صغاراً وكباراً ؛ وإنما رأى قبضه قبضاً للصغار إذا كان المال مقسومًا ، وجعل قبض الكيل كقبضه ؛ وجعل ابن حبيب قبض السلطان الوكيل كقبضه لنفسه ، ورأى قبض الوصي قبضاً للصغار - مقوماً كان المال أو غير مقسوم ، وقد روي أصبغ عن ابن القاسم أن الوكيل إذا قبض المال وأقام في يديه سنين فليس عليه فيه إلا زكاة عام واحد ، فهذا تلخيص الاختلاف في هذه المسألة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن المفقود يوقف ماله ويحبس عليه ، هل تؤدي منه الزكاة ؟ فقال : لا تؤدي منه الزكاة ، لأني لا أدري لعله عليه من الدين أكثر من ماله ، أو قال : لعله يلحقه من الدين أكثر من ماله .
قال محمد بن رشد : قد اعتل ابن القاسم لقوله بعلة صحيحة ، وهي المخافة أن يكون عليه دين لأن الدين يسقط زكاة العين ؛ وله علة أخرى أيضاً وهي أنا لا ندري لعله قد مات ، فلا يدري على ملك من يزكيه من الورثة .
مسألة
وعن الرجل يكون ممن يدير ماله في التجارة ، وتكون له سفينة

(2/404)


اشتراها يكريها إلى مصر وإلى الأندلس ؛ هل يقومها في كل سنة ويخرج زكاة قيمتها ؟ فقال : لا يكون عليه أن يقومها .
قال محمد بن رشد : لو شاتراها للتجارة لقومها ، وإنما لم يقومها من أجل أنه اشتراها للكراء ؛ وقد اختلف قول مالك في هذا المعنى على ما قد ذكرناه في رسم الزكاة من سماع أشهب .
مسألة
وسئل سحنون عن الرجل يتصدق على رجل بألف درهم ، وعزلها المتصدق ، فأقامت سنين ، فلم يقبلها المتصدق عليه ، أو قبلها ؛ قال إن قبلها استقبل بها حولاً وسقط زكاة ما مضى من السنين ، وإن لم يقبلها رجعت إلى صاحبها وأدى عنها زكاة ما مضى من السنين .
قال محمد بن رشد : في النوادر لابن القاسم من رواية سحنون عنه ، ( أنه ) إن قبلها المتصدق عليه ، استقبل لها حولاً ولم تسقط منه الزكاة ؛ ووجه قول سحنون ( أنه لما تصدق المتصدق بالدنانير ، وللمتصدق عليه أن لا يقبله أن صارت الصدقة موقوفة على قبوله ؛ فإن قبل ، خرجت ، ملك المتصدق يوم تصدق بها ، فلم تجب عليها زكاتها ؛ كمن باع سلعة رجل بغير إذنه ، فأجاز ؛ ووجه قول ابن القاسم ) أن المتصدق عليه لما كان له أن يقبل أو يرد بما أوجب له المتصدق على نفسه ، وكان إن قبل وجبت له الصدقة بالقبول ، وجب ألا تخرج من ملك المتصدق إلا بالقبول ؛ فكان عليه زكاته كالمملكة أو المخيرة تختاران الطالق ، أنه يقع عليهما يوم القضاء ، لا يوم التخيير والتمليك ؛ وهو أن القولين جاريان على اختلافهم في مشتري السلعة

(2/405)


بالخيار - إذا اختار البيع ، هل تجب له السلعة يوم اشتراها ، أو يوم اختار ؛ فقد قال في كتاب الشفعة من المدونة في الذي اشترى شقصاً بخيار ثم بيع الشقص الآخر من الدار بيع بت ؛ أنه إن اختار الشراء ، كانت الشفعة في الشقص المبيع بالبت ، فأوجب هل الشراء بالعقد ؛ وعلى هذا يأتي قول سحنون إنه إن قبل الصدقة ، سقطت ، المتصدق فيها الزكاة ؛ وقد روي عن ابن القاسم أن الشفعة لمشتري البت إن اختار مشتري الخيار ، فجعل البيع إنما وجب له بالاختيار لا بالبيع ؛ فقيل هذا يأتي على قول ابن القاسم إنه إن قبل المتصدق عليه الصدقة ، لم يسقط عن المتصدق زكاتها ؛ ولو كانت هذه الصدقة مما له غلة ، لكانت الغلة على قول ابن القاسم للمتصدق إلى يوم القول - وإن قبل ؛ وعلى قول سحنون يكون للمتصدق عليه - إن قبل ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل لسحنون ما ت قول في رجل وجد ركازاً في أرض عنوة ولم يبق من الذين افتتحوها أحد ، ولا من أولادهم ، ولا من نسلهم ؛ لمن يكون هذا الركاز ؟ فقال : يجعل مثل اللقطة ، قيل فيصنع به ماذا ؟ قال : يتصدق به على المساكين ، لأن الذين غنموه لا يعرفون ؛ قيل له فإن كانت أرضاً لا تعرف إن كانت مغنومة أو صلحاً ؟ فقال : يكون لمن أصابه .
قال محمد بن رشد : قوله ولم يبق من الذين افتتحوها أحد ، ولا من أولادهم ، ولا من نسلهم ؛ معناه ولم يبق منهم أحد يعرف بعينه ، ويدل على ذلك قوله في آخر المسألة لأن الذين غنموه لا يعرفون ولو كانوا قد بادوا وذهبوا ولم يبق

(2/406)


