البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب الضحايا والعقيقة
من سماع ابن القاسم من مالك رحمه الله
رواية سحنون من كتاب القبلة
مسألة
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم قال : سمعت
مالكاً يقول لا ينبغي لأحد أن يضحي بالضحية
بينه وبين اليتيم في حجره .
قال محمد بن رشد : يريد أنه لا يجعل بعض ثمنها
من ماله وبعضه من مال يتيمه فيشاركه فيها ،
ولا يدخله أيضاً في أضحيته وإن اشتراها من
ماله وكان في عيال إلا أن يكون من قرابته
فيكون حينئذ من أهل بيته ، وهذا مثل ما في
المدونة وغيرها أنه لا يشترك في الضحايا ، وقد
روى ابن وهب عن مالك إجازة الاشتراك في الهدي
التطوع فيلزم ذلك في الضحية على القول بأنها
غير واجبة ، وتحصيل الاختلاف في هذه المسألة
أن فيها قولين ، أحدهما أن الاشتراك فيها جائز
، والثاني أن ذلك لا يجوز ، فإذا قلت إن
الاشتراك فيها جائز ففي صفته ثلاثة أقوال
أحدها جواز الاشتراك في الشاة والبقرة والبدنة
وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس ، والثاني أنه
يشترك في البدنة والبقرة سبعة أنفس فدون ،
والثالث أنه يشترك في البدنة عشرة أنفس وفي
البقرة سبعة أنفس ، وإذا قلت إن الاشتراك فيها
لا يجوز ففي ذلك ثلاثة أقوال أحدها أنه لا
يجوز لأحد أن يدخل في أضحيته غيره ، والثاني
أن له أن يذبح أضحيته عنه وعن أهل بيته وهو
مذهب مالك ، والثالث أن له أن يذبحها عن وعمن
سواه وإن كانوا أهل أبيات وأهل بيت الرجل الذي
يجوز له أن يدخلهم
(3/335)
في أضحيته على
مذهب مالك أزواجه ومن في عياله من ذوي رحمه
كانوا ممن يلزمه نفقتهم أو ممن لا يلزمه
نفقتهم غير أن من كان منهم ممن تلزمه نفقته
لزمه أن يضحي عنها إن لم يدخلها في أضحيته وهو
قول ابن دينار ، ومن كان منهم لا يلزمه نفقته
لم يلزمه أن يضحي عنه إن لم يدخله في أضحيته
ولزمه هو أن يضحي عن نفسه إن كان له مال ،
وأما من في عياله من الأجنبيين فلا يجوز له أن
يدخلهم في أضحيته .
مسألة
قال مالك في الضحية إن شح عليها أهل الميراث
باعوها وذلك قبل أن يضحي بها ، وإذا مات وقد
ذبحها كانت لأهله يأكلونها ولم تبع ، وهو قول
مالك ، وإن كان قد أفرز منها شيئاً لأحد من
أهله فهي له إذا أشهد عليه .
قال محمد بن رشد : قوله إن لأهل الميراث أن
يبيعوا الضحية إذا مات عنها الميت قبل أن
يذبحها صحيح ، لأنها لا تجب إلا بالذبح خلاف
الهدي الذي يجب بالتقليد والإشعار ، وقوله إذا
مات وقد ذبحها أنها تكون لأهله يأكلونها يريد
لأهل بيته يأكلونها على ما كانوا يأكلونها لو
لم يمت ورثة كانوا أو غير ورثة ، وهو أظهر مما
يأتي في رسم سن من هذا السماع ، وفي رسم العتق
من سماع عيسى من أن الورثة إنما يقسمونها
بينهم على الميراث لأن الورثة إنما يقسمون على
الميراث ما تكون فيه الوصية والذين قال الله
عز وجل : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } .
وقوله إذا مات وقد أفرز شيئاً منها لأهله كان
له إذا أشهد عليه صحيح لأن ذلك كالهبة لا تصح
مع التنازع إلا بالبينة .
(3/336)
مسألة
قال : وسمعت مالكاً قال لا تجز الضحية بعد أن
تسمى قبل أن يذبحها لأن ذلك ينقص من ثمنها ،
ولكن إذا ذبحت فيجزها إن شاء لنفسه ، فإنما هي
بمنزلة اللحم ، قال ابن القاسم وسمعت مالكاً
يقول فإن جزها ثم ذبحها لم يعد لغيرها وبئس ما
صنع ولينتفع بصوفها ولا يبعه ، قال سحنون ولو
باع الصوف لم أر بأساً أن يأكل ثمنه إذا كان
جزه قبل الذبح ، فإن جزه بعد الذبح فلا يأكله
.
قال محمد بن رشد : الضحية عند مالك لا تجب
أضحية وتصير نسكاً إلا بالذبح ، وأن اشتراها
ليضحي بها وسماها أضحية فلا يجب عليه بذلك
ذبحها ، وله أني بدلها بخير منها ، فكراهيته
لها أن يجز صوفها من نحو كراهيته له أن يبدلها
بخير منها ، فكراهيته لها أن يجز صوفها من نحو
كراهيته له أن يبدلها بدونها ويستفضل من الثمن
، وذلك بين من قوله : لأن ذلك ينقص من ثمنها ،
وقوله إن جزها فلينتفع بصوفها ولا يبعه ، يريد
أنه يؤمر بذلك استحباباً كما يؤمر أن يتصدق
بما استفضل من ثمنها إذا باعها واشترى غيرها ،
لأن ذلك عليه واجب ، وإنما يستحب له ذلك
دليلاً يرجع عما نوى من الخير ، قال إسماعيل
القاضي ولو اشترى الرجل أضحية فقال قد أوجبتها
أضحية لوجب عليه ذبحها ولم يكن له بيعها ، قال
غيره وتكون بذلك كما أشعر وقلد من الهدي في
جميع الأمور إن تعدى عليه أحد فذبحه أجزأ عن
صاحبه وإن أصابه عيب لم يضره ، وهو بعيد ،
لأنه يلزم عليه إن مات قبل أن يذبحه أن يجزيه
ولا يكون عليه أن يعيد بأضحية أخرى على القول
بأن الضحية غير واجبة ، وأما التسمية من غير
إيجاب فلا يحرم عليه بيعها ولا بدلها ، فقول
سحنون ولو باع الصوف لم أر بأساً بأكل ثمنه
يريد أنه لا حرج عليه في ذلك إن فعل ، فهو
تفسير لقول مالك والله أعلم .
(3/337)
ومن كتاب أوله
حلف ألا يبيع رجلاً سلعة سماها
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يخرج يوم الأضحى إلى مثل
الاصطبل وهو نحو من ميل ليشتري ضحايا وهو موضع
يجتمع فيه الغنم والناس يخرجون إلى السوق
ليشتروا منها ، قال ما يعجبني ذلك ، وقد نهى
عن تلقي السلع فلا أرى أن يشتري حتى يهبط إلى
السوق ، والضحايا أفضل ما احتيط فيها لأنه
يتقرب إلى الله بذلك فلا أرى ذلك .
قال محمد بن رشد : نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن تلقي السلع حتى يهبط بها إلى
السوق ، فلا يجوز للرجل أن يخرج من الحاضرة
إلى الجلائب التي تساق إليها فيشتري منها
ضحايا ولا ما يأكل ولا التجارة ، وكذلك إن مرت
به على بابه في الحاضرة فلا يجوز له أن يشتري
منها شيئاً حتى يهبط بها إلى الأسواق ، إذ لا
مؤنة عليه في النهوض إلى السوق لقربهن وأما إن
مرت به على قريته على أميال من الحاضرة فيجز
له أن يشتري منها ما يحتاج إليه لا لتجارة
لمشقة النهوض عليه إلى الحاضرة ، يبين هذا ما
وقع بعد هذا في رسم تأخير صلاة العشاء ، وفي
رسم أوله عبد استأذن سيده من سماع عيسى ، فإن
ضحى بما اشترى في التلقي فروي عن عيسى بن
دينار أنه قال عليه البدل في أيام النحر ولا
يبيع لحم الأولى ، وهذا عندي على الاستحباب
ليس على الوجوب لأنه إنما ضحى بما دخل في
ضمانه بالابتياع على قول من لا يوجب فسخ البيع
، وعلى قول من يوجب فسخه لمطابقته النهي لأنه
بالذبح يمضي بالثمن أو يلزمه فيه القيمة يوم
القبض فإنما ضحى بما قد ملكه بل الذب ملكاً
صحيحاً أو بشبهة ارتفعت بالذبح ، ووجه استحسان
البدل مراعاة قول من يقول إ ، البيع الفاسد
كلا بيع ، ولا ينتقل به ملك البائع وتكون
المصيبة منه إن
(3/338)
تلفت ببينة ،
فيكون على هذا القول كأنه قد تعدى على كبش رجل
فضحى به ، وفي ذلك اختلاف من القول سيأتي
القول عليه في رسم أوصى أن ينفق على أمهات
أولاده من سماع عيسى وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله شك في طوافه
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يشتري الضحية ثم يبدو له
أن يعطيها أمه ، قال لا بأس بذلك .
قال محمد بن رشد : يريد ويشتري هو لنفسه غيرها
مثلها أو أفضل فيضحي بها ضحت أمه بالتي أعطاها
أو لم تضح بها ، ولو اشترى شاتين ليضحي بهما
ثم بدا له أن يعطي أمه إحداهما فإن كان أعطاها
إياها لتضحي بها فذلك جائز ولا شيء عليه إذ لم
تخرج الشاة عن كونها متقرباً بها كمن اشترى
شاة ليضحي بها ثم بدا له أن يشكر فيها أهل
بيته عنه وعنهم وأما إن كان أعطاها إياها
لتملكها ولا تضحي بها فلا يجوز له ذلك إلا أن
يشتري ضحية فيضحي بها مثلها أو أفضل منها .
مسألة
وسئل مالك عن الإمام أترى أن يأتي بأضحيته إلى
المصلى فيذبحها فيه ؟ قال نعم أرى ذلك .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في الصلاة
الثاني من المدونة وهو مما يستحب للإمام أن
يفعله ليقتدي الناس به فيذبحوا بعد ذبحه لما
جاء من أن أبا بردة بن دينار ذبح أضحيته قبل
أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن
يعود بأضحية أخرى ، الحديث فإن لم يفعل ذلك
الإمام وجب على الناس أن يؤخروا ذبح ضحاياهم
إلى قدر ما يبلغ الإمام فيذبح عند وصوله ،
وليس لهم انتظاره إن تراخى في الذبح بعد وصوله
لغير عذر ، فإن آخر الذبح لعذر من
(3/339)
اشتغال بقتال
العدو أو غيره انتظروه ما لم يذهب وقت الصلاة
بزوال الشمس ، وقال أبو المصعب إذا لم يخرج
الإمام أضحية إلى المصلى فليس على الناس أن
ينتظروه حتى يرجع إلى منزله ، ومن ذبح بعد
القدر الذي كان يذبح فيه بالمصلى فأضحيته في
ذلك جائزة والمراعى في ذلك الإمام الذي يصلي
صلاة العيد بالناس إذا كان مستخلفاً على ذلك ،
ومن أهل العلم من يرى أن من ذبح قبل ذبح
الإمام فأضحيته جائزة إذا ذبح بعد الصلاة ،
وهو مذهب أبي حنيفة ، وحجتهم ما جاء من أن
عويمر بن الأشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم
الأضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فأمره أن يعود بأضحية أخرى ، وما روي من
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثم خطب
فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ، ومن
طريق النظر أنه لم أكان الإمام وغيره سواء في
الذبح قبل الصلاة لا يجزي وجب أن يكون هو
وغيره سواء في الذبح بعد الصلاة جائز ، قالوا
ومما يدل أن الذبح مرتبط بالصلاة لا بنحر
الإمام أن الإمام لو لم يضح لم يسقط عنهم
الذبح ، وأما أهل البوادي الذين لا يصلون صلاة
العيد فينحرون صلاة أقرب الأيمة إليهم وذبحه ،
فإن تحروا فأخطأوا أجزاهم ، قاله ابن القاسم
ورواه عن مالك وإن لم يتحروا وذبحوا قبل أن
يذبح الإمام أعادوا ، قاله أشهب ورواه عن مالك
، وقال ربيعة يجزيهم ما لم يذبحوا قبل طلوع
الشمس .
ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يضحي بالمكسورة القرن ،
قال لا بأس بذلك إنما هي مثل الجلما إلا أن
يكون يدمي فلا يعجبني ذلك ، قال وما يحتاج إلى
القرن ؟ فأما الأذن فإني أكرهه ، فقيل له
والتي قد سقطت أسنانها فقال أما ما كان من ذلك
من الكبر والهرم
(3/340)
مثل أن يسقط من
الكبر وحفاء الأسنان ، فلا أرى بذلك بأساً ،
وأما لو لم يكن بها كبر وسقط أسنانها لكان ذلك
عيباً فلا أرى أن يضحى بها .
قال محمد بن رشد : إنما لم يجز أن يضحى
بالمكسورة القرن إذا كان يدمى لأنه رأى ذلك
مرضاً من الأمراض ، وفي الحديث والمريضة البين
مرضها ، ولأشهب في كتاب ابن المواز أنه إن ضحى
بها أجزأته وإن كان يدمي فلم ير ذلك من المرض
البين ورآه خفيفاً ، وقد قيل إنه يضحى بها وإن
كانت لا تدمى إذا كان القرن الداخل مكسوراً
لما روي عن النبي ، عليه السلام ، من أنه نهى
أن يضحى بالأعصب القرن والأذن ، وهو قول
النخعي وإليه نهى ابن حبيب وذهب ابن حبيب
أيضاً إلى التي ذهبت أسنانها من الكبر لا يجوز
أن يضحي بها كالتي كسرت أسنانها بخلاف التي
سقطت أسنانها من إثغار ، فالتي كسرت أسنانها
لا يجوز باتفاق والتي سقطت أسنانها من إثغار
تجزئ باتفاق ، والتي ذهبت أسنانها من الكبر
تجزئ على اختلاف ، فقف على ذلك وبالله التوفيق
.
ومن كتاب أوله سن رسول الله صلى الله عليه
وسلم
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يهلك وعنده لحم من لحوم
الأضاحي ، قال لا تباع لأنه نسكه وإن كان عليه
دين لأنه نسك ، ولكني أرى أن يقتسمه ورثته
ومعنى قوله كراهية .
قال محمد بن رشد : قوله إن الورثة يقتسمونه
خلاف ما تقدم في أول السماع ، ولم يقل كيف
يقسمونه بأن كل على الميراث كما قال في رسم
العتق من سماع عيسى ، أو على قدر ما يأكلون
على ظاهر ما في لواضحة لابن حبيب ، والأظهر
إذا خص الورثة له وأنزلهم فيه منزلة الميت ألا
يقتسموه
(3/341)
على الميراث
وأن يقتسموه على قدر ما يأكلون فيكونون كأنهم
لم يقتسموه إذ قيل إن القسمة بيع من البيوع .
مسألة
وسئل مالك عن النصرانية تكون الظئر للرجل
فيضحي فتأتيه يوم النحر فتريد أن تأخذ فروة
أضحية ابنها ، قال لا بأس بذلك أن توهب لها
الفروة وتطعم من اللحم ، قال ابن القاسم رجع
مالك فقال لا خير فيه والأول أحب قوليه إلي .
قال محمد بن رشد : اختلاف قول مالك هذا إنما
معناه إذا لم تكن في عياله فأعطيت من اللحم ما
تذهب به على ما يأتي في رسم اغتسل ، فأما لو
كانت في عياله أو غشيتهم وهم يأكلون لم يكن
بأس أن تطعم منه دون خلاف ، وهذا يرد تأويل
ابن حبيب إذ لم يجعل ذلك اختلافاً من قول مالك
، وقال معناه إن كره البعثة إليهم إذا لم
يكونوا في عياله وأجاز أن يطعموا منه إذا
كانوا في عياله .
ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يجلب الغنم فيمر بها في
بعض نواحي الفسطاط أترى للرجل أن يشتري منها
ضحايا أو حاجة إن كانت له ؟ قال إنه ليكره أن
يشتري حتى يهبط بها إلى السوق ، فقيل أفرأيت
إن مر بها على قرية من الفسطاط على ستة أميال
؟ فقال أما ما يحتاج إليه من ضحايا أو غير ذلك
مما يحتاج إليه فلا أرى بذلك بأساً وأما ما
يريد به تجارة فلا يفعل .
(3/342)
قال محمد بن
رشد : قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف
فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسئل مالك عن الشاة الهرمة أيضحي بها ؟ قال
نعم .
قال محمد بن رشد : يريد ما لم يكن هرماً بيناً
، قاله أصبغ أو ما لم تسقط أسنانها من الهرم
فيجري ذلك على الاختلاف الذي تقدم في رسم
الشجرة تطعم بطنين في السنة .
ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يشتري الضحايا له أو لغيره
يسميها ثم يريد أني بدل ضحيته لغيره ويذبح عنه
ما سمى لغيره ، قال أرى إن أبدلها بخير منها
فما أرى بذلك بأساً .
قال محمد بن رشد : أما ذبحه عن نفسه ما كان
سمى لغيره أفضل من التي سمى لنفسه فلا بأس
بذلك ، وأما ذبحه عن غيره ما كان سمى لنفسه
وهي أدنى من التي كان سمى له فذلك مكروه لأنه
قد وعده أن يذبح عنه سميناً فكيره له أن يذبح
عنه أدنى مما كان وعده به ، فالاختيار له إذا
ذبح عن نفسه ما كان سمى لغيره أن يشتري لغيره
مثله أو أفضل وهذا بين .
ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية
مسألة
وسئل مالك عن أهل الإسلام أيهدون من ضحاياهم
لأهل
(3/343)
الذمة من
جيرانهم ؟ فقال لا بأس بذلك ، ورجع عنه بعد
ذلك وقال لا خير فيه غير مرة .
ومن كتاب أوله باع غلاماً بعشرين ديناراً
مسألة
قال : وقال مالك أرى البدنة والبقرة تجزئ في
التطوع عن السبعة في الضحايا أو أكثر من ذلك ،
كل واحد منهما والكبش يذبحه الرجل عن أهل
البيت وأحب ذلك إلي إذا كان موسراً أن يذبح كل
إنسان منهم شاة شاة يريد بذلك الضحايا ، ولا
يشترك في شيء من البدن تطوعاً ولا غيره في
الهدي وإن كان أهل بيت واحد .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة من
استحبابه أن يذبح عن كل نفس شاة شاة ، وروي
حديث ابن عمر أنه لم يكن يضحي عما في البطن إذ
فيه دليل على أنه كان يضحي عن المولود إذا ولد
أحب إلي من حديث أبي أيوب الأنصاري كان الرجل
يضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل
بيته ، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة .
مسألة
قال مالك : أكره أن توسم الغنم في وجوهها ،
ولا أرى بآذانها بأساً أن توسم ، وذلك أن
الشعر والصوف يغشي جسدها كله فيغيب السمت ،
وأما البقر والإبل فتوسم في غير ذلك من جسدها
لأنها ليست في أوبارها وأشعارها مثل الضان
والمعز .
قال محمد بن رشد : إنما كره أن توسم الغنم في
وجوهها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
المثلة ، ولم يكن سبيل أن توسم في أجسادها من
أجل أن
(3/344)
الشعر يغشاها
فيغيب السمت أجاز أن توسم في آذانها للحاجة
إلى سمتها ، والمعنى في هذا بين .
ومن كتاب أوله مساجد القبائل
مسألة
وسئل مالك عن الضحية أيطعم منها النصراني ،
قال غيره أحب إلي منه قال ابن القاسم ما
يعجبني .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول
فيها رسم سن وفي رسم اغتسل فلا معنى لإعادته .
ومن كتاب أوله صلى نهاراً ثلاث ركعات
مسألة
قال مالك : ليس على أهل مني أضاحي من حج منهم
وإن كان من أهلها ولم يحج فعليه ، وحدثني عن
عبد الله بن أبي بكر كان لأبيه غنم كثيرة بمنى
فما كان يضحي منها بشيء .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في المدونة
وغيرها أن الحاج سنتهم الهدايا دون الضحايا
كانوا من أهل منى أو غيرهم ، وأن سائر الناس
سنتهم الضحايا دون الهدايا كانوا من أهل منى
أو غيرهم ، لأن الله ذكر الهدايا في الحج ،
وأهدى رسول الله في الحج ، وضحى في غير الحج ،
فصار ذلك منهاج الإسلام وشرعته ، وفي المبسوطة
لابن كنانة أنه لا يضحي أحد بمنى ظاهره وإن مل
يكن من الحاج وهو شذوذ ، وروي عن عائشة أنها
كانت لا تنكر على من ضحى ممن حج ولا على من لم
يضح .
(3/345)
ومن كتاب أوله
مرض وله أم ولد فحاضت
مسألة
قال مالك : في الضحايا الضأن أعجب إلي من
المعز ، والمعز أعجب إلي من البقر ، وإناث
الضأن أعجب إلي من فحول الضأن المعز .
قال محمد بن رشد : لا اختلاف في المذهب أن
الغنم في الضحايا أفضل من الإبل والبقر ،
بخلاف الهدايا ، وظاهر هذه الرواية أن البقر
أفضل من الإبل ، فأفضل الضحايا فحول الضأن ثم
خصيانها ثم إناثها ثم فحول المعز ثم خصيانها
ثم إناثها ثم ذكر والبقر ثم إناثها ثم ذكور
الإبل ثم إناثها ، وقال ابن شعبان : بعد إناث
المعز ذكور الإبل ثم إناثها ثم ذكور البقر ثم
إناثها ، وجه قول مالك أن المقصود في الضحايا
طيب اللحم لا كثرته ، لأن لأهل البيت فالأفضل
فيها الأطيب لحماً وإن كانت أقل ، كما أن
الضأن أفضل من البقر لأنها أطيب لحماً وإن
كانت أقل منها ، فكذلك البقر أفضل منا لإبل
لأنها أطيب لحماً وإن كانت أقل منها ووجهه كما
ذهب إليه ابن شعبان أن الغنم إنما كانت أفضل
في الضحايا من أجل أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنما ضحى بالغنم اتباعاً لملة إبراهيم
صلى الله عليه وسلم ، إذ فدى الله تعالى ابنه
، عليه السلام ، بكبش فضحى به مكان ابنه ،
وقال تعالى : { فديناه بذبح عظيم } ، فإذا لم
يضح بالغنم المرغب في التضحية بها للتأسي بفعل
النبي صلى الله عليه وسلم وأبيه خليل الرحمان
فالإبل أفضل من البقر لأنها أعلى ثمناً وأكثر
لحماً ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي رقاب أفضل ؟ فقال أعلاها ثمناً وأنفسها عند
أهلها ، والشافعي يذهب إلى أن الضحايا
كالهدايا الإبل ثم البقر ثم الغنم ومن حجته
الحديث من اغتسل ثم راح في الساعة الأولى
فكأنما قرب بدنة ، الحديث إلى قوله فكأنما قرب
كبشاً أقرن ، وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يريد
الهدي ، وكذلك في بعض الآثار من اغتسل ثم راح
في الساعة الأولى فكأنما أهدى بدنة فسقطت حجته
(3/346)
بالحديث ، وقال
أشهب في ديوانه الضحية بالغنم أحب إلي
بالأمصار وبالإبل والبقر أحب إلي بمنى ، ولا
ضحية على الحاج بمنى ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب نذر سنة
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يهب لجاريته جلد أضحيته
أترى أن تبيعه ؟ قال : لا .
قال محمد بن رشد : إنما لم يجز لها أن تبيعه
لأنها أمته وله انتزاع مالها والتحجير عليها
فيه ، فإذا باعته فكأنه هو البائع له ، ولو
وهب الجلد لمسكين لجاز للمسكين أن يبيعه لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحل
الصدقة لغني إلا لخمسة ، الحديث ، ولقوله في
اللحم الذي تصدق به على بريرة هو عليها صدقة
ولنا هدية" .
من سماع أشهب وابن نافع من مالك رحمه الله
من كتاب الجنائز والذبائح والنذور
مسألة
قال سحنون : قال أشهب وابن نافع سئل مالك عن
تغالي الناس في الضحايا ، قال إني أكرهه وخير
الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه
ليشتر كما يشتري الناس وإن غلت ، وربما غلت
الأشياء فتنوولت على ذلك ، وأما الذي يجد
بعشرة دراهم فيذهب فيشتري بمائة درهم فأنا
أكرهه ، هذا يدخل على الناس مشقة إذا كان هكذا
.
