البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب زكاة الماشية
من سماع ابن القاسم
من كتاب أوله شك في طوافه
وسئل عن رجل تصدق على ابن له بغنم فحزها له ووسمها وجعلها في غنمه ، فهي إن ضمها مع غنمه كان فيها شاتان وإن أفردها لم يكن فيها إلا شاة واحدة ؛ أترى أن يضمها مع غنمه ؟ قال : لا أرى أن يضمها معها ؛ قال : قلت أرأيت لو ضمها - وقال للمصدق إذا جاءه : ليس لي منها إلا كذا وكذا ، وسائرها تصدقت به على ولدي ؛ أفترى للساعي أن يقبل قوله ويصدقه ؟ قال : نعم ، يصدقه إذا كانت على صدقته ببينة . قال سحنون : لم يصدقه إذ قال

(2/427)


إن كانت على صدقته ببينة - ولم يكن في كتابه ، وإنما هو في رواية عيسى .
قال محمد بن رشد : معنى قوله : يصدقه إذا كانت على صدقته ببينة ، أنه يصدق على تعين الغنم المتصدق بها - إذا شهدت له بينة على الصدقة ولم تعينها ؛ وظاهر قول سحنون أنه مصدق وإن لم تكن له بينة أصلاً ، وهو استحسان في الزكاة على غير قياس في الحقوق ؛ لأنه قد أقر أن الغنم كانت له وادعى من صدقته بها على ابنه ما سقط عنه الزكاة في غنمه ؛ واختلف في تصديقه : فقيل بيمين ، وقيل بغير يمين ؛ وقيل إن كان منهما أحلف ، وإلا لم يحلف ، وقد تؤول أن ذلك ليس باختلاف ، وأن القول الثالث يبين القولين الأولين ؛ فيرجع الأمر إلى ألا يحلف إلا المتهم ، وهذا التأويل صحيح في من ظهر له مال - وادعى ما يسقط الزكاة عنه فيه ؛ وأما من لم يظهر له مال - وادعى عليه الساعي أنه غيب ماله ، فإن كان ممن لا يتهم ، لم يحلف باتفاق ؛ وإن كان ممن يتهم ، فقيل أنه يحلف ، وقيل إنه لا يحلف - وهي رواية ابن أبي أويس عن مالك ؛ والدليل على جوب تحليف من اتهم في زكاته - وإن كانت الزكاة من حقوق الله التي تعد عبادة ؛ ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى : {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} . قال : كانت المرأة_ إذا أتت النبي - عليه الصلاة والسلام - لتسلم ، حلفها بالله عز وجل ما خرجت من بغض زوجها ؛ وبالله .ما خرجت رغبة بأرض من أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت ، إلا حباً لله ورسوله - صلى الله عليه

(2/428)


وسلم . ولو ادعى أنه تصدق بها على ابنه بعد أن حال عليها الحول قبل أن يأتيه الساعي ، كان للساعي ألا يصدقه ، ويأخذ منه الزكاة ، إلا أن يقيم على ذلك بينة على ما في سماع أصبغ قولاً واحداً .
مسألة
قال مالك : وحدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمان ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً مصدقاً ، فأتى إلى رجل فإذا عليه بنت مخاض ؛ فقال : والله ما كنت أول من أعطى مالاً يحلب ولا يركب ، فأعطى كبيرة ، فأبى أن يأخذها ، وقال لم أؤمر بذلك ؛ فأقبل الرجل مع الذي بعثه النبي - عليه السلام إلى النبي - عليه السلام ، فذكر للنبي الذي عرض عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه ؛ قال : ودعا له النبي - عليه السلام - بالبركة في إبله ؛ قال : فنمت وكثرت ، قال : فإنه ليعرف فيها دعوة النبي - عليه السلام - إلى اليوم .
قال محمد بن رشد : في هذا الحديث أن الأسنان المحدودة للأخذ في الزكوات ، ليست بحد لا يزاد عليه ولا ينقص منه ، كعدد ركعات الصلوات ؛ وإنما هي حد في أن لا يؤخذ من أحد فوقها إلا برضاه ، وهذا ما لا خلاف فيه - وبالله التوفيق .
ومن كتاب
أوله حلف بطلاق امرأته
قال : وسئل عمن لا يرد عليه الساعي لبعده عن موضع مياه الناس التي يجمعون عليها مواشيهم للسعاة ، فهم لا يجلبون على

(2/429)


الساعي ، والساعي لا يأتيهم ؛ قال : أرى عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من لزكاة ، فقيل له إنها ضعاف ، ويخاف عليه أن تكسر ، وليس مثلها يجلب ؛ وغن انكسر منها شيء ، تكلفت مرة أخرى ؛ قال : لابد من جلبها ، أو يصطلحون على قيمتها ؛ قلت : أرأيت إ ، جلبوها ، فقال الساعي : ليس فيها وفاء ؛ قال : لا ينظر إلى قوله ، وينظر في ذلك ؛ فإن كان ما جلبت فيه وفاء ، وهي مما تجوز في الصدقات ، أخذت منك ؛ قال إنه يعتل علي ويقول : إن السن قد يكون واحداً ، وبينهما في القيمة دنانير ؛ قال : إذا جلبت ما يجوز في الصدقة - وفيه وفاء قبل منك ، ولم ير بالقيمة في مثل هذا أن يشتري صدقته بقيمتها بأساً .
قال محمد بن رشد : إنما وجب عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة ، لبعدهم بمواشيهم عن موضع ميه الناس التي يجتمعون عليها بمواشيهم إلى حيث لا تمر إليه السعاة ؛ لأن السنة أن يخرج السعاة إلى حيث يجتمع الناس بمواشيهم على مياههم ، ولا يلزمهم أن يتبعوا من بعد بماشيته ؛ كما لا يلزم صاحب الماشية ، أن يسوق صدقته إلى الساعي - وهو جالس ببلده ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ، وتزكيهم بها} . فوجب بظاهر قوله عز وجل أن تؤخذ الزكاة من المال ، حيث هو إلا أن يبعد به ، فيجب عليه أن يسوق زكاته إلى السعاة ، أو يصطلح معهم على القيمة - كما قال ؛ وخفف أخذ القيمة في ذلك ، لما يخاف من انكسارها في جلبها ؛ لأن إعطاء القيمة فيها شراء منه لها ، ومالك يكره للرجل شراء صدقته - اتباعاً لابن عمر في كراهية ذلك ؛ ولقوله - عليه السلام - العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه . وقد روي إجازة ذلك عن عمر بن الخطاب ،

(2/430)


وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهما ، وجماعة من السلف ، والوجه في إجازة ذلك ، قصر الحديث على صدقة التطوع ، لأنه خرج عليه ؛ وذلك أن عمر بن الخطاب كان حمل على فرس في سبيل الله ، أراد أن يبتاعه من الذي كان عنده برخص ، إذ كان قد أضاعه ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال له لا تشتره -وإن أعطاكه بدرهم ، فإن العائد في صدقته ، كالكلب يعود في قيئه . وأيضاً فإن الصدقة التي أعطى فيها القيمة ، لم تتعين بعد للمساكين ، ولا وصلت إليهم ، فاشتراها منهم ؛ وإنما اشتراها من الناظر لهم فيها ، فهذا وجه تخفيف ذلك - والله أعلم .
مسألة
قال : وسئل مالك عن الساعي يخرج - قبل إبان خروجه ، فيأخذ من قوم ظلماً ؛ أترى أن يحسبوا في صدقاتهم ؟ قال : لا - وهو ظلم ظلموا به ، وعليهم الصدقة إذا حل الحول .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة ، وفي رسم الجواب من سماع عيسى ؛ وقد روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك مثله ، ورويا عنه أيضاً أنه قال تجزئ÷ن ولا قوله تعالى : {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} ؛والقول الأول هو القياس ، لأن الزكاة لا تجب إلا بمرور الحول ، فإذا أخذها قبل الحول ، فهي مظلمة لا تسقط الزكاة الواجبة عليه بمرور الحول ؛ وقد روى زياد ، وابن نافع ، عن مالك أنه سئل عن رجل أخذت منه زكاة مال لم تجب فيه الزكاة ، أيجوز أن يجعله زكاة مال قد وجبت فيه الزكاة الزكاة ؟ قال : لا أرى ذلك ، وهذا مثل الذي تؤخذ منه الزكاة قبل الحول ؛ ووجه القول الثاني مراعاة قول من يقول : إن الزكاة تجب في المال ساعة يستفاد قبل أن يحول عليه الحول ) ، ولو أخذت منه زكاة زرع لم يبد صلاحه ، لوجب ألا يجزئه باتفاق ؛ إذا لا خلاف في أن الزرع لا تجب زكاته حتى يبدو صلاحه ؛ وقد روى زياد وابن نافع ، عن

(2/431)


مالك أن من أخذت منه زكاة زرعه قبل حصاده - والزرع قائم في سنبله ، فإن ذلك تجزئ عنه - إذا لم يتطوع بها من نفسه ؛ ومعنى ذلك - والله أعلم - إذا أخذها منه بعد أن أفرك قبل أن ييبس في المكان المختلف في وجوب الزكاة فيه - وبالله التوفيق .
ومن كتاب طلق ابن حبيب
وسئل مالك عن السعادة ينزلون بالرجل الموسر ، فيبيتون عنده - ومن شأنه أن يصدق أهل تلك القرية ، وهو ممن يريد أن يصدق ماشيته معهم ، فيضيفه ويذبح له ، ولعله أن يستعير منه الدابة لبعض أصحابهم إلى قرية أخرى ؛ قال : ما يعجبني ذلك ، وإن فيه لوجهاً آخر خوفاً من أن يرى ( من ) يقتدي به يفعل ذلك ، ولعله أن يصح منه فيقول قائل قد كان فلان يفعل ذلك ،فيجر ذلك إلى ما لا يحل ولا ينبغي ؛ والدين مثل ذلك يستضيف الرجل أهل دينه ، وأنا أكره ذلك ؛ وقد كان بعض من أخبر عنه يكون عليه الدين ، فإذا جاؤوه أجازهم وهو لا يقضيهم دينهم ، فهذا كله مكروه ؛ قال ابن القاسم : حسبته ابن شهاب .
قال محمد بن رشد : الأصل فيما كره مالك للسعاة من هذا ، ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية أحد اأ .د - على صدقات بني سليم ، فلما جاء وحاسبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : هاذ لكم ، وهذا أهدي لي ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا جلست في بيت أبيك وأمك - حتى تأتيك هديتك .
إن كنت صادقاً ؟ ثم قام في الناس - خطيباً - فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما

(2/432)


بعد ؛ فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ( ولاني ) الله عز وجل ، فيأتي فيقول هذا لكم ، وهذا أهدي لي ؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه - حتى تأتيه هديته ؛ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه ، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته - إن كان بعيراً له رغاء ؛ أو بقرة له خوار ، أن شاة تيعر - الحديث ، فمبين صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وغيره ، أن ما أعطي الساعي - بسبب سعايته - عليه حرام ، فلا يحل له أن يستضيف من يسعى علي ولا يأكل له شيئاً ؛ وأما إذا نزل بالرجل الموسر الذي من عادته وشأنه أن يضيف كل من نزل به ، فأضافه وذبح له ، ورأى أنه لم يفعل ذلك به بسبب سعايته ، وإنما فعله على عادته مع سواه ؛ فذلك مما يكره له - مخافة أن يكون قد زاد في قراه على عادته بسبب سعايته ؛ ولئلا يقتدي به غيره أيضاً ، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك ممن لا يصح منه ذلك الفعل ؛ وكذلك هدية المديان جارية على هذا السبيل ، لا يحل لمن عليه دين من بيع أو سلف ، أن يهدي لمن له عليه الدين هدية ، ولا أن يطعمه طعاماً - رجاء أن يؤخره بدينه ؛ ولا يحل لمن له عليه الدين أن يقبل ذلك منه - إذا علم ذلك من غرضه ؛ وجائز لمن عليه الدين أن يفعل ذلك - إذا لم يقصد ذلك ، ولا أراده وصحت نيته فيه ، كما كان يفعل ابن شهاب ؛ ويكره للذي له الدين أن يقبل ذلك منه ، وأن يحقق صحة نيته في ذلك - إذا كان ممن يقتدي به ، لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز ؛ وهذا وجه رد عمر بن الخطاب هدية أبي بن كعب ، إذ أسلفه فاهدى له هدية ؛ فإذ قد تحقق أن أبي بن كعب لم يهد له لمكان ما أسلفه ليسوع عليه في السلف ، إذ ليس ممن يتهم في ذلك ، وبالله التوفيق .

