البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب زكاة الحبوب والفطر
من سماع ابن القاسم من مالك
من كتاب القبلة
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم ، قال : سمعت
مالكاً قال في زرع الحنطة وما أشبهه مما فيه
الزكاة ، يبيعه صاحبه بعد أن يبيعه صاحبه بعد
أن ييبس ويستحصد ، وهو قائم قبل أن يحصده :
فلا بأس أن يأمن المبتاع عليه - إذا فرغ وكاله
، أخبره بما وجد فيه ، فأخرج البائع زكاة ذلك
؛ قال ابن القاسم : فإن باعه من نصراني فأحب
إلى أن يتحفظ من ذلك حتى يعلم ما خرج منه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الزرع
إذا أفرك واستغنى عن
(2/477)
الماء ، فقد
وجبت فيه الزكاة على صاحبه ؛ وكذلك الثمرة إذا
أزهت ، فإذا باع شيئاً من ذلك بعد وجوب الزكاة
فيه ، فالزكاة واجبة عليه حتى يؤديها ؛ وله أن
يأمن المبتاع في مبلغ ما رفع فيه - إن كان
مأمونا ، وإن لم يكن مأموناً أو كان ذمياً ،
فعليه أن يتوخى قدر ذلك ويزيد ليسلم ؛ قاله
ابن المواز ، وهو صحيح ؛ كمن عليه صلوات ضيعها
لا يعرف مبلغها ، فإنه لا يصلي حتى لا يشك أنه
قد قضى أكثر مما عليه ؛ وقد اختلف إن أعدم
البائع قبل أن يؤدي الزكاة ، ووجد المصدق
الطعام بيد المشتري ؛ فقال ابن القاسم : يأخذ
الزكاة منه ويرجع المبتاع على البائع بقدر ذلك
من الثمن . وقال غيره : لا سبيل له على
المشتري ، ويتبع البائع - وهو الأظهر ؛ لأن
البيع كان له جائزاً بظاهر قول النبي صلى الله
عليه وسلم : لا تبيعوا لحب في سنبله حتى يبيض
في أكمامه .
ونهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ؛ وقد
قال محمد بن المواز قول ابن القاسم أحب إلي ،
لأن البائع باع ما لم يمكن له أن يبيعه - وهو
بعيد ؛ إذ لو كان البائع باع ما لم يكن له أن
يبيعه ، لوجب أن تؤخذ الزكاة من المشتري - وإن
كان قد أكل الطعام ملياً ، كان البائع أو
معدماً - على حكم الاستحقاق ؛ أو أن يكون
البيع فاسداً - على تأويل في المذهب ، وهو
مذهب الشافعي : أنه إذا باع من الثمار ما تجب
فيه الزكاة بعد الزهو ، فالبيع فاسد ، إلا أن
يبيع تسعة أعشارها ونصف عشرها إن كان نضجاً ؛
فقول ابن القاسم استحسان على غير قياس ، وكان
ينبغي إذا أخذت الزكاة من الطعام على هذا - أن
يرجع المشتري على البائع بالمثل ، لأن المكيلة
وجبت على البائع ، فكأن المبتاع أداها عنه ،
لا بقدر ذلك من الثمن على حكم الاستحقاق ،إذ
ليس ذلك باستحقاق ؛ وإذا رجع عليه بقدر ذلك من
الثمن - على ما قاله ابن القاسم ، فيرجع عليه
أيضاً بقدر ذلك من النفقة التي أنفقها في عمله
؛ لأن العمل كان على البائع فلا يخسره المبتاع
، وبالله التوفيق .
مسألة
قال مالك : ليس على أهل الحائط أن يحملوا ما
عليهم من صدقات ثمارهم ، إنما يؤخذ ذلك منهم
في حوائطهم .
(2/478)
قال محمد بن
رشد : وهذا كما قال ، لقوله تعالى : {خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم} - الآية . فوجب أن تؤخذ
الزكاة من المال بموضعه الذي ه وفيه ، ولا
يلزم أصحاب الأموال حمل زكواتهم إلى من يأخذها
منهم ، إذ لم يؤمروا بذلك ، كالجزية التي قال
الله فيها : {حتى يعطوا الجزية} - الآية . وقد
مضى القول في هذا المعنى في سماع ابن القاسم
من كتاب زكاة الماشية ، ويأتي أيضاً في أول
سماع أشهب من هذا الكتاب .
ومن كتاب
أوله الشريكان يكون لهما المال
قال : وقال مالك فيما أكل الناس من زرعهم ،
وما يستأجرون به ، مثل القتة التي يعطى منها
حمل الجمل بقته . قال مالك : أرى أن يحسبوا كل
ما أ :لوا واستحملوا به ، فيحسب عليهم في
العشور - إذا أخذ منهم ؛ وأما ما أكلت منه
الدواب والبقر إذا كانت في الدرس فلا أرى فيه
شيئاً .
(2/479)
قال محمد بن
رشد : وهذا كما قال ، لأن الزرع إذا أفرك فقد
وجبت فيه الزكاة : العشر ، أو نصف العشر -
حباً مصفى تكون النفقة في ذلك من ماله ؛ لقوله
عليه الصلاة والسلام فيما سقت السماء والعيون
والبعل العشر ، وفيما سقي بالنضح - نصف العشر
. فعلى صاحب الزرع أن يحسب كل ما أكل منه ، أو
أعلفه ، أو استأجر به في عمله ، لوجوب ذلك
عليه في ماله ؛ قال ابن المواز : وكذلك ما
تصدق به ، إلا أن يكون ذلك كله تافهاً يسيراً
لا قدر له ؛ وقد قيل إنه ليس عليه أن يحصي ما
أكل منه أو تصدق به - وهو فرين ، أو قبل أن
ييبس ؛ لقوله عز وجل : {كلوا من ثمره إذا أثمر
، وآتوا حقه يوم حصاده} . وهو مذهب الليث بن
مسعد . وأما ما أ :ل منه بعد يبسه ، أو أعلفه
، فلا اختلاف في أنه يجب عليه أن يحصيه ؛
واختلف فيما تصدق به بعد اليبس - إن كانت
الصدقة على المساكين ، إذ قد قيل في قوله عز
وجل : {وآتوا حقه يوم حصاده} . أنه إن يعطي
منه المساكين ما يتسر عند حصاده من غير الزكاة
- سوى الزكاة - ندباً ، وقيل فرضاً واجباً -
مع فرض الزكاة ؛ وقيل نسخه فرض الزكاة ؛ قول
النبي عليه الصلاة والسلام : فيما سقت السماء
والعيون والبعل العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف
العشر .
فمن جعله ندباً ، أو فرضاً واجباً - مع الزكاة
، فليس عليه أن يحصيه ؛ ومن رآه منسوخاً
بالزكاة ، أو قال إن المراد به الزكاة - وهو
مذهب مالك ، أوجب عليه أن يحصيه - كما قال ابن
المواز ، ولا يجوز له أن يحسبه من زكاته -إذا
نوى به صدقة التطوع ؛ وكذلك لو أعطاه - ولا
نية في تطوع ، لا زكاة ؛ قد اختلف
(2/480)
إذا أخذت منه
الزكاة كرهاً - على قولين ، أحدهما : أنه
تجزئه من الزكاة ، لأن الزكاة متعينة في المال
، فإن أخذها منه من إلهي أخذها ، اجزأت عنه ،
كما تجزئ عن الصبي ، المجنون ؛ والثاني : أنها
لا تجزئه ،إذ لا نية له ؛ والأول أظهر ، لأن
النية في ذلك موجودة من المأمور بأخذها ؛ وأما
ما أ :لت منه الدواب والبقر ، في حين الدرس ،
فليس عليه أن يحصي شيئاً من ذلك ؛ لأنه أمر
غالب بمنزلة ما لو أكلته الوحوش ، أو ذهب بأمر
من السماء ، وبالله تعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله اغتسل على غير نية
قال مالك في حب القرطم الصدقة ، سحنون أحب إلي
ألا تكون فيه الصدقة ، وهو قول مالك ؛ وقد كان
ابن القاسم يرى فيه الصدقة من زيته ، ولا
يعجبني ذلك .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم خلاف قولي
مالك جميعاً ، لأن الظاهر من قول مالك في حب
القرطم الصدقة ، - أن الصدقة تؤخذ منه حباً ،
فتحصيل الاختلاف في ذلك ، أن فيه قولين ،
أحدهما أن الزكاة لا تجب فيه ؛ والثاني أنها
تجب فيه : قيل في حبه -وهو ظاهر أحد قولي مالك
، وقيل في زيته - وهو قول ابن القاسم ، وقول
مالك في الرسم الذي بعد هذا ، والأظهر أن
لزكاة لا تجب فيه ، لأنه ليس من الحبوب التي
تدخر للاقتيات بها ، ولا من الثمار ؛ فالقول
بأن الزكاة تؤخذ من زيته إغراق ، ومن أوجب
الزكاة فيه قاسه على الزيتون ؛ وما أنفق الناس
على الزيتون في قياسه على ثمار النخيل ،
والأعناب ؛ لأن الشافعي لا يرى فيه الزكاة -
وهو مذهب ابن وهب من أصحابنا ؛ فالشافعي لا
يرى الزكاة في شيء من الثمار ، إلا في ثمار
النخيل والأعناب ؛ ومالك يراها في مثار النخيل
، والأعناب ، والزيتون ؛ وابن حبيب يراها في
جميع الثمار الثابتة - كان مما يدخر أو مما لا
يدخر ، بظاهر قوله عز وجل :
(2/481)
{وهو الذي أنشأ
جنات معروشات} - إلى قوله : {وآتوا حقه يوم
حصاده} - بعد أن ذكر الرمان فيما ذكر ؛ وأبو
حنيفة يراها في كل ما أنبتت الأرض مما يؤكل ،
بظاهر قول النبي - عليه الصلاة والسلام : فيما
سقت السماء والعيون والبعل العشر ، وفيما سقي
بالنضح نصف العشر - وبالله التوفيق .
