البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب النذور الثاني
من سماع عيسى من كتاب أوله سلف ديناراً
مسألة
وقال في رجل حلف ألا يكلم فلاناً فأشار إليه بالسلام أو غيره ، فقال ما أرى الإشارة كلاماً وأحب إلي ترك ذلك وكأنه لا يرى عليه حنثاً إن فعل .
قال محمد بن أحمد : مثل هذا في المجموعة لابن القاسم وهو ظاهر ما في كتاب الإيلاء من المدونة وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق ، وقال ابن الماجشون إنه حانث واحتج بقوله عز وجل : { قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً } . فجعل الرمز كلاماً لأنه استثناه من الكلام وليس ذلك بحجة قاطعة لاحتمال أن يكون الاستثناء في الآية منفصلاً غير متصل مقدراً بلكن ، مثل قوله عز وجل : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ }ن ومثل قوله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة } ، ومثل هذا كثير ، ومثل قول ابن الماجشون لأصبغ في سماعه

(3/187)


بعد هذا من هذا الكتاب ، وجه القول الأول أن الكلام عند الناس فيما يعرفون إنما هو الإفهام بالنطق واللسان ، فيحمل يمين الحالف على ذلك إذا عرت من نية أو بساط يدل على ما سواه ، ووجه القول الثاني أن حقيقة الكلام والقول هو المعنى القائم في النفس ، قال عز وجل : { ويقولون في أنفسهم } ، الآية ، وقال عز وجل : { أسروا قولكم } ، الآية ، فإذا أفهم الرجل الرجل ما في نفسه بلفظ أو إشارة فقد كلمه حقيقة لأنه أفهمه ما في نفسه من كلامه بداية دون واسطة من رسول أو كتاب والقول الأول أظهر لأن التكليم وإن كان يقع على ما سوى الإفهام باللسان فقد يعرف بالإفهام بالنطق باللسان دون ما سواه فوجب أن يحمل الكلام على ذلك وألا يحنث الحالف على ترك تكليم الرجل بما سواه إلا أن ينوبه ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل حلف في دابة ألا يبيعها حتى تأكل الربيع فأكلته يوماً أو يومين . قال إن كان نوى شيئاً فهو ما نوى وإن لم تكن له نية فإذا أكلته يوماً أو يومين فقد بر ولا شيء عليه . قبل له أرأيت إن كان أراد وجه السمن فلم تسمن ألذلك حد ؟ قال : إلى ما يسمن في مثله .
قال محمد بن أحمد : قال إنه إذا لم تكن له نية فأكلته يوماً أو يومين فقد بر ، وإن أراد السمن ، في ذلك ما يسمن إلى مثله ، وسكت عن البساط فلم يقل إن كان ليمينه بساط يدل على السمن حملت يمينه عليه فالظاهر من قوله أنه لمي راعه مثل ما في سماع سحنون لمالك وابن القاسم ، والمشهور في المذهب مراعاته وأن يحمل يمينه عليه وإن لم يكن نواه كما لو نواه ، وبالله التوفيق .

(3/188)


مسألة
وقال في رجل حلف ألا يشرب الخمر بعينها فشرب الطلا أنه إن كان لم يبلغ حداً يسكر وكان كثيره يسكر فهو حانث ، لأن الطلا أبدأ خمر حتى يطبخ طبخاً لا يسكر ، وأما غيرها من الأشربة مثل النبيذ والاسكركة - كذا - فهو حانث إذا شرب منها شيئاً يسكر إلا أن ينوي الخمر بعينها ، فإن كانت تلك نيته وأتى مستفتياً فلا أرى عليه شيئاً ، وإن شهد عليه وقد شرب رأيت أن لا ينوي .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على أصل مذهب مالك في أن كل ما أسكر كثيره من الأنبذة والأشربة فهو خمر ، فالحالف على ألا يشرب الخمر بعينها حالف عنده ألا يشرب مسكراً من جميع الأشربة لأن كل مسكر فهو عنده خمر بعينه ، وقوله إلا أن ينوي الخمر بعينها فتكون له نيته إذا لم تكن عليه بينة وأتى مستفتياً معناه إلا أن ينوي الخمر بعينها عند أهل العراق والذين يقولون إنما الخمر من العنب خاصة أو من العنب والتمر خاصة أو من التمر والعنب ونقيع الزبيب خاصة على اختلاف بينهم في ذلك ، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود ورسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق أنه ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه مراعاة لقول من يقول إن الخمر من هذه الأشياء ، وذهب محمد بن المواز أنه لا ينوي وإن أتى مستفتياً ، قال ولو نفعته النية لنفعه قوله الخمر بعينها ، لأن القول أقوى من النية وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال إنه لا نية له في أن يقول إنما أردت العنب وحكاه عن مالك أيضاً ابن أبي جعفر الذعاطي عن ابن القاسم عن مالك ، وذلك خارج عن أصولهم فيمن حلف ألا يكلم فلاناً فقال أردت شهراً أو حلف ألا يلبس ثوباً فقال أردت ثوب وشيء انه ينوي في ذلك إن أتى مستفتياً .

(3/189)


مسألة
وقال فيمن حلف ألا يشتري لامرأته شيئاً فاشترى لنفسه شيئاً فسألته امرأته أن يوليها إياه ، فقال سمعت مالكاً يستثقل أن يوليها ، قال ابن القاسم فإن فعل لم أر عليه حنثاً لأن التولية ها هنا بيع إلا أن يكون ذلك عند مواجبة البيع وبحضرة البيع الأول فأراه حانثاً لأن تباعته ها هنا على البائع الأول وكونه حينئذ اشترى لها ، وكذلك سمعت مالكاً يقول في التباعة .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا .
مسألة
قال : ومن حلف ألا يكلم رجلاً إلا ناسياً فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فهو حانث ، ومن حلف بطلاق امرأته البتة إن كلم فلاناً إلا أن لا يعرفه فكلمه وهو يعرفه ناسياً ليمينه حنث .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال لأن يمين الرجل ألا يكلم رجلاً ظاهره العموم في الزمان والمكان والعمد والنسيان والمعرفة بالمحلوف عليه والجهل به ، فوجب أن يحمل يمينه على ما يقتضيه عموم لفظه ولا مخرج من ذلك إلا استثناه من النسيان أو الجهل خاصة .
مسألة
قال ابن القاسم في الرجل يحلف للرجل ليرضينه من حقه إما أن يحيله وإما أن يرهنه أو يقضيه ب عضه أو يعطيه به حميلاً فذلك له مخرج حقه كله ، وأما إن أنظره فليس ذلك رضى ، إنما يصير

(3/190)


صاحب الحق هو أرضى الحالف ولم يرض الحالف صاحب الحق ليس من يحلف على الرضى يريد أن ينظره ولم يتعلق به لينظره وأراه حانثاً إذا أنظره .
قال محمد بن أحمد : إنما يبر بالحوالة والحمالة والرهن وقضائه إياه بعض الحق بشرطين أحدهما أن يرضى بذلك الذي له الحق ، والثاني أن يكون المحال عليه ملياً أو الحميل فيه ثقة للمتحمل له والرهن فيه كفاف بجميع الحق أو بالثلث فما فوقه والذي قضاه من الحق الثلث فما فوقه ، فإن عدم الشرطان جميعاً حنث الحالف ، وإن عدم الأول ووجد الثاني حنث الحالف إلا أن يدعي أنه نوى ذلك وأراده فينوى فيه إن أتى مستفتياً ، وإن وجد الشرط الأول وعدم الثاني فلا يبر الحالف إلا على مذهب من يرى أنه يبر إذا أنظره صاحب الحق وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه وأحد قولي ابن القاسم ، حكى ابن حبيب أن قوله اختلف في ذلك لا أنه إذا أحاله على مفلس أو أعطاه حميلاً لا ثقة له فيهن وإن قضاه من حقه ما لا بال له أو رهنه رهناً لا قدر له فصاحب الحق هو الذي أرضى الحالف الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في الذي يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائماً ثم يأكل ناسياً لا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الصيام وفي سماع عيسى وأبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق ورأيت لابن دحون فيها أنها مسألة حائلة والحنث يلزمه فيها على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو حلف أن يفعل شيئاً فنسي فعله حتى فات وليس ذلك على ما قاله بل هي مسألة صحيحة لأن الأكل ناسياً لا يخرج الحالف عن أن يكون

(3/191)


صائماً ولا يبطل به أجر صيامه ، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا قضاء على من أكل في رمضان ناسياً ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي سأله عن ذلك أتم صومك ولا شيء عليك الله أطعمك وسقاك ، فأكله ناسياً في ذلك اليوم بخلاف ما لو أصبح ناسياً مفطراً ، هذا يلزمه الحنث على أصولهم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار
إلى رأس الحول لدار يسكنها فامرأتي طالق
مسألة
وسئل عن رجل قال : علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به ، قال عليه كفارة يمين .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال لأن من نذر نذراً لم يجعل له مخرجاً كفارته كفارة يمين ، روي ذلك عن النبي ، عليه السلام ، من رواية عقبة بن عامر الجهني فالوفاء به هو كفارة يمين كما لو جعل له مخرجاً كان ما سماه هو الوفاء به ، وهذا بين ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن امرأة حلفت بثلاثين نذراً مشياً إلى بيت الله فحنثت ، فأرادت أن تخرج تمشي وأراد زوجها حبسها ، قال ابن القاسم ليس لها أن تخرج ولزوجها أن يمنعها من ذلك .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأنه إذا كان من حقه أن يمنعها من الخروج متطوعة كان له أن يمنعها من الخروج إذا نذرت ذلك لأنها متعدية عليه في أن نذرت ما ليس لها أن تفعله إلا بإذنه لتسقط بذلك حقه في منعها ، والدليل على أن من حقه أن يمنعها ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ، إذ لو لم يكن ذلك من حقه لما ندبه إلى فعله ولقال ليس لكم

(3/192)


أن تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ألا ترى أنك تقول لا تؤدب ابنك على ما جناه إذ له أن يؤدبه على جنايته ، ولا تقول لا تؤدب أباك على جنايته إذ ليس له أن يؤدبه على ذلك وإنما تقول ليس لك أن تؤدب أباك على جنايته وهذا بين .
مسألة
وسئل عن رجل حلف على كراء له في منزله ألا يكريه له إلا بثمانية دنانير ، فأراد أن يكريه نصف ذلك بأربعة دنانير هل ترى عليه حنثاً ، قال لا حنث عليه ، قيل له فإن أكراه النصف بأدنى من أربعة دنانير قال يحنث .
قال محمد بن أحمد : لا اختلاف في أنه لا حنث عليه إذا أكراه النصف بأربعة دنانير فأكثر ، وأنه يحنث إذا أكراه النصف ابتداء بأقل من أربعة دنانير وإنما اختلف إذا أكرى النصف الثاني بتمام الثمانية وهو أقل من أربعة ، فقال ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا إنه حانث وفي الواضحة أنه لا حنث عليه وهو الأصح في النظر لأنه قد استوفى في الكل ما حلف عليه .
مسألة
وسألت ابن القاسم عن رجل كان له على رجل دينار فأراد أن يقضيه دراهم فحلف عليه ألا يأخذ منه دراهم فأحال رجلاً بالدينار فتقاضى منه فيه دراهم هل عليه حنث ؟ قال لا حنث عليه .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال ، لأنه إنما حلف ألا يأخذ منه دراهم فوجب ألا يكون عليه فيه حنث إذا أخذ غيره فيه دراهم من المحال عليه ، ولو حلف ألا يأخذ في ديناره دراهم ولم يقل منه لوجب أن يحنث إن أخذ فيه دراهم من المحال عليه أو غيره ، لأن يمين الحالف محمولة على مقتضى لفظه إذا عريت من نية تخالف اللفظ ، وقد قيل إنما تحمل على

(3/193)


مقتضى اللفظ إذا عريت عن النية وعن البساط ، وقد مضى هذا المعنى في رسم سلف قبل هذا وفي غيره من المواضع ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار
مسألة
قال : وسئل عن الرجل يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمانية عشر ديناراً بحبتين حبتين فيبيعها بتسعة عشر ديناراً بخروبة خروبة وهي أكثر في الوزن إذا جمعت مما حلف عليه ، فقال إن كان إنما حلف على الزيادة فلا شيء عليه وإن كان إنما حلف على الدنانير بأعيانها ألا يأخذها إلا بحبتين حبتين فهو حانث وإن لم تكن له نية فهو حانث .
قال محمد بن أحمد : معنى قوله بحبتين حبتين أي ينقصان حبتين حبتين من كل دينار ، وكذلك معنى قوله بخروبة خروبة أي ينقصان خروبة خروبة من كل دينار والخروبة ثلاث حبات ، ولا شك أن تسعة عشر ديناراً ينقص كل دينار منها خروبة أكثر في الوزن من ثمانية عشر ديناراً ينقص كل دينار منها حبتان ، فإن كان ألا أرد بيع سلعته بأقل مما حلف عليه فلا حنث عليه لأنه إنما باع بأكثر ، وإن كان أراد بيع سلعته بمثاقيل لا ينقص كل مثقال منها أكثر من حبتين فهو حانث لأنه قد باع بغير ما حلف عليه ، وإن لم تكن له نية فهو حانث أيضاً لأن يمين الحالف إذا لم تكن له نية محمولة على مقتضى لفظه ، وقيل إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط ، وقد مضى هذا المعنى في رسم سلف وغيره .

(3/194)


مسألة
وسئل عمن حلف ألا يسلف أحداً شيئاً فاشترى سلعة فوجد عيباً فأراد ردها فقال له البائع أخرني بالثمن وأنا أقبل سلعتي ، قال له : لا يفعل فإن فعل حنث .
قال محمد بن أحمد : قول ابن القاسم إنه يحنث إن أخره بالثمن على أن يقبل منه السلعة ويصدقه فيما يدعي من العيب فيسقط عنه بذلك ما يلزمه من الإثبات أو اليمين الصحيح على أصله في أن ذلك جائز لأنه قد وجب له رد السلعة وأخذ الثمن معجلاً فتأخيره به معروف منه صنعه به ، فوجب أن يحنث بذلك لأنه في معنى السلف سواء ، وإن كان ذلك لا يسمى سلفاً وإنما يسمى ، إنظاراً ، قال صلى الله عليه وسلم : "من أنظر معسراً فله بكل يوم صدقة أو بكل يوم مثله صدقة" على ما روي عنه من ذلك ولم يقل من السلف معسراً إذ لا يسمى سلفاً إلا ما دفع عن ظهر يد ، فلو ادعى الحالف أنه أراد بيمينه ألا يسلف أحداً سلفاً عن ظهر يد لوجب أن ينوي وإن حضرته بينة فيما يقضي به عليه ، ويأتي في هذه المسالة على القول بأنه لا يجوز أن يؤخره بالثمن على أن يقبل منه السلعة أنه لا يحنث بذلك إن فعله ، لأنه ليس بسلف عن ظهر يد ولا في معنى السلف إذ لم يؤخره بالثمن إرادة الرفق به وإنما أخره عنه لما أسقط عنه مما كان يلزمه إياه بالحكم من إثبات العيب أو اليمين ، فأشبه المبايعة وخرج عن حكم السلف ، وهذا على ما في رسم البدع من سماع أشهب من كتاب المديان على ما يدل عليه قول مالك في كتاب الصلح من المدونة خلاف قول ابن القاسم فيه ، وهو أظهر لان إثبات العيب أو اليمين ليس بلازم له في باطن الأمر وتكليف البائع إياه ذلك لا يحل له إن كان عالماً بصدق ما يدعي ، وسيأتي في رسم من باع شاة مسألة من حلف ألا يسلف رجلاً فأنظره بحق كان له عليه .

(3/195)


مسألة
وسئل عن رجل حضرته الوفاة فأوصى إلى ابنه أن يمشي عنه لنذر كان عليه وابنه صرورة ، فخرج ماشياً عن أبيه وهو ينوي بحجه حجة الإسلام وحجة نذر أبيه ، فقال : قال مالك : الحجة جائزة عنه لحجة الإسلام ، وليس المشي عن أبيه بشيء لأنه لا يمشي أحد عن أحد .
قال محمد بن أحمد : قد مضى القول في هذه المسألة في كتاب الحج في رسم تسلف ، وفي رسم باع غلاماً ، ورسم ليرفعن أمراً إلى السلطان من سماع ابن القاسم وفي سماع سحنون منه أيضاً ، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك لاكتفاء من أراد الوقوف عليه بما هنالك إن شاء الله وبه التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف على غريم له أن لا يؤخره فيريد أن يتحول بالحق على غيره من أهل الملا قال إن فعلت فهو حانث .
قال محمد بن أحمد : حنثه في هذه المسألة بما ظهر إليه من معنى أنه أراد أن لا يؤخره وأن يأخذه منه حقه منه فحنثه بالإحالة إن لم يأخذ حقه منه ولو حمل يمينه على ما يقضيه لفظه كما فعل في أول مسألة من هذا الرسم وفي آخر مسألة من الرسم الذي قبله لما حنثه إذ لم يؤخره إلا أن ينوي أن يأخذ حقه منه فذلك العارض من قوله فقف عليه وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل جاء إلى صناع ليصنع له شيئاً في بيته فقال الصناع إني لأستحيي أن آخذ في هذا شيئاً ، فقال الذي جاء : عليه

(3/196)


المشي إلى بيت الله إن لم يعطه ، فجاء إلى منزله فإذا بصناع آخر يصنع ذلك الشيء أو أدخله هو بعد أن جاء وانصرف هذا المحلوف ، قال : إن كان هو الذي أبى أن يعمل ورجع من غير أن يرده عن ذلك العمل فلا حنث عليه ، وغن كان الذي جاء به هو رده ولم يتركه يعمل فليعطه وإلا حنث ، قال ابن القاسم إن كانت له نية في الذي أدخل مثل أن يقول إنما أردت إن لم يكن له عمل فكانت تلك نيته فلا أرى عليه شيئا ، وإن لم تكن له نية رأيته حانثاً إن لم يعطه .
قال محمد بن أحمد : المعنى في هذه المسألة بين لأن وجه يمينه أن يعطيه إن مضى وعمل ، فإذا أبى أن يعمل لم يكن له عليه حنث إن لم يعطه ، وإذا منعه هو من العمل وجب أن يعطيه وإلا حنث لأنه كان يعمل لولا منعه هو إياه عن العمل ، فكأنه قد عمل إذ هو مغلوب على ترك العمل إلا أن يكون أراد ألا يعطيه إن لم يكن له عمل ، وإن منعه هو عن العمل فتكون له نيته ولا يكون عليه حنث إذا منعه عن العمل ولم يعطه ، هذا معنى قوله وهو صحيح إن شاء الله .
ومن كتاب العشور
مسالة
وقال في رجل اشترى عبداً من رجل بعشرة دنانير ووجب البيع بينهما وللمشتري على البائع دينار فدفع إليه المشتري تسعة دنانير ، وقال لي عليك دينار فهذه عشرة دنانير ، فقال البائع علي المشي إلى بيت الله إن قاصصتك به ، وقال الآخر هو حر في العبد إن أخذته منك إلا مقاصة ، قال ابن القاسم إن اختصما حنث

(3/197)


أحدهما وقضي عليه وهو البائع الذي عليه المشي إلى الكعبة ، وإن تتاركا البيع جميعاً برضى منهما وإن لم يختصما فلا حانث على واحد منهما .
قال محمد بن أحمد : قد اختلف فيمن حلف ألا يفعل فعلاً فقضى عليه السلطان به ، فقيل إنه يحنث وهو قول مالك في آخر سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق ودليل ما في كتاب التخيير والتمليك من المدونة وقول ابن القاسم في الواضحة وعليه يأتي قوله في هذه المسألة ، وقال ابن الماجشون : لا حنث عليه إلا أن يريد ولا بسلطان أوي حلف بحضرة السلطان فيتبين أنه أراد مغالبته ، وأما قوله إنه يقضي على البائع بالمقاصة فهو على المشهور في المذهب من وجوب الحكم بها ، وقد روي زياد عن مالك أنه لا يحكم بها ومثله في كتاب الصرف من المدونة خلاف ما في كتاب النكاح الثاني والسلم الثاني والوكالات منها ، وقد اختلف على القول بوجوب المقاصة إذا اشترى منه على ألا يقاصه ، فقيل الشرط باطل ويحكم عليه بالمقاصة وهو قول مالك في سماع أشهب من كتاب المديان ، وقيل الشرط عامل وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدنية ، وقد تأولت مسألة كتاب الصرف من المدونة على هذا لأن الصرف لما كان على المتاجرة فكأنها شرطاً ترك المقاصة ، وتعليله يرد هذا التأويل فيها ، وقيل إن البيع فاسد إذا كان الدين حالاً لأنه إذا شرط ترك المقاصة فكأنه شرط أن يؤخره بالدين فيدخله البيع والسلف ، روي ذلك عن ابن القاسم وقال أصبغ هو خفيف إذا لم يضرب للدين أجلاً لم يشترط أن يقضيه ذلك اليوم ، وبالله التوفيق .

