البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب زكاة الحبوب والفطر
من سماع ابن القاسم من مالك
من كتاب القبلة
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم ، قال : سمعت مالكاً قال في زرع الحنطة وما أشبهه مما فيه الزكاة ، يبيعه صاحبه بعد أن يبيعه صاحبه بعد أن ييبس ويستحصد ، وهو قائم قبل أن يحصده : فلا بأس أن يأمن المبتاع عليه - إذا فرغ وكاله ، أخبره بما وجد فيه ، فأخرج البائع زكاة ذلك ؛ قال ابن القاسم : فإن باعه من نصراني فأحب إلى أن يتحفظ من ذلك حتى يعلم ما خرج منه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الزرع إذا أفرك واستغنى عن

(2/477)


الماء ، فقد وجبت فيه الزكاة على صاحبه ؛ وكذلك الثمرة إذا أزهت ، فإذا باع شيئاً من ذلك بعد وجوب الزكاة فيه ، فالزكاة واجبة عليه حتى يؤديها ؛ وله أن يأمن المبتاع في مبلغ ما رفع فيه - إن كان مأمونا ، وإن لم يكن مأموناً أو كان ذمياً ، فعليه أن يتوخى قدر ذلك ويزيد ليسلم ؛ قاله ابن المواز ، وهو صحيح ؛ كمن عليه صلوات ضيعها لا يعرف مبلغها ، فإنه لا يصلي حتى لا يشك أنه قد قضى أكثر مما عليه ؛ وقد اختلف إن أعدم البائع قبل أن يؤدي الزكاة ، ووجد المصدق الطعام بيد المشتري ؛ فقال ابن القاسم : يأخذ الزكاة منه ويرجع المبتاع على البائع بقدر ذلك من الثمن . وقال غيره : لا سبيل له على المشتري ، ويتبع البائع - وهو الأظهر ؛ لأن البيع كان له جائزاً بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تبيعوا لحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه .
ونهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ؛ وقد قال محمد بن المواز قول ابن القاسم أحب إلي ، لأن البائع باع ما لم يمكن له أن يبيعه - وهو بعيد ؛ إذ لو كان البائع باع ما لم يكن له أن يبيعه ، لوجب أن تؤخذ الزكاة من المشتري - وإن كان قد أكل الطعام ملياً ، كان البائع أو معدماً - على حكم الاستحقاق ؛ أو أن يكون البيع فاسداً - على تأويل في المذهب ، وهو مذهب الشافعي : أنه إذا باع من الثمار ما تجب فيه الزكاة بعد الزهو ، فالبيع فاسد ، إلا أن يبيع تسعة أعشارها ونصف عشرها إن كان نضجاً ؛ فقول ابن القاسم استحسان على غير قياس ، وكان ينبغي إذا أخذت الزكاة من الطعام على هذا - أن يرجع المشتري على البائع بالمثل ، لأن المكيلة وجبت على البائع ، فكأن المبتاع أداها عنه ، لا بقدر ذلك من الثمن على حكم الاستحقاق ،إذ ليس ذلك باستحقاق ؛ وإذا رجع عليه بقدر ذلك من الثمن - على ما قاله ابن القاسم ، فيرجع عليه أيضاً بقدر ذلك من النفقة التي أنفقها في عمله ؛ لأن العمل كان على البائع فلا يخسره المبتاع ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال مالك : ليس على أهل الحائط أن يحملوا ما عليهم من صدقات ثمارهم ، إنما يؤخذ ذلك منهم في حوائطهم .

(2/478)


قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لقوله تعالى : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} - الآية . فوجب أن تؤخذ الزكاة من المال بموضعه الذي ه وفيه ، ولا يلزم أصحاب الأموال حمل زكواتهم إلى من يأخذها منهم ، إذ لم يؤمروا بذلك ، كالجزية التي قال الله فيها : {حتى يعطوا الجزية} - الآية . وقد مضى القول في هذا المعنى في سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الماشية ، ويأتي أيضاً في أول سماع أشهب من هذا الكتاب .
ومن كتاب
أوله الشريكان يكون لهما المال
قال : وقال مالك فيما أكل الناس من زرعهم ، وما يستأجرون به ، مثل القتة التي يعطى منها حمل الجمل بقته . قال مالك : أرى أن يحسبوا كل ما أ :لوا واستحملوا به ، فيحسب عليهم في العشور - إذا أخذ منهم ؛ وأما ما أكلت منه الدواب والبقر إذا كانت في الدرس فلا أرى فيه شيئاً .

(2/479)


قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الزرع إذا أفرك فقد وجبت فيه الزكاة : العشر ، أو نصف العشر - حباً مصفى تكون النفقة في ذلك من ماله ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر ، وفيما سقي بالنضح - نصف العشر . فعلى صاحب الزرع أن يحسب كل ما أكل منه ، أو أعلفه ، أو استأجر به في عمله ، لوجوب ذلك عليه في ماله ؛ قال ابن المواز : وكذلك ما تصدق به ، إلا أن يكون ذلك كله تافهاً يسيراً لا قدر له ؛ وقد قيل إنه ليس عليه أن يحصي ما أكل منه أو تصدق به - وهو فرين ، أو قبل أن ييبس ؛ لقوله عز وجل : {كلوا من ثمره إذا أثمر ، وآتوا حقه يوم حصاده} . وهو مذهب الليث بن مسعد . وأما ما أ :ل منه بعد يبسه ، أو أعلفه ، فلا اختلاف في أنه يجب عليه أن يحصيه ؛ واختلف فيما تصدق به بعد اليبس - إن كانت الصدقة على المساكين ، إذ قد قيل في قوله عز وجل : {وآتوا حقه يوم حصاده} . أنه إن يعطي منه المساكين ما يتسر عند حصاده من غير الزكاة - سوى الزكاة - ندباً ، وقيل فرضاً واجباً - مع فرض الزكاة ؛ وقيل نسخه فرض الزكاة ؛ قول النبي عليه الصلاة والسلام : فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر .
فمن جعله ندباً ، أو فرضاً واجباً - مع الزكاة ، فليس عليه أن يحصيه ؛ ومن رآه منسوخاً بالزكاة ، أو قال إن المراد به الزكاة - وهو مذهب مالك ، أوجب عليه أن يحصيه - كما قال ابن المواز ، ولا يجوز له أن يحسبه من زكاته -إذا نوى به صدقة التطوع ؛ وكذلك لو أعطاه - ولا نية في تطوع ، لا زكاة ؛ قد اختلف

(2/480)


إذا أخذت منه الزكاة كرهاً - على قولين ، أحدهما : أنه تجزئه من الزكاة ، لأن الزكاة متعينة في المال ، فإن أخذها منه من إلهي أخذها ، اجزأت عنه ، كما تجزئ عن الصبي ، المجنون ؛ والثاني : أنها لا تجزئه ،إذ لا نية له ؛ والأول أظهر ، لأن النية في ذلك موجودة من المأمور بأخذها ؛ وأما ما أ :لت منه الدواب والبقر ، في حين الدرس ، فليس عليه أن يحصي شيئاً من ذلك ؛ لأنه أمر غالب بمنزلة ما لو أكلته الوحوش ، أو ذهب بأمر من السماء ، وبالله تعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله اغتسل على غير نية
قال مالك في حب القرطم الصدقة ، سحنون أحب إلي ألا تكون فيه الصدقة ، وهو قول مالك ؛ وقد كان ابن القاسم يرى فيه الصدقة من زيته ، ولا يعجبني ذلك .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم خلاف قولي مالك جميعاً ، لأن الظاهر من قول مالك في حب القرطم الصدقة ، - أن الصدقة تؤخذ منه حباً ، فتحصيل الاختلاف في ذلك ، أن فيه قولين ، أحدهما أن الزكاة لا تجب فيه ؛ والثاني أنها تجب فيه : قيل في حبه -وهو ظاهر أحد قولي مالك ، وقيل في زيته - وهو قول ابن القاسم ، وقول مالك في الرسم الذي بعد هذا ، والأظهر أن لزكاة لا تجب فيه ، لأنه ليس من الحبوب التي تدخر للاقتيات بها ، ولا من الثمار ؛ فالقول بأن الزكاة تؤخذ من زيته إغراق ، ومن أوجب الزكاة فيه قاسه على الزيتون ؛ وما أنفق الناس على الزيتون في قياسه على ثمار النخيل ، والأعناب ؛ لأن الشافعي لا يرى فيه الزكاة - وهو مذهب ابن وهب من أصحابنا ؛ فالشافعي لا يرى الزكاة في شيء من الثمار ، إلا في ثمار النخيل والأعناب ؛ ومالك يراها في مثار النخيل ، والأعناب ، والزيتون ؛ وابن حبيب يراها في جميع الثمار الثابتة - كان مما يدخر أو مما لا يدخر ، بظاهر قوله عز وجل :

(2/481)