منهم أحد ، لما لزم أن يكون حكم ذلك حكم اللقطة في صرفه إلى الصدقة ؛ وإنما الذي كان يجب فيه أن يجعل في بيت مال المسلمين كميراث من مات ولا وارث له ؛ لأن هذا الركاز قد وجب للغانمين ، فإذا علم أنهم قد ماتوا أو لم يبق منهم أحد ، ولا من نسلهم ، وجب ، يجعل في بيت مال المسلمين ؛ وأما قوله إذا لم يعرف إن كانت الأرض مغنومة أو صلحاً ، أنه يكون لمن أصابه فإنما قال : ذلك مراعاة للخلاف ، إذ أكثر أهل العلم ، يوقون إنه لمن وجده ، سواء كانت الأرض حرة عربية ، أو صلحية أو عنوية ، وهو قول ابن نافع ، وقول مطرف ، وابن الماجشون ، وروايتهما عن مالك ؛ وكان القياس في ذلك على القول بأن الركاز الموجود في أرض العنوة يكون للغانمين لتلك الأرض ، وأن الركاز الموجود في أرض الصلح يكون للذين صولحوا على تلك الأرض من أهل الذمة ؛ - أن يكون حكمه حكم اللقطة يتصدق به على المساكين ، إذ لا يعلم لمن هو منهم ؛ كما لون أن رجالً وجد لقطة لا يعلم إن كانت لذمي ومسلم ، لوجب أني تصدق بها على المساكين - إذا يئس من أن يعلم صاحبها بعينه والركاز الذي يخرج خمسه ويكون لواجده أربعة أخماس حيث ما وجدوا في الأرض الحرة العربية التي لست بصلحية والعنوية على مذهبا بن القاسم وروايته عن مالك ، هو دفن الجاهلية ؛ وأما المال الإسلامي فليس بركاز ، وإنما هو كنز ؛ لأن الكنز هو المال المجموع الذي لا تؤدي منه الزكاة مدفوناً كان أو غير مدفون ، وحكمه حكم اللقطة بإجماع من أهل العلم ، وقد اختلف فيمن وجد ركازاً في أرض غيره من الأرض الحرة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، أو الحرة وغير الحرة على مذهب غيره ، هل يكون للواجد ، أو لصاحب الأرض ؟
فذهب ابن حبيب إلى أنه لصاحب الأرض ، ورواه عن ابن زياد عن مالك ؛ وحكى الفضل عن ابن القاسم وأشهب أنه للواجد ، وكان القياس أن يكون على مذهب ابن حبيب لواجده ؛ لأنه لا يراه

(2/407)


تبعاً للأرض إذا كانت عنوة أو صلحاً ؛ وعلى مذهب ابن القاسم وأشهب أن تكون لرب الأرض ، لأنهما يريانه تبعاً للأرض - إذا كانت عنوة أو صلحاً ، وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
من كتاب الزكاة والصيام
قال أصبغ : وسمعت ابن القاسم - وسئل عن رجل له على رجل مائتا درهم قد حال عليها الحول ، فأخذ منها دنانير لا تجب في مثلها الزكاة ، أو كانت له عليه عشرون ديناراً ، فأخذ منه صرف دراهم لا تجب في مثلها الزكاة ؛ أعليه أن يزكي ذلك ؟ قال : ليس عليه زكاة ، إلا أن يأخذ مكان الذهب من الدراهم ما تجب فيه الزكاة ، أو مكان الدراهم من الذهب ما تجب فيه الزكاة ، فيزكي ذلك ؛ فأما ما لم تجب فيما يأخذ الزكاة فلا زكاة عليه ؛ ولو كان ذلك عليه ، لكان عليه ، يزكيها عند الحول - ولم يقبضها . قال : ولو كان وهبها له ، أو تصدق بها عليه ، أو أخذ بها منه عرضاً ، لم يكن عليه فيها زكاة ، وقاله أصبغ ، وقال أشبه شيء به ؛ والحجة فيه وعنه أخذ العرض ، أنه لا يزكي عنها مكانه ، ولا تقوم العروض ، ولا يزكي ثمن العروض إذا باعه حتى يحول على ثمنه الحول ؛ وفيه ما تجب في مثله الزكاة ؛ قال أصبغ : قيل لابن القاسم : أرأيت إن كانت دراهمه عليه أقل من مائتي درهم ، أو دنانيره أقل من عشرين ديناراً ، فأخذ في الدنانير من الدراهم مائتي درهم ، وفي الدراهم من الدنانير عشرين ديناراً ، قال : أرى عليه الزكاة في الوجهين جميعاً - كانا من

(2/408)


بيع أو سلف قرض ؛ فهو سواء يزكي إذا أخذ مائتي درهم ، وعشرين ديناراً ، إذا كانت السلعة في أصل البيع كانت لتجارة . وقال أصبغ : وإنما هو رجل أفاد عشرة دنانير ، فأقامت عنده حولاً ، ثم اشترى بها مائتي درهم فيلزك ؛ لأن فضلها منها وقد أقرضت بفضلها أو أفاد مائة درهم فأقامت عنده حولاً ، ثم صرفها بعشرين ديناراً ، فعليه فيها الزكاة مكانه ، بمنزلة من أفاسد عشرة دنانير فاشترى بها سلعة فنمت بفضلها إلى ما تجب فيه الزكاة ، ففيها الزكاة .
قال محمد بن رشد : أما المسألة الأولى وهي الرجل يكون له من الدنانير أو الدراهم ديناً على رجل ما تجب فيه الزكاة فيحول عليه الحول ، ثم يأخذ منه بذلك ما لا تجب فيه الزكاة من ( الدنانير أو الدراهم ، أو ما لا تجب فيه الزكاة من ) العروض ؛ أنه لا زكاة عليه في الدنانير ولا في الدراهم ، ولا في العروض ، حتى يبيعها ويستقبل بثمنها حولاً ؛ معناه إن كان أخذها للقنية فلا اختلاف في ذلك في المذهب ، وابن شهاب يرى عليه زكاة الدين إذا حال عليه الحول وإن لم يقبضه ؛ وروي ذلك ابن عمر ، ولذلك قال أشهب : إنه إن زكاه قبل أن يقبضه أجزأه ؛ فعلى قولهما لا تسقط عنه الزكاة في ذلك - وإن أخذ فيه أقل مما تجب فيه الزكاة وقد حال عليه الحول فأخذ منه ما تجب فيه الزكاة ، فقوله فيها أن عليه الزكاة ، هو على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أحوال أصول الأموال ، وقد ذكرنا في أول مسألة من سماع ابن القاسم ما في ذلك من الاختلاف في المذهب موعباً - وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم : فيمن استودع وديعة فأسلفها رجلاً فأقامت سنين ، أنه يزكيها إذا قبضها ؛ لأنه كان ضامناً لها فصارت ديناً له ،