قال محمد بن رشد : هذا مكروه كما قال ، لأن
العمل به يدخل على الناس ضرراً في أموالهم
وفاسداً في نياتهم وأعمالهم ، لأن ذلك يتراقى
في الناس حتى يفعلوه مباهاة وسمعة لا ابتغاء
قربة ، وقد قال أبو أيوب الأنصاري
(3/347)
كان الرجل يضحي
بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهله ثم
تباهى الناس بعد فصارت مباهاة وذلك في ذلك
الزمان ، فكيف به الآن ؟ .
مسألة
وسئل مالك عن الكباش تطول أذنابها حتى تسحبها
فيقطع الراعي منها قدر قبضة ليخف أفيجتنب في
الضحايا ؟ قال : نعم أرى أن يجتنب إذا وجد
غيرها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، إن الكاملة
الخلق التي لم يقطع من ذنبها شيء أفضل ، لأنها
توضع في يوم القيامة في ميزان بكمال خلقها
ووفاء شعرها ، وروري عن النبي ، عليه السلام :
أنه قال : "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب
إلى الله من إراقه دم ، وغنه ليأتي يوم
القيامة في قونه أي كتاب حسناته بقرونها
وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله
بمكان قبل أن يقع في الأرض فطيبوا بها نفساً"
، وهي تجزئ إلا أن تكون بتراء وهي التي قطع من
ذنبها النصف أو الثلث ، قاله ابن حبيب ، وهو
قول ابن وهب ، ولم يحد فهي في المدونة نصفاً
من ثلث ، وقال ابن المواز النصف كثير من غير
أن يحد فيه حداً ، فظاهر قوله إن الثلث عنده
يسير فيأتي في الثلث قولان ، لأنه آخر حد
اليسير وأول حد الكثير ، والربع يسير باتفاق ،
والنصف كثير باتفاق ، والأذان كالذنب فيما
يستحب منه مما لا يستحب ، وأما اليابسة الأطبا
فإن بقي بعضها فإنها تجزي قاله ابن المواز .
مسألة
قال : وسألته عن الضحية في السفر فقال أحب إلي
أن
(3/348)
يضحي إذا قدر
على ذلك ، والضحية في السفر والحضر سواء ، إلا
أن المسافر عسى به أن يشتغل ولا يقدر على
الإقامة في التماس الضحايا ، قال مالك بلغني
أن رجلاً سافر فأدركه الأضحى في السفر ، فمر
على راع وهو يرعى على رأس جبل ، فقال يا راعي
أتبيع مني شاة صحيحة أضحي بها ؟ قال : نعم ،
قال أنزلها فاتركها فاشتراها منه ، ثم قال له
أذبحها عني فذبحها الراعي ، وقال اللهم تقبل
مني ، فقال له ذلك الرجل ربك أعلم بمن أنزلها
من رأس الجبل ، ثم سار وتركها .
قال محمد بن رشد : حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه
قال إن ما في هذا الحديث أن ابن عمر ضحى في
السفر ، وأما المبالغة فيما فعل الراعي على
طريق الفقه فالأجزى وتجزي عن الراعي ، ويضمن
قيمتها له ، ويضحي بغيرها كمن تعدى على أضحية
رجل فذبحها عن نفسه ، وتباعه الفضل على تأويله
فقال : بل لا يجزئ عن واحد منهما على أصله
المتقدم ، وليس ذلك بصحيح ، لأن الراعي لم
يتعد على ابن عمر في ذبح أضحيته ، وإنما ذبحها
بأمره فهو حاضر مستنيب له في ذلك ، فوجب أن
تكون النية في ذلك نيته لا نية الراعي ، كمن
أمر رجفاً أن يوضئه فوضأه النية في ذلك نية
الآمر الموضإ ، لا نية المأمور الموضئ ، ألا
ترى أنه لو نوى فيها لابن عمر خلاف نيته من
ذبحه إياها له على أنها شاة لحم لم يؤثر ذلك
في نيته ، وإنما ق وله فيما ذبح لغيره وبأمره
: اللهم تقبل مني بمنزلة قوله اللهم تقبل مني
صلاة فلان وصيامه ، فذلك لغو دعاء غير مقبول ،
على أنه يحتمل أن يكون الراعي أراد : اللهم
تقبل مني عملي في ذبحي الذبيحة عنه ومعونتي
إياه على نسكه ولا تحرمني الأجر في ذلك ،
ولعله ظن بعمله أن الأجر في ذلك له لا لابن
عمر ، إذ تولى ذبحها هو
(3/349)
عنه وفهم ذلك
منه ابن عمر ، ولذلك قال له : ربك أعلم بمن
أنزلها من رأس الجبل ، ولو أرى ابن عمر أنها
لا تجزيه لما قال للراعي ضح بغيرها ، وهذا كله
بين وفيه دليل لقول أشهب في النصراني واليهودي
يذبح أضحية رجل بأمره أنها تجزيه ، وبئس ما
صنع .
مسألة
وسئل مالك عن الذي يأتي إلى الراعي بفلاة من
الأرض ليشتري منه الشاة ، فقال ذلك مختلف من
الرعاة ، ربما كان الراعي صاحب الغنم ، فأما
الغلام الرغد الأسود الأعجمي الذي ليس مثله
يؤتمن فأحب إلي ألا يشتري منه شيئاً ، وأما
العبد الفصيح الذي مثله يبيع لا مثله يقول لي
فيها أو أمرني أهلي أن أبيع ، فأرجو أن يكون
ذلك واسعاً ، وهذا البيع فرصة .
قال محمد بن رشد : يريد أنه إن كان العبد في
هيئته ممن يشبه أن يؤتم على البيع صدقاً اشترى
منه ، وإن كان ممن لا يشبه ذلك منه لم يصدقه
ولم يشتر منه ، وفي سماع أشهب من كتاب المديان
والتفليس ما ظاهره أنه لا يشتري منه إلا بإذن
أهله ولا يصدقه في قوله إذا لم يكن ممن يبيع
ويشتري ، ويحتمل أن يفسر ما ها هنا ، فإن حمل
على ظاهره فذلك على التورع لا على ما يلزم ،
ويجوز بدليل فعل ابن عمر في المسألة التي قبل
هذه .
مسألة
وسئل مالك عن المنهوش يوصف له أن يشق بطن شاة
حية فيدخل رجله في كرشها ، فقال ما يعجبني ،
ولو فعل ما أقول له فذبحها ثم يشق جوفها وهي
تركض فيدخل رجله في كرشها وهي
(3/350)
حية تركض ، قال
إنه يقال إن هذا أبلغن قال ما يعجبني هذا وما
هو بالبين ، قيل له أيصلح أن يذبحها ثم يشق
بطنها وهي حية تركض ؟ فقال يقول إنه على وجه
الدواء ، وكأنه يكرهه .
قال محمد بن رشد : لم يجز مالك رحمه الله شق
بطن الشاة وهي حية للتداوي بذلك ، وخشي أن
يكون لك من العيث الذي قد حرمته الشريعة وروي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من
مثل عصفورة فما فوقها عيثاً بغير حقها يسأله
الله عز وجل عن مثلها ، قيل يا رسول الله :
وما حقها ؟ قال يذبحها ولا يأكلها ولا يقطع
رأسها فيرمي بها" ، ولهذا قال أبو بكر ، رضي
الله عنه ، ليزيد بن أبي سفيان إذ شيعه في
الغزو ، ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا لمأكلة
وخفف شق جوفها بعد ذبحها قبل أن تزهق نفسها
وإن كان ذلك عنده مكروهاً لضرورة التداوي ،
فقوله ما يعجبني لفظ ليس على ظاهره ، لأنه
يقتضي الكراهة دون الحظر والحظر في فعل ذلك
أبين ، وقوله وما هو بالبين يريد وما شق جوفها
بعد ذبحها للتداوي بذلك بين فكيف بشقها قبل
ذبحها .
مسألة
وسألته عن الشاة انكسرت ثم جبرت أتجزئ للضحية
؟ قال : نعم ، إن كانت قد صحت حتى لا ينقص ذلك
من ثمنها ولا من صحتها ولا من مشيها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأنها إذا صحت
ولم يصبها من ذلك نقص فكأنها لم يكن بها قبل
كسر ، وإن بريت وبها عتل أو عرج نظر إلى قدره
فإن كان يسيراً أجزأت ، وإن كان كثيراً لم تجز
لقوله صلى الله عليه وسلم : "والعرجاء البين
عرجها" .
(3/351)
مسألة
وسمعت مالكاً وسئل عن اليتيم يكون له ثلاثون
ديناراً أيضحي عنه وليه بالشاة بنصف دينار
ونحوه ؟ قال : نعم ، ورزقه على الله .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن اليتيم
وغيره من الأحرار في الضحية سواء ، فيلزم
الوصي أن يضحي عنه من ماله إلا أن يكون ماله
يسيراً وثمن الضحية كثيراً فيخشي عليه الحاجة
إن ضحى عنه ، ورأى الضحية بنصف دينار من
ثلاثين ديناراً مما يلزم الوصي أن يفعله ويصدق
في ذلك كما يصدق في تزكية ماله وفي النفقة
عليه إذا كان في عياله ، وإن كانوا إخوة
ومالهم في يده مشتركاً بنيهم ضحى عن كل واحد
منهم شاة شاة ، ولم يجز أن يضحي عنهم من مالهم
المشترك بينهم شاة واحدة ، ويجوز له أن يضحي
عنهم كلهم بشاة واحدة من ماله إن كانوا في بيت
واحد ، ولا يجوز أن يدخلهم في أضحيته إن كانوا
في عياله إلا أن يكونوا من قرابته .
مسألة
وسئل مالك قيل له إن اليهودي يذبح لنفسه
فيطعمك من ذبيته فإذا ذبحت أنت شاة لنفسك لم
يأكل منها ، ويقول إن أردت أن آكل فهات حتى
أذبحها أنا ، أفترى أن يمكنه منها ؟ قال : لا
والله ما أرى ذلك .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الله
إنما أباح لنا أكل ما ذبحوا لأنفسهم بقوله
تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
وطعامكم حل لهم } ، فأما أن نوليهم ذبح شيء
نملكه من أجل أنهم لا يأكلون ذبائحنا فإن هذا
مما لا ينبغي للمسلم أن يفعله ، لأنا إذا كنا
نحن نأكل
(3/352)
ذبائحهم فهم
أحق بأكل ذبائحنا ، فإذا أرادوا أن يوجبوا
لأنفسهم في دينهم مزية علينا في ديننا بترك
أكل ذبائحنا فمن الحق علينا ألا أن نمكنهم من
ذبح ما نملكه ولا ننعمهم بذلك عيناً ، لأن
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وكذلك لو كانت
الشاة بين مسلم ونصراني لم ينبغ للمسلم أن
يمكنه من ذبحها ، قال ذلك مالك في رسم حلف من
سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح والصيد والذي
ينبغي له أن يفعل أن يقاومه إياها ولا يمكنه
من ذبحها كما لا يمكنه هو من ذبحها ، فإن فعل
أكلت وبئر ما صنع . قال ذلك ابن أبي حازم في
سماع أشهب من كتاب الذبائح ، وقال في سماع
يحيى منه لا أحب أن تؤكل وقد روي عن مالك ما
يدل على أنها لا تؤكل وسنذكر ذلك هناك .
مسألة
وسألته هل يضحي أو يعق بشيء من الوحش ، فقال
لي : لا ، ليس يتقرب إلى الله بشيء من الوحش
ولا الطير ، ولا يتقرب إلى الله في هذا إلا
بالأنعام ، قال عز وجل : { ثمانية أزواج من
الضأن اثنين } الآية ، وقال : { ويذكروا اسم
الله . . . . على ما رزقهم من بهيمة الأنعام
فكلوا منها } . ولا يتقرب إلى الله في شيء من
هذا إلا بالأنعام .
