البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب العقيقة
من سماع ابن القاسم من مالك
من كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها
مسألة
قال سحنون : حدثني ابن القاسم قال سئل عن العقيقة أيدخر منها أهلها ؟ فقال : ما شأن الناس فيها إلا إطعامها ، وما أرى بذلك بأساً ، وضرب مثلاً ، قال : أضحايا يدخرون ويأكلون .
قال محمد بن رشد : قاس مالك ، رحمه الله ، العقائق على الضحايا في جواز الادخار منها لأنها بمنزلتها في أنها نسك يتقي فيها من العيوب ما يتقى في الضحايا ، ولا يجوز فيها إلا الجذع من الضأن والثني ، ولا يباع لحمها ولا جلدها ولا يعطى الجزار على جزارتها شيئاً من لحمها ، قال في الموطأ : وتكسر عظامها ولا يمس الصبي بشيء من دمها ، لأن ترك كسر عظامها وأن يلطخ رأس الصبي بدم من أفعال الجاهلية ، وقد روي عن النبي ، عليه السلام أنه قال : "في الغلام عقيقة فاهرقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى" ، فقيل إن إماطة الأذى عنه المأمور به في الحديث هو ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من لطخ رأسه بدمها ، وقيل بل ذلك حلق شعر رأسه وهو الأظهر ، قال عز وجل : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه

(3/383)


ففدية } الآية ، فأوجب على المحرم الفدية لإماطة الأذى عن نفسه بحلق شعر رأسه ، فكأن العقيقة فيها معنى الفدية عن المولود لإماطة الأذى عنه بحلق شعر رأسه ، ولهذا المعنى والله أعلم قال عطاء يبدأ بالحلق قبل الذبح بخلاف نحر الهدايا في الحج .
ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته ليرفعن أمراً إلى السلطان
مسألة
قال : وسمعته يقول إنه ليقع في قلبي من شأن العقيقة أن النصارى واليهود يعملون لصبيانهم شيئاً يجعلونهم فيه يقولون قد أدخلناهم في الدين مثل ما ينصر النصارى صبيانهم ، وأن من شأن المسلمين الذبح في ضحاياهم وعق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين ، فيقع في قلبي في الذبح عنهم أنها شريعة الإسلام وقد سمعت غيري يذكر ذلك .
قال محمد بن رشد : اعتبار مالك ، رحمه الله ، في أن العقائق من شرائع الإسلام بما ذكره اعتبار بين ، ويوضحه أن العقيقة كانت في الجاهلية فأقرت في الإسلام ، فروي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : "كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا نه شاة ولطخنا رأسه بدمها ، ثم كنا في الإسلام إذا ولد لنا ولد غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بالزعفران" ، فالعقيقة مشروعة في الإسلام ، قيل سنة يغر واجبة يكره تركها ، وهو قول ابن حبيب ، وقيل مستحبة وليست سنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ولد له ولد

(3/384)


فأحب أن ينسك عنه فليفعل" ، وما روي عن النبي ، عليه السلام من قوله : "الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويمسى" يدل على وجوبها ، وتأويل ذلك عنده إن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل ، وسقط الوجوب .
ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية
مسألة
وسئل مالك عن حلاق الصبي يوم السابع ويتصدق بوزن شعره فضة ، قال : ليس ذلك من عمل الناس وما ذلك عليهم .
قال محمد بن رشد : يريد ليس ذلك مما التزم الناس العمل به ورأوه واجباً لا أنه أنكره ورآه ، مكروهاًن بل مستحب من الفعل ، روي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزنت شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة .
ومن كتاب أوله سلف في المتاع والحيوان
مسألة
قال ابن القاسم وسمعت مالكاً عن العقيقة كيف يصنع

(3/385)