(2/409)


وقال أصبغ ؛ وقال : يزكيها لسنة واحدة وهو بمجرى سبيل الديون التي له .
قال محمد بن رشد : أما المودع الذي اقرضها فيزكيها لسنة واحدة إذا قبضها إن كان له بها وفاء ، قد حل عليه الحول باتفاق ، أو لم يحل عليه على ما تقدم من الاختلاف في رسم استأذن من سماع عيسى ؛ وأما الذي أقرض إياها ، فيزكيها لكل سنة عنده - إن كان له بها وفاء ؛ وأما صاحبها المودع ، فيزكيها إذا قبضها زكاة واحدة لجميع السنين التي كانت عند المقرض - كان له بها وفاء أو لم يكن ، لأنها ماله ؛ وما أقامت بيد المودع قبل أن يقرضها فعليه زكاتها لكل سنة ، إلا على رواية ابن نافع عن مالك التي ذكرناها في رسم استأذن ، وهو شذوذ في المذهب ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سألت ابن القاسم عمن أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار في كل سنة ، فحلت أول سنة فلم يقبضها ولا الثانية ؛ ثم قبض ثلاثمائة بعد الثلاث سنين ، كيف يزكي ؟ قال :يستقبل بها حولاً كلها من يوم قبضها ، وليس في ذلك اختلاف من قول مالك بمنزلة ما لو باع سلعة بثمن حال ، فاستأخر حتى قبضه بعد سنة ، فإنما يستقبله من يوم يأخذه حولاً ؛ أو بمنزلة الدين ورثه من أبيه على رجل فأخره قبله أرفقه به حتى مضت ثلاث سنين ؛ فإنما يستقبل به من يوم يأخذه حولاً ، ثم قال لي في الأولى إلا أن يكون فعل ذلك هرباً من الزكاة ؛ قال أصبغ : ليس استثناؤه هذا بعلم ولا شيء سوى فعله ها هنا هرباً من لزكاة أو غير هرب ، أو متعمداً أو غير متعمد ؛ وقادراً على أخذه أو غير قادر ، هي والثانية سواء ؛ وليس عليه في ذلك

(2/410)


زكاة ، وإنما يستقبل بذلك كله حولاً من يوم يقبضه ولا يعبأ بما مضى قبل ذلك من الأحوال وال غيرها ، أو بما يقبض منه لما تجب فيه الزكاة إنه قبضه مقطعاً ؛ قال أصبغ : وليس في هذا كلام ولا اختلاف .
قال محمد بن رشد : قول أصبغ هو القياس : ألا فرق بين الأولى وهي التي باع سلعة بثمن حال فاستأخر حتى قبضه بعد سنة ، وبين الثانية وهي التي ورث الدين عن أيه على رجل فأخره به ( في ) أن لا زكاة عليه فيهما – وإن فعل ذلك هرباً من الزكاة . لاستوائهما في أن الزكاة لا تجب عليه فيهما إلا بعد سنة من يوم القبض ؛ ووجه قول ابن القاسم في تفرقته بينهما أن الدين في المسألة الأولى من بيع باعه ، وقد قال ابن الماجشون والمغيرة أن العروض المقتناة إذا بيعت بثمن مؤجل فاقتضى بعد حول ، زكى مكانه كدين التجارة ؛ وقال ابن شهاب وعبد الله بن عمر : في إحدى الروايتين عنه أن الدين يزكي وإن لم يقبض ؛ ومن فعل هرباً من لزكاة ما يجب عليه به الزكاة في قول قائل ، فهو بخلاف من فعل هرباً ما يسقط عنه الزكاة باتفاق ، وهذا أصل يعتمد عليه ؛ ألا ترى أن ما كانت له دنانير تجب فيه الزكاة فاشترى به اعرضاً لا غرض له فيه إلا الهروب من الزكاة لم يجب عليه شيء بإجماع ؛ وأما المسألة الأولى وهي التي أكرى داره ثلاث سنين جملة بمائة دينار في كل سنة فلا اختلاف فيها من قول مالك – كما قال – وإن فعل ذلك هرباً من لزكاة ، لأن الكراء غلة ، فهو بخلاف ثمن السلعة في المسألة التي بعدها ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول سألت مالكاً عن الرجل يدفع إلى الرجل المال قراضاً فيقيم في يديه سنين ثم يرجع إليه ، قال :

(2/411)