ومن كتاب
أوله تسلف في المتاع والحيوان
وقال مالك : أرى في زيت القرطم زكاة إذا كان
يعصر منه مثل ما ذكرتم ، قال ابن القاسم : قال
مالك وليس في ( حب ) بزر الكتان ولا في زيته
شيء .
قال محمد بن رشد : أما الزكاة في القرطم ، فقد
مضى القول فيه في الرسم الذي قبل هذا ، وقول
مالك في هذا الرسم ، مثل قول ابن القاسم في
الرسم الذي قبله ؛ وأما حب برز الكتاب ، فلم
يختلف قول مالك في أن الزكاة لا تجب فيه ،
ولأصبغ في كتاب ابن المواز ، أن الزكاة فيه ؛
ولا لفرق في القياس بين بزر الكتاب ، وحب
القرطم ؛ لأن الزكاة إنما وجبت فيهما عند من
أوجبها فيهما ، من أجل ما يعصر منهما من الزيت
- قياساً على الزيتون ؛ وإنما فرق مالك في أحد
قوليه بينهما ، لأنه رأى الناس يعصرون الزيت
الكثير من القرطم ، ويتخذونه لذلك ، ولا
يفعلون ذلك في بزر الكتان - والله أعلم .
مسألة
وسئل مالك عمن دفع زكاة الفطر ، أيدفع إليه
منها ؟ فأنكر
(2/482)
ذلك وقال : كيف
تدفع إلى من دفع ؟ لا أرى ذلك ، ثم رجع عنها
بعد ذلك فقال في نعم : إني لأستحب ذلك - إذا
كان محتاجا .
قال محمد بن رشد : زكاة الفطر إنما هي زكاة
الرقاب ، ليست بزكاة الأموال ، فهي تجب على من
لا مال له إذا كان عنده فضل عن وقت يومه ،
وفيه ما يؤديها منه - قال ابن حبيب ؛ وقال
غيره : إلا أن يضر ذلك به ، ويؤدي إلى جوعه ،
وجوع عياله ؛ ومن ليس له إلا هذا المقدار ،
فهو من الفقراء الذين تحل لهم الزكاة ؛ لهذا
وقع الاختلاف في هذه المسألة ، فوجه قول مالك
الأول ، هذا ممن تجب عليه زكاة الفطر ، فلا
يأخذها يأساً على سائر الزكوات ؛ ووجه القول
الثاني أنه مسكين ، فجاز أن يأخذ صدقة الفطرة
- قياساً على سائر المساكين - وإن كان هو ممن
دفعها ؛ وإذا جاز دفعها إليه ، فهو أولى من
غيره بما تبين من فضله ؛ إذ دفع الزكاة مع
مسكنته وحاجته ، قال الله عز وجل {ويؤثرون على
أنفسهم} - الآية . فهذا وجه استحسان قول مالك
لذلك ، وهذا إذا دفعها إليه الذي تجمع عنده ،
ويلي تفرقتها ؛ وكذلك يصلح أن يقرأ كيف يدفع
على ما لم يسم فاعله ؛ وأما أن دفعها إليه
المسكين الذي دفعها هو إليه ، فذلك مكروه - إن
كانت هي بعينها ، من أجل الرجوع في الصدقة ؛
فمن أوجبها على من له فضل عن قوت يومه ، قدرها
لم يجز لمن يجب عليه أن يأخذها ، لم يجز أن
يعطي زكاة الفطر لمن عده قوت يومه ؛ ولا أن
يعطي لمسكين واحد أكثر من صاع ، إلا أن يكون
ذا عيال ، وهو قول أبي مصعب : أنه لا يعطاها
من أخذها ، ولا يعطي فقير أكثر من زكاة إنسان
.
مسألة
وقال مالك في الحمص والفول الذي يبيعه أصحابه
أخضر ،
(2/483)
أرى أن يتحروا
ذلك كما هو يابس ، ثم يؤدون حمصاً وفولاً
يابساً ؛ قال مالك وهو عندي وجه الصواب .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الزكاة
قد وجبت في ذلك بالإفراك ، والاستغناء عن
الماء ؛ فبيع ذلك أخضر بمنزلة بيع لحائط من
النخل أو الكرم إذا أزهى ، أنه ينبغي له إذا
لم يدر كم بلغ ما فيه من التمر أو الزبيب ، أن
يحرى ذلك ؛ وقد مضى في أول رسم من هذا السماع
، مثل هذا المعنى ؛ ولمالك في كتاب ابن المواز
في الفول والحمص ، أنه إن أدى من ثمنه ، فلا
بأس به ، ولم يقل ذلك في النخل والكرم ؛
والفرق بينهما على هذا القول ، أن تمر النخل
والكرم ، إنما يشتريه المشتري لييبسه ، فهو
ينقص في ثمنه لذلك ؛ والحمص والفول إنما
يشتريهما المشتري للأكل إذا اخضر ، لا للتيبيس
، فلا ينقص في الثمن من أجل التيبيس الذي يجب
على البائع شيئاً ، فإذا أعطى المساكين من
الثمن فلم ييبسهم شيئاً ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في رجل كانت له نخل أو زرع أو كرم ،
مما يزكي ، فسقى نصف سنته بالعيون ، ثم انقطعت
عنه ، فسقى بقية عامه بالنضح ، أو بالسواقي ؛
قال مالك أرى أن يخرج نصف زكاته عشوراً ،
والنصف الآخر نصف العشر ؛ قال ابن القاسم قال
لي مالك : أما ما كان مثل هذان فعلى هذا يعمل
فيه ؛ وأما ما كان على غير هذا ، فالذي به تم
- وهو أكثر ، فعليه أن يزكي به إن كان بالنضح
فنصف العشر ، وإن كان بالعين فعليه العشر ؛
قال سحنون عن علي بن زياد ، عن مالك مثله .
(2/484)
قال محمد بن
رشد : إرادته ( أنه ) إن كان ما سقي بالعين
مثل ما سقي بالنضح ، أو زاد أحدهما على صاحبه
شيئاً يسيراً ، فليخرج نصف زكاته عشراً ،
ونصفها نصف عشر ؛ وإن كان أحدهما قليلاً ،
والآخر كثيراً : الثلثين أو أكثر ، فليخرج على
الأكثر كان هو الأول أو الآخر ؛ لأن به تم ،
كذا هو مفسر لمالك ، وابن القاسم ، وابن
الماجشون - في غير هذا الموضع ؛ فعليه يحمل ما
في الرواية ، لأن لفظها بعض الإشكال ، وبالله
سبحانه وتعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله حلف ليرفعن أمراً ( إلى السلطان )
وسئل مالك عن قوم ليس طعامهم إلا التين ،
أيؤدون منه الزكاة في الفطرة ، قلا لا يؤدون
منه الزكاة .
قال محمد بن رشد : هذا يبين أن ما في المدونة
من كراهية إخراج التين في الفطرة لمالك ،
معناه : وإن كان ذلك عيشهم ؛ وهو مثل قول أشهب
فيها إن أخراجها من القطنية لا يجزئ - وإن كان
ذلك عيشهم ؛ خلاف رواية أبي زيد عن ابن القاسم
أنها تجزئ إن كان ذلك عيشهم ، وقد روى عن ابن
القاسم مثل قول أشهب ؛ ومذهب ابن القاسم
وروايته عن مالك ، أن زكاة الفطر ، تخرج من
غالب عيش البلد من تسعة أشياء ، وهي : القمح ،
والشعير ، والسلت ، والتمر ، والأقط ، والزبيب
، والأرز ، والذرة ، والدخن ؛ فإن كان عيشه
وعيش عياله غير الصنف الذي هو غالب عيش البلد
من هذه الأصناف ، أخرج من الذي هو غالب عيش
البلد ، كان الذي يتقوت ( هو )
(2/485)
به أرفع ، أو
دنى ، إلا أن يعجز عن أن يخرج أفضل مما يتقوت
به ؛ وذهب محمد بن المواز إلى أنه إنما يخرج
مما يتقوت ( هو ) به ، كان أفضل مما يتقوت به
أهل البلد ، أو أدنى ؛ إلا أن يكون الذي يتقوت
به هو أدنى بخالً ولوماً ، فيلزمه أن يخرج مما
يتقوت به أهل البلد ؛ وزاد ابن حبيب على هذه
التسعة الأشياء - العلس ، وله في مراعاة ما
يتقوت به هو وأهل بلده - تفصيل يطول جلبه ، من
أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه ؛ وقد قيل
إنها لا تخرج إلا من ستة أشياء ، وهي : القمح
، والشعير ، والسلت ، والتمر ، والأقط ،
والزبيب . - وهو قول أشهب ، وقيل إنها لا تخرج
إلا من خمسة أشياء ، وهي : القمح ، والشعير ،
والتمر ، والزيت ، والأقط - . وهو قول ابن
القاسم في رواية يحيى عنه في العشرة ، وقاله
ابن الماجشون ؛ إلا أنه جعل السلت مكان الزبيب
، وذهب أهل الظاهر إلى أنها لا تخرج إلا من
التمر ، والشعير ؛ وذكر وجه كل قول من هذه
الأقوال ؛ وما يتعلق به قائله ؛ يطول ، فتركت
ذلك اختصاراً ، وبالله التوفيق .