قال محمد بن رشد : أما الوحش فال اختلاف في
أنه لا يتقرب إلى الله بشيء منها ولا ينسك به
في هدي ولا ضحية ولا عقيقة ولا فيما سوى ذلك
من الأشياء ، وظاهر قوله في هذه الرواية إجازة
العقيقة بالإبل والبقر ، ومثل ذلك لمالك في
كتاب ابن حبيب ، وفي سماع سحنون من كتاب
العقيقة
(3/353)
لمالك أن السنة
في العقيقة الغنم فلا يجزي فيها الإبل ، ومثل
ذلك في كتاب ابن المواز ، والأظهر أنه يجوز
فيها الإبل والبقر وإن كان الأفضل فيها الغنم
قياساً على الضحايا لأن حكمها حكمها ، وفي وقت
ذبحها من النهار وفي جواز الأكل منها وحريم
بيع لحمها وجلدها ، ويحمل ذكر النبي عليه
السلام فيها دون البدنة والبقرة على أنه إنما
ذكره تيسيراً على أمته .
مسألة
وسألته أيضحي الرجل عن أمهات أولاده ؟ قال لي
: إن شاء ، قلت هل هو من ذلك في سعة ؟ قال :
نعم .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن الضحايا
من العبادات المتوجهة إلى الأموال ، فليست تجب
إلا على من يملك ماله ملكاً لا تحجير لأحد
عليه فيه بحق الحجر وهم الأحرار ، وحكم أم
الولد حكم العبيد في تحجير السيد عليها في
مالها وفيما سوى ذلك من جل أحوالها إذ الحرية
فيها تبع لرقها .
مسألة
وسألته عن الذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها
ولا يشق الأمعاء ، قال إذا شق بطنها فلا أرى
أن تؤكل .
قال محمد بن رشد : إذا لمي شق الأمعاء فليس شق
البطن بمقتل إلا أن ينثر الحشوة ، فقوله في
هذه المسألة لا أرى أن تؤكل إذا شق بطنها يريد
وإن ذكيت وهي قائمة الحياة هو مثل قوله في
سماع أشهب من كتاب الذبائح والصيد خلاف قوله
في المدونة في المدقوقة العنق إنها تذكي وتؤكل
وإن كان مثلها لا يعيش ، وخلاف قوله أيضاً في
رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من
كتاب الذبائح والصيد في المتردية ، والقولان
فيها كلها جاريان
(3/354)
على اختلافهم
في قول الله عز وجل : { إلا ما ذكيتم } . هل
هو استثناء متصل أو منفصل ؟ فمن رآه استثناء
منفصلاً أجاز الذكاة منها كلها وإن كانت قد
بلغت مما أصابها مبلغاً يعلم أنها لا تعيش منه
ما لم تكن قد أنفذت مقاتلها ، وهي خمس متفق
عليه ، وهي قطع الأوداج ، وخرق المصيرة ،
وانتثار الحشوة ، وانتثار الدماغ ، وقطع
النخاع ، وهو انقطاع للمخ الذي يكون في عظام
الرقبة والصلب ، واختلف في اندقاق العنق من
غير أن يقطع النخاع ، فلم يره ابن القاسم
مقتلاً ، وفي خرق الأوداج من غير أن تقطع ،
فلم يره ابن عبد الحكم مقتلاً ، ومن رآه
استثناء منفصلاً لم يجز الذكاة في شيء منها
إذا علم أنها لا تعيش مما أصابها وإن لم ينفذ
ذلك لها مقتلاً وهو قول مالك في هذه الرواية ،
وأما إذا أصاب شيء من ذلك مقاتلها فلا تذكي
ولا تؤكل وإن كانت الحياة فيها بعد قائمة إلا
على قياس رواية أي زيد عن ابن القاسم في كتاب
الديات في الذي ينفذ مقاتل رجل ثم يجهز عليه
آخر أن الآخر يقتل به دون الأول ، وهو شذوذ من
القول ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسألته عن الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من
النصارى أو غيرهم ممن على غير الإسلام ؟ فقال
: ما سمعت ذلك ، وأحب إلي ألا يطعم واحد منهم
شيئاً .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول
فيها في رسم سن من سماع ابن القاسم .
مسألة
وسئل مالك : قيل له أترى ما دبغ من جلود
الدواب طاهر ؟ قال : إنما يقال هذا في جلود
الأنعام ، فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف
يكون جلده طاهراً إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه
ولا يؤكل
(3/355)
لحمه ، وقد كان
ابن عمر يقول إني لأحب أن أجعل بيني وبين
الحرام سترة من الحلال ، ولا أحرمه .
قال محمد بن رشد : في ظاهر جواب مالك في هذه
المسألة تناقض لأن قوله فيه إنما يقال هذا في
جلود الأنعام يدل على أن جلود ما سوى الأنعام
لا يطهرها الدباغ ، وقوله فيه فأما جلود ما لا
يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهراً إذا دبغ وهو
مما لا ذكاة فيه يدل على أن جلود جميع ما يؤكل
لحمه من الأنعام وغيرها يطرها الدباغ ويقتضي
كلامه أن جميع ما لا يؤكل لحمه من الدواب
والسباع لا تعمل الذكاة في جلودها ولا يطرها
الدباغ خلاف مذهبه في المدونة في جلود السباع
، لأنه أجاز فيها تذكيها لأجل جلودها ، وقال
في الصلاة الأول منها لا بأس بالصلاة عليها
إذا ذكيت مراعاة للاختلاف في أكل لحومها ، كما
راعى ذلك أيضاً في السلم الثالث منها في جواز
بيعها باللحم فكرهه ، وإطلاقه الطهارة في هذه
الرواية في جلود الأنعام أو في جلود كل ما
يؤكل لحمه على ما ذكرناه من الاضطراب بالدباغ
، يقتضي الطهارة الكاملة له صلاة ويرها خلاف
المشهور عنه في المدونة وغيرها من أن جلد
الميتة لا يطهر بالدباغ إلا للمنافع دون
الصلاة فيتحصل فيما يطهر بالدباغ من جلود
الميتات لقولهن عليه السلام : إذا دبغ الإهاب
فقد طهر ، خمسة أقوال ، أحدها : أنه لا يطهر
به إلا جلود الأنعام خاصة ، وهو الذي يدل عليه
قول مالك في هذه الرواية ، إنما يقال ذلك في
جلود الأنعام ، ووجه هذا القول إن أهل اللغة
قد قالوا منهم النضر بن شميل وغيره ، إن
الإهاب إنما هو جلد الأنعام ، وما عداه فإنما
يقال له جلد ولا يقال له إهاب ، والثاني : إنه
يطهر به جلود الأنعام ومجلود جميع ما يؤكل
لحمه من لوحش وهو دليل قول مالك أيضاً في هذه
الرواية ما بيناه ، والثالث : إنه يطهر جميع
الجلود إلا جلود الدواب وجلود الخنزير ، وهو
الذي يأتي على مذهب مالك في المدونة أنه قال
فيها : إنه يصلي بجلود السباع إذا ذكيت ولا
يصلي بجلد الحمار وإن
(3/356)
ذكي ، ووقف في
الكيخت ، وما يعمل فيه الذكاة على مذهبه يطهره
الدباغ ، والرابع : إنه يطهر جميع الجولد كان
مما يؤكل وتعمل فيه الذكاة أو مما لا يؤكل ولا
تعمل فيه الذكاة حاشا جلد الخنزير ، وهذا قول
جل أهل العلم منهم الشافعي وأبو حنيفة وهو
مذهب ابن وهب من أصحاب مالك وقع قوله في سماع
عبد المالك من كتاب الصلاة وفي رسم حبل حبلة
من سما عيسى منه عن إبراهيم النخعي ، قال كان
أصحاب النبي ، عليه السلام ، يجعلون الكيمخت
في سيوفهم ويقولن دباغه طهوره ، والخامس : إنه
يطهر جميع الجلود وجلد الخنزير ، وهو قول
سحنون ومحمد بن عبد الحكم ومذهب داوود بن علي
من أهل الظاهر لعموم قول النبي ، عليه السلام
، إذا دبغ الإهاب فقد طهر ، لأنهم يرون أن
الإهاب اسم لكل جلد ، وقد قال أحمد : لا أعرف
قول النضر بن شميل ، وجل أهل العلم يرون طهارة
الدباغ للجلود طهارة كاملة للصلاة والبيع وغير
ذلك حاشى المشهور من قول مالك على ما ذكرنا ،
وذهب ابن حبيب إلى أن الذكاة لا تعمل في جلود
السباع العادية ولا في جلود البغال والحمير
ويطهرها الدباغ للانتفاع بها خاصة ، وتعمل في
جلد الفرس وفي جلود السباع التي لا تعدو ولا
تفترس ، وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الوضوء
وجه استعمال الآثار الواردة عن النبي ، عليه
السلام ، في هذا الباب على المشهور من مذهب
مالك فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك .
مسألة
وسئل مالك عن الضحية إذا بحت فوجد جوفها
فاسداً كله أيجزيه ؟ فقال : إن المريضة من
الضحايا لا تجوز ، فإن لم تكن مريضة فهي مجزية
لا بأس بها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إنه إذا علم
بعد الذبح أنها مريضة بما وجد من فساد جوفها
لم يجز لقول النبي ، عليه السلام : والمريضة
(3/357)
البين مرضها ،
وإن كانت لا يجب له أن يردها على البائع بذلك
لأنه مما يستوي البائع والمشتري في الجهل
بمعرفته إلا أن يشبه أن يكون فساد جوفها من
ضربة فيجب على البائع اليمين ما علم بذلك ،
ولا يبيع من لحمها شيئاً لأنه ذبحها على أنه
نسك ، قال ذلك مالك في الواضحة ، وقد قيل إن
بيعها لا يحرم عليه إذا لا يضحي بالمعيبة
وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
مسألة
وسئل مالك عمن سلف في ضحايا يأتي بها للأضحى
فلا يأتي بها البائع إلا بعد ذلك ، فيقول
المشتري إنما أردتها ضحايا وقد ذهبت ذلك
الإبان ، فقال مالك : هو مثل الذي يبتاع
الغطاء للشتاء فيأتيه بها في الصيف ، والقمح
لإبان يغلو فيه فيأتيه بعد ذلك ، فأرى عليه أن
يقبلهن قلت : أرأيت الذي يتكارى للحج فيأتيه
بعد إبان الحج أيكون مثله ؟ فقال : ما الحج من
هذا فيما أرى ولا مثله .
قال محمد بن رشد : الفرق بين مسألة السلف في
الأضاحي يأتيه المسلم إليه بها بعد الأضحى
وبين الذي يتكارى للحج فيأتيه الكري بعد إبان
الحج أن الذي تسلف في الأضاحي على أن يأتيه
المسلم إليه في الأضحى إنما تسلف أن يأتيه في
الأضحى رجاء نفاقها في ذلك الوقت وليس على
يقين من ذلك إذ قد تكون الكباش في غير الأضحى
أنفق منها في الأضحى فيتم غرضه المبتغي ، وإن
لم تكن أنفق فلها قيمة وفيها منفعة على كل حال
، والحج لا ينتقل عن وقته ، فإذا لم يأته
الكري إلا بعد إبانه فقد علم فواته غرضه وانه
لا منفعة له في السير في غير إبان الحج ، فوجب
أن ينفسخ الكراء بينهما ، وفي مسألة الضحايا
اختلاف ، قد قيل إنه إذا أتاه بها بعد الأضحى
(3/358)
بعد اليوم
واليومين لزمه ، وإن أتاه بها بعد الأيام
الكثيرة لم يجبر على أخذها ، روي ذلك مطرف عن
مالك ، وذلك جار على الاختلاف في السلم ينعقد
على تعجيل رأس المال فيتأخر النقد إلى حلول
الأجل بهروب من المسلم وهو عرض على ما في
المدونة أو عين على ما حكى ابن حبيب في
الواضحة ، فعلى ما في المدونة من أن السلم
جائز لازم للمسلم إليه لوا خيار له فيه يأتي
قوله في هذه الرواية أن المسلم يلزمه أخذ
الضحايا وإن لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير
، وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن
القاسم وهو قول ابن وهب من أن المسلم إليه
باختيار إذا هرب له المسلم برأس المال حتى حل
الأجل يكون المسلم إليه بالخيار في مسألة
الضحايا إذا لم يأته بها إلا بعد الأضحى بكثير
، وهي رواية مطرف عن مالك ، وفي إلزامه بالقرب
دون البعد نظر لكساد اللحم قرب أيام النحر
لكثرته بأيدي الناس من ضحاياهم .