يزكيه لما مضى من السنين ؛ قال ابن القاسم وإنما أراد بذلك إذا كان المقارض يدير المال في تلك السنين ، على ذلك حلمناه ، وهو الذي أراد ؛ فأما إذا كان لا يدار ، فزكاة سنة واحدة إذا رجع إليه ، وإن كان العامل لا يدير ورب المال ممن يدير ، زكاه للسنين كلها . قال أصبغ : قلت لابن القاسم وكيف ذلك : أبعد أن يرجع إليه ؟ أم في كل سنة يقومه مع ما يدير ويقوم ؟ فقال بل في كل سنة يقومه مع ما يدير ويقوم من ماله هو أحب ما فيه إلي - إن كان عيناً موقوفاً بحاله بيد العامل زكاه ربه كل سنة على عدده ؛ أو إن كان في سلعة قومها كلها إذا جاء شهر زكاته فزكى بقدر رأس المال وحصته من الفضل ؛ وإن كان المقارض عنه غائباً ببلد غيبة الذي دري كيف حالته فيها ؟ ولا ما حدث عليه ؟ ولا حال ما في يديه ؟ فلا زكاة عليه حتى يعلم ذلك ، أو يرجع إليه ؛ فإذا رجع إليه زكاه للسنين الماضية على قيمة السلع في تلك السنين - إن كان في سلع ، رأيته بمنزلة الرجل الذي يجهز إلى بعض البلدان ويجيء شهر زكاته ولا يدري حال ماله ذلك ، فلا زكاة عليه حتى يرجع إليه علم ذلك ؛ فإذا جاءه ذلك زكاه للسنين الماضية التي كان الجهاز فيها غائباً ، وقاله أصبغ وقال هذا فقه هذه المسألة مجتمع .
قال محمد بن رشد : قول مالك في أول المسألة إن القراض إذا رجع إلى ربه بغد أعوم ، يزكيه لما مضى من السنين إن كان على ما فسر ابن القاسم . يريد أن يزكي لكل سنة قيمة المتاع فيها ، كانت قيمته في كل سنة أقل من قيمته في السنة التي قبلها أو أكثر ـ على ظاهر قوله يزكيه لما مضى من السنين ، وهو ظاهر ما في القراض من المدونة ، وقد قيل إنه إذا زاد في كل سنة يزكيه على

(2/412)


ما هو عليه من الزيادة ، وإذا نقص يزكيه للأعوام الماضية على ما رجع إليه من النقصان ؛ وأنه هو الذي يأتي على ما في سماع أبي زيد من كتاب القراض ، ومثل ما في كتاب القراض من المدونة ، وعلى ظاهر هذه الرواية ورواية عيسى عن ابن القاسم من كتاب القراض من أن مال القراض لا يزكى ـ وإن كان حاضراً ـ إلا بعد المفاصلة ؛ لأن العلة في أنه لا يزكى إلا بعد المفاصلة نحافة النقصان ، إذا لو كان لا يسقط عنه زكاة ما نقص ، لم يكن لتأخير إخراج الزكاة على حين المفاصلة معني ؛ فعلى هذا إن كان المال في أول سنة ثلاثمائة وفي السنة الثانية مائتان ، وفي الثالثة مائة ؛ يزكي مائة لكل سنة ، وقد جاء لا بن حبيب في هذا ( المعنى ) اضطراب ؛ ومن قوله أيضاً إن رب المال إذا كان يدير والعامل لا يدير ـ وهو حاضر معه ، أو غائب عنه ، وهو يعلم ما في يده ؛ فإنه يقوم كل سنة ما بيد العامل ، فيزكي جميعه : رأس المال وجميع الربح ؛ بخلاف رواية أصبغ هذه أنه يزكي رأس المال ، وحصته من الربح ، ويخرج زكاة ذلك من ماله ، لا من مال القراض على قولهما جميعاً ؛ وأما إذا كان العامل مديراً فلا اختلاف في أنه يزكي رأس المال وجميع الربح من مال القراض ، ولا في أنه لا يزكيه حتى يرجع إليه فيزكيه للأعوام الماضية ؛ وقول ابن القاسم في رواية أصبغ هذه : وإن كان العامل لا يدير ، ورب المال يدير ، زكاه للسنين كلها ؛ ظاهره وإن كان الذي بيد العامل الأكثر ، إذ لم يفرق بين ذلك ، خلاف قول عيسى بن دينار الواقع في سماع
أبي زيد ؛ وأما إن كانا غير مديرين ، فلا زكاة عليه فيما بيد العامل حتى يرجع إليه فيزكيه زكاة واحدة ، وبالله التوفيق .

(2/413)


مسألة
قال أصبغ : وسمعت ابن القاسم يقول فيمن اشترى داراً للتجارة ، فلما حل الحول باع النقض بمائة والمصاريع ، ثم باع الدار بعد ذلك بمائة دينار ، إنه يزكي جميع ذلك كله ؛ قال أصبغ : يزكي الأول حين باع ولا ينتظر به ، ويزكي الثاني حين يبيع ويكون حول كل ( مال ) من يوم يزكيه للمستقبل ؛ قال ابن القاسم : وليس النقض والمصاريع بفائدة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن النقض والمصاريع ليس بغلة من الدار فتكون فائدة ، وإنما هي بعضها ؛ فذلك كمن اشترى لسلعتين للتجارة فباع إحداهما بمائة دينار بعد الحول ، ثم باع بعد ذلك الأخرى بمائة أخرى ، فقول أصبغ تفسير لقول ابن القاسم وتتميم له .
مسألة
وسئل عن رجل له على رجل مائة دينار ، فدخل علي الحول ، ولرجل آخر على صاحب المائة مائة دينار - وقد حال عليها الحول ، فأحله على الذي له عليه المائة ؛ أعلى المحيل بها فيها زكاة ؟ قال : نعم ، يزكيها . قال أصبغ : لأنه كقبضها لو قبضها من صاحبها ، قيل لابن القاسم أفعلى المحتال فيها زكاة ؟ قال : نعم . قال أصبغ : لأنه كقبضه إياها من صاحبها ، وهو دين قد حال ؛ ولا يبالي إذا قبضها ممن قبضهم ، وهو أقوى من الآخر ، وأبين في الزكاة - وإن لم يكن عند واحد منهما وفاء فيها .