من كتاب
أوله يتخذ الخرقة لفرجه
وسئل عن الرجل لا يكون عنده قمح يوم الفطر ،
فيريد أن يدفع ثمنه إلى المساكين يشترونه
لأنفسهم ، ويرى أن ذلك أعجل ؛ قال لا يفعل ذلك
، وليس كذلك قال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم ؛ ومن رواية عيسى قال ابن القاسم ولو فعل
لم أر به بأساً .
قال محمد بن رشد : رواية عيسى هذه عن ابن
القاسم ، خلاف رواية أبي زيد عنه بعد هذا ؛
وقد قيل إنها ليس بمخالفة لها ، وإنما خفف ذلك
(2/486)
في رواية عيسى
هذه ، لقوله يشترونه لأنفسهم ، فإنما دفع
الثمن إليهم على ذلك - والله أعلم ، وبه
التوفيق .
من سماع أشهب ، وابن نافع من مالك
من كتاب أوله وصايا ثم حج ثم زكاة
قال أشبه ، وابن نافع : سئل مالك عمن يحمل
الطعام إلى أهل مكة ، أترى أن يؤخذ منه نصف
العشر مثل المدينة ؟ قال نعم .
قال محمد بن رشد : زاد مالك في كتاب ابن سحنون
، والمجموعة : وكذلك من بأعراضهما من القرى ،
ليكثر حملهم لذلك ؛ فأما في القطنية فيؤخذ
منهم لعشر ، وذكر ابن سحنون في كتابه من رواية
ابن نافع يؤخذ من أهل الذمة من الزيت ،
والطعام ، العشر إن تجروا في بلاد المسلمين
إلى المدينة ، ومكة ، وغيرهما وإنما أخذ منهم
عمر نصف العشر في الحنطة ، والزيت ، ليكثر
الحمل إلى المدينة ؛ وقد أغنى الله المدينة ،
وغيرها ؛ فيؤخذ منهم اليوم العشر من الزيت ،
والطعام ؛ وقال ابن نافع : لا يؤخذ منهم بهذين
البلدين ، إلا نصف العشر ، كما فعل عمر ، وأن
استغنوا اليوم عن ذلك ، مثل ما في العتبية ،
وهو الأظهر ؛ لأنهم وإن استغنوا عن ذلك ، ففيه
رفق لهم على كل حال ،وقد فعله عمر فلا يترك ،
لقوله عليه السلام ، عليكم بسنتي وسنة لخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها
بالنواجذ ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن الذي يخرص عليه نخله فيجد في
تمره أكثر مما خرص عليه ، قال أرى أن يؤدي فضل
ذلك ؛ قلت أرأيت إن وجد أقل مما خرص عليه ؟
قال إن ترك فلا يعطهم ، ولو أطاعوني ، لأمرتهم
ألا يأخذوا منه شيئاً .
(2/487)
قال محمد بن
رشد : قوله أرى أن يؤدي فضل ذلك - يريد واجباً
عليه ، وهو أصح ما في المدونة لأنه قال فيها
أحب إلي أن يؤدي ؛ لأن نهاية خرص الخارص ، أن
يجعل في القوة كحكم الحاكم ؛ وقد أجمعوا أن
الحاكم إذا حكم بما لم يختلف فيه أنه أخطأ ،
تنقض قضيته ؛ وهذا الاختلاف إنما هو إذا خرصه
عالم ( في زمن العدل ) ، وأما إذا خرصه جاهل ،
أو عالم في زمن لجور ؛ فلا يلتفت إلى ذلك ،
ويعمل صاحب المال على ما وجد ؛ فقول أشهب : إن
كان في زمن العدل عمل على ما خرص - زاد أو نقص
، وإن كان في زمن الجور عمل على ما وجد -زاد
أيضاً أو نقص - ؛ مفسر لما في المدونة ؛ وكذلك
ما روي عن مالك من أنه إن خرصه عالم ، عمل على
ما خرص ؛ وإن خرصه جاهل ، عمل على ما وجد مفسر
أيضاً لما في المدونة ؛ وقد كان بعض الناس
يحمل الروايات على ظاهرها فيجعلها أربعة أقال
، وهو تأويل خطأ - والله أعلم ، وبه التوفيق .
مسألة
وسئل أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى
من يلي أخذها ؟ قال ولكن يأخذونها يأتونه في
حائطه ، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم ؛ وكذلك أهل
الزرع يؤتون في مواضعهم ، ولا يكلفون حمل ذلك
إليهم ؛ وكذلك أصحاب المواشي لا يكلفون المشقة
، ولا جلبها إليهم ، ولكن يؤتون في مجامعهم .
(2/488)
قال محمد بن
رشد : قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول
رسم من سماع ابن القاسم ، وفي سماع ابن القاسم
أيضاً من كتا زكاة الماشية ، فلا معنى لإعادة
ذلك .
مسألة
قال وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها
الحول عنده ، قال إذا حال عليها الحول عنده ،
أخرج زكاتها وإن لم يبعها ؛ ليس الماشي مثل
العروض ( وإن باعها ) قبل أن يحول عليها لا
حول - وقد حال على ثمنها الحول من يوم زكاه ،
زكى ثمنها يوم يبيع .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة مثل ما في
المدونة وغيرها ، لا اختلاف فيها ، وذلك أن
الغنم في أعيانها الزكاة ، فإذا حال عليها
الحول عنده - وهي ما تجب فيه الزكاة ؛ أخذت
منها زكاة السائمة ، كان اشتراها للتجارة أو
للقنية ، فإن باعها قبل أن يحول عليها الحول ،
رجع في زكاتها إلى زكاة العين ، فزكى الثمن إن
كان قد حال عليه الحول ، وهو ما تجب فيه
الزكاة ، إن كان اشتراها للتجارة . واختلف قول
مالك إن كان اشتراها للقنية ، فمرة قال إنه
يستقل بالثمن حولاً من يوم قبضه ، ومرة قال
إنه يزكيه على حول الغنم من يوم ابتاعها
للقنية ، والقولان في المدونة .
مسألة
وقال مالك زعم لي يزيد بن رومان ، أن عمر بن
الخطاب خرج يوماً إلى خيبر ، وأنه يوماً لقائل
تحت شجرة يستظل بها ، إذ جاءته امرأة من العرب
- وهو نائم فدنت منه فمست قدمه فنبه ، فقال :
ما لك ؟
(2/489)
ما حاجتك يا
أمة الله ؟ فقالت توسمت فيك الخير ، وأن أمير
المؤمنين بعث إلينا عام الأول - محمد بن مسلمة
ساعياً ، وأمره أن يأخذ من أغنيائنا ويرد على
فقرائنا ؛ فجاءنا فلم يعطنا شيئاً ، وأنا
امرأة مؤتمة ، وقد بلغني أن عمر باعثه إلينا
العام ، فأحب أن تمشي معي إليه توصيه وتكلمه
لي ؛ عسى إن قدم علنيا أن يعطيني ؛ فقال عمر
يا يرقا اذهب فادع إلي محمد بن مسلمة ، فقالت
إني لم أرد هاذ ؛ إنما أردت أن تذهب معي إليه
؛ فقال إن لم يأتنا جئناه ؛ فأتاه يرقا ، فقال
له : يدعوك أمير المؤمنين ، فاستنكر ذلك وقال
ما شأنه ؟ فقال ما أدري ، إلا أني رأيت امرأة
، قال محمد هي إحداهن ؛ فلما جاءه ، قال له
السلام عليك يا أمير المؤمنين - ورحمة الله ،
فلما سمعت ذلك المرأة ، استحيت وجمعت عليها
ثيابها ؛ فقال له عمر هل تدري كيف كنا وأنتم
قبل الإسلام ؟ فقال لا تعجل علي يا أمير
المؤمنين . فقال إنا كنا أكلة رأس والعرب
أعداؤنا من ( كل ) ناحية ؛ فقال يا أمير
المؤمنين لا تعجل علي ، قال بعثتك مصدقاً على
هؤلاء ، وأمرتك أن تأخذ من أغنيائهم فترد على
فقرائهم ، فلم تعط هذه المرأة شيئاً! فقال يا
أمير المؤمنين ، أما أن أكون تعمدت تركها ،
فما كان ذلك ؛ ولكن عسى أن أكون أخطأتها ، أو
لم تأتنا ؛ قال إن بعثتك العام إليهم ، فأعطها
للعام الأول ، وللعام الثاني ؛ ثم قال عمر
الحقي بخيبر ، آمر لك .