{وهو الذي أنشأ جنات معروشات} - إلى قوله : {وآتوا حقه يوم حصاده} - بعد أن ذكر الرمان فيما ذكر ؛ وأبو حنيفة يراها في كل ما أنبتت الأرض مما يؤكل ، بظاهر قول النبي - عليه الصلاة والسلام : فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر - وبالله التوفيق .
ومن كتاب
أوله تسلف في المتاع والحيوان
وقال مالك : أرى في زيت القرطم زكاة إذا كان يعصر منه مثل ما ذكرتم ، قال ابن القاسم : قال مالك وليس في ( حب ) بزر الكتان ولا في زيته شيء .
قال محمد بن رشد : أما الزكاة في القرطم ، فقد مضى القول فيه في الرسم الذي قبل هذا ، وقول مالك في هذا الرسم ، مثل قول ابن القاسم في الرسم الذي قبله ؛ وأما حب برز الكتاب ، فلم يختلف قول مالك في أن الزكاة لا تجب فيه ، ولأصبغ في كتاب ابن المواز ، أن الزكاة فيه ؛ ولا لفرق في القياس بين بزر الكتاب ، وحب القرطم ؛ لأن الزكاة إنما وجبت فيهما عند من أوجبها فيهما ، من أجل ما يعصر منهما من الزيت - قياساً على الزيتون ؛ وإنما فرق مالك في أحد قوليه بينهما ، لأنه رأى الناس يعصرون الزيت الكثير من القرطم ، ويتخذونه لذلك ، ولا يفعلون ذلك في بزر الكتان - والله أعلم .
مسألة
وسئل مالك عمن دفع زكاة الفطر ، أيدفع إليه منها ؟ فأنكر

(2/482)


ذلك وقال : كيف تدفع إلى من دفع ؟ لا أرى ذلك ، ثم رجع عنها بعد ذلك فقال في نعم : إني لأستحب ذلك - إذا كان محتاجا .
قال محمد بن رشد : زكاة الفطر إنما هي زكاة الرقاب ، ليست بزكاة الأموال ، فهي تجب على من لا مال له إذا كان عنده فضل عن وقت يومه ، وفيه ما يؤديها منه - قال ابن حبيب ؛ وقال غيره : إلا أن يضر ذلك به ، ويؤدي إلى جوعه ، وجوع عياله ؛ ومن ليس له إلا هذا المقدار ، فهو من الفقراء الذين تحل لهم الزكاة ؛ لهذا وقع الاختلاف في هذه المسألة ، فوجه قول مالك الأول ، هذا ممن تجب عليه زكاة الفطر ، فلا يأخذها يأساً على سائر الزكوات ؛ ووجه القول الثاني أنه مسكين ، فجاز أن يأخذ صدقة الفطرة - قياساً على سائر المساكين - وإن كان هو ممن دفعها ؛ وإذا جاز دفعها إليه ، فهو أولى من غيره بما تبين من فضله ؛ إذ دفع الزكاة مع مسكنته وحاجته ، قال الله عز وجل {ويؤثرون على أنفسهم} - الآية . فهذا وجه استحسان قول مالك لذلك ، وهذا إذا دفعها إليه الذي تجمع عنده ، ويلي تفرقتها ؛ وكذلك يصلح أن يقرأ كيف يدفع على ما لم يسم فاعله ؛ وأما أن دفعها إليه المسكين الذي دفعها هو إليه ، فذلك مكروه - إن كانت هي بعينها ، من أجل الرجوع في الصدقة ؛ فمن أوجبها على من له فضل عن قوت يومه ، قدرها لم يجز لمن يجب عليه أن يأخذها ، لم يجز أن يعطي زكاة الفطر لمن عده قوت يومه ؛ ولا أن يعطي لمسكين واحد أكثر من صاع ، إلا أن يكون ذا عيال ، وهو قول أبي مصعب : أنه لا يعطاها من أخذها ، ولا يعطي فقير أكثر من زكاة إنسان .
مسألة
وقال مالك في الحمص والفول الذي يبيعه أصحابه أخضر ،

(2/483)


أرى أن يتحروا ذلك كما هو يابس ، ثم يؤدون حمصاً وفولاً يابساً ؛ قال مالك وهو عندي وجه الصواب .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الزكاة قد وجبت في ذلك بالإفراك ، والاستغناء عن الماء ؛ فبيع ذلك أخضر بمنزلة بيع لحائط من النخل أو الكرم إذا أزهى ، أنه ينبغي له إذا لم يدر كم بلغ ما فيه من التمر أو الزبيب ، أن يحرى ذلك ؛ وقد مضى في أول رسم من هذا السماع ، مثل هذا المعنى ؛ ولمالك في كتاب ابن المواز في الفول والحمص ، أنه إن أدى من ثمنه ، فلا بأس به ، ولم يقل ذلك في النخل والكرم ؛ والفرق بينهما على هذا القول ، أن تمر النخل والكرم ، إنما يشتريه المشتري لييبسه ، فهو ينقص في ثمنه لذلك ؛ والحمص والفول إنما يشتريهما المشتري للأكل إذا اخضر ، لا للتيبيس ، فلا ينقص في الثمن من أجل التيبيس الذي يجب على البائع شيئاً ، فإذا أعطى المساكين من الثمن فلم ييبسهم شيئاً ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك في رجل كانت له نخل أو زرع أو كرم ، مما يزكي ، فسقى نصف سنته بالعيون ، ثم انقطعت عنه ، فسقى بقية عامه بالنضح ، أو بالسواقي ؛ قال مالك أرى أن يخرج نصف زكاته عشوراً ، والنصف الآخر نصف العشر ؛ قال ابن القاسم قال لي مالك : أما ما كان مثل هذان فعلى هذا يعمل فيه ؛ وأما ما كان على غير هذا ، فالذي به تم - وهو أكثر ، فعليه أن يزكي به إن كان بالنضح فنصف العشر ، وإن كان بالعين فعليه العشر ؛ قال سحنون عن علي بن زياد ، عن مالك مثله .

(2/484)


قال محمد بن رشد : إرادته ( أنه ) إن كان ما سقي بالعين مثل ما سقي بالنضح ، أو زاد أحدهما على صاحبه شيئاً يسيراً ، فليخرج نصف زكاته عشراً ، ونصفها نصف عشر ؛ وإن كان أحدهما قليلاً ، والآخر كثيراً : الثلثين أو أكثر ، فليخرج على الأكثر كان هو الأول أو الآخر ؛ لأن به تم ، كذا هو مفسر لمالك ، وابن القاسم ، وابن الماجشون - في غير هذا الموضع ؛ فعليه يحمل ما في الرواية ، لأن لفظها بعض الإشكال ، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله حلف ليرفعن أمراً ( إلى السلطان )
وسئل مالك عن قوم ليس طعامهم إلا التين ، أيؤدون منه الزكاة في الفطرة ، قلا لا يؤدون منه الزكاة .
قال محمد بن رشد : هذا يبين أن ما في المدونة من كراهية إخراج التين في الفطرة لمالك ، معناه : وإن كان ذلك عيشهم ؛ وهو مثل قول أشهب فيها إن أخراجها من القطنية لا يجزئ - وإن كان ذلك عيشهم ؛ خلاف رواية أبي زيد عن ابن القاسم أنها تجزئ إن كان ذلك عيشهم ، وقد روى عن ابن القاسم مثل قول أشهب ؛ ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، أن زكاة الفطر ، تخرج من غالب عيش البلد من تسعة أشياء ، وهي : القمح ، والشعير ، والسلت ، والتمر ، والأقط ، والزبيب ، والأرز ، والذرة ، والدخن ؛ فإن كان عيشه وعيش عياله غير الصنف الذي هو غالب عيش البلد من هذه الأصناف ، أخرج من الذي هو غالب عيش البلد ، كان الذي يتقوت ( هو )

(2/485)


به أرفع ، أو دنى ، إلا أن يعجز عن أن يخرج أفضل مما يتقوت به ؛ وذهب محمد بن المواز إلى أنه إنما يخرج مما يتقوت ( هو ) به ، كان أفضل مما يتقوت به أهل البلد ، أو أدنى ؛ إلا أن يكون الذي يتقوت به هو أدنى بخالً ولوماً ، فيلزمه أن يخرج مما يتقوت به أهل البلد ؛ وزاد ابن حبيب على هذه التسعة الأشياء - العلس ، وله في مراعاة ما يتقوت به هو وأهل بلده - تفصيل يطول جلبه ، من أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه ؛ وقد قيل إنها لا تخرج إلا من ستة أشياء ، وهي : القمح ، والشعير ، والسلت ، والتمر ، والأقط ، والزبيب . - وهو قول أشهب ، وقيل إنها لا تخرج إلا من خمسة أشياء ، وهي : القمح ، والشعير ، والتمر ، والزيت ، والأقط - . وهو قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه في العشرة ، وقاله ابن الماجشون ؛ إلا أنه جعل السلت مكان الزبيب ، وذهب أهل الظاهر إلى أنها لا تخرج إلا من التمر ، والشعير ؛ وذكر وجه كل قول من هذه الأقوال ؛ وما يتعلق به قائله ؛ يطول ، فتركت ذلك اختصاراً ، وبالله التوفيق .
من كتاب
أوله يتخذ الخرقة لفرجه
وسئل عن الرجل لا يكون عنده قمح يوم الفطر ، فيريد أن يدفع ثمنه إلى المساكين يشترونه لأنفسهم ، ويرى أن ذلك أعجل ؛ قال لا يفعل ذلك ، وليس كذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؛ ومن رواية عيسى قال ابن القاسم ولو فعل لم أر به بأساً .
قال محمد بن رشد : رواية عيسى هذه عن ابن القاسم ، خلاف رواية أبي زيد عنه بعد هذا ؛ وقد قيل إنها ليس بمخالفة لها ، وإنما خفف ذلك