(2/414)


قال محمد بن رشد : قوله وإن لم يكن عند واحد منهما وفاء بها ، مطروح في بعض الروايات ، وطرحه صواب ؛ لأنه خطأ من أجل أن المحيل له مائة وعليه مائة فلا زكاة عليه في المائة التي له قبضها من التي عليه ، أو أحال بها عليه الذي له عليه المائة ، إلا أن يكون له وفاء بالمائة التي عليه ؛ وأما المحتال ، فالمائة التي استحال بها دين له على المحيل يجب عليه زكاته إذا قبضه منه ، أو من المحال عليه ؛ ولا يشترط أن يكون له وفاء بها ، إذ ليست بدين عليه ، وإنما هي دين له ؛ ويجب على المحيل زكاة المائة التي له - إذا أحال بها بنفس الإحالة - وإن لم يقبضها المحتال بها ، لأن المائة التي عليه تسقط عنه بنفس الإحالة ، فيصير قابضاً لها ؛ فكأنه بذلك قد قبضها من الذي كانت له عليه . وتأول ابن لبابة على اصبغ أن الزكاة لا تجب عليه بنفس الإحالة حتى يقبضها المحتال بها ، لقوله لأنه كقبضها لو قبضها من صاحبها ؛ فحمله على الخلاف لقول ابن القاسم وهو تأويل فاسد ، إذ لا وجه لمراعاة قبض المحتال فيما يجب على المحيل من الزكاة ، وإنما يراعى قبضه فيما يجب عليه هو في خاصة نفسه ؛ ومعنى قول أصبغ لأنه كقبضها ، - يريد لأن الإحالة كقبضها لو قبضها من صاحبها ؛ لأنه يصير بها قابضاً من نفسه ، وهذا كله بين .
قال محمد بن المواز وعلى المحتال عليه زكاتها أيضاً - إن حال عليها الحول عنده من يوم تسلفها ، أو صارت عليه - إن كان له وفاء بها وهو صحيح ؛ فيجب على المحيل زكاة المائة بنفس الإحالة - إن كان له بها وفاء ، ويجب على المحال زكاة المائة إذا قبضها ، لا بنفس الإحالة على كل حال ؛ إذ لا دين عليه ولو كان للمحال عليه على المحال مائة قد حال عليها الحول أيضاً ، فقاصه بها ، لوجب على كل واحد منهم زكاتها للمحيل بنفس الإحالة ، والمحال عليه بالمقاصة إن كان لكل واحد منهم وفاء بها ؛ لأن كل واحد منهم له مائة وعليه مائة ، فوجب

(2/415)


أن يزكي المائة التي له إذا قبضها ، وصارت إليه بحوالة ، أو مقاصة - وله وفاء بالمائة التي عليه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل بعث بعشرة دنانير إلى مكة ليشتري له بها كسوة لعياله ، فحلت زكاته وحل حولها - قبل أن يشتري بها ؛ أعليه زكاتها ؟ قال : نعم يزكيها . قال أصبغ : وذلك إذا لم يكن أشهد عليها لمن أمر أن يشتري له بها ، فإن أشهد ، خرجت من ماله ؛ لأنه لو مات قبل رجوعها ، كان ثابتة لمن أشهد له ، فلا زكاة فيها ؛ قال : وسألناه عن رجل حال الحول على ماشيته فلم يأته الساعي فعزل لعياله ضحايا وقسمها ، ونحو هذا ، ثم جاءه الساعي يوم النحر قبل الذبح ؛ قال : إن كان أشهد عليها فلا زكاة عليه فيها ، وإن كان لم يشهد ففيها الزكاة ؛ أنظر أبداً ما كان لو مات كانت ثابتة لمن جعلها له فلا زكاة عليه فيها ، وكل ما لو مات لم يكن لمن جعلها له فهي مال من ماله ، فيها الزكاة . قال أصبغ : فالأول مثل هذا - وهما سواء ؛ وقال أبو زيد : عن ابن القاسم مثله .
قال محمد بن رشد : وجه تفرقة ابن القاسم بين المسألتين ظاهر ، وقوله في المسألة الأولى أصح من قول أصبغ ، لأن تفرقة زكاة العين إلى صاحبه فهو مصدق فيما ( يذكره مما ) يسقط عنه الزكاة فيها ، لأنها موكولة إلى أمانته ؛ فإن قال : إن الدنانير التي بعث بها ليشتري بها كسوة لعياله كان قد بتلها

(2/416)


