البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
كتاب الاستبراء
(4/79)
من سماع ابن
القاسم من مالك من كتاب القبلة
قال سحنون : وقال ابن القاسم : سمعت مالكاً
قال فيمن ابتاع أمة ولم يذكر هو ولا البائع
استبراء ، فلما وجب البيع طلب البائع النقد ،
وقال المشتري حتى نستبرىء رحمها بحيضة ، قال :
قال مالك : إن كانت الجارية مما يراد بها
الوطء فلا ينقد حتى يتوضع على يدي عدل حتى
يستبري رحمها بحيضة ، وأما ما اشتري من
الجواري للخدمة فأرى البيع يجوز وينقد الثمن ،
فإن كان بها حمل ردها على البائع ، قال ابن
القاسم : قال لي مالك : وإن كان البائع
مسافراً لزمته المواضعة في الجارية التي مثلها
يراد للوطء .
قال محمد بن رشد : مذهب مالك رحمه الله أن
المواضع واجب في الجواري المرتفعات وإن لم
يطأها سيدها البائع إلا أن تكون ظاهرة الحمل
أو زانية أو ذات زوج أو في عدة منه لم يختلف
قوله في ذلك كما اختلف في العهدة فيحكم بها
عنده على المقيم والغريب ، ولا يرخص في تركها
للمسافر والمجتاز ، وهي أن توضع الجارية على
يدي أمين أو رجل له أهل حتى يعرف براءة
(4/81)
رحمها من الحمل
بحيضة إن كانت من ذوات الحيض وبثلاثة أشهر إن
كانت يائسة من الحيض كببر أو صغر إذا كانت ممن
توطأ بكراً كانت أو ثيباً امن منها الحمل أو
لم يؤمن ، وقد قيل : إذا امن الحمل منها فلا
مواضعة فيها ، والضمان في ذلك من البائع ،
والنفقة عليه ، فلا يجوز أن يتلذذ بشيء منها
وإن كان الضمان عليه والنفقة عليه من أجل أنه
قد أوجبها لغيره ، ولا يجوز للمشتري ذلك أيضاً
من أجل أن الضمان من غيره ، وإن اشتراها في
أول دمها أو في عظمه كان ذلك براءة لرحمها ولم
يكن فيها مواضعة ، وقد كان روي عن مالك إنها
تستأنف حيضة أخرى ثم رجع عنها ، ولا يجوز
النقد في ذلك بشرط ، وليست المواضعة بواجبة
إجماعاً إلا في التي وطئها سيدها وإن كانت من
الوخش . وقد قال أصبغ : بيوع البلدان كلها ما
عدا المدينة ، وهي بيوعنا بمصر أيضاً في
الجواري المرتفعات ، ترك المواضعة وتعجيل
النقد ، فلا يفسد البيع بترك المواضعة إلا أن
يشترط تركها وتعجيل النقد والبراءة من الحمل ،
وفي ذلك اختلاف كثير سنذكره في الرسم الذي بعد
هذا ، وقد مضى في رسم الأقضية الثاني من سماع
أشهب من كتاب العيوب سبب وجوبها والفرق بين ما
تنعى به الحمل في المرتفعات من الجواري وبين
سائر ما يوجد بها من العيوب لمن أحب الوقوف
عليه ، فلا معنى لإعادته ، وبالله التوفيق .
مسألة
وقال سحنون : سئل مالك عن الرجل يشتري الجارية
فيواضعه للاستبراء ، فيقول البائع : هلم الثمن
فواضعه على يد رجل ، فقال مالك : ليس له ذلك
عليه ، وإنما يدفع الثمن إذا وجبت له الجارية
.
(4/82)
قال محمد بن
رشد : ابن المواز يرى أن يوضع الثمن على يدي
عدل ويحكم بذلك على المبتاع ، وهو قول مالك في
الواضحة ، وفي كتاب ابن عبدوس ، وظاهر ما في
كتاب الاستبراء والبيوع الفاسدة من المدونة .
واختلف إذا وضع بيد عدل فتلف قبل خروجها من
الاستبراء ، فقيل مصيبته ممن كان يصير إليه ،
وهو قول مالك في كتاب الاستبراء من المدونة ،
وقيل : إنه من المبتاع ، روي ذلك عن مالك ،
وعل قوله هذا إن خرجت الجارية صحيحة من
المواضعة لزمه ثمن آخر ، وقيل : إنه [ يسقط
ذلك عنه تلف الثمن ] بفسخ البيع ، ومعنى ذلك
عندي إن لم يرد أن يؤدي ثمناً آخر من عنده ،
واختلف أيضاً إن خرجت معيبة من المواضعة
والثمن قد تلف هل يأخذها بالثمن التالف أم لا
؟ ففي نوازل سحنون بعد هذا عن أشهب وابن
القاسم أن له أن يأخذها بالثمن التالف ، وعن
غيرهما أن ذلك ليس له إلا أن يغرم ثمناً آخر ،
وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال : لو كان له أن
يأخذها بالثمن التالف لوجب إذا تلف الثمن أن
يعطي السلعة والجارية ، إذ لا يشك أحد أنه
يختار أن يأخذها إذا لم يؤد فيها ثمناً آخر .
وفرق ابن الماجشون في ديوانه على ما فسره ابن
عبدوس بني أن يحدث العيب قبل تلف الثمن أو
بعده فقال : إن حدث العيب قبل تلف الثمن كان
له أن يأخذها معيبة بذلك الثمن التالف لأن
الخيار قد كان وجب له قبل تلف الثمن ، فليس
يسقط ذلك عنه تلف الثمن ، وإن تلف الثمن قبل
حدوث العيب لم يكن له أن يأخذها بذلك الثمن
التالف إلا بثمن يدفعه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة
وسئل مالك عن رجل وصي رجل باع رقيقاً له في
ميراث باعه ونادى فيه إنه بيع ميراث فلان ،
فباع فيه جارية بمائة دينار ، فلما
(4/83)
وجب البيع
للبائع قال له : تدفع الثمن إلي ، فقال له
المبتاع : لا حتى اوضعك الجارية ، فإني أخشى
أن تكون حاملاً ، فقال له البائع : إنها جارية
فلان ابن فلان ، وهي ممن لم تكن توطأ ، وقد
بعناك بيع ميراث ، قال مالك : أرى له أن
يواضعه إياه ولا يعطيه الثمن حتى تخرج من
الحيضة ، فإن ألفيت حاملاً ردها المبتاع ولمي
نفعه شرطه عليه إنها بيع ميراث .
قال محمد بن رشد : هذا ما لا اختلاف فيه اعلمه
في المذهب أن الحكم بالمواضعة واجب في بيع
الميراث وبيع السلطان كما هو في بيع الناس
بعضهم من بعض ، لا يفسد البيع بتركها وإن
قصدوا فيه إلى ذلك بعادة جروا عليها ما لم
يشترطوا تركها نصاً ، فإن اشترطوا ذلك نصا
ففيه ثلاثة أقوال : أحدها أن البيع جائز
والشرط جائز ، وهو قول ابن عبد الحكم ،
والثاني ، البيع فاسد قاله أبو بكر الابهري
ومثله في كتاب ابن المواز [ في قول ] وقاله
ابن حبيب إذا اشترط ترك المواضعة وتعجيل النقد
، ومثله في رسم العتق بعد هذا من سماع عيسى ،
[ والثالث ] أن البيع جائز والشرط باطل ويخرج
إلى المواضعة وهو قول مالك في المدونة وفي رسم
تأخير صلاة العشاء بعد هذا . فإن ماتت على هذا
القول قبل أن تخرج من المواضعة فقيل : إن
مصيبتها من المشتري إن ماتت عنده ، حكى ذلك
إسماعيل القضاي في المبسوط عن مالك ، وقيل :
إنها إن ماتت في مقدار ما يكون فيه استبراء
لها فمصيبتها من المشتري ، وإن ماتت قبل أن
يمضي لها من المدة ما يكون فيه استبراء لها
وهو الشهر فمصيبتها من البائع ، وهو قوله في
المدونة . وأما إذا باعها بشرط
(4/84)
البراءة من
الحمل فالمشهور من قول مالك وأصحابه أن البيع
فاسد والمصيبة من المشتري إن بلغت قبل قبضة
على حكم البيوع الفاسدة ، وقيل البيع جائز
والشرط باطل ، وقع هذا القول في كتاب محمد ،
وقيل البيع جائز والشرط جائز وهو قول ابن عبد
الحكم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله سن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -
وسئل مالك عن الأمة يبتاعها الرجل فتبيت عنده
ثم يدعي إنها حامل ، قال مالك : فيستأني بها
حتى يتبين إنها حامل [ فإذا تبين إنها حامل ]
وشهد انساء ردت بشهادة النساء ، فإذا وجد
الحمل بعد ذلك باطلا لم ترد إلى المشتري ، ولا
ينبغي أن يستأنى بها حتى تضع لأن الضمان منه ،
ولكن إذا شهد النساء أنه حمل وتبين ذلك ردت
على بائعها ولم يستأني بها للوضع .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال لأن الحمل عيب
، وشهادة النساء فيه جائزة لأنه مما لا يطلع
عليه إلا هن ، فتجوز فيه شهادة امرأتين منهن ،
وهو لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر ، ولا
يتحرك تحركا بيناً يصح القطع على تحركه في أقل
من أربعة أشهر وعشر ، فإذا شهد النساء أن بها
حملاً بيناً لا يشكن فيه من غير تحريك ردت
فيما دون ثلاثة أشهر ، ولم ترد فيما زاد على
ذلك لاحتمال أن يكون حادثاُ عند المشتري ،
وإذا شهدن أن بها حملاً يتحرك ردت فيما دون
أربعة أشهر وعشر ، ولم ترد فيما فوق ذلك
لاحتمال أن يكون حادثاً عند المشتري ، فإن ردت
ثم وجد المشتري ذلك الحمل باطلاً لم ترد إلى
المشتري كما
(4/85)
قال : إذ لعلها
قد أسقطته فكتمت ذلك ، وقد روي عن مالك أن
النفقة لا تجب للمطلقة البائن بظهور الحمل بها
حتى تضعه ، وأن اللعان لا يكون عليه إلا بعد
وضعه ، وأن الأمة الحامل [ من سيدها ] لا يحكم
[ لها بحكم ] الحرة بظهور الحمل بها بعد موته
حتى تضع فعلى قياس هذا لا يجب رد الأمة بحمل
يظهر بها عند المشتري لم يكن ظاهراً بها حين
البيع ، ويستأنى بها حتى تضع ، فإن وضعته حياً
لأقل من ستة أشهر كان له ردها بعيب الولد
والولادة ، وإن مات الولد ردها بعيب الولادة
إن كانت قد نقصتها ، وإن وضعته لأكثر من ستة
أشهر لم ترد لاحتمال أن يكون أهل الحمل عند
المشتري وبالله التوفيق لا شريك له .
ومن كتاب سعد في الطلاق
وقال مالك : من ابتاع أمة وهي في عدتها من
وفاة أو طلاق فلا تجرد لينظر منها عند البيع ،
ولا يتلذ منها بشيء إذا ابتاعها حتى تنقضي
عدتها .
قال سحنون : روى ابن وهب عن مالك مثله .
وقال سحنون : ليس على ما ابتاع جارية وهي في
عدة من طلاق أو وفاة مواضعة الاستبراء إلا أن
المبتاع يستبري لنفسه لأن الحمل بها ليس بعيب
، إنما هو من زوج قد علم بذلك
(4/86)
ورضي به ، فإن
جاءت بولد فإنما هو من زوج قد علم إنها في عدة
منه .
وقال مالك : من كانت له أمة حامل من غيره فلا
يحل له وطؤها كان حملها ذلك عنده أو عند غيره
من زوج أو زنى ، فلا أرى أن يقبلها أو يباشرها
ولا يغمزها تلذذاً حتى تضع حملها .
قال محمد بن رشد : قول مالك إن من ابتاع أمة
وهي في عدتها من وفاة أو طلاق إنه لا يجوز له
أن يتلذذ بشيء منها في حال عدتها صحيح لأنه
وإن كان الضمان منه إذ لا مواضعة فيها فالنسب
لاحق بالزوج الذي هي في عدة منه ، كما زوج
أمته فدخل بها زوجها ثم مات عنها أو طلقها
فإنه لا يحل له أن يتلذذ بشيء من أمرها في حال
عدتها ، وإنما يختلف فيمن اشترى أمة من الوخش
أو حاملاً ظاهرة الحمل أو في المقاسم وهي حامل
أو غير حامل لأن بيع المقاسم بيع براءة ، وإن
ظهر بها حمل لم يردها ؛ فمالك يرى أنه لا يجوز
أن يتلذذ منها بما دون الوطء في حال حملها ولا
في حال استبرائها ، إذا لا يجوز له الوطء في
تلك الحال ، وغيره يبيح له أن يتلذذ منها بما
شاء من قبلة أو مباشرة ، روي ذلك عن عبد الله
بن عمر وغيره من السلف ، وذهب إليه ابن حبيب ،
وقول سحنون : أنه لا مواضعة في الجارية التي
تشترى وهي في عدة من وفاة أو طلاق صحيح لا
اختلاف فيه ، لأن المشتري إنما وقع شراؤه على
إنها مشغولة الرحم بماء زوجها ، وإن ظهر بها
حمل لم ينقص ذلك من ثمنها كثيراً ، وكذلك لم
اشتراها وهي في استبرائها من زنى لم يكن فيها
مواضعة من أجل أن الحمل إذا ظهر بها لم ينقص
من ثمنها كثيراً ، والمواضعة إنما هي من أجل
نقصان كثرة الثمن لحمل إن ظهر [ بها ] وقول
مالك اخيراً إن من كانت له أمة حامل من غيره
فلا يطأها كان الحمل من زوج أو زنى
(4/87)
صحيح لا اختلاف
فيه لقول النبي عليه السلام : " لا توطأ حامل
حتى تضع ولا حائل حتى تحيض " فإن فعل أدب إلا
أن يذعر بجهل ، ولم يعتق عليه هي لاو ما في
بطنها ؛ وقد روي عن الليث بن سعد إنها تعتق
عليه هي وما في بطنها ، وقضى بذلك عبد الملك
بن مروان ، ذكر ذلك ابن حبيب ، وأما قوله :
إنه لا يقبلها ولا يباشرها ولا يغمزها تلذذا
حتى تضع حملها فهو مذهبه أنه لا يجوز له أن
يقبل ويباشر إلا ما يجوز له أن يطأ وعلى ما
ذكرناه من مذهب ابن حبيب يجوز له أن يقبل
ويباشر إن كان الحمل [ ظاهراً ] من زنى ، ولم
يكن من زوج ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء من الحرس
وسئل مالك عن الرجل يشتري الجارية فيدفعها
البائع إلى المشتري فينقلب بها ثم يأتي البائع
بعد ذلك بيوم أو يومين فيقول : ادفع إلى الثمن
، فيقول المشتري : لا ادفع إليك شيئاً حتى
تحيض واستبريها ، فقيول البائع : قد اغلقت
عليها بابك وقد قبضتها مني ، قال : قد ائتمنه
عليها حين دفعها إليه ، فأرى اللمشتري إلا
يدفع إليه الثمن حتى تحيض ، فأرى أن يتواضعها
على يدي إمرأة للحيضة واحتج فقال : يمكنه منها
ويأمنه عليها ، ثم يقول : ادفع إلي الثمن ، ما
أرى ذلك له .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال : إن من حق
المشتري أن لا يدفع إليه الثمن حتى تحيض لأن
النقد في الجارية التي يتواضع مثلها لا يجوز
(4/88)
بشرط حتى تخرج
من الحيضة ، ولو زاد البائع في هذه المسألة أن
يوقف له الثمن بيدي عدل إلى أن تخرج من الحيضة
لم يكن ذلك له من أجل أنه قد دفع إليه الجارية
، ولو دعا إلى ذلك قبل أن يدفع إليه الجارية
لكانت المسألة التي قد مضى الخلاف فيها في أول
رسم من السماع ، وأما قوله : فأرى أن يتواضعها
على يدي إمرأة فهو قول مالك في المدونة : إن
البيع لا يفسد بترك المواضعة ويحكم [ بها ]
بينهما ما لم يشترط البراءة من الحمل ، وقد
مضى ها الاختلاف فيما يفسد بيه البيع من هذا
المعنى في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة ،
فلا وجه لإعادته وبالله تعالى التوفيق .
ومن كتاب صلى نهاراً ثلاث ركعات
وسئل مالك عن الرجل يبيع جارية له بالبراءة
بيع السلطان فوجد بها حملاً ، قال مالك : إن
كانت جارية رائعة من جواري الوطء لم أر
البراءة تنفعه في الحمل ، فقيل [ له ] : ثمنها
خمسون ديناراً ، قال : هذه رائعة ، لا أرى
البراءة تنفعه في الحمل إلا أن تكون جارية من
الوخش للخدمة فإني أرى البراءة في ذلك تنفعه .