(2/486)


في رواية عيسى هذه ، لقوله يشترونه لأنفسهم ، فإنما دفع الثمن إليهم على ذلك - والله أعلم ، وبه التوفيق .
من سماع أشهب ، وابن نافع من مالك
من كتاب أوله وصايا ثم حج ثم زكاة
قال أشبه ، وابن نافع : سئل مالك عمن يحمل الطعام إلى أهل مكة ، أترى أن يؤخذ منه نصف العشر مثل المدينة ؟ قال نعم .
قال محمد بن رشد : زاد مالك في كتاب ابن سحنون ، والمجموعة : وكذلك من بأعراضهما من القرى ، ليكثر حملهم لذلك ؛ فأما في القطنية فيؤخذ منهم لعشر ، وذكر ابن سحنون في كتابه من رواية ابن نافع يؤخذ من أهل الذمة من الزيت ، والطعام ، العشر إن تجروا في بلاد المسلمين إلى المدينة ، ومكة ، وغيرهما وإنما أخذ منهم عمر نصف العشر في الحنطة ، والزيت ، ليكثر الحمل إلى المدينة ؛ وقد أغنى الله المدينة ، وغيرها ؛ فيؤخذ منهم اليوم العشر من الزيت ، والطعام ؛ وقال ابن نافع : لا يؤخذ منهم بهذين البلدين ، إلا نصف العشر ، كما فعل عمر ، وأن استغنوا اليوم عن ذلك ، مثل ما في العتبية ، وهو الأظهر ؛ لأنهم وإن استغنوا عن ذلك ، ففيه رفق لهم على كل حال ،وقد فعله عمر فلا يترك ، لقوله عليه السلام ، عليكم بسنتي وسنة لخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل مالك عن الذي يخرص عليه نخله فيجد في تمره أكثر مما خرص عليه ، قال أرى أن يؤدي فضل ذلك ؛ قلت أرأيت إن وجد أقل مما خرص عليه ؟ قال إن ترك فلا يعطهم ، ولو أطاعوني ، لأمرتهم ألا يأخذوا منه شيئاً .

(2/487)


قال محمد بن رشد : قوله أرى أن يؤدي فضل ذلك - يريد واجباً عليه ، وهو أصح ما في المدونة لأنه قال فيها أحب إلي أن يؤدي ؛ لأن نهاية خرص الخارص ، أن يجعل في القوة كحكم الحاكم ؛ وقد أجمعوا أن الحاكم إذا حكم بما لم يختلف فيه أنه أخطأ ، تنقض قضيته ؛ وهذا الاختلاف إنما هو إذا خرصه عالم ( في زمن العدل ) ، وأما إذا خرصه جاهل ، أو عالم في زمن لجور ؛ فلا يلتفت إلى ذلك ، ويعمل صاحب المال على ما وجد ؛ فقول أشهب : إن كان في زمن العدل عمل على ما خرص - زاد أو نقص ، وإن كان في زمن الجور عمل على ما وجد -زاد أيضاً أو نقص - ؛ مفسر لما في المدونة ؛ وكذلك ما روي عن مالك من أنه إن خرصه عالم ، عمل على ما خرص ؛ وإن خرصه جاهل ، عمل على ما وجد مفسر أيضاً لما في المدونة ؛ وقد كان بعض الناس يحمل الروايات على ظاهرها فيجعلها أربعة أقال ، وهو تأويل خطأ - والله أعلم ، وبه التوفيق .
مسألة
وسئل أيكلف الناس أن يحملوا زكاة ثمارهم إلى من يلي أخذها ؟ قال ولكن يأخذونها يأتونه في حائطه ، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم ؛ وكذلك أهل الزرع يؤتون في مواضعهم ، ولا يكلفون حمل ذلك إليهم ؛ وكذلك أصحاب المواشي لا يكلفون المشقة ، ولا جلبها إليهم ، ولكن يؤتون في مجامعهم .

(2/488)


قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم من سماع ابن القاسم ، وفي سماع ابن القاسم أيضاً من كتا زكاة الماشية ، فلا معنى لإعادة ذلك .
مسألة
قال وسألته عمن تجارته المواشي يحول عليها الحول عنده ، قال إذا حال عليها الحول عنده ، أخرج زكاتها وإن لم يبعها ؛ ليس الماشي مثل العروض ( وإن باعها ) قبل أن يحول عليها لا حول - وقد حال على ثمنها الحول من يوم زكاه ، زكى ثمنها يوم يبيع .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة مثل ما في المدونة وغيرها ، لا اختلاف فيها ، وذلك أن الغنم في أعيانها الزكاة ، فإذا حال عليها الحول عنده - وهي ما تجب فيه الزكاة ؛ أخذت منها زكاة السائمة ، كان اشتراها للتجارة أو للقنية ، فإن باعها قبل أن يحول عليها الحول ، رجع في زكاتها إلى زكاة العين ، فزكى الثمن إن كان قد حال عليه الحول ، وهو ما تجب فيه الزكاة ، إن كان اشتراها للتجارة . واختلف قول مالك إن كان اشتراها للقنية ، فمرة قال إنه يستقل بالثمن حولاً من يوم قبضه ، ومرة قال إنه يزكيه على حول الغنم من يوم ابتاعها للقنية ، والقولان في المدونة .
مسألة
وقال مالك زعم لي يزيد بن رومان ، أن عمر بن الخطاب خرج يوماً إلى خيبر ، وأنه يوماً لقائل تحت شجرة يستظل بها ، إذ جاءته امرأة من العرب - وهو نائم فدنت منه فمست قدمه فنبه ، فقال : ما لك ؟

(2/489)


ما حاجتك يا أمة الله ؟ فقالت توسمت فيك الخير ، وأن أمير المؤمنين بعث إلينا عام الأول - محمد بن مسلمة ساعياً ، وأمره أن يأخذ من أغنيائنا ويرد على فقرائنا ؛ فجاءنا فلم يعطنا شيئاً ، وأنا امرأة مؤتمة ، وقد بلغني أن عمر باعثه إلينا العام ، فأحب أن تمشي معي إليه توصيه وتكلمه لي ؛ عسى إن قدم علنيا أن يعطيني ؛ فقال عمر يا يرقا اذهب فادع إلي محمد بن مسلمة ، فقالت إني لم أرد هاذ ؛ إنما أردت أن تذهب معي إليه ؛ فقال إن لم يأتنا جئناه ؛ فأتاه يرقا ، فقال له : يدعوك أمير المؤمنين ، فاستنكر ذلك وقال ما شأنه ؟ فقال ما أدري ، إلا أني رأيت امرأة ، قال محمد هي إحداهن ؛ فلما جاءه ، قال له السلام عليك يا أمير المؤمنين - ورحمة الله ، فلما سمعت ذلك المرأة ، استحيت وجمعت عليها ثيابها ؛ فقال له عمر هل تدري كيف كنا وأنتم قبل الإسلام ؟ فقال لا تعجل علي يا أمير المؤمنين . فقال إنا كنا أكلة رأس والعرب أعداؤنا من ( كل ) ناحية ؛ فقال يا أمير المؤمنين لا تعجل علي ، قال بعثتك مصدقاً على هؤلاء ، وأمرتك أن تأخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فلم تعط هذه المرأة شيئاً! فقال يا أمير المؤمنين ، أما أن أكون تعمدت تركها ، فما كان ذلك ؛ ولكن عسى أن أكون أخطأتها ، أو لم تأتنا ؛ قال إن بعثتك العام إليهم ، فأعطها للعام الأول ، وللعام الثاني ؛ ثم قال عمر الحقي بخيبر ، آمر لك .