بها ؟ اتبطخ ألواناً ويدعي لها الرجال ؟ قال مالك أما الأمر عندنا فإنها تذبح يوم السابع وتطبخ ويأكل منها أهل البيت ويطعم منها الجيران ، فأما أن يدعى الرجل فإني أكره الفخر ، وهذا الأمر عندنا في أن يأكل منها أهل البيت ويطعم الجيران ويسمى الصبي يوم السابع .
قال محمد بن رشد : لما كانت شاة العقيقة نسكاً لله وقربة إليه استحب ألا يعدل فيها عن سيرة السلف الصالح ، أن يأكل منها أهل البيت ويطعم منها الجيران ، وكره أن تطبخ ألواناً فيدعي إليها الرجال ليلاً يدخل ذلك الفخر فتفسد بذلك النية في معنى الطاعة لله بها والقرب ، فإن أراد أن يدعو الرجال صنع من غيرها ودعا عليها على ما قال بعد هذا في سماع أشهب بعد أن يمضي النسك بنية خالصة لله لا يشوبها شيء يتقي أن يفسدها وأما قوله ويسمى الصبي يوم السابع فهو اختيار مالك ، رحمه الله ، لما جاء في الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الغلام مرتهن بعقيقة يذبح عنه يم السابع ويحلق رأسه ويسمى" ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "سموا المولود يوم سابعه" ، والأمر في ذلك واسع ، وروي صلى الله عليه وسلم قال حين ولد له إبراهيم "ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم" وأنه صلى الله عليه وسلم أتى بعبد الله بن أبي طلحة صبيحة الليلة التي ولد فيها فنكحه بتمر عجوة ودا له وسماه عبد الله في حديث طويل ، ويحتمل أن يكون معنى ما في الحديث من تسمية المولود يوم

(3/386)


سابعه ألا تؤخر تسميته عن ذلك ، لأنه إذا سماه قبل السابع فهو مسمى يوم السابع وبعده ، فتتفق الآثار على هذا ، قال ابن حبيب على اختيار مالك : ولا بأس أن يتخير له الأسماء قبل آل سابع ولا يوقع عليه الاسم إلا يوم السابع ، فإن مات قبل يوم السابع يسمى بعد موته ولم يترك بدون تسمية لأنه ولد يرجى شفاعته ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة ، يقال له أدخل الجنة ، فيقول : لا أدخل حتى يدخل أبواي" ، وذكر لمالك الحديث الذي ذكر أن السقط يقول يوم القيامة لأبيه تركتني بلا اسم فلم يعرفه .
ومن كتاب أوله باع غلاماً
مسألة
قال ملاك : وجه ذبح العقائق ضحوة وهي سنة الذبائح في الضحايا وأيام منى وهي ساعة الذبائح .
قال محمد بن رشد : قاس مالك ، رحمه الله ، العقائق على الذبائح في وقت ذبحها ، كما قاسها عليها في جواز الادخار من لحمها في أول رسم من السماع فإن ذبح عقيقة ابنه قبل طلوع الشمس لم يجزه على قياس قوله ه8ذا ، وهو نص قوله في المبسوطة ، وقال عبد المالك بن الماجشون يجزيه إن كان بعد طلوع الفجر وهو أظهر لأن العقيقة ليست مضمنة بصلاة ، فكان قياسها على الهدايا أحسن من قياسها على الضحايا ، وأما إن ذبحها بليل فلا تجزيه ، وهو نص قول ابن القاسم في سماع يحيى بعد هذا ، وقد اختلف من أي وقت يحسب سابع الولادة ، إذا ولد ، على أربعة أقوال : أحدها أنه يحسب له سبعة أيام بليالها من غروب الشمس ويلغي ما قبل ذلك إن ولد في النهار أو في الليل بعد الغروب ، ويعق عنه يفي ضحى اليوم السابع ، وهو قول

(3/387)


ابن الماجشون في ديوانه ؛ والثاني إن ولد في النهار بعد الفجر ألغي ذلك اليوم وحسب له سبعة أيام من اليوم الذي بعده وإن ولد قبل الفجر وإن كان ذلك في الليل حسب له ذلك اليوم ، وهو وقل ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها ؛ والثالث أنه إن ولد في شباب النهار قبل الزوال حسب ذلك اليوم ، وإن لم يولد إلا بعد الزوال ألغي ذلك اليوم ، وهذا القول حكى ابن الماجشون أنه كان قول مالك أولاً ثم رجع عنه ؛ والرابع أنه يحسب ذلك اليوم وإن ولد في بقية منه قبل الغروب ، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة ، واختار أصبغ أن يلقى ذلك اليوم ، فإن حسب أيام من تلك الساعة إلى مثلها اجتزأ بذلك ، وهو قول حسن فيذبح بعد كمال ستة أيام من الساعة التي ولد فيها ، ودخوله في اليوم السابع وإن كان ذلك في آخر النهار لما جاء عنه في الحديث من أنه يذبح عنه يوم سابعه .
ومن كتاب أوله سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مسألة
قال مالك : أخبرني شيخ قديم قال : لما كانت فتنة ابن الزبير انتهب الناس تمر مال الله ، قال : فاشترت أمي من ذلك التمر فعملت منه خلاً حتى طاب وذهبت الفتنة ، فأمرتني أمي أن أذهب إلى ابن عمر أسأله عن ذلك ، فأتيت ابن عمر فسألته عن ذلك ، فأفتاني أن أهريقه ولا نأكله ، قال مالك : أرى ابن عمر إنما كرهه لموضع النهبة ، قال مالك فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم وفي العرائص فيكون فيه النهبة ، قال لا أحب أن يؤكل منه شيء إذا كان ينتهب .