(2/433)


ومن كتاب
أوله سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال مالك : لا أحب للسعاة أن ينزلوا بأحد فيستضيفونهم يأكلون طعامهم ولكن يأكلون من أرزاقهم ، قيل له : فيشرب الماء ؟ قال : إن ذلك لخفيف .
قال محمد بن رشد : قوله لا أحب للسعاة إذا نزلوا . لفظ فيه تجاوز ، والمراد به لا ينبغي ذلك ولا يجوز . وقوله في شرب الماء : أنه خفيف ، يدل على أن أكل الطعام ثقيل فهو يبين أن لفظة لا أحب ليست على ظاهرها ، وقد تقدم في الرسم الذي قبل هذا ما يبين هذا ، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله كتب على رجل ذكر حق
وسئل مالك عن سوق الناس إلى المصدق ، فقال : لم يزل الناس يجتمعون على مياههم ؛ فأما أن يساق عليهم من لمكان البعيد ، فلا أرى ذلك أن يشق عليهم ولا يضيق عليهم في السوق .
قال محمد بن رشد :قد مضى في رسم حلف بطلاق امرأته ما يبين معنى هذه المسألة - والله الموفق .
مسألة
وقال مالك في المصدق يمر بالماشية فيحصيها فيجدها لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة ، فيرجع إليها بعد ذلك فيجدها قد بلغت بأولادها

(2/434)


ما تجب فيه الصدقة ؛ قال : لا ينبغي له أن يأخذ منها صدقة ، ولا يأخذ منها شيئاً ؛ لأنه لا ينبغي للمصدق أن يرجع فيها ، ولا يمر بها ، ولا بما مر به من الماشية ، ولا يمر على الماشية في العام الواحد إلا مرة واحدة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن حول الماشية إنما هو مرور الساعي بها بعد حلول الحول عليها ، فلو كان يرجع إليها بعد أن مر بها في ذلك العام ، لم يكن لذلك حد ، ولا انضبط لها حول ؛ وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه وبالله التوفيق .
من سماع أشهب وابن نافع عن مالك
من كتاب الوصايا الذي فيه الحج والزكاة
قال سحنون : قال أشهب ، وابن نافع ، سئل مالك عن النصاب من المال ما هو ؟ فقال : خمس من الإبل ، أو ثلاثون من البقر ، أو أربعون شاة من الغنم .
قال محمد بن رشد : وهذا - كما قال إن النصاب من المال هو أقل ما تجب فيه الزكاة ، وإنما سمي نصاباً - والله أعلم - لأنه الغاية التي ليس فيما دونها زكاة ، والعلم المنصوب لوجوب الزكاة ، والحد المحدود لذلك ؛ من قول الله عز وجل : {كأنهم إلى نصب يوفضون} . أي إلى غاية أو علم منصوب لهم يسرعون ، ويحتمل أن يكون سمي نصاباً ، لأن المال إذا بلغ هذا المقدار ، وجب أن ينصف لأخذ الزكاة سعاة يبعثون لذلك ؛ ويحتمل أن يكون مأخوذاً من النصيب ، لأن المساكين لا يستحقون في المال نصيباً فيما دون هذه المقادير ، والله أعلم .

(2/435)


مسالة
وسألته عن قول عمر بن الخطاب : إياكم وحزرات الناس ، ما الحرزات ؟ قال : ضنائن الأموال في الصدقات من المواشي ، والإبل ، وغيرها ، يقول اتركوا الضنائن لا تأخذوها من أهلها تفتنونهم في ذلك .
قال محمد بن رشد : وهذا بين كما قال ، لأن حزرات ( أموال ) الناس ، هي التي يحزر صاحب المال أنها خيار ماله .
مسألة
وسألته عن قول عمر بن الخطاب : وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين فقال : هو مثل قول الله تبارك وتعالى : {ومنه شجر فيه تسيمون} يقول فيه يرعون .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال في السائمة من الغنم وغيرها من المواشي - هي الراعية منها ، ولا دليل في قوله وفي سائمة الغنم لزكاة على أنه لا زكاة في غير السائمة عند من يقول بدليل الخطاب ، لأن المعنى في ذلك عندهم ، أن الحديث خرج على سؤال سائل ، هل في سائمة الغنم الزكاة ؟ فقال : وفي سائمة الغنم الزكاة . فكان مقصوراً على سببه ، وانتفى بذلك أن يكون فيه دليل على أنه لا زكاة في المعلوفة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته عمن كان عنده خمس ذود ستة أشهر من السنة ، فباع

(2/436)


منها ثلاثة ذود ، فأقام بذلك شهرين آخرين ثم ابتاع ثلاث ذود - مكانها ؛ فحال عليه الحول وعنده خمس ذود ، وجاءه الساعي على ذلك ، أترى عليه الصدقة ؟ فقال : كانت خمساً فأقامت في يديه ستة أشهر ، ثم باع منها ثلاثاً أو أربعاً ، أو باعها كلها ؛ ثم أقام شهرين ثم ابتاع مكانها ، وحال عليه الحول ، وجاءه الساعي ؛ فلا أرى في ذلك زكاة . فقل له أفلا ترى فيها زكاة ؟ فقال : لا في رأيي . فقلت له : رأيتها فائدة شراء ؟ قال : هو الذي سمعت .
قال محمد بن رشد : لم يقل في هذه المسألة إنه اشترى الثلاث ذود بالثمن الذي باع به الثلاث ذود الأولى ، فإذا لم يشترها به ، فلا اختلاف في أنها فائدة تضيف إليها الذودين وتستقبل بالجميع حولاً ؛ ( وإنما ) يختلف إذا اشترى الثانية بثمن الأولى ، أو أخذها من ثمنها على ثلاثة أقوال ؛ أحدها : أنها فائدة في الوجهين جميعاً - وهو مذهب ابن القاسم ، قال ابن المواز : وكذلك لو باعها ثم استقال منها ، لكانت فائدة ، لأن الإقالة بيع حادث . والثاني : أنه يزكي الثانية على حول الأولى في الوجهين - وهو قول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز . والثالث : أنه يزكي الثانية على حول الأولى - إذا أخذها من الذي باع منه بالثمن ، ويستقبل بها حولاً إذا اشتراها بالثمن من غيره ؛ وهذا القول ظاهر ما حاكاه ابن حبيب في الواضحة لمالك من رواية مطرف ، وابن وهب ، وعن أصحاب مالك إلا ابن القاسم ، واختلف قول ابن القاسم إذا استهلكت له ماشية فأخذ في قيمتها ماشية من صنفها ، فمرة جعل ذلك

(2/437)


كالبيع تكون فائدة ؛ ومرة قال : يزكيها على حول الأولى وهذا إذا كانت الغنم قائمة ، لم تذهب أعيانها بما أحدثه الغاصب فيها ؛ ولو ذهبت أعيانها ، لاستقبل بها حولاً كالبيع على مذهبه ؛ ولو كانت الغنم قائمة ، لم تفت بوجه من وجوه الفوت ، لزكاها على حول الأولى كالمبادلة سواء ؛ قاله بعض شيوخ القرويين ، وهو بين صحيح - والله أعلم .
مسألة
قال : وسألته أترى أن يبعث السعاة في كل سنة لا يؤخرون في الجدب والخصب ؟ قال : أما في السنة الجدية ، فلا أرى أن يبعث السعاة حتى يذهب الجدب ؛ وأما في غير ذلك ، فأرى أن يبعثوا في كل سنة ولا يؤخروا ؛ وأما في السنة المجدبة الشديدة الجدب ، فلا أرى ذلك حتى يحيا الناس ويذهب الجدب ؛ قيل ( له ) أيترك ذلك لهم يرتفقون بألبانهم ؟ قال : ( لا ) ، ليس ذلك نظراً لهم ، ولكن نظراً للمسلمين ؛ لأن السعاة يأتون يومئذ إلى ما إن باعوه هنالك لم يوجد له ثمن ، وإن جلب ، لم ينجلب ؛ وإن أعطاه إنساناً ، لم يكن في ذلك ما ينفعه عجفاً ؛ فإنما ينظر في ذلك للمسلمين ، ليس لأهل المواشي ؛ قلت له : فإذا كانت السنة المقبلة ، وأحيا الناس ، أرسل السعادة فأخذوا منهم لعامين ؟ فقال لي : نعم ، وإنما يصدقون ما يجدون في أيديهم ؛ قال لي : ولو أنهم أرسلوا اليوم السعاة ، رأيت ذلك قد

(2/438)


أمطر الناس ، وأعشبت الأرض ، وعاشت المواشي ، وذلك في شهر بيع الأول - وكانوا في جدب ، فكان ذلك في أول ما أمطروهن فنرى أن يرسل السعاة حينئذ .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف ما في سماع أصبغ عن ابن شهاب ، أو مالك ، أو عنهما - جميعاً - أن الصدقة تؤخذ في الخصب والجدب ، ولا يؤخذ أحدها ولا يضمونها ، وليس في هذا سنة قائمة ، ولا أثر يتبع ، وإنما هو النظر والاجتهاد في تغليب أحد الضررين ؛ فقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال : إذا اجتمع ضرران بقي الأصغر للأكبر . ففي أخذ الصدقة في الجدب ضرر على المساكين ؛ وفي تركها عند أرباب المواشي ضرر عليهم ، ورواية أصبغ أظهر - والله أعلم .
مسألة
قال : وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده ، قال : إذا حال عليها الحول أخرج زكاتها - وإن لم يبعها ، ليس المواشي مثل العروض ؛ وإن باعها قبل أن يحول عليها الحول وقد حال على ثمنها من يوم زكاه ، زكى ثمنها يوم بيع .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة فيبعض الروايات ، وهو مثل ما في المدونة وغيرها ؛ وإنما كانت المواشي بخلاف العروض ، لأن زكاة الماشية في أعيانها ، فهي أملك بها من زكاة التجارة في العروض - وبالله التوفيق .

(2/439)


ومن كتاب الزكاة
قال : وسألته عن الشنق من الإبل ، ما يؤخذ في صدقتها أضأن أم معز ؟ فقال لي : إن كان من أهل الضأن ، أخذ منه الضأن ؛ وإن كان من أهل المعز ، أخذ منه المعز ؛ قلت له : أذلك فيمن يكون عنده ؟ أم في اختلاف البلدان ؟ فقال لي : بل في البلدان ، أن النجد أهل الضأن فلا يؤخذ منهم إلا الضأن ، وهذه الناحية الأخرى أهل الشام أهل المعز ، فلا يؤخذ منهم إلا المعز ؛ قال : فقلت هل : وما الشنق ؟ فقال لي : الشنق من الإبل ما لا يؤدي فيه إلى الغنم أربع وعشرون بعيراً فدون ذلك ، فإذا كانت خمسة وعشرين فليست بشنق .
قال محمد بن رشد : لمالك في كتاب ابن سحنون ، أن ذلك يؤخذ مما تيسر على رب الإبل ، ولا يكلف ما ليس عنده ؛ وقال ابن حبيب : وإن كان من أهل الصنفين ، أخذ المصدق من أيهما شاء ؛ ورواية أشهب أشبه بظاهر الحديث ، لأن لفظ الغنم في الحديث عموم ، فيحمل على غنم البلد ، كانت عنده أو عند غيره ، ولا يقصر على ما عنده إلا بدليل ؛ وما في كتاب ابن سحنون ، وابن حبيب ، تيسير على رب الإبل ، إذ ليس في الحديث بيان برفع القدر ، وشأن الزكاة التخفيف ؛ وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : إذا خرصتم

(2/440)


فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث ، فدعوا الربع . وكان محمد بن مسلمة لا يساق إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها . ويأتي في سماع أبي زيد القول في الشنق .
مسألة
قال : وسألته عن رجلين قدما المدينة من البصرة إبل لهما ، وأحدهما من بني أسد ، والآخر من طيء ؛ فسألهما صاحب الصدقة : هل صدقتما إبلكما هذه ؟ وأين كنتما تصدقان ؟ فقالا : أما مسكننا وأهلونا وذرارينا فبالبصرة ، وأما صدقتنا - وأين كنا نصدق - فإنما والله ما أدينا صدقة قط لا ههنا ولا بالبصرة ؛ وما زال هذا وجهنا نكري من البصرة إلى المدينة ، أترى أن يصدقا بالمدينة ؟ فقال : وما بالهما يصدقان بالمدينة - إن كانا من أهل العراق ، به إقامتهما وقراراهما وأهلوهما ؛ إنما صدقتهما إلى العراق ، وأرى أن يسأل أهل عمله عنهما ؛ فإن كانا إنما كانت صدقتهما بالمدينة - وهما كاذبان فيما قالا ، صدقهما - وإن كان مسكنهما بالعراق ؛ وإنما كانا يصدقان بها ، أو غيبت عنهما بأمر ؛ فلا أرى أن يأخذ منهما الصدقة ، وإنما صدقتهما بالعراق ؛ إما أن تكون قد أخذت منهما بها الصدقة ، وإما أن سوف تؤخذ منهما ، إنما صدقتهما بالعراق - إن كانا من أهلها وبها أهلوهما وقرارهما وأوطانهما .