ومن كتاب المدلس من سماع عيسى بن دينار
ومن كتاب أوله نقدها نقدها
مسألة
قال عيسى قول ابن القاسم في رؤوس الضحايا يخطأ
بها في الأفران ، يذهب برأس أضحية هذا إلى هذا
فيأكلان ذلك ثم يعلم ذلك ، قال : يتحللان ولا
شيء عليهم ، وإن طلب كل واحد منهما قيمة الذي
له أو فضل الذي له على الذي لصاحبه فلا شيء له
، وأنه إن سرق رجل رأس أضحية رجل أنه ما أحرى
أن يضمن في السرقة ، وما هو بالقوي عندي وأحب
إلي أن يتركها ولا يأخذها يريد القيمة ألا
يأخذها ، كأنه رأى أنه قد باع بعض أضحيته إذا
أخذ لها
(3/359)
ثمناً ، قال
عيسى : أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق
ويتصدق به .
قال محمد بن رشد : فرق ابن القاسم في رؤوس
الضحايا بين الاختلاط والسرقة ، فقال : لا شيء
على أكل أفضل من متاعه للذي أكل متاعه في
الفضل ، وكذلك على قوله لو أخطأ فأكل رأس غيره
، ولم يأكل له أحد شيئاً لم يكن عليه شيء في
الذي أكل على سبيل الخطأ إذ لا فرق في القياس
بين الكل والفضل ، وقال في السرقة أن يضمن
السارق في السرقة وإن كان الأحب إليه ألا يفعل
، وذلك استحسان إذ لا فرق في وجه القياس بين
الخطأ والعمد لوجب ضمان الأموال بها جميعاً
وجوباً واحداً ، فوجب أن يضمن في الوجهين
أيضاً على القول بأن أخذ القيمة فيما استهلك ل
يس ببيع وألا يضمن في الوجهين أيضاً على القول
بأن أخذ القيمة فيما استهلك بيع ، وإذا أخذ
القيمة على القول بأن ذلك ليس ببيع فله أن
يتمولها ويفعل ما شاء ، لأن الحرمة إنما كانت
في عين لحم الأضحية لا في القيمة المأخوذة عنه
، وكذلك قال ابن حبيب في الواضحة إن له أن
يأخذ القيمة ويصنع بها ما شاء إذ ليس ذلك ببيع
كمن حلف ألا يبيع سلعة له فاستهلكها له رجل أن
له أن يضمنه قيمتها ولا يحنث قال ذلك في رأس
الأضحية يسرق أو جلدها يضيع عند الرقاق ،
ومثله في كتاب ابن المواز لملاك ، قال : وإذا
اختلطت الرؤوس في الفران كرهت لك أن تأكل متاع
غيرك ولعل غيرك لا يأكل متاعك ، أو متاعه خير
من متاعك ، قال : ولو اختلطت برؤوس الفران كان
خفيفاً لأنه ضامن كما يضمن لحم الأضاحي
بالتعدي والزرع الذي لم يبد صلاحه ، وقول عيسى
بن دينار أحب إلي أن يأخذ الثمن من السارق
ويتصدق به قول ثالث في المسألة لا وجه له لأن
أخذ القيمة من السارق إن لم يكن بيعاً له فلا
وجه لاستحباب التصدق بها ، وإن كان بيعاً له
فلا يجوز ذلك وأن يتصدق بها ألا ترى أنه لا
يجوز للرجل أن يبيع جلد أضحيته ولا شيئاً منها
ليتصدق بالثمن وأصل
(3/360)
ما يقاس عليه
هذه المسألة ويبين به صحة ما ذكرناه فيها
مسألة الجناية على أم الولد ، وذلك أن يبيعها
لا يجوز ويجوز
الاستمتاع بها ، كما أن لحوم الضحايا لا يجوز
بيعها ويجوز أكلها الاستمتاع بجلودها ، واختلف
فيها إن قتلت ، فقيل إنه لا قيمة على قاتلها
إذ لا يجوز بيعها ، ولأنه إنما أتلف على سيدها
متعة ، وهو قول سحنون ، وقيل إن عليه قيمتها
وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، ولم
يقل أحد إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها ، ولا فرق
في ذلك بين العمد والخطأ ، فوجب أن ترد مسألة
الضحايا إلى ذلك ، وإنما كره مالك في كتاب
محمد بن المواز للرجل إذا اختلطت رؤوس الضحايا
في الأفران أن يأكل متاع غيره ولم يحرم ذلك
لأن حكم ذلك حكم لقطة مالاً يبقى من الطعام
حيث لا يوجد له ثمن إذ لا يجوز بيعه فأكله
جائز إذا لم يعلم صاحبه وخشي عليه الفساد ،
لقوله ، عليه السلام ، في الشاة : "هي لك أو
لأخيك أو للذئب" . والتصدق بذلك أفضل ، بخلاف
الخبز واللحم من غير الأضاحي يختلط في الفرن
فلا يلم الرجل لمن هذا الذي سيق إليه ولا عند
من صار متاعه فإنه يجب عليه أن يبيعه ويوقف
ثمنه على حكم اللقطة .
ومن كتاب أوله
عبد استأذن سيده في تدبير جاريته
مسألة
قال ابن القاسم : وسألت مالكاً عن الغنم تجلب
إلى الحاضرة فإذا كانت على الميلين أو الثلاثة
تركها أصحابها في المرعى ويقدمون إلى المدينة
فخرجوا بالجزارين فاشتروها منهم ، فقال : لا
خير فيه وهذا من تلقي السلع ، قلت له : فإن
عندنا في الأضحى يوماً يؤتي بالغنم فيمر بها
في المدينة إلى موقفها الذي توقف فيه فتمر
(3/361)
بباب الرجل
فيريد أن يبتاع أضحيته ، فقال : لا يفعل حتى
تنهي إلى موقفها ، وقال : الضحايا وما يتقرب
به إلى الله أحق ما احتيط فيه .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة والقول
فيها في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا وجه
لإعادته .
ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده
مسألة
قال ابن القاسم في القوم يشترون الضحايا قبل
النحر بيوم فيخرج بها الراعي بأفنيتهم
ويخلطونها ويأخذ الرجل منهم الكبش وهو يراه
كبشه فيذبحه ويضحي به ، ثم يتبين له أنه غير
كبشه ، وأنه لغيره ، قال : أرى أن يعود فيذبح
كبشه الذي كان سمى لنفسه ويخير صاحب الكبش
المذبوح فإن شاء أخذ لحم كبشه ولم يكن له غير
ذلك ، وإن شاء أخذ قيمته يوم ذبحه ، فقلت له :
أرأيت إذا أخذ من الذي ذبحه قيمة كبشه هل ترى
للذي ذبح الكبش وغرم قيمته أن يبيع ذلك اللحم
؟ قال : لا أرى له أن يبيعه وليأكله إن شاء أو
يتصدق به وأكره أن يبيعه .
قال محمد بن أحمد : وإن أخذ صاحب الكبش اللحم
ولم يضمنه القيمة كان له أن يبيعه ويصنع به ما
شاء لأنه لم يذبحه هو على الضحية به ، وقد قيل
إنه يجزيه الضحية إذا أغرمه رب الكبش القيمة ،
وفرق ابن حبيب بين أن يضمنه القيمة واللحم
قائم ، أو بعد فواته ، وقد مضى بيان هذا كله
في آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب الحج فلا
معنى لإعادته .
(3/362)
مسألة
قلت : أرأيت إن ضلت منه أضحية فوجدها بعد أيام
الذبح وقد ضحى بأخرى أو لم يضح هل له أن
يبيعها ؟ قال مالك : نعم يصنع بها ما شاء بعد
أن ضحاها في أيام النحر ، قال ابن القاسم :
ولو أصابها في أيام النحر وقد كان ضحى ببدلها
لم يكن عليه أن يذبحها ، لأن له أن يبدلها
بخير منها .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح على ما في المدونة
وغيرها من أن الضحية لا تجب إلا بالذبح ، فإذا
وجدها وقد مضى ضحى ببدلها أو بعد أيام الذبح
لم يجب عليه فيه شيء ، إذا لا يضحي أحد في غير
أيام النحر ، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم
ما فيه بيان هذا .
مسألة
قلت : فالرجل يخرج قبل يوم النحر بيوم إلى سوق
الغنم وقد كثر الناس الجلائب فيشتري الكبش
يضحي به فيدفعه إلى غلامه فينفلت فيدخل بعض
تلك الأدواد فلا يعرفه صاحب الدود ولا مشتريه
، قال : يكون مشتريه شريكاً لصاحب الدود فإن
كانت إنه مائة أعطى جزءاً من مائة جزء ، وجزء
، قلت : أرأيت إن كان مشتريه يريد أن يتعجل
أخذ شاة لحاجته ؟ قال : يكون ذلك له ويعطي شاة
من وسط الغنم بالقيمة ولا يعطي من أدناها ولا
من أعلاها .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة بينة المعنى على
معنى ما في كتاب بيع الغرر من المدونة في الذي
اشترى العدل بالبرنامج على أن فيه خمسين ثوباً
فوجد به أحداً وخمسين ثوباً ، والاختلاف في
هذا هنا كالاختلاف في
(3/363)
تلك هناك سواء
، لأنه قال فيها إن المبتاع رد جزءاً من أحد
وخمسين جزءاً من الثياب ، يريد يكون البائع
شريكاً له بذلك في جميع الثياب كما قال ها هنا
إن صاحب اكبش يكون شريكاً لصاحب الدود بجزء من
مائة جزء وجزء ، إن كانت غنمه مائة ، فإن أراد
القسمة على هذا القول ضرباً بالسهام على الغنم
وعلى الثياب فإن خرج السهم على كبش من الكباش
وقيمته أكثر من جزء مائة جزء وجزء كان لصاحب
الكبش منه من مائة جز وجزء ، وكانت بقيته
لصاحب الدود يكون شريكاً له فيه بذلك ، وإن
خرج السهم على ثوب من الثياب وقيمته أكثر من
جزء واحد وخمسين جزءاً كان للبائع منه بجزء من
أحد وخمسين جزءاً وكانت بقيته للمشتري يكون
شريكاً له فيه بذلك ، وإن ضرب بالسهام على
الغنم والثياب فخرج السهم على كبش من الكباش
وقيمته أقل من جز من مائة جزء وجزء كان لصاحب
الكبش ، وضربا ثانية على الكباش فما خرج عليه
السهم منها كانا فيه شركيين صاحب الكبش بما
بقي من جزئه وصاحب الدود ببقيته وكذلك إن خرج
السهم على ثوب من الثياب وقيمته أقل من جزء من
أحد والخمسين جزءاً كان للبائع ، وأعيد السهم
ثانية فما وقع عليه من الثياب كانا فيه شريكين
أيضاً البائع بما له من جزئه والمبتاع ببقيته
، ثم قال بعد ذلك خلاف هذا الجواب إنهما إن
أرادا الاقتسام يعطي صاحب الكبش شاة من وسط
الغنم بالقيمة أي بجزء من مائة جزء وجزء ، فإن
لم يكن في الغنم كبش يكون قيمته جزءاً من مائة
جزء وجزء من جميع الغنم إلا كبشاً واحداً ،
أخذه ولم يكن له غيره ، وإن وجد فيها كباشاً
يكون قيمة كل واحد منها جزءاً من مائة جزء
وجزء ، ضرباً عليها بالسهام ، فكان لصاحب
الكبش منها الذي يقع عليه السهم إلا أن يتفقا
على
أن يأخذ أحدها من غير قرعة فيجوز ذلك ، كما
قال في المدونة أيضاً في مسألة الثياب ، خلاف
جوابه الأول أنه يرد ثوباً كأنه عيب وجده فيه
يريد أنه يعطيه من الثياب ثوباً قيمته جزء من
أحد وخمسين جزءاً من الثياب ، فإن لم يكن في
الثياب ثوب تكون قيمته جزءاً من واحد وخمسين
جزءاً من جميع الثياب إلا ثوباً واحداً أخذه
البائع
(3/364)
ولم يكن له
غيره ، وإن وجد فيها عدداً من الثياب قيمة كل
واحد منها جزء من أحد وخمسين جزءاً ضرباً
عليها بالسهام فكان للبائع منها الذي يقع عليه
السهم ، إلا أن يأخذ أحدها دون قرة فهذا تفسير
هذه المسألة ومسألة المدونة ، والقول الأول
فيهما جميعاً أظهر أنهما يكونان شركيني في
الغنم والثياب ويضربان عليا السهم إذا أرادا
القسمة ، ولا يكون لصاحب الدود أن يعطي لصاحب
الكبش كبشاً من وسطها ، بالقيمة التي هي جزء
من مائة جزء وجزء إلا أن يخرجه له السهم ولا
للمبتاع أن يرد على البائع ثوباً تكون قيمته
جزءاً من أحد وخمسين جزءاً إلا أن يخرج له
السهم ، وهو اختيار ابن القاسم في المدونة ،
وكذلك يختلف في هاتين المسألتين اختلافاً
واحداً إن تلف من الثياب أو الغنم شيء أو
استحق قبل القسمة ، فقيل إن ما تلف أو استحق
منها وما بقي بينهما على التجزئة المذكورة
وحكم الشركة الثابتة الصحيحة ، وهو مذهب مالك
المشهور عنه ، وقوله الأول في هاتين المسألتين
وقيل إن ما تلف أو استحق لا يكون منهما إذ لم
تتقرر الشركة بينهما بعد لأنها شركة يوجبها
الحكم فلا تنعقد بينهما إلا بعد التقويم
والرضى بالبقاء على حكم الشركة ويبقى التداعي
بينهما في الباقي ، إن كان الذي تلف من الغنم
كبشاً واحداً كان لصاحب الدود تسعة وتسعون
كبشاً ونصف كبش ، ولصاحب الكبش نصف كبش ،
ويقتسمان الغنم على هذه التجزئة فيكون منها
لصاحب الكبش نصف جزء من مائة جزء ولصاحب الدود
تسعة وتسعون جزءاً ونصف جزء ، وهو مذهب ابن
القاسم ، وهذه الشركة التي يوجبها الحكم إذا
وقعت فيما فيه الشبهة لا يجب بها الشفعة إلا
فيما بيع بعد التقويم والرضى بالبقاء على حكم
الشركة على مذهب ابن القاسم الذي لا يرى
المصيبة فيما تلف قبل ذلك بينهما ، ومثال ذلك
أن يشتري الرجل من أرض قربه قد عرفها ووقف
عليها مبدراحد دون أن يعين موضعاً أو يشترط أن
يختار أو يوهب له منها مبدراحد أيضاً ثم يباع
بعد ذلك جزء من القرية على الإشاعة قبل أن
تكسو الأرض فيعرف مبلغ الأمد المشتراة أو
الموهوبة فيتراضيان على البقاء على حكم
(3/365)
الشركة فيجب له
الشفعة على قول مالك الأول في هذه المسألة وفي
مسألة بيع البرنامج المذكور واختيار ابن
القاسم فيها ولا يجب على قول مالك الثاني
فيهما ولا على قول ابن القاسم الذي ذكرناه .