له ، لم يكن عليه فيها زكاة : أشهد ، أو لم يشهد ؛ لأن ذلك فيما بينه وبين الله . وإن قال إنه لم ينو تبتيلها وجبت عليه زكاتها ، لأنها باقية على ملكه - وإن بعث بها ليشتري بها ثوباً لامرأته ؛ لأن ذلك من ناحية العدة ، فله أن يرجع فيها ما لم يوجبها على نفسه بالإشهاد ؛ وأما مسألة الغنم فللساعي ألا يصدقه فيما يدعيه فيها مما يسقط زكاتها الواجبة عليه فيها ، لحلول الحول ؛ وقد اختلف إذا ادعى بعد الحول أنه كان تصدق بقها قبل الحول على ما في أول سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الماشية .
مسائل نوزل سئل عنها أصبغ
قيل لأصبغ : ما تقول في الرجل يستلف مالاً فيشتري به سلعة ، وذلك قبل حلول حوله بشهرين أو ما أشبهه ، أو لا يشتري به سلعة فيحول عليه الحول ؛ أيزكيه - إن كان ناضاً ، أو ( يقوم ) ما اشترى به من السلع ، فيزكيها مع ما يزكي من ماله ؛ قال أصبغ : هو كسائر ماله - إن كان له وفاء بدينه زكاه مع ماله إذا خلطه بماله وجرت فيه التجارة قبل الحول ؛ زكاة عند الحول - إن كان له وفاء غيره - إذا لم يدر ، فإن كان يدير قوم عرضه مع ماله - إن كان له وفاء أيضاً بدينه - وإن اشترى به ولم ينض عند الحول .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة مخالفة لأصولهم ، لأن الذي تسلف كالفائدة ، فلا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول من يوم تسلف وله به وفاء ؛ ولا اختلاف بينهم في هذا ، وإنما اختلفوا إذا حال عليه الحول وله به وفاء لم يحل عليه الحول ؛ هل يزكيه الآن ، أو حتى يحول الحول على الوفاء الذي له به على ما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم استأذن وغيره من سماع عيسى ؟ وكأنه

(2/417)


تأول أنه لما تسلف السلف على ما بيده ، كان كأنه منه ، وذلك فاسد ؛ وقد تأول بعض الناس أن الشراء هو الذي كان قبل حلول حوله بشهرين ، أو ما أشبه ذلك ؛ وأن السلف قد كان من أول الحول ، وهو تأويل بعيد لا تستقيم به المسألة ، لقوله زكاه مع ماله إذا خلطه بماله وجرت فيه التجارة قبل الحول ؛ غذ لو كان السلف من أول الحول ، لوجبت عليه فيه الزكاة بحلول الحول إذا كان له به وفاء خلطه بماله وجرت فيه التجارة ، أو لم يخلطه به ولا جرت فيه التجارة .
مسألة
قيل لأصبغ : أرأيت المقارض يعمل بالمال سنة فيفاصل صاحبه ويقبض حصته من الربح - وله مال لا تجب فيه الزكاة ، وقد حال عليه الحول ؛ إلا أنه إذا جمع إلى ما ربح في القراض ، صار به ما يجب في مثله الزكاة ؛ هل يضمه إلى ربح هذا القراض ، فيزكيه معه ؟ قال : لا يكون له أن يضمه إلى فائدة إن كانت عنده لم يجب فيها شيء ، ولهذه يستدل على المساقي يصير في حصته من التمر وسقان ، ويجد من نخله ثلاثة أوسق ، أن عليه أن يزكي ما صار له ؛ فهذه وتلك سواء على العامل أن يزكي ما صار له واجب ، فلما كان ذلك عليه لم يضف إلى غيره ، وكان هذا بزكاته وسنته ، وهذا بزكاته وسنته .
قال محمد بن رشد : تكررت هذه المسألة لأصبغ في نوازله من كتاب القراض أيضاً بزيادة ألفاظ فيها بيان ، ومراده في الموضعين أن المقارض لا يضم ما له من مال قد حال عليه الحول ولا يبلغ ما تجب فيه الزكاة ؛ - إلى ما ربح في القراض ، فيزكيه مكانه - إن كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة - وإن كان قد زكى الربح ، ولكنه يضيفه إليه ويستقبل به حولاً ؛ كما أن المساقي إذا

(2/418)


صار له من التمر في حصته وسقان ، وجد من نخل له ثلاثة أوسق ، لا يضيق الثلاثة الأوسق إلى الوسقين فيزكيها ، وإنما يزكي الوسقين خاصة - إذا كان لصاحب الحائط ما إذا أضافه إلى الوسقين وجبت فيه الزكاة ؛ وهذا ما لا أعلم فيه نص خلاف ، لأن الربح إنما يزكيه العامل في القراض على ملك رب المال ، وكذلك حظه من تمر الحائط في المساقاة ، إنما يزكيه على ملك رب الحائط ؛ ألا ترى أنه يزكي حظه من الربح ، وحظه من تمر المساقاة - وإن كان لا يبلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة ؛ فوجب ألا يضيف إلى ذلك ما يزكيه على ملكه ، وأن يكون يفرق هذا على سنته ، وهذا على سنته ؛ وقوله : فهذه وتلك سواء على العالم أن يزكي ما صار له واجب ، أي عليه أنيزكي ما صار هل من الثمن في المساقاة بإضافته إلى ما صر لصاحب الحائط ؛ فلما كان عليه أن يزكي ذلك وإن كان لا يبلغ ما تجب فيه الزكاة ، لم يضف إلى ذلك الثالثة الاوسق ، ولا كان عليه فيها زكاة ، وكان هذا على سنته ، وهذا على سنته .
مسألة
قيل لأصبغ : فلو أعتق رجل من زكاة ماله من المسلمين رقبة لا تجوز في الرقاب ، أعليه بدلها ؟ قال نعم عليه بدلها من أجل أن الإمام لو كان هو المعتق ، لم يكن ليعتق عن المسلمين كافراً ولا ذمياً ؛ وإنما يعتق عنهم من يستعاض بولائه من ثمنهن ويكون رغبة وثروة وزيادة ؛ قيل له فلو اشترى مدبراً أو مكاتباً فأعتقه ، أيجزئ أم لا - وهو الآن لا يرده إلى ما كان عليه ، وقد بطل ما كان فيه وصار عتيقاً ، وصار ولاؤه للمسلمين ؟ قال أصبغ : أما قول مالك الأول حين كان يقول يرد ذلك ولا يجوز ، فهو لا يجزئه ؛ وأما قوله الذي رجع إليه حين قال ذلك جائز ويمضي العتق ، فهو يجزئه ، لأن ذلك العيب الذي كان