(3/388)


قال محمد بن رشد : وجه فتوى ابن عمر ، رضي الله عنه ، المرأة أن تهريق الخل ولا تأكله ، هو أن التمر الذي عملته منه كان من مال الله ، فكان الحق فهي أن يقسمه الإمام بالاجتهاد ، فلم الم تكن هي ممن لها الاجتهاد في ذلك لم يأمرها بالتصدق به ، ورأى لها الخلاص أن تهريقه ولا تأكله ، لأن تصدقها به من غير أن يكون لها الاجتهاد في ذلك من جنس النهبة التي وقعت فيه أولاً ، والله أعلم ، ويحتمل أن يكون ابن عمر ، رضي الله عنه أفتاها بإراقته وترك أكله عقوبة لها على ما فعلت من عملها إياه من التمر المنهوب ، ولم يأمرها بالصدقة ليلاً يظن ظان أنه تتصدق به على ملكها فتكون مأجورة في فعلها فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك الفعل وهذا من نحو ما قيل في من فعل ما لا يجوز له من تخليل الخمر إنها لا تؤكل وتهرق ولا يتصدق بها ، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور يوم خيبر من لحوم الحمر الأهلية إنما كان من أجل أنها كانت منتهبة ، وأما ما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم وفيا لعرائس فيكون فيه النهبة فكرهه مالك بكل حال لظواهر الآثار الواردة عن النبي عليه السلام في ذلك ، من ذلك نهيه عن النهبة وأنه قال : "النهبة لا تحل" ، وأنه قال" من انتهب فليس بها" ، وفي ذلك تفصيل ، أم أما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب فانتهابه حرام لا يحل ولا يجوز ، لأن مخرجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يؤكل فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الأكل فقد أكل حراماً وأكل سحتاً لا مرية فيه ودخل تحت الوعيد ، وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فهذا كرهه مالك ، وأجازه غيره ، وتأول أن نهي النبي عليه السلام ، عن الانتهاب إنما معناه انتهاباً ما لم يؤذن في انتهابه ، بدليل ما روي عن عبد الله بن قرط ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحب الأيام إلى الله يوم

(3/389)


النحر ثم يوم القر
فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمساً أو ستاً ، فطفقن يزدلفن إليه بأيهن يبدان فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها ، فقلت للذي كان إلى جنبي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من شاء انقطع" ، وما روي من أن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله ، كيف أصنع بما عطب من الهدي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "انحرها ثم الو قلائدها في دمها ، ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها" ، لأنه أباح صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين للناس الذين يحل لهم الهدي أن يأخذ منهم من شاء ما أخذ من غير مقدار ولا قسم معلوم ، وفي هذا بيان إن شاء الله .
مسألة
قال مالك : الضأن والمعز سواء تجزري في العقيقة والمعز سواء يريد في الإجزاء لا في الأفضل إذ لا اختلاف أن الضأن أفضل من المعز ، وفي قوله دليل أنه لا يجزي فيها ما عدا الضأن والمعز ، وهو قوله في سماع يحيى بعد هذا وقد مضى في سماع أشهب من كتاب الضحايا ما ظاهره ظهوراً بيناً أن البقر والإبل تجزي في

(3/390)


ذلك أيضاً ، وهو الأظهر قياساً على الضحايا ، وقد مضى الاختلاف في ترتيب الأفضل في ذلك في الضحايا في رسم مرض وله أم ولد فحاضت من سماع ابن القاسم ، وهو يدخل في العقائق على قياس هذا القول ، وبالله التوفيق . لا رب غيره ولا معبود سواه .
من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون
مسألة
قال سحنون أخبرني ابن القاسم وابن نافع قالا : سئل مالك عمن لم يعق عن ولده حتى كبرو عقل أترى أن يعق عنه إذا كبر ؟ فقال : لا ، فقيل له أفرأيت الذي لا يتهيأ له ما يعق به عن ولده حتى يمر السابع ؟ قال : لا ، إلا أن يكون قريباً ، ويعق عنه أيضاً بعد ما خضب لحيته ، أرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يعق عنهم في الجاهلية أعقوا عن أنفسهم في الإسلام ؟ هذه الأباطيل .
قال محمد بن رشد : المشهور عن مالك مثل ما يأتي له بعد هذا في هذا السماع ، أنه لا يعق عن المولود إلا يوم سابعه ، فإن لم يفعل حتى غربت الشمس من يوم السابع فقد فاتت العقيقة ، خلاف قوله في هذه الرواية : إنه يعق عنه بعد السابع إذا كان قريباً ، وروي ابن وهب أنه إن لم يعق عنه يوم سابعه عق عنه يوم السابع الثاني ، فإن لم يفعل عق عنه في الثالث ، فإن جاز ذلك فقد فات موضع العقيقة ، وروي مثله عن عائشة ، وروي ابن عبد الحكم القولين عن مالك ، واختار رواية ابن وهب ، ومن أهل العلم من أوجب العقيقة بظاهر قول النبي ، عليه السلام : "الغلام مرتهن بعقيقته" وبغيره