ومن كتاب أوله
إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول فأنت طالق
مسألة
وسئل ابن القاسم عن شاة ذبحها يهودي فوجدها لا
تحل له هل ترى أكلها للمسلمين حلالاً ؟ قال :
قال مالك إني لأكرهه وما هو عندي بحرام ، قيل
فه فالشحم ؟ قال : والشحم مثلها أو أكره منه ،
قال ابن القاسم : وأنا ليس يعجبني أكله ولا
أراه حراماً ، قال ابن نافع : ولا بأس به وليس
عندنا فيه كراهية وإنما بمنزلة طعامهم ونهى
ابن كنانة عن أكلها .
قال محمد بن رشد : لابن القاسم في المدونة أنه
لا يؤكل ، مثل قول ابن كنانة ، فهي ثلاثة
أقوال الإجازة والكراهة والمنع ، ترجع إلى
قولين الإجازة والمنع ، لأن الكراهة من قبيل
الإجازة ، وفرق أشهب وغيره بين الشحم وما
حرموه على أنفسهم مما ليس محرماً عليه في
التورية ، والأصل في هذا الاختلاف اختلافهم في
تأويل قوله عز وجل : { وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل لكم } .
هل المراد بذلك ذبائحهم أو ما يأكلون ، فمن
ذهب إلى أن المراد بذلك ذبائحهم أجاز أكل
شحومهم لأنها من ذبائحهم ومحال أن تقع الذكاة
على بعض الشاة دون بعض ، وأجاز أيضاً أكل ما
ذبحوه ليأكلوه مما وجدوه فاسداً فلم يأكلوه ،
لأنه من ذبائحهم ، ويؤيد هذا التأويل ما روي
من إباحة رسول الله شحوم يهود على ما جاء من
أن رجلاً وجد فيبعض حصون خيبر عند افتتاحها
جراباً مملواً شحماً فبصر به صاحب المغانم
فنازعه فيه ،
(3/366)
فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم : خل بينه وبين جرابه
يذهب به إلى أصحابه ، ومن ذهب إلى أن المراد
من ذلك ما يأكلون لم يجز أكل شحومهم ، لأن
الله حرمها عليهم في التورية على ما أخبر به
القرآن ، فليست مما يأكلون ، واختلفوا فيما
حرموه على أنفسهم مما ذبحوه فوجدوه فاسداً هل
يحمل محمل الشحوم التي حرمها الله عليهم ، أم
لأن شحومهم يجوز أكلها على التأويل الأول
باتفاق ، ولا يجوز على التأويل الأول باتفاق
وعلى التأويل الثاني باختلاف ، فهذا معنى قول
مالك في المدونة : والشحم مثله أو أكره ، لأن
من مذهبه مراعاة الخلاف فكلما ضعف الاختلاف في
إجازته قويت فيه الكراهية ، فعلى هذا الذي
ذكرناه لا يحل لنا أكل ما ذبحوه من كل ذي ظفر
إذ لم يقصدوا إلى ذكاته من أجل أنهم لا
يأكلونه فهو كالميتة ، هذا نص قول ابن حبيب في
الواضحة ، ولا أعرف في هذا نص اختلاف إلا ما
وقع لأشهب في المبسوطة ، وهو محتمل للتأويل ،
وذهب ابن لبابة إلى خلاف هذا الأصل كله ، فقال
كل ما كان حلاً لنا ومن طعامنا فهو حل لهم ومن
طعامهم ، لأن الله أحل لهم طعامنا كما أحل لنا
طعامهم ، فقال : { وطعام الذين أوتوا الكتاب
حل لكم وطعامكم حل لهم } .
فجائز لنا أن نأكل من طعامهم كل ما يجوز لنا
أكله من الشحوم والمذبوح والمنحور وغير ذلك ،
كان مما حرمه الله عليهم في التورية أو حرمه
إسرائيل عن نفسه من قبل أن تنزل التورية ، أو
حرموه هم على أنفسهم لأن ما حل لنا حل لهم ،
وما حرم علينا حرم عليهم لوجوب الإسلام عليهم
، قال الله عز وجل : { ومن يبتغ غير الإسلام
ديناً فلن يقبل منه } .
وبطل ما هم عليه من البقاء على شرائعهم ، قال
: وكما لا نستبيح من طعامهم ما يأكلونه إذا
كنا نحن لا نأكله ، فكذلك نستبيح من طعامهم ما
لا يأكلونه إذا كنا نحن نأكله ، وقد يحرمون
على أنفسهم ما ذبحوه
(3/367)
أو اصطادوه يوم
السبت من الحيتان ولا يحرم علينا من ذلك شيء ،
لأنه طعامهم وإن لم يأكلوه ، هذا معنى قوله
دون لفظه ، فبناه على أن الكفار مخاطبون
بشرائع الإسلام ، وهذا لا يصح فيما نحروه أو
ذبحوه من كل ذي ظفر لأنهم يعتقدون تحريم ذلك
عليهم ، فهو كالميتة إذ لا يقصدون بذلك ذكاة
كمن رمي شاة يريد قتلها فأصاب مذبحها فقطع
ودجيها وحلقومها ، أو كمن ذبح شاة بالليل وهو
يظنها خنزيراً ، ولو ذبح ذلك لمسلم بأمره
لتخرج جواز أكله على الاختلاف في المسلم يولي
النصراني ذبح ما يسكنه ، لأن النية في ذلك نية
الآمر على ما بيناه في سماع أشهب من معنى قول
ابن عمر للراعي : ربك أعلم بمن أنزلها من رأس
الجبل ، وإنما يصح في شحوم ما ذبحوه مما
يأكلون على تأويل ، إذ قد يحتمل أن يكون
المراد بقوله عز وجل : { وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل لكم } أي وطعامهم الذي هو حل لهم حل
لكم ، ويحتمل أن يكون المارد أي وطعامهم الذي
أحل لهم وللمسلمين بالقرآن حل لكم ، وأما على
القول بأنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة
فشحومهم محرمة علينا على كل حال ، إلا على
مذهب من يأول أن المراد بذلك ذبائحهم ، وذهب
ابن لبابة أيضاً إلى تحريم أكل ما ذبحوه
لأعيادهم وكنائسهم أو سموا عليه اسم المسيح ،
تعليقاً بظاهر قوله عز وجل : { أو فسقاً أهل
لغير الله به } . وبظاهر قوله تعالى : { ولا
تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } وسيأتي
القول بعد هذا في رسم زونان فيما ذبحوه
لأعيادهم وكنائسهم ، وفي رسم باع غلاماً من
سماع ابن القاسم من كتاب الذبائح في معنى قوله
عز وجل : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه } .
(3/368)
مسألة
وسئل ابن القاسم هل يجوز للمرء أن يضجع
الذبيحة إذا أراد ذبحها على أي شقيها شاء ؟
قال ابن القاسم : الصواب عندي في ذلك على ما
مضى عليه أمر المسلمين الشق الأيسر ، ولو فعل
ذلك رجل جاهل لم أحرم عليه أكلها ولم يكن في
ذلك شيء .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إن الصواب أن
يضجعها على شقها الأيسر لأنه الذي عليه عمل
الناس من أجل أنه الذي يتأتى به الذبح للذابح
مع استقباله القبلة ، لأنه يمسك رأسها بشماله
ويذبح بيمينه ، ولا يتأتى له ذلك إذا أضجعها
على الشق الأيمن دون كلفة ومشقة إلا أن يكون
إلى غير القبلة ، فإن أضجعها على الشق الأيمن
وذبح دون أن ينحرف عن القبلة فأكلها جائز وبئس
ما صنع .
ومن كتاب أوله حمل صبياً على دابة
مسألة
قال ابن القاسم في الجدي يرضع الخنزيرة أحب
إلي ألا يذبح حتى يذهب ما في جوفه من غذائه ،
ولو ذبح مكانه وأكل لم أر به بأساً لأن الطير
تأكل الجيف والدجاج تأكل النتن فتذبح مكانها ،
فأكلها حلال .
قال محمد بن رشد : إنما احتج لجواز أكل الجدي
الذي رضع الخنزيرة بجواز أكل الجلالة من الطير
، لاتفاق أهل العلم على جواز أكل ذوات الحواصل
من الجلالة ، واختلافهم في ذوات الكروش منها ،
فكره جماعة من السلف أكل لحوم الجلالة منها
وشرب ألبانها ، لما روي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الجلالات وألبانها
، وهي في القياس واحد كما
(3/369)
قال ابن القاسم
، فلا اختلاف في المذهب أن أكل لحوم الماشية
والطير التي تغدى بالنجاسات حلال جائز ، وإنما
اختلفوا في الألبان والأعراق والأبوال على ما
مضى القول فيه مواضعه من ذلك في رسم الوضوء
والجهاد من سماع أشهب ورسم سلف ديناراً من
سماع عيسى .
ومن كتاب النسمة
مسألة
وسئل ابن القاسم وابن وهب عن شاة وضعت للذبح
فذبحت فلم يتحرك منها شيء ، هل تؤكل ؟ قالا
نعم تؤكل إذا كانت حين تذبح حية ، فإن من
الناس من يكون ثقيل اليد عند الذبح حتى لا
تتحرك الذبيحة ، وآخر يذبح فتقوم الذبيحة تمشي
، فإن كانت حية حين تذبح فلا بأس بها .