قال محمد بن رشد : إنما لم ير أن يبرا في بيع
البراءة من الحمل في الجارية الرائعة من أجل
أن البراءة من الحمل فيها لا تجوز [ فلما كانت
البراءة منه لا تجوز ] ويفسخ البيع بينهما ،
وكان لفظ البراءة لفظاً عاماً يحتمل أن يحمل
على عمومه في الحمل وغيره ، وأن يحمل على ما
سواه مما لا يفسد
(4/89)
البيع به .
وحمله على ما سواه مما لا يفسد به البيع لم
يفسخ إلا بيقين ، وإنما لم تجز البراءة من
الحمل في المرتفعات من أجل أن الحمل يهدم جل
ثمنها ، فيلزم على قياس ذلك لو اشترط البراءة
من عيب يذهب بجل الثمن كالجذام ونحوه ، ونص
على ذلك أن يكون البيع فاسداً ، إلا أن يفرق
بينهما بان الحمل غالب والجذام وشبهه من
الادواء نادر ، إذ أن لا فرق بينهما ذهب ابن
عبد الحكم فقال : إن من باع ( شاة ) واشترط
البراءة من الحمل في المرتفعات فالبيع جائز
والشرط عامل قياسا على ما رجع إليه مالك من
اجازة البراءة في الجنون والجذام والبرص الذي
يكون قبل العقد ولم يعلم به البائع بعد أن كان
يقول : لا تجوز البراءة فيما يعظم من الأشياء
، وأما ما حدث في السمت من الجنون والجذام
والبرص فهو يبرا منه في بيع البراءة قولاً
واحداً ، والله أعلم .
مسألة
وسئل عن رجل كانت له أم ولد ، وكان لها حلي
وكسوة ، فأوصى عند الموت إن هي قامت على ولدها
فدعوا [ لها ] ما كان لها ، وإن هي لم تقم
وتزوجت فخذوا ما كان في يديها من كسوة وحلي .
قال مالك : ليس ذلك له ، وأراه لها حين مات ،
وليس له أن ينتزع منها مالها مما أعطاه في
مرضه ، وأراها بمنزلة المدبرة .
قال محمد بن رشد : قوله : إنه لا تجوز وصية
الرجل في انتزاع كسوة أم ولده وحليها صحيح ،
لأن الحرية تجب لها بموته ، فهو لا يجوز له أن
ينتزع
(4/90)
مالها في مرضه
لقربها في تلك الحال من العتق كالمعتق إلى أجل
إذا قرب احل عتقه والمدبر ، فإذا لم يجز له أن
ينتزعه منها في مرضه فأحرى أن لا تجوز له
الوصية بان ينتزع منها بعد موته ، وما كان لها
من الحلي والثياب والمتاع الذي يشبه حالها فهو
لها ، وإن لم يعلم عطية سيدها ذلك لها ، وأما
الشيء المستنكر الذي لا يشبه أن يكون من
هيئتها ولباسها فلا يكون لها بدعواها أنه لها
إلا أن تكون لها بينة على إنها أعطيت ذلك أو
هبته أو اكتسبته ، وهي في هذا بخلاف الزوجة
لأن القول قول الزوجة فيما كان من متاع الناس
أنه لها وإن كثر إلا أن يكون للزوج بينة على
أنه لو أو على أنه اشتراه فيكون له بعد يمينه
أنه إنما اشتراه بماله لنفسه لا لها ، وهذا
كله بين في الرسوم الباقية من هذا السماع وفي
رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب ، وبالله
التوفيق .
ومن كتاب شك في طوافه
قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول في أم
الولد : إذا هلك عنها سيدها ولها حلي ومتاع
أتراها لها ؟ قال : نعم إلا أن يكون الشيء
المستنكر .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما تقدم قبل هذا
مما لا اختلاف فيه .
ومن كتاب أوله باع غلاماً بعشرين ديناراً إلى
أجل
وقال مالك في أم الولد في ثيابها إذا كانت
تستمتع بها وإن لم يكن لها شهود على عطية
سيدها إياها وهو معروف إنها كانت تلبسه فأراها
لها .
قال محمد بن رشد : وهذا أيضاً مثل ما تقدم فلا
وجه للقول فيه وبالله التوفيق .
(4/91)
ومن كتاب أوله
مساجد القبائل
وسئل مالك عن الرجل يهلك ويترك أم ولد لها
ثياب وحلي أتراه لها ؟ قال : نعم .
قال محمد بن رشد : وهذا مثل ما تقدم أيضاً
ومثل القول فيه فلا معنى لإعادته وبالله
التوفيق .
من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب
الأقضية الثلاثة
قالا : وسئل مالك عن رجل توفي وترك جارية
حاملاً منه اتتم حرمتها ؟ فقال : إذا كان
حملها بيناً فقد ثبتت حرمتها ، قيل : إذا كان
حملاً بينا معروفا تمت حرمتها ؟ قال : نعم ،
فقيل له : إذا مات الرجل وله جارية ولها منه
حمل تمت حرمتها حتى تقتل من قتلها وترث وتورث
؟ فقال : أما إذا مات عنها سيدها وهي لم تتم
حرمتها ولم تجز شهادتها ولم تتقل من قتلها ولم
ترث ولم تورث حتى يتبين حملها ، فإذا تبين
حملها وظهر وعرف تمت حرمتها وجازت شهادتها
وقتل من قلتها وورثت واخذ لها الحدود إذا بان
حملها ، قيل لها : إن المرأة ربما نظر إليها
النساء فيقلن هي حامل وكبر بطنها ثم ينفش ذلك
فلا يكون في بطنها شيء ، فكيف ترث وتورث ويقتل
بها من قتلها وهي لعلها إلا يكون لها حمل ؟
قال : كذلك هذه ، يوقف ذلك منها حتى يتبين
حملها ، فإذا تبين تمت حرمتها وورثت ورثتها
وقتل من قتلها .
قال محمد بن رشد : مثل هذا لمالك في الواضحة
من رواية مطرف
(4/92)
عنه . وفي كتاب
ابن سحنون من رواية ابن القاسم عنه قال :
وتعجب من قول من يقول لا تتم حرمتها حتى تضع ،
وقال المغيرة توقف أحكامها حتى تضع ، وهو قول
ابن الماجشون في الثمانية وعليه يأتي قوله في
الواضحة إن للأمة الحامل من سيدها إذا مات
النفقة في ماله حتى تضع حملها إن كان من مذهبه
أن أم الولد إذا توفي عنها سيدها وهي حامل فلا
نفقة لها على المشهور في المذهب إذ قد اختلف
في ذلك حسبما قد ذكرناه في رسم سعد من سماع
ابن القاسم من كتاب طلاق السنة ؛ وقال ابن
نافع في المدنية لا يقتل من قتلها ويستأنى بمن
قذفها فإن ولدت حد لها ، وفيها اعني في
المدنية قال عيسى : قال ابن القاسم : سألت
مالكا عن القذف وكان فيها اختلاف بالمدنية
فقال : أرى أن يضرب من قذفها الحد ثمانين إذا
تبين حملها ، قيل له : إن قوماً يقولون لو
استؤني بها فلعل ذلك ينفش ، فأنكر ذلك من
قولهم وتعجب منه وقد مضى في رسم من سماع ابن
القاسم ذكر اختلاف قول مالك في وجوب الحكم
للحمل بظهوره قبل وضعه ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية
وسئل مالك عن الرجل تكون له أم ولد فيزوجها
غلاماً له فتلد منه أولاداً فيهب جارية منهن
لابنه أيطؤها ؟ فقال : نعم ، لا بأس بذلك ،
الرجل يتزوج المرأة ويتزوج ابنه ابنتها ، فقيل
له : أليس ولد أم ولد بمنزلتها ؟ فقال : بلى ،
ولد كل ذات رحم بمنزلتها ، فقيل له : أفليس
ولدها معها معتق إلى أجل ؟ فيكف يجوز له أن
يهب معتقة إلى أجل فيطؤها ؟ فسكت .
قال أشهب : والذي لا شك فيه عندي أن كل جارية
فيها طرف
(4/93)
من عتق فليس
يجوز لسيدها أن يوطئها أحداً من الخلق لا عبده
، ولا ولده ولا غيرهما يملك يمين ولا غيره إلا
بتزوج فلا بأس بذلك ، ومما يشبهه المدبرة لا
يجوز لسيدها أن يوطئها أحداً من الخلق بهبة ،
وله أن يزوجها .
ومن سماع ابن دينار من ابن القاسم من كتاب
استأذن سيده
قال : وسألت ابن القاسم عن الرجل يوج أم ولد
رجلاً فتلد له أولاداً ثم يريد أن يهب بعض
بناتها لولده أو لأجنبي هل يجوز له أن يطأها ؟
قال : قال مالك : لا يطؤها بملك يمين ولا
يطؤها إلا بتزويج .
قلت : وكذلك بنات المدبرة لا يطؤهن غير سيدهن
، قال : نعم كذلك بنات المدبرة لا يطؤهن أحد
سواه إلا بالتزويج .
وقال محمد بن رشد : رأى مالك رحمه الله أنه لا
حرمة بين الرجل وبين ما ولدت أم ولد أبيه من
غيره بعده ولا قبله يحرم بها نكاحها ، واغفل
النظر في صحة الهبة إذ سبق إلى ظنه أن القصد
بالسؤال إنما هو إلى هل بينهما حرمة أم لا ؟
من أجل أنه قد اختلف في ذلك ، فكان طاووس يكره
للرجل أن يتزوج ما ولدت إمرأة أبيه بعد أبيه
من غيره أبيه ، وروى أبو زيد عن ابن القاسم في
كتاب النكاح أن ذلك لا يحل له ، ولذلك قال :
لا بأس أن يطأها يريد من جهة أنه لا حرمة بينه
وبينها ، وقوله : إنه لا حرمة بينه وبينها هو
الصحيح ، وقول من قال : إنها لا تحل له بعيد ،
وقد مضى في سماع أبي زيد من كتاب النكاح وجه
الكراهية عند من كره ذلك من أحب الوقوف عليه ،
وأما هبة الرجل رقبة ولد أم ولده من غيره فلا
يصح ، إذ لا يملكها
(4/94)
وإنما له
خدمتها طول حياته ، فالهبة إنما تصح فيما يملك
من اختدامها ولا يصح بذلك للموهوب [ له ]
وطؤها كما قال أشهب ومالك في رواية عيسى عن
ابن القاسم عنه ، وقد كان الفقيه شيخنا أبو
جعفر رحمه الله يحكي لنا عن الفقيه أبي عمر بن
القطان أنه كان يقول : لا أقول إن مالكاً وهم
في إغفال النظر في صحة الهبة فاخطأ في الجواب
، بل أقول : إنه اعمل الهبة في الرقبة مراعاة
للاختلاف في جواز بيع أم الولد ، فأجاز للابن
وطأها بالهبة ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الأقضية الثاني ، قال أشهب وابن نافع
وسئل مالك عن رجل توفي وترك أم ولد له ، فادعت
متاع البيت ، قال : أرى أن تكلف البينة على أن
ذلك لها ، وإن كان ذلك من متاع النساء لأنها
ليست بحرة ، إنما هي أم ولد ، ثم يكون ذلك لها
، قلت : أرأيت ما أعطاها سيدها من الحلي
والثياب ؟ فقال : ذلك لها إذا مات سيدها .
قلت : أرأيت ما كان من متاع [ البيت ] دني ؟
فقال : أما الفراش والحلي واللحاف والثياب
التي على ظهرها فأرى ذلك لها من كتاب العتق .
وسمعته سئل عن أم الولد يتوفى عنها سيدها وفي
يدها متاع فيريد الورثة أخذه منها أذلك لهم ؟
فقال : إن كان وهبه لها فلا .
قال محمد بن رشد : إنما وجب أن تكلف أم الولد
البينة فيما ادعته من
(4/95)
متاع النساء
أنه لها سوى ثيابها التي تلبسها والحلي الذي
يشبهها إذا نازعها في ذلك ورثة سيدها من أجل
أنه لا يدلها مع سيدها إذ لم تتم حريتها إلا
بموته ، فهي في هذا بخلاف الحرة ، وقد مضى في
رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب طلاق السنة
القول في اختلاف الزوجين في متاع البيت موعباً
لمن أحب الوقوف عليه ، ومضى في رسم صلى نهاراً
من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب القول في
ممال [ أم ] الولد وما يصح منه بالدعوى مما لا
يصح ، فلا معنى لإعادته ، والله الموفق .
ومن كتاب البيوع الأول
وسئل مالك عن الصبية الصغيرة تشتري ، أعلى من
ابتاعها استبراؤها ؟ قال : نعم إذا كان مثلها
يوطأ ، واستبراؤها ثلاثة أشهر ، وإن كانت
صغيرة ليس مثلها يوطأ فليس عليها استبراء .
قال محمد بن رشد : أما الصغيرة التي لا يوطأ
مثلها فلا اختلاف في أنه لا مواضعة فيها ولا
استبراء ، وإنما اختلف في الصغيرة التي يوطأ
مثلها ويؤمن الحمل منها ، فمذهب مالك وعامة
أصحابه وجوب الاستبراء فيها والمواضعة إن كانت
من ذوات الأثمان بثلاثة أشهر لأن الحمل لا
يتبين في أقل من ثلاثة أشهر ، وقيل شهران ،
وقيل شهر ونصف ، وقيل شهر ، وذهب مطرف وابن
الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا
مواضعة ، وجاء ذلك عن جماعة من السلف منهم عمر
بن الخطاب ، وعي بن أبي طالب ، وسعيد بن
المسيب ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد ،
ابن شهاب ، وأبو الزناد ، وربيعة ، وابن هرمز
وغيرهم ، وكذلك الكبيرة التي يؤمن الحمل منها
، وبالله التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من كتاب نقدها نقدها
قال عيسى : سئل ابن القاسم عن إمرأة توفيت
وتركت خادماً
(4/96)
وتركت من
الورثة زوجها وولدها وهم صغار في حجر أبيهم
يليهم ، فحضرته الوفاة فقال : إن فلانة للخادم
التي بعضها له ولولده الصغار بعضها : قد ولد
مني ، فأنكر ذلك الورثة بعد موته فقال : القول
قوله ، والولد يلحقه ، وتعتق الجارية ، وتخرج
حرة ، وتقوم عليه في ماله ، ويعطون نصيبهم
منها ، فإن لم يكن له مال فهي حرة ، وهي مصيبة
دخلت عليه من .
قال محمد بن رشد : أما إذا كان لها ولد أقر
أنه منه فلا اختلاف في أنه يلحق به وتعتق [ هي
] وتخرج حرة ، وتقوم عليه في ماله إن كان له
مال ، وإن لم يكن له مال فهي مصيبة دخلت عليهم
لأن النسب يثبت منهم والحد يسقط عنه ، فوجب أن
يصدق على ورثته من كانوا كما يصدق في أمته أن
ولدها هذا منه وأن حملها منه ، وإن كان ذلك في
مرضه الذي مات منه ، لأن النسب يسقط التهمة
عنه ، وإنما يختلف إذا أقر لها في مرضه الذي
مات منه إنها قد ولدت منه ولا ولد معها ، فقيل
: إنه لا يقبل قوله وإن كان ورثه ولده ، وقيل
: إنه يقبل قوله إن كان ورثته ولداً فتعتق من
رأسه ماله ولا يقبل قوله إن كان ورثته كلالة ،
وقيل له : إن كان ورثته ولداً عتقت من رأس
المال ، وإن كان ورثته كلالة عتقت من ثلثه ،
والثلاثة الأقوال كلها في المدونة وغيرها ،
وبالله تعالى التوفيق .
ومن كتاب استأذن سيده في تدبير جاريته
قال عيسى : وسألته عن الأمة يموت عنها زوجها
وهي من
(4/97)
اللائي [ قد ]
يئسن من المحيض كم عدتها ؟ قال : شهران وخس
ليال .
قلت : فإن باعها سيدها في العدة ؟ قال : لا
يطؤها مشتريها . حتى يستبريها بثلاثة أشهر من
يوم هلك عنها زوجها ، ولا ينقلها مشتريها من
بيتها التي كانت تبيت فيه حتى تعتد فيه شهرين
وخمس ليال من يوم مات عنها زوجها ، فإذا مضى
لها شهران وخمس ليال انتقلها متشريها ولكن لا
يمسها حتى يستبريها بثلاثة أشهر بالشهرين
والخمس ليال من يوم مات عنها زوجها .