(3/198)


ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته
مسألة
وسئل عن رجل تعلق به غريمه فلط به وسأله حميلاً أن يوافيه دار القاضي فقال الحلال عليه حرام إن غبت عن دار القاضي حتى أعطيك حقك أو يفصل بيننا القاضي ، قال فاختلف أبداً كل يوم إلى دار القاضي في حين يختلف الناس إلا أن توفيه حقه فلا يكون عليك شيء ، قال فإن وضع عني ؟ قال إن وضع عنك حنث ، قيل له : فغن غاب الذي له الحق ؟ قال : احضر أنتن فإن غاب ليس عليك شيء .
قال محمد بن أحمد : قوله في الذي يحلف ألا يغيب عن دار القاضي إنه ليس عليه ألا يغيب عن دار القاضي أبداً وإنما عليه ألا يغيب عنه في حين اختلاف الناس إليه ، نحوه في سماع أصبغ ، وهو صحيح ، لأن الأيمان إنما تحمل على ما يعرف من مقاصد الناس بها ولا تحمل على مقتضى ألفاظها إذا تبين أن المقصد خلافها ، فقد يكون المقصد متيقناً معلوماً فلا يختلف في وجوب الاعتبار به كنحو هذه المسألة ، إذ قد علم أن الحالف لم يرد أن يلازم دار القاضي ليلاً ونهاراً إذ قد علم أنه لابد له من مفارقته لما لابد له من حاجة الإنسان والوضوء والصلاة فيحمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يفارق دار القاضي في الأحايين التي يقضي فيها بين الناس وينتفع المحلوف له بموافاته إياه فيها ، وثمل هذا أن يذكر رجل بقلة الجماع فيحلف إذا بلغه ذلك أنه لا ينزل عن بطن امرأته وما أشبه ذلك كثير ، والأصل فيه قائم من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ، عليه السلام ، قال عز وجل : { فاعبدوا ما شئتم من

(3/199)


دونه } ، وقال : { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } ، وقال : { إنك لأنت الحليم الرشيد } ، فهم من هذا كله ضد ظاهر لفظه ، وقال صلى الله عليه وسلم : أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه يفهم من ذلك وصفه بكثرة وقوع الضرب منه ، وقد يكون المقصد مظنوناً فيختلف في وجوب الاعتبار به ، كمن حلف ألا يأكل بيضاً فأكل بيض السمك أو حلف ألا يدخل بيتاً فدخل المسجد وما أشبه ذلك ، وأما قوله إن وضع عنه حنث فصحيح على ما في المدونة وغيرها من أن من حلف ليقضين حقه لا تخرجه الهبة والصدقة من يمينه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب النسمة
مسألة
وسئل عن رجل حلف من أهل البادية لا يجاور رجلاً أسماه ، فكم ترى له أن يتباعد عنه حتى لا يكون له جاراً ؟ قال : يخرج من تلك البادية إلى بادية أخرى إلا أن يكون نوى شيئاً فيحمل بما أنواه ، قال ابن القاسم يذهب عنه في مثل ما يكون من تباعد أهل البادية حتى لا يكونا جارين .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال إنه إذا لم يكن له نية فيبعد عنه إلى أن يفارق المعنى الذي حلف من أجله ، فإن كان معه في قرية واحدة خرج عنه إلى قرية أخرى ، وإن لم يكن معه في قرية واحدة أبعد عنه إلى حيث لا يجتمع معه في مسقى ولا محطب ولا مسرح ، وكذلك إن حلف

(3/200)


الرجل ألا يجاور رجلاً وهو معه ساكن في ربض واحد انتقل عنه إلى ربض آخر حيث لا يجتمعان للصلاة في مسجد واحد ، وإن لم يكن معه في ربض واحد ولا حيث يجمعهما مسجد واحد فلا يبر إلا بالخروج عن المدينة كلها ، لأن أهل المدينة الواحدة متجاورون . قال عز وجل : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } ، إلى قوله : { لا يجاورونك فيها إلا قليلاً } .
مسألة
وقال ابن القاسم في رجل قال لرجل والله لا أكلمك غداً والله لا أكلمك بعد غد ، قال : عليه كفارتان إن كلمه غداً وبعد غد ، وإن كلمه غداً وكف عنه بعد غد فكفارة واحدة ، وإن كف عنه غدا وكلمه بعد غد فكفارة واحدة .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال لأن تكليمه في غد غير تكليمه في بعد غد فهو كالحالف على فعلين مختلفين بيمين على كل واحد منهما يجب عليه في فعلهما جميعاً كفارتان ، وفي فعل أحدهما دون الآخر كفارة ، بخلاف إذا جمعهما جميعاً في يمين واحدة وهذا ما لا أعرف فيه اختلافاً .
مسألة
وقال مالك : إذا قال رجل لرجل والله لا أبيعك ثوبي أنت ثم قال لآخر والله لا أبيعكما فباعهما جميعاً فقال مالك عليه كفارة إن باع أحدهما وإن باعهما جميعاً كفارتان .
قال محمد بن أحمد : هذه مسألة صحيحة وقياسها قياس الذي قبلها لأنه أفرد أحد الرجلين باليمين عليه أن لا يبيع منه ، ثم جمعه مع غيره في يمين أخرى فصار حالفاً على أحدهما ألا يبيع منه بيمين واحدة وعلى الثاني

(3/201)


ألا يبيع منه بيمينين ، فإن باعهما جميعاً وجب كفارتان إذ ليس في اليمين المؤكدة إلا كفارة واحدة ، وكذلك إن باع أحدهما لم يجب عليه إلا كفارة واحدة كان الذي حلف عليه يميناً واحدة أو الذي حلف عليه يمينين إذ لا يجب في اليمين المؤكدة بتكرار اليمين إلا كفارة واحدة وبالله التوفيق .
ومن كتاب الرهون
وعن رجل حلف ليقضين غريمه حقه إلى شهر إلا أن يؤخره ، فأراد أن يؤخره ، قال إن أراد أن يؤخره فليشهد على ذلك ليلا ينازع بعد ذلك فيقول لم أؤخره ولا يجد على ذلك بينة أنه آخره .
قال محمد بن أحمد : إنما يجب عليه أن يشهد إذا كانت يمينه بطلاق أو عتاق أو ما أشبه ذلك مما يقضي به عليه ، لأنه إن لم يشهد على تأخيره إياه فحل الشهر ولم يقضه قضي عليه بالعتق أو الطلاق ولم يصدق فيما يدعيه من تأخيره إياهن ولو كانت بما لا يقضي به عليه لم يحتج إلى إشهاد لأن ذلك فيما بينه وبين الله فهو موكول إلى أمانته .
مسألة
وعن رجلين إبني رجل اسم أحدهما عبد الله بن عمر والآخر سعيد بن عمر ، فسال عبد الله بن عمر رجلاً يطلب له إلى بعض الناس حاجة واستكتمه عبد الله بن عمر ذلك ، فلعل ، فعلم به رجل آخر وقال : أطلبت لابن عمر إلى فلان ؟ فقال إمرأته طالق البتة إن كنت طلبت لابن عمر إلى فلان ، يريد بقوله ذلك سعيد بن عمر وقد كان طلب لعبد الله بن عمر ، فجاء الرجل مستفتياً يستهل بذلك وعليه شهود شهدوا عليه أنك أخبرتنا أنك مشيت مع ابن عمر قبل أن تحلف في حاجته ، فقال الرجل إنما مشيت مع ابن عمر في

(3/202)


حاجة أريد بذلك عبد الله بن عمر ومعه مشيت ، وإنما كانت يميني بالطلاق أني لم أمشم عن ابن عمر أريد بذلك سعيد بن عمر ، فقال أرى أن يدين في ذلك ويجعل إلى نيته ، وأرجو ألا يكون هذا بالحنث وأراه بمنزلة رجل من الناس ليس بأخيه ليس بإبني رجل واحد هذا رجل من العرب فواطأ اسمه اسم هذا الرجل واسم أبيه ، وذلك الذي نوى حين حلف وخرجت يمينه على علم منه بما حلف عليه فإني أرى أن يدين في ذلك ويستحلف كانت عليه بينة أو لم تكن .
قال محمد بن أحمد : قوله كانت عليه بينة أو لم تكن معناه إذا طلب باليمين فأقر بها إذ لا تأثير للبينة عليه مع الإقرار ، ولو أنكر أن يكون حلف فلما قامت عليه البينة ، باليمين ادعى النية لم يصدق فيها ولم يقبل منه يمين ، ولو أتى مستفتياً غير مطلوب لصدق فيما زعم أنه نواه دون يمين ، وقال ابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز لا يعجبني قول مالك في هذه ألا يحنث وقد سمعت من مالك فيما يشبهه أنه حانث ، وإن كان قاله فلعله قد رجع عنه ، قال ابن ميسر : الأول أجود وهذا الاختلاف على اختلافهم في يمين المتطوع لغيره باليمين دون أن يستحلفه هل يكون على نيته أو على نية المحلوف له ، فالأكثر على أنها على نية الحالف ، وهو قوله في هذه الرواية ، وقد قيل إنها على نية المحلوف له وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى قبل هذا وفي سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق ، وقول اصبغ في سماعه بعد هذا ، وعلى هذا يأتي ما لابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز في هذه المسألة ، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا المعنى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق .

(3/203)


ومن كتاب الثمرة
مسألة
قال ابن القاسم : إذا استفتح المحلوف عليه في صلاة ففتح عليه الحالف فهو حانث ، قال ابن وهب فتح عليه أو رد عليه السلام في الصلاة فهو حانث لأن الرد ليس من الصلاة وقد كان عبد العزيز يذكر ذلك .
قال محمد بن أحمد : لا اختلاف في أن الحالف يحنث إذا فتح على المحلوف عليه كان معه في صلاة أو لم يكن لأن فتحه عليه ليس من سنة الصلاة وقد نفعه بذلك فهو معنى ما حلف عليه ، ولا في انه لا يحنث بالتسلمة الأولى التي خرج بها من الصلاة كان إماماً والمحلوف عليه وراءه أو مأموماً والمحلوف عليه عن يمينه لأن ذلك من الصلاة فليس من معنى ما حلف عليه . واختلف في رد السلام على الإمام أو على من على يسارهن فقال في المدونة إنه لا يحنث ، وقال ابن وهب وعبد العزيز إنه يحنث ، ومثله في كتاب ابن المواز ، وكذلك اختلف أيضاً هل يحنث الإمام بالتسلمة الثانية إذا كان ممن يسلم التسلمتين والمحلوف عليه من يساره ، ففي كتاب ابن المواز أنه يحنث ، وقال ابن ميسر : إنه لا يحنث ، وكذلك إذا كان مأموماً فسلم على يساره تسليمة ثانية من غير رد والمحلوف عليه عن يساره ، والاختلاف في هذا كله على ما ذكرناه في رسم جاع من الاختلاف في مراعاة المقصد إذا خالف اللفظ وكان مظنوناً غير متيقن وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله يدير ماله
مسألة
قال في من حلف ألا يبيع رجلاً ثوباً أبداً وهو يريد قطع معاملته لنفسه وقطع المنفعة عنه وإرفاقه وينوي إن جاءه

(3/204)


ليشتري لغيره منه فباع منه ابن للحالف صغير في حجره ، قال إن كان هذا الابن قد باع واشترى إلا أنه يستشير أباه كما يستشير غيره وكما استشير أنا وأنت فلا شيء عليه وإن كان لا يشتري ولا يبيع إلا بأبيه ولا ينفذ له بيع ولا شراء إلا بأبيه فهو حانث إن أجاز بيعه ، وقال لي ابن وهب مثله وقال أشهب مثله .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال لأنه إذا أطلقه على البيع والشراء صار في ذلك كمالك لأمر نفسه ولم يكن له أن يرد شيئاً من بيوعاته وأشريته فوجب ألا يحنث بما باع منه بغير أمره ولا علمه إذ لا سبيل له إلى تعقب ذلك ولا رده وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل اشترى سلعة بدنانير إلى أجل وحلف ليقضيه إياها إليه ، فوجد بالسلعة عيباً فأراد ردها ، قال يقضيه الثمن ثم يخاصمه ، قال أصبغ ولو خاصمه قبل أن يقضيه حتى يرد عليه بغير شيء ويسقط موضع القضاء كان حانثاً ثم إن رجع بعد ذلك يعطيه الثمن قبل الأجل لم ينتفع بذلك أيضاً وقد وجب عليه الحنث ، وسألت ابن وهب عن ذلك فقال لي مثله وأحب إلي أن يقضيه ثم يخاصم .
قال محمد بن أحمد : تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق في رسم إن خرجت وفي رسم إن أمكنتني ووجوب الحنث عليه إن لم يقضه الثمن بين إن كانت السلعة قايمة لأنه مخير بين أن يرد السلعة أو يدفع جميع الثمن ، فإن لم يدفعه حنث ، وأما إن فاتت السلعة ووجب له الرجوع بقيمة العيب فيستحب له إن يدفع إليه جميع الثمن ثم يقوم عليه فيأخذ منه قيمة العيب ، فإن لم يفعل يحنث لأن العيب قد كشف أنه

(3/205)


لم يكن عليه جميع الثمن الذي حلف بدفعه ، وقد قيل إنه يحنث إن لم يدفع له جميع الثمن ، والأول أظهر ، والقولان في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ، ولو لم يكن عليه يمين فظهر من السلعة على عيب قبل أن ينقد الثمن فطلب البائع أن ينقده جميع الثمن ثم يخاصمه فيما يدعيه من العيب وأبى هو أن يدفع إليه حتى يحاكمه فيه لم يكن ذلك له إلا أن يكون شيئاًي نقضي من ساعته ، قال ابن مزين .
مسألة
قال ابن القاسم : إذا حلف رحل في عبده ألا يبيعه فرهنه فباعه السلطان عليه في ذلك الرهن حين لم يكن له مال غيره فإنه لا حنث عليه وإن اشتراه يوماً فلا شيء عليه فيه .
قال محمد بن رشد : لم يبين في الرواية بم كانت يمين الحالف عليه ؟ فقال يحيى بن عمر إنما قال إنه لا حنث عليه لأن يمينه إنما كانت بحرية عبده فوقع الحنث ولا مال له غيره فكان الدين أولى من العتق ، وهو تأويل جيد تصح به المسألة إذا قلنا إن الحنث يقع عليه بيع السلطان إليهن وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، فيكون معنى قوله في الرواية لا حنث عليه أي لا يعتق عليه بالحنث من أجل الدين ، ويكون معنى قوله وإن اشتراه يوماً ما فلا شيء عليه أي لا يعتق عليه إن اشتراه بالحنث المتقدم ، لأن الدين قد رده لا أن اليمين تنحل عليه بل ترجع عليه باشترائه إياه ، فإن باعه عتق عليه على ما في رسم إن خرجتم من سماع عيسى من كتاب العتق في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يكلم فلاناً فيحنث فيرد الغرماء عتقه فيباعون في الدين ثم يشتريهم بعد ذلك أن اليمين ترجع عليه ويعتقون إن كلم فلاناً ، ويحتمل أن يكون معنى قوله إن اشتراه يوماً ما فلا شيء عليه أن اليمين تنحل عنه فلا يكون عليه شيء إن باعه بعد ذلك خلاف ما في سماع عيسى من كتاب العتق ، لأن لذلك وجهاً وهو أنه قد يحنث ببيع السلطان

(3/206)


فوجب أن يعتبر بحنثه وإن كان العتق قد رده الدين فلا يحنث مرتين على ما قالوا في من حلف ألا يفعل فعلاً ففعله مرة فحنث أنه لا يحنث بفعله مرة أخرى ، ورجوع اليمين عليه أظهر لأن العتق إن رد فكان الحنث لم يقع إذ لم يلزمه به حكم على ما قالوا في من حلف بعتق عبده ألا يفعل فباع العبد ثم فعل ذلك الفعل ثم اشتراه ففعله ثانية إن العتق يلزمه إذ لم يلزمه بالفعل الأول والعبد في غير ملكه شيء ، ولو كانت يمينه لا يبيع عبده من غير عتقه فرهنه فباعه السلطان عليه في ذلك الرهن لجرى وجوب حنثه على الاختلاف في من حلف ألا يفعل فعلاً فقضى عليه السلطان به ، وقد مضى ذلك في رسم العشور وغيره ، فإذا حنث على القول بتحنيثه لم ترجع عليه اليمين إلا في مسألة الوتد في رسم حلف من
سماع ابن القاسم ، وإذا لم يحنث على القول بأنه لا يحنث رجعت عليه اليمين إلا على القول بأن الملك الثاني كعبد آخر ، وإن من حلف ألا يفعل فعلاً يعتق عبده فباعه ثم اشتريه ففعل ذلك الفعل لم يكن عليه شيء ، وإذا هذا ذهب ابن بكير ، جعل رجوع العبد إليه بعد البيع كرجوع الزوجة عبد الثلاث . وقال الشافعي لا ترجع عليه اليمين في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحداً طلقها أو ثلاثاً .
مسألة
قال عيسى : قال ابن القاسم : لو أن رجلاً حلف على ق ريب له ألا يعيره ثوباً فوهبه له قال إن كان أراد ألا ينفعه فهو حانث وإن لم يكن أراد ألا ينفعه فالهبة غير العارية فلا أرى عليه شيئاً .
قال محمد بن أحمد : وكذلك لو حلف ألا يعيره عارية فوهب له هبة ولو حلف ألا يهب له هبة فأعاره عارية إلا أن تكون له نية ، قاله في المدونة ، وذلك كله صحيح ، والفرق بين المسألتين أن العارية هبة لأنها هبة لمنافع الشيء المعار ، وليست الهبة عارية إذ لا ترجع إلى الواهب فإذا حلف الرجل ألا يعير رجلاً ثوباً فوهبه له لم يكن عليه حنث إذ ليست الهبة عارية إلا

(3/207)