(2/419)


يكره قد زايله وخرج منه ، ولكن أحب إلي أن لو أبدله من غير وجوب .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : أنه لا يجوز للرجل أن يعتق من زكاته إلا رقبة تجوز في الرقاب ، لأن اللفظ في ذلك سواء في القرآن ، ولا يجوز للرجل أن يعتق في شيء من ذلك مكاتبه ولا مدبره ولا أم ولده ؛ فأما إن اشترى مكاتباً أو مدبراً لغيره ، فأعتقه ؛ فذلك جار على ما ذكر من اختلاف قول مالك ، وسواء عندي اشتراه - وهو يظنه عبداً فدلس له بذلك البائع ، أو اشتراه وهو يعلم أنه مكاتب أو مدبر ، يدخل في ذلك الاختلاف المذكور إذا اشتراه م زكاة ماله فأعتقه ؛ وأما إذا اشتراه في رقبة واجبة عليه فأعتقه ، فإن كان علاماً فلا ينبغي أن يجزيه ؛ لأن ذلك بمنزلة شرائه إياه بشرط العتق ، وإن كان لم يعلم وإنما دلس له بذلك البائع ، جرى ذلك على الاختلاف المذكور ، يبين ذلك ما وقع من الاختلاف في ذلك في سماع أصبغ من كتاب الوصايا ، ومن كتاب العتق ، فقف على ذلك وتدبره ؛ وما وقع في رسم صلى نهاراً ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات من إجازة شراء المدبر ابتداء في الزكاة ، يحتمل أن يكون معناه أن المدبر كان بيع في موضع يجوز بيعه ( فيه ) - والله أعلم ، وبه التوفيق .
من سماع أبي بن أبي الغمر
من ابن القاسم
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عن رجل ابتاع طعاماً بمائة

(2/420)


دينار وحمله إلى بلد بثلاثين ديناراً ، فلزمه الكراء فباع ( منه ) بثلاثين ديناراً للكراء وحبس ما بقي ؛ قال : عليه أن يزكي تلك الثلاثين ديناراً ، وأن ما باع من الطعام بمنزلة أن لو كان له دار فباع الطعام كله بثلاثين ديناراً في دين عليه لكراء أو غيره ؛ أكان يضع عنه ذلك الزكاة ؟ فأرى الزكاة عليه ، لأن ما بقي من طعامه فيه وفاء لدينه ، بمنزلة الدار ؛ فإذا باع الطعام ، لم يكن عليه زكاة في الثلاثين ديناراً التي كانت عرضاً لديه ؛ وما باع به أكثر من ذلك ، زكاه مع الثلاثين التي زكاها أولاً التي قضى ـ وإن كان الذي يفضل عن الثلاثين أقل مما فيه الزكاة ، لأنها من الأولى .
قال مجمد بن رشد : قوله إنه يزكي الثلاثين ديناراً التي باع للكراء ، ويجعل الدين الذي عليه للكراء فيها بقي من الطعام ، صحيح ؛ لا خلاف فيه ، لأن الطعام قد حال عليه الحول فلا يدخل في ذلك من الخلاف ما يدخل في الذي عليه مائة دينار ( دين ، وله ) مائتان حل حول إحداهما ولم يحل حول الأخرى ؛ ولا يكون له أن يجعل الدين الذي كان عليه للكراء فيها باع من الطعام ، فلا يزكيه كما يكون له أن يجعل المائة التي عليه في المائة التي حال حولها ، فلا يزكيها على الصحيح من القولين في ذلك ؛ وأما قوله فإذا باع الطعام لم تكن عليه الزكاة في الثلاثين ديناراً التي كانت عوضاً لدينه ، فيتخرج ذلك على قولين ، أحدهما هذه ، أنه لا يزكي الثلاثين ديناراً التي كانت وفاء للدين الذي كان للكراء عليه ، حتى يحول الحول عليها من يوم سقط دين الكراء

(2/421)


عنها ؛ وهذا يأتي على ما في رسم استأذن من سماع عيسى في الذي يفيد فائدة وعليه دين يستغرق ما بيده ، ( أنه لا يزكي ما بيده ) حتى يحول الحول على الفائدة من يوم أفادها ؛ وعلى ما في المدونة لمالك فيمن كان بيده مال وعليه دين مثله ، فوهب له بعد أن حال الحول على ما بيده ، أنه لا زكاة عليه فيها بيده حتى يحول عليه الحول من يوم سقط الدين عنه ؛ والقول الثاني أنه يزكي جميع ثمن ما بقي من الطعام بعد ما باع منه الدين ساعة بيعه قرب ذلك أو بعد ، لسقوط الدين عنه ؛ وهذا يأتي على قول غير ابن القاسم في المدونة ، وعلى ما يلزم ابن القاسم على أصله في مسألة رسم العرية من الزكاة المائة الثانية إذا حل عليها الحول ، وجعله الدين في المائة التي كان زكاها ؛ وهذا تفسير معنى قمل ابن زيد في النوادر عقب هذه المسألة ، وهذا على قول من قال في المائتين حولهما مختلف ، وعليه مائة يزكي مائة واحدة ؛ ولو كان له عروض سوى الطعام تفي بالثلاثين ديناراً ، لزكى جميع ثمن الطعام قولاً واحداً ؛ ولو كان مديراً لقوم جميع الطعام إذا حال
عليه الحول ، فأسقط منه الثلاثين التي عليه للكراء ، وزكى الباقي ـ إن لم يبعه ، ولم يكن في ذلك كلام ولا اختلاف ؛ فهذه المسألة يفترق فيها حكم المدير من غير المدير ، لأن غير المدير يزكي الثلاثين مرتين على ما ذكرناه من أحد القولين ؛ وأما مسألة رسم العرية من سماع عيسى ، فمن قال إن حكم المدير يختلف فيها من غير المدير فقد أخطأ ـ وبالله التوفيق .
مسألة
وقال : في رجل أخرج زكاة ماله فسقطت منه ، ثم وجدها وقد أعدم وعليه دين ؛ قال : لا يكون لأهل الدين فيها شيء .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال أنه ليس لأهل الدين فيها شيء ،