قال محمد بن رشد : قوله : إن الأمة الايسة من
المحيض تعتد من وفاة زوجها شهرين وخمس ليال ،
ثم ينقلها مشتريها من بيتها إن شاء ولا يطؤها
حتى تتم ثلاثة أشهر معناه في الأمة اليائسة من
المحيض لصغر أو لكبر والحمل غير مأمون منها
وقد دخل بها لأن التي لم يدخل بها والتي يؤمن
الحمل منها وإن كان يوطأ مثلها لا اختلاف في
أن عدتها تنقضي بالشهرين والخمس ليال كما
ينقضي بها إذا كانت في سن من تحيض فحاضت فيكون
لسيدها أن يطأها وأن يزوجها وليس عليه أن
ينتظر بها تمام ثلاثة أشهر
(4/98)
ولم يحكم لها
بحكم المعتدة بعد انقضاء الشهرين وخمس ليال
إلى تمام الثلاثة الأشهر إذ قال : إن لسيدها
أن ينقلها عن بيتها ، فعلى قوله : لا إحداد
عليها ، وذلك خلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة
عن مطرف وابن الماجشون من أن على المتوفى عنها
زوجها الاحداد إذا استرابت حتى تنقضي الريبة
مثل قولس حنون : إنه لا إحداد عليها إلا في
الأربعة أشهر وعشر ، وظاهر ما في المدونة أن
عدتها تنقضي بالشهرين والخمس ليال فيكون
لسيدها أن يطأها ولمشتريها وإن كانت ممن لا
يؤمن الحمل منها إذا لم يكن بها ريبة لأنه قال
في كتاب الاستبراء منها : إنها إذا لم تحض في
الشهرين وخمس ليال فلا يطأها إن احست من نفسها
، لأن في قوله : إن احست من نفسها دليل على
إنها [ إن ] لم تحس من نفسها شيئا يطؤها إذا
انقضت الشهران وخمس ليال . وإن لم تحض فيها ،
وذلك بين أيضاً من قول سحنون في تفرقته بين أن
يكون بين المدتين أقل من شهرين وخمس ليال أو
أكثر في أم الولد التي يتوفى زوجها وسيدها ولا
يدري أيهما مات قبل صاحبه .
والريبة في ذلك تكون بوجهين : أحدهما :
بامتلاء تحسه في البطن ، والثاني : بتأخير
الحيض عن وقته إن كانت ممن تحيض فأتى عليها في
الشهرين وخمس ليال وقت حيضتها فلم تحض ، فأما
الريبة بامتلاء تحسه في البطن فلا بد من
استبرائها إلى تمام تسعة أشهر فإن لم تزد على
ما كان عليه حلت ، وإن زاد انتظرت إلى أقصى
أمد الحمل ، وأما الريبة يتأخر الحيض عن وقته
[ إن كانت ] فيستبريها إلى تمام ثلاثة أشهر ،
فإن لم يظهر بها حمل ولا احست بشيء حلت ،
(4/99)
فيتحصل على هذا
الذي لقناه في اليائسة من المحيض التي لا يؤمن
الحمل منها وفي التي هي ممن تحيض إذا لم تحض
في الشهرين خمس ليال ولا مر بها فيها وقت
حيضتها ثلاثة أقوال : أحدها أنها تحل بتمام
الشهرين وخمس ليال فيكون لسيدها أن ينقلها عن
بيتها وأن يطأها ويزوجها . والثاني أنها تبقى
على إحداها ولا ينقلها عن بيتها ولا يطأها ولا
يزوجها حتى تنقضي ثلاثة أشهر ، والثالث : أنه
ينقلها عن بيتها ويسقط عنها الإحداد ، ولا
يطؤها ولا يزوجها حتى تنقضي ثلاثة أشهر ،
والثالث : أنه ينقلها على بيتها ويسقط عند
الإحداد ، ولا يطؤها ولا يزوجها حتى تنقضي
ثلاثة أشهر ، وإنما كانت عدة الأمة في الوفاة
شهرين وخمس ليال ، لأن العدة حد من الحدود ،
والعبيد في الحدود على النصف من الأحرار ،
لقول الله عز وجل : {فإذا أحسن فإن أتين
بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}
، فكان على الأمة ومن فيها بقية رق في الطلاق
حيضتان إذ لا تنقسم الحيضة الثانية ، وفي
الوفاة شهران وخمس ليال ، لانقسام الشهور
والأيام ، والله أعلم .
مسألة
قال ابن القاسم في الأمة المستحاضة والتي
ترتفع عنها حيضتها يبيعها سيدها استبراؤها
ثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتنتهي تسعة أشهر .
قلت له : فالأمة التي لا تحيض في ستة أشهر إلا
مرة تباع هل ينتظر بها إلى حين حيضتها؟ قال :
ثلاثة أشهر تبريها إذا لم ترتب ، والتي لا
تحيض في ستة أشهر إلا مرة واحدة إذا لم ترتب
أقوى في الاستبراء لأنه يعرف أنه لم يمنعها من
الحيض شيء يخاف عليها ، ألا ترى أن المتوفى
عنها زوجها إذا كانت ممن تحيض فلم تحض في
عدتها أمرت أن تقيم حتى تحيض أو تبلغ من الأجل
ما لا يشك فيه أن فيه استبراء رحمها ، وذلك
تسعة أشهر إذا لم تحس شيئاً ، والتي
(4/100)
حيضها في ستة
أشهر مرة أو في السنة مرة أو تكون ترضع تجزيها
العدة إذا لم ترتب بشيء لأنه يعلم أنه لا
تحتبس عنها حيضتها لربية خيفت عليها ، وإنما
احتسبت بحيضتها التي كانت من شأنها ، فكذلك
البيع لا تكون التي تحيض أعجل في الاستبراء في
الريبة من التي لا تحيض ، وهو فرق بين ، ورواه
أصبغ عن ابن القاسم في كتاب النكاح من سماعه .
قال محمد بن رشد : قوله : إن المستحاضة والتي
ترتفع عنها حيضتها تستبرأ في البيع بثلاثة
أشهر هو أحد قولي مالك في المدونة من رواية
ابن غانم عنه واختيار أشهب خلاف قوله الآخر
فيها أنهما يستبريان جميعاً بتسعة أشهر ، وقد
قيل : إن المستحاضة تستبري بثلاثة أشهر ،
والتي ترتفع عنها حيضتها بتسعة أشهر ، وهذا
يأتي على ما روي عن مالك أن المستحاضة تعتد في
الوفاة بأربعة أشهر وعشر وتحل بخلاف التي
ترتفع عنها حيضتها ، وأما التي لا تحيض في ستة
أشهر إلا مرة فقوله : إنها تستبري بثلاثة أشهر
صحيح على قياس قوله : إن المتوفى عنها زوجها
تحل بأربعة أشهر وعشر إذا لم يمر بها فيها وقت
حيضتها ، وتأتي على رواية ابن كنانة عن مالك
في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة في المتوفى
عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشراً ولا يأتيها
فيها وقت حيضتها أنها لا تتزوج حتى تحيض وتبرأ
من الريبة أنها لا يجزيها في الاستبراء
الثلاثة الأشهر ، ولا بد لها من انتظار حيضتها
، وهو قول ابن القاسم في رسم حيضتها انها لا
تتزوج حتى تحيض وتبرأ من الريبة أنها لا
يجزيها في الاستبراء الثلاثة الأشهر ، ولا بد
لها من انتظار حيضتها ، وهو قول ابن القاسم في
رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى بعد
هذا ، ورواية عيسى أصح في النص لأن المعنى في
الاستبراء معرفة براءة الرحم من الحمل ، وقد
حصل ذلك بالثلاثة الأشهر فلا يلزم انتظار
الحيضة إذ ليست الحيضة في الاستبراء عبادة
فيلزم انتظارها وإن حصلت البراءة بما دونها
كما أن الصحيح أن تحل الحرة المتوفى عنها
زوجها بأربعة أشهر وعشر إذ لم يمر بها فيها
وقت حيضتها ، ورواية ابن كنانة عن مالك شذوذ
من القول لأنها قد أكملت العدة التي
(4/101)
فرضها الله
عليها ولا ريبة فيها فوجب أن تحل ، وقد حكى
ابن المواز أن مالكاً رجع عنه ، وقد قال أبو
إسحاق في رواية عيسى هذه : إنها غلط ومخالة
للقرآن ، وإن رواية يحيى هي الصحيحة ، وقوله
هو الغلط ، إذ ليس
في القرآن وجوب استبراء الأمة في البيع بحيضة
فيلزم أن يقال : إن الاستبراء لا يحصل ما
دونها ، إذ قد علم وقتها كما يقال في الأقراء
في عدة الطلاق ، ولو قال : إنها مخالفة لقول
النبي عليه السلام : "لا توطأ حامل حتى تضع
ولا حائل حتى تحيض" لكان أشبه وإن لم يكن ذلك
صحيحاً إذ ليس الحديث على عمومه لأنه إنما خرج
على الأغلب من أن ذوات الحيض من النساء يحضن
فيها دون الثلاثة الأشهر التي يعلم بها براءة
الرحم .
مسألة
قال عيسى : وسألت عن رجل اشترى عبداً وجارية
في صفقة واحدة والجارية مما مثلها توضع
للاستبراء فوضعت للاستبراء فماتت قبل أن تخرج
من الاستبراء والجارية أكثر ثمناً من العبد أو
أدنى ثمناً ، والعبد قائم بعينه ، أو مات
العبد والجارية قائمة بعينها لم تخرج من
الاستبراء ، قال ابن القاسم : إن كان العبد
وغداً وإنما اشترى لمكان الجارية وفيها النماء
والفضل وكثرة الثمن فيما يرى الناس كان
موقوفاً ولم ينبغي له أن ينفذ فإن ماتت
الجارية ولم تخرج من حيضتها انتقض البيع ، وإن
أصيب العبد في ذلك فمصيبته من البائع ، إلا أن
تخرج الجارية من الحيضة ، فإن خرجت من الحيضة
فمصيبته من المبتاع لأنه لو لم يتم بيع
الجارية لم يكن فيه
(4/102)
بيع ، ولو رضى
أن يأخذه بالذي يصيبه من الثمن من قيمتها لم
تحل ، وإن كان العبد من أجله اشتريت الجارية
وفيه النماء والفضل فيما يرى الناس قبض
المشتري العبد ووقفت الجارية للحيضة ، إن هلكت
الجارية أو لم تخرج من الحيضة لزمه العبد بما
يصيبه من الثمن بمنزلة ما لو استحقت أو وجد
بها عيب فردت ، فإن هلك العبد في ذلك قبل أن
تخرج الجارية من الاستبراء كانت مصيبته من
المشتري ويستأنى بالجارية ، فإن خرجت من
الحيضة لزمه الثمن كله ، وإن ألفيت حاملاً أو
ماتت قبل أن تخرج من الحيضة كان عليها من
الثمن بقدر ثمن العبد من الجارية ، ينظر كم
قيمته وقيمة الجارية فيفض الثمن عليهما فيتبعه
بقدر ذلك من حصة الثمن .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة حسنة جيدة بينة
المعنى ، قوله فيها : إن الجارية إذا كانت وجه
الصفقة يوقف العبد بتوقيف الجارية للمواضعة ،
وتكون مصيبته من البائع إن لم تخرج الجارية من
المواضعة ، ومن المبتاع إن خرجت من المواضعة ،
ولا يجوز نقد الثمن في ذلك بشرط صحيح لأن
البيع لما كان لا يتم فيها دونها وجب أن يكون
تبعاً لها في التوقيف والضمان ، وفي النقد فيه
لا يجوز وقد قيل : [إن] له أن يأخذه بما ينوبه
من الثمن إن لم تخرج الجارية من المواضعة هو
أحد قولي ابن القاسم في غير ما كتاب من
المدونة ، فعلى هذا القول تكون مصيبته أيضاً
إن مات ولم تخرج الجارية من المواضعة من
البائع ، ولا يجوز فيه النقد كحكم العبد
المشتري بالخيار ، وأما إذا كان العبد وجه
الصفقة فيقبضه ويدفع ما ينوبه من الثمن لأن
الشراء له فيه لازم بما ينوبه من الثمن إن لم
تخرج الجارية من المواضعة ، ولا ينقد ما
(4/103)
ينوب الجارية
بشرط ، وقد اختلف في وجوب توقيفه إن دعا إلى
ذلك البائع حسبما مضى القول فيه في أول رسم من
سماع ابن القاسم ، فإن طاع بدفع جميع الثمن
ولم تخرج الجارية من المواضعة ماتت أو ألفيت
حالماً فلم يرد المبتاع أخذها رد البائع من
الثمن ما ينوبها ، وإن لم يدفع من الثمن شيئاً
ولم تخرج الجارية أيضاً من المواضعة لزم
المبتاع من الثمن ما ينوب العبد منه بأن ينظر
ما قيمته [من قيمته] وقيمة الجارية فيكون عليه
من الثمن ذلك الجزء ، مثال ذلك أن تكون قيمته
مائتين وقيمة الجارية مائة فيكون عليه ثلثا
الثمن ما كان ، وقوله في الرواية كان عليه من
الثمن بقدر ثمن العبد من الجارية لفظ وقع على
غير تحصيل ، ومراده كان عليه من الثمن بقدر
ثمن العبد من ثمن العبد والجارية حسبما بيناه
، والحمد لله .
ومن كتاب الفصاحة
قال عيسى : قال ابن القاسم : إذا باع الرجل
الجارية بالجاريتين فإنهن يوضعن للاستبراء ،
فإن ماتت الجارية التي هي ثمن الجاريتين أو
أصابها عيب قبل ان تخرج من الاستبراء فإن ذلك
من بائعها ، إن كان موت فالمصيبة منه ، وإن
كان عيباً ردت عليه وانفسخ البيع في الجاريتين
، قال ابن القاسم إلا أن يشاء المشتري حبسها
معيبة فيتم البيع ، وإن سلمت مما ذكرنا فأصاب
الجارية الفاره من الجاريتين مثل ما وصفنا في
هذا من قبل أن تخرج من الاستبراء انفسخ البيع
أيضاً وردت الجارية الفاره التي كانت ثمناً
للجاريتين إلى صاحبها واسترجع جاريته ، وإن
سلمت الجاريتان الفارهتان مما ذكرنا وأصاب
الدنية من الجاريتين موت أو عيب قبل
(4/104)
أن تخرج من
الاستبراء انتظر بالجاريتين الفارهتين ، فإن
خرجتا من الاستبراء صحيحتين تم البيع فيهن
ورجع مشتري الجاريتين بثمن الدنية على صاحبه
فينظر ما اسم قيمتها من قيمة صاحبتها فيرجع
بذلك الاسم على بائعها في قيمة الجارية
الفارهة التي يأخذ وذلك أن تكون قيمة الجارية
الفارهة التي هي ثمن الجاريتين ثلثمائة دينار
، وتكون قيمة الجارية ثلثمائة دينار أيضاً
فتكون قيمة المرتفعة منهما مائتين وقيمة
الدنية مائة ، فيرجع بثلث قيمة المرتفعة ،
وذلك مائة دينار ، وإن خرجت الدنية من
الاستبراء صحيحة قبل أن تخرج صاحبتها ثم ماتت
فإنه ينتظر بصاحبتها ، فإن خرجت صحيحة من
الاستبراء كانت المصيبة من المشتري ، وإن لم
تخرج صحيحة أو ماتت كانت المصيبة من بائعها ،
وإن وجد بأحد الجاريتين عيب بعد الاستبراء
فإنه إن كانت العلية أدناهما ليس من أجلها
اشتريت صاحبتها ردها ونظر ما اسم قيمتها من
قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على البائع في
قيمة الجارية المرتفعة كما فسرت لك وإن كانت
المعيبة هي وجه ما اشترى وفيها يرجو ردهما
جميعاً ونظر ، فإن كانت المرتفعة لم تفت بنماء
ولا نقصان ولا اختلاف أسواق ولا بيع ولا بشيء
من وجوده الفوت قبضها ورد
الجاريتين جميعاً ، وإن كانت قد فاتت بشيء مما
ذكرنا أو طال أمرهما كان [له] عليه قيمتها يوم
قبضها ، وإن كانت المرتفعة التي هي ثمن
الجاريتين هي التي وجد بها العيب ردها ونظر
إلى الجاريتين ، فإن كانت المرتفعة منهما
والدنية
(4/105)
لم يفوتا ردها
وقبض الجاريتين ، وإن كانت الدنية قد فاتت
والمرتفعة منهما لم تفت ردها أيضاً وأخذ
المرتفعة ورجع عليه بقيمة الدنية ، وإن فاتت
المرتفعة ولم تفت الدنية منهما لم يردها ولزمه
البيع فيهما وغرم قيمة الجاريتين .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة حسنة جيدة إلا
أنه لم يستوف جميع وجوهها ولا بين ما فيه
الخلاف منها ، وأنا استوفي ما قصر عنه من
وجوهها وأنبه على ما فيه الخلاف منها إن شاء
الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، قال أولاً
: إن البيع ينفسخ في الجاريتين إن ماتت
الجارية التي هي ثمن لهما أو أصابهما عيب قبل
أن تخرج من الاستبراء ، ومعنى ذلك إن كانت
الجاريتان لم تخرجا بعد من الاستبراء أو كانتا
قد خرجتا منه ولم توفتا عند المبتاع لهما بوجه
من وجوه الوفت ، فأما إن كانتا قد افتتا عنده
بحوالة سوق فما فوقه فيلزمه قيمتهما يوم
خروجهما من الاستبراء ولا ينفسخ البيع بردهما
إلى بائعهما ، كمن باع عبداً بعبد فاستحق
أحدهما وقد فات الآخر إنه لا يرد بعد فوات
ويلزم مشتريه قيمته يوم اشتراه ، وكذلك إن
فاتت الأرفع منهما ولم تفت الأدنى ، وأما إن
فاتت الأدنى ولم تفت الأرفع فيردها وقيمة التي
فاتت ، وفيما يأتي بعد هذا في بقية المسألة
بيانه . وقول ابن القاسم إلا أن يشاء المشتري
حبس المعيبة فيتم البيع ، وقع في بعض الروايات
وهو صحيح مبين لما تقدم من قوله .