(2/490)
قال محمد بن
رشد : في هذا الحديث أن الذي يقسم الصدقة يصدق
المسكين فيما يدعي من المسكنة والحاجة - إذا
رأى عليه هيئة ذلك ، ولا يكلف البينة ؛ لأن
عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، صدق المرأة
فيما ادعت من الحاجة ، وأمر محمد بن مسلمة أن
يعطيها لقولها ، دون أن يكلفها ببينة ، وكذلك
قال مالك - رحمه الله في رسم البز من سماع ابن
القاسم من كتاب البضائع ، والوكالات .
مسألة
وسئل عمن حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء
ووادي القرى إلى المدينة ، أعليهم عشور ؟ فقال
أما أهل تيماء ، فأرى ذلك عليهم ؛ وأما أهل
وادي القرى ، فلا ؛ لأني أخاف أن يكون من
المدينة وهي قريبة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن أهل الذمة
إنما يلزمهم العشر فيما اتجروا به إذا خرجوا
من أفق إلى أفق : من الحجاز إلى اليمن ، أو من
الشام إلى العراق ، وما أشبه ذلك ؛ فرأيتها
خارجة من الحجاز ، فأوجب على من قدم منها
بطعام إلى المدينة العشر - يريد فيما عدا
الحنطة والزيت ؛ لأنه قد قال في أول الرسم :
إنه لا يؤخذ منهم بمكة والمدينة من الطعام إلا
نصف العشر ، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف
هنالك ، وشك في وادي القرى لقربها ، وخشي أن
يكون من الحجاز ، فلم ير أن يؤخذ منهم العشر
بالمدينة ؛ والأندلس كلها أفق واحد ، فلا يؤخذ
من الذمي ، إذا خرج تاجراً من أعلاها إلى
أسفلها شيء ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسمعت أن رجلاً جاء فقال هذا ابن عبد
المطلب المرتفق ؟
(2/491)
فقالوا نعم ،
فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ،
فكان فيما سأله عنه أن قال أنشدتك الله ، آلله
أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على
فقرائنا ، فقال نعم .
قال محمد بن رشد : يريد بقوله المرتفق ؛ أنه
كان متكئاً على مرفقه بين أصحابه ، فأشار إليه
بقوله هذا ؛ وفي الحديث إيجاب رد الصدقة
المأخوذة من الإنياء على الفقراء ، فهو أصل
لما أمر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، محمد
بن مسلمة في المرأة التي شكت إليه أنه لم
يعطها شيئاً ، ولذلك ساقه مالك رحمه الله
،فصوابه أن يكون متصلاً به .
ومن كتاب الزكاة
قال وسئل عن الجلجلان والأرز ، أمن القطنية
هما ؟ فقال ليس من القطنية ، القطنية :
الجلبان ، واللوبيا ، والحمص ،والكرسنة ، وأما
أشبه ذلك ، يطحنه أهل الشام ويأكلونه ، فهذه
القطنية ، والجلجلان على حدة ، والأرز على حدة
.
قال محمد بن رشد : هذا هو المشهور في المذهب
أن الجلجلان ، والأرز ، ليسا من القطنية ؛
وأنهما صنفان لا يضافان إلى غيرهما ، ولا يضاف
بضعهما إلى بعض ؛ وكذلك الذرة ، والدخن ؛ وقد
روي عن مالك أن الأزرق ، والجلجلان ، من
القطنية روى ذلك عنه زياد ؛ وأما الكرسنة ،
فذهب ابن حبيب إلى أنها صنف على حدة ، وقال
ابن وهب لا زكاة فيها ، واختار ذلك يحيى بن
يحيى - وهو الأظهر ؛ لأنها علف وليست بطعام ؛
ولم يختلف في القطنية
(2/492)
أنها صنف واحد
في الزكاة ، وإن كان قد اختلف فيما هو قطنية
مما ليس قطنية ؛ فإذا اجتمع من جميعها ما تجب
فيه الزكاة ، أخذ من كل صنف بحسابه ؛ واختلف
قول مالك فيها في البيوع على ثلاثة أقوال ؛
فمرة جعلها صنفاً واحداً ، ومرة جعلها أصنافاً
متفرقة ، ومرة جعل ما تقاربت منفعته منها
صنفاً واحداً ، ما تباعدت أصنافاً متفرقة .
مسألة
قال وسألته عن الوسق كم هو ؟ فقال ستون صاعاً
بصاع النبي عليه الصلاة والسلام ، فخمسة أوسق
ثلاثمائة صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؛ فإذا كان التمر ، أو الحنطة ، ثلاثمائة
صاع بصاع النبي عليه الصلاة والسلام ، وجبت
فيه الزكاة ؛ فما زاد على ذلك ، أخذت منه
الزكاة بحساب ذلك .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه أن
الوسق ستون صاعاً ، وأن الخمسة الأوسق
ثلاثمائة صاع ؛ وكذلك لا يختلف أيضاً أن الصاع
أربعة أمداد بمد النبي ، عليه الصلاة والسلام
؛ واختلف فيقدر المد بالوزن ، فقيل زنته رطل
وثلث ، وهو المشهور في المذاهب ؛ قيل بالماء ،
وقيل بالوسط من البر ، وقيل رطل ونصف ، وقيل
رطلان ، وهو مذهب أهل العراق ؛ واختلف في قدره
بالكيل من المد الهشامي ، فقيل إنه ثلاثة
أخماس مد هشام ، وهو الذي في المدونة من أن مد
هشام مدان إلا ثلث بمد النبي صلى الله عليه
وسلم . وقيل إنه نصف مد هشام ، وهو تأويل
البغداديين على مالك أنه رأى الإطعام في
الظهار مدين يمد النبي صلى الله عليه وسلم ،
حملاً على فدية الأذى المقيدة في السنة ؛
لأنهما جميعاً مطلقتان في القرآن ، قالوا
ولذلك قال فيه يطعم بمد هشام ، لأنه مدان بمد
النبي ، عليه السلام ؛ واختلف أيضاً في قدر
مدنا الجاري عندنا بقرطبة من مد النبي عليه
الصلاة والسلام ، فقيل إن ( قدره ) قدره سواء
، وأن كلينا أربعة أمداد بمد
(2/493)
النبي عليه
الصلاة والسلام ، فهو صاع ؛ فالوسق خمسة أقفزة
، والنصاب خمسة وعشرون قفيزاً ؛ وقيل إن في
كلينا ثلاثة أمداد وثلث بمد النبي ، عليه
الصلاة والسلام ، فيأتي النصاب على هذا ثلاثون
قفيزاً ، وإلى هذا ذهب ابن حبيب ؛ وقيل إن في
كلينا ثلاثة أمداد ونصف بمد النبي عليه السلام
، فيأتي النصاب على هذا ثمانية وعشرين قفيزاً
وأربعة أسباع قفيز ؛ وقيل إن في كيلنا أربعة
أمداد إلا ثلثاً بمد النبي عليه السلام ،
فيأتي النصاب على هذا سبعة وعشرين قفيزاً
وثلاثة أجزاء من أحد عشر في القفيز ؛ وما
قدمته أوالً من أن النصاب خمسة وعشرون قفيزاً
بالكيل القرطبي ، هو أولى الأقاويل وأحوط في
الزكاة ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت أفرأيت ، الأوقية كم هي ؟ فقال لي الأوقية
من الفضة أربعون درهماً ، قلت له أفرأيت
الأوقية من الذهب ، أمعروفة لها شيء معلوم ؟
قال لي لا .
قال محمد بن رشد : قوله إن الأوقية من الفضة
أربعون درهمً ، يريد من الوزن القديم المعروف
بالكيل ، وهو يزيد على وزن زماننا بخمسيه ؛
فالدرهم الكيل بوزننا درهم وخمسً درهم ؛ فيدخل
في مائة درهم كيل من وزن زماننا مائة درهم
وأربعون درهماً ، ولذلك سميت دراهمنا دخل
أربعين ، فالنصاب بوزننا من الدراهم مائتا
درهم وثمانون درهماً ، خمسة وثلاثون ديناراً
دراهم ؛ فمن ملك من الفضة أو الدراهم أقل من
ذلك ،لم تجب عليه زكاة ؛ هذا الذي عليه
العلماء ، وذهب ابن حبيب إلى أنه يزكي أهل كل
بلد على وزنهم وهو بعيد خارج عن أقوال العلماء
؛ وأما سؤاله عن الأوقية من الذهب هل هي
معروفة لها شيء معلوم ، أم لا ؟ فالمعنى في
ذلك هل يسمى قدر
(2/494)
ما من الذهب
أوقية ، كما يسمى قدر أربعين درهماً كيلاً من
الفضة ، أوقية أم لا ؟ فأخبر أن الأوقية إنما
هي تسمية لقدر ما من الفضة ، لا لقدر ما من
الذهب ؛ وأما قدر ما يجب من الذهب في الزكاة
لأوقية من الفضة فمعروف ، وذلك أربعة مثاقيل ؛
لأن الدينار في الزكاة بعشرة دراهم سنة ماضية
، ومثقال الذهب اثنان وسبعون حبة ، أربعة
وعشرون قيراطاً ، كل قيراط من ثلاث حبات ؛ روي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
الدينار أربعة وعشرون قيراطاً ، والقيراط ثلاث
حبات الشعير .