(2/490)


قال محمد بن رشد : في هذا الحديث أن الذي يقسم الصدقة يصدق المسكين فيما يدعي من المسكنة والحاجة - إذا رأى عليه هيئة ذلك ، ولا يكلف البينة ؛ لأن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، صدق المرأة فيما ادعت من الحاجة ، وأمر محمد بن مسلمة أن يعطيها لقولها ، دون أن يكلفها ببينة ، وكذلك قال مالك - رحمه الله في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع ، والوكالات .
مسألة
وسئل عمن حمل من أهل الذمة الطعام من تيماء ووادي القرى إلى المدينة ، أعليهم عشور ؟ فقال أما أهل تيماء ، فأرى ذلك عليهم ؛ وأما أهل وادي القرى ، فلا ؛ لأني أخاف أن يكون من المدينة وهي قريبة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن أهل الذمة إنما يلزمهم العشر فيما اتجروا به إذا خرجوا من أفق إلى أفق : من الحجاز إلى اليمن ، أو من الشام إلى العراق ، وما أشبه ذلك ؛ فرأيتها خارجة من الحجاز ، فأوجب على من قدم منها بطعام إلى المدينة العشر - يريد فيما عدا الحنطة والزيت ؛ لأنه قد قال في أول الرسم : إنه لا يؤخذ منهم بمكة والمدينة من الطعام إلا نصف العشر ، وقد مضى ما في ذلك من الاختلاف هنالك ، وشك في وادي القرى لقربها ، وخشي أن يكون من الحجاز ، فلم ير أن يؤخذ منهم العشر بالمدينة ؛ والأندلس كلها أفق واحد ، فلا يؤخذ من الذمي ، إذا خرج تاجراً من أعلاها إلى أسفلها شيء ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال وسمعت أن رجلاً جاء فقال هذا ابن عبد المطلب المرتفق ؟

(2/491)


فقالوا نعم ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ، فكان فيما سأله عنه أن قال أنشدتك الله ، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا ، فقال نعم .
قال محمد بن رشد : يريد بقوله المرتفق ؛ أنه كان متكئاً على مرفقه بين أصحابه ، فأشار إليه بقوله هذا ؛ وفي الحديث إيجاب رد الصدقة المأخوذة من الإنياء على الفقراء ، فهو أصل لما أمر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، محمد بن مسلمة في المرأة التي شكت إليه أنه لم يعطها شيئاً ، ولذلك ساقه مالك رحمه الله ،فصوابه أن يكون متصلاً به .
ومن كتاب الزكاة
قال وسئل عن الجلجلان والأرز ، أمن القطنية هما ؟ فقال ليس من القطنية ، القطنية : الجلبان ، واللوبيا ، والحمص ،والكرسنة ، وأما أشبه ذلك ، يطحنه أهل الشام ويأكلونه ، فهذه القطنية ، والجلجلان على حدة ، والأرز على حدة .
قال محمد بن رشد : هذا هو المشهور في المذهب أن الجلجلان ، والأرز ، ليسا من القطنية ؛ وأنهما صنفان لا يضافان إلى غيرهما ، ولا يضاف بضعهما إلى بعض ؛ وكذلك الذرة ، والدخن ؛ وقد روي عن مالك أن الأزرق ، والجلجلان ، من القطنية روى ذلك عنه زياد ؛ وأما الكرسنة ، فذهب ابن حبيب إلى أنها صنف على حدة ، وقال ابن وهب لا زكاة فيها ، واختار ذلك يحيى بن يحيى - وهو الأظهر ؛ لأنها علف وليست بطعام ؛ ولم يختلف في القطنية

(2/492)


أنها صنف واحد في الزكاة ، وإن كان قد اختلف فيما هو قطنية مما ليس قطنية ؛ فإذا اجتمع من جميعها ما تجب فيه الزكاة ، أخذ من كل صنف بحسابه ؛ واختلف قول مالك فيها في البيوع على ثلاثة أقوال ؛ فمرة جعلها صنفاً واحداً ، ومرة جعلها أصنافاً متفرقة ، ومرة جعل ما تقاربت منفعته منها صنفاً واحداً ، ما تباعدت أصنافاً متفرقة .
مسألة
قال وسألته عن الوسق كم هو ؟ فقال ستون صاعاً بصاع النبي عليه الصلاة والسلام ، فخمسة أوسق ثلاثمائة صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإذا كان التمر ، أو الحنطة ، ثلاثمائة صاع بصاع النبي عليه الصلاة والسلام ، وجبت فيه الزكاة ؛ فما زاد على ذلك ، أخذت منه الزكاة بحساب ذلك .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه أن الوسق ستون صاعاً ، وأن الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع ؛ وكذلك لا يختلف أيضاً أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي ، عليه الصلاة والسلام ؛ واختلف فيقدر المد بالوزن ، فقيل زنته رطل وثلث ، وهو المشهور في المذاهب ؛ قيل بالماء ، وقيل بالوسط من البر ، وقيل رطل ونصف ، وقيل رطلان ، وهو مذهب أهل العراق ؛ واختلف في قدره بالكيل من المد الهشامي ، فقيل إنه ثلاثة أخماس مد هشام ، وهو الذي في المدونة من أن مد هشام مدان إلا ثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل إنه نصف مد هشام ، وهو تأويل البغداديين على مالك أنه رأى الإطعام في الظهار مدين يمد النبي صلى الله عليه وسلم ، حملاً على فدية الأذى المقيدة في السنة ؛ لأنهما جميعاً مطلقتان في القرآن ، قالوا ولذلك قال فيه يطعم بمد هشام ، لأنه مدان بمد النبي ، عليه السلام ؛ واختلف أيضاً في قدر مدنا الجاري عندنا بقرطبة من مد النبي عليه الصلاة والسلام ، فقيل إن ( قدره ) قدره سواء ، وأن كلينا أربعة أمداد بمد

(2/493)


النبي عليه الصلاة والسلام ، فهو صاع ؛ فالوسق خمسة أقفزة ، والنصاب خمسة وعشرون قفيزاً ؛ وقيل إن في كلينا ثلاثة أمداد وثلث بمد النبي ، عليه الصلاة والسلام ، فيأتي النصاب على هذا ثلاثون قفيزاً ، وإلى هذا ذهب ابن حبيب ؛ وقيل إن في كلينا ثلاثة أمداد ونصف بمد النبي عليه السلام ، فيأتي النصاب على هذا ثمانية وعشرين قفيزاً وأربعة أسباع قفيز ؛ وقيل إن في كيلنا أربعة أمداد إلا ثلثاً بمد النبي عليه السلام ، فيأتي النصاب على هذا سبعة وعشرين قفيزاً وثلاثة أجزاء من أحد عشر في القفيز ؛ وما قدمته أوالً من أن النصاب خمسة وعشرون قفيزاً بالكيل القرطبي ، هو أولى الأقاويل وأحوط في الزكاة ، وبالله التوفيق .
مسألة
قلت أفرأيت ، الأوقية كم هي ؟ فقال لي الأوقية من الفضة أربعون درهماً ، قلت له أفرأيت الأوقية من الذهب ، أمعروفة لها شيء معلوم ؟ قال لي لا .
قال محمد بن رشد : قوله إن الأوقية من الفضة أربعون درهمً ، يريد من الوزن القديم المعروف بالكيل ، وهو يزيد على وزن زماننا بخمسيه ؛ فالدرهم الكيل بوزننا درهم وخمسً درهم ؛ فيدخل في مائة درهم كيل من وزن زماننا مائة درهم وأربعون درهماً ، ولذلك سميت دراهمنا دخل أربعين ، فالنصاب بوزننا من الدراهم مائتا درهم وثمانون درهماً ، خمسة وثلاثون ديناراً دراهم ؛ فمن ملك من الفضة أو الدراهم أقل من ذلك ،لم تجب عليه زكاة ؛ هذا الذي عليه العلماء ، وذهب ابن حبيب إلى أنه يزكي أهل كل بلد على وزنهم وهو بعيد خارج عن أقوال العلماء ؛ وأما سؤاله عن الأوقية من الذهب هل هي معروفة لها شيء معلوم ، أم لا ؟ فالمعنى في ذلك هل يسمى قدر

(2/494)