وقوله وإن سلمت مما ذكرنا فأصاب الجارية
الفاره من الجاريتين مثل ما وصفنا في هذا قبل
أن تخرج من الاستبراء انفسخ البيع أيضاً وردت
الجارية الفاره التي كانت ثمناً للجاريتين إلى
صاحبها واسترجع جاريته ، معناه أيضاً إذا كانت
الجارية الفاره التي كانت ثمناً للجاريتين
قائمة لم تفت بوجه من الوجوه ، فإن كانت قد
فاتت بحوالة سوق [فما فوقه لم ترد ، ولزم
مشتريها قيمتها يوم خروجها من الاستبراء ،
وأما الجارية الدنية من الجاريتين فترد وإن
فاتت بحوالة
(4/106)
الأسواق] ما لم
تفت العيوب المفسدة : وقوله : إن سلمت
الجاريتان الفارهتان وأصاب الدنية من
الجاريتين موت أو عيب قبل أن تخرج من
الاستبراء تم البيع فيهن ورجع مشتري الجاريتين
بثمن الدنية على صاحبها فينظر ما اسم قيمتها
من قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على بائعها
في قيمة الجارية الفارهة ، معناه فينظر ما اسم
قيمتها من قيمتها وقيمة صاحبتها جميعاً ،
وتمثيله الذي مثل بقوله وذلك أن تكون قيمة
الجارية إلى آخر قوله يدل على ذلك ، وسواء
كانت الجارية الفارهة قائمة أو فائتة ؛ وقد
قيل إنها إن كانت قيمة كان شريكاً معه فيها
بقدر قيمتها من قيمتها وقيمة صاحبتها ، وهو
قول أشهب ، وقيل أيضاً إنه يكون شريكاً معه
فيها بذلك الجزء إلا أن يأبى ذلك مشتري
الجارية الفاره لضرر الشركة عليه فينفسخ البيع
في الجميع ، وهو قول ابن القاسم في رسم الصلاة
من سماع يحيى من كتاب الشفعة . وقوله : وإن
خرجت الدنية من الاستبراء صحيحة قبل أن تخرج
صاحبتها ثم ماتت فإنه ينتظر صاحبتها ، فإن
خرجت صحيحة من الاستبراء كانت المصيبة من
المشتري ، وإن لم تخرج صحيحة أو ماتت كانت
المصيبة من بائعها صحيح لأنها تبع لصاحبتها إذ
لا يتم البيع فيها دونها ، وقد مضى هذا المعنى
في المسألة التي قبل هذه .
وقوله : وإذا وجد بإحدى الجاريتين عيب بعد
الاستبراء فإنه إن كانت المعيبة أدناهما ليس
من أجلها اشتريت صاحبتها ردها ونظر ما اسم
قيمتها من قيمة صاحبتها فيرجع بذلك الاسم على
البائع في قيمة الجارية المرتفعة كما فسرت لك
، قد مضى القول فيه وبينا أن فيه ثلاثة أقوال
، وكذلك قد مضى القول في معنى بقية ما ذكر من
وجوه المسألة ، فلا معنى لإعادة ذكره ، ولا
يجوز النقد في هذه المسألة حتى تخرج الجاريتان
الفارهتان من المواضعة ، فإن خرجتا من
المواضعة تقابضاً ، وإن لم تخرج الدنية بعد من
المواضعة لأن ظهور الحمل بها أو موتها لا ينقض
البيع بينهما ،
(4/107)
فسهل انتقاد
ثمنها مع إمكان الرجوع فيه بعينها على ما
حكيناه من مذهب أشهب الذي لا يراعي ضرر الشركة
أو في قيمته على ما مضى من مذهب ابن القاسم ،
وعلى هذا يأتي ما في أول كتاب الجعل والإجارة
من المدونة من أنه يجوز أن يبيع الرجل نصف
ثوبه من رجل على أن يبيع له النصف الآخر إلى
شهر لأنه إن باع في نصف الشهر كان له أن يرجع
في عين الثوب أو في قيمته على ما ذكرناه من
الاختلاف في هذا المعنى ، وبالله التوفيق .
مسألة
وإذا ابتاع رجل وليدة كان لها زوج وهي في عدة
من طلاق زوجها أو وفاته ولم يبين ذلك لمشتريها
، فوطئها المشتري فحملت ثم علم بما كتمه
البائع من ذلك فإنه إن كان مشتريها وطئها وقد
حاضت في عدتها حيضة فإن الولد لاحق المبتاع ،
وأراها أم ولد بذلك الولد إذا جاءت به لتمام
ستة أشهر غير أنه لا يحل له وطؤها أبداً لوطئه
إياها في عدتها ، فمن الناس من يقول إنها تعتق
عليه ساعة حملت ، إذ لا يجد سبيلاً إلى وطئها
، ومنهم من يقول يستخدمها بالمعروف حتى يموت ،
فإذا مات عتقت من رأس المال ولم يلحقها دين ،
وكان سبيلها سبيل أمهات الأولاد ، ويرجع
المبتاع على البائع بقيمة عيب ما كتمه ،
فيأخذه منه ، وإن كان وطئها ولها زوج ولم
يطلقها فكان الزوج غائباً عنها أو معزولاً
عنها ما يكون في مثله استبراء لرحمها فوطئها
المبتاع فحملت فإن الولد لاحق بالمبتاع أيضاً
، وترد إلى زوجها إذا وضعت ، وتكون بذلك الولد
أم ولد للمبتاع إن طلقها زوجها يوماً ما أو
مات عنها حل له وطؤها وأعتقت من رأس مال سيدها
إذا مات ، كان زوجها حياً أو مات عنها أو
طلقها فإن سبيلها سبيل أمهات الأولاد ، ويرجع
المشتري على بائعها منه بقيمة عيب ما كتمه من
أن لها زوجاً ، قال : وإن لم يكن الزوج غائباً
ولا
(4/108)
معزولاً عنها
كما ذكرنا فالولد للزوج ، وترد الأمة على
بائعها بعيب ما كتمه من غير غرم يكون عليه
لوطئها ، قال : وإن وطئها في هذا كله ، وهي
حامل من زوجها أو من غير زوجها أو ليست بحامل
فهو يردها بعيب ما كتمه .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة على
معنى ما في المدونة وغيرها لأن المشتري وطئ
بشبهة الشراء فوجب أن يلحق به الولد إذا وطئها
في العدة بعد حيضة ، وكذلك إذا وطئها وهي في
ملك الزوج وهو غائب أو معزول مدة تكون فيها
الاستبراء لرحمها فجاءت بالولد لتمام ستة أشهر
من يوم وطئها ، وإذا لحق به الولد وجب أن تكون
به أم ولد ، وإذا صارت أم ولد فات ردها بالعيب
ووجب له الرجوع بقيمته ، وإذا لم يلحق به
الولد ولحق بالزوج إما بأن يكون وطؤه في طهر
واحد وإما بأن يكون وطئها في طهر آخر فاتت
بالولد لأقل من ستة أشهر ، وإما بأن يكون وطؤه
وهي حامل فإنه يردها بالعيب ولا يكون عليه في
وطئه شيء ، كما اشترى أمة فوطئها ثم وجد بها
عيباً فإنه يردها ولا شيء عليه في الوطء إلا
أن تكون بكراً فيرد بما نقص الافتضاض منها إن
أراد ردها ، وإن لم يرد أخذ قيمة العيب وحبسها
، وقد قيل : إن الوطء فيها فوت ، ذكر ذلك ابن
حبيب عن جماعة من الصحابة والتابعين وأخذ به
وحكاه عن ابن وهب وابن نافع وأصبغ .
ومن كتاب العتق
وسئل عن رجل اشترى جارية وقبضها من غير مواضعة
ودفع الثمن ثم استبريت الجارية وخيف عليها
الحمل ، فقال : إن كان باعها على أن ينقده
الثمن بشرط فسخ البيع ، ردت إلى صاحبها ،
(4/109)
وإن كان إنما
تطوع بذلك من غير شرط يكون في البيع لم ينزع
منه الثمن حتى ينظر إلى ما تصير إليه الجارية
، فإن استمر بها حمل رد الثمن ، وإن حاضت نفذ
البيع .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه
المسألة والاختلاف فيها في رسم الشجرة تطعم
بطنين في السنة من سماع ابن القاسم لمن أحب
الوقوف عليه ، فلا معنى لإعادته ، والله
الموفق .
مسألة
قال ابن القاسم : الاستبراء في كل ما يوطأ من
الجواري رفيعة كانت أو وضيعة وما يراد للوطء ،
مما لم يكن يوطأ ، فأما وخش الرقيق وما لا
تراد للوطء وما لم يكن يوطأ فليس فيه مواضعة
استبراء .
قال محمد بن رشد : قوله : الاستبراء في كل ما
يوطأ يريد المواضعة في كل ما يطؤه البائع من
الجواري رفيعة كانت أو وضيعة ، وقوله : وما
يراد للوطء مما لم يكن يوطأ ، يريد به وفي
الجواري المرتفعات اللاتي يتخذن للوطء وإن كان
البائع لهن لا يطؤهن ، وقوله : فأما وخش
الرقيق وما لا يرد للوطء وما لم يكن يوطأ فليس
فيه مواضعة استبراء فليس على ظاهره ، والمعنى
فيه : فأما وخش الرقيق الذي لا يتخذ للوطء ولم
يكن البائع يطؤه فليس فيه مواضعة استبراء
يريده ولا يجوز للمبتاع أن يطأها حتى يستبري
لنفسه ، وهذا كله مما لا اختلاف فيه ، والله
الموفق للصواب .
من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب
الكبش
قال يحيى : سألت ابن القاسم عن الرجل يبيع
الجارية وهي
(4/110)
حامل ثم يقر أن
الحمل منه ، قال : إن اتهم أن يكون متعشقاً
بها نادماً على بيعها ألحق به الولد وغرم
قيمته يوم أقر به ولم ترد عليه الأمة ، وإن
كان معدماً ألحق به الولد وكانت قيمته ديناً
عليه يتبع به ، قال : وإن لم يتهم في استرجاع
الأمة بتعشق ولا رغبة في صلاح حال الجارية
لزيادتها في بدنها وكان ملياً ، فإنها ترد
إليه ويفسخ البيع ويغرم الثمن الذي كان أخذ
ويلحق به ولدها ، وليس عليه في الولد إذا سقطت
عنه التهمة وكان ملياً ، وإن كان غير متهم وهو
معدم ألحق به الولد ، واتبع بقيمته يوم يقر به
ولا ترد إليه الأمة لعدمه لأنه يتهم في أخذها
لعدمه ، ولا يتهم في استلحاق ابنها لأنه يغرم
قيمته ولا يرق له منه شيء ، والأمة لو ردت
إليه وهو معدم رقت له فاستمتع واستخدم ، فهو
متهم فيها لعدمه ، وإن أقر بهذا وقد أعتق
الولد والأمة وهي ملي لم ترد إليه الأمة ومضى
عتقها للمعتق وثبت له ولاؤها ، ومضى عتق الولد
أيضاً وثبت ولاؤه لمعتقه ، ولكنه يوارث أباه
المقر به بالنسب ، ويلحق به ولا يغير ذلك
ولاءه ويقضي عليه بإقراره بأنه باع أم ولد
بغرم الثمن الذي أخذ لأنه لا يحل له أكله ،
ويقال لمعتق الأمة وابنها : إن شئت فخذ الثمن
الذي أخذ منك هذا المقر ، وإن شئت فدع .
قال محمد بن رشد : أما الولد فلا اختلاف في
أنه يرد إليه إذا اتهم في الأم فلم ترد إليه
ويلحق به نسبه ويتبع بقيمته يوم أقر به ديناً
في ذمته إن لم يكن له مال على ما قاله في هذه
الرواية ، قيل بقيمته يوم ولد ، وقيل بما
ينوبه من الثمن بأن ينظر إليه اليوم أن لو كان
معها يوم عقد البيع فيفض
(4/111)
الثمن عليهما ،
وإلى هذا ذهب أبو إسحاق التونسي ، وقال إنه لا
يشبهه وقال بعض شيوخ القرويين إنه يقوم مع أمه
يوم عقد البيع على حاله التي هو عليها [الآن]
اليوم ، ثم تقوم الأم دونه فيرد من الثمن حصاص
الولد ، وهو يرجع بالمعنى إلى ما قاله أبو
إسحاق التونسي ، والقياس أن لا يكون عليه
للمبتاع إلا ما زاد في ثمنها بسبب الحمل إن
كان اشتراها ظاهرة الحمل ، ولم يكن عليه في
الولد شيء إن لم تكن ظاهرة الحمل ، وإنما
اختلف قول ابن القاسم في انتقاض العتق إن كان
أعتقه المشتري فمرة قال ابن القاسم : ينتقض
العتق إذا ثبت به نسبه ولا يكون للمعتق ولاؤه
، ومرة قال : ينقض العتق ويلحق به النسب ويكون
الولاء للمعتق ، وهو قول ابن القاسم في هذه
الرواية ، والقولان قائمان من المدونة .
وأما الأم ففي ردها إليه ثلاثة أقوال : أحدها
أنها ترد إلا أن يكون عديماً أو يتهم فهيا
بميل إليها أو رغبة فيها لصالح حالها ، وهو
قول ابن القاسم في هذه الرواية وقول مالك
وغيره في المدونة ، والقول الثاني : أنها ترد
إليه إلا أن يتهم بميل إليها ورغبة فيها لصلاح
حالها ، فإن لم يتهم فيها بشيء من ذلك ردت
إليه وإن كان معدماً واتبع بثمنها ديناً في
ذمته ، وهو قول ابن القاسم في المدونة ،
والقول الثالث أنها ترد إليه إلا أن يكون
معدماً ، فإن كان ملياً ردت إليه ، وإن اتهم
بميل إليها ورغبة فيها لصلاح حالها ، وهو ظاهر
قول ابن نافع في المبسوطة ، وهذا كله ما لم
يعتقها المشتري ، واختلف قول ابن القاسم إذا
كان المشتري قد أعتقها [فمرة قال : إنه إذا
أعتقها فلا ينتقض العتق ، ولا ترد إليه على
حال ، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية ،
وأحد قوليه في المدونة . ومرة قال : إنه لا
تأثير لعتق المشتري لها .
فيما يجب من ردها للبائع وتصديقه في قوله إن
لم يتهم فيها ، فإذا صدق وردت إليه نقض في
العتق إن كان المشتري قد أعتقها] وسواء في هذا
(4/112)
كله من لحوق
نسبه ورد أمه إليه أم ولد باع الأمة وهي حامل
فولدت عند المشتري فادعى ولدها ، أو باعها
وولدها ثم ادعى أن الولد منه ، أو باعها وحبس
ولدها ثم ادعى أن ولدها الذي عنده منه ، أو
باعها فولدت عنه المشتري إلى ما يلحق فيه
الأنساب ولم يطأ المشتري ولا زوج ، غير أنه إن
باعها مع ولدها ثم ادعى أنه ولده واتهم في
الأم فلم ترد إليه يكون عليه من الثمن ما ناب
الولد منه ، ولو باعها ولا ولد معها ثم ادعى
بعد البيع أنها قد كانت ولدت منه لم يصدق ولم
ترد إليه في المشهور في المذهب خلاف ما في بعض
الروايات من كتاب اللقطة من المدونة من أنها
ترد إليه إذ لا يتهم وهو بعيد ، طرحها سحنون
وقال : إن إجازته عن ابن القاسم وصمة في الدين
، وأما إذا ادعى أنه لا يلحق به أنه ملك أمه
أو تزوجها فاختلف في ذلك قول ابن القاسم ، مرة
قال إنه لا يلحق به على حال ، ومرة قال يلحق
به إذا لم يكن للولد نسب ثابت ما لم يتبين
كذبه ، وإن لم يشبه قبوله ، ومرة قال : إنه
إنما يلحق به إذا لم يكن للولد نسب ثابت إذا
أشبه قوله ، وهذا الاختلاف كله قائم من
المدونة ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع
قال يحيى : وسألته عن الشركيين في الأمة يطؤها
أحدهما فتحمل وتلد ، ثم يتعدى الآخر ويطؤها
وتحمل ، ما الأمر فيها؟ فقال : إن كان للأول
مال قومت عليه وكانت أم ولد له وأدب ، ونكل
الثاني نكالاً موجعاً ودرئ عنه الحد للشبهة
وألحق به ولده ، وإن لم يكن له مال لم تقوم
على الأول ولا على الثاني ونكلاً جميعاً ،
والثاني أحق بأشد النكال ، وألحق بها أبناؤهما
وعتقت عليهما ، ولم تترك في يد واحد منهما .