(2/441)


قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الشأن أن تؤخذ الصدقة من أغنياء كل موضع ، فترد على فقرائهم ، ولا ينقل عنهم إلى غيرهم ، إلا أن يرى الإمام ذلك لحاجة نزلت ببعض البلاد ، فللأمير كل إقليم قبض صدقات أهل إقليمهن دون من سواه من الأمراء ؛ وقد سئل سحنون عن رجل له أربعون شاة في أربعة أقاليم ، وفي ك أقليم أمير ، عشرة بالأندلس ، وعشرة بافريقية ، وعشرة بمصر ، وعشرة بالعراق ؛ قال إن كان الولاة عدولاً فيخبرهم بذلك ، فيأخذ منه كل أمير ربع شاة يأتي بشاة يكون الإمام شريكاً له بربعها ، هكذا يفعل في كل إقليم ؛ وإن أخذ منه كل أمير قيمة ربع شاة ، أجزأه ؛ وإن لم يكونوا عدولاً ، فيخرج هو ما يلزمه - كما أعلمت ؛ وكذلك إن كان له خمسة أوسق مفترقة - كما ذكرنا ، فليعط كل أمير زكاته في بلده ؛ وإن لم يكونوا عدولاً ، أخرج هو ما يلزمه عن جميع ذلك .
مسألة
وسئل عن رجل زكى غنماً له ، فأقامت عنده ستة أشهر ، ثم اشترى به إبلاً ؛ متى تجب الزكاة في الإبل ؟ فقال حتى يحول الحول عليها من يوم زكى الغنم الذي ابتاعها ، فقال له من يوم زكى الغنم ؟ فقال نعم في رأيي .
قال محمد بن رشد : هذا خلاف ما في المدونة ، ومثل ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه إلا ابن القاسم ؛ وجه قول ابن القاسم أن شراء الماشية بالماشية المخالفة لها ، كشرائها بالدنانير والدراهم في وجوب استئناف الحول بها ؛ ووجه القول الآخر ، أن الدنانير إذا كانت تزكي على حول الماشية من أجل أن الماشية في عينها الزكاة ، فأحرى أن تزكي الماشية على حول الماشية المخالفة لها ؛ لأن الماشية إلى الماشية أقرب من الدنانير

(2/442)


إلى الماشية ، وأشبه بها ؛ فلكلا القولين وجه ، وقول ابن القاسم أظهر ، لأن قياس المثمون على المثمون أولى من قياسه على الثمن - وبالله التوفيق .
ومن كتاب الحج والوصايا والزكاة
قال مالك سمعت ربيعة يقول : قدم على معاوية رجل من أهل المدينة فجعل يسأله عن أهل المدينة ؛ ثم سأله من أصحاب الصدقات ، فأخبره ؛ فقال له معاوية أتدري لم أسأله عن المصدقين ؟ فقال الرجل تسأل عن رعيتك وعما لك ، فقال لا ؛ إنما أسألك لأن الأعراب قوم جفاة ، إن لم يأتهم من يعلمهم ويعدل فيهم ويرفق بهم ، هلكوا .
قال محمد بن رشد : ليس في هذا أكثر من فضل معاوية وعدله ، ويكفي من الدليل على ذلك ، أنه كان أميراً لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الشام أربعة أعوام ، ولعثمان بعده مدة خلافته - اثنتي عشرة سنة ؛ واجتمع الناس عليه حين بايعه الحسن ، فكان خليفة عشرين سنة ؛ وقال صلى الله عليه وسلم فيه - وكان يكتب له الوحي - : اللهم علم معاوية الكتاب ، والحساب ، وقه العذاب . وبالله تعالى التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم
من كتاب أوله استأذن سيده
قال عيسى : وقال ابن القاسم إذا كان لرجل إبل فسيرها في سفر ، فحال عليها الحول - وهي في سفرها ، فليس عليه صدقتها حتى تقدم ، فإن ماتت فلا صدقة عليه فيها .

(2/443)


قال محمد بن رشد : إنما لم تجب عليه صدقتها ، من أجل أنه لا يدري ما حدث عليها من تلف أو عطب ؛ ولا يلزمه أيضاً أن يخرج زكاتها إلا منها - وهو لا يقدر على ذلك من مغيبها عنه . وقوله فإن متت فلا صدقة عليه فيها . - يريد وإن علم أنها ماتت بعد حلول الحول عليها ، إذ لم يفرط وليس عليه أن يخرج زكاتها إلا منها - وإن كانت زكاتها من غيرها .
مسألة
وسئل عن النفر يكونون خلطاء بأربعين شاة ، يكونون أربعة نفر ، لكل واحد منهم عشرة ، عشرة ؛ أو يكون لكل واحد منهم أكثر من ذلك ، أو أقل ، إلا أن عدد الغنم أربعون شاة ، فيأتي الساعي فيأخذ منها شاة ؛ قال يترادونها على عدد ما لكل واحد منهم . قلت فلو أخذ منها شاتين ، قال : إن كانت أخذت من غنم واحد ، كانت الواحدة مظلمة وقعت عليه ، ويترادون الشاة الواحدة بينهم على قدر غنمهم ؛ وإن أخذ شاتين من غنم رجلين ، كانت نصف شاة كل واحدة منهما مظلمة وقعت عليه ، ويترادون الواحدة بينهم إن كانت أربعين شاة ؛ والنفر أربعة ، لكل واحد منهم عشرة ، عشرة ؛ فإن أخذ شاتين من رجلين ، كان نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه ، ورجعا على صاحبيهما بربعي شاة فاقتسماها .
قال محمد بن رشد : أما إذا أخذ منها شاة واحدة ، فإنهم يترادونها على عدد غنمهم ؛ فإن كانوا أربعة خلطاء لكل واحد منهم عشرة ، فأخذ من أحدهم شاة قيمتها أربعة دراهم ؛ رجع الذي أخذت الشاة من غنمه على كل واحد من خلطائه بدرهم ، درهم ، ولا كلام في هذا الوجه ؛ وأما إن كان أخذ منها شاتين من غنم واحد ، فقال إن الشاة الواحدة تكون مظلمة ويترادون الشاة

(2/444)


الأخرى بينهم ، وهذا بين - إن كانت الشاتان مستويتين في القيمة ، وأما إن لم يستويا في القيمة ، فيكون نصف كل شاة منهما مظلمة ، ويترادون النصفين الآخرين ؛ مثال ذلك أن تكون قيمة إحدى الشاتين دينارين ، وقيمة الثانية أربعة دنانير ، فتكون المصيبة منه في نصفهما جميعاً ، وذلك ثلاثة دنانير ، ويترادون الثلاثة الدنانير الأخرى بينهم ؛ فيجب على كل واحد منهم منها ثلاثة أرباع دينار ، فيرجع الذي أخذت الشاتان من غنمه على كل واحد من خلطائه بثلاثة أرباع دينار ؛ وأما إذا أخذت الشاتان من غنم رجلين ، فقال في هذه الرواية : إ ، نصف شاة كل واحد منهما مظلمة وقعت عليه ، ويرجعان على صاحبيهما بربعي شاة فيقتسمانهما ؛ وقال في سماع يحيى إن قيمة الشاتين تجتمعان ثم يكون نصف قيمتها على الأربعة ، يقسم بينهم على ما لهم من العدد في الغنم ، وذلك اختلاف من القول يتبين بالتنزيل ؛ مثال ذلك أن يأخذ من غنم أحدهما شاة قيمتها أربعة دراهم ، ويأخذ من غنم الآخر شاة قيمته درهمان ، فيؤخذ على هذه الرواية من اللذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ثلاثة أرباع درهم ، فيدفع من ذلك درهم وربع درهم - إلى الذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم ، ويدفع الربع درهم الباقي إلى الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان ؛ الربع درهم الباقي إلى الذي أخذت منه غنمه الشاة التي قيمتها درهمان ؛ ووجه العمل في ذلك ، أن يقال للذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم ، الدرهمان من الأربعة دراهم مظلمة لا رجوع لك فيها ،
وإنما يجب التراد في الدرهمين الباقيين ؛ ويقال للذي أخذت منه الشاة التي قيمتها درهمان ، الدرهم الواحد من الدرهمين مظلمة عليك ، لا رجوع لك فيه ؛ وإنما يجب التراد في الدرهم الباقي ، فيجمع ما يجب فيه التراد ، وذلك ثلاثة دراهم ، فيقسم على جميعهم بالسواء ، إن كان لكل واحد منهم عشرة ، فيجب على كل واحد منهم من ذلك ثلاثة أرباع درهم ؛ فيقال للذي أخذت الشاة من غنمه التي قيمتها أربعة دراهم ، قد وجب عليك ثلاثة أرباع درهم في التراد ، وأنت قد أديت مما

(2/445)


يجب فيه التراد درهمين ، فيبقى لك درهم وربع درهم ؛ ويقال للذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان ، قد وجب علكي ثلاثة أرباع درهم في التراد ، وأنت قد أديت مما يجب فيه التراد درهماً واحداً ، فبقي لك ربع درهم ؛ فيؤخذ من الذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ثلاثة أرباع درهم من كل واحد ، فيدفع من ذلك درهم وربع للذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم ، ويدفع الربع درهم الباقي إلى الذي أخذ من غنمه الشاة التي قيمتها درهمان فيعتدلون فيما وجب التراد بينهم ؛ ويؤخذ على ما في سماع يحيى من اللذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ، ثلاثة أرباع درهم ؛ ومن الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها : درهمان ، ربع درهم ، فيدفع جميع ذلك وهو درهم وثلاثة أرباع درهم إلى الذي أخذت من غنمه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم فيعتدلون فيما وجب فيه التراد بينهم ؛ ووجه العمل في ذلك ، أن تجمع قيمة الشاتين وذلك ستة دراهم فيكون الصف من ذلك وهو ثلاثة دراهم مظلمة ، درهم ونصف من كل واحد لا رجوع له به ؛ والنصف الثاني وهو ثلاثة دراهم يجب التراد فيه ، فجيب من ذلك على كل واحد منهم ثلاثة أرباع درهم ؛ فيقال للذي أدى الشاة التي قيمتها أربعة دراهم ، عليك من الأربعة دراهم درهم ونصف مظلمة ، لا رجوع لك به على أحد ، ويجب عليك مما يجب فيه التراد ثلاثة أرباع درهم ( الباقي لك من حقك درهم وثلاثة أرباع درهم ؛
ويقال للذي أدى الشاة التي قيمتها درهمان ، عليك من الدرهمين درهم ونصف مظلمة ، لا رجوع لك بهما على أحد ، ويجب عليك مما يجب فيه التراد ثلاثة أرباع درهم ) ؛ فيبقى عليك ربع درهم يؤخذ منه ويدفع إلى الذي أخذت منه الشاة التي قيمتها أربعة دراهم مع ما يؤخذ من الذين لم يؤخذ من غنمهما شيء ، وذلك درهم ونصف ثلاثة أرباع من كل واحد ، فيستوفي جميع حقه ، ويعتدلون فيما يجب فيه التراجع بينهم - وبالله التوفيق .