ما من الذهب أوقية ، كما يسمى قدر أربعين درهماً كيلاً من الفضة ، أوقية أم لا ؟ فأخبر أن الأوقية إنما هي تسمية لقدر ما من الفضة ، لا لقدر ما من الذهب ؛ وأما قدر ما يجب من الذهب في الزكاة لأوقية من الفضة فمعروف ، وذلك أربعة مثاقيل ؛ لأن الدينار في الزكاة بعشرة دراهم سنة ماضية ، ومثقال الذهب اثنان وسبعون حبة ، أربعة وعشرون قيراطاً ، كل قيراط من ثلاث حبات ؛ روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الدينار أربعة وعشرون قيراطاً ، والقيراط ثلاث حبات الشعير .
فلم تختلف الأوزان في ذلك ، كما اختلفت في الدراهم ؟ وقد كانت الدراهم مختلفة الوزن ، درهم من ثمانية دوانق ، ودرهم من أربعة دوانق إلى زمن عبد الملك بن مروان ؛ فاتفق رأي الفقهاء على أن جعلوا الدرهم من ستة دوانق ، فكانت العشرة دراهم منها تزن سبعة مثاقيل ، وسموا ذلك الوزن كيلاً ، فكانت الأوقية منها أربعين درهما ، واستقام النصاب في الفضة على أنه مائتا درهم ؛ فلم تزل الدراهم ينقص زونها بعد ذلك إلى أن جعل الدرهم وزن نصف مثقال ، فكانت العشرة دراهم كيلاً أربعة عشر درهماً ؛ والأوقية ستة وخمسون درهماً ، والخمس الأواقي المائتا درهم مائتا درهم وثمانون درهماً ؛ فهذا وجه القول في الأوزان ، قد وقع في تفسير ابن مزين لعيسى بن دينار أن الذهب والفضة في الزكاة كيل في كل ذلك ، وهو غلط ؛ لأن ذلك يوجب ألا تجب الزكاة في أقل من ثمانية وعشرين مثقالاً ، وذلك خلاف الإجماع .
مسألة
( وسئل ) فقيل له ، فالرجل يستأجر الأجراء على زيتونه يلتقطونه على أن لهم الثلث وله الثلثان ، على من ترى زكاة الثلث

(2/495)


الذي يأخذه الأجراء في التقاطهم إياه ، فقال أرى ( زكاة ) ذلك على رب الزيتون الذي استأجرهم ، يؤخذ ذلك منه زيتا .
قال محمد بن رشد :قوله إن زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون على رب الزيتون صحيح ، لان التقاط الزيتون كحصاد الزرع ، وجداد التمر ؛ وذلك على رب المال ، فلا اختلاف في ذلك عند من يوجب الزكاة في الزيتون ؛ وأما قوله يؤخذ ذلك منه زيتا ، فهو على قوله إن عصر الزيتون على ربه ، وخالفه في ذلك كثير من أصحابه ؛ منهم : ابن كنانة ، ومحمد بن مسلمة ، ومحمد بن عبد الحكم ، فقالوا تؤخذ الزكاة منه حباً . وقال محمد بن عبد الحكم والله ما اجتمع الناس على حبه ، فكيف على زيته ؟ وهو قول الشافعي ببغداد : إن الزكاة تؤخذ من حبه - وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن القوم تكون لهم الكرمات ، ولو خرصت وجب في مثلها الزكاة ، فلا يزبب منها إلا اليسير ، ويعمل بقيتها رباً ، فقال أرى أن تخرص ، فقيل له إنه لا يعمل ( منها ) زبيب إلا شيء يسير ، ويجعل سائرها رباً ؛ فقال أرى أن يزبب قدر زكاتها ، ثم يجعلون بقيتها ما بدا لها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إن الكرم إذا كان يتزبب ، فأراد أن يجعل منها رباً ، فعليه أن يزبب منه قدر زكاته ، أو يأتي بذلك زبيباً من غيره ؛ لأن الزبيب هو الذي تجب عليه فيه ، ولو كان لا يتزبب فعمل منه رباً ، لم يلزمه

(2/496)


أنيخرج من الرب زكاته ، إلا أن يشاء ويعطي عشر قيمته عنباً ، ولو أعطى العنب أجزأه ، وينبغي أن يفعل من ذلك الذي هو خير للمساكين .
مسألة
قيل له أرأيت الكرم يخرص فيكون فيه ما يجب فيه الزكاة ثم يفسد ؛ فقال إذا فسد ، فلا زكاة فيه ؛ قيل له إنه إذا فسد بيع ، فقال أرى أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي باعه به .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : إنه إذا فسد فساداً لا منفعة فيه ولا ثمن له ، فلا زكاة فيه ؛ وإن فسد فساداً لطفت به ثمرته ولم تذهب فباعه ، فعليه أن يؤدي زكاته من ثمنه الذي باعه به ؛ ومعنى ذلك عندي إذا كان الفساد الذي حدث به يمنع من تيبيسه ، وإنما يباع ممن يأكله عنباً ؛ وأما لو كان مما يبيس مع فساده ويباع على ذلك ؛ لوجب أن يؤدي خرص ما يخرج منه زبيباً على حاله من الفساد ؛ ولو ذهب الفساد ببعض الثمرة ، فلم يبق منه ما تجب فيه الزكاة ، فلا زكاة عليه .
مسألة
وسئل عن الرجل يغيب عن أهله ، أيؤدي زكاة الفطر بموضعه الذي هو به ؟ فقال أما عن نفسه ، فأرى أن يؤدي عنها زكاة الفطر - ههنا ، لأنه لا يدري أيؤدي عنه أم لا ؟ قيل له أفيؤدي عن عياله ؟ قال تشتد عليه النفقة ، فأما أهله فأرى له أن يؤخرهم ، فلعلهم أن يكونوا قد أدوا عن أنفسهم ؛ فأما هو فأرى أن يؤدي عن نفسه ، لأنه لا يدري لعل أهله لا يؤدون عنه .
قال محمد بن رشد : معنى هذا إذا كان قد ترك عند أهله مالاً يؤدون

(2/497)


منه الزكاة ،ولم يأمرهم بذلك ؛ فهو إذا لم يدر ما يفعلون ،يؤدي عن نفسه ، ولا يؤدي عنهم ، لأن الأقرب أن يؤدوا عن أنفسهم ولا يؤدوا عنه ، ولو أمرهم أن يؤدوا عنه الزكاة في مغيبه ، لم يكن عليه أن يؤدي عن نفسه في مغيبه ؛ ولو لم يترك عندهم ما يؤدون منه الزكاة ، لزمه أن يؤدي بموضعه عنه وعنهم ، لأن الزكاة عليه فهذا الوجه في هذه المسألة .
مسألة
وسئل مالك فقيل له : أنبعض الناس يقول في زكاة الفطر مدان ، قال القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكرت له الأحاديث الذي تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدين من الحنطة في زكاة الفطر ، فأنكرها وقال عقيل - وتبسم ؟ وقال إذا كان الشيء من أمر دينك ، فعليك أبداً فيأمره بالثقة ، وأنه لن ينجيك أن تقول سمعت ، وقد كان يقال كفى بالمرء كذباً - أن يحدث بكل ما سمع .
قال محمد بن رشد : معنى قول مالك : القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أي لا حجة إلا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عنده من قول رسول الله : "الأمر بصاع من بر في زكاة الفطر" . ومن الدليل على ذلك ، أنه استدل على أنه لا يجزئ من القمح إلا ما يجزئ من غيره - أن ما ذكر في الحديث بعضه أعلى من بعض ، والكيل متفق ؛ قال فكذلك الحنطة - وإن كانت أفضل ، هذا معنى قوله في كتاب ابن المواز : فلما ذكرت له الأحاديث أنكرها ، والحديث الذي أنكره وتسم تضعيفاً لروايته ، هو ما رواه عقيل بن خالد ، وغيره ،

(2/498)


عن هشام بن عروة ( عن أبيه ) ، عن أسماء ، قالت كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدين من حنطة ، أو صاعاً من تمر . وقد روي عن النبي - عليه السلام - من رواية ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ، قال : قال لي النبي ، عليه السلام : "أدوا صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ، أو نصف صاع من بر ، وقال قمح ، عن كل إنسان ، صغير ، أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، غني أو فقير" . فهذه الآثار وما أشبهها ، احتج من ذهب إلى أنه يجزئ مدان من قمح في زكاة الفطر ، واعتلوا في حديث أبي سعيد الخدري كنا نخرج زكاة الفطر - صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير - الحديث - . بأن بعض الرواة لا يذكر فيه الطعام ،وبعضهم يسقط ، أو فيقو صاعاً من طعام ، صاعاً من شعير - تفسيراً للطعام ؛ قالوا وإن صح فيه ذكر الطعام ، فيحتمل أن يكون أدوا صاعاً من قمح - والمفروض عليهم منه مدان . واستدلوا لصحة تأويلهم بما روي عن أبي سعيد الخدري أنه يجزئ

(2/499)


مدان في زكاة الفطر .
وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير ، وكبير ، حر ، وعبد ، صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر ؛ قال فعدله الناس بمدين من الحنطة ؛ وفي بعض الآثار من حديث أبي سعيد الخدري : فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدين من حنطة ، ولم يلتفت مالك إلى شيء من هذا ولا رآه . وقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال لما قال : لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من أقط . فقال له رجل : أو مدين من قمح ، فقال أبو سعيد لا ، تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ولا آخذ بها ، وبالله التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم
من كتاب بع ولا نقصان عليك
قال عيسى : قال ابن القاسم الترمس من القطنية تزكى معها .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه أحفظه في المذهب ، أن الترمس من القطنية يضاف إليها في الزكاة .