(4/113)
قال محمد بن
رشد : قال إن الأول إن كان له مال قومت عليه
الأمة وكانت أم ولد له ، وقال إن الثاني ينكل
ويدرأ عنه الحد ويلحق به الولد ، وسكت عما يجب
عليه الأول ، ويجب عليه له قيمة ولده على أنه
ولد أم ولد [له لأنه إنما وطئها وأولدها بعد
أن صارت أم ولد للأول] ويترادان فيما بينهما ،
فمن كان له منهما فضل على صاحبه رجع به عليه
على ما يأتي لسحنون في نوازله بعد هذا ، وقيل
إنه لم يكن للأول مال لم تقوم على الأول ، ولا
على الثاني ، ونكلا وألحق بهما أبناؤهما ،
وأعتق عليهما ، وذلك كله بين على ما قال ، لأن
القيمة سقطت عن الأول لعدمه ، وعن الثاني إذ
قد فات نصيب الأول بالإيلاد ووجب أن تعتق عليه
إذ لا يقدر على وطئها من أجل نصيب الثاني الذي
قد صارت أم ولد له ، ووجب النكال عليهما ، إذ
لا يجوز وطء أمة فيها شرك ، ولحق بهما
أبناؤهما للشبهة التي أسقطت الحد عنهما وأعتق
عليهما لأن نصيب كل واحد منهما قد صار أم ولد
له بالإيلاد ، ولا سبيل له إلى الوطء لأن
نصفها أم ولد له ونصفها أم ولد لصاحبه ، وسكت
هل يجب على الأول قيمة نصف ولد للثاني ، فروي
عن ابن القاسم أن ذلك يجب عليه ، وهو الصحيح
في النظر والقياس ، لأن الأمة لما لم تقوم
عليه لعدمه ، وبقي نصفها ملكاً لشريكه ، وجب
عليه نصف قيمة ولده ، وفي كتاب ابن المواز أنه
لا شيء عليه من نصف قيمة ولده ، إذ قد أفات
شريكه نصيبه من الأمة بإيلادها إياها ، وأما
الثاني فلا يجب عليه للأول في ولده شيء لأنه
وطء وبعض الأمة ملك له وبعضها قد وجب عتقه على
شريكه ، وهذا على مذهب ابن القاسم الذي يرى
أنه يعجل عليه عتق نصيبه ، وأما على قول غيره
الذي يرى أنه لا يعجل عليه عتق نصيبه حتى يعتق
نصيب شريكه فيكون عليه قيمة نصف ولده على أنه
ولد أم ولد .
(4/114)
مسألة
وعن الأمة تشتري وهي ممن تحيض في كل أربعة
أشهر حيضة بكم تستبرأ؟ قال : أما التي قد عرفت
حيضتها فإن كانت إنما تحيض من أربعة أشهر إلى
أربعة أشهر ومن خمسة إلى خمسة أو إلى ستة ونحو
ذلك فإنه لا يبريها إلا الحيضة ، فإن استبرأت
من حيضتها فأقصى ما تستبرأ به تسعة أشهر ، قال
: وأما التي يتأخر حيضها فوق التسعة الأشهر أو
السنة أو ما قاربها فإن ثلاثة أشهر تجزيها في
الاستبراء إلا أن ترتاب فتقيم تسعة أشهر .
[قال] وأما التي تحيض في أقل من ثلاثة أشهر
فإن رفعتها حيضتها كان استبراؤها ثلاثة أشهر
إلا أن تستريب فتنتظر استكمال التسعة الأشهر
أجل الحمل .
قلت : فإن كانت ترضع فخيف عليها أن تستأخر
حيضتها للرضاع ، قال : استبراؤها ثلاثة أشهر ،
فإن ارتابت فتسعة أشهر .
قلت : وفي جميع ما تبلغ فهي التسعة الأشهر عند
الريبة ضمانها من البائع؟ قال : نعم ، ولا يحل
وطؤها دون ذلك .
قال محمد بن رشد : لا فرق في القياس بين التي
تحيض من ستة أشهر إلى ستة أشهر أو من أربعة
أشهر إلى أربعة أشهر ، أو مما فوق [ذلك]
التسعة إلى السنة إلى مثلها أو التي تتأخر
حيضتها للرضاع ، فإنها تبرأ بثلاثة أشهر إذا
لم يمر بها فيها وقت حيضتها فارتفعت عنها لغير
سبب
(4/115)
فيكون ذلك ريبة
يلزم من أجلها أن تزيد على الثلاثة الأشهر حتى
تبلغ إلى التسعة الأشهر أو تحيض دون ذلك ،
وإذا كانت التي تحيض في أقل من ثلاثة أشهر
فارتفعت حيضتها تبرأ بثلاثة أشهر فأحرى أن
تبرأ بثلاثة أشهر التي لم يمر بها فيها وقت
حيضتها أو التي يعلم أنها لم تحض فيها من أجل
أنها ترضع ، فرواية عيسى عن ابن القاسم التي
تقدمت في أن التي تحيض في ستة أشهر تبرا
بثلاثة أشهر أصح في القياس والنظر من هذه
الرواية ، وقد مضى القول على ذلك هناك . وقوله
في التي تتأخر حيضتها فوق التسعة الأشهر أو
السنة فإن ثلاثة أشهر تجزيها في الاستبراء إلا
أن ترتاب فتقيم التسعة الأشهر ، الريبة ها هنا
إنما هي بحس تجده في بطنها ، وإنما تبرأ بتسعة
أشهر كما قال إذا كانت تلك الريبة التي وجدت
من الحس بقيت على حالها ولم ترد إلى التسعة
الأشهر ، فأما إن زادت فلابد من استبرائها إلى
أقصى أمد الحمل ، وكذلك القول في قوله إن التي
تستأخر حيضتها للرضاع إن ارتابت تستبرئ بتسعة
أشهر ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب المكاتب
قال : وسألته عن النصراني يبيع أم ولده
النصرانية أيجوز للمسلم اشتراؤها؟ فقال : لا
بأس بذلك إذا كان من دينهم استجازة بيع أمهات
الأولاد ، قيل له : أرأيت إن باعها من نصراني
فأسلمت؟ قال : إذا لم يكن إسلامها إلا بعد
بيعه إياها فهي أمة لأنها قد رقت لمشتريها حين
كان بيعها جائزاً له في دينه يوم باعها .
قال محمد بن رشد : إنما شرط في إجازته للمسلم
شراء أم ولد النصرانية من النصراني وفي أنها
تباع على النصراني الذي اشتراها منه إذا أسلمت
كما تباع عليه أمته إذا أسلمت ، ولا يكون
حكمها حكم أم ولد
(4/116)
النصراني تسلم
أن يكون من دينهم استجازة بيع أمهات الأولاد
لأن ذلك إذا لم يكن من دينهم فهو معتد عليها
في بيعها وظالم لها في ذلك ، وواجب على الإمام
أن يمنعهم من التظالم فيما بينهم ، فإذا أقر
على نفسه ببيعها وذلك غير جائز له في دينه
وقال ذلك أساقفتهم ، وجب على الإمام أن يحول
بينه وبين ذلك ، ولم يجز لأحد من المسلمين أن
يشتريها منه ، فينبغي أن يحمل هذا على التفسير
لما في كتاب الجنايات من المدونة من أن الذمي
لو باع أم ولد لم يمنع من ذلك . وإجازته
للمسلم شراءها منه إذا كان من دينهم استجازة
ذلك إنما يأتي على القول بأنهم غير مخاطبين
بشرائع الإسلام ، وقد اختلف في ذلك ، وبالله
التوفيق .
ومن سماع موسى بن معونة من ابن القاسم
قال موسى بن معونة : قال ابن القاسم : من زعم
أنه وطئ جاريته وأنه يعزلها فجاءت بولد فإنها
أم ولده إلا أن يدعي استبراء ، قال ابن القاسم
: ومن ادعى أنه كان يطأ جاريته ولا ينزل فجاءت
بولد فإنه لا يلحقه ولا تكون أم ولد ، لأنه
إنما زعم أنه كان يفضي ويعزل ، فالعزل قد يخطئ
ويصيب ، ولذلك لزمه الولد ، وإذا قال كنت أطأ
ولا أنزل فإنه ليس هاهنا موضع خوف في أن يكون
قد أفضى فيها ، فلذلك لم يلزمه الولد .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قال لأن
الولد إنما يكون من الماء الدافق ، قال تعالى
: {فلينظر الإنسان مم خلق} الآية وقال : {ولقد
(4/117)
خلقنا الإنسان
من سلالة من ماء مهين} فإذا لم ينزل أصلاً علم
أنه لم يكن منه ما يكون عنه الولد ، فوجب أن
لا يلزمه ، وإذا وطء فأنزل فعزل الماء عن
الموطوءة وأنزله خارجاً منها احتمل أن يكون لم
يعزله بجملته وسبقه شيء منه كان عنه الولد ،
فوجب أن يلزمه لأن الأمة قد صارت فراشاً له
بوطئه إياها فوجب أن يلحق به الولد حتى يوقن
أنه ليس منه ، لقول النبي عليه السلام :
"الولد للفراش ، والحجر للعاهر" ولا يقين في
أن الولد ليس منه للاحتمال الذي ذكرناه ، وقد
دل على ذلك قول النبي لأصحابه حين سألوه عن
العزل : "ما عليكم ألا تفعلوا ، ما من نسمة
كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" فأخبر
صلى الله عليه وسلم أن الولد قد يكون مع العزل
إذ شاء الله بأن يكون معه بأن ينقلب الوكاء ،
كما قال عمرو بن العاص صاحب النبي عليه السلام
فسبقه من الماء شيء يكون منه الولد لا يظن به
، وقد قال في آخر كتاب الاستبراء من المدونة :
من قال كنت أطأ أمتي ولا أنزل فيها فإن الولد
يلحقه ولا ينفعه أن يقول كنت أعزل عنها ، فذهب
بعض الناس إلى أن ذلك خلاف لرواية موسى هذه في
قوله فيها إنه من قال كنت أطأ ولا أنزل أن
الولد لا يلحقه ، ومنهم من قال : سأله عمن قال
لا أنزل ، فأجاب عمن قال كنت أعزل ، وليس شيء
من ذلك كله بصحيح ، لأن قوله ولا أنزل فيها
دليل على أنه كان ينزل خارجاً عنها ،
(4/118)
وهاذ هو العزل
بعينه ، فعنه سألته ، وعليه أجابه ، فلا خلاف
في رواية موسى لما في المدونة ، بل هي مفسرة
لها ، وبالله التوفيق .
من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم
قال محمد : سألت ابن القاسم عن الرجل يشتري
الجارية ، فتوضع للاستبراء ، فيعتقها المبتاع
وهي في المواضعة من قبل أن تستبرأ قال ابن
القاسم : إذا كان الذي باعها لا يدعي حملها إن
جاء حمل مضى عتقه عليه فيها ولم يكن له فيها
رد ولو جاء حمل لأنه قد قطع ذلك من نفسه بعتقه
إياها ورضي بذلك .
قال محمد بن رشد : هذا صحيح من قول ابن القاسم
على أصله في أن للمشتري أن يسقط المواضعة عن
البائع ويقبلها بعيب الحمل إن ظهر بها إذا لم
يقع البيع على ذلك ، ويأتي على قول سحنون أنه
لا يجوز أن يقبلها قبل ظهور الحمل بها ويسقط
المواضعة فيها عن البائع لأنه يتهم في إسقاط
الضمان عن البائع وتعجيل النقد له على أن
يتعجل الانتفاع بالجارية فيدخله ابتياع الضمان
وسلف جر منفعة أن عتقه فيها لا يلزمه وأن له
أن يردها إن ظهر بها حمل ، ويبطل العتق . وق
وقع في سماع أبي زيد من كتاب العتق في رجل
اشترى أمة فوضعها للاستبراء فحلف بعتقها لرجل
ليقضينه حقه فحنث ، ثم ظهر بها حمل ليس هو من
البائع ، قال يردها بالحمل ويأخذ الثمن ولا
عتق له ، وقاله ابن المواز أيضاً في كتاب
العيوب من ديوانه ، فقال بعض الناس فيها إنها
مسألة حائلة لابن القاسم ليست على أصله ،
ورواية محمد بن خالد هذه عنه تردها ، وليس ذلك
بصحيح عندي ، لأنه إذا بتل عتقها فقد رضي بعيب
الحمل إن ظهر وأسقط التبعة فيها عن البائع
بقصده إلى توفيتها
(4/119)
بالعتق ،
والحالف بالعتق أن يقضي غريمه حقه ليس بقاصد
إلى تبتيل العتق باليمين ، وإنما قصد به إلى
التخلص من غريمه به فلا يحمل عليه أنه رضي
بعيب الحمل إن ظهر إذ لم يرد إلا البر بالقضاء
، ولعله غلب على الحنث بالعجز عن القضاء فوقع
الحنث بغير اختياره ، وهذا فرق بين بين
المسألتين ، فلا يحمل على ابن القاسم التناقض
والاضطراب في ذلك .
ومن سماع عبد الملك بن الحسن من عبد الله بن
وهب
قال عبد الملك بن الحسن : سألت ابن وهب عن
الرجل يشتري الجارية وهي من جواري الوطء مثلها
يوطأ ومثلها لا يحمل فهل تتواضع إذا لم تحض؟
قال : نعم ، تتواضع ، قلت له : فإن لم تتواضع
وماتت في أيام الاستبراء في يد المشتري؟ فقال
: إذا جهل الاستبراء فهي من البائع .
قال محمد بن رشد : قد مضى في رسم البيوع الأول
من سماع أشهب الاختلاف في وجوب مواضعة التي لا
يوطأ مثلها ويومن الحمل منها وفيما تستبرأ به
عند من أوجب المواضعة فيها لمن أحب الوقوف
عليه ، فلا معنى لإعادته ، فإن لم تواضع عند
من أوجب المواضعة فيها وماتت في يد المشتري
قبل أن يمضي من المدة ما تستبرئ فيه فالضمان
يكون من البائع كما قال لوجوب الحكم بالمواضعة
عنده على ما في المدونة وغيرها ، وبالله
التوفيق .
ومن مسائل نوازل سئل عنها سحنون
وسئل عن الرجلين يكون بينهما الجارية فيطآنها
في طهر واحد ، أحدهما حر والآخر عبد فتأتي
بولد فيدعيانه
(4/120)
جميعاً ، قال :
يدعى لهما القافة . قيل له : فإن دعي لهما
القافة فقالت : هو للعبد ، فقال : الحر مخير
إن شاء ضمنه قيمة نصيبه يوم وطئها ، وإن شاء
تمسك بنصيبه منها لأنها لا تخرج من رق إلى عتق
، وهي مثل الجارية بين الرجلين الحرين يطؤها
أحدهما فلا تحمل أن الشريك مخير بين أن يتمسك
أو يقومها عليه ، قيل له : فإذا رضي أن يتمسك
بنصيبه هل يكون له نصف الولد رقيقا؟ قال : نعم
. قلت : فإذا أراد الشريك أن يقومها عليه
والعبد معسر كيف يغرم قيمتها؟ فقال : تابع
الجارية في نصفها قيمتها يوم وطئها ليس يوم
أولدها فيغرم إليه قيمتها يوم وطئها في
الوجهين جميعاً كان له مال أو كان معسراً وليس
هو في القيمة إذا كان معسراً مثل الحر .
قلت : فهل يباع الولد معها إن كانت قيمة
الجارية اليوم ليست تحيط بنصف قيمتها يوم
وطئها؟ قال : لا يباع الولد معها لأن الولد
ليس مالاً للعبد ، وإنما يباع في القيمة مال
العبد ؛ قال : ويتبع العبد بما بقي من القيمة
في ذمته إن لم يكن في ثمن الجارية وفاء ، ولا
يكون ما بقي في رقبته لأنها ليست جناية لأنه
كان مأذونا له في ذلك ، قيل له : فإن ألحقته
القافة بهما جميعاً؟ فقال : يعتق الصبي على
الحر لأنه قد عتق عليه نصف ابنه وبقي نصفه
ابناً للعبد فيعتق عليه جميعه لما دخل في نصفه
من الحرية ، ويغرم نصف قيمته إلى سيد العبد .