فلم تختلف الأوزان في ذلك ، كما اختلفت في
الدراهم ؟ وقد كانت الدراهم مختلفة الوزن ،
درهم من ثمانية دوانق ، ودرهم من أربعة دوانق
إلى زمن عبد الملك بن مروان ؛ فاتفق رأي
الفقهاء على أن جعلوا الدرهم من ستة دوانق ،
فكانت العشرة دراهم منها تزن سبعة مثاقيل ،
وسموا ذلك الوزن كيلاً ، فكانت الأوقية منها
أربعين درهما ، واستقام النصاب في الفضة على
أنه مائتا درهم ؛ فلم تزل الدراهم ينقص زونها
بعد ذلك إلى أن جعل الدرهم وزن نصف مثقال ،
فكانت العشرة دراهم كيلاً أربعة عشر درهماً ؛
والأوقية ستة وخمسون درهماً ، والخمس الأواقي
المائتا درهم مائتا درهم وثمانون درهماً ؛
فهذا وجه القول في الأوزان ، قد وقع في تفسير
ابن مزين لعيسى بن دينار أن الذهب والفضة في
الزكاة كيل في كل ذلك ، وهو غلط ؛ لأن ذلك
يوجب ألا تجب الزكاة في أقل من ثمانية وعشرين
مثقالاً ، وذلك خلاف الإجماع .
مسألة
( وسئل ) فقيل له ، فالرجل يستأجر الأجراء على
زيتونه يلتقطونه على أن لهم الثلث وله الثلثان
، على من ترى زكاة الثلث
(2/495)
الذي يأخذه
الأجراء في التقاطهم إياه ، فقال أرى ( زكاة )
ذلك على رب الزيتون الذي استأجرهم ، يؤخذ ذلك
منه زيتا .
قال محمد بن رشد :قوله إن زكاة ما يأخذ
الأجراء من الزيتون على رب الزيتون صحيح ، لان
التقاط الزيتون كحصاد الزرع ، وجداد التمر ؛
وذلك على رب المال ، فلا اختلاف في ذلك عند من
يوجب الزكاة في الزيتون ؛ وأما قوله يؤخذ ذلك
منه زيتا ، فهو على قوله إن عصر الزيتون على
ربه ، وخالفه في ذلك كثير من أصحابه ؛ منهم :
ابن كنانة ، ومحمد بن مسلمة ، ومحمد بن عبد
الحكم ، فقالوا تؤخذ الزكاة منه حباً . وقال
محمد بن عبد الحكم والله ما اجتمع الناس على
حبه ، فكيف على زيته ؟ وهو قول الشافعي ببغداد
: إن الزكاة تؤخذ من حبه - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن القوم تكون لهم الكرمات ، ولو خرصت
وجب في مثلها الزكاة ، فلا يزبب منها إلا
اليسير ، ويعمل بقيتها رباً ، فقال أرى أن
تخرص ، فقيل له إنه لا يعمل ( منها ) زبيب إلا
شيء يسير ، ويجعل سائرها رباً ؛ فقال أرى أن
يزبب قدر زكاتها ، ثم يجعلون بقيتها ما بدا
لها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إن الكرم
إذا كان يتزبب ، فأراد أن يجعل منها رباً ،
فعليه أن يزبب منه قدر زكاته ، أو يأتي بذلك
زبيباً من غيره ؛ لأن الزبيب هو الذي تجب عليه
فيه ، ولو كان لا يتزبب فعمل منه رباً ، لم
يلزمه
(2/496)
أنيخرج من الرب
زكاته ، إلا أن يشاء ويعطي عشر قيمته عنباً ،
ولو أعطى العنب أجزأه ، وينبغي أن يفعل من ذلك
الذي هو خير للمساكين .
مسألة
قيل له أرأيت الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه
الزكاة ثم يفسد ؛ فقال إذا فسد ، فلا زكاة فيه
؛ قيل له إنه إذا فسد بيع ، فقال أرى أن يؤدي
زكاته من ثمنه الذي باعه به .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إنه إذا فسد
فساداً لا منفعة فيه ولا ثمن له ، فلا زكاة
فيه ؛ وإن فسد فساداً لطفت به ثمرته ولم تذهب
فباعه ، فعليه أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي
باعه به ؛ ومعنى ذلك عندي إذا كان الفساد الذي
حدث به يمنع من تيبيسه ، وإنما يباع ممن يأكله
عنباً ؛ وأما لو كان مما يبيس مع فساده ويباع
على ذلك ؛ لوجب أن يؤدي خرص ما يخرج منه
زبيباً على حاله من الفساد ؛ ولو ذهب الفساد
ببعض الثمرة ، فلم يبق منه ما تجب فيه الزكاة
، فلا زكاة عليه .
مسألة
وسئل عن الرجل يغيب عن أهله ، أيؤدي زكاة
الفطر بموضعه الذي هو به ؟ فقال أما عن نفسه ،
فأرى أن يؤدي عنها زكاة الفطر - ههنا ، لأنه
لا يدري أيؤدي عنه أم لا ؟ قيل له أفيؤدي عن
عياله ؟ قال تشتد عليه النفقة ، فأما أهله
فأرى له أن يؤخرهم ، فلعلهم أن يكونوا قد أدوا
عن أنفسهم ؛ فأما هو فأرى أن يؤدي عن نفسه ،
لأنه لا يدري لعل أهله لا يؤدون عنه .
قال محمد بن رشد : معنى هذا إذا كان قد ترك
عند أهله مالاً يؤدون
(2/497)
منه الزكاة
،ولم يأمرهم بذلك ؛ فهو إذا لم يدر ما يفعلون
،يؤدي عن نفسه ، ولا يؤدي عنهم ، لأن الأقرب
أن يؤدوا عن أنفسهم ولا يؤدوا عنه ، ولو أمرهم
أن يؤدوا عنه الزكاة في مغيبه ، لم يكن عليه
أن يؤدي عن نفسه في مغيبه ؛ ولو لم يترك عندهم
ما يؤدون منه الزكاة ، لزمه أن يؤدي بموضعه
عنه وعنهم ، لأن الزكاة عليه فهذا الوجه في
هذه المسألة .
مسألة
وسئل مالك فقيل له : أنبعض الناس يقول في زكاة
الفطر مدان ، قال القول ما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم . فذكرت له الأحاديث الذي تذكر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدين من
الحنطة في زكاة الفطر ، فأنكرها وقال عقيل -
وتبسم ؟ وقال إذا كان الشيء من أمر دينك ،
فعليك أبداً فيأمره بالثقة ، وأنه لن ينجيك أن
تقول سمعت ، وقد كان يقال كفى بالمرء كذباً -
أن يحدث بكل ما سمع .
قال محمد بن رشد : معنى قول مالك : القول ما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أي لا حجة
إلا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
أن عنده من قول رسول الله : "الأمر بصاع من بر
في زكاة الفطر" . ومن الدليل على ذلك ، أنه
استدل على أنه لا يجزئ من القمح إلا ما يجزئ
من غيره - أن ما ذكر في الحديث بعضه أعلى من
بعض ، والكيل متفق ؛ قال فكذلك الحنطة - وإن
كانت أفضل ، هذا معنى قوله في كتاب ابن المواز
: فلما ذكرت له الأحاديث أنكرها ، والحديث
الذي أنكره وتسم تضعيفاً لروايته ، هو ما رواه
عقيل بن خالد ، وغيره ،
(2/498)
عن هشام بن
عروة ( عن أبيه ) ، عن أسماء ، قالت كنا نخرج
زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم : مدين من حنطة ، أو صاعاً من تمر . وقد
روي عن النبي - عليه السلام - من رواية ثعلبة
بن أبي صعير ، عن أبيه ، قال : قال لي النبي ،
عليه السلام : "أدوا صدقة الفطر صاعاً من تمر
أو صاعاً من شعير ، أو نصف صاع من بر ، وقال
قمح ، عن كل إنسان ، صغير ، أو كبير ، ذكر أو
أنثى ، حر أو عبد ، غني أو فقير" . فهذه
الآثار وما أشبهها ، احتج من ذهب إلى أنه يجزئ
مدان من قمح في زكاة الفطر ، واعتلوا في حديث
أبي سعيد الخدري كنا نخرج زكاة الفطر - صاعاً
من طعام ، أو صاعاً من شعير - الحديث - . بأن
بعض الرواة لا يذكر فيه الطعام ،وبعضهم يسقط ،
أو فيقو صاعاً من طعام ، صاعاً من شعير -
تفسيراً للطعام ؛ قالوا وإن صح فيه ذكر الطعام
، فيحتمل أن يكون أدوا صاعاً من قمح -
والمفروض عليهم منه مدان . واستدلوا لصحة
تأويلهم بما روي عن أبي سعيد الخدري أنه يجزئ
(2/499)
مدان في زكاة
الفطر .
وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال : أمر
النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل
صغير ، وكبير ، حر ، وعبد ، صاعاً من شعير ،
أو صاعاً من تمر ؛ قال فعدله الناس بمدين من
الحنطة ؛ وفي بعض الآثار من حديث أبي سعيد
الخدري : فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه
مدين من حنطة ، ولم يلتفت مالك إلى شيء من هذا
ولا رآه . وقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال
لما قال : لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاعاً من تمر
أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من أقط . فقال له
رجل : أو مدين من قمح ، فقال أبو سعيد لا ،
تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ولا آخذ بها ،
وبالله التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم
من كتاب بع ولا نقصان عليك
قال عيسى : قال ابن القاسم الترمس من القطنية
تزكى معها .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه أحفظه
في المذهب ، أن الترمس من القطنية يضاف إليها
في الزكاة .