(2/500)


ومن كتاب العشور
وسئل مالك عن الإمام يستشير فيذكر له أن ناحية من عمله كثيرة العشور ، قليلة المسكين ؛ وناحية أخرى قليلة العشور ، كثيرة المسكين ؛ فهل له أن يتكارى ببعض ذلك العشر حتى يحمله إلى الناحية الكثيرة المساكين ، القليلة العشر ، فكره ذلك ؛ قال ابن القاسم ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء ، ولكن يبيعه ويشتري بثمنه طعاماً بالموضع الذي يريد قسمته ( ب ) ؛ وذلك إلى اجتهاده بعد المشورة . وقال ابن القاسم أيضاً في غير هذا الكتاب ، ورواه عن مالك أرى أن يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه .
قال محمد بن رشد : أجاز أن يحمل طعام العشور من البلد الذي أخذ فيه - وإن كان في مسكين - إلى بلد آخر - إذا كان المسكين فيه أكثرن خلاف ظاهر قول سحنون في نوازله بعد هذا ، وكره أن يتكارى عليه في حمله منه ؛ وقال ابن القاسم أنه يبيعه ويشتري بثمنه طعاماً بالموضع الذي يريد قسمته به ، ولا يتكارى عله من الفيء ؛ إلا أن يؤدي إلى ذلك اجتهاده بعد المشورة ، وهو معنى مارواه عن مالك أنه يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه ؛ لأن التخيير في ذلك إنما هو بالاجتهاد ، والاجتهاد في ذلك هو أن ينظر إلى ما ينتقصه من الطعام في بيعه هنا ، واشترائه هناك ؛ وإلى ما يتكارى به عليه ، فإن كان يتكارى عليه بأكثر باعه ، وإن كان يتكارى عليه بأقل ، اكترى عليه ؛ وإذا جاز أن يبيعه هنا ويشتري هناك أقل منه ، فما الذي يمنع إذا لم يكن ثم من الفيء ما يتكارى به عليه من أن يكتري منه - إذا رأى ذلك أرشد من بيعه ، وقد أجاز ذلك ابن حبيب ، ورواه مطرف ، وابن وهب عن مالك ؛ ولا وجه في جوازه بين ، وذلك أن الله تعالى جعل للعاملين على الزكوات سهماً منها ، فإذا جاز أن يأخذ العامل على الزكاة من الزكاة بعمالته عليها ، جاز أن يأخذ منها من يوصلها

(2/501)


إلى المساكين الذين تفرق عليهم ؛ لأن ذلك من وجه العمل عليها ، ولأن الله تعالى قال : {وخذ من أموالهم صدقة} - الآية .
فإذا كان الواجب على الإمام أن يأخذ منهم الصدقة في مواضعهم ، ولم يجب على أرباب الأموال حملها إلى موضع المساكين ؛ جاز للإمام أن يكتري على حملها منها - وإن كان عنده من الفيء ما يكتري عليه به ؛ وأما إن لم يكن عنده فيء يكتري منه عليها ، فلا اختلاف في جواز الاكتراء على حملها منها - إن كان ذلك أرشد من بيعا ، وشاء غيرها في الموضع الذي تفرق فيه ؛ فالاختلاف إنما يعود إلى كراهية الكراء عليها منها مع وجود الفيء ، فكره ذلك مالك في قوله الأول ورأى الكراء عليها من الفيء أحسن ؛ وأجاز ذلك ابن القاسم ولم يكرهه ، لأن قوله ولا أرى أن يتكارى عليه من الفيء ، معناه لا أرى ذلك واجباً عليه ، لا أن ذلك لا يجوز له أن يفعل ؛ هذا ما لا يجيز أن يقال ، لأن الفيء يجوز لم تحل له الصدقة ، وسيأتي هذا المعنى في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النذور ، وقد ذكر ابن عبدوس عن مالك من رواية ابن القاسم ، وابن وهب ، أنه لا يعطي من الفطرة من يحرسها ؛ وهو نحو قول مالك هنا في كراهية الكراء على طعام العشور منه ، فتدبر ذلك وقف عليه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الجواب
وسألته عن العبد يكون شريكاً لسيده في الزرع ، فلا يدفعان إلا خمسة أوسق ؛ هل يكون فيه زكاة ، أو يكون خليطاً له في الغنم ، لكل واحد منهما عشرون شاة ، هل عليهما صدقة ؟ قال ابن القاسم : قال مالك ليس عليهما ولا على واحد منهما في ذلك قليل ولا كثير ، لا في الزرع ، ولا في الغنم ؛ قال ابن القاسم وهذا مما لا شك فيه ولا كلام ، واحذر من يقول غير هذا أو يرويه ،فإن ذلك ضلال .
قال محمد بن رشد : من يقول إن العبد لا يملك ، وأن مال العبد

(2/502)


لسيده ، يوجب الزكاة عليه في الزرع والغنم ، وهو مذهب الشافعي ، وأبي حنيفة ؛ وفي المدنية - لابن كنانة نحوه . قال يخرج الزكاة من جميع ذلك ثم يصنع هو مع عبده ما أحب .
ومن كتاب العرية
قال ابن القاسم في رجل باع أرضاً وفيها زرع لم يطب ، فاشترط المشتري الزكاة على البائع قبل أن يطيب الزرع ، أو يكون قد طاب ؛ قال : قال مالك هو على المشتري ولا يجوز أن يشترط الزكاة على البائع قبل أن يطيب الزرع ، فإذا طاب فهي على البائع ، إلا أن يشترطها على المشتري .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة ، أما إذا اشترى الأرض وفيها الزرع لم يطب فاشترطه ، فالبع جائز ، والزكاة عليه ؛ فإن اشترط الزكاة على البائع ، فسد البيع ، لأنه اشترط عليه مجهولاً لا يعلم قدره ولا مبلغه ؛ وأما إذا طاب الزرع فاشترى الأرض بزرعها ،فالزكاة على البائع ، فإن اشترطها البائع على المشتري ، فذلك أجوز للبيع ؛ إذ قد قيل إنه إذا باع جميع الزرع ولم يشترط جزء الزكاة - فسد البيع ، لأنه باع ما ليس له - وهو مذهب الشافعي ، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم .
ومن سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم
من كتاب الصبرة
قال يحيى : وسئل ابن القاسم عن ثمر نخل بيع وفيه خمسة أوسق ، وقد وجبت الزكاة فيها على البائع ، فأصابتها جائحة تنقصها من الخمسة الأوسق التي كانت الزكاة إنما وجبت على البائع من

(2/503)


أجلها ؛ أتوضع الزكاة على رب الثمرة للجائحة التي نقصتها مما يجب الزكاة في مثله ؟ فقال إن بلغ ما أصاب الثمرة من الجائحة الثلث فأكثر حتى يلزم البائع أن يضع ذلك عن المشتري ، سقطت عنه الزكاة بذلك ، لأن الثمرة قد صارت في البيع إلى ما لا يجب فيه الزكاة ؛ وإن كان ما أصاب الثمرة من الجائحة أقل من الثلث ، لم يوضع ذلك عن المشتري ، ولم تسقط الزكاة عن البائع ؛ لأنه قد باع خمسة أوسق تجب فيها الزكاة ،ثم لم يرد من الثمن شيئاً للجائحة ؛ فإذ الم يسقط ثمن الجائحة عنه ، فالزكاة واجبة عليه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن ما أجيح من الثمرة إذا لم يبلغ ذلك الثلث ، فالمصيبة فيه من المبتاع ؛ لأنه تلف على ملكه بعد وجوب الزكاة على البائع ، وما أجيح منها فبلغ الثلث ، فإنما تلف على ملك البائع ، فالمصيبة منه ؛ فوجب أن يعتبر ذلك في النصاب ، وهذا على مذهب من يجيز البيع ويرى الحكم بالجائحة ، وهو قول مالك ، وجميع أصحابه ؛ وأما على مذهب من يجيز البيع ولا يرى لحكم بلا جائحة ، فالزكاة واجبة على البائع - وإن أذهبت الجائحة الثمرة كلها ؛ وأما على مذهب من لا يجيز البيع ، فالجائحة وإن قلت تسقط الزكاة إذا صارت الثمرة بها إلى أقل مما تجب فيه الزكاة ، ويفسخ البيع ، وهو مذهب الشافعي - وبالله تعالى التوفيق .
ومن كتاب
أوله يشتري الدور والمزارع
وسئل عن الرجل يأكل من حائطه بلحاً ، ثم يأتي الخارص ، أيحسب على نفسه فيما يخرص عليه ما أكل بلحاً ؛ فقال ليس ذلك عليه ، وليس هو مثل الفريك يأكله من زرعه ؛ ولا مثل الفول يأكله أخضر ، أو الحمص ، وما أشبه ذلك .