(2/422)


لأنها للمساكين ؛ إلا أن يكون قد أدها إليهم لما تلفت ، فتكون إذا وجدها لأهل دينه ـ وبالله التوفيق .
من مسائل
سئل عنها عيسى بن دينار
قال عيسى بن دينار : في الذي يدير بعض ماله ، ولا يدير بعضه ، ولكن يشتري به السلعة فتربص بها النفاق ، ولا يشتري به شيئاً وقد أخرج من ماله صدراً سواه يديره ؛ قال : إن كان الذي يدير هو الأقل والآخر الأكثر ، فليزك الذي يدير على الإدارة ، والآخر على غير الإدارة ؛ وإن كان الذي يدير هو الأكثر والآخر الأقل ، فليزكه كله على الإدارة ؛ وسئل أصبغ فقيل له الرجل يدير صدراً من ماله النصف أو الثلثين ، وسائر ماله بحاله لا يحركه ؛ أو لعله أن يشتري به الأنواع من التجارة ، يرتصد بها الأسواق في أيامها ؛ أو يكون له المال فيسلف رجلاً نصفه ، ويتجر بنصفه على حالة الإدارة ؛ فيقيم الدين على حاله ، هل يزكيه كله زكاة الإدارة ؟ قال أصبغ : إن كان حين شغل ما شغل للإدارة ، إنما ( أبقى ) الباقي عنده لمثل ذلك رأى ذلك ، فيزكه زكاة الإدارة ، وإن كان حين شغل ما شغل على عزم أن الباقي لا يدخله في الإدارة ؛ وإن كان حين شغل ما شغل على عزم أن الباقي لا يدخله في الإدارة أبداً ولا حاجة له بذلك ، ولا نواه ، فليزك الذي شغل على الإدارة والآخر على سنته .
قال محمد بن رشد : في الواضحة لمطرف وابن الماجشون : إن المالين كانا متناصفين ، زكي كل مال منهما عل جهته ، وإن كان أحدهما أكثر فللأقل

(2/423)


حكم الأكثر ؛ وقد تأول ابن لبابة ما في المدونة على أنهما يزكيان جميعاً على الإدارة - كان الذي يدار هو الأقل أو الأكثر ، وهو ظاهر ما مضى في سماع أصبغ قبل هذا ؛ فهذه أربعة أقوال ، والقياس أن يزكي كل مال على سنته ، كانا متناصفين أو أحدهما تبعاً لصاحبه ؛ لأن الأصل في عروض التجارة ألا زكاة فيها حتى تباع ،إذ لا زكاة إلا في الحرث ، والعين ، والماشية ؛ فلما كان الذي يدير ماله ، لا يقدر على أن يحفظ أحواله ، أمر أن يجعل لنفسه شهراً من السنة فيقوم فيه ما عده من العروض ويضيفه إلى ما بيده من المال ، فيزكي جميع ذلك ؛ فإذا كان للرجل مالان يدير احدهما ولا يدير الآخر ، وجب أن يزكي الذي لا يدير على سنة التجارة ، لكونه قادراً على حفظ أحواله ، والذي يدير على سنة الإدارة ، لكونه غير قادر على حفظ أحواله ؛ وقول عيسى بن دينار إنه إذا كان الذي يدير هو الأكل ، زكاه كله على الإدارة ، استحسان واحتياط للمساكين على غير قياس ؛ لأنه إذا زكى ( ما لا يدار - وإن قل - على سنة الإدارة ، فجعل مخرجاً لزكاة العرض قبل بيعه ، ولزكاة الدين قبل قبضه ؛ وقد قال ابن القاسم في المدونة : أما من فعل ذلك لم يجزه ، وكان كمن أدى زكاة ماله قبل أن يحول عليه الحول ؛ وظاهر معنى المدونة وسماع أصبغ من أنه يزكي ) المالين جميعاً على الإدارة - وإن كان الذي يدار هو الأقل - إغراق في الاستحسان ، وقول أصبغ قريب منه في الاستحسان ، لأنه يزكيهما جميعاً في مذهبه على الإدارة - وإن كان الذي يدار هو الأقل ، إلا أن يكون ما أبقى منه ولم يدخله في الإدارة ، أبقاه على عزم أنه لا يدخله في الإدارة ؛ وأما قول مطرف وابن الماجشون : إن الأقل تبع الأكثر ، فهو كلام خرج على غير تدبير ولا تحصيل ؛ إذ لا يستقيم أن يزكي ما يدار على
غير الإدارة ، كما يستقيم أن يزكي ما لا يدار على الإدارة ؛ لأن الذي يدير يبيع ويشتري ، وغير المدير يزكي - إذا باع ، إلا أن يكون معناه في الذي

(2/424)


يبيع العروض بالعروض ، ولا ينض له ما تجب فيه الزكاة ؛ وفي قول عيسى ابن دينار لفظ فيه نظر ، وهو قوله أولاً يشتري به شيئاً ، لأن العين ما لم يشتر به شيئاً ، فحكمه حكم لمدار في أنه تجب زكاته في كل عام ؛ ومثله قوله أصبغ وسائر ماله بحاله لا يحركه ، فتدبر ذلك ، وقف عليه ، وبالله التوفيق .

(2/425)