قال محمد بن رشد : وهذا إذا سأل دمها أو
استفاض نفسها في حلقها بعد ذبحها استفاضة لا
يشك معه في حياتها ، وهذا في الصحيحة ، بخلاف
المريضة لا تؤكل وإن سال دمها إلا أن يعلم
حياتها بأن تطرف بعينها أو تركض برجلها أو
تحرك ذنبها أو تستفيض نفسها في حلقها بعد
ذبحها . والفرق بينهما أن الصحيحة الحياة فيها
قائمة بينة ، فيكتفي من وجود علامات الحياة
بعد الذبح بأقلها وهي سيلان الدم ، وأما
المريضة فلا يكتفي من وجود علامات الحياة فيها
بعد الذبح بسيلان الدم وحده دون التحريك أو ما
يقوم مقام التحريك من استفاضة نفسها في حلقها
لخفاء الحياة فيها قبل ذبحها من أجل مرضها .
ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يظن أن يوم التروية
من أيام
(3/370)
النحر فينحر
فيه ، هل له أني بيع لحم تلك الأضحية ؟ فقال :
لا يبيعه وليضح بأخرى وهو مثل من نحر قبل
الإمام يوم النحر أنه يعيد بأخرى ولا يبع من
لحم تلك الأضحية شيئاً .
قال محمد بن رشد : ما هما سواء أما الذي نحر
قبل الإمام فبين أنه لا يبيع من لحمها شيئاً
لأنها أضحية تجزئه عند جماعة من العلماء إذا
ذبح بعد الصلاة ، وأما الذي ذبح يوم التروية
فليس تحظير بيع لحمها عليه ببين ، إذ ليس يوم
التروية من أيام الذبح بإجماع ، فمن ذبح فيه
فليس من النسك في شيء ، وإنما هو لحم قدمه
لأهله على ما جاء في الحدث ، فليس ببين أن
يمنع من بيعه ، روي عن البراء بن عازب قال :
خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أضحى إلى البقيع ، فبدأ فصلى ركعتين ، ثم أقبل
علينا بوجهه فقال : إن أولى نسكنا في يومنا
هذا أن نبتدئ بالصلاة ثم نرجع فننحر ، فمن فعل
ذلك فقد وافق سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما
هو لحم عجله لأهله فلس من الشك في شيء ،
الحديث .
مسألة
وقال ابن القاسم في الذين يخرجون في الصائفة
غزاة في أرض الروم ويدركهم الأضحى في أرض
الروم ، أترى أن يضحوا من غنمهم ؟ قال : لا
بأس به .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الغزاة
لهم أني أخذوا الطعام في أرض العدو ويذبحوا
الغنم ، وليس عليهم أن يرفعوا شيئاً من ذلك
إلى صاحب المغنم ، فلما كان لمن أخذ شيئاً من
الغنم أن يذبحه ويأكله ويكون أحق من غيره إلا
أن يحتاج فيواسيه به جاز له أن يضحي به إن شاء
الله تعالى .
(3/371)
ومن كتاب العتق
مسألة
وسئل ابن القاسم عن الرجل يشتري الضحية فيموت
قبل ذبحها أيذبحها عنه الورثة ؟ وكيف إن كان
قد ذبحها أيقسم لحمها كسائر ماله ، وكيف إن
لحق مشتريها دين قبل أن يذبحها أتبتاع ؟ وكيف
إن لحقه بعد تقليد بدنته وإيجابها أتباع ؟ قال
: من مات قبل ذبح أضحيته فإن أحسن ذلك أن
يذبحها عنه الورثة إن شاءوا ، فإن أبوا وشحوا
فهي مال من ماله ، وإن كان قد ذبحها لم يبع من
لحمهما شيء واقتسمها الورثة على الميراث ، وإن
لحقه دين قبل ذبح أضحيته أخذها غرماؤه ، فإن
ذبحت لم تبع ، وأرى في الذي يقلد البدنة أن
للغرماء أيضاً أخذها وإن قلدت ، وليس تقليد
البدنة أشد من العتق وهو يرد .
قال محمد بن رشد : قوله إن مات قبل أن يذبح
أضحيته إن الورثة لا يلزمهم أن يذبحوها عنه
إلا أن يشاءوا ، وإن للغرماء أن يأخذوها فيما
لحقه من الدين بعد شرائها صحيح على أصولهم في
أنها لا تجب إلا بالذبح ، هذا قول مالك في
المدونة ومذهبه ومذهب جميع أصحابه ، وأما قوله
إنه إن مات بعد ذبحها فيقسمها الورثة بينهم
على الميراث فقد مضى من القول على ذلك في رسم
سن من سماع ابن القاسم ما فيه كفاية ، وأما
قوله في البدنة للغرماء أخذها وإن قلدت ،
فمعناه في الدين القديم قبل التقليد ، لا في
الدين الحادث بعد التقليد ، بدليل مسألة العتق
التي احتج بها فوقع جوابه على غير ما سأله عنه
، لأنه إنما سأله هل تباع فيما لحقه من الدين
بعد التقليد والإشعار .
(3/372)
مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل اشترى أضحية فباعها
ليشتري أفضل منها فوجد أفضل بأقل من الثمن
الذي باع به ، وكيف إن كان أقر الأولى ولم
يبعها ثم اشترى أفضل منها فلم يأت الأضحى حتى
كانت الأولى أفضل وأسمن ؟ فقال أما الذي باع
ليشتري أفضل منها فوجد أفضل بأقل من الثمن فإن
مالكاً كره أن يشتري بأقل من الثمن الذي باع
به وإن كانت أفضل ، ورأى أن ينقد الثمن كله في
أضحيته ، وذكر له الحديث فلم يعجبه ، وأما
الذي اشترى الضحية ثم تركها واشترى أفضل منها
فأتى يوم النحر والأولى أفضل فإنه يذبح الأفضل
منهما كانت الأولى أو الأخيرة .
قال محمد بن رشد : وجه كراهية مالك لمن اشترى
أضحية فباعها ليشتري أفضل منها أن يستفضل من
الثمن شيئاً وإن اشترى أفضل منها واستحبابه
ليشتري شاة بجميع الثمن ، هو أنه قد نوى
القربة إلى الله تعالى بما أخرج من الثمن في
الضحية الأولى ، فكره له أن يرجع في شيء من
ذلك ، ولم يوجب ذلك عليه إذ لم يوجبه على نفسه
بالنذر ، فإن اشترى أفضل منها أو مثلها بأقل
من الثمن الذي باع به تصدق بالفضل من الثمن ،
وإن اشترى دونها بأقل من الثمن تصدق بما
استفضل من الثمن وبما بين قيمة التي أبدل على
قيمة التي ضحى بها ، وإن اشترى دونها بمثل
الثمن أو بأكثر تصدق بما بين القيمتين لا أكثر
، والحديث الذي ذكره له فلم يعجبه هو ما روي
أن النبي ، عليه السلام ، بعث مع حكيم بن حزام
بدينار ليشتري له به أضحية ، فاشترى بها
بدينار فباعها بدينارين ، واشترى له أضحية
أخرى بدينار فجاء بها وبالدينار الفاضل إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصدق به رسول
الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بالبركة في
تجارته ، وإنما لم يعجب الحديث مالكاً ولم ير
العمل به لأن
(3/373)
حكيم بن حزام
لم يفعل ذلك بأمر النبي ، عليه السلام ، ولا
أباح النبي ، عليه السلام ، ذلك من فعله ،
بدليل تصدقه بالدينار الذي استفضل في الضحية
التي كان ابتاعها له ، وشكر له اجتهاده ، فدعا
له بالبركة في تجارته ولم يلمه على ما فعل ،
إذ قصد الخير واجتهاد وخفي عليه وجه الكراهية
في بيع الضحية والاستفضال من ثمنها ، والله
أعلم .
ومن كتاب مسائل المدنيين
مسألة
قال سعيد بن حسان : أخبرنا أبو موسى هرون قاضي
المدينة أنه سمع مالكاً سأله أحد عن دهنه بشحم
أضحيته شرك النعال ، فنهاه عن ذلك وكرهه .
قال محمد بن رشد : وجه الكراهية في ذلك بين ،
لأنه إذا باع النعال بالثمن يقع على الجلد
والعمل وجميع ما ألانها وحسنها من الأدهان
بالشحم وغيره ، فصار بائعاً لشحم أضحيته .
ومن سماع يحيى بن يحيى من كتاب الصلاة
مسألة
قال يحيى : قال ابن القاسم في البيض يصلق
فيوجد في إحداهن فرخ إن أكلهن كلهن لا يصلح ،
لأن بعضه يسقي بعضاً ، قال ابن وهب مثله ،
وسئل عن أقداح بيض النعام أيشرب فيها إذا كان
الفرخ الذي يخرج منها ميتاً ، فكرهه ، وقال
أرأيت لو أن رجلاً أراد أن يتداوى بشرب تلك
القشرة بعينها أكان يصلح له ذلك وقد سقتها
الميتة التي كانت في داخلها ؟ فلا أحب ولا
أراه حسناً .
قال محمد بن رشد : قوله في البيض يصلق فيوجد
في إحداهن فرخ
(3/374)
إن أكلهن كلهن
لا يصلح لأن بعضه سقى بعضاً ، صحيح للعلة التي
ذكرها من سقي النجس منها للطاهر ، لأنه يرشح
في الصلق ، وهذا يرد قوله في سماع موسى بن
معاوية في كتاب الوضوء إن اللحم إذا طبخ
بالماء النجس يغسل ويؤكل ، وقد مضى هنالك من
القول على ذلك ما فيه كفاية ، وكذلك البيضة
تخرج من الدجاجة الميتة لا تؤكل مخافة أن يكون
سقتها الميتة ، قاله مالك في المدونة ، وقال
ابن نافع : لا بأس بها ، يريد إذا اشتد قبضها
، ولها وجه ظاهر وهو أن الميتة لا تسقي البيضة
بعد موتها لأنها تبرد بالموت فلا يسري إليها
منها شيء كما ألقيت البيضة بقشرها في دم أو
بول بارد ، بخلاف الصلق في الماء النجس ، وأما
كراهيته الشرب في أقداح بيض النعام التي تخرج
منها الميتة فصحيح على مذهب مالك في كراهيته
الامتشاط بعظام الميتة والأدهان بمداهنها ،
وقد أجاز ذلك جماعة من السلف منهم عروة بن
الزبير وابن شهاب وربيعة وقتادة والليث ، وأخذ
به ابن وهب ومطرف وابن الماجشون وأصبغ ، وروي
عن ابن شهاب أنه قال كان سلف هذه الأمة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتشطون
بأمشاط عظام الفيل ويدهنون بمداهنها لا يرون
بذلك بأساً ، وجعل ابن وهب تلقيتها في الماء
كالدباغ في الجلد وأجاز بيعها ، وقشرة بيض
النعام التي يخرج منها الميتة محمولة على ذلك
بالمعنى والقياس ، إذ لا فرق بينه وبينها .
من نوازل سئل عنها سحنون
مسألة
وسئل عن الفريقين يشتركان في الأضحيتين في
اشترائهما ، فإذا أرادا أن يضحيا اقتسماهما
فقال أحدهما أنا أضحي بهذه وأنت بهذه فضحيا
كذلك وقد استويا جميعاً في السمانة ، قال : لا
بأس بذلك ، قيل فلو كانت إحداهما أسمن من
الأخرى ؟ فقال أكره ذلك
(3/375)
للذي أخذ
الأدنى لأنه لا يجوز له أن يبدل أضحيته إلا
بأجود منها ، قيل له فإذا وقع هل يجزئ عنه ؟
فقال إنما أكره أن يفعل ذلك فإذا وقع رأيته
جائزاً ما لم يأخذ لفضل الزيادة ثمنها ، ولا
يعود .
قال محمد بن رشد : أما كراهيته ذلك للذي أخذ
الأدنى فبينة ، وأما قوله إذا وقع ذلك رأيته
جائزاً ما لم يأخذ لفضل الزيادة ثمنها ولا
يعود فليس ببين ، إذ لا فرق في المعنى بين أن
يأخذ لفضل الزيادة ثمناً ولا يأخذ لها ثمناً
ويتركه لرفيقه ، لأن في الحالتين جميعاً قد
ضحى بالأدنى ، وذلك هو الذي يكره له ، فإن أخذ
لفضل الزيادة ثمنها تصدق به ، وإن لم يأخذ له
ثمناً تصدق بماله بما بين القيمتين ، هذا الذي
يؤمر به والذي كان ينبغي لهما أن يفعلاه
ابتداء أن يتفقا وما الأسمن ؟ ويبيعا الأدنى
ويبتاع الذي خرج عن الأسمن بنصيبه من ذلك مثل
الذي ضحى به رفيقه أو أسمن مما وجد وإن زاد
على الثمن من ماله ، وقد مضى في رسم العتق من
سماع عيسى ما يدل على هذا .