(3/391)


من الأحاديث التي يدل ظاهرها على الجوب ، فقال إن لم يعق عنه وهو صغير يلزمه أن يعق عن نفسه وهو كبير ، واستدل بما روي عن النبي ، عليه السلام ، من أنه عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة ، ولم يصح ذلك عند مالك ، رحمه الله ، وأنكره في هذه ، وقال إن ذلك من الأباطيل .
مسألة
وسئل عن العقيقة أهي عن الغلام والجارية سواء ؟ فقال : نعم الغلام والجارية سواء ، يعق عنهما يوم سابعهما .
قال محمد بن رشد : قد روي عن النبي ، عليه السلام ، أنه قال : من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عن الغلام شاتان مكافأتان ، وعن الجارية شاتان والمكافأتان المتماثلتان المشتبهتان ، وذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم منهم ابن عمرو عائشة زوج النبي ، عليه السلام ، فمن أخذ به فما أخطأ ولقد أصاب .
مسألة
قيل : أرأيت إن لم يتهيأ له يوم سابعه وتهيأ له بعد ذلك بيوم أو بيومين أو في السابع الثاني ؟ قال : لا يعق إلا في اليوم السابع ، قيل له أفيؤكل منها فقال : نعم يؤكل منها ويطعم ، قيل له : أيعمل منها الطعام فيدعي عليه الناس ؟ قال : ما رأيت الناس ها هنا عندنا على هذا ، وما رأيتهم يفعلونه ، إنما رأيتهم يقطعونه ثم يجمعونه في شيء ثم يأكلون منه ويطعمون منه ، ورأيتهم يبعثون به إلى الجيران ، فإذا أرادوا أن يصنعوا طعاماً صنعوه من غيرها ثم دعوا عليه .

(3/392)


قال محمد بن رشد : قوله إنه لا يعق عنه بعد السابع وإن قرب هو قول ابن القاسم ، وهو المشهور من قول مالك خلاف ما تقدم في أول السماع ، وقد مضى هناك الخلاف في ذلك وما بعد ذلك من أنه يؤكل منها ويطعم الجيران ولا يصنع طعام يدعي عليه الناس إلا من غيرها هو معنى ما مضى في رسم سلف في المتاع والحيوان المضمون من سماع ابن القاسم ، وقد مضى عليه من القول هناك ما فيه كفاية ومقنع .
مسألة
وسئل مالك فقيل له : أيكره أن يسمى أحد قبل يوم السابع ؟ قال : ما رأيت أحداً يمسي قبل يوم السابع إنما يعق عنه ويسمى يوم السابع .
قال محمد بن رشد : قد مضى الكلام أيضاً على هذه المسألة في رسم سلف في المتاع والحيوان من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
مسألة
قيل له : أرأيت الذي يولد فيموت قبل السابع أعليه فيه عقيقة ؟ فقال : لا .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه ، لأن العقيقة إنما يجب ذبحها عنه يوم السابع إذا حلق رأسه وأميط عنه الأذى على ما جاء عن النبي ، عليه السلام ، ومضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم ، فإذا مات قبل ذلك سقطت عنه العقيقة .
مسألة
قيل : أرأيت الرجل إذا عق عن الولد يوم السابع أيجوز أن يطعم في ذلك لحماً نياً ؟ قال : لا بأس بذلك ، وفي ذلك سعة إن

(3/393)