أن يكون نوى ألا ينفعه فيحنث بكل وجه من وجوه المنافع وإن لم تكن عارية ، وإذا حلف ألا يهبه هبة فأعاره عارية حنث لأن المعير واهب لمنافع الشيء الذي أعاره ، وهو قد عم بحلفه ألا يهبه هبة جميع الهبات الرقاب والمنافع ، فوجب أ ، يحمل يمينه على عمومها إلا أن تكون له نية بأن يقول إنما أردت هبة الرقاب ولما رد هبة المنافع فينوي في ذلك وإن حضرته بينة فيما يقضي به عليه بخلاف من حلف ألا يهب لرجل ثوباً فوهبه ثوب كتاب وقال إنما أردت ثوب خز أو حرير لأن لهبة المنافع اسماً يختص به كالعارية والإسكان والإمناح والإرفاق وشبه ذلك ، ولو حلف ألا يهبه ثوباً فأعاره إياه عارية لم يحنث ، فحلف الرجل ألا يهب الرجل ثوباً بخلاف حلفه ألا يهبه هبة ، وحلفه ألا يعيره ثوباً مثل حلفه ألا يعيره عارية سواء ، فقف على ذلك وبالله التوفيق .
مسألة
وسألت ابن القاسم عن رجل حلف ألا يأكل من طعام فلان فاصطحبا في سفر فاشتريا طعاماً فأكلاه جميعاً ، قال إن كان لم يأكل أكثر من نصيبه وإنما أكل نصيبه فما دونه فما أرى عليه شيئاً ، وقد سمعت عن مالك شيئاً وهو رأيي لو ترك ذلكن وما أحب ذلك له بدءاً ، قلت له أرأيت أن قدما سفرتيهما أو طعميهما من غير اشتراء فأكلا جميعاً من الطعامين فكان ذلك كفافاً ، قال هذا لا يعجبني وأخاف أن يحنث ، قال أصبغ لا يحنث وإنما هو كالاشتراء كأنه اشترى منه ما أكل بما أكل فإذا كان مثلاً فدون لم يكن أكثر حتى يكون له الفضل عليه فلا حنث عليه إن شاء الله .
قال محمد بن أحمد : أما إذا اشتريا طعاماً فأكلاه جميعاً فلا إشكال في أنه لا حنث على الحالف إذا لم يكن أكثر من نصفه ، والأصل في ذلك

(3/208)


قوله عز وجل : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } . فأباح للوصي خلط نفقته بنفقة يتيمه إذا قصد بذلك الرفق بيتيمه ولم يرد بذلك الارتفاق لماله ، فإذا لم يكن بهذا الفعل آكلاً لمال يتيمه فلا يكون به آكلاً لمال المحلوف عليه ، وأما إذا قدما سفرتيهما أو طعاميهما من غير اشتراء فأكلا جميعاً منهما فجعل ذلك أصبغ كالاشتراء ، ولم يرج ذلك حنثاً إذا لم يأكل الحالف أكثر من نصيبهن ولم يعجب ذلك مالكاً وخشي عليه الحنث ، ووجه ذلك الاشتراء يفتقر إلى رضى المتبايعين فلعل المحلوف عليه لا يسلم له ما أكل من طعامه بما أكل هو من طعامه إلى على سبيل الإفضال عليه وإن كان أقل قيمة منه إذ لا يلزمه أن يبيع طعامه إلا بما شاء من قليل الثمن وكثيره ، وهذا إذا كانت يمينه على وجه المن ولم يكن لخبث أصل طعام الرجل ورداءة مكسبه ، وقد مضى هذا المعنى في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى ، وقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد نحو هذا المعنى وبالله التوفيق .
ومن كتاب البراءة
مسألة
قال ابن القاسم في من حلف ليقضين فلاناً حقه في انسلاخ الهلال قال : إذا غابت الشمس ولم يقضه فهو حانث ، فإن قال إلى انسلاخ الهلال ، فمثل ذلك يحنث إذا غابت الشمس ولم يقضه ، وإذا قال لانسلاخ الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى استهلال الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى رؤية الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى رمضان فهو

(3/209)


حانث حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال آخر رمضان فهو حانث إلى غربت الشمس ، وإذا قال في انقضاء رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس ، قال : والانقضاء مثل الانسلاخ فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى دخول الهلال فهو حانث إذا غرب الشمس وإذا قال عند آخر الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس وإذا قال إن آخر الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى ذهاب الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى رأس الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال في ذهاب الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال في رمضان وهو في مرضان فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال إلى حلول رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس من آخر يوم من شعبان ، وإذا قال وهو في شوال في حلول وإذا حل وحين يحل وفي مجيء ولمجيء يوم وليلة وإذا قال إلى مجيء فهو حانث إذا غربت الشمس ، وإذا قال حين ينقضي فله يوم وليلة أرجو ذلك ، وإذا قال حين يسهل مثل ذلك أيضاً ، وإذا قال حين يذهب فله يوم وليلة ، وإذا قال إذا استهل فله يوم وليلة وفي رؤية الهلال فله يوم وليلة ، وإذا قال عند رؤية الهلال له يوم وليلة ، وإذا رئي الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال انقضى الهلال له يوم وليلة ، ولرؤية الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال عند انقضاء رمضان له يوم وليلة ، وإذا قال إذا دخل هلال رمضان فله يوم وليلة ، وإذا قال إذا حل الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال إذا جاء الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال عند دخول الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال إذا جاء
الهلال له يوم وليلة وإذا دخل الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال حين يجيء الهلال له

(3/210)


يوم وليلة ، وإذا قال عند الهلال له يوم وليلة ، وعند رأس الهلال له يوم وليلة ، وإذا جاء رأس الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال إذا ذهب الهلال فله يوم وليلة ، وإذا قال عند ذهاب الهلال فله يوم وليلة ، وإذا قال في استهلال الهلال له يوم وليلة ، وإذا قال عند استهلال الهلال ولاستهلال الهلال له يوم وليلة .
قال محمد بن رشد : هذه ألفاظ كلها وهي نحو خمسين مسألة إنما يختلف ما يختلف منها ويتفق ما يتفق منها بحسب موضوعها في اللسان بما أتى فيه منها بإلى التي هي للغاية فهو حانث فيها بغروب الشمس سواء سمى معها ما هو من آخر شعبان أو من أول رمضان ، وأما ما لم يأت فيه بإلى فينظر فيه فما كان منها يقتضي كون القضاء قبل تمام شعبان فهو حانث بغروب الشمس ، وما كان منها يقتضي كون القضاء بعد تمام شعبان فله يوم وليلة من أول رمضان ، فمنها ألفاظ بينة ومنها ألفاظ مشكلة محتملة يظهر فيها اضطراب من قول ابن القاسم ، من ذلك تفرقته بين أن يقول ويتخرج على حمله على الاستقبال والحال جميعاً ثلاثة أقوال ، أحدها أنه يلزمه إخراج ثلث جميع ما يملك وجميع ما يفيد إلى ذلك الأجل ، والثاني أنه يلزمه ثلث جميع ما يملك ويفيد إلى ذلك الأجل ، والثاني أنه يلزمه ثلث جميع ما يملك ويفيد إلى ذلك الأجل ، والثالث أنه يلزمه ثلث ماله الساعة ولا شيء عليه فيما يفيده إلى ذلك الأجل ، وذلك خمسة أقوال على ما قلناه ، وهذا كله في اليمين ، وأما إذا نذر الرجل أن يتصدق بجميع ما يفيده أبداً فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك قولاً واحداً ، وإن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده إلى أجل كذا أو في بلد كذا فيلزمه إخراج جميع ذلك قولاً واحداً لقوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ، وق وله : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } ، وقوله : { ومنهم من عاهد الله لئن آتينا من فضله

(3/211)


لنصدقن } ، الآية إلى قوله : { بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } .
وقوله تعالى : { يوفون بالنذر } ، وقوله عليه السلام : "من نذر أن يطيع الله فليطعه" ، الحديث ، وإن كان لم ينص في المدونة وغيرها على التفرقة في هذا بين النذر واليمين ، فالوجه في ذلك عندي أن تحمل هذه المسائل على اليمين دون النذر ، وإنما يستوي النذر واليمين عند مالك وعامة أصحابه في صدقة الرجل بجميع ما يملك من المال لقولهن عليه السلام ، لأبي لبابة وقد نذر أن ينخلع من جميع ماله يجزيك من ذلك الثلث ، والله الموفق .
ومن كتاب القطعان
مسألة
وسئل عمن حلف ألا يكلم رجلاً فكتب إليه ذلك الرجل الذي حلف عليه ألا يكلمه ، فقال ابن القاسم هو حانث إن قرأ كتابه وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن الحالف نفسه هو الذي كتبه إليه .
قال محمد بن رشد : مثل هذا في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق ، وحكى ابن المواز عن أشهب وعن ابن القاسم من رواية أبي زيد أيضاً أنه لا يحنث الحالف بقراءة كتاب المحلوف عليه واختاره وزعم أنه أنكر جماعة من أصحاب ابن القاسم قول ابن القاسم بإيجاب الحنث عليه ، وكذلك هو قول بعيد ، لأن معنى تكليم الرجل إفهامه ما في نفسه ، وليس في

(3/212)


قراءة الحالف كتاب المحلوف عليه إفهام له شيئاً مما في نفسه من كلامه وإنما فهمه لما في نفس المحلوف عليه من الكلام فذلك بمنزلة ما لو كلمه المحلوف عليه ولم يراجعه عليه ووجه تحنيثه هو أن الحالف ألا يكلم رجلاً قد أراد قطيعته ، وقراءته لكتابه من باب الصلة له وفي ذلك بعد .
مسألة
قال ابن القاسم وليس الجبن من اللبن ولا اللبن من الجبن ولا السمن من الزبد ولا الزبد من السمن ، كل هذا مفترق على حدة فمن حلف ألا يأكل جبناً فأكل لبناً فلا شيء عليه ، ومن حلف ألا يأكل لبناً فأكل جبناً فلا شيء عليه ، ومن حلف ألا يأكل زبداً فأكل سمناً فلا شيء عليه ، ومن حلف ألا يأكل سمناً فأكل زبداً فلا شيء عليه ، ومن حلف ألا يأكل لبناً فلا بأس أن يأكل الجبن والزبد والحالوم والسمن .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح ، ومذهب ابن القاسم أنه إذا حلف ألا يأكل شيئاً سماه عينه أو لم يعينه فأكل شيئاً مما يخرج منه لم يحنث إلا أن يكون قال منه فيحنث إن كان شيئاً مما يخرج منه ما عدا خمسة أشياء الشحم من اللحم ، والنبيذ من التمر ، والزبيب والعصير من العنب ، والخبز من القمح والمفرق من اللحم فإنه يحنث بها عينها أو لم يعينها ، قال منه أو لم يقل منه ، وأما إذا حلف ألا يأكل شيئاً فأكل ما خرج منه ذلك الشيء فلا شيء عليه عينه أو لم يعينه . قال منه أو لم يقل منه ، وقد مضى هذا المعنى في رسم أوصى

(3/213)


وبعض ما في ذلك الخلاف .
مسألة
ومن حلف ألا يأكل لبناً فأصاب لبن الضان وقال إنما أردت لبن المعز ، أو أكل لبن المعز وقال إنما أردت لبن الضان ، أو أكل لبن البقر أو لبن الإبل وقال إنما أردت لبن الغنم فإن كانت عليه بينة لزمه الحنث وإن جاء مستفتياً دين في ذلك ، ومن حلف ألا يأكل سمناً فأكل سمن البقر وقال إنما أردت سمن الغنم فمثل ذلك أيضاً .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على أصولهم فمن ادعى نية مخالفة الظاهر لفظه أنه لا يصدق فيما يقضي به عليه إلا أن يأتي مستفتياً فلا اختلاف في ذلك ، ونظائرها في الأمهات أكثر من أن تحصى بعد أو يبلغها حصر .
مسألة
وسئل عن رجل يحلف ألا يبيع سلعة فاغتصبها رجل منه فوجدها قد فاتت عنده بنجاء أو نقصان ، قال إن فاتته عنده بنجاء فأخذ لها ثمناً فقد حنث ، وإن فاتت بنقصان فكان ذلك النقصان فاحشاً يكون الثلث فأكثر فأخذ لها ثمناً فليس عليه شيء ، وإن كان الشيء التافه فأخذ لها ثمناً فقد حنث ، قلت فإن كانت قد فاتت بنقصان فكان ذلك نقصاناً فاحشاً يكون أكثر من الثلث فأخذ منا لغاصب سلعة مثل سلعته فأراد بيعها ؟ قال ليس عليه شيء لأنه إنما كانت وجبت له عليه دنانير ، وقال في كتاب المكاتب من سماع يحيى عيسى وسئل عن رجل حلف في سرج له ألا يبيعه فعدا عليه عاد فانتزعه منه غصباً فأراد الحلاف أن يأخذ له ثمناً أو عوض سرجهن قال إن كان السرج قائماً لم يفت فأخذ له ثمناً أو عوضاً

(3/214)


فهو حانث ، وإن كان السرج قد فات فأخذ له قيمة أو سرجاً فلا حنث عليه ، وقال في كتاب باع شاة ، قال عيسى سألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية عبده ألا يبيعه فيغتصبه منه إنسان فينتقص عنده فهل له أن يأخذ قيمته ؟ قال إن كان الذي نقص منه أمراً جاءه من الله فأخذه قيمته فقد حنث لأنه كان مخيراً على الغاصب إما أن يأخذه بعيبه ولا شيء عليه في العيب ، وبين أن يس لمه ويأخذ قيمته ، فلما أسلمه وأخذ قيمته كان بايعاً ، ولو أصابه غيره بأخذ له إنشاء أو لم يأخذ له فأسلمه كان حانثاً إذا رضي بالقيمة من غاصبه ولو أنه أخذه وأخذ ما أخذ الغاصب في جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شيء .
قال محمد بن رشد : الذي يتحصل من هذه الرواية ثلاثة أقوال ، أحدها أنه لا يحنث بأخذ القيمة منه إذا فاتت عنده فواتاً توجب له تضمين القيمة إياه يسيراً كان النقصان أو كثيراً بأي وجه كان وهو الذي في كتاب المكاتب ، والثاني أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها وإن فاتت ووجب له تضمين القيمة إياه يسيراً كان النقصان أو كثيراً بأي وجه كان ، وهو الذي في كتاب باع شاة ، والثلاث أنه يحنث بأخذ القيمة فيها منه إن كان النقصان يسيراًن ولا يحنث إن كان النقصان كثيراً أكثر من الثلث ، وجه القول الأول إن ذلك ليس بيعاً لأن البيع إنما يكون برضى المتبائعين والغاصب مجبور على أخذ القيمة منه ، ووجه القول الثاني أن ذلك ب يع من أجل أنه مخير بين أن يأخذ سلعته ويضمنه ما نقص يسيراً كان النقصان أو كثيراً وبين أن يسلمها إليه ويأخذ منه قيمتها فأشبه منح لف ألا يبيع سلعة فباعها على أنه فيها بالخيار أنهي حنث إن أمضاها له وإن كان المبتاع مجبوراً على أداء الثمن فيها للعقد المتقدم ، والقول الثالث لا يخرج عن القولين ، فهو استحسان على غير حقيقة القياس ، وبالله التوفيق .

(3/215)


ومن كتاب أوله باع شاة
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يستسلف من رجل شيئاً وكان على الحالف للمحلوف عليه حق ، فسأله أن يؤخره ، قال : إن سأله أن يؤخره فأخره حنث قلت فرجل حلف ألا يسلف رجلاً شيئاً وكان له عليه حق فسأله أن يؤخره فأخره حنث ؟ قلت أفيتوانى في تقاضيه من غيرت أخير ؟ قال : لا .
قال محمد بن أحمد : إنما وجب أن يحنث الحالف ألا يستسلف بالانتظار والحالف ألا يسلف بالإنظار لأن ذلك في معنى السلف وإن لم يسم ذلك سلفاً والحكم للمعاني دون الأسماء فلو ادعى كل واحد منهما أنه أراد السلف ولم يرد الإنظار لوجب أن ينوي على أصولهم وإن كانت على يمينه بينة ، وقد مضى ذلك في رسم أسلم وأما إذا توانى في تقاضيه من غير تأخير فالصواب أنه لا يحنث إن فعلو إن كان لا ينبغي له أن يفعل ليكون ذلك أبر له وأبرأ من الحنث إذ لمي قع منه سلف ولا ما هو في معناه من الإنظار ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال مالك : من حلف لينتقلن فلينتقل بكل شيء له ، وليقم شهراً ثم ليرجع إن شاء ، ولو قال امرأتي طالق البتة لا نتقلن عنك فإنه يطلب ويرتاد لنفسه منزلاً ولكن لا يطأ حتى ينتقل .
قال محمد بن رشد : قد مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم وجه استحسانه للمنتقل أن يقيم شهراً قبل رجوعه ، ومضى في رسم أوصى من هذا السماع القول في انتقاله بجميع متاعه فلا معنى لإعادة ذلك ، وأما قوله إن حلف بالطلاق فلا يطأ حتى ينتقل فهو قوله في

(3/216)


المدونة وغيرها ، لأنه على حنث فإن رفعت امرأته أمرها وطلبته بالوطء ضرب له أجل الإيلاء من يوم ترفعه ، فإن بر بالانتقال وإلا طلق عليه بالإيلاء وبالله التوفيق .
ومن كتاب العتق
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يسأل رجلاً شيئاً فأعطاه ذلك الرجل شيئاً ، قال : لا حنث عليه إن لم يسأله إلا أن يكون نوى إلا يأخذ منه شيئاً .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال ، والأصل في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المسألة وأباح للرجل قبول ما أعطي من غير مسالة ، فلم يكن ما أباح من جنس ما نهي عنه ، وفي هذه المسألة زيادة في سماع أصبغ سيأتي القول عليها في موضعها إن شاء الله تعالى .
من سماع يحيى من ابن القاسم رحمه الله
من كتاب الصبرة
مسألة
قال يحيى : وسئل عن رجل حلف ألا يجاور رجلاً فيرتحل عنه ثمي مرض المحلوف عليه فيأتيه الحالف عائداً فيقيم عنده أياماً أو يأتيه زائراً فيقيم أياماً ، قال لا حنث عليه في إقامته اليومين والثلاثة ونحو ذلك ، قيل له فإن كانت إقامته عنده ومعه أهله أترى في إقامته اليومين والثلاثة مع أهله وعياله بأساً وقد ارتحل عنه رحيلاً بائناً ؟
قال محمد بن رشد : من حلف ألا يساكن رجلاً ولا يجاوره ولا نية له في مجانبته والتنحي عنه فلا يحنث بالزيارة ما لم تطل ، إذ ليست بسكنى على ما في المدونة وغيرها ، واختلف إن طالت فقيل إنه لا يحنث إذا لم يكن على

(3/217)


وجه السكنى ، وهو قول أشهب في كتاب ابن المواز وأحد قولي أصبغ ، وقيل إنه يحنث إذا طالت لأنه يكون بها في معنى المساكن وإن لم يكن مساكناً ، وهذا على ما ذكرناه في رسم جاع من سماع عيسى من اختلافهم في مراعاة المقصد المظنون إذا خالف ما يقتضيه اللفظ المظنون به ، واختلف في حد الطول الذي يكون به الزائر في معنى المساكن على قولين ، أحدهما أنه ما زاد على الثلاثة الأيام ونحوها وإن كان معه في حاضرة واحدة ، وهو ظاهر هذه الرواية ولمي جب إن كان معه أهله وولده في هذه الأيام ، والظاهر أنه لا يحنث أيضاً إلا أن يكون أصل يمينه لما يدخل بين النساء والصبيان ، والثاني أن الطول في ذلك أن يكثر الزيارة بالنهار أو يبيت في غير مرض إلا أن يشخص إليه من بلد آخر فلا بأس أن يقيم اليوم واليمين والثلاثة على غير مرض وهو قول ابن القاسم وروايته عن ملك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه ، والاختلاف في هذا راجع إلى العرف والعادة في الزيارة فيحنث عند جميعهم إذا أقام أكثر مما جرت العادة بإقامته في الزيارة ، وإنما اختلفوا لأن كل واحد منهم أجاب بما غلب على ظنه من العرف في ذلك ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الصلاة
مسألة
قال يحيى : وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف إن فعل كذا وكذا فماله صدقة على المساكين يحلف بأيمان مختلفة في أيام مفترقة أو غير مفترقة فيحنث في إحدى الأيمان اليوم وفي يمين أخرى غداً ، وفي يمين ثلاثة بعد الغد ، يحنث في أيمان كثيرة على هذا النحو ، أيلزمه أن يتصدق بثلث ماله لأول حنثه ثم بثلث ما بقي للحنث الثاني ثم بثلث ما بقي للحنث الثالث ؟ يكون على هذا يلزمه فيك ل حنث إخراج ثلث ما بقي أم لا يلزمه إلا إخراج ثلث ماله مرة