(2/504)


قال محمد بن رشد : أما ما أكل من حائطه بلحاً ، أو من زرعه قبل أن يفرك ؛ فلا اختلاف في أنه لا يحسبه ، لأن الزكاة لم تجب عليه ( بعد ) فيه ؛ إذ لا تجب الزكاة في الزرع حتى يفرك ، ولا في الحائط حتى يزهى ؛ واختلف فيما أكل من ذلك كله أخضر بعد وجوب الزكاة فيه بالإزهاء في الثمار ، أو بالإفراك في الحبوب ؛ على ثلاثة أقوال ، أحدها : قول مالك إنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله ( ويخرج زكاته ، الثاني أنه ليس عليه أن يحصي ذلك ) ولا يخرج زكاته ، وهو قول الليث بن سعد ، ومذهب الشافعي ، لقوله تعالى : {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} . والثالث أنه يجب عليه ذلك في الحبوب ، ولا يجب ذلك عليه في الثمار ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خرصتم فخذوا ودعوا ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع" . وهو قول ابن حبيب إن الخراص يتركون لأصحاب الحوائط قدر ما يأكلون أخضر ويعطون ، وقد روي مثل ذلك عن مال ؛ وهذا إنما يصح على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار إلا بالجذاذ ، وهو قول محمد بن مسلمة ؛ وفائدة الخرص على هذا - إنما هو مخافة أن يكتم منه اشيء بعد اليبس ، أو بعد الجذاذ ؛ فإن خشي ذلك في الزرع ، فقد قال ابن عبد الحكم يوكل الإمام من يتحفظ بذلك ؛ وقيل إنه يخرص إن وجد من يحسن خرصه ، وهو أحسن - والله أعلم . والمغيرة يرى الزكاة تجب في الثمار بالخرص ، ففي ( حد ) وجوب الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال ، أحدها : المشهور في المذهب أنها تجب بالطياب ، والثاني أنها تجب بالجذاذ ، وهو قول محمد بن مسلمة ؛ والثالث أنها تجب بالخرص - وهو قول المغيرة - جعل الخرص فيها كالساعي في المواشي ، فإن مات صاحب الثمرة قبل أن يخرص ، خرصت على الورثة إن كان في حظ كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة .

(2/505)


مسألة
وسئل عن الرجل يبيع الزرع - وقد أفرك ، والفول - وقد امتلأ حبه وهو أخض ؛ أو الحمص ، أو العدس ، أو ما أشبه ذلك ؛ فيتركه مشتريه حتى ييبس ويحصده ، أيجوز بيعه ؟ فقال : إن علم به قبل أن ييبس ، فسخ البيع ؛ وإن لم يعلم به إلا بعد أن ييبس ، مضى البيع ولا يفسخ ؛ وليس هو مثل أن يشتري الثمرة قبل أن تزهي ، لأن النهي جاء في بيع الثمرة قبل أن تزهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختلف العلماء في وقت بيع الزرع ، فقال بعضهم إذا أفرك ، وقال بعضهم حتى ييبس ؛ فأنا أجيز البيع - إذا فات باليبس ، لما جاء فه من الاختلاف ، وأرده - إذا علم به قبل اليبس .
قال محمد بن رشد : قد قيل : إن العقد فيه فوت ، وقيل إن القبض فيه فوت ، وقيل إنه لا يفوت بالقبض حتى يفوت بعده - وهو ظاهر ما في السلم الأول من المدونة ؛ فهي أربعة أقوال ، وهذا إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس ، وكان ذلك العرف فيه ؛ وأما إن لم يشترط تركه ، ولا كان العرف ذلك ؛ فالبيع فيه جائز - وإن تركه مشتريه حتى ييبس ، وقد قيل إن بيع الفول أخضر يشترط أن يتركه المبتاع حتى ييبس جائز ، والقولان قائمان من كتاب الجوائح في المدونة ؛ وأما بيع الحب إذا أفرك على أن يترك حتى ييبس ، فلا اختلاف في المذهب في أن ذلك لا يجوز ابتداء ؛ وإنما يختلف في الحكم فيه - إذا وقع ، والشافعي لا يجيز بيعه - وإن يس - حتى يصفى ؛ لأنه عنده غرر ، ولو بيع قبل أن يفرك - لفسخ - وإن فات بعد القبض - وبالله التوفيق .
من سماع سحنون من ابن القاسم
قال سحنون : وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل نصف ثمرة حائطه قبل أن تطيب ، قال : الزكاة في الحائط ، ثم

(2/506)


يقتسمان ما بقي ، والسقي عليهما . قلت له فإن كان أعطى النصف للمساكين ، قال : إن السقي على رب الحائط .
قال محمد بن رشد : قوله الزكاة في الحائط - يريد إن كان في حظ كل واحد منهما من ثمرته ما تجب فيه الزكاة ، أو كان له ثمر من حائط آخر ما إذا أضافه إليه ، وجبت فيه الزكاة ؛ لأن الثمرة الموهوبة قبل الطياب لمعينين ، مزكاة على ملك الموهوب لهم عند ابن القاسم ، وهو قوله في المدونة ، وغيرها ؛ وقد قيل إنها مزكاة على ملك الواهب ، وهو مذهب سحنون ؛ فصرفنا هذه الرواية بالتأويل إلى المعلوم من مذهب ابن القاسم - وإن كان ظهرها مثل قول سحنون ، وكذلك العرية على المعينين كالصدقة يزكيان على ملك المتصدق ، والمعري ؛ وقيل إنهما يزكيان على ملك المتصدق عليه والمعرى ؛ وقيل إن العرية تزكي على ملك المعرى ، ( والصدقة على ملك المتصدق عليه ؛ وقيل إن زكاة العرية تؤخذ من مال المعرى ، لا من ثمرة المعرى ؛ ففي العرية - على هذا قولان ، أحدهما أنها على المعرى في ماله ، والثاني أنها لا تجب إلا في ثمرة العرية ؛ فإذا قلت إنها تجب في ثمرة العرية ، فهل تؤخذ منها على ملك المعري ) ، أو على ملك المعرى ؛ في ذلك قولان ، فهذا تحصيل القول في هذا ؛ وأما إن كان أعطى النصف للمساكين ، فلا اختلاف في أنه يزكي على مالك المعطي ، ولا في أن الزكاة تجب فيه إن بلغ جميع ثمر الحائط ما تجب فيه الزكاة أو كان لرب الحائط ثمر سواه - إذا أضافه إليه ، وجبت فيه الزكاة .

(2/507)


نوازل سئل عنها سحنون
قيل لسحنون أرأيت القوم يكونون في الحضر ومزارعهم من الحضارة على البريد ، أو النصف يريد ؛ أيقسم المصدق صدقة زرعهم ومواشيهم في تلك القرى ؟ أم على أهل الحاضرة ؟ فقال : إن كانت تلك القرى مسكونة وفيها فقراء ، فهم أولى بها من غيره ؛ قيل له فما أخذ العامل على أربعة أميال ، أو ثلاثة ؟ فقال يقسم على فقرائهم ، ولا ينقل إلى المدينة .
قال محمد بن رشد : ظاهر هذا ، أنه لا ينبغي أن تنقل الزكاة عن فقراء الموضع الذي أخذت فيه إلى غيره ، وإن كان الفقراء في غير ذلك الموضع أكثر ، خلاف ما مضى في رسم العشور من سماع عيسى .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل وجبت عليه زكاة ماله ، فأخرجها فوضعها في غير قريته - وفي قريته فقراء ؛ هل تجزئه زكاة ؟ قال : لا تجزئه .
قال محمد بن رشد : يريد أنها لا تجزئه في الاختيار والاستحسان ، لا أنه يجب عليه إعادتها فرضاً ؛ بدليل قوله في المسألة التي قبلها وفي المسألة التي بعدها ؛ وكذلك تأول عليه قوله محمد بن اللباد ، وغيره ؛ وقد روى علي بن زياد ، وابن نافع ، عن مالك أن من زرع من أهل الحاضر على عشرة أميال ، فلا بأس أن يحمل من زكاته إلى ضعفاء عنده بالحاضرة ؛ ومثله في كتاب ابن سحنون ، وقال مالك في كتاب ابن المواز في الذي يبعث م زكاته إلى العراق ، أن ذلك واسع ، وأحب إلي أن يؤثر من عنده من أهل الحاجة - إن كانت الحاجة عندهم .