مسألة
وسئل عن المرأة ترضع جدياً بلبنها هل يؤكل ؟
قال : نعم .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، وهو مما لا
إشكال فيه لأن الألبان تابعة للحوم ولحوم آدم
طاهرة ، فألبان النساء طاهرة بإجماع ، فلا يضر
إرضاعها الجدي .
مسألة
وسئل عن أكل الخطاطيف التي تعشش في البيوت هل
يكره أكلها لأنها قد تحرمت بمن نزلت عليه
وعششت عنده ؟ فقال : أما أنا
(3/376)
فلا ، فقال
أخبرني علي بن زياد عن مالك أنه كره أكلها ،
وكان ابن القاسم لا يكره أكلها ، قال سحنون :
وما أرى بأكلها بأساً .
قال محمد بن رشد : مذهب مالك ، رحمه الله ،
إجازة أكل جميع الطير الغربان والأحدية
والنسور والعقبان بظاهر قوله عز وجل : { قل لا
أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا
أن يكون ميتة } ، الآية . لأنه لم يصح عنده عن
النبي ، عليه السلام ، النهي عن أكل ذي مخلب
من الطير ، فبقي ذلك على ما يقتضيه عموم الآية
من تحليل ما عدا المذكور تحريمه فيها ، وخصص
من ذلك ما صح عده فيه التحريم من الحمر الأنسي
وشبهها ، وكره أكل الخطاطيف في رواية علي بن
زياد عنه للمعنى الذي ذكره مع قلة الانتفاع
بأكلها لهزالها وضعفها كما كره عروة بن الزبير
أكل الغراب والحداة لتسمية النبي ، عليه
السلام ، إياهما الفاسقين .
من سماع عبد المالك بن الحسن من أشهب وابن وهب
مسألة
قال عبد المالك بن الحسن : سألت أشهب بن عبد
العزيز عمن اشترى أضحية ليضحي بها فلما انصرف
من المصلى مات ، قال لا يضحى بها عنه وتكون
ميراثاً .
قال محمد بن رشد : قوله لا يضحى بها عنه أي
ليس يلزمهم ذلك إلا أن يشاؤوا على ما قال ابن
القاسم في رسم العتق من سماع عيسى إذ لا تجب
الضحية إلا بالذبح .
(3/377)
مسألة
قال : وسألت ابن وهب عن الرجل يسلف في الضحايا
ويشترط أن يأتيه بها قبل يوم النحر فيؤخرها
المسلف إليه إلى بعد يوم النحر أيلزم المسلف
أخذها ؟ قال : نعم يلزم المسلف أخذها وإن أتاه
بها بعد يوم النحر .
قال محمد بن رشد : قد مضى هذا والتكلم عليه في
رسم الأقضية من سماع أشهب فلا معنى لإعادته .
مسألة
وسألته عما يذبح للكنائس ، قال لا بأس بأكله .
قال محمد بن رشد : كره مالك في المدونة أكل ما
ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم ، وتأول في ذلك عز
وجل : { أو فسقاً أهل لغير الله به } . ووجه
قول أشهب أن ما ذبحوا لكنائسهم لما كانوا
يأكلونه وجب أن يكون حلا لنا لأن الله تعالى
يقول : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } .
وإنما تأويل قوله : { أو فسقاً أهل لغير الله
به } . ما ذبحوه لآلهتهم مما يتقربون به إليها
ولا يأكلونه ، فهذا حرام علينا بدليل الآيتين
.
ومن سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
مسألة
قال أصبغ : سألت ابن القاسم عن الضحية يوجد
بها العيب كان عبد البائع بعد ما ذبحت فيأخذ
قيمته ما يصنع به ؟ قال إن كان ذلك العيب مما
يجوز في الضحايا كان له قيمته يصنع بها ما شاء
، وأبدل مكانها إن كان في أيام النحر ، وإن
كان قد فات أيام الذبح
(3/378)
كان بمنزلة من
لم يضح والأرض له يصنع به ما شاء ، وإن كان
عيباً يجوز به في الضحايا تصدق بما يأخذ في
قيمته ، لأنه قد أوجبها وسماها ضحية ، فليست
عندي بمنزلة عتق التطوع لأنه العتق ليس يشتريه
أحد حين يشتريه على أنه حر إنما يشتريه لنفسه
ثم يعتق بعد وهذه يشتريها وهي أضحية قد سماها
وأوجبها .
قال محمد بن رشد : أما قوله في العيب يوجد في
الضحية بعد ذبحها فصحيح لا أعلم فيه نص خلاف
وحكم الضحية والرقبة الواجبة والهدي الواجب في
وجود العيون بها بعد ذبح الضحية وتقليد الهدي
وتنفيذ العتق سواء إلا في أن الضحية مرتبطة
بوقت ، فإن كان العيب مما لا يجوز به الضحية
ولا الرقبة ولا الهدي فقيمة العيب له ، ويعتق
عبداً آخر ويهدي هدياً آخر ويضحي أضحية أخرى
إن كانت أيام الذبح لم تفت ، وإن فاتت أيام
الذبح لم يكن عليه في الأرش شيء ، وكان بمنزلة
من لم يضح ولا اختلاف في هذا كله إلا قول
داوود بن أي زبير في سماع محمد بن خالد من
كتاب الظهار ، وإن كان العيب مما تجوز به
الضحية والرقبة الهدي لم يتمول قيمة العيب
التي يرجع في شيء من ذلك ، إلا أنه في الضحية
يتصدق به ، وفي الرقبة يجعله في رقبة ، فإن لم
يكن فيه رقبة شارك به في رقبة أو أعان به في
رقبة يتم به عتقها أو جعله في كتابة يتم له
عتقها ، وفي الهدي يجعله ثم هدي ، فإن لم يكن
فيه هدي لم يشارك به في هدي من أجل أن الهدي
لا يشترك فيه عند مالك وتصدق به ، وأما الرقبة
التطوع والهدي التطوع فاختلف في وجود العيب
بهما على ثلاثة أقوال ، أحدهما أنه لا شيء
عليه في قيمة العيب فيهما جميعاً وهو قول ابن
القاسم في سماع سحنون من كتاب الظاهر ،
والثاني أنه لا يتمول ما يرجع به للعيب فيهما
جميعاً ، ويجعل ذلك في الهدي في هدي ، أو
يتصدق به إن لم يبلغ أن يكون فيه هدي ، ويجعله
في عتق أو يعين به إن لم يبلغ رقبة تامة ،
والثالث تفرقته في المدونة
(3/379)
بين عتق التطوع
والهدي التطوع ، وسواء كان العيب في هذا مما
يجوز في الرقاب والهدي أو مما لا يجوز ، الحكم
في ذلك سواء . فهذا تحصيل هذه المسألة .
مسألة
قال ابن القاسم في رجل باع بعض أهله جلد
أضحيته ، قال أرى أن يتصدق بثمنه ، قلت أرأيت
إن كان أهله قد استنفقوا الثمن أيخرجه من عنده
ويتصدق به ؟ قال : أرأيت لو وضع لهم لحماً من
لحم أضحيته فباعوه واستنفقوا الثمن أعليه أن
يخرجه من عنده ، قال : لا . أرى ذلك عليه في
الوجهين إذا لم يجد الثمن بعينه ، قال أصبغ
إذا لم يرخص لهم في البيع ولا أذن لهم فيه ولم
يعطهم الجلد على وجه ذلك ليصنعوا به ما شاءوا
من بيع أو غيره ، فإن فعل فهو البائع وعليه
إخراج مثل الثمن والصدقة إن شاء الله .
قال محمد بن رشد : أما إذا رخص لهم في البيع
أو أذن لهم فيه فلا إشكال عليه في أن يخرج
الثمن من ماله إن كان قد استنفق ، لأنه هو
البائع فكأنه قد باع وأخذ الثمن ودفعه إليهم
فأنفقوه ، وأما إذا لم يأذن لهم في ذلك ولا
رخص لهم فيه وفات البيع ولم يقدر على رد فقال
في الرواية إنه يتصدق بالثمن إذا وجده بعينه ،
ولا شيء عليه فيه إن كانوا قد استنفقوه ،
ومعنى ذلك عندي إن كانوا قد استنفقوه فيما له
عنه غنى ، وأما إن كانوا استنفقوه فيما يلزمه
مما لا بد له من ولا محيص له عنه ، فعليه أن
يخرجه من ماله ويتصدق به ، إذ لا فرق بين ذلك
وبين أن يجده قائماً بعينه ، لأنه إذا لم يفعل
ذلك فكأنه قد أنفقه هو إذ قد وقى به ماله .
(3/380)
من سماع أبي
زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
مسألة
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عمن دفع جلد
أضحيته إلى رجل يدبغه له ، فادعى أنه سرق منه
، فقال إن كان يثق به فلا أرى أن يأخث منه فيه
شيئاً وإن كان متهماً أن يكون كذبه فإني أرى
أن يأخذ منه قيمته ويتصدق به فهو أحب إلي
وضعفه .
قال محمد بن رشد : هذا من قول ابن القاسم في
قوله إنه يأخذ القيمة ويتصدق بها مثل قول عيسى
بن دينار في أول رسم من سماعه وقد مضى هنالك
القول في تضعيفه .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل اشترى أضحيتين واحدة
له وأخرى لامرأته فذبحهما جميعاً لنفسه وعلى
اسمه ساهياً ، قال أحب إلي أن يبدل أضحية
امرأته ، فإن أبى فليست لامرأته أضحية ولا
يجزئ عنها ما صنع .
قال محمد بن رشد : هذا بين لأن الضحية لا تجب
إلا بالذبح ولا يجب على الرجل أن يضحي عن
امرأته ولا أن يدخلها في أضحية إلا أن يشاء
على مذهب مالك وجميع أصحابه حاشى ابن دينار .
مسألة
قال ابن القاسم ضحيت بنعجة حامل فلما ذبحتها
يركض ولدها في بطنها فأمرتهم أن يتركوها حتى
تموت في بطنها ، ثم
(3/381)
أمرتهم فشقوا
جوفها فأخرج ميتاً فذبحته فسأل منه دم فأمرت
أهلي أن يشووه لي .
قال محمد بن رشد : روي عن النبي ، عليه السلام
، من رواية جابر بن عبد الله وغيره أنه قال :
ذكاة الجنين ذكاة أمة ، قال ابن عمر وسعيد بن
المسبب وغيرهما من الصحابة والتابعين وجمهور
علماء المسلمين : وذلك إذا كان قد تم خلقه
ونبت شعره ، وهو مذهب مالك وجميع أصحابه ،
وذلك إذا خرج ميتاً أو خرج وبه رمق من الحياة
، غير أنه يستحب أن يذبح إن خرج يتحرك ، فإن
سبقهم بنفسه قبل أن يذبح أكل ، وسواء مات في
بطن أمه بموتها أو أبطأ موته بعد موتها ما لم
يخرج وفيه روح ، فإن خرج وفيه روح وهو ترجى
حياته أو يشك فيها فلا يؤكل إلا بذكاة ، وإن
كان الذي فيه من الحياة رمق يعلم أنه لا يعيش
فإنه يؤكل بغير ذكاة وإن كان الاستحباب أن
يذكي عن مالك ، وروي عن يحيى بن سعيد أنه قال
إنما يؤكل بغير ذكاة إن خرج ميتاً ، وأما إن
بقر عليه فأخرج يتحرك فلا يؤكل إلا بذكاة ،
وهو اختيار عيسى بن دينار في المبسوطة ، وأبو
حنيفة لا يرى ذكاة الجنين في ذكاة أمه ، ويقول
إنه لا يؤكل إلا أن يخرج حياً ويذكين وقوله
خلاف الجمهور وما جاء عن النبي ، عليه السلام
، في ذلك من الخبر المأثور ، ومن أهل العلم من
يرى ذكاة الجنين في ذكاة أمه ويقول إنه يؤكل
وإن لم ينبث شعره ، وقد روي عن النبي ، عليه
السلام ، أنه قال : "ذكاة الجنين في ذكاة أمه
أشعر أو لم يشعر" إلا أنه حديث ضعيف فمذهب
مالك هو الصحيح من الأقوال الذي عليه عامة
فقهاء الأمصار .
تم كتاب الضحايا بحمد الله
(3/382)
|