شاء إله وإن أطعم نياً أو غيره ، وقد كان الناس يطعمون ذلك الجيران .
قال محمد بن رشد : قد تكرر هذا المعنى في هذا السماع في سماع ابن القاسم وغيره ومضى القول فيه فلا وجه لإعادته .
مسألة
قال موسى بن معاوية ، قال معن : وسئل مالك عن رجل كان سابع ابنه يوم الأضحى ، وليس عنده إلا شاة هل تجزئ عنه في العقيقة والأضحية فقال : بل يعق بها .
قال محمد بن رشد : معنى هذا إذا رجا أن يجد أضحية في بقية أيام الأضحى ، وأما إذا لم يرج ذلك فليضح بالشاة ، لأن الضحية أوجب من العقيقة عند مالك وجميع أصحابه ، لأن الأضحية يقيل فيها إنها سنة واجبة وقيل سنة غير واجبة ، والعقيقة قيل فيها إنها سنة غير واجبة ، وقيل فيها إنها سنة مستحبة ، وقد مضى هذا في رسم حلف من سماع ابن القاسم ، ولو كان ذلك في آخر أيام النحر لكانت أولى ، قاله العتبي ، وهو على قياس ما قلناه وبالله التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم
من كتاب أوله نقدها نقدها
مسألة
قال عيسى : وسئل ابن القاسم عن العقيقة أيطعم منها الرجل جيرته الأغنياء ؟ قال : أهل الحاجة أحب إلي ، وإن فعل فأرجو ألا

(3/394)


يكون عليه شيء ، قيل له أيصنع صنيعاً يدعو إليه ؟ قال : لا يعجبني .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال إن أهل الحاجة من جيرته أولى أن يطعمهم منها من الأنبياء ، وإن كانت تحل للأغنياء ، لأن الله تعالى حض على إطعام الفقراء من لحوم الهدايا التي تحل للأغنياء ، قال تعالى : { فكلوا منها واطعموا البائس الفقير } ، وقال : { فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر } . والقانع هو الفقير ، وأم كراهيته أن يصنع صنيعاً يدعى إليه فمعناه من شاة العقيقة على ما تقدم في سماع أشهب وفي رسم سلف في المتاع والحيوان المضمون من سماع ابن القاسم وأما من غير شاة العقيقة فلا بأس بذلك ، وقد كان عبد الله بن عمر وغيره من السلف يدعون على الولاد والختان ، ولا بأس على من دعي إلى ذلك أن يجيب إليه ، وقد مضى في رسم الشركيين من سماع ابن القاسم من كتاب الصيام ما تجب فيه إجابة الداعي مما لا تجب مستوفي وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار
مسألة
وسئل ابن القاسم عن العقيقة هل يدعو إليها الرجل والرجلين من إخوانه ؟ قال : لا يدعو لها أحداً وإنما هي لجيرانه يقرب لهم منها .

(3/395)


قال محمد بن رشد : قد مر هذا المعنى متكرراً في هذا السماع وسماع أشهب وسماع ابن القاسم ومضى من القول عليه ما لا زيادة فيه وبالله التوفيق .
من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم
من كتاب الصلاة
مسألة
قال يحيى : وسألته عمن ذبح عقيقة ابنه بليل أيجب عليه بدلها كما يجب على من ذبح أضحيته ليلاً ؟ قال : أرى ذلك عليه واجباً ، وحالهما عنده واحد يريد الضحية والعقيقة .
قال محمد بن رشد : أما من ذبح عقيقته بليل فلا تجزئ واختلف أن ذبحها قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر على ما مضى القول عليه في رسم باع غلاماً من سماع ابن القاسم .
مسألة
قال سحنون : قال مالك : لا تجزئ في العقائق الإبل ولا المعز ، وإنما سنة العقائق الغنم لا غير ، وكذلك جاءت السنة .
قال محمد بن رشد : وهذا مثل ظاهر قوله أيضاً في رسم سن من سماع ابن القاسم خلاف ما حكى عنه ابن حبيب من أنه لا يضحى ولا يعق إلا بالضأن والمعز والإبل والبقر ، والضأن أفضلها ، وهو ظاهر ما في سماع أشهب من كتاب الضحايا فقف على ذلك وتدبره .

(3/396)


من سماع أصبغ من ابن القاسم
مسألة
وسئل أصبغ عن الجوز واللوز والسكر ينثر في الإمكاك أو الختان هل ترى ذلك جائزاً ؟ قال : نعم ذلك جائز لا بأس به ولا تجوز الخلسة فيه فأما نثره للناس وعليهم للأكل فلا بأس به .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة في رسم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سماع ابن القاسم ، فلا معنى لإعادته ها هنا مرة أخرى وبالله التوفيق .
تم كتاب العقيقة

(3/397)