(2/500)
ومن كتاب
العشور
وسئل مالك عن الإمام يستشير فيذكر له أن ناحية
من عمله كثيرة العشور ، قليلة المسكين ؛
وناحية أخرى قليلة العشور ، كثيرة المسكين ؛
فهل له أن يتكارى ببعض ذلك العشر حتى يحمله
إلى الناحية الكثيرة المساكين ، القليلة العشر
، فكره ذلك ؛ قال ابن القاسم ولا أرى أن
يتكارى عليه من الفيء ، ولكن يبيعه ويشتري
بثمنه طعاماً بالموضع الذي يريد قسمته ( ب ) ؛
وذلك إلى اجتهاده بعد المشورة . وقال ابن
القاسم أيضاً في غير هذا الكتاب ، ورواه عن
مالك أرى أن يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه .
قال محمد بن رشد : أجاز أن يحمل طعام العشور
من البلد الذي أخذ فيه - وإن كان في مسكين -
إلى بلد آخر - إذا كان المسكين فيه أكثرن خلاف
ظاهر قول سحنون في نوازله بعد هذا ، وكره أن
يتكارى عليه في حمله منه ؛ وقال ابن القاسم
أنه يبيعه ويشتري بثمنه طعاماً بالموضع الذي
يريد قسمته به ، ولا يتكارى عله من الفيء ؛
إلا أن يؤدي إلى ذلك اجتهاده بعد المشورة ،
وهو معنى مارواه عن مالك أنه يتكارى عليه من
الفيء أو يبيعه ؛ لأن التخيير في ذلك إنما هو
بالاجتهاد ، والاجتهاد في ذلك هو أن ينظر إلى
ما ينتقصه من الطعام في بيعه هنا ، واشترائه
هناك ؛ وإلى ما يتكارى به عليه ، فإن كان
يتكارى عليه بأكثر باعه ، وإن كان يتكارى عليه
بأقل ، اكترى عليه ؛ وإذا جاز أن يبيعه هنا
ويشتري هناك أقل منه ، فما الذي يمنع إذا لم
يكن ثم من الفيء ما يتكارى به عليه من أن
يكتري منه - إذا رأى ذلك أرشد من بيعه ، وقد
أجاز ذلك ابن حبيب ، ورواه مطرف ، وابن وهب عن
مالك ؛ ولا وجه في جوازه بين ، وذلك أن الله
تعالى جعل للعاملين على الزكوات سهماً منها ،
فإذا جاز أن يأخذ العامل على الزكاة من الزكاة
بعمالته عليها ، جاز أن يأخذ منها من يوصلها
(2/501)
إلى المساكين
الذين تفرق عليهم ؛ لأن ذلك من وجه العمل
عليها ، ولأن الله تعالى قال : {وخذ من
أموالهم صدقة} - الآية .
فإذا كان الواجب على الإمام أن يأخذ منهم
الصدقة في مواضعهم ، ولم يجب على أرباب
الأموال حملها إلى موضع المساكين ؛ جاز للإمام
أن يكتري على حملها منها - وإن كان عنده من
الفيء ما يكتري عليه به ؛ وأما إن لم يكن عنده
فيء يكتري منه عليها ، فلا اختلاف في جواز
الاكتراء على حملها منها - إن كان ذلك أرشد من
بيعا ، وشاء غيرها في الموضع الذي تفرق فيه ؛
فالاختلاف إنما يعود إلى كراهية الكراء عليها
منها مع وجود الفيء ، فكره ذلك مالك في قوله
الأول ورأى الكراء عليها من الفيء أحسن ؛
وأجاز ذلك ابن القاسم ولم يكرهه ، لأن قوله
ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء ، معناه لا
أرى ذلك واجباً عليه ، لا أن ذلك لا يجوز له
أن يفعل ؛ هذا ما لا يجيز أن يقال ، لأن الفيء
يجوز لم تحل له الصدقة ، وسيأتي هذا المعنى في
رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النذور ، وقد
ذكر ابن عبدوس عن مالك من رواية ابن القاسم ،
وابن وهب ، أنه لا يعطي من الفطرة من يحرسها ؛
وهو نحو قول مالك هنا في كراهية الكراء على
طعام العشور منه ، فتدبر ذلك وقف عليه ،
وبالله التوفيق .
ومن كتاب الجواب
وسألته عن العبد يكون شريكاً لسيده في الزرع ،
فلا يدفعان إلا خمسة أوسق ؛ هل يكون فيه زكاة
، أو يكون خليطاً له في الغنم ، لكل واحد
منهما عشرون شاة ، هل عليهما صدقة ؟ قال ابن
القاسم : قال مالك ليس عليهما ولا على واحد
منهما في ذلك قليل ولا كثير ، لا في الزرع ،
ولا في الغنم ؛ قال ابن القاسم وهذا مما لا شك
فيه ولا كلام ، واحذر من يقول غير هذا أو
يرويه ،فإن ذلك ضلال .
قال محمد بن رشد : من يقول إن العبد لا يملك ،
وأن مال العبد
(2/502)
لسيده ، يوجب
الزكاة عليه في الزرع والغنم ، وهو مذهب
الشافعي ، وأبي حنيفة ؛ وفي المدنية - لابن
كنانة نحوه . قال يخرج الزكاة من جميع ذلك ثم
يصنع هو مع عبده ما أحب .
ومن كتاب العرية
قال ابن القاسم في رجل باع أرضاً وفيها زرع لم
يطب ، فاشترط المشتري الزكاة على البائع قبل
أن يطيب الزرع ، أو يكون قد طاب ؛ قال : قال
مالك هو على المشتري ولا يجوز أن يشترط الزكاة
على البائع قبل أن يطيب الزرع ، فإذا طاب فهي
على البائع ، إلا أن يشترطها على المشتري .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة ، أما
إذا اشترى الأرض وفيها الزرع لم يطب فاشترطه ،
فالبع جائز ، والزكاة عليه ؛ فإن اشترط الزكاة
على البائع ، فسد البيع ، لأنه اشترط عليه
مجهولاً لا يعلم قدره ولا مبلغه ؛ وأما إذا
طاب الزرع فاشترى الأرض بزرعها ،فالزكاة على
البائع ، فإن اشترطها البائع على المشتري ،
فذلك أجوز للبيع ؛ إذ قد قيل إنه إذا باع جميع
الزرع ولم يشترط جزء الزكاة - فسد البيع ،
لأنه باع ما ليس له - وهو مذهب الشافعي ، وقد
مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم .
ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم
من كتاب الصبرة
قال يحيى : وسئل ابن القاسم عن ثمر نخل بيع
وفيه خمسة أوسق ، وقد وجبت الزكاة فيها على
البائع ، فأصابتها جائحة تنقصها من الخمسة
الأوسق التي كانت الزكاة إنما وجبت على البائع
من
(2/503)
أجلها ؛ أتوضع
الزكاة على رب الثمرة للجائحة التي نقصتها مما
يجب الزكاة في مثله ؟ فقال إن بلغ ما أصاب
الثمرة من الجائحة الثلث فأكثر حتى يلزم
البائع أن يضع ذلك عن المشتري ، سقطت عنه
الزكاة بذلك ، لأن الثمرة قد صارت في البيع
إلى ما لا يجب فيه الزكاة ؛ وإن كان ما أصاب
الثمرة من الجائحة أقل من الثلث ، لم يوضع ذلك
عن المشتري ، ولم تسقط الزكاة عن البائع ؛
لأنه قد باع خمسة أوسق تجب فيها الزكاة ،ثم لم
يرد من الثمن شيئاً للجائحة ؛ فإذ الم يسقط
ثمن الجائحة عنه ، فالزكاة واجبة عليه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن ما أجيح
من الثمرة إذا لم يبلغ ذلك الثلث ، فالمصيبة
فيه من المبتاع ؛ لأنه تلف على ملكه بعد وجوب
الزكاة على البائع ، وما أجيح منها فبلغ الثلث
، فإنما تلف على ملك البائع ، فالمصيبة منه ؛
فوجب أن يعتبر ذلك في النصاب ، وهذا على مذهب
من يجيز البيع ويرى الحكم بالجائحة ، وهو قول
مالك ، وجميع أصحابه ؛ وأما على مذهب من يجيز
البيع ولا يرى لحكم بلا جائحة ، فالزكاة واجبة
على البائع - وإن أذهبت الجائحة الثمرة كلها ؛
وأما على مذهب من لا يجيز البيع ، فالجائحة
وإن قلت تسقط الزكاة إذا صارت الثمرة بها إلى
أقل مما تجب فيه الزكاة ، ويفسخ البيع ، وهو
مذهب الشافعي - وبالله تعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله يشتري الدور والمزارع
وسئل عن الرجل يأكل من حائطه بلحاً ، ثم يأتي
الخارص ، أيحسب على نفسه فيما يخرص عليه ما
أكل بلحاً ؛ فقال ليس ذلك عليه ، وليس هو مثل
الفريك يأكله من زرعه ؛ ولا مثل الفول يأكله
أخضر ، أو الحمص ، وما أشبه ذلك .