(2/446)


مسألة
قلت فلو كان لواحد أربعون شاة وللآخر ثلاثون ، فأخذت شاة من غنم صاحب الأربعين ، أو غنم صاحب الثلاثين ؛ قال : إن أخذها من غنم صاحب الثلاثين ، رجع فأخذها من غنم صاحب الأربعين ، ولم يكن على صاحب الثلاثين شيء ؛ وإن كان أخذها من غنم صاحب الأربعين ، لم يكن على صاحب الثلاثين شيء ؛ لأن الواحدة وجبت عليه ، والأخرى مظلمة وقعت عليه ؛ وإن كانتا أخذتا من غنم صاحب الثلاثين ، رجع على صاحب الأربعين بالشاة التي كانت وجبت عليه في غنمه ، وكنت الأخرى من صاحب الثلاثين ، لأنها مظلمة وقعت عليه .
قال محمد بن رشد : قوله في الشاتين أنهما إن أخذتا من غنم صاحب الثلاثين ، رجع على صاحب الأربعين بالشاة الواحدة ، وكانت الأخرى منه ، لأنها مظلمة وقعت عليه ؛ - بين إن كانت الشاتان معتدلتين ، وغن لم تكونا معتدلتين ، فإنما يجب عليه أن يرجع بنصف قيمتها جميعاً ؛ ولو كانت إحداهما تجب في الزكاة ، والأخرى لا تجب فيها ، أو لا تجب ، لرجع عليه بقيمتها التي تجب في الزكاة ؛ ولو كانتا جميعاً مما لا يجوز في الزكاة ، لم يكن له رجوع بشيء منهما ، وبقتي الزكاة على صاحب الأربعين ،وسائر المسألة صحيحة بينة على ما في المدونة وغيرها .
مسألة
قلت فلو كانت لواحد عشرون ومائة ، وللآخر ثلاثون ، فأتى الساعي فأخذ شاة من غنم صاحب الثلاثين ؛ قال يرجع ويأخذها من ( غنم ) صاحب العشرين ومائة ، وليس عليه شيء ؛ قلت فإن

(2/447)


أخذ الساعي شاتين من غنم صاحب الثلاثين أو من غنم صاحب العشرين ومائة ، فقال لا تبالي من غنم من أخذت منهما ، يترادانهما بينهما على عدد غنمهما ؛ لأن كل ما اختلف فيه الناس ، فالأمر إذا وقع بينهم ، حملوا على ما وقع عليه الأمر ؛ لأن الناس قد قالوا إنه إذا كان العدد ما يجب فيه الزكاة ، أخذت منهما الزكاة ، وهما الخليطان لا تبالي أكان في غنم كل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة ، أو لم يكن ، ففي خمسين ومائة على قولهم شاتان .
قال محمد بن رشد : قد قيل إنه إن أخذ الساعي منها شاتين ، فالواحدة على صاحب العشرين ومائة ؛ لأنها واجبة عليه ، ويترادان الأخرى التي أخذت بسبب خلطتهما ، وهو قول ابن وهب ، وابن عبد الحكم ، ويأتي على أصل مذهب مالك في أن الرجلين لا يكونان خليطين ، حتى يكون لكل وحد منهما ما تجب فيه الزكاة دون مراعاة قول من يراهما خليطين - وإن لم تبلغ ماشية كل واحد منهما ما تجب فيه الزكاة ؛ لأنه قال إن الشاة الواحدة تكون على صاحب العشرين ومائة ، لأنها واجبة عليه ؛ والشاة الثانية تكون بينهما على عدد غنمهما ، لأنها إنما أخذت عنهما عداء على القول بأن من أغرم غرماء على متاع لغيره ، أنه على صاحب المتابع وبالله التوفيق .
ومن كتاب التفسير
قلت لابن القاسم ما قول مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحداً ، والفحل واحداً ، والمراح واحداً ، والدلو واحداً ، فالرجلان خليطان ؛ أرأيت إن افترقا في بعض هذا الذي وصفه مالك ، أتراهما

(2/448)


خليطين ؟ قال نعم ، لأن مالكاً قال في القوم يفترقون في المراح ، والحلاب ، فهم خلطاء ؛ ولم يرد في الحديث ألا يفترقوا في شيء من هذا . قال ابن القاسم هم خلطاء إذا اجتمعوا في جله - وإن افترقوا في الوجه الواحد منه - كما فسر لي مالك ، لا يكونون خلطاء إلا أن يجتمعوا في جل ذلك .
قال محمد بن رشد : وقعت هذه المسألة في بعض الروايات ، وهي مثل ما في المدونة وغيرها ، ولا اختلاف في ذلك في المذهب ؛ والمخالف في هذا ، الشافعي ، فيقول إنهما لا يكونان خليطين حتى يشتركا في المراح ، والمسرح ، والفحل ، والدلو ، ولا يراهما أيضاً خليطين حتى يتخالطا من أول السنة ؛ ويقول إنهما خليطان وإن لم يكون لواحد منهما نصاب . وحجته الحديث : "ولا يجمع بين مفترق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ؛ وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" وأبو حنيفة لا يرى الخلطة ولا يقول به على حال من الأحوال ، ويقول معنى ما في الحديث من قوله لا يفرق بين مجتمع ، هو أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة ، فيفرقها الساعي أربعين ، أربعين ليأخذ منها ثلاث شياه ؛ فنهي عن ذلك ،ولا يجمع بين مفترق ، هو أن يكون لرجلين أربعون شاة ، عشرون ، عشرون ، فنهى الساعي أن يجمعهما ليأخذ منهما شاة ؛ ومعنى ما فيه من قوله وما كان من خليطين ،فإنهما يترادان بينهما بالسوية ، هو مثل أن يكون الغنم بين الرجلين مشتركة على الثلث والثلثين فيجب عليهما في ذلك شاتان : شاة على كل واحد منهما ،فيأخذها من جملة الغنم قبل القسمة ، إذ ليس عليه انتظار القسمة ؛ فيكون إذا فعل ذلك ، قد أخذ من حصة الذي له الثلثان : شاة وثلثاً ، ومن حصة الذي له الثلث ثلثي شاة ؛ فوجب أن يترادا ذلك فيما بينهما حتى يستويا فيما يجب عليهما ؛ فقول مالك وسط ين قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، استحسان .

(2/449)


ومن كتاب العرية
وسئل عن الرجل يهرب بغنمه ثلاث سنين - وهي فيها : أربعون ، أربعون في كل سنة ؛ ثم يأتيه الساعي في السنة الثالثة فيجدها ألفاً ، قد أفادها في تلك السنة ؛ قال يبدأ بما وجب عليه قبل ، فيأخذ شاة للأربعين التي كانت عنده ثلاث سنين ، ثم يأخذ تسعة لهذه السنة ؛ قلت وكيف وقد قلت لو أن رجالً عنده ثلاث مائة شاة - ثلاث سنين - هارباً بها ، ثم جاء في السنة الرابعة ، فلم يجد عنده إلا أربعين شاة ؛ أنه يأخذ تسع شياه لثلاث سنين ، ويأخذ شاة لهذه السنة من الأربعين ؛ فكيف لا تكسر التسع شياه الأربعين ، حتى لا يؤدي منها شيء كما كسرت الشاة المائة من الألف ؛ قال لأنه لو لم يكن عنده في الثلاث سنين إلا ستون ومائتان ، كانت عليه ثلاث شياه لكل سنة ، وهذه الأربعون التي وجد في يديه كأنها كانت عنده ثلاث سنين ، فلا تكسر بعضها بعضاً ؛ وانه إذا كانت في السنتين أربعين ، أربعين ، ثم وجدها ألفاً ؛ إنه يبدأ بالشاة التي وجبت عليه فيأخذها ،فإذا أخذها فقد انكسرت عليه المائة من الألف عن الصدقة ، ثم يأخذ تسعة ، تسعة ؛ وإنما يبدأ - أبداً - بالأول ، فالأول ، الذي وجب عليه فيأخذه ، ثم يزكي ما بعد ذلك على حال ما وجب عليه .
قال محمد بن رشد : كذا وقع في الأم : ثم يأتيه الساعي في السنة الثالثة ، وفي الأصل في السنة الرابعة - وهو الصواب ؛ لأنه إذا غاب عنه ثلاث سنين لهروبه ، فإنما يأتيه في الرابعة ؛ وقد اختلف قول ابن القاسم في الذي يهرب بماشيته عن الساعي ، فيجده بعد أعوام ؛ فمرة قال إنه يبدأ فيأخذ مما

(2/450)


وجد بيده ما يجب لذلك العام ثم يأخذ منه زكاة ما مضى من الأعوام على ما يثبت أنه كان عنده في كل عام منها ، أو على الأكثر مما كان بيده يوم هرب ، أو يوم وجد ؛ إذ قد يهرب وشاؤه أربعون ، ثم يجده بعد أعوام - وشاؤه ألف شاة ؛ فيقول إنما أفدتها منذ عام ، وقد يهرب أيضاً وشاؤه ألف شاة ، ثم يجده بعد أعوام وشاؤه أربعون شاة ؛ فيقول إن الألف شاة تلفت في العام الذي هربت فيه - ولم يكن عندي فيما بعد ذلك من الأعوام إلا أربعون ، أربعون في كل عام ، فلا يكسر على هذا القول ما يأخذ منه زكاة غيره من الأعوام ؛ وروي ذلك عنه أصبغ ، وقال به ، وهو قول ابن الماجشون ، وسحنون في المختصر ، واختيار ابن المواز ؛ ومرة قال إنه يبدأ بالعام الأول ، فيأخذ منه ما وجب عليه فيه ، فيكون كأنه أخذ منه حينئذ زكاة ما بقي للعام الذي بعده ، فلا يأخذ منه للعام الذي وجده فيه إلا زكاة ما بقي بيده بعد ما أخذ منه ؛ وهو قوله في رواية عيسى هذه ، وقول سحنون في آخر سماعه بعد هذا ؛ فعلى قوله في هذه الرواية ، لا يأخذ منه التسع شياه عن التسع مائة شاة ، إلا أن يكون قد أفاد الألف قبل توبته بعام ، لأن الشاة إذا أخذها عن أول سنة من الأربعين التي هرب بها ، يرجع إلى أقل من نصاب ، فلا يجب عليه زكاة ما أفاد إليها حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده ؛ ولو لم يعلم متى أفاد الألف ، لم يصدق في أنه أفادها في هذا العام ويأخذ منه شاة للعام الذي هرب فيه ، وتسع شياه ، تسع شياه ، لكل عام من الأعوام التي بعده ؛ ويلزم على قياس قوله في هذه الرواية في الذي هرب وشاؤه ثلاثمائة ، ثلاث سنين ،
ثم جاء في السنة الرابعة فلم يجد عنده إلا أربعين ؛ ألا يأخذ من الأربعين لهذه السنة شيئاً ، لأن الذي أخذ للأعوام الماضية يكسرها ، كما كسرت التسع شياه المائة من الألف ؛ وكذلك قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز ، وتفرقته بين المسألتين ها هنا لا وجه له في القياس ، ولاحظ له في النظر - وبالله التوفيق .