قلت : فالأمة ما يكون حالها وقد صار نصفها أم
ولد للحر ونصفها للعبد؟ قال : أرى أن يقوم
عليه النصف [فيحل له وطؤها ويكون عنده نصفها
أم ولد ونصفها رقيق حتى يولدها مرة أخرى بعد
استبرائه هذا] النصف الباقي فيكون جميعها أم
ولد
(4/121)
له ، بمنزلة
الرجلين الحرين تكون بينهما الجارية فيطؤها
أحدهما فيولدها ولا مال فه فيكون له نصفها أم
ولد له ، ثم إن اشترى نصف شريكه يوماً ما حل
له وطؤها ويكون نصفها بحساب أم ولد ونصفها
للمشتري رقيقاً له إلا أن يولدها بعد اشترائه
النصف الثاني فيكون جميعها أم ولد له ، قيل له
: فهل يقال للصبي إذا بلغ والِ أيهما شئت؟ قال
: نعم . قيل له : فإن والى الصبي العبد أيكون
ذلك له فيكون ابناً للعبد؟ ، فقال : نعم يكون
ابنه ويكون حراً .
قلت : فإن أعتق العبد يوماً ما أيرث الغلام إن
مات العبد؟ قال : نعم . قال أصبغ : إذا قالت
القافة اشتراكاً فيه وكان أحدهما حراً والآخر
عبداً كان نصيب الحر من الأمة عتيقاً معجلاً ،
وكان نصف العبد منها أم ولد موقوفة لا يطؤها
على نحو أمهات الأولاد إن مات العبد ورثها
سيده وإن أذن له سيده باعها ، وإن رهقه دين
وهو مأذون له بيعت ، فإذا بلغ الابن فإن والى
الحر لحق به وكان عليه غرم نصف قيمة الولد
لأنه رقيق لسيد العبد ، لأن ولد العبد من أمته
رقيق لسيده ، فإن والي العبد لحق به نسبه وكان
ولده وكان نصفه حراً كما عتق من أمه نصفها وهو
نصيب الحر منه لشبهة الشرك الذي وقع فيه ، ولم
يكن على الحر أن يقوم عليه بقيمة الولد لأنه
ليس عتق ابتداء وإنما هو حكم لزمه ووقع عليه
كهيئته ما لو ورث نصفه . قيل لسحنون : فلو أن
أحد الحرين مات والصبي لم يبلغ حد الموالاة ،
فقال : يوقف للصبي قدر ميراثه من مال الميت
حتى يبلغ ، فإذا بلغ فإن والي الميت كان
الميراث له ، وإن والى الحي لم يكن له من
ميراث الميت شيء ، قيل له : فلو أن
(4/122)
الصبي مات قبل
أن يبلغ الموالاة وبعد ما مات أحد أبويه الذي
كنت أوقفت له منه ميراثه حتى يوالي لمن يجعل
ميراث هذا الصبي وكيف يورث؟ قال : يورث الصبي
من أبيه الميت ميراثه ويورث أبوه الحي من
الصبي نصف ما ترك الصبي من ميراثه عن أبيه أو
من مال وهب له أو صار له بوجه من الوجوه ،
ويرث النصف الباقي ولداً في الصبي الميت إن
كان ترك أبوه ولداً لأنهم إخوته ، فإن لم يكن
للميت ولد ورث النصف الباقي من الصبي إخوة
الميت أو أعمامه أو من كان يرجع مع الميت إلى
صلب .
قال أبو زيد بن أبي الغمر وأصبغ بن الفرج :
ميراث الصبي وما ترك من مال لأمه وللأب الباقي
، وليس للأب الميت ولا لعصبته من ميراثه شيء ،
ويرد ما كان أوقف للصبي من ميراثه الميت إلى
ورثة الميت الباقين ، لأنه لا يجب للصبي بعد
فيجب لورثته ، لأنه إنما يجب له بعد الموالاة
. ألا ترى أنه لم يكن ينفق عليه منه ، وإنما
هو موقوف يجب له بالموالاة أو لا يجب .
قال أصبغ : ولو رأيت أن ميراث الميت الأول يجب
للصبي ولورثته دخلت عصبة الأب الميت مع الأب
الباقي في ميراث مال الصبي فورثوه جميعاً ،
ولكن هذا ليس بشيء ، والذي لا شك فيه أن ميراث
الصبي إذا مات بعد موت أحدهما للأب الباقي
وحده لا شرك فيه أحد إلا الأم وحدها .
قيل لأصبغ : فإن كانا هذين الرجلين اللذين
اشتركا فيه أحدهما كافر والآخر مسلم ما الأمر
فيهما عندك؟ فقال لي : إن ألحقته
(4/123)
القافة بالمسلم
لحق به وكأن الأمة أم ولد له وغرم نصف قيمة
الأمة إلى الكافر ، وإن ألحقته القافة بالكافر
لحق به وكان ولده ، وعلى دينه ، يوارثه وينتسب
إليه ، وكانت الأمة أم ولد له ، وغرم نصف
قيمتها إلى المسلم ، وإن كانت كافرة أقرت عنده
أم ولد له ، وإن كانت مسلمة عتقت عليه . قال
أصبغ : فإن قالت القافة : إنهما اشتركا فيه
فإن الأمة أم ولد معتقة الساعة منهما جميعاً ،
والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء ، فإن
والى المسلم فهو ولده وعلى دينه ، وإن والى
الكافر فهو ولده ولا يكون على دينه ولا يترك
إلا على دين الإسلام للشبهة والشرك الذي دخل
فيه ، وكذلك قال أصحابنا ، وهو رأيي .
قلت : فإن مات الكافر منهما قبل بلوغ الصبي
أيوقف له ميراثه منه حتى يبلغ؟ قال : نعم ،
فإذا بلغ فإن والاه أخذ ميراثه منه الذي وقف
له ، وأما دينه فلا يكون إلا [على] الإسلام .
قلت : وكذلك إن ماتا جميعاً ، وقف له أيضاً
ميراثه منهما؟ فقال لي : نعم ، فأيهما والى
وارثه .
قلت : وكيف يرث الكافر وليس هو [كما] زعمت على
دينه؟ فقال لي : يرثه بالرحم والنسب وبأنه
ولده ، ثم نجبره الساعة على الإسلام للذي
أخبرتك من شبهة الشرك ، وهو استحسان وليس
بقياس .
قلت : فإن مات الصبي بعدهما وقد ماتا جميعاً
قبله ، من
(4/124)
يرثه؟ قال :
يرد ما وقف عن مالهما إلى ورثتهما يوم ماتا إن
مات قبل أن يوالي أحدهما ، ثم إن كان ترك
مالاً وهب له أو ورثة من أمه أو فرض له ورث
نصفه بعد خروج فريضة إن كان يرثه ذو فريضة
عصبة أبيه [المسلم] على قعددهم به ، ويبقى
النصف الآخر ، فإن كان لأبيه الكافر عصبة
مسلمون يرثونه ورثوا ذلك النصف وإلا ورثه
المسلمون كهيئة المسلم يموت من أبوه كافر
فيرثه عصبته لأبيه المسلم وإلا ورثه المسلمون
.
قيل لأصبغ : فلو أنهم ثلاثة وطئوها في طهر
واحد مسلم وعبد ونصراني ، فحملت ، والأمة
مسلمة؟ قال : إن قالت القافة إنهم اشتركوا فيه
فإنها تعتق على المسلم والنصراني ولا تعتق على
العبد ، ويكون للعبد قيمة نصيبه عليهما جميعاً
. وإنما ألزمنا النصراني العتق لأنه حكم وقع
بين مسلم ونصراني ، ولو كانت الأمة نصرانية
عتق جميعها على الحر المسلم وقوم عليه نصيب
العبد والنصراني .
قال محمد بن رشد : الحكم في الأمة بين
الشريكين إذا وطئها أحدهما بإذن شريكه أن يقوم
عليه شاء أو أبى ، ولا خيار في ذلك لواحد
منهما ، لأن ذلك كالتحليل الذي يلزم القيمة
فيه بالوطء على كل حال ، وأما إذا وطئها
متسوراً عليها دون إذنه ولم تحمل فهو مخير إن
شاء قومها عليه وإن شاء تمسك بنصيبه ، هذا
قوله في المدونة ، وهو المشهور في المذهب ،
وإذا تمسك بنصيبه ولم يقومها عليه منع من
الغيبة عليها لئلاً يعود إلى وطئها ، ويعاقب
على ما فعل من ذلك وإن كان جاهلاً لم يعذر
بجهله إلا أن عقوبته أخف من عقوبة العالم ،
قال ابن حبيب ؛ وقد قيل : إنها تقوم عليه على
كل
(4/125)
حال لأنه لما
وطئها بشبهة درئ عنه الحد [بها] قومت عليه ،
لأنها إن لم تقوم عليه أشبه ذلك عارية الفروج
، وهو ظاهر [ما في] كتاب الشركة من المدونة ،
وأما إن حملت فإنها تقوم عليه على كل حال ،
قال في المدونة يوم حملت لا يوم وطئها إن كان
وطئها مرة بعد مرة ، لأنه إن كان إنما وطئها
مرة فيوم الوطء هو يوم الحمل ، فتكون له أم
ولد ولا يكون عليه قيمة الولد ، لأنه إنما حدث
بعد أن صارت الأمة ملكاً له بوجوب القيمة عليه
قيمة الولد ، لأنه إنما حدث بعد أن صارت الأمة
ملكاً له بوجوب القيمة عليه فيها ، ولا نص
خلاف في هذا ، إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى
على قوله إن القيمة تكون فهيا يوم الحمل ،
لأنه إذا أوجب القيمة بالحمل فقد وقع الحمل
ووجوب القيمة عليه معاً ، فإنما وقعا معاً ،
فلا بد أن يغلب أحدهما على الآخر ويحكم له
بحكم التقدم ، فإذا غلبنا القيمة وحكمنا لها
بحكم التقدم لم يكن عليه في الولد شيء ، وهو
المنصوص ، وإذا غلبنا الإيلاد وحكمنا له بحكم
التقدم موجب أن يكون عليه نصف قيمة الولد ،
وعلى هذا المعنى ، والله أعلم ، قال ابن
القاسم في المعسر : إنه يباع عليه نصف الأمة
فيما لزمه من نصف قيمتها ويتبع بنصف قيمة
الولد ، والقياس على مذهبه في المدونة أن يكون
مخيراً بين أن
يقومها عليه يوم الوطء أو يوم الحمل ، لأنه ما
لم تحمل هو بالخيار ما بين أن يقومها عليه أو
يتمسك بحظه منها ، فإن قومها عليه يوم الوطء
فلا إشكال في أنه لا شيء عليه من قيمة الولد ،
وإن قومها عليه يوم الحمل احتمل أن [يكون
جميعا] يجب عليه نصف قيمة الولد وأن لا يجب
على ما ذكرناه من الاحتمال ، والأظهر أن لا
يكون عليه نصف قيمة الولد لأن القيمة تجب عليه
بأول الإيلاج قبل الإيلاد ، وإن وطآها جميعاً
عزلت عنهما لئلاً يعودا إلى وطئها ووقفت على
يدي امرأة ، فإن حاضت بيعت عليهما إلا أن
يتقاوماها فتصير لأحدهما ، وإن لم تحض واستمرت
فماتت قبل أن تضع كانت
(4/126)
مصيبتها منهما
، وإن وضعت لستة أشهر فصاعداً من يوم وطئها
الآخر دعي أنه القافة ، فمن ألحقوه به منهما
لحق به ، وكانت الأمة أم ولد له ، وكان عليه
نصف قيمتها يوم حملت لشريكه حسبما وصفناه إذا
أولدها أحدهما ، وقول سحنون في أول هذه
النوازل : إذا كانت بين حر وعبد فوطآها في طهر
واحد وأتت بولد وادعياه جميعاً أنه يدعى له
القافة ، معناه إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من
يوم وطئها الآخر .
وقوله : إذا قالت القافة إنه للعبد أن الحر
مخير بين أن يضمنه قيمة نصيبه منها يوم وطئها
وبين أن يتمسك به ويكون له نصف الولد رقيقاً
صحيح على ما قال من أجل أنه ليس لها بإيلاد
العبد حرمة أمهات الأولاد ، فيكون الحكم في
ذلك حكم الجارية بين الشريكين الحرين إذا
وطئها أحدهما فلم تحمل كما قال في بعض
الروايات ، وهي مثل الجارية بين الرجلين
الحرين يطؤها أحدهما ولا مال له [فتحمل] ،
والرواية الأولى أصح وأظهر في المعنى ، وعلى
القول الذي حكيناه من أنه يقوم على الحر على
كل حال ، وإن لم تحمل تقوم على العبد أيضاً
حملت أو لم تحمل ، وقوله : إن كانا معدماً
تباع كلها في نصف القيمة ولا يباع الولد في
ذلك صحيح ، إذ لا حرمة لها بإيلاده على ما
وصفناه ، ولأن ولد العبد من أمته ليس بملك له
، وإنما هو ملك لسيده ، وقوله : إن القيمة
يكون فيها يوم وطئها ليس يوم أولدها هو خلاف
قول ابن القاسم في المدونة أن القيمة تكون في
ذلك يوم حملت لا يوم وطئها . وقد تقدم بيان
ذلك وما هو وجه القياس فيه على مذهبه في
المدونة . وقوله : إنه لا يكون في رقبته من
ذلك شيء لأنها ليست جناية خلاف روايته عن ابن
القاسم في أول سماعه من كتاب الجنايات أن ذلك
جناية في رقبته ، يقال لسيده : إما أن
(4/127)
تفتكه بنصف
قيمة الجارية ، وإما أن تسلمه وماله لصاحب
الجارية ، وإلى هذا نحا ابن عبد الحكم فقال :
ويقع في قلبي أنها جناية .
وقوله : لأنه كان مأذوناً له في ذلك معناه
لأنه كان مأذوناً له في وطء ما ملكت يمينه ،
فلما وطئ بهذه الشبهة ما له فيه شرك فسقط عنه
الحد لزمه القيمة في ذمته وخرجت من أن تكون
جناية في رقبته ، هذا معنى قوله ، لا أنه يباح
له أن يطأ أمة له فيها شرك ، وقوله : إذا
أحلقته القافة بهما أن الصبي يعتق على الحر
ويغرم نصف قيمته إلى سيد العبد ليس بجيد ،
لأنه لم يعتق نصفه فيقوم عليه باقيه ، بل كان
نصفه حراً بالحكم من أصله ، لأن ولد الحر من
أمته حر من أصله . وإذا كان من ورث نصف أبيه
لا يعتق عليه باقيه بالتقويم وإن كان الولاء
له لأنه أعتق عليه فأحرى أن لا يقوم عليه نصف
ابنه في هذه المسألة إذ لم يعتق نصفه ولا له
من ولائه شيء ، ألا ترى أنه إن قوم عليه نصفه
على ما ذهب إليه فمات أبوه وهو حر معتق ثم مات
هو بعده ولا وارث له إلا الذي أعتق أباه لم
يرث منه بالولاء إلا النصف الذي أعتق عليه
بالتقويم ، وكذلك قول أصبغ : إنه لا يعتق عليه
نصفه يغرم نصف قيمته إلا أن يواليه لا معنى له
يصح عليه ، لأنه إن وجب أن يقوم عليه فلا وجه
لتأخير ذلك إلى أن يواليه ، وإن لم يجب ذلك
قبل أن يواليه فلا يوجب ذلك عليه موالاته إياه
، وهذا بين .
وفي قول سحنون : إنه يقوم على الحر نصف الأمة
التي للعبد فيكون له رقيقاً ويحل له وطؤها حتى
يولدها مرة أخرى بعد اشترائه هذا النصف فيكون
جميعها أم ولد له نظر ، لأنه إذا لم يقوم عليه
نصف العبد إلى حرية فلا ينبغي أن يكون ذلك إلا
برضى العبد . وقد وقع في بعض الكتب قال : أرى
أن يقوم عليه نصف الباقي فيكون جميعها أم ولد
له ، وسقط ما بين ذلك من الكلام ، فعلى هذا
يكون جميعها أم ولد له إذا قومت عليه ، ولا
يحتاج في ذلك إلا إيلاد ثان ، وهو ضعيف يرده
قوله في المسألة التي نظرها بها في الشراء ،
إذ لا فرق بين المسألتين . وقد حكى أبو إسحاق
التونسي الخلاف أيضاً في مسألة الشراء وإن كان
ضعيفاً لا يحمله القياس ، فعليه يأتي أن يجبر
العبد على
(4/128)
أن يقوم نصيبه
من الأمة على الحر على ظاهر قول سحنون في
الرواية وقد وصفناه . وقول أصبغ : إذا قالت
القافة اشتركا فيه إن نصيب الحر من الأمة يكون
عتيقاً معجلاً ويبقى نصيب العبد منها بحال أم
ولد العبد وتكون موقوفة لا يطؤها خلاف قول
سحنون المتقدم وخلاف قوله هو أيضاً بعد هذا في
الجارية تكون بين الحر والعبد والنصراني
فيطؤها في طهر واحد فتحمل إنها إن كانت مسلمة
قوم نصيب العبد على النصراني والمسلم وأعتقت
عليهما ، وإن كانت نصرانية قوم نصيب العبد
والنصراني على المسلم وأعتقت عليه .