(2/504)
قال محمد بن
رشد : أما ما أكل من حائطه بلحاً ، أو من زرعه
قبل أن يفرك ؛ فلا اختلاف في أنه لا يحسبه ،
لأن الزكاة لم تجب عليه ( بعد ) فيه ؛ إذ لا
تجب الزكاة في الزرع حتى يفرك ، ولا في الحائط
حتى يزهى ؛ واختلف فيما أكل من ذلك كله أخضر
بعد وجوب الزكاة فيه بالإزهاء في الثمار ، أو
بالإفراك في الحبوب ؛ على ثلاثة أقوال ، أحدها
: قول مالك إنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله (
ويخرج زكاته ، الثاني أنه ليس عليه أن يحصي
ذلك ) ولا يخرج زكاته ، وهو قول الليث بن سعد
، ومذهب الشافعي ، لقوله تعالى : {كلوا من
ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} . والثالث
أنه يجب عليه ذلك في الحبوب ، ولا يجب ذلك
عليه في الثمار ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
" إذا خرصتم فخذوا ودعوا ، فإن لم تدعوا الثلث
فدعوا الربع" . وهو قول ابن حبيب إن الخراص
يتركون لأصحاب الحوائط قدر ما يأكلون أخضر
ويعطون ، وقد روي مثل ذلك عن مال ؛ وهذا إنما
يصح على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار
إلا بالجذاذ ، وهو قول محمد بن مسلمة ؛ وفائدة
الخرص على هذا - إنما هو مخافة أن يكتم منه
اشيء بعد اليبس ، أو بعد الجذاذ ؛ فإن خشي ذلك
في الزرع ، فقد قال ابن عبد الحكم يوكل الإمام
من يتحفظ بذلك ؛ وقيل إنه يخرص إن وجد من يحسن
خرصه ، وهو أحسن - والله أعلم . والمغيرة يرى
الزكاة تجب في الثمار بالخرص ، ففي ( حد )
وجوب الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال ، أحدها :
المشهور في المذهب أنها تجب بالطياب ، والثاني
أنها تجب بالجذاذ ، وهو قول محمد بن مسلمة ؛
والثالث أنها تجب بالخرص - وهو قول المغيرة -
جعل الخرص فيها كالساعي في المواشي ، فإن مات
صاحب الثمرة قبل أن يخرص ، خرصت على الورثة إن
كان في حظ كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة .
(2/505)
مسألة
وسئل عن الرجل يبيع الزرع - وقد أفرك ، والفول
- وقد امتلأ حبه وهو أخض ؛ أو الحمص ، أو
العدس ، أو ما أشبه ذلك ؛ فيتركه مشتريه حتى
ييبس ويحصده ، أيجوز بيعه ؟ فقال : إن علم به
قبل أن ييبس ، فسخ البيع ؛ وإن لم يعلم به إلا
بعد أن ييبس ، مضى البيع ولا يفسخ ؛ وليس هو
مثل أن يشتري الثمرة قبل أن تزهي ، لأن النهي
جاء في بيع الثمرة قبل أن تزهي من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، واختلف العلماء في وقت
بيع الزرع ، فقال بعضهم إذا أفرك ، وقال بعضهم
حتى ييبس ؛ فأنا أجيز البيع - إذا فات باليبس
، لما جاء فه من الاختلاف ، وأرده - إذا علم
به قبل اليبس .
قال محمد بن رشد : قد قيل : إن العقد فيه فوت
، وقيل إن القبض فيه فوت ، وقيل إنه لا يفوت
بالقبض حتى يفوت بعده - وهو ظاهر ما في السلم
الأول من المدونة ؛ فهي أربعة أقوال ، وهذا
إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس ، وكان ذلك
العرف فيه ؛ وأما إن لم يشترط تركه ، ولا كان
العرف ذلك ؛ فالبيع فيه جائز - وإن تركه
مشتريه حتى ييبس ، وقد قيل إن بيع الفول أخضر
يشترط أن يتركه المبتاع حتى ييبس جائز ،
والقولان قائمان من كتاب الجوائح في المدونة ؛
وأما بيع الحب إذا أفرك على أن يترك حتى ييبس
، فلا اختلاف في المذهب في أن ذلك لا يجوز
ابتداء ؛ وإنما يختلف في الحكم فيه - إذا وقع
، والشافعي لا يجيز بيعه - وإن يس - حتى يصفى
؛ لأنه عنده غرر ، ولو بيع قبل أن يفرك - لفسخ
- وإن فات بعد القبض - وبالله التوفيق .
من سماع سحنون من ابن القاسم
قال سحنون : وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي
الرجل نصف ثمرة حائطه قبل أن تطيب ، قال :
الزكاة في الحائط ، ثم
(2/506)
يقتسمان ما بقي
، والسقي عليهما . قلت له فإن كان أعطى النصف
للمساكين ، قال : إن السقي على رب الحائط .
قال محمد بن رشد : قوله الزكاة في الحائط -
يريد إن كان في حظ كل واحد منهما من ثمرته ما
تجب فيه الزكاة ، أو كان له ثمر من حائط آخر
ما إذا أضافه إليه ، وجبت فيه الزكاة ؛ لأن
الثمرة الموهوبة قبل الطياب لمعينين ، مزكاة
على ملك الموهوب لهم عند ابن القاسم ، وهو
قوله في المدونة ، وغيرها ؛ وقد قيل إنها
مزكاة على ملك الواهب ، وهو مذهب سحنون ؛
فصرفنا هذه الرواية بالتأويل إلى المعلوم من
مذهب ابن القاسم - وإن كان ظهرها مثل قول
سحنون ، وكذلك العرية على المعينين كالصدقة
يزكيان على ملك المتصدق ، والمعري ؛ وقيل
إنهما يزكيان على ملك المتصدق عليه والمعرى ؛
وقيل إن العرية تزكي على ملك المعرى ، (
والصدقة على ملك المتصدق عليه ؛ وقيل إن زكاة
العرية تؤخذ من مال المعرى ، لا من ثمرة
المعرى ؛ ففي العرية - على هذا قولان ، أحدهما
أنها على المعرى في ماله ، والثاني أنها لا
تجب إلا في ثمرة العرية ؛ فإذا قلت إنها تجب
في ثمرة العرية ، فهل تؤخذ منها على ملك
المعري ) ، أو على ملك المعرى ؛ في ذلك قولان
، فهذا تحصيل القول في هذا ؛ وأما إن كان أعطى
النصف للمساكين ، فلا اختلاف في أنه يزكي على
مالك المعطي ، ولا في أن الزكاة تجب فيه إن
بلغ جميع ثمر الحائط ما تجب فيه الزكاة أو كان
لرب الحائط ثمر سواه - إذا أضافه إليه ، وجبت
فيه الزكاة .
(2/507)
نوازل سئل عنها
سحنون
قيل لسحنون أرأيت القوم يكونون في الحضر
ومزارعهم من الحضارة على البريد ، أو النصف
يريد ؛ أيقسم المصدق صدقة زرعهم ومواشيهم في
تلك القرى ؟ أم على أهل الحاضرة ؟ فقال : إن
كانت تلك القرى مسكونة وفيها فقراء ، فهم أولى
بها من غيره ؛ قيل له فما أخذ العامل على
أربعة أميال ، أو ثلاثة ؟ فقال يقسم على
فقرائهم ، ولا ينقل إلى المدينة .
قال محمد بن رشد : ظاهر هذا ، أنه لا ينبغي أن
تنقل الزكاة عن فقراء الموضع الذي أخذت فيه
إلى غيره ، وإن كان الفقراء في غير ذلك الموضع
أكثر ، خلاف ما مضى في رسم العشور من سماع
عيسى .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل وجبت عليه زكاة ماله ،
فأخرجها فوضعها في غير قريته - وفي قريته
فقراء ؛ هل تجزئه زكاة ؟ قال : لا تجزئه .
قال محمد بن رشد : يريد أنها لا تجزئه في
الاختيار والاستحسان ، لا أنه يجب عليه
إعادتها فرضاً ؛ بدليل قوله في المسألة التي
قبلها وفي المسألة التي بعدها ؛ وكذلك تأول
عليه قوله محمد بن اللباد ، وغيره ؛ وقد روى
علي بن زياد ، وابن نافع ، عن مالك أن من زرع
من أهل الحاضر على عشرة أميال ، فلا بأس أن
يحمل من زكاته إلى ضعفاء عنده بالحاضرة ؛
ومثله في كتاب ابن سحنون ، وقال مالك في كتاب
ابن المواز في الذي يبعث م زكاته إلى العراق ،
أن ذلك واسع ، وأحب إلي أن يؤثر من عنده من
أهل الحاجة - إن كانت الحاجة عندهم .