(3/218)


واحدة وإن حنث في جميع أيمانه ؟ فقال : إن كانت أيمانه في كلمة واحدة أو كلام مختلف وأيمان شتى وأزمان متباعدة ذلك كله سواء لا يلزمه من ذلك إلا إخراج ثلث ماله مرة واحدة حنث في جميع أيمانه أم لم يحنث إلا في يمين واحدة إلا أن يكون حنث فأخرج ثلث ماله ثم حلف بعد ذلك وحنث فهو الذي يجب عليه أني خرج ثلث ما بيده كلما حنث على هذه الحال ، فأما وكد من الأيمان أو أكثر من الحنث قبل أني خرج ثلث ماله لحنثه وإن كان ذلك في أمور كثيرة مختلفة فليس عليه إلا ما على من لم يحنث إلا يميناً واحدة في أمر واحد ، ثم إذا حنث في إحدى الأيمان فأخرج ثلث ماله ثم حنث في بقية الأيمان التي كان عقد قبل أن يخرج ثلث ماله فلا شيء عليه في جميع تلك الأيمان حنث فيها قبل إخراج الثلث أو بعده ، قلت أرأيت إن حلف وماله ألف دينار فأنفقه إلا مائة دينار ثم حنث ؟ قال : ليس عليه أني خرج إلا ثلث المائة الدينار ، قيل له فإن حلف وماله ألف دينار فلم يحنث حتى أدارها فصارت ألفي دينار ودخلت عليه فوائد ؟ قال ليس عليه أن يخرج إلا ثلث ما كان بيده يوم حلف ، كذلك قال لي مالك . قلت : أرأيت ما استنفق بعد ما حنث من المال الذي كان بيده يوم حلف ؟ قال أحب غلي أن يخرج ثلث جميع ما كان بيده يوم حنث مما كان يملك يوم حلف ، ولا أرى ذلك عليه واجباً .
قال محمد بن رشد : قوله في من حلف بصدقة ماله مرات على أشياء شتى إنه ليس عليه إذا حنث في أيمانه كلها إلا ثلث ماله مرة واحدة فإن حنث فيها كلها قبل أن يخرج ثلث ماله أخرج ثلثه مرة واحدة وإن حنث في بعضها فأخرج ثلث ماله في بقيتها فليس عليه شيء صحيح ، لأن عقد اليمين

(3/219)


لا يوجب عليه الصدقة بثلث ماله وإنما يوجب ذلك على الحنث فإذا حلف بصدقة ماله على شيء ألا يفعله ثم حلف قبل أن يحنث بصدقة ماله ثانية على شيء آخر ألا يفعله فحنث في اليمين فليس عليه فيهما إلا ثلث ماله مرة واحدة سواء حنث فيهما جميعاً قبل أن يخرج الثلث أو حنث في أحدهما فأخرج الثلث ثم حنث في الآخر بعد ذلك ، لأنه إنما هو حالف في اليمين بشيء واحد وهو ثلث ماله ، فإن كان قد أخرجه إن حنث في اليمين الأولى فلم يبده ما يحنث به في اليمين الثانية ، وإن كان لم يخرجه فهو الذي يجب عليه إخراجه بمنزلة من قال إن فعلت كذا وكذا فعبدي فلان حر فليس عليه أكثر من حرية عبده حنث في اليمينين أو في أحدهما ، وقد وقع في سماع أبي زيد بعد بهذا ما لابن القاسم ، وأما لابن كنانة على ما يحتمله ذلك من التأويل أن عليه إخراج ثلث ماله لليمين الأول ثم ثلث ما بقي لليمين الثانية ثم ثلث ما بقي لليمين الثالثة ، وهو بعيد بدليل ما ذكرناه ، وإنما يجب عليه في القياس إخراج ثلث ماله لليمين الأولى وثلث ما بقي لليمين الثانية وثلث ما بقي لليمين الثالثة إذا حلف وحنث ثم حلف وحنث ثم حلف وحنث لأنه إذا حنث فقد وجب عليه إخراج ثلث ماله فإذا حلف بصدقة ماله بعد وجوب ذلك عليه فإنما تقع يمينه بصدقة ما بقي من ماله فيجب عليه إخراج ثلثه إذا حنث لا يدخل بعض ذلك في بعض خلاف ما تدل عليه هذه الرواية وخلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وبعض أصحابه من أنه لا يجب عليه إلا ثلث واحد للأيمان كلها ، وذلك استحسان على غير قياس مراعاة للاختلاف في أصل اليمين ، وأما 7غذا حلف وحنث فأخرج ثلث ماله ثم حلف
بعد ذلك وحنث فلا اختلاف في أن عليه إخراج ثلث ما بقي بيده بعد ما أخرج لليمين الأولى ، ولا اختلاف في أنه إذا حلف بصدقة ماله ثم حنث وقد نقص المال أنه لا يجب عليه أن يتصدق إلا بما بقي بيده يوم حنث ، واختلف إذا حنث وقد زاد المال بتجارة أو بولادة رقيق كانوا فيه ، فقال في الرواية إنه ليس عليه أني خرج ثلث النماء ، ومثله في الواضحة وغيرها لابن

(3/220)


القاسم ، وهو صحيح ، لأن على بر ، وقد قال ابن القاسم في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يفعل فعلاً فيولد لهم أولاد إن القياس ألا يدخل أولادهم في اليمين لأنه على بر ، وإن كان قد قال مالك إنهم يدخلون في اليمين ، وفي المبسوطة لابن دينار أن ربح المال يدخل في الصدقة ولا يدخل أولاد الرقيق في اليمين بعتقهم ، ولو قال في ذلك بالعكس لكان أشبه من أجل الاختلاف في اليمين بصدقة المال ، وأما ما استنفق بعد ما حنث مما كان بيده يوم حلف فالقياس أن عليه أن يخرج ثلث ذلك ، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في المبسوطة وقول ابن حبيب في الوضاحة ، وقول ابن المواز ، قال لأنه كالزكاة يجب عليه ما أنفق ، وإسقاط ذلك عنه في الرواية استحسان مراعاة للاختلاف في اليمين ، وأما ما تلف من المال بعد الحنث فقال في الهبات من المدونة لا شيء عليه فيه فرط أو لمي فرط ، ومثله في الواضحة وفي المبسوطة من رواية أصبغ عن ابن القاسم ، وله فيها أيضاً ما يدل على أن عليه أن يخرج ثلث ما تلف إذا فرطن وهذا الذي يوجبه النظر قياساً على المال يفرط في إخراج الزكاة منه بعد الحول حتى يتلف فالقول الأول استحسان على غير قياس ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب المكاتب
مسألة
وسألته عن رجل من ذوي السلطان يحلف على رجل ألا يؤمنه فقدم ذلك الرجل مكاناً يقدر فيه ذلك الرجل السلطان عليه ويناله من عقوبته ما أحب فتجافى عنه وتركه غير مؤمن ولا معاقب أترى أن قد حنث ؟ قال نعم أراه حانثاً إذا كان أمره على ما وصفت ، قلت أرأيت إن كان المحلوف عليه مختفياً يعلم السلطان بمكانه فتركه على خوف أذلك عندك بمنزلة ما لو كان ظاهراً كالآمن وهو غير مؤمن ؟ فقال أما إذا علم بمكانه وكان قادراً عليه فتركه فقد حنث ،

(3/221)


قلت أرأيت إن كان يريد أني عاقبه ليبر في يمينه أيضره سكوته عنه أياماً بعد علمه بمكانه ؟ قال نعم أراه حانثاً إلا أن يكون تركه تركاً يسيراً اليوم ونحوه وهو يروي في أخذه وعقوبته .
قال محمد بن رشد : معنى هذه المسألة أنه حمل يمينه ألا يؤمنه على ما ظهر إليه من أنه أراد ليعاقبه فحنثه بتأخير عقوبته ، فالاختلاف في هذه المسألة في موضعين : أحدهما حمل يمينه على المقصد المظنون دون ما يقتضيه اللفظ المظنون به ، وقد مضى ذكر ذلك في مواضع منها رسم جاع من سماع عيسى ، والموضع الثاني أنه حمل يمينه ليفعلن على التعجيل حتى يريد التأخير فحنثه بتأخير العقوبة ، وذلك نحو ما في سماع أبي زيد من كتاب العتق في الذي يقول إن لم يصنع لنا فجاريتي حرة ، ومثل ما في المدونة من رواية ابن القاسم عن مالك في الذي يحلف لينتقلن أنه لا يقيم طرفة عين وليخرج ساعة حلف ون كان في جوف الليل إلا أن تكون له نية ، خلاف المشهور من أنه على التأخير حتى يريد التعجيل ، من ذلك قولهم في من حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلاً أنه لا يطأ امرأته حتى يفعل ويضرب له أجل الإيلاء إن طلبت امرأته الوطء ، وقوله في المسألة التي بعد هذا وقد نص على اختلاف قول ملك في المبسوطة ، وهو على اختلافهم في الأمر هل يقتضي الفور أم لا . وقد ذكرنا ذلك أيضاً في رسم سن من سماع ابن القاسم ، وقول ابن القاسم في هذه المسألة على قياس ق ول مالك في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق في الذي يقول : كل مملوك له حر إن عفوت عنك إلا أن يعفو عنك السلطان فقف على ذلك ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته عن الرجل يأبق عبده فيحلف إن أظفره الله به ليعاقبنه فيظفر فيؤخر عقوبته ، قال لا يكون حانثاً إلا أن يموت الحالف قبل

(3/222)


أن يعاقبه فيكون حنثه في ثلث ماله ، قلت أرأيت إن فرط في العقوبة وهو قادر عليها حتى يأبق ثانية أتراه حانثا ؟ .
قال محمد بن أحمد : لم يحمل يمينه في هذه المسألة على التعجيل ، فقوله فيها خلاف قوله في المسألة التي قبلها ، وسكت عن وجوب الحنث عليه إن فرط في عقوبته حتى يأبق ثانية ، والذي يأتي على قياس ق وله في أول المسألة أنه لا يحنث إلا أن يموت الحالف قبل أن يقدر عليه فيكون حنثه في ثلث ماله ، وكذلك قال محمد فيها إنه لا حنث عليه ، والعمل في ذلك إن مات الميت وأوصى بوصايا مال أن يخرج من ثلث مال الميت سوى العبد الآبق فيعطي من ذلك لأهل الوصايا بقية ثلث مال الميت مع العبد الآبق ويوقف الباقي ، فإن وجد العبد الآبق أو علم أنه كان حياً حين مات الحالف نفذت له الحرية ورد ما وقف إلى الورثة وغنم يوجد ولا علمت حياته حين مات الحالف وأيس من علم ذلك كان ما وفق لأهل الوصايا ، مثل ذلك أن يترك الميت ثلاثين ديناراً ويوصي لرجل بعشرة دنانير وقيمة الآبق عشرة دنانير فيخرج ثلث الثلاثين عشرة دنانير فيدفع منها للموصي له بالعشرة دنانير ثلاثة دنانير وثلث دينار ، لأن الورثة تقول له لعل الآبق حي فلا يحنث لك إلا ثلاثة وثلث دينار ، لأن جميع المال يكون أربعين يبدأ العبد في ثلثها بعشرة لأن العتق مبدأ على الوصية فلا يجب لك إلا البقية ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال : وسألته عن الرجل يقول علي نذر أن أعتق عبدي فلاناً ماذا عليه ؟ فقال أحب له الوفاء بما جعل لله عليه من التقرب بعتق رقبة عبده ، ولا أرى ذلك لازماً له كالحنث فيه وإنما هو رجل نذر ليفعلن خيراً فليوف بنذره .

(3/223)


قال محمد بن أحمد : قوله أحب الوفاء بما جعل لله عليه من ذلك ليس على ظاهره من أن ذلك يستحب له أن يفعله فإن فعله أجر وأن لم يفعله لم يأثم ، فهو تجاوز في العبارة لأن من نذر ما لله فيه طاعة فالإيفاء به عليه واجب ، قال صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ، وقول ولا أرى ذلك لزماً له كالحنث معناه ولا أرى أن يحكم به عليه كما يحكم عليه بالحنث لأن ذلك ليس بلازم له فيما بينه وبين خالقه كالحنث بل هو واجب عليه وألزم له فيما بينه وبين خالقه من الحنث ، إذ لم يختلف أهل العلم في وجوب ما لله فيه طاعة بالنذر ، واختلفوا في وجوب ذلك باليمين ، وأشهب يرى أن يحكم بالعتق على من نذره على نفسه ، وهو أظهر ووجه قول ابن القاسم أن الحكم عليه بالعتق لا وفاء له به ، لأن الأعمال بالنيات فتركه عسى أن يفي أولاً من أن يفوت عليه الوفاء فيحصل في إثم لا مخرج له منه ، وبالله التوفيق .
ومن سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم
مسألة
قال : وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله يمشي ذراعاً ويحفر ذراعا ، قال يمشي ولا هدي عليه في الحفر ، ولا يحفر .
قال محمد بن أحمد : أما المشي فلا اختلاف في وجوبه عليه بالنذر لأنه طاعة لله ، وقوله إن الحفر لا هدي فيه عليه صحيح على ما مضى في رسم المحرم من سماع ابن القاسم ، وفي ذلك اختلاف قد ذكرناه هناك فلا معنى لإعادته .

(3/224)


مسألة
قال : وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول للرجل والله لا أكلمك يوماً وذلك في الضحى أو نصف النهار ، قال : يكف عن كلامه بقية يومه وليلته إلى مثل تلك الساعة ، قلت وكذلك لو قال له في الليل والله لا أكلمك ليلة قال : يكف عن كلامه بقية ليلته ويومه من غد إلى ذلك الحين من ليلة غد حين حلف .
قال محمد بن أحمد : اليوم يقع على واحد من جنسه تقول يوم وأيام والليلة كذلك أيضاً تقع على واحد من جنسها تقول ليلة وليال فالليلة تختص بالزمان الذي يكون من غروب الشمس إلى طلوعها أو إلى طلوع الفجر على ما مضى فيه في رسم القبلة من سماع ابن القاسم ، واليوم يختص بالزمن الذي يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو من طلوعها إلى غروبها على ما مضى القول أيضاً في يذلك في رسم القبلة ، ومن قال إن اليوم يقع على الزمن الذي يكون من طلوع الشمس إلى طلوعها أو من غروبها إلى غروبها يرده قول الله عز وجل : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما } .
فإذا حلف الرجل ألا يكلم رجلاً يوماً وهو في بعض النهار وجب ألا يكلمه حتى يستكمل يوماً كاملاً من حين حلف ، وذلك لا يكون إلا بأن يمسك عن كلامه من حين يمينه إلى ذلك الحين من يوم آخر لأن اليوم بتعين من حين يمينه ، ولو حلف ألا يكلمه أياماً لوجب أن يمسك عن كلامه عدد الأيام التي حلف عليها إلى ذلك الحين من اليوم الذي حلف فيه على قياس هذا القول ، وقد قيل إنه يلغي بقية ذلك اليوم ، واختلف قول مالك في ذلك ، وقع اختلاف قوله في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة ، وإذا حلف الرجل ألا يكلم ليلة وهو في بعض الليل فعلى قياس ذلك أيضاً ، ولو حلف في النهار ألا يكلم فلاناً ليلة أو كذا وكذا ليلة وهو في

(3/225)


الليل ألا يكلم فلاناً يوماً أو كذا وكذا يوماً لم يكن عليه أن يمسك عن كلامه بقية يومه ولا بقية ليلته واستأنف حساب ما حلف عليه من الليالي بعد انقضاء يومه وما حلف عليه من الأيام بعد انقضاء ليلته ولسحنون في كتاب ابنه أنه إذا حلف ألا يكلمه ليلة فذلك على بقية ليلته ، وإذا حلف ألا يكلمه يوماً فلابد أن يكون الليل والنهار ، فجعل قوله ليلة بمنزلة قوله هذه الليلة فلم يلزمه الإمساك عن تكليمه إلا بقية ذلك اليوم إلى الغروب ، فقوله إنه لابد أن يكون في ذلك الليل والنهار إنما يخرج على قول من قال إن اليوم يقع على الليل والنهار من الطلوع إلى الطلوع أو من الغروب إلى الغروب ، أو من أي وقت كان إلى مثل ذلك الوقت من يوم آخر ، وقد بينا أن القرن يرد هذا القول ، والنهار يقع على الجنس الذي يكون فيه الضياء من الزمان ، والليل يقع على الجنس الذي يكون فهي الظلام من الزمان ، فإذا حلف الرجل ألا يكلم رجلاً نهاراً فلا يكلمه أبداً نهاراً إلا أن يريد هذا النهار ، وإذا حلف ألا يكلمه ليلاً فلا يكلمه أبداً ليلاً إلا أن يريد هذه الليلة ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل سحنون عن امرأة قالت مالي في المساكين صدقة إن دخلت دار أخي فأرادت الدخول وتخرج ثلث مالها في المساكين ، فمنعها الزوج من الصدقة ، قال لا أرى أن تمنع من الثلث وقد لزمها ذلك إن حنثت وليس له أن يحول بينها وبين الثلث ولو كانت حلفت بأكثر من الثلث لم يكن عليها شيء إذا كره الزوج ذلك لهاز
قال أصبغ بن الفرج لا شيء عليها في ثلثها ولا غير ذلك إذا منعها الزوج من ذلك خلاف ما يلزمها إخراج ثلث مالها .
قال محمد بن أحمد : هذه المسألة مبنية على اختلافهم إذا قصدت المرأة بصدقة ثلث مالها الإضرار بزوجها هل له أن يرد ذلك أم لا ؟ فقول سحنون في هذه المسألة على روايته عن ابن القاسم في سماع يحيى من كتاب

(3/226)


الصدقات والهبات قوله هناك ، وقول أصبغ على قول مالك في سماع أشهب من كتاب الأقضية وقول ابن القاسم في رواية يحيى ، واختلف إذا تصدقت بأكثر من الثلث ، فقال ابن القاسم ورواه عن مالك يرد الزوج الجميع ، وقال ابن الماجشون ليس له أن يرد إلا ما زاد على الثلث ورواه عن مالك وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال ابن الماجشون وإنما يكون له أن يرد الجميع في العتق من أجل أنه لا يبعض وبالله التوفيق .