(2/451)


ومن كتاب
أوله لم يدرك من صلاة الإمام إلا الجلوس
وقال في رجل كانت عنده خمس ذود فضل منها بعير أو شرد ، فأتاه الساعي وليس عنده إلا أربع ذود ؛ قال لا زكاة عليه فيها ،فإن وجده ، صدقها حين يجده .
قال محمد بن رشد : قال ابن القاسم في كتاب ابن الموز ، ويكون حولها من يومئذ ، ولا ينتظر مجيء الساعي في الحول الثاني ، وقال ابن المواز غير ذلك أحب إلي أن ينظر ، فإن كان صاحبه أيس منه ، فليجعل السنة من يوم يجده ؛ وإن كان منه على رجاء ، فليزكه مع الأربعة للحول الأول ، كزكاة الفطر عن العبد الأبق ؛ وفي ذلك كله نظر ، ولا يصح فيه على وجه القياس والنظر ، إلا أن ينظر ؛ فإن لم يكن آيساً منه ، زكى حين يجده ، ولم ينتقل حوله عما كان عليه ؛ وعلى هاذ ينبغي أن تحمل الرواية ، ولا تفسير بما لابن القاسم في كتاب ابن المواز ، ولو انتقل الحول إلى حين إخراجه الزكاة ، لا ينبغي على أصولهم ألا يزكي حتى يأتي الساعي من العام الثالث ؛ وإن كان آيساً منه ، كان وجوده كالفائدة يستقبل حولاً من حينئذ ، ولا يزكي حتى يمر به الساعي من بعد حلول الحول ؛ وهذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد بعد هذا ، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق .
من كتاب
أوله أسلم وله بنون صغار
وسئل عن الرجل يزكي غنمه فتلبث ستة أشهر بعد زكاتها ، ثم يخلطها مع رجل ، فيأتيهم الساعي في شهره ذلك الذي

(2/452)


خلط فيه غنمه - وقد وجبت على صاحبه الزكاة في غنمه ؛ فقال يزكي غنم صاحبه - وليس على هذا زكاة حتى يحول على صاحبه الحول من يوم يزكي ، إلا أن يخرج غنمه منها قبل ذلك ؛ وذلك بمنزلة الرجل يفيد الغنم ويشتريها ، فتلبث في يده ستة أشهر ، ثم يأتيه الساعي فليس له أن يزكيها حتى يأتيه من سنة قابل .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، أن الرجلين لا يكونان خليطين ويزكيان زكاة الخلطة ، حتى يكون الحول قد حال على ماشية كل واحد منهما ؛ ولو زكاهما زكاة الخلطة ، وأحدهما لم يحل على ماشيته الحول ،لكان ما أخذ زائداً منهما بسبب الخلطة مظلمة على من أخذت من غنمه ، ولم يترادا ذلك بينهما ؛ إذ لا اختلاف في ذلك ، بخلاف إذ زكاهما زكاة الخلطة ، وماشية أحدهما أقل من نصاب ؛ مثال ذلك أن تكون الماشية التي قد حال عليها الحول مائة ، والتي لم يحل عليها الحول خمسين ، فيأخذ الساعي منها شاتين ، فإنه إن أخذها من غنم صاحب المائة ، لم يكن على صاحب الخمسين شيء ؛ لأن الواحدة واجبة عليه ، والثانية مظلمة وقعت عليه ؛ إلا على القول بأن من أغرم غرماء على مال غيره ، فله أن يرجع به على صاحب المال ؛ وإن أخذهما من غنم صاحب الخمسين ، رجع بالواحدة على صاحب المائة ، وكانت الثانية مظلمة وقعت عليه ؛ وإن أخذ واحدة من غنم صاحب المائة ، وواحدة من غنم صاحب الخمسين ، لم يكن لصاحب الخمسين على صاحب المائة رجوع بالشاة التي أخذت منه ، لأنها مظلمة وقعت عليه .
مسألة
وسئل عن الرجل يفر بماشيته من الساعي - وهي أربعون شاة ، فيغيب عنه الساعي سنين ، ثم يأتيه - وهي أربعون لم تزد على الأربعين في السنين الفارطة ؛ قال ليس عليه إلا شاة واحدة لجميع

(2/453)


السنين ، وإنما يؤخذ من الفار كل سنة ما وجب عليه - وجدت عنده غنم ، أو لم توجد - هو ضامن لما وجب عليه في ماله ، وليس هو كمن لم يفر ، إلا أن الساعي لم يأته ؛ فذلك إذا جاءه ولم يجد في يده شيئاً من الماشية ، أو جد في يهده ما لا زكاة فيه ، فلس عليه لما مضى من السنين التي لم يأتيه فيها الساعي شيء .
قال محمد بن رشد : هذا على ما مضى له في رسم العرية : أن الساعي يبدأ فيأخذ شاة لأول سنة ، ثم لا يأخذ منها شيئاً ، لأنها ترجع إلى ما لا يجب فيه الزكاة ؛ وعلى قوله الثاني - وهو قول ابن الماجشون ، وأحد قولي سحنون - يبدأ بهذه السنة فأخذ لها شاة ، ثم يأخذ منه شاة شاة للأعوام الماضية ؛ لأنه كان ضامناً لها ، وقد مضى هذا في رسم العرية ؛ وأشهب يقول إذا فرب غنمه سنين ثم وجده الساعي - وقد زادت غنمه ، أنه يأخذ منه لكل عام من الأعوام الماضية على ما يجد بيده ، ولا يكون أحسن حالاً من الذي يغيب عنه الساعي ؛ وإذا وجده الساعي وقد نقصت غنمه ، فهو ضامن - كما قال ابن القاسم - والله أعلمه .
ومن كتاب الجواب
وسألته عن الرجل تجب ( عليه ) البقرة في صدقة بقره ، أو الشاة في صدقة غنمه ، فيريد أن يذبحها ويجزئها على المسكين ، قال ابن القاسم لا يعجبني ، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك ،ولكن يخرجها كما هي حية ، فيدفعها بحالها ، فإن ذبحها وجزأها وأخرجها مذبوحة ، لم تجزه وأبدلها .

(2/454)


قال محمد بن رشد : مثل ما حكى ابن حبيب عن القاسم أيضاً أنها لا تجزئه ، وروي البرقي عن أشهب أنها تجزئه ؛ وقول ابن القاسم أظهر ، لأن قيمتها مذبوحة - إن كانت أقل من قيمتها - حية ، فقد أخرج أقل قيمة مما عليه ؛ وإن كانت مثل قيمتها حية ، فهو بمنزلة من أ×رج عن لعين عرضاً لا يجزئه عند ابن القاسم ، ويجزئه عند غيره ؛ وكذلك أيضاً لو كانت قيمتها مذبوحة أقل من قيمتها حية ، فأخرج تمام القيمة ، لا يجزئه ذلك على مذهب ابن القاسم ، ويجزئه على مذهب غيره .
مسألة
وسألته عن الساعي أو العامل يقف على الرجل في زكاة زرعه ، أو صدقة ماشيته ، فيقاطعه منها بالدراهم طوعاً أو كرهاً ؛ هل يجتزي بذلك ويعتد بها إن وضع بقية ذلك في وجهها ؟ أو هل للرجل أن يشتري صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليه ؟ قال ابن القاسم نعم يجتزئ بها ،ويعتد بذلك إذاك ان العمال والسعاة يضعون ما يأخذون من الصدقة مواضعها ؛ ولا أحب لأحد أن يشتري صدقته وإن كان بعد أن يقبضها العامل ، وإن فعل لم أر بذلك بأساً ؛ ولا أرى عليه شيئاً إذا كانوا يضعون الصدقات مواضعها ، كما أعلمتك ؛ فأما الوالي الجائز الذي لا يضعها مواضعها ، فلا يجتزئ عن صاحبها دفعها إليه - طائعاً ، أو كارهاً ، قاطعه عليها ، أو لم يقاطعه ، اشتراها منه بعد وصولها إليه ، أو لم يشترها ؛ فلا يجزئه على حال ، ولا يعتد بها ؛ وسألته عن الصدقات والعشور هل يصح الاشتراء منها ؟ قال ابن القاسم إن كانوا يضعون أثمانها مواضعها ، فلا بأس بالاشتراء منهم ، وإلا فلا يحل ؛ قال أصبغ وقد كان يقول قبل ذلك فيما أعلم إذا أخذت

(2/455)


كرهاً في محلها ، أجزأت ، ولا أعلمه إلا قاله في المكوس ؛ قال ( أصبغ وقد سمعت ) ابن وهب : يقول تجزئه إذا أخذها كرهاً ، وهو رأيي إذا حلت ووجبت في المكوس والسعاة .
قال محمد بن رشد : قوله في المدونة ، وأحد قوليه هنا ، وقول ابن وهب ، واصبغن أن ما يأخذ الولاة من الناس من الصدقات ، تجزئ عنهم - وإن كانوا لا يعدلون فيها ، ويضعونها غير مواضعها ، أصح من قوله الآخر - ههنا : إنها لا تجزئ عنهم ، إلا أن يضعوها مواضعها ؛ لأن دفعها إليهم واجب لما في منعها من الخروج عليهم المؤدي إلى الهرج والفاسد ، فإذا جب أن يدفع إليهم ، وجب أن يجزئ عنهم ؛ وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أما والله لولا أن الله تعالى قال : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} الآية ، ما تركتها عليكم جزية تؤخذون بها من بعدي ، ولكن أدوها إليهم ، فلكم برها وعليهم إثمها - قالها ثلاث مرات . وأما دفع القيمة إليهم في ذلك ، فمكروه لوجهين ، أحدهما : لما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة ، والثاني لئلا تكون القيمة أقل مما عليه ، فيكون قد بخس المساكين حقوقهم ، وأما شراء الرجل صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليهن فهو أخف في الكراهية ، لأن ذلك إنما يكره لوجه واحد ، وهو ما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة ، وليس بحقيقة الرجوع فيها ، إلا إذا اشتراها من المساكين الذين دفعها إليهم ؛ مع أن الحديث إنما ورد في صدقة التطوع ،

(2/456)


فإذا أكرهه الإمام على أخذ القيمة منه ، لم يكن عليه في ذلك بأس ؛ وأما شراؤه من العامل صدقات غيره ، فذلك جائز إن كانوا يضعون ذلك في مواضعه ؛ لقوله عليه لصلاة والسالم لا تحل الصدق لغني ، إلا لخمسة - . فذكر فيهم أو رجل شاتراها بماله . وأما إذا كانوا لا يضعون ذلك مواضعها .
فقد قيل إن الشراء منهم سائغ ، لأن البيع لهم جائز ، وإنما يقع عداؤهم على الأثمان ؛ - قاله ابن حبيب في الوالي يعزل العمالة الظلمة فيرهقهم ويعذبهم في غرم يغرمهم لنفسه ، أو ليرده إلى أهله ، فيلجئهم ذلك إلى بيع أمتعتهم ورقيقهم ؛ والصحيح ما ههنا ، أن ذلك لا يحل ولا يجوز ، لأنه بيع عداء ؛ إذ الواجب أن يقسم على المساكين على ما هي عليه ، ولا تباع إلى على وجه نظر ؛ مثل أن يحتاج الإمام أن ينقل الزكوات من بلد إلى بلد لحاجة نزلت بأهل هذا البلدان فيخاف أن يذهب الكراء ببعضها ، فيرى أن تباع ويشتري في ذلك البلد بالثمن مثله فيقسم ؛ أو يقسم الثمن فيه فيسد للمساكين مسده ، فإذا باع الزكوات ليستأثر بها ، أو ليتعدى فيها ، فهو كمن تعدى على سلعة رجل فباعها ، لا يحل لأحد شراؤها .
من سماع يحيى بن حيى
من كتاب أوله يشتري الدور والمزارع
قال يحيى : قال ابن القاسم في القوم يأتيهم الساعي فيجد لأربعة نفر أربعين شاه ، لكل واحد منهم عشرة ، عشرة ، فيأخذ منها شاتين ؛ أنهم يكونون كالخلطاء في الشاة الواحدة ، وتكون مصيبة الشاة الأخرى على صاحبي الشاتين ؛ لأنها مظلمة دخلت عليهما بغير سبب

(2/457)