وقول أصبغ في هذه المسألة وإن كان مخالفاً
لقول الأول فليس بموافق لقول سحنون ، بل هو
مخالف له إذ قال : إنها تعتق على المسلم إذا
قوم عليه نصيب العبد والنصراني ، ولم يقل إنها
تبقى بيده ثلثها أم ولد له وثلثاها رقيق حتى
يولدها مرة أخرى فيكون جميعها أم ولد له ، ولا
قال أيضاً : إن جميعها يكون [له] أم ولد إذا
قوم عليه نصيب العبد والنصراني ولا يحتاج إلى
أن يولدها مرة أخرى على ما ذكرنا أنه وقع في
بعض الروايات ، وعلى ما حكاه أبو إسحاق
التونسي . وعتق الأمة على المسلم إذا كانت
نصرانية فقوم عليه نصيب العبد والنصراني بعيد
لاحظ له في النظر ، وأما إذا كانت مسلمة فقوم
على المسلم والنصراني نصيب العبد وإنما أعتق
على المسلم حظه منها من أجل أنه لا يستطيع
وطأها بسبب حظ النصراني فيها الذي سبيله أن
يعتق ، ولا يدخل فيه اختلاف قول مالك في أم
ولد النصراني تسلم هل تعتق أو توقف لما دخلها
من حرية نصيب المسلم . فيتحصل في حظ العبد من
الأمة إذا كانت بينه وبين الحر فوطآها جميعاً
في طهر واحد فحملت أربعة أقوال : أحدها أنه
يكون مخيراً بين أن يقوم حظه على شريكه الحر
أو يتماسك به ، فإن قومت عليه كانت له أم ولد
في قول ولا تكون له أم ولد حتى يولدها ثانية
في قول [مالك] . والثاني : أنها تقوم عليه شاء
أو أبى ، وتكون له أم ولد أيضاً ولا يكون
(4/129)
حتى يولدها
ثانية . والثالث : أنه يعتق عليه نصيبه ولا
يقوم عليه نصيب العبد ، وتبقى بيده بحال أم
ولد العبد ، والرابع : أنه لا يعتق عليه نصيبه
ولا يقوم عليه نصيب العبد وتبقى بيده بحال أم
ولد العبد ، فإن اشتراها يوماً ما حل له الوطء
. فهذه ستة أقوال ، لأن القول الأول والثاني
يتفرع كل واحد منهما إلى قولين ، وفي كلها نظر
لا يسلم من الاعتراض منها إلا القول الواحد ،
وهو أن يكون مخيراً بين أن يقوم حظه أو يتماسك
به ، فإن قومه عليه لم يكن جميعها أم ولد له
حتى يولدها مرة أخرى .
وقول سحنون : إن أحد الحرين إذا مات والصبي لم
يبلغ حد المبالاة يوقف له قدر ميراثه من مال
الميت حتى يبلغ ، فإذا بلغ فإن والي الميت كان
الميراث له ، وإن والى الحي لم يكن له من
ميراث الميت شيء صحيح على القول بالموالاة ،
وقد اختلف في حدها ، فقيل بلوغ الإثغار والميز
، وهو قول أصبغ في كتاب مجالسه ، وظاهر قول
ابن حبيب في الواضحة ( أنه البلوغ ) وأما قوله
: إنه إذا مات الصبي بعدما مات أحد أبويه الذي
كان وقف له ميراثه منه أن يورث من أبيه الميت
ما كان وقف له من ميراثه منه ثم يرث ذلك عنه
مع ما كان له من غير ذلك أبوه الحي وورثة أبيه
الميت فهو قول فيه نظر ، والصواب أن يأخذ نصف
ما وقف له من الميت فيضاف ذلك إلى مال إن كان
له من غير ذلك ، فيكون ذلك بين الأب الحي وأحق
الناس بميراثه من قبل الأب الميت ، لأنه ما لم
يوال أحدهما فهو محمول على أنه ابن لهما جميعا
، وهذا قول ابن القاسم ، وكذلك لو ماتا جميعاً
قبله ثم مات بعدهما قبل أن يوالي واحداً منهما
لورث من كل واحد منهما نصف ميراثه لأنه ابن
لهما جميعاً ، فيأخذ من مال هذا نصف ميراثه
ومن مال هذا نصف ميراثه ، فيضاف ذلك إلى مال
إن كان له من غير ذلك بهبة أو عطية أو ما أشبه
ذلك ، فيكون جميع ذلك بين أحق الناس بميراثه
من قبل
(4/130)
أبويه جميعاً
نصفين ، لأنه إنما هو رجل مات وله أبوان توفيا
قبله ، فيورث من أبويه جميعاً نصف ميراثه من
كل واحد منهما ، ثم يورث أقرب الناس إليه من
كل واحد من أبويه نصف ما ترك ، وقول أصبي وأبي
زيد بين أبي الغمر : إنه يرد ما كان وقف له من
ميراث الميت إلى ورثته وترثه هو أمه والأب
الباقي وحده بعيد ، ويرده قوله بعد ذلك في
المسلم والنصراني إنهما إن ماتا قبله ثم مات
هو بعدهما يودي ما كان وقف له من ميراث كل
واحد منهما إلى ورثته ، ويرث نصف ما كان له من
غير ذلك بعد خروج فريضة من له فرض مسمى إن كان
يرثه ذو فريضة ، يريد مثل الأم والإخوة للأم
والجدة
عصبة أبيه المسلم على قعددهم ، والنصف الآخر
للمسلمين من عصبة أبيه الكافر إن كان له عصبة
مسلمون . فإن وقف له ميراثه من الميت منهما
فبلغ حد الموالاة فأبى أن يوالي واحداً منهما
فذلك له ، قال سحنون ، ويكون له نصف ما وقف له
، وإن مات الصبي قبل أن تنظر إليه القافة وله
مال وهب له فهو بين الواطئين كما بينهما
يتنازعانه ، وإن مات أحد الواطئين نظر القافة
إلى الولد والباقي ، فإن زعموا أنه له لحق به
وكانت الجارية أم ولده ، واختلف إذا قالت
القافة : ليس هو لهذا فقيل : إنه يلحق بالميت
، وقيل : لا يلحق بواحد منهما . وكذلك اختلف
أيضاً إن مات الواطئان وبقي الولد ، فقيل :
إنه يورث من كل واحد منهما نصف ميراث ولد ،
وقيل : إنه لا يورث من واحد منهما شيئاً .
(4/131)
مسألة
وقال سحنون في أمة بين ثلاثة نفر وطئها الأول
فولدت منه [وهو لا يعلم] ، ثم وطئها الثاني
فولدت منه وهو لا يعلم ، ثم وطئها الثالث وهو
لا يعلم فولدت منه ، فإن السيد الأول لما وطئ
ضمن القيمة لهذين وصارت أم ولد له فإنما وطئ
هذا أم ولده فإنهم يتقاصون بالقيمة ويرجع
بعضهم على بعض ، فإن كانت قيمة أم الولد أكثر
من قيمة الأولاد رجعوا عليه بما بقي ، وإن كان
قيمة الأولاد أكثر من قيمة أم الولد رجع عليهم
بما بقي ، وهذا إذا كان موسراً . وأما إن كان
معدماً عتق عليه ثلثه في الأمة ويصير عليه
قيمة ثلثي ولده لهذين ، فإذا وطئ الثاني أيضاً
عتق عليه ثلثه يفي الأمة وإنما وطئ ثلثاً حراً
وثلثين رقيقاً ، فيصير ثلث قيمة ولده للثالث ،
وإذا وطئ الثالث أيضاً عتق نصيبه في الأمة فلا
يكون لواحد منهما على الثالث في ذلك شيء .
قال محمد بن رشد : أما إذا كان الأول موسراً
فالحكم على ما قال لا أعرف فيه نص خلاف ، إلا
أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى ، فيقال : إنه
يكون على الأول قيمة ثلثي ولده لشريكيه مع
قيمة ثلثي الأمة لهما إذا قررنا أن الحمل سبق
وجوب القيمة حسبما مضى القول فيه في أول
النوازل ، وقد يقال أيضاً : إنها تعتق عليهم
كلهم ولا تقوم على الأول إذ قد فات ذلك فيها
كالعبد بين الشريكين يعتق أحدهما جميعه وهو
موسر ثم يعتق الآخر ، فقيل : إنه يعتق على
الأول ولا عتق للثاني فيه : إنه ينفذ عتق
الثاني ولا يقوم على
(4/132)
الأول ، ويقال
أيضاً : إنه يكون على الثاني للأول قيمة ثلث
ولده على أنه ولد أم ولد ، وللثالث قيمة ثلث
ولده على أنه ولد أمة ، إذ لم يكن وطؤه
وإيلاده إلا قبل الحكم على الأول بالتقويم ،
فإنما وطئ أمة له ثلثها ، وثلثها أم ولد للأول
على أنه ولد أم ولد وقيمة ثلث ولد للثاني على
أنه ولد أم ولد أيضاً ، إذ لم يكن وطؤه إلا بد
أن صار حظ كل واحد منهما أم ولد به بإيلاده
إياها ، وأما إذا كان الأول معدماً فقوله :
إنه يعتق ثلثه في الأمة ويكون عليه ثلثا قيمة
ولده للآخرين صحيح ، لأنه لما لم تقوم عليه
الأمة لعدمه ، وبقي ثلثاها ملكاً لشريكيه وجب
عليه لهما ثلثا قيمة ولده ، وهو قول ابن
القاسم ، وفي كتاب محمد بن المواز أنه لا شيء
عليه لشريكيه إذ قد أفاتا نصيبهما بالإيلاد من
الأمة ، وقد مضى هذا في رسم يشتري الدور
والمزارع من سماع يحيى ، وقوله : إن الثاني
يعتق عليه ثلثه في الأمة ويكون عليه قيمة ثلث
ولده للثالث ولا يكون عليه للأول شيء لأنه وطئ
ثلثاً حراً فيه نظر ، إذ لم يطأ إلا قبل أن
يحكم على الأول بعتق نصيبه ، وقد قيل : إنه لا
يعتق عليه ، فكان القياس أن يكون عليه للأول
قيمة ثلث ولده على أنه ولد أم ولد ، وكذلك كان
القياس أن يكون على الثالث قيمة ثلثي ولده
للأول والثاني على أنه ولد أم ولد ، ولو وطئها
الثاني والثالث وهما يعلمان أن
الأول قد وطئها وأولدها لوجب أن تكون أم ولد
له من غير غرم يكون عليه ، وبالله التوفيق .
مسألة
قيل لسحنون : فلو أن جارية لثلاثة إخوة تسور
عليها أحدهم فوطئها فأولدها ولم يقر بولدها ،
فأقام بذلك زماناً ثم تسور عليها أيضاً أحد
الأخوين فأولدها ، ثم أقرا جميعاً بالوطء
وبالولدين ، هل تكون أم ولد للأول ويعطي إخوته
ثلثي قيمتها إذا كان يوم
(4/133)
وطئها موسراً؟
وهل يعتق عليهما ويعطى الآخر ثلث القيمة؟ قال
: تكون أم ولد للأول وعليه ثلثا قيمتها يوم
وطئها لأخويه ، وعلى أخيه الثاني الذي أولدها
قيمة ولده على أنه ولد أم ولد لأخيه الأول .
وفيها قول غير هذا لأصحابنا ، وهذا أعدل إن
شاء الله .
قال محمد بن رشد : قوله : إنها تكون أم ولد
ويكون عليها ثلثا قيمتها يوم وطئها لإخوته هو
مثل ما تقدم من قوله في المسألة التي قبل هذه
، وكذلك قوله وعلى أخيه الثاني الذي أولدها
قيمة ولده على أنه ولد أم ولد لأخيه الأول هو
مثل قوله في المسألة التي قبل هذه أيضا . وقد
ذكرنا ما يدخل من الاختلاف في ذلك كله بالمعنى
، وإله أشار والله أعلم بقوله : وفيها قول غير
هذا لأصحابنا ، والله أعلم .
مسألة
قيل لعبد الملك بن الماجشون : ما تقول في أمة
بين رجلين ولدت مفترقين بطناً بعد بطن أو في
بطن واحد ، فقال أحدهما لأحد الولدين : هذا
ابني ، وقال الآخر للآخر من الولدين : هذا
ابني ، فقال : أنظر إلى الذي استلحق الأكبر من
الولدين فألحقه به وألزمه نصف قيمة الجارية
واجعل الآخر كأنما أصابها وقد ولدت من شريكه
فولدت من الآخر بشبهة ، فالولد ولده يلحق به ،
وعليه قيمته لشريكه الواطئ أولاً ، ولهذا
الآخر على الأول نصف قيمة الجارية ويترادان
الفضل بينهما . وهذا إذا كانا في بطن من بطن ،
فأما إذا كانا في بطن واحد فاجعلهما كأنهما
ولداً واحد ادعاه رجلان سيدا أمة فتنظر إليهما
القافة وال يلحقانه أبداً إلا برجل واحد .
(4/134)
قلت : فإن
ألحقت القافة كل واحد من المتداعيين من ادعى
واستلاط؟ قال هو مثل ما [لو] قالا في واحد إنه
ابنهما جميعاً لم يكن أبداً حتى يلحق بواحد
دون واحد ، فكذلك الابنان في بطن واحد لا
يلحقان أبداً إلا بواحد من السيدين .
قال محمد بن رشد : قوله فالولد ولده يلحق به ،
وعليه قيمته لشريكه ، يريد قيمته على الرجاء
والخوف ، على أنه ولد أم ولد على معنى ما في
المدونة وفي المسائل التي فوق هذا ولو لم يقوم
حتى مات المدعي الأول لم يكن على الثاني فيه
قيمة لأنه يعتق بعتق أمه ، وهي أم ولد الميت
تعتق بموته وقوله : إن الولدين في بطن واحد
كالولد الواحد لا تلحقه القافة أبداً إلا برجل
واحد نص جلي في أن الاشتراك في الولد الواحد
لا يصح ولا يعمل قول القافة فيه ويقال لهم
ألحقوه بأنضجهما به شبهاً على ما حكى ابن حبيب
عنه وعن مطرف وابن نافع ، فإن لم يكن على هذا
القول أحدهما أكثر شبهاً به من صاحبه لم يحكم
عليه بأنه ابن لهما ولا كان له أن يوالي
واحداً منهما ، فإن مات ورثاه جميعاً بالدعوى
كالمدعيين في المال وهو بأيديهما ولا بينة
لواحد منهما ، وإن مات أحدهما أو ماتا جميعاً
لم يكن له ميراث من واحد منهما إذ لا يدري هل
هو ابنه أم لا ، ولا يورث أحد من أحد بشك .
وقيل إنه يأخذ نصف ميراثه من كل واحد منهما
لأن المنازعة تحصل فيه بينه وبين الورثة بقوله
هو لي لأني ابنه ، وبقول الورثة هو لنا لأنك
لست بابن له ، فيقسم بينهما نصفين ، والأول
أظهر . ووجه هذا القول إنكار عمر بن الخطاب
على القافة قولهم إنهما اشتركا في الولد
وضربهم بالدرة على ذلك ، وهذا هو مذهب ابن
القاسم
(4/135)
وروايته عن
مالك أن الاشتراك في الولد الواحد لا يصح ،
إلا أنه يقول إن القافة إذا قالت اشتركا فيه
قيل له والِ أيهما شئت ابتاعاً لما جاء عن عمر
بن الخطاب في ذلك ، فإن مات قبل أن يبلغ حد
الموالاة أو ماتا هما أو أحدهما كان الحكم في
ذلك على ما تقدم .