(3/227)


من مسائل نوازل سئل عنها سحنون
مسألة
لله علي صيام ، قيل لسحنون أرأيت من حلف بالتورية والإنجيل في كلمة واحدة عليه كفارات أو كفارة واحدة ؟ قال عليه كفارة واحدة .
قال محمد بن أحمدك قد تقدم القول في هذه المسألة موعباً في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته .
مسألة
وقال في رجل قال لله علي الصيام ولم يقل غير هذا أو قال صدقة ولم يقل غير هذا ، قال يصوم ما شاء ويتصدق بالدراهم والنصف والربع ، قيل له فالفلس والفلسان قال ما زاد فهو أحسن .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال من أجل أن كل ما يتصدق به مما يكون للمتصدق عليه فيه وجه منفعة وإن قل فاسم الصدقة متناول له ، فوجب إذا لم يكن للحالف نية ولا بساط أن يحمل يمينه عليه ولا عرف ولا مقصد تصرف يمينه إليه أن يبر بذلك ، وقد مضى من القول في سماع أشهب نحو هذا وبالله التوفيق .
مسألة
وفي رجل حلف ألا يشتري أكثر من عشرة شياه فاشترى ثلاثين شاه مع ثلاثة نفر لكل واحد ثلثها ، قال مرة يحنث ومرة لا يحنث إذا قاسم شريكه ، فإن صار له في ثلثه أكثر من عشر شياه حنث ، وإن صار له عشرة فأدنى لم يحنث .
قال محمد بن أحمدك هذا إنما يصح على القول بأن القسمة تمييز حق لأنه انكشف بها أنه لم يزل مالكاً من يوم اشترى إلا لما صار له الآن في القسمة ، فوجب أن يحنث إذا كان الذي صار له في القسمة أكثر من عشرة شياه ، وأما على القول بأنها بيع من البيوع فلا حنث إلا أن يصير له في القسمة أكثر من خمس عشرة شاة لأنه إذا صار له بها خمس عشرة شاة فإنما اشترى من شريكه ثلثها وذلك عشرة بثلث الخمس عشرة التي صارت لشريكه فلا يحنث إلا أن يكون الذي صار له بالقسمة أكثر من خمس عشرة لأنه حينئذ يكون قد اشترى من شريكيه أكثر من عشر شياه وهذا بين إذا تدبرت .
من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم
مسألة
قال محمد بن خالد : سألت ابن القاسم عن رجل باع مالاً له أو سلعة ما كانت ؟ وحلف ألا يقيل صاحبه ولا يضع عنه فقضى عليه السلطان بردها ، قال لا حنث عليه وليس هذا مما حلف عليه .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة وقد مضى القول فيها في رسم يسلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .

(3/228)


ومن سماع عبد المالك بن الحسن
وسؤاله ابن القاسم
مسألة
قال عبد المالك : قال ابن القاسم : من حلف ألا يأكل دجاجاً فأكل ديكاً حنث ومن حلف ألا يأكل دجاجة فأكل ديكاً فلا حنث عليه لأن الديكة دجاج في كلام الناس واسم الدجاج لجميع الذكور منها والإناث ومن حلف ألا يأكل ديكاً فأكل دجاجة لم يحنث ومن حلف ألا يركب فرساً فركب برذوناً حنث ومن حلف ألا يركب برذوناً فركب فرساً لم يحنث .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن يمين الحالف إذا عريت عن نية أو بساط أو مقصد يخالف لفظه حملت على ما يقتضيه اللفظ في اللسان ، والدجاج لا يتسمى ديكاً ، فإذا حلف ألا يأكل ديكاً أو ديكة فلا يحنث بأكل الدجاج والدجاج يقع على الذكور والإناث فمن حلف ألا يأكل دجاجاً فأكل ديكاً حنث لأن لفظه اقتضاه ، وكذلك البرذون تسمى فرساً والفرس لا تسمى برذوناً فوجب أن يحنث من حلف ألا يركب فرساً فركب برذوناً وألا يحنث من حلف ألا يركب برذوناً فركب فرساً وبالله التوفيق .
مسألة
قال : وسألت ابن وهب عمن قال : علي عهد الله وأشد ما حمل أحد على أحد ، قال عليه في العهد كفارة يمين ، وليس في أشد ما حمل أحد على أحد إلا كفارة يمين .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول على هذه المسالة مستوفى في رسم أوصى من سماع عيسى فأغنى ذلك عن إعادته .

(3/229)


مسالة
وسئل عمن حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض ، فقال هو حانث قلت فإن حلف أن يطأها فوطئها وهي حايض قال هو حانث إلا أن يكون نوى ذلك .
قال محمد بن أحمد : أما الذي حلف ألا يطأ امرأته فوطئها وهي حائض فلا إشكال في أنه حانث ولا اختلاف لأنه إذا لم تكن له نية في ألا يطأها وهي طاهر وجب أن يحنث لأنا إن حملنا يمينه على المجانبة حنث ، وإن حملناها على مقتضى لفظه حنث ولا يصح أن يحمل يمينه على أنه أراد ترك نوع الوطء دون غيره إذ قد عم جميعها لفظ النفي ، وأما الذي حلف ألا يطأها فوطئها وهي حائض ، فقال في الرواية إنه حانث ويدخل في ذلك اختلاف بالمعنى ، لأن الوطء المعروف هو الوطء في حال الطهر ، فالظاهر من أمر الحالف أنه قصد إلى ذلك لا إلى الوطء في حال الحيض فغن غلب الظن بذلك ، وحملت يمينه عليه لم نحنثه ، وإن لم نغلب الظن بذلك وحملنا يمينه على مقتضى لفظه حنثناه لأن الوطء في حال الحيض وطء ، والواطئ فيه واطئ حقيقة وقد مضى من هذا النحو مسائل كثيرة منها مسألة الذي حلف أن يأكل الطعام فأكله بعد الفساد في رسم إن كلمتني من سماع عيسى ، فالاختلاف فيها داخل في هذه لاستوائهما في المعنى .
مسألة
وسئل عن رجل حلف لينتقلن من منزله فترك شيئاً في بيته مثل الزم والوتد والفخار ، قال ابن وهب إن كان تركه وهو لا يريد الانصراف فيه فلا حنث عليه وإن كان نسيه فأراه حانثاً .
قال محمد بن أحمد : قد مضى القول في هذه المسألة في رسم أوصى من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .

(3/230)


من سماع أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم
من كتاب النذور
مسألة
قال أصبغ : قلت لابن القاسم أرأيت إن حلف رجل لرجل في حق بالمشي إلى بيت الله فحنث فقال إنما نويت المسجد أينفعه ذلك أم يفترق ابتدأه باليمين أم لم يبتدئ ، قال أرى ذلك ينفعه وأرى ذلك إلى نيته وما أراد ابتدأه باليمين أم لم يبتدئه ولا شيء عليه وليس يفترق ذلك ، قال : قلت فكيف أفرق في حلفه له بالطلاق أو الحلال عليه حرام ؟ فقال تلك حقوق كان يقضي فيها إن ظهرت ، وهذا هنا ، مما ليس يقضي فيه إن ظهر ولا يلزمه فلذلك تركه ونيته ، قال أصبغ ليس يفترق إلا في الأحكام ، فأما في الحنث فيما بينه وبين الله فأراه عليه وأراه لازماً له ولا تنفعه نيته إذا كان في حق أو وثيقة فيما أحلفه أو حلف له .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى من تحصيل القول فيها في رسم شك من سماع ابن القاسم ما يغني عن إعادته ها هنا وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل له على رجل حق فحلف المطلوب إن بات الليلة لك على شيء ما حد المبيت ؟ قال قدر نوم الناس ما يؤخر له صلاة العشاء وذلك ثلث الليل الأول ، قال أصبغ لا أرى ذلك وإنما الأيمان بمعاني أمور الناس وما يعرف ، فأراه إن كان حلف نهاراً قال غروب الشمس ودخول الليل ، وإن كان حلف عشياً فإلى انقطاع الرجل وهو والناس إلى بيوتهم ، هذا

(3/231)


الذي ترى أنه يراد ، وليس أن يبيت معه حتى يعطيه في ثلث الليل قبل نومه إن شاء الله تعالى .
قال محمد بن رشد : أما قول أصبغ فبين على مراعاة المقصد وترك الاعتبار بمقتضى اللفظ لأن حنثه بتجاوز القدر الذي جرت عادة الناس بالقضاء فيه ، لأنه حملي يمينه على ذلك وأما قول ابن القاسم فبناه على الاعتبار بمقتضى اللفظ وترك مراعاة المقصد ، وفيه نظر إذ جعل المقام إلى ثلث الليل مبيناً لحنثه فحنثه إن لم يقضه فيما بينه وبينه ، فالصواب أنه لا حنث إن قضاه قبل نصف الليل إذ لا يكون الرجل بائناً في المكان إلا إذا أقام فيه أكثر من نصف الليل ، وهذا متعارف عند الناس ، ألا ترى أنك إذا لقيت رجلاً قبل نصف الليل حسن أن تسأله أين تبيت ، وإذا لقيته بعد نصف الليل حسن أن تسأله أين بات ، وهذا قائم من قول مالك في المدونة إنه لا دم على من بات في غير منى ليالي مني إلا أن يبيت ليلة كاملة أو جلها ، لأن الدم إنما يجب في البيت عن منى ، لا في الإقامة عنها بعض ليلة ، بدليل ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المبيت في غير منى ليالي منى ، وأنه كان يزور البيت في كل ليلة من ليالي مني فلم يجعل مالك الرجل بايتاً عن منى إلا إذا أقام في غيرها جل الليلة وهو أكثر من نصفه وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : وقال ابن القاسم وإذا قال الرجل وحق الله ولا حق الله يمين مثل لعمر الله ، كفارته كفارة اليمين بالله .
قال محمد بن أحمد : إنما مثل القاسم القسم ، بوحق الله بالقسم بـ "لعمر الله" لأنه حمله في الوجهين على أنه قسم بصفة من صفات الله تعالى ، ذلك مفهوم عنده من قصد الحالف وإرادته نحو الله قدرته وعظمته وجلاله وعمر الله بقاؤه ، وحقق ها هنا أن لعمر الله يمين ، ولم يحقق ذلك في رسم أوصى من سماع عيسى وقد مضى القول على ذلك هناك .

(3/232)


مسألة
قال أصبغ : سألت ابن القاسم عن الذي يحلف للرجل في حق له وثيقة بالحلال عليه حرام ليدفعنه إلى أجل فحنث وعلى يمينه بينة ويزعم أنه حاشى امرأته فقال لي هذا أمر قد اختلف فيه ورددني فيه غير مرة ، ثم قال قد بلغني عن مالك فيها شيء وأنه حنثه ، قال اصبغ وقال ابن القاسم وقد كلمت فيها غير واحد من أهل المدينة ابن أبي حازم وغيره ، فلم يروا عليه شيئاً ورأوا أن ذلك له ، قال وهذا رأيي أرى ذلك له ، قلت وإن كانت عليه بيمينه بينة ، قال نعم وإن كانت عليه بينة بيمينه ، قال أصبغ وله قول غير هذا وقد فسرته لك .
قال محمد بن رشد : قول القائل الحلال علي حرام لفظ عام يدخل تحته الزوجة في القياس على أصولهم إذا ادعى محاشاتها وقد حضرته بينة أن لا ينوي لادعائه نية مخالفة لظاهر لفظه ، كمن حلف ألا يكلم فلاناً ثم قال نويت شهراً أو لا يشتري ثوباً ثم قال نويت رسيا ، وتنويته مع حضور البينة له استحسان مراعاة لاختلاف أهل العلم في أصل اليمين ، إذ منهم من لا يوجب فيها إلا كفارة يمين إلى ما سوى ذلك من الأقاويل المختلفة ، وأما إذا لم تحضره بينة وادعى المحاشاة ففي ذلك أربعة أقوال على قياس المذهب ، أحدها أن يمينه على نيته فله ما ادعاه من المحاشاة ولا تطلق عليه ، والثاني أن يمينه على نية المحلوف له فلا ينفعه ما ادعى من المحاشاة وتطلق عليه ، والثالث الفرق بين أن يكون مستحلفاً أو متطوعاً باليمين فلا ينوي إذا كان مستحلفاً وينوي إذا كان متطوعاً باليمين ، والرابع القول بعكس هذه التفرقة ، وقد مضى ذلك في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وعلى مراعاة الخلاف في اليمين تكون له نيته على كل حال ولا تطلق عليه ، وأما إذا حلف

(3/233)


الرجل على نفسه ولم يحلف لغيره فلا اختلاف في أنه له نيته إذا أتى مستفتياً وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل صناع وقع في قرية فكان يعمل فيها لأهلها فأوذي فحلف ألا يعمل لأحد من أهل تلك القرية إلا لفلان وفلان لأقوام سماهم بأعيانهم فأراد بعض أولئك النفر الذين استثنى في يمينه أن يستأجره لنفسه بأجرة ثابتة له في رقبة المستأجر سنة ثم يجعله يعمل له ذلك العمل في حانوت فما دخل كان للمستأجر ، فقال إن كان إنما هو أجير يعمل بيده للذي استأجره لا يأخذ ولا يعطي ولا يلي معاملة الناس والأخذ والإعطاء فلا بأس ولا شيء عليه ، وإن كان إنما استأجره ثم يطلقه في حانوته يكون بيده وصاحب المعاملة فيه والأخذ والإعطاء وهو حانث إن فعل لأن الضمان في ذلك يقع عليه لمن عامله ودفع إليه وذلك الذي كره في مخرج يمينه أنه إنما كره معاملة الناس والضمان ، فأراه حانثاً إن فعل ، وقاله أصبغ إلا أن يكون إنما كره أيضاً الصنعة ووجه قطعها وقطع منفعتها فيه عنه وتوليها له وجريها له على يده ونحو ذلك فلا يجوز له ذلك على حال .
قال محمد بن رشد : قول أصبغ مفسراً لقول ابن القاسم ويمينه محمولة بساطها على أنه إنما كره معاملة الناس والأخذ والإعطاء فيجوز له أن يعمل أعمال أهل القرية لأولئك النفر الذين استثنى إذا كانوا هم الذين يلون المعاملة والأخذ والإعطاء إلا أن يكون كره الصنعة وجريها على يده فلا يجوز له أن يعمل لهم عملاً وإن كان النفر الذين استثنى هم الذين يلون المعاملة والأخذ والإعطاء دونه وإنما يكون له أن يعمل له ما يخصهم من أعمالهم .

(3/234)


مسألة
قال ابن القاسم : لا يجوز للذي يحلف ألا يساكن أخاه وهما في دار واحدة أن يبنيا جداراً بينهما ويمكث معه .
قال محمد بن رشد : يريد ويحنث إن فعل ، خلاف قوله في المدونة إنه لا بأس بذلك ولا حنث عليه إن فعل ، قال في العشرة إذا لم يكن بينهما خوخة ولا شيء يحصل منه عيال أحدهما إلى الآخر وينال به الحجة من غير خروج إلى باب ، قال ابن حبيب ولا أحب الجدار من الجريد ولم يعجب ذلك مالكاً فيها أعني في المدونة وكرهه ، ولا يختلف في أن ذلك يجوز له إذا كانت يمينه لما يقع بين النساء والصبيان ولا في أن ذلك لا يجوز له إن كان إنما كره جواره وأراد التنحي عنه ، وإنما الاختلاف إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط فحمله في أحد قوليه على كراهة التنحي وكراهة الجوار توقياً من الحنث ، وحمله على القول الثاني ما يقتضيه لفظه من المساكنة فلم يحنثه ، لأن الجدار يقطع المساكنة بينهما وهو القياس ، ولو عين الدار فحلف ألا يساكنه في هذه الدار لما بر بأن يبنيا بينهما فيها جداراً والله أعلم .
مسألة
قال : وسئل عن رجل حلف لرجل ليوافينه من يوم سماه بموضع كذا وكذا فيأتي الحالف ذلك الموضع في ذلك اليوم فلا يجده ، قال إذا أتى الموضع الذي حلف أن يوافيه في اليوم الذي سمى فلم يجده فلاشيء عليه ، قال أصبغ وذلك إذا ظل يومه كله به ولم يأته ولم يكن بينهما وقت لحين من النهار من ذلك اليوم فيأتي له وينقضي ولم يأته ، فأما أن يأتي متى أحب ويمسح ذلك مسحاً ويذهب حين لا يجبره عند مجيئه فهو حانث وليس هذا مجيئاً ولا موافاة .

(3/235)


قال محمد بن أحمد : ليس الأمر على ظاهر قول ابن القاسم من أنه يبر بأن يأتي ذلك الموضع مرة واحدة وإن لم يجده ولا على ظاهر أصبغ من أنه لا يبر قال محمد بن أحمد : ليس الأمر على ظاهر قول ابن القاسم من أنه يبر بأن يأتي ذلك الموضع مرة واحدة وإن لم يجده ولا على ظاهر أصبغ من أنه لا يبر إذا لم يجده إلا بأن لا يفارق الموضع يومه كله ، والذي يبر به على قولهما جميعاً إذا لم يجده أن يتكرر على الموضع في الأوقات التي يرجو وجوده فيها يبين ذلك ما وقع في رسم جاع من سماع عيسى وقد مضى الكلام على ذلك هنالك والمسألة متكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حاشى قول أصبغ .
مسألة
قال أصبغ : سألت ابن القاسم عمن حلف ألا يحضر عرس بعض إخوانه فأعرس وفرغ من عرسه وصنيعه فصنع بعد ذلك طعاماً فدعاه أيجيبه كان بحدثان ذلك أو بغير حدثانه ؟ فقال : إن كان إنما صنع ذلك الطعام له لمكان العرس وبسببه ومن أجله فلا يدخله ، وإن كان إنما صنع طعام ًهكذا وليس لذلك فلا بأس به ، قلتك أرأيت إن كان إنما صنع ذلك الطعام له لمكان ما لم يحضر من عرسه ، قال : فلا يفعل لا يدخل ، قال أصبغ : ولا يدخله إذا صنع بحرارة العرس ، وإن صنعه زعم لغير ذلك لما يخالط الناس من الشك في ذلك واستجسارة الناس مثل ذلك وتأويلهم فيهم والتهمة للصانع في ذلك فإن فعل حنث .
قال محمد بن أحمد : وهذا كما قال إن الحالف ألا يحضر عرس الرجل لا يجوز له أن يحضر طعاماً صنعه له مكان العرس لمغيبه عنه لأن معنى ما حلف عليه ترك صلته في عرسه وإدخاله الغم عليه بمغيبه عنه وإظهار الكارهة لنكاحه بذلك ، فوجب أن يحنث إن شهد شيئاً من توابع العرس إن طعاماً صنعه له عوض العرس إلا أن يكون إنما حلف ألا يشاهد عرسه كراهة

(3/236)


الزحام لا كراهة لصلته ولا لنكاحه ، فلا يحنث بإجابته إلى طعام صنعه له لمكان ما لم يحضر من عرسه إذا لم يكن فيه زحام على أصولهم ، وما قاله ابن القاسم في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق .
مسألة
قال أصبغ : سئل ابن القاسم عمن حلف على رجل ألا يسأله حاجة أبداً فاحتاج إلى ما في يديه فلزم الجلوس معه بتعرضه أن يصله من غير أن يسأله ، فقال : إن تعرضه بالكلام مثل أن يكلم غيره وهو يريده فأراه حانثاً ، والتعريض بهذا مثل مسألة ما لو حلف ألا يكلمه فكلم غيره وهو يسمع وهو يريده ، وقال أصبغ وإن تعرضه فذكر الحجة وصرح بها وذكرها عن نفسه أنه محتاج ولم يكلم بذلك أحداً لا هو ولا غيره إلا ذكر حاجة نفسه عن نفسه وما بلغت منه ونحو ذلك ، فأراه تعريضاً يحنث به لأنه كلام وتعريض بكلام ، قال أصبغ : فقلت لابن القاسم : فإن تعرض بالجلوس فقط لا يتعرضه بشيء من الكلام ولا الفعل إلا الجلوس وحده ، ولم يكن يجالسه ، قال : لا أحب له أن يفعل ذلك إن فعل لم أر عليه شيئاً ولا أحب له أن يفعل يعني ويكف ولا يعود ، وقال أصبغ مثله إن سلم من فنون ذلك والحركة فيه على الأوجه كلها ، كالذي يحلف ألا يكلم امرأته فيجلس معها ويأخذها ويطأها أو التطاول فيه وله ، أو المطاولة عليه حتى يستدل المطلوب بذلك على إرادته وحاجته فهو حانث .
قال محمد بن أحمد : قوله إن التعريض بالسؤال يحنث الحالف به صحيح ، إذ قد يكون من التعريض ما هو أبلغ في السؤال من التصريح به

(3/237)


ولذلك يجب الحد في التعريض بالقذف ، وسواء كان تعريضه بأن يذكر له حاجته وما بلغت منه ، أو يذكر ذلك لغيره وهو يريد إسماعه ، لأن من حلف ألا يكلم رجلاً فكلم غيره يريد إسماعه فسمعه حنث باتفاق ، وإنما يختلف إذا أراد إسماعه ولم يسمعه ، ولم ير ابن القاسم أنه يحنث بالتعريض بالجلوس ، وهو على أصله في من حلف ألا يكلم رجلاً فأشار إليه بكلام فهمه عنه أنه لا حنث عليه فهم المحلوف عليه من طول جلوسه وحركته حاجته أو لم يفهم ، وفي تفرقة أصبغ بين ذلك نظر ، لأن الجلوس وحده إذا لم يكن يجالسه قبل تعريض بالمسألة ، بدليل قوله عز وجل : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } لأن المعتر هو الزائر الذي يعتريك ولا يسألك ، فيجب أن يحنث الحالف به إذا أراد به التعريض وإن لم يكن معه زيادة عليه ولا فهم ذلك عنه المعرض له على القول بأن الإشارة كالكلام لأنه يفهم منه التعريض بالمسألة وإن لم تكن معه إشارة كما يفهم بالإشارة .
مسألة
قال أصبغ : سمعت أشهب وسئل عن رجل حلف ألا يأكل في المسجد من ماله شيئاً ، قال : فكنت أفطر في المسجد مع أصحابه من طعامهم فخرجت ليلة من المسجد إلى خارج الباب فناولني إنسان قرصاً فدخلت المسجد فأكلته ، وقيل لأشهب إنها نازلة ، فقال : ما أبالي أنازلة أم واقعة لا حنث عليه ، فقيل له أو لا نراها قد صارت في ملكه ومالاً من ماله حين أعطيها ؟ فقال وهو أيضاً إذ دعي في المسجد يأكل معهم فإذا رفع اللقمة إلى فيه فقد صارت مالاً من ماله ، لا يرى هذا كله مالاً من ماله في وجه ما حلف عليه .