الغنم ، ومظلمة الشاة الأخرى دخلت عليهم أجمعين للشبهة التي تأول المصدق ؛ إذ وجده مجتمعة ، فرأى أن فيها شاة إذ هي أربعون ، وتعدى في الأخرى فغصبها ربها ؛ فلم الم يعرف التي أخذ للصدقة من التي تعدى على ربها فيها ؛ فقبضها إياه ، إن قيمة الشاتين تجمعان ، ثم تكون نصف قيمتها على الأربعة نفر ، تقسم على ما لهم من العدد في الغنم ، كالخليطين اللذين يترادان ثم يكون نصف قيمتهما بين صاحبي الشاتين ، على كل واحد منهما نصف ذلك . وهو ربع جميع قيمة الشاتين .
قال محمد بن رشد : قد مضى في رسم استأذن من سماع عيسى تفسير هذه المسألة ، وتبيين موضع الخلاف بين السماعين ، فلا معنى لإعادته .
ومن سماع سحنون بن سعيد
وسؤاله ابن القاسم
قال سحنون سألت ابن القاسم عن وجه ما يكون للعامل على الصدقة ، قال إن ذلك يختلف ، ربما بعد المسعى ، وقل ما فيه ، فيجتهد له ويعطى ؛ وإنما هو بمنزلة الأجير ، فيعطى على قدر عناه وشخوصه ، وليس في ذلك حد ؛ فإذا كان مثل ما وصفنا ، فربما كان له سهمان وثلاثة ؛ وربما قرب المسعى ، وكثر ما فيه ،فيعطى أيضاً على قدر ذلك ؛ فربما لم يصر له إلا ربع سهم ، أو أقل ، أو أكثر

(2/458)


؛ قلت له فيولاها عبد لأنه أجير ؟ قال : لا ، الإجارة منها ، ولا يجوز أن يليها إلا من كان يجوز له أن يأخذ منها ؛ ثم قال أيولاها نصراني ؟ قلت له فما معنى ق ول مالك : أعطى طاوس نفقة ، وأعطى معاذ بن جبل نفقة ؛ قال هو وجه ما كانوا يعملون عليه ، وكانوا يعانون به ويعطون ؛ ونما ذلك أن يولى الرجل وليست له قوة ، فيعان من بيت المال ويجهز ؛ وآخر له قوة ، فيخرج بمال نفسه ؛ قلت له فهذا الذي أعين ؟ قال يحط من العطية على قدر ما نابه من العطاء وعلى ما وصفنا ؛ قلت له فإن كان العامل عليها مديان ، أيأخذ منها مثل ما يأخذ الغارمون ؟ قال لا ، إلا أن يعطيه السلطان منها على وجه الاجتهاد .
قال محمد بن رشد : قوله : إن العامل على الصدقة يعطى منها على قدر عنائه في عمالته ، هو مذهب مالك ، ( وقول ) عامة العلماء ؛ لأن الله تبارك وتعالى لما قال : {إنما الصدقات للفقراء} الآية ، دل ذلك من قوله إن الصدقات التي هي الزكوات مقصورة على الأصناف التي ذكر ، لا تخرج عنهم ، إلى غيرهم ؛ ولم يدل ذلك من قوله على وجوب قسمتها عليهم بالسوية ، فيؤثر بذلك أهل الحاجة منهم وتنتقل بانتقالها ؛ ومن أهل العلم من يرى أنها تقسم عليها بالسواء على ظاهر قول تعالى ، فيعطي العامل عليها الثمن ؛ وقيل السبع ، لأن سهم المؤلفة قد بطل ؛ وقد قال بعض العلماء ، إن تولى الإمام قسمة الزكاة ، قسمها على سبعة أصناف ، لا يجزئه إلا ذلك ؛ وإن

(2/459)


قسم الرجل زكاته ، كان عليه أن يضعها في ستة أصناف ، لأن سهم العاملين يبطل بقسمته هو إياها ؛ والصحيح ما ذهب إليه مالك ، وعامة العلماء : أنها توضع في الأصناف المذكورين ، ويؤثر بذلك أهل الحاجة منهم . وقوله إن العبد لا يولي على الصدقة صحيح ، لأن العمالة عليها في قبضها من أهلها ، ووضعها في أهلها ، ولاية كالحكم ؛ فلا يصح من العبد ، لما لسيده عليه من الحجر ، مع نقصان مرتبته ؛ وقول مالك : لا يجوز أن يليها إلا من كان يجوز له أن يأخذ منها ، يستفاد منه أنه لا يجوز أن يولاها أحد من بني هاشم ، لأن الصدقة لا تحل لهم ، خلافاً لأبي حنيفة في قوله : إن الهاشمي يجوز أن يولى على الصدقة ؛ لأن الذي يأخذ منها ، إن ما يأخذه بعمالته ، كالغني الذي لا تحل له الصدقة ، وهو يأخذ منها بعمالته ؛ وقد خالفه أبو يوسف ، وقال بقولنا وهو الصواب ؛ لأن الهاشمي لما لم يكن له في الصدقة حق يفقره ، كان أحرى ألا يكون له فيها حق بعمالته ؛ ومن سواه لما كان له فيها حق بفقره ، لم يمتنع أن يكون له فيها حق بعمالته ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة - فذكر فيهم : أو لعامل عليها .
فلما قال إ ،ها لا تحل لغني إلا بالعمالة ، دل أنها تحل له إذا كان فقيراً دون عمال ؛ فخرج من ذلك الهاشمي بالإجماع على أنه لا تحل له إذا كان فقيراً دون عمالة ، وقد أجاز أحمد بن نصر أن يستعمل عليها العبد ، والنصراني - قياساً على الغني - وهو بعيد ؛ وإنما قال : إن العامل على الزكاة إذا كان مدياناً لا يأخذ منه كما يأخذ الغارمون ، من أجل أنه هو الذي يقسمها ، فلا يحكم لنفسه ؛ وجائز للإمام أن يعطيه من أجل دينه - سوى ما يجب له بعمالته - على مذهبه في أن الزكاة موضوعة في الأصناف بالاجتهاد ، لا مقسومة عليهم بالسوية .

(2/460)


مسألة
قلت له فالرجل المحتاج يجد اللقطة : الدينار ، أو النصف دينار ، أو نحوه - وهو محتاج ؛ أترى أن يأكله ؟ قال لا أحب ذلك له ، فإن أكله ، غرمه إن جاء ربه ؛ فأما أنا ، فلا آمره بذلك .
قال محمد بن رشد : مذهب مالك - رحمه الله أن اللقطة لا يجوز لواجدها أكلها بعد التعريف ، لأن معنى قوله - عليه الصلاة والسلام - عنده فشأنك بها . أي أنه مخير فيها بين أن يزيد في تعريفها ، ويمسكها على صاحبها ؛ وبين ا ،يتصدق بها ويخير صاحبها - إذا جاء في أن ينزل على أجرها ، أو يغرمه إياها ؛ فلم ير له مالك أنيأكلها وينزل نفسه منزلة المساكين - إن كان مسكيناً ،إذ له أن يتصدق بها على المساكين ، لأنه إذا فعل ذلك ، كان هو الحاكم لنفسه ، فلم ير ذلك له ، وأوجب عليه الغرم ؛ لأنه لو تصدق بها لغرمها ، ولم ينزله في سقوط الغرم عنه منزلة غيره من المساكين - لو تصدق بها عليهم ؛ لأنه حكم لنفسه بإسقاط الضمان عنها ، فلم يجز ذلك له ؛ وقوله في هذه المسألة : نحو قوله في المسألة المتقدمة : أن العامل على الصدقة - إذا كان مدياناً ، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة ، كما يأخذ الغارمون ؛ ونحو ما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع ، والوكالات ، في الذي يبعث معه بمال ليعطي منه كل منقطع به ، فانقطع به هو فأخذ منه ؛ أن عليه أن يبين ذلك لصاحبه ، إذ ليس ما يحكم به بين الناس ، كما يحكم به بينه وبين الناس ؛ وقد اختلف في واجد اللقطة : هل له أن يأكلها بعد التعريف - على أربعة أقوال ، أحدها : هذا أنه ليس له أن يأكلها - وإن كان محتاجاً إليها ؛ والثاني أنه له أن يأكلها - وإن كان غنياً ؛ ويغرمها لصاحبها - وهو مذهب الشافعي . والثالث

(2/461)


أنه ليس له أن يأكلها ، إلا أن يكون محتاجاً إليها ، وهو قول أبي حنيفة . والرابع أنه ليس له أن يأكلها ، إلا أن يكون له وفاء بها .
مسألة
قال سحنون ولو أن رجلاً له أربعون شاة ، أو عشرون ديناراً ، فأقامت في يده سنين كثيرة – هارباً عن الساعي بالغنم ، وشحاً عن إعطاء الزكاة في الدنانير ؛ ( أنه ) إن كانت له عروض ، ضمن الزكاة في الدنانير لجميع السنين ، وذلك أن الزكاة صارت عليه ديناً ؛ فأنت تنظر : فإن كان له مال سوى هذه الدنانير ، ضمن الزكاة لجميع السنين ؛ وإن لم يكن له مال سوى هذه الدنانير يضمن فيها الزكاة ، لم يكن عليه إلا زكاة واحدة لجميع السنين ؛ قال وأما الغنم فليس عليه إلا شاة واحدة لجميع السنين كلها – كان له مال غيرها ، أو لم يكن ؛ لأنه بمنزلة ما لو أن رجلاً وجبت عليه الزكاة في غنمه – وعليه دين ، زكاها ولم يمنعه الدين من الزكاة .
قال محمد بن رشد : أما مسألة الدنانير ، فإن لم تكن له عروض تفيء بما عليه من الزكاة للأعوام الماضية ، فليس عليه إلا زكاة سنة واحدة ؛ واختلف إن كانت له عروض تفيء بما عليه من الزكاة للأعوام الماضية ، فقيل إنه يزكي للأعوام الماضية ، ويجعل دين الزكاة في عروضه ، وهو قول سحنون هذا ؛ وقول أشهب في المدونة ، خلاف ظاهر قول ابن القاسم فيها ؛ ونص قوله في سماع سحنون من كتاب زكاة العين في بعض الروايات ، وجه قول ابن القاسم إن الزكاة لما كانت متعينة في عين المال ، وجب أن تؤخذ من عينه لأول سنة ؛ فإذا أخذت فكأنها قد أخذت حين وجبت ، فلا يزكي للعام الذي بعده إلا ما بقي -

(2/462)


إن كان ما بقي تجب فيه الزكاة وإن كانت له عروض ؛ ووجه قول أشهب ، وسحنون ، أن الزكاة ، وإن كانت متعينة في المال ، فقد ترتبت في الذمة بتأخيرها عن وقتها ، فأشبهت سائر الديون ، ووجبت أن تجعل في العروض ، وتزكي لجميع السنين ، وأما مسألة الغنم ، فسواء كانت له عروض ، أو لم تكن له عروض ، إذ لا يسقط الدين زكاة الماشية ؛ قيل إنه يبدأ بالعام الأول فيزكي زكاة واحدة ، وهو قول سحنون هذا ، وقول ابن القاسم في رسم العرية ، ورسم أسلم من سماع عيسى ؛ وقيل إنه يبدأ بالعام الآخر ، ثم يؤخذ منه زكاة ما مضى من الأعوام ؛ لأنه كان ضامناً لها ، وهو قول ابن الماجشون ، وقول أصبغ ، وروايته عن ابن القاسم ، وقول سحنون في المختصر - وبالله التوفيق .
من سماع أبي زيد من ابن القاسم
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عن الرجل تقيم عنده أربعون شاة ستة أشهر ، ثم يبيعها بعشرين ديناراً ، فتقيم العشرون ديناراً أشهراً ، ثم يبتاع بها أربعين شاة ، متى يزكيها ؟ قال يستقبل بها حولاً من يوم اشتراها .
قال محمد بن رشد : قد تقدمت هذه المسألة ، وتحصيل القول فيها في أول رسم من سماع أشهب ، فلا معنى لإعادته .
مسألة
وقال في رجل كانت عنده أربعون شاة ، حال عليها الحول - ولم يأته المصدق ، ثم باعها بعد الحول ؛ هل عليه زكاة فيما باعها به ؟ قال إن كان باعها بعشرين ديناراً ، كان عليه نصف دينار ساعتئذ ؛ وإن باعها بأقل من عشرين ديناراً ، فلا زكاة عليه فيها .