(2/508)
مسألة
وسئل سحنون عن رجل زرع في أرض قريته ثم يحمل
زرعه إلى قرية يسكنها غير التي زرع فيهان وكل
ذلك في إقليم واحد ، أو في إقليمين ؛ إلى من
يدفع زكاته ؟ قال : أحب إلي أن يدفع زكاة كل
زرع إلى فقراء أهل كل موضع ينبت فيه الزرع ،
إلا أن يكون بين الموضعين قريب ، فتجمع الزكاة
في موضعه ، لأنه ملك واحد .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة من قول سحنون ،
تبين قوله في المسألة التي قبلها ؛ لأن الزكاة
ليست لمساكين بأعيانهم ، فتضمن إن دفعت إلى
غيرهم ؛ وإنما هو الاختيار والاستحسان في
دفعها إلى أول الناس بها بالاجتهاد - وإن كانت
هذه أخف من تلك ؛ لأنه إما فرق زكاته في موضع
سكناه بخلاف تلك ، وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
من كتاب الزكاة والصيام
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول يؤدي الرجل
زكاة الفطر عن خادمين من رقيق امرأته - إذا
كان له اشرف وغناء ، وغلا فواحدة ؛ قال أصبغ :
ذلك عندي حسن ، كما أن عليه أن ينفق على
خادمين لها - إذا كانت بذلك الموضع من القدر
والغناء ، والشرف ، والتوسط فيه ؛ لأن مثل هذه
لا تكتفي بخدمتها وأمورها - الخادم الواحد ،
فإنما ذلك على الأقدار والحالات ، ولو ارتفع
قدرها جداً مثل
(2/509)
ابنة السلطان
العظيم ، والقدر الكبير ، ومثل بنت الملك ،
نحو الهاشميات ، ورأيت أن يزاد في عدد الخدم
لبيتها وخدمتها وخدمة ما يقوم مثله من الخدم
بخدمتها في بيتها ، وشأن نفسها من الأربع
والخمس ، ويلزم الزوج نفقتهم وزكاتهم .
قال محمد بن رشد : نحو هذا لمالك في مختصر ابن
شعبان ، وفي المبسوط ، والمبسوطة ، وفي العشرة
ليحيى عن ابن القاسم ، أنه ليس على الزوج أن
ينفق من خدم زوجته على أكثر من خادم واحد ،
ولا يؤدي صدقة الفطر إلا عن التي ينفق عليها
ولو ارتفع قدرها ما عسى أن يرتفع ليس عليه
أكثر من ذلك ، وهو ظاهر ما في المدونة .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول : يأكل الرجل
من زرعه ، ويعطي ويعلف فرسه ودوابه ، ويحسب
ذلك في زكاة عشوره ، يتحراه ويحتاط فيه ،
وقاله أصبغ ؛ هو عليه ولو قدر قتة قرط أو ربطة
يحسبها ، ويخرج عنه العشر .
قال محمد بن رشد : قد تقدم القول على هذه
المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم ، وفي
رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى ، فلا
معنى لإعادته .
مسألة
قال ابن القاسم : وسئل عن الاشقالية التي تكون
بالأندلس - ووصفت له ، فقال : فيها الزكاة ؛
وقال لا تجمع إلى القمح ، ولا إلى الشعير ،
وهي صنف وحدها . قال أصبغ : وسمعت ابن وهب
وزياداً فقيه الأندلس يسأله عنها ويصفها له ،
فرأى فيها أيضاً الزكاة ؛ قال اصبغ : وذلك
رأيي ، وهو يزرع بالأندلس تكون في أكمام
كالزرع ،
(2/510)
وتكون علوفة
البقر ؛ وربما احتيج إليها طعاماً -إذا أجهدوا
، وهي حبة مستطيلة مصوفة في طول الشعير - وليس
على خلقته ؛ وهي إلى خلقة السلت ، وإلى القمح
في خلقه أقرب ، وليس من القمح ، ولا الشعير ،
وهو صنف كالذرة وغيرها من حبوب الزكاة .
قال محمد بن رشد : قول أصبغ في الاشقالية :
إنها ليست من القمح ولا الشعير ، وأنها صنف
كالذرة وغيرها ؛ وهو مثل قول ابن القاسم إنها
لا تضم إلى القمح ، ولا إلى الشعير ؛ خلاف ما
حكى عنه ابن حبيب ، وع جميع أصحاب مالك - إلا
ابن القاسم من أنها تضم إىل القمح ، والشعير ،
والسلت ، وقال الشافعي - في العلس : إن خرج من
أكمامه اعتبر فيه خمسة أوسق ، وغن لم يخرج من
أكمامه ، فإذا بلغ عشرة أوسق ، أخذت صدقته ؛
لأنه حينئذ يكون خمسة أوسق ، ولا يضم إلى غيره
من الحبوب على أصله من أنه لا يضم من الحبوب
إلى غيره ما انفرد باسم دونه ، وخالفه في
الخلقة ، والطعم ، وتجب الزكاة عند مالك في
جميع الحبوب ، والقطاني التي تدخر للاقتيات ؛
وقول الشافعي نحوه ، قال : ما كان منها يدخر
ويقتات مأكولاً ، أو خبراً ، أو سويقاً ، أو
طحيناً ؛ وقال الليث : كل ما يختبز ، فيه
الصدقة ؛ وقال الأوزاعي مرة مثل قول مالك ،
ومرة لا تجب الزكاة من الحبوب إلا في القمح ،
والشعير ، والسلت - والله أعلم بالصواب .
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر
من ابن القاسم
قال أبو زيد : وقال ابن القاسم : في الرجل
يكون عليه زكاة حب فيخرج عيناً ، قال : أرجو
أن تجزئ عنه ؛ قيل له فرجل
(2/511)
وجب عليه عين
فأخرج حباً ؟ قال :يعيد . قيل له : فإن أخرج
في زكاة الفطر عيناً ؟ قال : يعيد . قيل له
فإن أخرج في زكاة الفطر عدساً ، أو حمصاً -
وذلك عيش أهل تلك البلدة ؟ قال : هذا لا يكون
، ولو كان ذلك عيشهم ، رجوت أن يجزئ عنهم .
قال محمد بن رشد : وجه تفرقة ابن القاسم بين
أن يخرج عن العين حباً ، أو عن الحب عيناً ؛
هو أن العين أعم نفعاً ، لأنه يقدر أن يشتري
به ما شاء من جميع الأشياء ، والحب قد يتعذر
عليه أن يشتري به شيئاً آخر حتى يبيعه بعين
فيعني من ذلك ولعله يبخس فيه ؛ وقال ابن حبيب
إنه لا يجزيه في الوجهين - جميعاً ، إلا أن
يجب عليه عين فيخرج حباً - إرادة الرفق
بالمسكين عند الحاجة الناس إلى الطعام - إذا
كان عزيزاً غير موجود ؛ وقال ابن أبي حازم ،
وابن دينار ، وابن وهب ، وأصبغ : لا أحب له أن
يفعل ذلك أبداً ، فإن فعل وكان فيه وفاء لما
كان وجب - أي ذلك كان - أجزاه ؛ وهذا القول
أظهر الأقوال ؛ ووجه الكراهية في أن يخرج خلاف
ما كان عليه ، وإن كان فيه وفاء بما عليه ، ما
في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة ، لأنه قد
اشترى الصدقة التي كانت عليه بما دفع فيها ،
وليس ذلك بحقيقة الرجوع فيها ، إذ لم يدفعها
بعد ؛ وأيضاً فإن الحديث إنما جاء في صدقة
التطوع ، وقد روي إجازة ذلك عن جماعة من السلف
، منهم : عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعمر
بن عبد العزيز ، وأبو الزناد ؛ ووجه تفرقة ابن
القاسم بين أن يخرج العين عن الحب ، أو عن
زكاة الفطر ؛ هو أن زكاة الفطر قد جاءت السنة
بتسمية ما يخرج منه ، فلا يتعدى ما جاءت به
السنة في ذلك ؛ وقد مضى في رسم حلف من سماع
ابن القاسم - القول فيما تؤدي منه زكاة الفطر
، فلا معنى لإعادته .
(2/512)
مسألة
وسئل عن نصراني أسلم ، أو عبد أعتق ، أو مكاتب
أدى كتابته وقد أزهى ثمره ، أو استحصد زرعه ؛
متى تب عليهم الزكاة ؟ قال ابن القاسم : إذا
أسلم النصراني ، أو أعتق العبد ، أو أدى
المكاتب كتابته قبل حلول بيع الثمار ؛ فعليهم
الزكاة ؛ وإن كان بعد حلول بيع الثمار ، فلا
زكاة عليهم فيه ، وهو بمنزلة الورثة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأن
النصراني ، والعبد ، ليسا من أهل الزكاة ، فلا
زكاة عليهما ؛ إلا أن تبلغ الثمرة أو الزرع -
حد وجوب الزكاة فيهما - وهما من ( أهل )
الزكاة ؛ وهذا ما لا اختلاف فيه ، وبالله
التوفيق .
ومن كتاب المدنيين
مسألة
وسئل ابن كنانة عن الاشقالية - وفسر له أمرهما
ومنفعتها - هل تجتمع في الزكاة مع القمح
والشعير ، أو هل فيهما زكاة ؟ فقال : نعم ،
هذا صنف من لحنطة ، يقال له العلس يكون
باليمين - وهو يجمع مع الحنطة في الزكاة وفيها
الزكاة ؛ قال ابن القاسم : فيها الزكاة ، ولا
تجمع إلى القمح ، ولا إلى الشعير .
قال محمد بن رشد : قد روي عن مطرف أنه لا زكاة
فيها ، وقد مضى بقية القول في هذا في سماع
أصبغ ، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .
(2/513)
|