(3/238)


قال محمد بن رشد : الجواب صحيح والانفصال مما اعترض به عليه السائل غير صحيح ، ووجه الجواب أن يمين الحالف إنما يحمل على ما يملك يوم اليمين لا على ما يستفيد بعد ذلك لأن الذي يقول مالي على المساكين صدقة إن فعلت كذا وكذا فأفاد مالاً ثم فعله الاختلاف فهي في أنه لا يلزمه أن يتصدق إلا بثلث ما كان يملكه يوم اليمين إلا أن يقول مالي يوم أفعل كذا وكذا على المساكين صدقة إن فعلته ، أو يريد ذلك ، فكذلك هذه المسألة لا يدخل ما أعطي بعد اليمين فيما حلف عليه إلا أن ينص على ذلك أو يريده ولو نص على ذلك أو أراده لحنث إن أكل في المسجد القرص الذي أعطي على بابه ، لأنه قد صار مالاً من ماله قبل أن يأكله ، ولو شاء لم يأكله وذهب به إلى بيته أو صنع به ما شاء ، ولو أراد إذا دعاه أصحابه ليأكل معهم كلما قطع لقمة ورفعها إلى فيه أن يجعلها في كمه ويذهب إلى بيته أو يعطيها لغيره لم يكن ذلك له إذا لم يأذن له فيه أصحابه ، فبان الفرق بين الموضوعين وبطل الانفصال من الاعتراض كما قلناه .
مسألة
وسئل عمن حلف ألا يبيع سلعة بمائة دينار حتى يزداد فازداد ديناراً حسبته قال : فلا شيء عليه وذلك يبريه .
قال محمد بن أحمد : وقعت هذه المسألة في أول نوازل أصبغ أكمل مما وقعت هنا فأرجأ الكلام فيها إلى أن نمر بها هناك .
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يدخل بلدة وفلان عليها وال ، فاحتاج أن يمر بقرية من عملها مجتازاً إلى بلد آخر بينها وبين المدينة الأخرى اليوم واليومان ولا يدخل المدينة ، قال إذاً يحنث .

(3/239)


قال محمد بن رشد : وكذلك لو كان بينهما وبين المدينة أكثر من ذلك ، ولا اختلاف في ذلك إذ قد صرح بأن يمينه ألا يدخل البلدة وإنما هو من أجل أن فلاناً عليها والٍ فلا يدخل شيئاً من عملها قرب أو بعد من أجل ولايته عليها ، واختلف إذا حلف ألا يدخل بلدة ولم يذكر لذلك علة ولا كانت نية ، فقيل إن يمينه محمولة على عملها حتى يريد الحاضرة بعينها ، وقيل إن يمينه محمولة على الحاضرة بعينها حتى يريد عملها ، والأول قول ابن كنانة ، والثاني قول ابن القاسم ، واختلف في حد عملها إذا نواه أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه ، فقيل عملها وإن بعد وهو قول ابن كنانة ، وقيل أقصاه ما يقصر فيه الصلاة ، وهو قول ابن القاسم ، واختلف أيضاً في حد الحاضرة إذا نواها أو لم تكن له نية على القول بأن يمينه محمولة عليه ، فقيل حدها أقصى ما تقصر فيه الصلاة أربعة برد وهو قول ابن كنانة ، وقيل حدها ما يجب منه الإيتان للجمعة وهو قول مالك وابن القاسم وأحد قولي أصبغ واختيار ابن المواز ، وقيل حدها ما يقصر فيه الخارج ويتم فيه الداخل وهو أحد قولي أصبغ .
مسألة
وسئل عن رجل عاتبته امرأته فقالت : نأكل من غزلي وعمل يدي وكسبي فحلف ألا يأكل من عملها شيئاً ثم دخل عليها يوماً فدعا بشربة حريرة من ماله ودعا بعسل كان له في التابوت فاخطأت المرأة ، فجاءت بزيت كان لها من عمل يدها أو دهن اشترته لرايتها فصبته فيه فشربه ، فقال إن كان زيتاً فهو حانث وإن كان دهناً فلا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : إنما لم يحنثه في الدهن من أجل أن الدهن لما كان مما ليس أن يتخذ للأكل حمل يمينه على ما يتخذ ، إذ رأى أن ذلك هو

(3/240)


مقصده بها ويحنث به على القول إنه لا يراعي المقصد المظنون ويحمل يمينه على ما يقضيه اللفظ المظنون به ، وقد مضى ذلك في سما عبد المالك وفي مواضع من سماع عيسى وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل أشه عن رجل حلف لرجل ليقضيه طعاماً له عليه إلى أجل من ابتياع فابتاع طعاماً فأحاله به قبل أن يقضيه ومضى الأجل ، فقال : إن كان المحال قد قبضه قبل الأجال فالحالف بار في يمينه ، وقاله أصبغ في اليمين ، وينسخ البيع بعد بينهما وقد بر إن شاء الله تعالى .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول فيها موعباً في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يبيع سلعتين له إلا بعشرة دنانير فباع إحداهما بعشرة ثم باع الأخرى بخمسة ، فقال : إن كان الذي يصيب قيمتها من العشرة التي كان عليها فلا شيء عليه ، وإنما ينظر إلى ما يصيبها من العشرة في القيمة فإن كان يصيبها في القيمة ستة فباع بها أو سبعة فلا شيء عليه ، وإن كان يصيبها خمسة فباع بستة فلا حنث عليه ، وإن باع بأربعة فهو حانث إذ باع ذلك بأقل مما يصيبها في القيمة من العشرة فهو حانث ، قلت له فإن باع الأولى بأقل مما يصيبها من العشرة في القيمة ثم باع الثانية بتمام القيمة أو أكثر قال : هو حانث ساعتئذ ، قال أصبغ : مثل هذا الآخر وهو القول فيها والصواب .

(3/241)


قال محمد بن رشد : قوله في آخر المسألة فهو حانث ساعتئذ معناه ساعة بيع السلعة الأولى ، وقد مضت هذه المسألة وتحصيل القول وما فيها من الاختلاف في رسم إن خرجت من سماع عيسى ، وسيأتي في نوازل أصبغ بعد هذا القول في الذي يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمن سماه من سلعة أخرى صفقة واحدة ، لأنها وقعت هناك وفي سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق حايله عن غير تحصيل .
مسألة
وسئل عن رجل كان له على رجل مال فجحده ثم ظفر له بمال فأراد أن يأخذ منه مقدار ما له عنده ويرد ما بقي فإن استحلفوه عليه أيحلف ؟ قال : لا أرى أن يحلف كاذباً إلا أن يقبلوا منه أن يحلف مالك عندي شيء فإن من الناس من لا يقبل هذا إلا أن يحلف عليها ، فإن قبلوه منه فليحلف مالك عندي شيء إن شاء الله .
قال محمد بن أحمد : ظاهر قوله أنه أباح الأخذ ولم ير له أن يحلف أنه ما أخذ منه شيئاً لأنه يكون في يمينه بذلك كاذباً ، فأما إباحته له الأخذ فإن كان أشهب وهو الظاهر من أجل أن المسألة معطوفة على التي قبلها والتي قبلها معطوفة على قوله فهو منصوص من قوله في المبسوطة ، وهو قول ابن وهب أيضاً وروايته عن مالك وقول ابن الماجشون ، وزاد : بل أرى له إعمال الحيلة حتى يأخذ منه مثله ما أخذ له وإن كان ابنا لقاسم فذاك خلاف قوله وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أنه لا يأخذ للحديث الذي جاء : "أد الأمانة إلى من استئمنك ولا تخن من خانك" ، والأول أظهر ، لأن من أخذ

(3/242)


حقه فليس بخائن ، فمعنى قوله لا تخن من خانك أي لا تأخذ أكثر من حقك فتكون قد خنت من خانك ، بدليل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هنداً أن تأخذ من مال زوجها حقها الواجب لها ولولدها قبله بالمعروف إذا مسك عنها ، فقال : خذي يا هند ما يكفيك وولدك بالمعروف ، فعلى هذا يتخرج الحديثان ولا يحملان على التعارض ، وقوله لا أرى أن يحلف كاذباً معناه عندي لا أرى أن يحلف كاذباً في ظاهر يمينه مع أن ينوي يصح له به الحلف ، فإن فعل لم يكن آثماً إذ لم يقتطع بيمينه حقاً للمحلوف ، وقد مضى الاختلاف في هل تكون له نية أم لا في رسم شك من سماع ابن القاسم ؟ وأما إن كذب دون نية ينويها فذلك لا يحل ولا يجوز لأنها يمين غموس وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يبتدئ رجلاً فصالح امرأته فابتدأه ثم راجع امرأته فابتدأه ، قال لا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : معنى هذه المسألة أنه حلف بطلاق امرأته ألا يبتدئه فالذي يأتي فيها على مذهب مالك أن اليمين ترجع عليه إذا راجعها ويحنث إن ابتدأه بعد مراجعته إياها ، لأنه حالف بجميع الملك فلا تسقط عنه اليمين إلا أن يطلقها ثلاثاً ، وقد قال ابن زيد في النوادر قوله فابتدأه فلا شيء عليه ليس على أصولنا ، وقد سقط في بعض الكتب وأراه غلطاً ، وقوله صحيح إنما يأتي على مذهب الشافعي الذي يقول : اليمين لا ترجع في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحدة طلقها أو ثلاثً ، وقد مضى هذا المعنى في رسم يدير من سماع عيسى وبالله التوفيق .
من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ
مسألة
وسئل أصبغ عن الرجل يحلف في السلعة لا يبيعها بمائة دينار

(3/243)


حتى يزاد ، كم ترى تبرئه يمينه فيها ؟ وكم الزيادة التي يخرج بها من الحنث ؟ قال : الدينار في المائة تبرئة يمين ، وأرى النصف دينار في الخمسين تبرئة يمين ، وهو قول ابن القاسم لي ، قلت والعشرون الدينار هل ترى خمس دينار فيها تبرية يمين على حساب الدينار في المائة ؟ قال : لا أرى ذلك لأن الدينار إذا جزيته على المائة لم يصب منه العشرين الدينار أو الثلاثين الدينار أو ما أشبهها إلا الأمر اليسير الذي لا بال له ولا قدر ، وإذا اجتمع النصف الدينار في الخمسين ونحوها والنصف والدينار في المائة كان له قدر وموقع وبال إلا أن يكون للحالف نية فيما أراد من الزيادة فيما حلف فله ما نوى ، فإن لم تكن له نية فأرى هذا يبريه .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن الأيمان إنما تحمل على ما يقتضيه لفظ الحالف إذا لم تكن له نية ولا ظهر له مقصد إرادة وقد علم بالعرف العادة أن الحالف إذا حلف ألا يبيع سلعته بكذا حتى يزاد على ذلك ، أنه إنما أراد زيادة لها قدر على حال الثمن فلس من حلف ألا يبيع سلعته بألف مثقال حتى يزاد كمن حلف ألا يبيع سعلته بعشرة دنانير حتى يزاد إذ يعلم أن المثقال الواحد وما يقرب منه لا قدر له عند الألف مثقال ، وأن ربع دينار ونحوه له قدر عند العشرة دنانير ، والحد في ذلك ليس فيه أن يرجع إليه ولا قياس يبني عليه ، وإنما هو الاجتهاد على غير قياس ، وطريقة غلبة الظن بمقدار ما قصده الحالف من الزيادة ليمينه ، ولذلك وقع الاختلاف بينهم في ذلك ، فاستحب ابن الماجشون في الواضحة ألا يبر في المائة الدينار إلا بالثلاثة دنانير ونحوها إلى نحو هذا ذهب سحنون فلم يرد زيادة دينار في المائة بتبرية يمين ، وذكر له قول بعض الناس أن رفع دينار في المائة تبرية يمين ، لأن القطع يجب فيه فأنكره ، إذ لا وجه للاعتبار بالقطع في ذلك لمخالفة معناه معنى اليمين ، ومحمد بن عبد الحكم أنه يبر بأقل من ذلك ،

(3/244)


وقوله مبني على الاعتبار بما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد ، وهو في هذه المسألة بعيد لظهور المقصد فيها ونيته بما يخالف للفظ ، وأشهب يرى خمس دينار في العشرين ديناراً تبرية على حساب الدينار في المائة دينار .
مسألة
قلت : فإن باع هذه السلعة التي حلف فيها مع سلعة أخرى فأراد أن يضع من ثمن هذه السلعة الأخرى شيئاً بعد أن استقصى في السلعة التي حلف فيها تبرية يمينه ، قال : إن وضع من هذه السلعة التي أدخل مع التي حلف فيها من ثمنها الذي يراه أهل البصرة أقصى ثمنها فهو حانث .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة فيها نظر لأن السلعتين إذا بيعتا في صفقة واحدة وسمي لكل واحد منهما ثمن فالتسمية غير معتبرة ، والواجب أن يفض جميع الثمن الذي بيعتا عليه قيمة السلعتين فإن رفع للسلعة التي حلف فيها من جميع الثمن ما حلف عليه فأكثر بر وإن وقع عليها أقل مما حلف عليها حنث فقد لا يضع من قيمة السلعة التي يضم إلهيا فباعها معها صفقة واحدة شيئاً فيحنث ، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها ثمانون فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب منها للسلعة المحلوف عليها أقل من مائة دينار وهو قد حلف ألا يبيعها بأقل من مائة ، وقد يضع من قيمة السلعة التي ضم إليها فباعها صفقة واحدة شيئاً فلا يحنث ، وذلك مثل أن يكون له سلعة قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير فيحلف ألا يبيعها بأقل من مائة فيبيعها بمائتي دينار مع سلعة أخرى قيمتها مائة دينار وعشرة دنانير على أن ثمن كل سلعة منها مائة دينار لأن المائتي دينار تفض على قيمة السلعتين فيجب للسلعة المحلوف

(3/245)


عليها مائة دينار كما حلف ، وكذلك يكون الحكم أيضاً في هذه المسألة في البر والحنث على القول باعتبار التسمية لأن البيع لا يجوز على هذا القول ، وهو قول مالك في الدمياطية وفي سماع ابن القاسم من كتاب كراء الدور في بعض روايات العتية ، إلا أن يكون سمى لكل سلعة من الثمن ما يقع لها منه على قدر قيمتها من قيمة صاحبتها ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في رجل حلف ألا يجامع رجلاً تحت سقف بيت فأدخله الإمام الحبس كارهاً ، قال : هو حانث وقد جامعه تحت سقف بيت إلا أن يكون له نية ألا يدخل طائعاً .
قال محمد بن رشد : وهذا إذا سجنه الإمام في حق ، وحكى الإمام ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ أنه لا حنث عليه إذا سجن والمحلوف عليه في السجن مسجوناً أو غير مسجون ولا إذا سجن فدخل عليه المحلوف عليه في السجن أيضاً مسجوناً أو غير مسجون ، وهذا الاختلاف على اختلافهم فيمن حلف ألا يفعل فعلاً فقضى به عليه السلطان ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك من رسم تسلف من سماع ابن القاسم ، وأما إذا سجن مظلوماً في غير حق فلا حنث عليه ، قاله ابن المواز ، وهو صحيح لأن مكره بمنزلة من حلف ألا يفعل فعلاً فأكره على فعله ، ولا اختلاف في ذلك ، وإنما اختلف فيما إذا حلف ليفعلن فعلاً فمنع من فعله وحيل بينه وبينه ، فالمشهور أنه حانث إلا أن يكون نوى إلا أن يغلب ، وقال ابن كنانة : لا حنث عليه ، وأما إذا دخل الحالف السجن باختياره غير مسجون والمحلوف عليه فيه مسجوناً أو غير مسجون أو دخل عليه فيه مسجوناً أيضاً أو غير مسجون فلا اختلاف في أنه حانث ، ولو جامعه في المسجد لم يحنث ، قال مالك : لأنه ليس على هذا حلف ، ولو جامعه في الحمام حنث ، قال في كتاب ابن المواز لأنه لو شاء لم يدخله ، وليس هذا التعليل ببين ، لأن له مندوحة عن دخول المسجد أيضاً

(3/246)


إلى غيره من المساجد ، ولا فرق بين الحمام والمسجد في هذا على تعليل مالك ، ولا على التعليل الذي يفي كتاب محمد ، فإما أن يحنث فيهما دون مراعاة المقصد ، وإما أن لا يحنث فيهما جميعاً على اعتبار ما يقتضيه اللفظ دون مراعاة المقصد ، وقد مضى في رسم جاع من سماع عيسى وفي غيره من المواضع بيان هذا .
مسألة
وقال في رجل اشترى جارية من رجل ، فقال إني أخاف أن تجيز بها البحر أنت أو ابنك فحلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه ، فباعها ممن أجازها ، فقال البائع إنما أردت ألا يجاز ، قال أصبغ ممن يجزيها فهو حانث أو باعها مبهماً ولم يحذر إجازتها فأراه حانثاً فأما إن كان باعها ممن لا يجيزها فأجازها الذي اشتراها فلا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : إنما حنث المشتري الذي حلف للبائع ألا يجيز الجارية البحر هو لا ابنه ببيعه إياها ، ممن أجازها إذا لم يشترط على مشتريها منه ألا يجيزها ، لأنه جعل يمينه على نية البائع المحلوف له وهو قد قال إنما أردت الإيجاز فكان كأنه قد حلف ألا يجيزها البحر هو ولا ابنه ولا أحد بإباحة ذلك له ، فإذا باعها ولم يشترط على المشتري ألا يجيزها فأجازها فقد أباح له إجازتها ووجب عليه الحنث ، وإذا باعها وشرط على المشتري ألا يجيزها فأجازها لم يحنث إذ لم يبح ذلك له ، وقد اختلف في البيع على هذا الشرط فقيل إنه بيع فاسد يجبر المتبايعان على فسخه ما كان قائماً ويكون فيه القيمة بالغة ما بلغت إن فات ، وقيل إنه يفسخ ما دام البائع متمسكاً بشرطه فإن ترك الشرط جاز البيع وإن فات كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن ، وقيل