(2/463)


قال محمد بن رشد : هذا على أحد قولي مالك في المدونة ، وغيرها ، أنه يزكي الدنانير على حول الماشية المقتناة ، لأنها لما كانت في عينها الزكاة ، كانت بخلاف العروض المقتناة ؛ والقول الثاني أنه يستقبل بالثمن حولاً من يوم قبضه ، ولو كانت الغنم أقل مما تجب فيه الزكاة أو باعها بأقل مما تجب فيه الزكاة ، لكان الثمن فائدة من يوم قبضه قولاً واحداً .
مسألة
وسئل عمن غاب عنه الساعي سنين ، فلما حضرته الوفاة ، أوصى أن تؤدي زكاة ماشيته لتلك السنين ، وأوصى بوصايا ؛ أتبدأ ، أم يحاص بها الوصايا ؛ قال بل يحاص بها الوصايا .
قال محمد بن رشد : وهذا ( على ) أصولهم في أن حول الماشية بمجيء الساعي ، وأن من غاب عنه الساعي سنين ، ثم هلكت ماشيته قبل أن يأتيه ،فلا شيء عليه ؛ فلما أوصى بما لم يجب عليه ، كان ذلك كسائر وصاياه - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الخليطين في الإبل تجب عليهما ابنة مخاض ، فتؤخذ من إبل أحدهما ، فيريد شريكه أن يعطيه الذي يجب عليه في إبله من الغنم ، ويأبى ذلك ؛ قال ذلك له أن يرجع عليه ببقية البكرة ، فيتحاصان فيها على عدد إبلهما .
قال محمد بن رشد : قوله فيتحاصان فيها - يريد في البكرة ، فيرجع عليه ببقيتها . - أي بما يجب منها ، وهذا صحيح ؛ لأنه إنما يرجع عليه بما

(2/464)


غرم عنه ، وهو الذي يصير على غنمه من قيمة البكرة ؛ وقد قيل : إنه يرجع عليه بالمثل ، فيأتي ببكرة فيشاركه فيها وهو القياس .
مسألة
قال ابن القاسم : على السعاة أن يأتوا أصحاب المواشي على مائهم مكاناً يسقون ماشيتهم ، ولا ينبغي لهم أن يقعدوا في قربة ويرسلوا تجلب عليهم المواشي .
قال محمد بن رشد : قد تقدم هذا المعنى في رسم حلف من سماع ابن القاسم ، فلا فائدة لإعادته .
مسألة
قال ابن القاسم في رجل له خمس ذود فضل منها بعير ، أو شرد ، فأتاه الساعي - وليس عنده إلا أربع ذود ؛ قال : لا زكاة عليه فيها ، فإن وجده صدقها حين يجده ، ولا ينتظر به الحوال - وإن وجده بعد السنة بثلاثة أشهر .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم لم يدرك من سماع عيسى . والذود ثلاثة ، وأربعة ، وخمسة - إلى سبعة ؛ وما فوق السبعة : شنق - إلى أربع وعشرين ؛ وما فوق ذلك إبل ، ولا ينقص الذود ، ولا يكون الذود واحداً ؛ كما لا ينقص من عدد النفر ، ولا يكون النفر واحداً ؛ والنفر من ثلاثة إلى سبعة ؛ وفوق السبعة إلى العشرة رهط ، وفوق ذلك إلى الأربعين عصبة ؛ وفوق ذلك إلى المائة فأكثر ، أمة ، وقال ابن مزين : أقل الذود واحد ، هذا قول ابن حبيب - اعني قوله إن الذود ثلاثة ، وأربعة ، وخمسة

(2/465)


إلى منبعه ، ما فوق السبعة شنق ؛ وهو خلاف قول مالك في رسم الزكاة من سماع أشهب : أن الشنق من الإبل ، ما لا يؤدي فيه إلا الغنم ؛ فعلى رواية أشهب عن مالك : الخمس شنق - إلى أربعة وعشرين ، ولا يقال شنق لما دون الخمسة ، ولا لما فوق الأربعة والعشرين ؛ وهو الصحيح في المعنى ، لأن ذلك إنما سمى شنقاً ، لأن الساعي يكلف رب الإبل أن يأتيه بما ليس عنده ويشد عليه في ذلك ؛ وإن شنق - عليه - مأخوذ من شناق البعير الذي يشنق ويضغط ، ويحمل على غير اختياره ، وبالله تعالى التوفيق .
من سماع أصبغ من ابن القاسم
من كتاب الزكاة والصيام
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول : سأل عثمان بن الحكم مالكاً عن الساعي يأتي الرجل فيجد ماشيته عجافاً كلها ، قال : يأخذ منها - وإن كانت عجافاً ؛ قال سحنون : وهو قول المخزومي .
قال محمد بن رشد : زاد في كتاب ابن المواز من قول مالك في هذه الرواية : قال ولو كانت ذوات عوار كلها وتيوساً ، فليأت بغيرها ؛ قال محمد : وكذلك العجاف فليشتر له ما يعطيه .وقول محمد خلاف لقول مالك ، لأن قول مالك : ولو كانت ذوات عوار كلها وتيوساً ، فليأت بغيرها ، يدل على أن العجاف يأخذ منها ولا يأتي بغيرها ؛ وقد وقع لمحمد فيم وضع آخر أنه قال معنى قول مالك يأخذ منها - وإن كانت عجافاً ، أنه يزكيها لا يدعها ، ولكن لا يأخذ عجافاً ؛ وما يدل ( عليه ) قوله أولى - من تأويل غيره - والله أعلم ، والقياس ان يأخذ منها - عجافاً كانت ، أو ذوات عوار ؛ فيتحصل في

(2/466)


المسألة ثلاثة أقوال ، قولان وتفرقة ، وكذلك الصغار ، القياس أن يأخذ منها - إذا كانت كلها صغاراً ؛ وقد ذهب بعض من تعلق بظواهر الروايات ، أن الخلاف لا يدخل في الصغار ، وليس ذلك - عندي بصحيح .
مسألة
وأخبرني ابن وهب عن ابن شهاب ، أو مالك ، أو جميعاً ، قال : لا يؤخر الساعي الصدقة عند أهلها - وإن كانت عجافاً ؛ ولكن يأخذ في الخصب والجدب ولا يؤخر أخذها ولا يضمنوها .
قال محمد بن رشد : قد تقدم القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب ، فلا وجه لإعادته .
مسألة
وقال بعض المصريين لو أن رجلاً كان له نصاب ماشية ، والنصاب ما تجب فيه الزكاة من الغنم ؛ فأفاد إليها غنماً أخرى ، فلما حل حول الغنم الأولى ، لم يكن في الغنم الأولى ما تجب فيه الزكاة ، نقصت عن حالها بموت أو بأكل أو بغير ذلك ؛ وفيما بقي منها ما إن ضمه إلى ما أفاد إليه ، وجبت فيها الزكاة ؛ أنه لا زكاة عليه فشيء من غنمه حتى يحول عليها حول الآخرة ، فيزكيها عند ذلك ؛ قال : وكذلك لو أن رجلاً كان عنده ثلاثون شاة ، فأفاد إليه غنماً أخرى ؛ فلما حل حول الغنم الأولى ، كانت الزكاة تجب فيها توالدت ، فبلغت ما تجب الزكاة في مثلها ؛ فإنه يزكيها ، ويزكي معها ما أفاد إليه ، ويكون حولها من يوم زكاها ؛ وأصل هذا أنك تنظر إلى الغنم

(2/467)


الأولى فإذا حال حولها ، فإن كانت الزكاة تجب فيها ، فهي توجب الزكاة فيما أفاد إليها ؛ وإذا حل حولها والزكاة لا تجب فيها ، فهي تسقط الزكاة عن غيرها مما أفاد إليها ؛ وإن كان لرجل نصاب ماشية ، فأفاد إليها غنماً ؛ فهو يزكي ما أفاد إليها على حول نصاب الذي عنده - إذا حل عليها الحول وهي على حالها ، لم تنقص عما تجب الزكاة في مثله ؛ فإن نقصت فرجعت إلى ما لا زكاة فيه ، ثم توالدت فرجعت إلى ما تجب فيه الزكاة - محل حولها ، وهيم ما تجب الزكاة فيها ؛ فتزكيها على حولها - كما كنت تزكيها لو لم تنقص ، وزك معها ما أفدت إليها ؛ وإن حال حوله - وهي على نقصانها - فلا شيء عليك فيها ، ولا فيما أفدت إليها ؛ وزكها كلها على حلو الآخرة - إلى أن ترجع الغنم الأولى إلى حالها الأول ، أو تبلغ ما تجب في مثلها الزكاة ؛ فتزكيها عند ذلك وتزكي معها ما أفدت إليها ، ويكون حولها من يوم زكيت ، إلا أن تكون ممن يأتيك الساعي فتؤخر زكاتك إلى مجيئه لأن حولك مجيء الساعي وحلوله عليك .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة لا اختلاف فيها بينهم ، وإنما وجب أن زكي الفائدة على حول النصاب في الماشية ، بخلاف العين ؛ لعلة افتراق الحول من أجل أن الساعي لا يخرج إلا مرة واحدة ، ويزكيها على حول النصاب - وإن كان في بلد لا يخرج فيه السعاة . - قاله بعض شيوخ القرويين ،

(2/468)


ونسبة إلى المستخرجة - وهو قائم من آخر هذه المسألة ؛ فقيل إن العلة في ذلك مخافة أن يخرج السعاة ،إذ لا يأمن ذلك ، فلا يمكن أن تبقى أحواله على ما رتبها .
مسألة
وقال بعض المصريين : لو أن رجلاً كانت له ثلاثون من الإبل ولثلاثة نفر ثلاثون ، لكل واحد منهم عشرة ، عشرة ؛ وكان خليطً ، لكل واحد منهم بعشرة من إبله ، فجاءهم الساعي ؛ فإنه يحسب على الذي له العشرة الثلاثين كلها التي هي لصاحبه ، لأنه يجمعها على صاحب فيأخذ من صاحب العشرة ما يصير على عشرته - إذا جمعت كلها ؛ وتفسير ذلك أن الساعي يبدأ بأحد الثلاثة نفر ، فيقول له : إن لك عشرة من الإبل ، ولفان صاحبك معك عشرة أخرى ، وهو لك خليط بها ، فهذه عشرون ؛ وله عند فلان وفلان عشرون ، فهذه أربعون ؛ فلابد من أن أجمعها عليك كلها فأعرف ما يصير عليك يا صاحب العشرة - إذا جمعتها فآخذه منك ؛ فأربعون من الإبل فيها ابنة لبون ، وعليك يا صاحب العشرة من ابنة اللبون التي تجب في إبلكما الربع ؛ ثم يرجع إلى الثاني والثالث ، فيفعل بهما مثل ما فعل بالأول ، ويأخذ من كل واحد ربع قيمة ابنة اللبون التي وجبت عليهم ، ثم يرجع إلى صاحب الثلاثين ، فيقول إن لك ثلاثين من الإبل ، ولأصحابك ثلاثين أخرى ، وأنت لهم بإبلك خليط ، فلابد من أن أحسب عليك ما لأصحابك ،فأعرف ما يصير عليك - إذا جمعتها عليك كلها وآخذه منك ؛ فجميع إبلكم إذا جمعتها ستون ،

(2/469)


وفيها حقة طروقة الفحل ، فعليك يا صاحب الثلاثين نصفها فهاتها ، فيأخذ ذلك منه ويستوفي الساعي صدقته كلها ؛ قال : وإنما يأخذ قيمة النصف الذي وجب عليه دنانير ، أو دراهم ؛ قال : وكذلك لو أن رجلاً كانت له خمسة عشر من الإبل ، ولثلاثة نفر خمسة عشر ، لكل واحد منهم خمسة ، خمسة ؛ فكان خليطاًن لكل واحد منهم بخمسة ، فإن الساعي يبدأ بأحدهم فيقول له : إن لك خمسة ، ولصاحبك معك خمسة ، فهذه عشرة ؛ وله مع فلان خمسة ، ومع فلان خمسة ، فهذه عشرون ؛ ولابد لي من أن أجمعها عليكم ، لأنه لك بها كلها خليط ، وأعرف ما يجب عليك فيها ، وما يصير عليك يا صاحب الخمسة ؛ فالذي يجب في عشرين من الإبل أربع شياه ، والذي يصير على
صاحب الخمسة شاة يأخذها منه ، ثم يرجع إلى الثاني ، والثالث ، فيفعل بهما مثل ذلك ؛ ثم يرجع إلى صاحب الخمسة عشر فيقول له : إن لك خمسة عشر ، ولأصحابك مثله ؛ فهذه ثلاثون ، وأنت لهم خليط بإبلك ، ولابد من أن أجمعها عليك فأعرف ما يصير فيها إذا جمعتها ، ثم آخذ منك ما يصير على إبلك ؛ فالذي يجب في ثلاثين من الإبل بنت مخاض ، والذي يصير على الخمسة عشر نصفها ، فيأخذ منه نصف قيمة ابنة مخاض التي وجبت عليهم - إذا جمعت إبلهم ، ثم يذهب عنهم ؛ قال ومجرى الغنم ، والبقر ، مجرى الإبل ؛ والعمل في ذلك كالعمل في الإبل سواء الأمر فيه كما وصفت لك ، فافهم هذا واعرفه ، فإنه باب حسن .