(2/508)


مسألة
وسئل سحنون عن رجل زرع في أرض قريته ثم يحمل زرعه إلى قرية يسكنها غير التي زرع فيهان وكل ذلك في إقليم واحد ، أو في إقليمين ؛ إلى من يدفع زكاته ؟ قال : أحب إلي أن يدفع زكاة كل زرع إلى فقراء أهل كل موضع ينبت فيه الزرع ، إلا أن يكون بين الموضعين قريب ، فتجمع الزكاة في موضعه ، لأنه ملك واحد .
قال محمد بن رشد : هذه المسألة من قول سحنون ، تبين قوله في المسألة التي قبلها ؛ لأن الزكاة ليست لمساكين بأعيانهم ، فتضمن إن دفعت إلى غيرهم ؛ وإنما هو الاختيار والاستحسان في دفعها إلى أول الناس بها بالاجتهاد - وإن كانت هذه أخف من تلك ؛ لأنه إما فرق زكاته في موضع سكناه بخلاف تلك ، وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
من كتاب الزكاة والصيام
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول يؤدي الرجل زكاة الفطر عن خادمين من رقيق امرأته - إذا كان له اشرف وغناء ، وغلا فواحدة ؛ قال أصبغ : ذلك عندي حسن ، كما أن عليه أن ينفق على خادمين لها - إذا كانت بذلك الموضع من القدر والغناء ، والشرف ، والتوسط فيه ؛ لأن مثل هذه لا تكتفي بخدمتها وأمورها - الخادم الواحد ، فإنما ذلك على الأقدار والحالات ، ولو ارتفع قدرها جداً مثل

(2/509)


ابنة السلطان العظيم ، والقدر الكبير ، ومثل بنت الملك ، نحو الهاشميات ، ورأيت أن يزاد في عدد الخدم لبيتها وخدمتها وخدمة ما يقوم مثله من الخدم بخدمتها في بيتها ، وشأن نفسها من الأربع والخمس ، ويلزم الزوج نفقتهم وزكاتهم .
قال محمد بن رشد : نحو هذا لمالك في مختصر ابن شعبان ، وفي المبسوط ، والمبسوطة ، وفي العشرة ليحيى عن ابن القاسم ، أنه ليس على الزوج أن ينفق من خدم زوجته على أكثر من خادم واحد ، ولا يؤدي صدقة الفطر إلا عن التي ينفق عليها ولو ارتفع قدرها ما عسى أن يرتفع ليس عليه أكثر من ذلك ، وهو ظاهر ما في المدونة .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول : يأكل الرجل من زرعه ، ويعطي ويعلف فرسه ودوابه ، ويحسب ذلك في زكاة عشوره ، يتحراه ويحتاط فيه ، وقاله أصبغ ؛ هو عليه ولو قدر قتة قرط أو ربطة يحسبها ، ويخرج عنه العشر .
قال محمد بن رشد : قد تقدم القول على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم ، وفي رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى ، فلا معنى لإعادته .
مسألة
قال ابن القاسم : وسئل عن الاشقالية التي تكون بالأندلس - ووصفت له ، فقال : فيها الزكاة ؛ وقال لا تجمع إلى القمح ، ولا إلى الشعير ، وهي صنف وحدها . قال أصبغ : وسمعت ابن وهب وزياداً فقيه الأندلس يسأله عنها ويصفها له ، فرأى فيها أيضاً الزكاة ؛ قال اصبغ : وذلك رأيي ، وهو يزرع بالأندلس تكون في أكمام كالزرع ،

(2/510)


وتكون علوفة البقر ؛ وربما احتيج إليها طعاماً -إذا أجهدوا ، وهي حبة مستطيلة مصوفة في طول الشعير - وليس على خلقته ؛ وهي إلى خلقة السلت ، وإلى القمح في خلقه أقرب ، وليس من القمح ، ولا الشعير ، وهو صنف كالذرة وغيرها من حبوب الزكاة .
قال محمد بن رشد : قول أصبغ في الاشقالية : إنها ليست من القمح ولا الشعير ، وأنها صنف كالذرة وغيرها ؛ وهو مثل قول ابن القاسم إنها لا تضم إلى القمح ، ولا إلى الشعير ؛ خلاف ما حكى عنه ابن حبيب ، وع جميع أصحاب مالك - إلا ابن القاسم من أنها تضم إىل القمح ، والشعير ، والسلت ، وقال الشافعي - في العلس : إن خرج من أكمامه اعتبر فيه خمسة أوسق ، وغن لم يخرج من أكمامه ، فإذا بلغ عشرة أوسق ، أخذت صدقته ؛ لأنه حينئذ يكون خمسة أوسق ، ولا يضم إلى غيره من الحبوب على أصله من أنه لا يضم من الحبوب إلى غيره ما انفرد باسم دونه ، وخالفه في الخلقة ، والطعم ، وتجب الزكاة عند مالك في جميع الحبوب ، والقطاني التي تدخر للاقتيات ؛ وقول الشافعي نحوه ، قال : ما كان منها يدخر ويقتات مأكولاً ، أو خبراً ، أو سويقاً ، أو طحيناً ؛ وقال الليث : كل ما يختبز ، فيه الصدقة ؛ وقال الأوزاعي مرة مثل قول مالك ، ومرة لا تجب الزكاة من الحبوب إلا في القمح ، والشعير ، والسلت - والله أعلم بالصواب .
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر
من ابن القاسم
قال أبو زيد : وقال ابن القاسم : في الرجل يكون عليه زكاة حب فيخرج عيناً ، قال : أرجو أن تجزئ عنه ؛ قيل له فرجل

(2/511)


وجب عليه عين فأخرج حباً ؟ قال :يعيد . قيل له : فإن أخرج في زكاة الفطر عيناً ؟ قال : يعيد . قيل له فإن أخرج في زكاة الفطر عدساً ، أو حمصاً - وذلك عيش أهل تلك البلدة ؟ قال : هذا لا يكون ، ولو كان ذلك عيشهم ، رجوت أن يجزئ عنهم .
قال محمد بن رشد : وجه تفرقة ابن القاسم بين أن يخرج عن العين حباً ، أو عن الحب عيناً ؛ هو أن العين أعم نفعاً ، لأنه يقدر أن يشتري به ما شاء من جميع الأشياء ، والحب قد يتعذر عليه أن يشتري به شيئاً آخر حتى يبيعه بعين فيعني من ذلك ولعله يبخس فيه ؛ وقال ابن حبيب إنه لا يجزيه في الوجهين - جميعاً ، إلا أن يجب عليه عين فيخرج حباً - إرادة الرفق بالمسكين عند الحاجة الناس إلى الطعام - إذا كان عزيزاً غير موجود ؛ وقال ابن أبي حازم ، وابن دينار ، وابن وهب ، وأصبغ : لا أحب له أن يفعل ذلك أبداً ، فإن فعل وكان فيه وفاء لما كان وجب - أي ذلك كان - أجزاه ؛ وهذا القول أظهر الأقوال ؛ ووجه الكراهية في أن يخرج خلاف ما كان عليه ، وإن كان فيه وفاء بما عليه ، ما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة ، لأنه قد اشترى الصدقة التي كانت عليه بما دفع فيها ، وليس ذلك بحقيقة الرجوع فيها ، إذ لم يدفعها بعد ؛ وأيضاً فإن الحديث إنما جاء في صدقة التطوع ، وقد روي إجازة ذلك عن جماعة من السلف ، منهم : عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعمر بن عبد العزيز ، وأبو الزناد ؛ ووجه تفرقة ابن القاسم بين أن يخرج العين عن الحب ، أو عن زكاة الفطر ؛ هو أن زكاة الفطر قد جاءت السنة بتسمية ما يخرج منه ، فلا يتعدى ما جاءت به السنة في ذلك ؛ وقد مضى في رسم حلف من سماع ابن القاسم - القول فيما تؤدي منه زكاة الفطر ، فلا معنى لإعادته .

(2/512)


مسألة
وسئل عن نصراني أسلم ، أو عبد أعتق ، أو مكاتب أدى كتابته وقد أزهى ثمره ، أو استحصد زرعه ؛ متى تب عليهم الزكاة ؟ قال ابن القاسم : إذا أسلم النصراني ، أو أعتق العبد ، أو أدى المكاتب كتابته قبل حلول بيع الثمار ؛ فعليهم الزكاة ؛ وإن كان بعد حلول بيع الثمار ، فلا زكاة عليهم فيه ، وهو بمنزلة الورثة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأن النصراني ، والعبد ، ليسا من أهل الزكاة ، فلا زكاة عليهما ؛ إلا أن تبلغ الثمرة أو الزرع - حد وجوب الزكاة فيهما - وهما من ( أهل ) الزكاة ؛ وهذا ما لا اختلاف فيه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب المدنيين
مسألة
وسئل ابن كنانة عن الاشقالية - وفسر له أمرهما ومنفعتها - هل تجتمع في الزكاة مع القمح والشعير ، أو هل فيهما زكاة ؟ فقال : نعم ، هذا صنف من لحنطة ، يقال له العلس يكون باليمين - وهو يجمع مع الحنطة في الزكاة وفيها الزكاة ؛ قال ابن القاسم : فيها الزكاة ، ولا تجمع إلى القمح ، ولا إلى الشعير .
قال محمد بن رشد : قد روي عن مطرف أنه لا زكاة فيها ، وقد مضى بقية القول في هذا في سماع أصبغ ، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .

(2/513)