(3/247)


إنه إذا فات على هذا القول كان للبائع قدر ما نقص من الثمن بسبب الشرط ، وذلك ما بين القيمتين من الثمن ، ولا تأثير للاختلاف الواقع في حكم هذا البيع فيما ذكرناه من ان البائع يبر في يمينه به .
مسألة
وقال في الرجل يحلف بصدقة سلعة إن نقصها من ثمن سماه فباعها بأقل ، قال أصبغ هو حانث ويمضي البيع عليه ويكون عليه أن يتصدق بالثمن الذي باعها به إلا أن يكون حابى فيكون عليه أن يتصدق بقيمتها ، فإن كانت السلعة من مال قراض ، قال فعليه أن يتصدق بما يصيبه منها ، قال وكذلك لو أن رجلاً تصدق بسلعة بينه وبين رجل تصدق بها كلها ، فليس عليه إلا ما كان له فيها وليس لشريكه أن يمضي عليه نصيبه ويأخذ منه قيمته ، ولكن إن شاء أن يمضي على نفسه فهو أعلم .
قال محمد بن رشد : أما الذي حلف بصدقة سلعة ألا يبيعها إلا بكذا فباعها بأقل فلا اختلاف في المذهب أن الأمر على ما قال من أنه يكون عليه أن يتصدق بأكثر من قيمتها أو الثمن الذي باعها به ، يريد ولا يجبر على ذلك بالحكم وإنما لم يجبر على ذلك بالحكم لاختلاف أهل العلم في وجوب ذلك عليه من وجهين . أحدهما لزوم اليمين بالصدقة . والثاني الرجوع في الصدقة ما لم يقبض ، وأما إن كانت السلعة من مال قراض فقد قيل إن المقارض الحالف له أن يتصدق بما يصيبه منها إذ لا يتقرر فيا حق إلا بعد نضوض رأس المال إلى صاحبه لجواز أن يخسر فيما يستقبل فيكون عليه أن يجبر رأس المال مما يجب له من ربح هذه السلعة ، والقولان قائمان من كتاب القراض من المدونة ، وأما الذي تصدق بسلعة بينه وبين رجل فالاختلاف إنما هو في حصة شريكه ، فقيل إنه يلزمه فيها القيمة إذا رضي شريكه أن يضمنها له بالقيمة ويكون جميع السلعة للمتصدق بها عليه ،

(3/248)


والقولان في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الهبات والصدقات ، وأما حصة المتصدق منها فيلزمه فيها الصدقة إلا أن يكون له مع شريكه فيها شركة مع غيرها مما يقسم معها قسماً واحدا ففي ذلك ثلاثة أقوال : أحدها أنها تقسم ، فإن صارت السلعة المتصدق بها للمتصدق في سهمه كانت للمتصدق عليه ، وإن صارت لشريكه لم يكن له شيء ، وهو قول ابن القاسم على أن القسمة تمييز حق ، والثاني أنه ليس للمتصدق عليه إلا حصة المتصدق من السلعة ، فإن صارت لشريكه كان لهم حفظ المتصدق من غيرها قدر ذلك ، وهو قول ابن الماجشون على قياس القول بأن القسمة بيع من البيوع ، والثالث أنه إن صارت السلعة للمتصدق كانت للمتصدق عليه وإن صارت لشريكه كان له من حفظ المتصدق من غيرها قدر غيرها وهو قول مطرف ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال في من حلف ليتزوجن إلى أيام ، قال أصبغ الأيام ثلاثة فإن لم يتزوج حنث إلا أن يكون له نية في أكثر من ذلك ، والذي يحلف ألا يتزوج أياماً مثله وهو أشد .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأنه أقل الجمع ثلاثة في عرف الكلام ، وقد قيل إنه كذلك في موضع اللسان ، فوجب أن يحمل بمنزلة الحالف على ذلك ، ولا يراعى فيها قول من ذهب إلى أنه في موضوع اللسان إثنان وإن كان ذلك هو مذهب مالك في أن الإثنين من الإخوة يحجبان الأم من الثلث إلى السدس لقوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } وقوله والذي يحلف ألا يتزوج أياماً مثله يريد أنه يبر بالثلاثة الأيام كما يحنث الأول بالثلاثة الأيام ، وإنما قال فيه وهو أشد لأنه كلما ترك النكاح كان أبين في البر ، وهذا بين ، والله أعلم .

(3/249)


مسألة
وقال في الذي يحلف لا يجلس على بساط فمشي عليه ، قال هو حانث إذا كان إنما أراد اجتنابه أو الانتفاع بالجلوس عليه إلا أن يكون له نية أو سبب .
قال محمد بن رشد : كذا وقع في بعض الكتب أو الانتفاع بالجلوس عليه وليس بصحيح لأنه إذا أراد أن ينتفع بالجلوس عليه فلا حنث عليه بالمشي عليه فيبعضها والانتفاع بالجلوس عليه بإسقاط الألف وهو الصحيح ، فإذا أراد اجتنابه فهو حانث بالمشي عليه في الموضع الذي يبسط للانتفاع به ، وإذا أراد اجتناب الانتفاع بالجلوس عليه إن كان ليمينه سبب يدل على ذلك فلا حنث عليه بالمشي عليه على أي حال ولكن لم تكن له نية فقال في الرواية إنه يحنث بالمشي عليه . وتحمل يمينه على الاجتناب ، والذي يأتي على أصولهم إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه سبب أن تحمل يمينه على مقتضى لفظه فلا يحنث بالمشي ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل حلف من أهل الريف ألا يأكل في كل يوم إلا خمس قرص ، فعملت امرأته القرص أكبر مما كانت ولم تزد على خمس قرص في العدد قال : إن أكل حنث إذا زاد على القدر الذي كان قبل أن يحلف لأنه إنما أراد ذلك القدر بعينه ، فإن زاد على ذلك القدر فهو حانث إن أكل القرص كلها .
قال محمد بن أحمد : المعنى في أن الحالف أراد ألا يأكل أكثر من قدر الخمس قرص ولا أكثر من عدتها ، فلا اختلاف في وجوب حمل يمينه

(3/250)


على ذلك ولو ادعى أنه أراد عدد القرص لا قدرها لم ينو في ذلك إلا أن يأتي مستفتياً ، ولو قال قائل إنه لا ينوي في الفتوى أيضاً لبعد النية في ذلك لكان قولاً ، فقد قيل في الذي يحلف ألا يشرب الخمر فيقول إنما أردت خمر العنب إنه لا ينوي في قضاء ولا فتيا ، وقد مضى ذلك في رسم تسلف من سماع عيسى ، وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سمعت أشهب في من حلف ألا يأكل خبزاً وإداماً فأكل خبزاً وملحاً ، قال هو حانث وسواء كان الملح محضاً أو مطيباً .
قال محمد بن رشد : لميره في الواضحة إداماً يحنث به ؛ قال وإنما يحنث بكل ما يثبت معرفته عند الناس إنه إدام كان مما يطبخ به كالمسن والزيت والودك أو مما لا يطبخ به كالزيتون والجبن والحلوم وشبه ذلك ، وإن بن حبيب تكلم على ما يعرف بالأندلس من أن الملح الحريش أو المطيب لا يأتدم الناس به ، وتكلم أشهب على ما يعرف بمصر وغيرها من بلاد المشرق ، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه لا يكون إداماً إلا ما يطبخ فيه ، حتى قالا إن الشواء واللحم ليس بإدام ، واستدلوا بقوله ، عليه السلام : "نعم الإدام الخل" ، وبقوله : "إتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة" وهذا بعيد ، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللحم سيد إدام الدنيا والآخرة" ، وذهب محمد بن الحسن إلى أن كل ما يؤكل الخبز به ويستطاب فهو إدام ، واستدل بما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز من شعير فوضع عليها تمرة ، فقال هذه إدام هذه ، فأكلها صلى الله عليه وسلم ، وقوله صحيح على القول بأن الحالف إن لم تكن له نية يحنث بما يقتضيه لفظه ولا يراعى مقصده ، فوجب إذا حلف الرجل إلا يأكل خبزاً وإداماً فأكل خبزاً بشيء مما يستطاب به

(3/251)


الخبز أن يكون حانثاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في التمرة ، ولأن العرب تقول للزوجين أدم الله بينكما يريدون بذلك الألفة والمحبة ، فدل ذلك على أن كل ما يطيب به الخبز فيؤكل به يسمى إداماً لقوله وإن لم ينطلق عليه إسم إدام على انفراده ، وهذا أصل مختلف فيه في المذهب ، أعني مراعاة المقصد ، وقد مضى ذلك في غير ما موضع ، فإذا حلف الرجل ألا يأكل إداماً لم يحنث بأكل التمر والتين والعنب وما أشبه ذلك ، غذ لا ينطلق عليه إسم إدام ، ومن حلف ألا يأكل خبزاً بإدام فأكل خبزاً بتمر أو تين أو عنب أو ما أشبه ذلك جرى ذلك على الاختلاف في مراعاة المقصد ، والأشهر في المذهب مراعاته وإلا يكون الحالف حانثاً بذلك ، وقد
اختلف في الذي يحلف ألا يأكل خبزاً وإداماً أو خبزاً وزيتاً ولا نية له هل هو محمول على أنه أراد ألا يجمع بينهما فلا حنث بأكل أحدهما وهو ظاهر . قول أشهب هذا ، وقيل إنه محمول على أنه أراد ألا يأكلهما جميعاً فيحنث بأكل أحدهما كمن حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما ، وهذا على الاختلاف أيضاً في مراعاة المقصد ، فلم يراعه في هذه المسألة في المدونة .
مسألة
قال أصبغ في من حلف ألا يأخذ من فلان درهماً أبداً فأخذ منه قميصاً وفيه درهم وهو لا يعلم به ، ثم علم بالدرهم فرده على صاحبه ، قال ليس عليه شيء .
قال محمد بن رشد : لابن القاسم في المبسوط : إنه حانث إلا أن تكون له نية ، وهو على أصله في المدونة فيمن حلف أنه لا مال له وله قدر ورثه لم يعلم به ، وقال ابن كنانة فيها مثل قول أصبغ فيما لا يسترفع في مثله الدرهم ، ويأتي على مسألة السرقة في المدونة الفرق بين ما يسترفع فيه الدرهم أو لا يسترفع ، في ثلاثة أقوال ، أحدهما أنه لا يحنث على القول

(3/252)


بمراعاة المقصد ، والثاني أنه يحنث على القول بالاعتبار باللفظ دون مراعاة المقصد ، والتفرقة استحسان ، وبالله التوفيق .
مسألة
ومن حلف ألا يدخل بيت فلان ما عاش ، فمات المحلوف عليه فأراد أن يدخل بيته وهو ميت قبل أن يدفن ، قال لا يدخل عليه حتى يدفن ، فإن دخل قبل أن يدفن حنث ، وكذلك لو قال لا أدخل بيت فلان حتى يموت ، إنه إن دخل قبل أن يدفن وإن كان قد مات فهو حانث .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الأقضية من سماع أشهب مستوفى فليس لإعادة شيء من ذلك هنا معنى .
مسألة
ومن حلف ليقضين غريمه في الصيف فإذا انقضى آب وهو أغشت فهو حانث ومن حلف ليقضين غريمه في الشتاء فإذا انقضى شباط وهو فبرير ولم يقضه فقد حنث ومن حلف ليقضين غريمه في الربيع فإذا اقنضى أيار وهو مايه ولم يقضه فقد حنث ، ومن حلف ليقضين غريمه في الخريف فإذا انقضى تشرين الآخر وهو نونبر ولم يقضه فقد حنث ، ومن حلف ليقضين غريمه إلى الحصاد فإنه يقضي عليه في وسط الحصاد وعظمه ، ولا يحنث إلا بانقضاء الحصاد كلهن وكذلك إلى القطاف والجداد وإلى الصدر وإلى العطا وما أشبهه .
قال محمد بن رشد : قال عز وجل : { ولقد جعلنا في السماء بروجاً } فبروج السماء بإجماع من العلماء اثنا عشر برجاً ، وهي الحمل والثور

(3/253)


والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت تقطعها الشمس كلها في اثني عشر شهراً من شهور السريانيين وشهور العجم ، وهي سنة كاملة ينايرو فبراير ومارس وإبريل ومايه ويونيه ويوليه وأغشت وستنبر وأكتوبر ونونبر ودجنبر ، وهذه السنة هي السنة الشمسية ، وتنقسم على أربعة فصول : ربيع وخريج وشتاء وصيف ، ويتلو الخريف الشتاء ، واختلف في حد هذه الفصول ، فذهب أصبغ وحكى ابن حبيب مثله في الواضحة عن ابن الماجشون وعن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه أن أول فصل الربيع أول شهر مارس وآخره آخر شهر ماي ، ثم يتلوه سائر فصول السنة ثلاثة أشهر ثلاثة أشهر ، وذهب ابن حبيب في رأي وقع له ذلك في الزكاة إلى ان أول فصل الربيع من نصف فبراير إلى نصف ماي ، ثلاثة أشهر تتمة شهر فبراير وشهر مارس وإبريل ونصف ماي ، ثم يتلوه سائر فصول السنة على هذا الترتيب تمام الشهر والشهران بعده ونصف الشهر ، وهو أعدل من القول الأول ، لأ ، فصل زمان الربيع والخريف هو الزمان الذي يعتدل فيه الزمان ويستوي فيه الليل والنهار ، وفصل زمان الصيف هو الفصل الذي يتناهى فيه طول النهار ، وفصل الشتاء هو الذي يتناهى فيه قصر النهار ، واعتدال الليل والنهار يكون إذا حلت الشمس بأول برج الحمل ، وذلك في نصف شهر مارسن ثم يأخذ النهار في الزيادة ، فقول من جعل أول فصل الربيع قبل الاعتدال بشهر وآخره بعد الاعتدال بشهرين أعدل من قول من جعل أوله قبل الاعتدال بنصف شهر وآخره بعد الاعتدال بشهرين ونصف ، وكان القياس أن يكون أوله قبل الاعتدال بشهر ونصف وآخره بعد الاعتدال بشهر ونصف ، فيكون فصل الربيع على هذا أول فبراير وآخر إبريل ، إلا أن هذا لم يقولوه ، فكأنهم ذهبوا إلى مراعاة تقارب كل فصل من الفصول في الحر والبرد
لا إلى تقارب كل فصل منها في الطول والقصر ومراعاة تقارب كل فصل منها في الطول والقصر أولى وأظهر ، والله أعلم .

(3/254)


وأما قوله في من حلف ليقضين غريمه إلى الحصاد فإنه يقضي عليه في وسط الحصاد وعظمه ولا يحنث إلا بانقضاء آخره ، فمثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن القاسم وغيره من أصحاب مالك ، وحكي أنه قول مالك أيضاً ، وفيه نظر ، لأن إلى غاية ، فكان القياس في الذي حلف ليقضين رجلاً حقه إلى الحصاد أن يحنث إن لم يقضه فيما بينه وبين أول عظمه كما يقضي عليه إذا بايعه إلى الحصاد بالقضاء في عظمه ، وإنما يصح ألا يحنث إلا بإنقضاء الحصاد وأن يقضي عليه في وسطه إذا حلف ليقضين رجلاً حقه في الحساد ، وهذا بين ، وكذلك من بايع رجلاً إلى شهر كذا ولم يقل أول شهر كذا ، أو قال محل أجله شهر كذا فإنه يقضي عليه بالحق في نصف الشهر على هذا القياس ، وقد كان ابن لبابة يذهب إلى أن من بايع رجلاً وقال محل أجله شهر كذا فالبيع فاسد ، لأنه أجل مجهول ، وتابعه على ذلك غيره من أهل عصره ، والرواية عن مالك مسطورة بخلاف ذلك في رسم شك في طوافه من سماع عن ابن القاسم من كتاب الديات .
مسألة
وقال ابن القاسم في النذور : إنما هي خمسة وجوه ، إذا قال لله علي نذر شرب الخمر أو قال لله علي أن أشرب الخمر ، أو قال لله علي نذر أن أشرب الخمر فليس عليه في ذلك كله شيء فعله أو لم يفعله ، وإن قال لله علي نذر إن شربت الخمر فشربها فليكفر ، وإذا قال لله علي نذر إن لم أشرب الخمر قيل له لا تشربها وكفر ، فإن فعل واجترأ علي الله تعالى في شربها فلا كفارة عليه ، وإنما الذي يقول لله علي نذرت إن شربت الخمر أو إن كلمت أبي أو فلاناً بمنزلة الذي يقول والله لا فعلت كذا وكذا ثم يحنث ، قال والنذور

(3/255)


في الأدب والأجنبي سواء إن قال إن كلمت أبي أو أجنبياً فهو واحد يكفر إذا حنث .
قال محمد بن رشد : جوابه في الوجوه التي ذكرها صحيح ، وتقسيمه لها إلى خمسة وجوه ليس بكلام محصل ، لأن ذلك إنما يرجع إلى وجهين نذر ويمين بنذر ، والنذر على وجهين نذر أن يفعل ونذر ألا يفعل واليمين على وجهني يمين بنذر ألا يفعل ونذر بيمين ليفعلن ، فإذا نذر أن يفعل فعلاً أو ألا يفعله وجب ذلك عليه إن كان طاعة ، وحرم عليه إن كان معصية ، وكان مخيراً فيه إن لم يكن طاعة ولا معصية ، وقد مضى القول على هذا في رسم صلى نهاراً من سماع ابن القاسم ، وإذا حلف بالنذر وقال علي نذر إن فعلت كذا وكذا أو لأفعلنه فحكمه حكم اليمين بالله ولا اختلاف في ذلك .
مسألة
وعن رجل حلف لغريمه ليبعثن بحقه مع فلان يوم كذا وكذا أو لأبعثن بحقك يوم كذا وكذا فذلك سواء ، إن لم يصل إليه الحق يوم حلف ليبعثن به يوم كذا وكذا فهو حانث .
قال محمد بن رشد : إنما قال إنه لا يبر إلا بوصول الحق إليه ذلك اليوم لا يبعثه إليه فيه لأن ذلك هو مقصد الحالف ، وإذا كان المقصد ظاهراً حملت اليمين عليه في المشهور في المذهب إن خالف ذلك ما يقتضيه اللفظ ، وقد مضى هذا المعنى فوق هذا وفي غير ما موضع .
مسألة
وعن الرجل حلف أن فلاناً في هذا البيت وأن في كم فلان ديناراً ولم يكن يعلم ، فجاء الأمر على ذلك ، قال سمعت ابن القاسم يقول في مثل هذا لا حنث عليه إذا صادف ذلك كما قال ،

(3/256)