(2/470)


( قال محمد بن رشد ) : معنى هذه المسألة أن الذي له ثلاثون من الإبل هو خليط ، لكل واحد من خلطائه بعشرة ، عشرة ؛ وليس بعض خلطائه خليطاً لبعض ، وهي مسألة حسنة - كما قال جارية عل ما في المدونة في الذي له أربعون من الغنم مع خليط له أربعون ، وخليطه أربعون أخرى ليس له فيها خليط : أن الذي ليس له إلا أربعون يكون خليطاً لصاحبه بجميع غنمه ، فيأخذه المصدق منهم شاة يكون ثلثها على رب الأربعين ، وثلثاها على رب الثمانين ؛ وقد قيل في مسألة المدونة إنه يكون كل واحد منهما خليطً لصاحبه بما خالطه به لا أكثر ؛ فيأخذ الساعي منهما عن الثمانين التي هما فيها خليطان - شاة ، ويأخذ من صاحب الثمانين عن الأربعين التي لا خليط له فيه - نصف شاة ؛ لأنه يضيفها إلى الأربعين التي قد زكاها مع خليطه ، فيكون عليها - على هذا القول شاة ونصف شاة ، وهو مذهب ابن الماجشون ، وصحنون ، ويأتي على هذا القول في مسألة الإبل ، أن الساعي يقول لواحد من أصحاب العشرة ،ولصاحب الثلاثين : أنتما خليطان بعشرين ، عشرة لكل واحد منكما ، فعليكما أربع شياه ، فيأخذها منهما شاتين من كل واحد منهما ، ثم يفعل بالثاني منهم ،وبصاحب الثلاثين : أنتما خليطان بعشرين ، عشرة لكل واحد منكما ، فعليكما أربع شياه ، فيأخذها منهما شاتين من كل وحد منهما ، ثم يفعل بالثاني منهم ، وبصاحب الثلاثين - مثل ذلك ، ثم بالثالث ، وبصاحب الثلاثين - أيضاً - مثل ذلك ؛ فيكون قد أخذ منهم جميعاً فيما وجب عليهم - اثنتي عشرة شاة ، ستة من صاحب الثلاثين ، واثنتين ، اثنتين ، من أصحاب العشرة ؛ وقيل في مسألة المدونة أيضاً : إن الذي ليس له إلا أربعون ، يكون خليطاً للذي ( خالطه بما ) خالطه به لا أكثر ، ويكون الذي خالطه خليطاً له بجميع

(2/471)


غنمه ، فيأخذ الساعي من الذي له أربعون نصف شاة ؛ لأنه يقول له لك أربعون ؛ وخليطك معك أربعون ، فجميع ذلك ثمانون ، وفيها شاة عليك نصفها ، ويأخذ من الذي له
ثمانون ثلثي شاة ، لأنه يقول لهلك ثمانون ، وخليطك أربعون ، فجميعها مائة وعشرون – وفيها شاة ، عليك ثلثاها ، فيكون عليهما على هذا القول شاة وسدس شاة ؛ ويأتي على هذا القول في مسألة الإبل – أن الساعي يقول لواحد من أصحاب العشرة أن لك عشرة من الإبل ، وأنت بها خليط لعشرة من الإبل ، فجميعها عشرون ، وفيها أربع شياة ، فعليك منها شاتان تأخذها منه ؛ ثم تفعل بالثاني والثالث مثل ذلك ، ثم يقول لصاحب الثلاثين : إن لك ثلاثين – وأنت بها خليط لخلطائك بثلاثين ، فجميعها ستون ؛ وفيها حقه طروقة الفحل ، فعليك نصفها ؛ فهاتها فيأخذ منه نصف قيمتها ، وقد قيل إنه يأتي بها فيكون شريكاً معه فيها ؛ وقد قيل في مسألة الإبل إنهم كلهم خلطاء لخليط وخليط الخليط ، فيأخذ منهم حقة طروقة الفحل ؛ لأن الجميع ستون ، فتكون بينهم على عدد ما لكل واحد منهم من الإبل ؛ وإلى هذا ذهب ابن حبيب ، وحكاه عن ابن الماجشون ، وقاله بناء على رواية مطرف عن مالك في مسألة قال فيها بمثل جوابه فيها ؛ ولم يتكلم في المدونة على خليط الخليط ، وإنما تكلم على الخليط - إذا كانت له غنم لم يخالط بها ؛ فاحتمل أن يكون مذهبه فيها في خليط الخليط – على ما في العتبية عن بعض لمصريين ، احتمل أن يكون على ما ذهب إليه ابن حبيب ، والأول هو الذي حفظناه عن الشيخ ؛ وعلى قياس ما ذكرناه يجري القول في المسألة الثانية – وهي التي يكون له خمسة عشر من الإبل ، وهو بكل خمسة منها خليط لرجل بخمسة على حدة ؛ ففي مسألة المدونة ثلاثة أقوال ، أحدها : أنهما خليطان بجميع الغنم ، والثاني : أنهما لا يكونان خليطين إلا بما يخالطان به منها ، والثالث : أن صاحب الأربعين يزكي على ما خالط به ، وصاحب الثمانين يزكي على أنه خليط بجميع غنمه ؛ وفي مسألة العتبية أربعة أقوال ، الثلاثة منها على قياس الثلاثة الأقوال في مسألة المدونة – إذا لم يزك غنم خليط الخليط – على الخلطة ، والقول الرابع تزكية
جميعهم على الخلطة ، وقد مضى بيان ذلك كله وتفسيره ؛ وتبين الأربعة الأقوال

(2/472)


بمسألة تنزلها - وهي أن يكون لرجل ستون شاة ، ثلاثون منها من خليط بثلاثين ، والثلاثون الأخرى مع خليط بثلاثين - أيضاً ؛ فجميع الغنم على هذا مائة وعشرون ، يأخذ منها المصدق شاة واحدة على القول بأنها تزكي كلها على الخلطة ، ويأخذ منها شاتين على القول بأنه يزكي كل واحد منهما مع الذي خالطه بما خالطه به ، وذلك أنه يقول لصاحب الستين ولخليطه - أنتما خليطان بستين ، فيأخذ منهما شاة بينهما ؛ ثم يقول لصاحب الستين أيضاً ، وخليطه الآخر : أنتما خليطان بستين ، فيأخذ منهما شاة أيضاً بينهما ، ويأخذ منهما شاة ونصفاً على القول بأنه يزكي كل واحد من الخليطين على أنه خليط بما خالط به لا أكثر ، وأنه يزكي الذي خالطهما جميعاً على الخلطة في الجميع ؛ وذلك أنه يقول لأحد الخليطين لك ثلاثون من الغنم ، ( ولخليطك ثلاثون ، فجميعها ستون ؛ وفيها شاة ، فعليك نصفها ، فيأخذ منه نصف شاة ويقول لصاحبه مثل ذلك ، فيأخذ منه نصف شاة أيضاً ، ثم يرجع إلى صاحب الستين فيقول له : لك ستون ، وأنت خليط لخليطيك بستين ؛ فجميعها مائة وعشرون ، وفيها شاة ، فعليك نصفها ، فيأخذ منه نصف شاة ، فيستوفي صدقته ،ويأخذ منها شاة وسدساً - على القول بأن يزكي كل واحد من الخليطين على أنه خليط للذي خالطه بجميع غنمه -وإن لم يخالطه إلا ببعضها ، وأنه يزكي الذي خالطهما جميعاً على الخلطة في الجميع ؛ وذلك أن يقول لأحد الخليطين لك ثلاثون من الغنم ) ، ولخليطك ستون ، فجميعها تسعون ، وفيها شاة عليك ثلثا ، فيأخذ منه ثلث شاة ، ويقول لصاحبه مثل ذلك ، فيأخذ منه ثلث شاة أيضاً ثم يرجع إلى صاحب الستين يقول له لك ستون ، وأنت خليط لخليطيك بستين ، فجميعها مائة وعشرون وفيها شاة ، فعليك نصفها فيأخذ منه نصف شاة ؛ فهذه أربعة أقوال بينة في مسألة واحدة ، وهذا التنزيل على مذهب من لا يراعي النصاب في
الخلطة ، ومالك يراعيه في الانتهاء دون الابتداء ؛ ولو كانت لرجل عشرون من الإبل خالط بكل عشرة منها خليطاً بعشرة - على

(2/473)


حدة ، لوجب للساعي فيها على القول الأول بنت لبون ، يأخذها من جميعهم ، ويترادون فيها على عدد إبلهم ؛ ويجب له فيها على القول الثاني ثمان شياه : أربع شياه على صاحب العشرين ، وشاتان ، شاتان - على كل واحد من صاحبي العشرة ؛ وذلك أنه يقول لصاحب العشرين ، ولأحد خليطيه : أنتما خليطان بعشرين عشرة ، عشرة ، لكل واحد منكما ، فعليكما أربع شياه : شاتان على كل واحد منكما ؛ ثم يقول لصاحب العشرين أيضاً ، وخليطه الآخر : أنتما خليطان بعشرين : عشرة ، عشرة لكل واحد منكما ؛ فعليكما أربع شياه ، شاتان ، شاتان ، على كل واحد منكما ؛ ويجب له فيها على القول الثالث نصف ابنة مخاض ، وأربع شياه ؛ وذلك أنه يقول لصاحب العشرين : لك عشرون من الإبل ، ولخليطيك عشرون ، فجميعها أربعون ؛ وفيها ابنة لبون ، وعليك نصفها ، فيأخذ منه نصف ابنة لبون ؛ ثم يقول لأحد الخليطين - صاحب العشرة : لك عشرة من الإبل ، وخليطك عشرة من الإبل ، فجميعها عشرون ، وفيها أربع شياه ، عليك منها شاتان ، فيأخذ منه شاتين ، ويفعل بصاحبه مثل ذلك ، فيستوفي حقه نصف ابنة لبون ، وأربع شياه ؛ ويجب له فيها على القول الرابع ثلثا ابنة لبون مخاض ونصف ابنة لبون ؛ وذلك أنه يقول لأحد الخليطين صاحب العشرة لك عشرة من الإبل ، ولخليطك عشرون ، فجميعها ثلاثون ؛ وفيها ابنة مخاض ، فعليك ثلثها ، فيأخذ منه ثلث ابنة مخاض ؛ ويفعل بصاحبه مثل ذلك ، فيأخذ منه ثلث بنت مخاض أيضاً ؛ ثم يرجع إلى صاحب العشرين فيقول له : إن لك عشرين من الإبل ، ولخليطيك عشرون : عشرة ، عشرة ؛ فجميعها أربعون ، وفيها ابنة لبون ، عليك منها نصفها ، يأخذ ذلك منه ويستوفى جميع حقه ؛ وهذه أيضاً أربعة أقوال بينة في هذه المسألة على

(2/474)


مذهب مالك في الابتداء والانتهاء ، فقس عليها سواها تصب - ( إن شاء
الله ) - وبالله التوفيق .

(2/475)