وهو بمنزلة الذي يحلف لمطيرن غدا فلا يوبه له حتى يكون ذلك فلا حنث عليه ، وقد سمعت ابن القاسم يقول في رجل حلف في قيد رجل عنده أو غيره أن فيه كذا وكذا رطلاً ولا يدري ما فيه فتوزن فيوجد ذلك أو أكثر أنه لا حنث عليه ، وإنما هو رجل غرر فوجد كما غرر .
قال محمد بن رشد : أما إذا حلف على ذلك عن تجربة فانكشف الأمر على ما حلف عليه فلا اختلاف في أنه لا حنث عليه ، واختلف إن كانت يمينه على ادعاء علم غيب أو مصحح على الشك دون سبب من تجربة أو توسم شيء ظنه فقيل إنه يحنث وإن وجد الأمر على ما قال ، وهو قول المغيرة المخزومي رأيت ذلك له في بعض احتجاجاته على أبي يوسف في مجالس مناظرته له ، وهو قول عيسى بن دينار من رأيه ، ولدليل رواية أبي زيد عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق ، وقيل إنه لا حنث عليه إن لم يطلق عليه حتى انكشف أن الأمر على ما حلف عليه ، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق والصحيح في النظر ، لأنه إنما أوجب على نفسه الطلاق بشرط وجود ألأمر بخلاف ما قال ، فإذا لم يطلق عليه حتى بان الأمر على ما قال وجب ألا يطلق عليه ، إذ لا يصح أن يوجب على أحد طلاق ولا عتق ولا شيء لم يوجبه على نفسه ، ولو كانت يمينه بالله عز وجل لما سقط عنه الإثم في جرأته على الله في الحلف باسمه على غير يقين بانكشاف الأمر على ما حلف عليه .
مسألة
وسمعته وسئل عن الرجل يكون له الجار يؤذيه كما يقول فيعطيه دنانير على أن يرتحل من جواره فيموت قبل الرحلة ، هل

(3/257)


ترى له الدنانير ؟ قال أصبغ أرى إن كان طول جداً وقد أمكنته الرحلة التي تراد منه وجاوز إقامتها بالرحلة فأرى أن ترد ما لم يكن المعطي قد علم ذلك فأمسك عن انتظاره ورضي ، وإن كان الأمر لم يكن كله حتى مات فهي له .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأنه إنما أعطاه الدنانير على أن يرتحل عنه ، فإن ترك الرحلة وقد أمكنته حتى مات كان للمعطي أن يرجع في دنانير لأن الذي أعطى دنانير عليه لم يتم له ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "المسلمون على شروطهم" ، إلا أن يكون قد علم ولم ينكر فيكون ذلك منه رضى بإسقاط شرطه ، وذلك مثل ما لو أعطى رجل رجلاً دنانير على أن يعتق عبده فلم يفعل حتى مات العبد ، وهو على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يبيع العبد من الرجل على أن يعتقه فيؤخر ذلك حتى يموت العبد وقد علم البائع أو لم يعلم ، وقع ذلك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع العيوب ، وفي رسم المدبر والعتق من سماع أصبغ منه .
من سماع ابن أبي زيد من ابن القاسم
مسألة
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عن رجل حلف ألا يبيع رجلاً ثوباً أبداً فأراد أن يبيع مقارضاً له فكرهه وقال ما يعجبني .
قال محمد بن رشد : إن كانت يمينه لأنه أراد ألا ينفعه أو لأنه كره ماله فلا امتراء في أن الحنث عليه واجب ، وإن لم تكن نية فالقياس ألا حنث لأنه لم يبع منه شيئاً إلا أنه كره له من أجل أن العهدة لما كانت تكون عليه أشبه بيعه ، وستأتي المسألة مكررة في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق .
مسألة
وقال في رجل حلف لغريم له ليقضينه حقه إلى شهر أو رهناً

(3/258)


بحقه فدفع إليه نصف الحق ورهنه رهناً بالنصف الباقي ، قال لا شيء عليه ، ولو قال لأقضينك حقك وأرهنك داري فقضاه نصف الحق ورهنه نصف الدار في الباقي فإنه يحنث .
قال محمد بن رشد : تكررت هذه المسألة بعينها في هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق وهي مسألة صحيحة ليس فيها كلام ، لأن من حلف أن يرهن رجلاً رهناً بحق له عليه يبر بالقضاء باتفاق ، إذ هو أبلغ من الرهن ، فإذا حلف الرجل أن يقضي غريمه حقه أو يرهنه رهناً وجب أن يبر إذا قضاه نصف الحق ورهنه بالنصف الباقي رهناً ، لأن ذلك أبلغ من أن يرهنه بالجميع رهناً ولا يقضيه منه شيئاً ، وأما الذي حلف أن يقضيه حقه أو يرهنه داره فلا يبر إلا بأحد الوجهين ، وإن قضاه نصف الحق لم يبر إلا أن يرهنه بما بقي من حقه جميع الدار وهذا بين .
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى يأكل فلان فأكلا جميعاً معاً ، قال هو حانث إلا أن يكون أراد بقوله حتى يأكل فلان أي حتى يأكل معي ، قيل : فإن قال لا أشتري ميموناً حتى أشتري مباركاً ؟ قال هو حانث إلا أن يكون نوى حتى يشتريهما جميعاً ، قيل : فإن قال لا أنكح فلانة حتى أنكح فلانة لامرأة أخرى فنكحهما جميعاً معاً ؟ قال لي هو مثله .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، لأن الأظهر من اللفظ ألا يفعل شيئاً من ذلك إلا بعد الفعل الآخر ، فوجب أن يحمل يمينه على ذلك إلا أن تكون له نية أن يفعله معه فينوي في ذلك ، وإن كانت على يمينه بينة فيما يقضي به عليه لاحتمال اللفظ ذلك .

(3/259)


مسألة
وسئل عن رجل سلف في طعام وحلف له البائع ليوفينه إلى جل سماه بساحل الفسطاط ، قال ابن القاسم إن أوفاه بالموضع كان حانثاً .
قال محمد بن رشد : وهو كما قال إنه حانث إذ لم يوفه إياه في الموضع الذي حلف ليوفينه فيه .
مسألة
وسئل عن رجل قال لله علي إن رزقني الله ثلاثة دنانير أن أصوم ثلاثة أيام فرزقه الله دينارين فصام ثلاثة أيام ، فرزقه الله الدينار الثالث بعد أن صام ، قال يبتدئ صيام الثلاثة الأيام .
وسئل عن رجل قال لله علي إن قضى الله عني مائة دينار كان تحمل بها لرجل عن أخ له ، فله علي صيام ثلاثة أشهر فقضاها الله عنه إلا ديناراً ونصفاً ، فصام الثلاثة الأشهر ثم قضى الله الدينار والنصف بعد ، أترى أن يجزيه صيامه ؟ قال أرجو أن يجزئ عنه ، وأفتى به ورأيته ضعيفاً وقد سأله هل له نية فقال ما نويت شيئاً وهكذا كانت يميني .
قال محمد بن رشد : القياس أنه لا يجزيه لأنه صامه قبل أن يجب عليه إذ لا يجب عليه إلا بقضاء الجميع إلا أنه رجا أن يجزئه لأنه إنما نذر لله ما نذر من أجل ثقل الدين عليه ، فإذا لم يبق عليه منه إلا اليسير الذي لا يثقل عليه فقد بلغ الله أمله وحصل له غرضه ، وفي أول سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات ما يقوم منه أن يلزمه أن يصوم من الصيام الذي نذره بقدر ما أدى الله عنه من الدين ، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال .

(3/260)


مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يتعشى فشرب ماء ، قال لا شيء عليه إذا شرب ماء ، قيل له فشرب نبيذاً ؟ قيل له أيشرب سويقاً ؟ قال يحنث ، قيل له أيتسحر ؟ قال لا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : إنما حنثه بالسويق ولم يحنثه بالنبيذ لأن النبيذ شراب وليس ينطلق عليه اسم طعام ، والسويق طعام وليس ينطلق عليه اسم شراب ، وإن شرب وكفى من الحجة في ذلك ما جاء في الحديث من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في سفره إلى خيبر بالصهباء بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق ، والعشاء إنما تقع على الطعام لا على الشراب ، وإنما يحنث بالسحور لأن السحور إنما ليس بعشاء وإنما هو بدل من الغداء ، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم غداء ، فروي عنه أنه قال للمقدام ابن معدي عليك بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك ، فوجب ألا يحنث من حلف ألا يتعشى إذا تسحر كما لا يحنث إذا تغدى .
مسألة
وقال في رجل قال مالي في سبيل الله إن دخلت هذه الدار ثم قال مالي في سبيل الله إن كلمت فلاناً ، ثم قال مالي في سبيل الله إن فعلت أبداً أجراً فحنث في كل ما حلف به ، أترى أن يجزئه من ماله الثلث ؟ قال : هذا رأي ابن كنانة ولست أقول وأنا أرى أن يخرج ثلث ماله في سبيل الله ، ثم يخرج ثلث ما بقي بعد ذلك فيجعله أيضاً في سبيل الله ، ثم يخرج ثلث ما بقي بعد ذلك فيجعله في سبيل الله .
قال محمد بن رشد : ظاهر هذه الرواية أن ابن القاسم حكى عن ابن كنانة أنه يجزئه ثلث واحد ، وأنه لا يرى هو ذلك ولا يقول به ويوجب عليه إخراج ثلث ماله لليمين الأولى وثلث ما بقي لليمين الثانية ، وثلث ما بقي لليمين الثالثة وذلك خلاف المعلوم من مذهبه في سماع يحيى المتقدم ، وفي غير ذلك من الدواوين ، وخلاف الأصول أيضاً على ما ذكرناه ، وبيانه في رسم الصلاة من سماع يحيى المذكور ، فيحتمل أن يكون انتهى جوا ابن القاسم إلى قوله قال هو رأي ووصل العتبي بجوابه قول ابن كنانة ، فقال ابن كنانة ولست أقوله ، فيكون معناه قال ابن كنانة ولست أقوله يعني قول ابن القاسم إنه يجزئه ثلث واحد وأنا أرى أن يخرج

(3/261)


ثلث ماله إلى آخر قوله وهو تأويل ممكن محتمل ، والله أعلم .
مسألة
وقال في من قال لابنه أنت بدنة ، قال : لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الهدي .
قال محمد بن رشد : قوله في ابنه هو بدنة بمنزلة قوله أنحره ، فقوله لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الهدي هو أحد أقوال مالك في المدونة ، والذي يتحصل من أقواله فيها أنه إن أراد الهدي أو سمى النحر فعليه الهدي قولاً واحداً ، وإن لم تكن له نية ولا سمى المنحر فمرة رأى عليه كفارة يمين ، ومرة لم ير عليه شيئاً ، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية .
مسألة
وإذا قال لله علي ألا أصوم غداً ، ولله علي ألا أكلم فلاناً ، ولله

(3/262)


علي ألا أدخل المسجد ، أنه يدخل المسجد ويصوم غداً ويكلم فلاناً ولا شيء عليه إلا أن يقول لله علي نذر إن صمت غداً ولله علي نذر إن كلمت فلاناً ولله علي نذر إن دخلت المسجد ، إن فعل شيئاً من هذه الوجوه فعليه في ذلك كله كفارة .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة في آخر نوازل أصبغ في رسم صلى نهاراً من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
مسألة
قال : ولو قال رجل لله علي نذر عتق رقبة لأصومن غداً ، قال هو مخير إن شاء صام غداً ولا عتق عليه وإن شاء أعتق رقبة ولم يصم غداً .
قال محمد بن رشد : قوله هو مخير إن شاء صام غداً ولا عتق عليه وإن شاء أعتق رقبة ولم يصم غداً ليس بصحيح ، لأنه حلف بعتق رقبة أن يصوم غداً فيمينه على بر لأنه يحنث بمضي غد ولا يجوز لمن كانت يمينه على بر بطلاق أو مشي أو عتق أو ظهار أو صيام أو ما سوى ذلك مما عدا اليمين بالله أن يطلق ولا أن يمشي ولا أن يعتق ولا أن يكفر عن ظهار ولا أن يصوم قبل أن يحنث فإن فعل شيئاً من ذلك قبل أن يحنث لم يجزه ، ولزمه أن يفعله مرة أخرى إذا حنث ، وقد وقع في كتاب الظهار من المدونة لمالك في من إلى من امرأته بعتق رقبة بغير عينها فأعتق رقبة قبل أن يحنث أن ذلك يجزئه وسقط عنه الإيلاء ، وهي رواية شاذة خارجة عن الأصول وعليها يأتي قول ابن القاسم في هذه المسألة .
مسألة
وسئل عن رجل اختلس من رجل كتاباً ، فقال صاحب الكتاب والله لا تقرؤه وقال الذي اختلسه والله لأقرأنه فتجابذا الكتاب فصار

(3/263)


في يد صاحبه نصفه وفي يد الذي اختلسه نصفه فقرأ ذلك النصف ، فقال أحب ألي أن يكفر جميعاً قيل له سواء قرأ نصفه أو قرأه كله ، قال : لا ، إذا قرأه كله لم يكن عليه شيء .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة وغيرها من أن من حلف ألا يفعل فعلاً يحنث بفعل بعضه ، ومن حلف أن يفعل فعلاً لا يبر إلا بفعل جميعه ، لأ ، الحالف ألا يفعل فعلاً حالف ألا يفعل شيئاً فوجب أن يحنث إن فعل بعضه ، والحالف أن يفعل فعلاً حالف أن يفعل جميعه فوجب ألا يبر بفعل بعضه ، وإنما افترق البر من الحنث من أجل أن لفظ الحالف اقتضى ذلك فحمله على عمومه في الوجهين ، وإلى هذا يرجع قول من يعلل بأن يقول الحنث يدخل بأقل الوجوه ، والبر لا يكون إلا بأكلم الوجوه ، وإنما قال أحب إلي أن يكفرا جميعاً ولم يوجب ذلك عليهما جميعاً من أجل أن الحالف أن يقرأه لم يتقرر بعد حنثه إذا حلف يقدر على النصف الآخر فيقرأه فيبر ، ولو فات النصف الثاني فواتاً لا يمكنه قراءته أصلاً لوجبت عليه الكفارة كما وجبت على صاحبه .
مسألة
وقال في رجل طلق امرأته واتخذ عليها إن تزوجت بعده فمالها للمساكين صدقة ، فقال قد ظلم حين فعل ، فإن تزوجت كان ثلث مالها في المساكين ، قال ابن القاسم إن كانت حلفت على ضرورة فليس عليها شيء في يمينها ، وهي بمنزلة التي تعطيه مالها على ضرورة ثم يعلم بذلك فهي ترجع عليه ثم أخذ منها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إنه إذا طلقها على أن مالها في

(3/264)


المساكين صدقة إن تزوجت لا يلزمها الميين إن كانت إنما حلفت عن ضرورة لأن إكراه الرجل امرأته إكراه ، ويمين المكره لازمة له .
مسألة
وسئل عن رجل حلف ألا يعين أخاه في حاجة فمرض فأراد أن يعوده أو دعاه إلى طعام في منزله أيجيبه ؟ قال لا أرى بذلك كله بأساً إلا أن يكن أراد اعتزاله له .
قال محمد بن رشد : وهذاه كما قال لأن عيادته إياه وإجابته إلى طعامه ليس من العون له في حاجة بسبيل ، فإذا لم ينو اعتزاله بيمينه فلا حنث عليه .
مسألة
وقال في رجل عاتبته امرأته في جوار له يطؤهن فوضع يده على ثياب لهن فيجمعها فقال أثمانهن صدقة إن وطئت منهن واحدة وهو يريد أثمان الثياب يلغز لها ذلك قال لا أرى عليه بأساً وأرى ذلك ينفعه ولكن إن فعل فليتصدق بتلك الثياب التي وضع يده عليها وحدها إلا أن يكون نوى كل ثيابهن .
قال محمد بن رشد : اليمين في هذه المسألة على نية الحالف وقد مضى تحصيل القول في ذلك في رسم شك من سماع ابن القاسم وفي سماع أصبغ ما يغني عن إعادته .
مسألة
وقال في من حلف ليقضين عبد الله ديناراً إلى أجل فلما خاف الحنث جاء إلى عبد لعبد الله وهو وكيله والقائم بأمره فاستسلف منه ديناراً فقضى عبد عبد الله ، فقال لا يبر قيل له يقول قد قضيت غلام

(3/265)


عبد الله الدينار قبل الأجل وقد زعم ذلك العبد ؟ قال لا ينفعه ذلك إلا ببينة أنه قد قضى العبد الدينار قبل الأجل الذي حلف عليه ليقضينه إلى ذلك الأجل .
قال محمد بن رشد : قوله إن الحالف لا يبر بعد القضاء بين لأنه إنما قضاه ماله الذي أخذه من عبده فكأنه لم يقضه شيئاً ، وأما ادعاؤه بعد الأجل أنه قد قضى اللام قبل الأجل فهو بمنزلة ما لو ادعى بعد الأجل أنه قد قضى المحلوف عليه قبل الأجل فصدقه المحلوف فيدخل في ذلك من الاختلاف ما دخل في هذه ، فقيل إنه يبر بتصديقه وهو أحد قولي سحنون وقوله إنه يحلف مع شاهدته إن كان مأموناً ويبر في اليمين ، وقيل إن كان صاحب الحق مأموناً ، وقد روي عن مالك أنه يحلف لتسقط عنه اليمين ويكون عليه الحق بغير يمين إن كان صاحب الحق منكراً للاقتضاء .
مسألة
وقال في رجل مر بناقة على زقاق فحبقت عليه ، فقال أنت بدنة إن لم تمري فحبقت فلم تمر ، فقال ما أرى إلا أن يخرجها .
قال محمد بن رشد : حكى ابن حبيب أن أعرابياً سأل مالكاً عن ناقة له نفرت فانصرفت ، فقال لها تقدمي وإلا فأنت بدنة ، فقال له : أردت زجرها بذلك لكي تمضي ؟ فقال نعم ، قال لا شيء عليك ، قال رشدت يا ابن أنس ، وذكرها ابن المواز عنه في كتابه ، فقال فيها إنه حانث كرواية أبي زيد .
قال محمد بن رشد : أما إيجاب إخراجها فالوجه في ذلك أنه رآها يميناً بخروجها مخرج اليمين فأوجب عليه إخراجها على أصل المذهب في أن اليمين بما لله فيه طاعة كالنذر يلزم ، ووجه ما حكى ابن حبيب عن مالك أنه لم ير ذلك يميناً لأن الرجل إنما يحلف على ما يملك أو على من يعقل ، وصرف ذلك إلى معنى النذر فلم يوجب عليه إخراجها إذ لم تكن له نية في

(3/266)


ذلك وإنما قصد زجرها لا القربة إلى الله تعالى بإخراجها هدياً وهو الأظهر لقول النبي ، عليه السلام ، إنما الأعمال البنيات .
مسألة
وقال في رجل حلف ألا يشهد لي ولا علي فبعته سلعة إلى أجل وكتبت كتاباً وشهد على نفسه في الكتاب ، كتب شهادته بيده على نفسه قال يحنث .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن شهادة الرجل على نفسه شهادة ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } الآية .
مسألة
وقال في من قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر ، فهلك الأب وملكه ، قال إن كان يوم قال ذلك سفيهاً فلا أرى عليه عتقاً ، وإن كان يومئذ حليماً فإني أرى أن يعتق عليه ، قال : وإن قال أنت عتيق في مالي ولم يقل يوم أملك أو يوم أكسبك فليس بشيء لا عتق عليه .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب أن من حلف بعتق ما يملك قبل أن يملكه ، أو أوجبه على نفسه بشرط ملكه له فخص ولم يعم أن ذلك لازم له ، والأصل في وجوب ذلك عليه قوله عز وجل : { ومنهم من عاهد الله لئن آتاناً من فضله } إلى قوله : { وبما كانوا يكذبون } . لأنه إذا لزمه في الصدقة كان ذلك في

(3/267)


العتق أولى أن يلزمه ، وإما إذا قال لعبد أبيه أنت حر أو حر في مالي ولم يقل يوم أملك ولا نوى ذلك فلا شيء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم" تم كتاب النذر بحمد الله .

(3/268)