وقد قيل إنه يصح أن يكون علوق المرأة بالولد
الواحد من الرجال العدة ، فعلى هذا القول إذا
قالت القافة اشتركا فيه كان ابناً لهما جميعاً
ولم يوال واحداً منهما وورث ك واحد منهما منه
نصف ميراث أب ، ويرث [هو من] كل واحد منهما
نصف ميراث ابن . وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ما يدل على هذا ، فيلزم على قياس
[هذا] القول إذا أتت بولدين في بطن واحد وقد
كانا وطآها في طهر واحد فألحقت القافة بكل
واحد منهما واحداً منهما بعينه لحق به ، لأنه
إذا جاز أن يشترك الرجلان في الولد الواحد كان
أجوز أن يشتركا فيما في البطن الواحد فيكون
لكل واحد منهما واحد منهما بعينه ، وبالله
التوفيق .
مسألة
قيل لعبد الملك : ما تقول في الرجل يطأ جارية
ابنه ثم وطئها الابن بعد ذلك ، قال : إذا
أصابها الابن بعد الأب فقد سقطت القيمة عن
الأب وتباع فيعطى الابن ثمنها بالغاً ما بلغ ،
أقل من القيمة كان أو أكثر ، قال أصبغ : لا
يعجبني ، ولكن تقوم على كل واحد منهما يوم
وطئها إن اختلفت القيم وتباع على الواطئ حين
تحول ، ثم يتحاسبان على ذلك ، فمن كان له
الفضل أخذه ، ومن كان عليه النقصان أداه ،
وتباع ولا تقر عندهما ، لأن القيمة
(4/136)
الأولى لزمت
الأب بالوطء . قيل لعبد الملك فلو حملت وقد
أصابها جميعاً في طهر واحد؟ قال : تدعى لها
القافة فإن ألحقته بالابن عتقت عليه الجارية
وكان الولد له ، قال أصبغ مثله ، قال عبد
الملك ، وإن ألحقته بالأول وهو الأب فالولد له
والأمة منه بالقيمة إن كان المتعدي فيها وليست
له ، وإن كان الذي هي له فالولد له وله القيمة
على ابنه بإتلافها عليه وبطلانها كقتله إياها
لو قتلها ، وإن ألحقته بالثاني فالولد له ،
وينظر فإن كان الابن الذي هو مالكها تحاسبا
بالقيمتين ، وإن كان هو الأب المتعدي غرم
قيمتها للابن على كل حال بفساده إياها .
قال محمد بن رشد : أما إذا وطئ الأب جارية
ابنه ثم وطئها الابن بعد ذلك فقول ابن
الماجشون صحيح إن كان الابن قد وطئ جاريته قبل
أن يطأها الأب ، وقول أصبغ صحيح إن كان الأب
لم يطأها قبل ذلك ، لأن الأب إذا وطئ جارية
ابنه بعد أن وطئها الابن فمن حق الابن أن
يقومها عليه لأنه حرمها عليه ، فإن قومها عليه
بيعت عليه ، إذ لا يؤتمن عليه لأنه حرمها عليه
، فإن قومها عليه بيعت عليه ، إذ لا يؤتمن
عليها من أجل أنه وطئها وهي حرمة له بوطء ابنه
إياها ، وإن أراد الابن أن يتمسك بجاريته
للاستخدام والخدمة ولا يقومها على أبيه فذلك
له ، فإذا وطئ الأب جارية ابنه وقد وطئها
الابن ثم وطئها الابن بعد أن وطئها أبوه وكان
وطؤه إياها رضى منه بترك تضمين أبيه ووجب أن
تباع عليه إذ لا يؤتمن عليها من أجل أنه قد
وطئها وهي حرمة له بوطء أبيه إياها كما قال
ابن الماجشون ، وذلك إذا وطئ الأب جارية ابنه
قبل أن يطأها الابن فقد وج أن تقوم على الأب
شاء أو أبى ، ولا خيار في ذلك لواحد منهما ،
وإن رضيا جميعاً بترك تقويمها على الأب لم يجز
ذلك ، لأن الأمر يؤول إلى أنه كأنه حللها له ،
فإذا قومت عليه كانت أمة له وحل له وطؤها إذ
لم يتقدم للابن فيها وطء ، فإذا وطء الأب
جارية ابنه قبل أن يطأها الابن ثم وطئها الابن
بعد أن وطئها أبوه وجب أن تقوم على الأب للابن
لأنه أفسدها عليه بوطئه إياها أولاً ، ووجب
أيضاً أن تقوم على الابن للأب لأنه أفسدها
عليه بوطئه إياها آخراً ، إذ لو لم يطأها
(4/137)
لقومت على الأب
وحلت له ، ولم يكن لواحد منهما في ذلك خيار
ويتحاسبان في ذلك ، فمن كان له فضل منهما على
صاحبه رجع به عليه ، وتباع على الابن الذي
قومت عليه آخراً حين يحول أي حين يتبين أنه
ليس بها حمل من أجل أنه لا يؤتمن عليها إذ قد
وطئها وهي حرمة له بم اتقدم من وطء أبيه إياها
كما قال أصبغ ، فالمعنى في هذا أن ابن
الماجشون تكلم على أن الابن قد كان وطء جاريته
قبل أن
يطأها الأب ، وتأول عليه أصبغ أنه إذا تكلم
على أن الابن لم يكن وطء جاريته حتى وطئها
الأب ، ولذلك قال لا يعجبني قولهن ولكن يقوم
على كل واحد منهما ، ومما يصحح هذا الذي قلناه
أن ابن الماجشون قد قال في آخر المسألة مثل
قول أصبغ إنها تقوم على كل واحد منهما
فيتحاسبان في القيمتين إذا وطئها الأب ثم
وطئها الابن في ذلك الطهر وهي له فأتت بولد
وألحقته به القافة لأن المعنى في ذلك أن الابن
لم يكن تقدم له فيها وطء قبل الوطء يريد وتعتق
عليه إذ لا يستطيع وطأها أبداً لوطء أبيه
إياها ، وهو لا يملك منها إلا الوطء لكونها أم
ولد له ، ولو كان [الابن] يطؤها وهي جاريته ثم
وطئها بعد ذلك في طهر واحد الأب ثم الابن فأتت
بولد وألحقته القافة بالابن لعتقت على الابن
ولم يكن على الأب فيها قيمة ، لأن وطأه إياها
بعد أن وطئها أبوه رضى منه إسقاط القيمة عنه
على ما قال في أول المسألة إذ لم تحمل حيث قال
أصبغ إنه قال لا يعجبني قولهن وقد بينا أن
قوله ليس بخلاف لقوله ، وإن كل واحد منهما
تكلم على ما لم يتكلم عليه صاحبه ، ولو ألحقت
القافة الولد بالأب الذي ليست الجارية له
لكانت أم ولد له ولزمته فيه القيمة لابنه
لإفساده إياها عليه وعجل عليه عتقها ، إذ لا
سبيل له إلى وطئها سواء كان وطء الأب قبل
الابن أو بعده ،
(4/138)
كان تقدم للابن
فيها وطء أو لم يتقدم ، وإنما يفترق ذلك إذا
ألحقت القافة الولد بالابن حسبما بيناه .
مسألة
وسئل سحنون عن رجلين وطأ أمة في طهر فحملت في
ذلك الطهر فولدت ولداً فمات ذلك الولد قبل أن
تدعى له القافة ، قال تعتق الجارية منهما .
قال محمد بن رشد : قوله إن الجارية تعتق منها
صحيح ، لأن الولد إذا مات قبل أن تدعى له
القافة فيحمل محمل الاشتراك فيها وفي ولدها
بمنزلة إذا قالت القافة إنهما اشتركا فيه ،
فيرثانه جميعاً إن كان له مال وهب له ، وتصير
الأمة قد صارت في حكم أم ولد لهما جميعاً
فتعتق عليهما جميعاً ، إذ لا يحل لواحد منهما
وطؤها بالملك أبداً ، ولم يكن لهما فيها سوى
ذلك ، وهذا إذا أتت بالولد لأكثر من ستة أشهر
من يوم وطئها الآخر ، ولأقل من أقصى ما يلحق
به الولد من يوم وطئها الأول ، فإن أتت به
لأقل من ستة أشهر من يوم وطئها الآخر فهو
للأول ، والأمة أم ولد له ، وعليه نصف قيمتها
لشريكه إن كانت بينهما بنصفين ، وإن أتت به
لأكثر من أقصى ما يلحق به الولد من يوم وطئها
الأول وذلك خمس أعوام على المشهور من مذهب ابن
القاسم وروايته عن مالك فهو للثاني ، والأول
منه بريء فتكون أم ولد للثاني ويكون عليه نصف
قيمتها للأول .
مسألة
قيل لسحنون فرجل توفي وترك جاريته وابنين من
غيرها ، ثم ظهر بالجارية حمل بعد موت السيد ،
فولدت بعد موته بمثل ما يكون لغيره ، فادعى
أحد الأخوين أنه وطء الجارية وأن هذا
(4/139)
الولد منه ،
وادعى الآخر أن هذا الولد من أبيه الميت ،
وقال هو أخونا ، قال سحنون : إن كان سيدها
الميت كان يطؤها فالولد يلحق بالسيد ، ولا
يقبل قول الأخ الذي قال : هو ولدي ، وإن كان
السيد لم [يكن] يطؤها فالولد يلحق بهذا الأخ
المدعى له ، ولا يقبل قول أخيه الذي قال هو من
أبي ، وعلى الواطئ أن يغرم لأخيه نصف قيمتها ،
وإن شكوا فلم يدروا أن أباهم كان يطأ أو لا
يطأ فالقول في ذلك قول المدعي للولد ، وعليه
نصف القيمة لأخيه .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قال إنه إذا
علم أن سيدها الميت كان يطؤها فالولد له ولا
يقبل دعوى المدعي فيه لقول النبي عليه السلام
"الولد للفراش ، وللعاهر الحجر" لأن فراش
السيد الميت صحيح ، والمدعي يدعي الولد بوطء
غير صحيح إلا أن له فيه شبهة يدرأ الحد عنه
بها ، وهذا إذا أتت بالولد لما يلحق الأنساب
من الميت ، فإذا أتت به لأكثر من ذلك فهو
للمدعي وعليه نصف القيمة لأخيه ، وأما إن كان
السيد الميت لا يطأ أو جهل حاله فيلحق الولد
بالمدعي كما قال ، إذ لا يجوز أن يلحق بالميت
ولو لم يقر به ولا علم أن أمه كانت فراشاً له
.
مسألة
وسئل سحنون عن جارية بين رجلين تسور عليها
أحدهما فأولدها ، فقال الشريك غير الواطئ : قد
كنت أعتقت مصابتي منها قبل أن يطأها فصدقه
الواطئ وقال : قد كان أعتقها قبل ذلك ، هل
تعتق عليهما جميعاً؟ أم تكون أم ولد للواطئ
وعليه نصف قيمتها لشريكه؟ قال سحنون : تعتق
عليهما جميعاً ولا يكون على الواطئ
(4/140)
شيء ، ويلحق به
النسب ، وعليه الأدب إلا أن يعذر بالجهالة .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن الشريك
لما قال إنه أعتق حظه قبل وطء شريكه فقد أقر
أنه لا شيء له على الواطئ في وطئه الأمة
وإيلادها ، وقد كان للواطئ أن لا يصدقه فيما
ادعى من عتق حظه قبل ذلك لما يوجبه له الحكم
من أن تقوم عليه الجارية فتكون أم ولد له ،
فلما صدقه لم يكن له إلى التقويم سبيل وأعتق
عليه حظه في الأمة إذ لا يستطيع أن يطأها
ونصفها أم ولد له ونصفها حر ، ولو لم يصدقه لم
يصدق ، لأنه إنما أراد أن يفسدها عليه وقومت
عليه فصارت أم ولد له ، إلا أن لا يكون له مال
فيصدق الشريك في أنه قد كان أعتق حظه ، ويعتق
أيضاً نصيب الواطئ لأنه إنما كان له فيها
الاستمتاع ، فقد انقطع ذلك بعتق شريكه حظه ،
قال هذا ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع
عيسى من كتاب العتق ، وهو تتميم لقول سحنون
هنا ، وإذا قوم عليه نصيب شريكه على قول فتكون
القيمة موقوفة لا يأخذها إلا أن يكذب نفسه .
وقول سحنون ولا يكون على الواطئ شيء يريد
لشريكه لا في الولد ولا في الأمة إذ قد اقر
أنها حرة من قبل أن يطأها ولا للأمة في وطئه
إياها إن كانت طاوعته في ذلك ، وإن كان
استكرهها كان عليه نصف ما نقص ذلك من ثمنها إن
نقص ، قال ذلك في كتاب القذف من المدونة وغيره
، واختلف قول ابن القاسم في عكس هذه المسألة ،
وهي الأمة تكون بين الرجلين ولها ولد هو
بينهما فيعتق أحدهما نصيبه من الأمة ويستلحق
الآخر الولد ، فقال ابن القاسم في رسم العرية
من سماع عيسى من كتاب العتق يلحق به الولد
ويكون عليه نصف قيمته لصاحبه ، ويعتق نصيبه في
الأمة إذ لا سبيل له إلى وطئها وبعضها حر ،
وقال في كتاب ابن حبيب لا قيمة عليه في الولد
ولا في الأمة ، لأن إقراره بأن الولد له لو
علم منه قبل العتق لم يكن عليه في الولد قيمة
، وإنما كانت تكون عليه نصف قيمة الأمة ، فلما
لم يعلم ذلك منه إلا بعد العتق سقطت عنه
القيمة في الأمة وبالله التوفيق .
(4/141)
مسألة
وسئل سحنون عن الرجل يموت ويقول : جاريتي حامل
، وتقول الجارية ما أنا بحامل ، هل يقبل
قولها؟ قال تستبرأ إن كانت حاملاً ، قيل له
فإن جاءت بولد بعدما استبرئت؟ فقال : إن جاءت
بولد بعد موت سيدها لخمس سنين فهو للسيد ،
لأنه أقر أن ماءه فيها ما لم تتزوج ، فإن
تزوجت فأتت بولد لستة أشهر فأكثر فهو للزوج ،
وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر بعدما تزوجت فهو
للسيد .
قال محمد بن رشد : قوله تستبرأ يريد بحيضة
لأنها من الإماء ، فإن حاضت لم تمنع من النكاح
، وكذلك إن لم تحض فبقيت ثلاثة أشهر ولم تظهر
بها ريبة ولا حمل ، أو تسعة أشهر على اختلاف
قول مالك في ذلك في المدونة وغيرها ، وقد مضى
القول فيه في رسم استأذن من سماع عيسى ورسم
الدور والمزارع من سماع يحيى ، فإن لم تتزوج
وأتت بولد لحق بالسيد إلى ما تلحق به الأنساب
وإن أقرت أنه ليس منه وإن كان ذلك بعد
الاستبراء إذ قد ترى المرأة الدم على الحمل ،
وقد يضعف الولد في البطن فلا تتبين المدة
الطويلة ، وهذا ما لا اختلاف فيه ، إذ قد أقر
السيد أنها حامل منه ، ولو لم يقر السيد بذلك
ولا ادعاه إلا أنه علم أنه كان يطؤها فأقرت
أنها حاضت الأنساب فادعت أنه من سيدها لجرى
ذلك على الاختلاف في التي تطلق أو يتوفى عنها
زوجها فتقر بانقضاء عدتها على وجهها وأنه لا
حمل بها مدة ثم
(4/142)
يظهر بها حمل
فتريد أن تلحقه بزوجها فيما دون الخمسة
الأعوام ، فقيل ذلك لها وهو الذي في كتاب طلاق
السنة من المدونة ، وقيل ليس ذلك لها وتحد ولا
يلحق الولد بالزوج إذا جاء من ذلك الأمر البين
، مثل أن تعتد في الوفاة أربعة أشهراً وعشراً
وتحيض حيضة وتقيم اثني عشر شهارً ونحوها لا
حمل بها ثم تأتي بحمل وتزعم أنه من زوجها ،
وهو قول ابن دينار وعيسى عن ابن القاسم في
المدنية .
مسألة
وسئل سحنون عن رجل اشترى جارية فأولدها ثم
استحقها رجل فدفعها إليه الذي أولدها ، ثم
اشتراها منه بعد ذلك ، هل تكون الجارية عنده
أم ولد أم لا حتى يولدها بعد الاستبراء؟ فقال
: إن كان دفعها إليه بقضاء قاض ثم استبرأها
فإنها لا تكون له أم ولد حتى يولدها فيما
يستقبل ، وإن كان دفعها إليه صلحاً منه على
غير قضاء قاض ثم اشتراها فإنها تكون عنده أم
ولد بملكه الأول حين أولدها [فيه] .
قال محمد بن رشد : هذا بين على ما قال ، لأنها
قد وجبت لها حرمة الإيلاد فوجب أن لا ينقض إلا
بحكم حاكم لأنه يتهم على إبطال ما وجب لها من
الحرمة بأن يصدق المستحق لها فيما ادعاه من
الباطل ويعمل معه على أن يشتريها منه لينقض
بذلك حرمتها ، وذلك ما لا يجوز له ، وبالله
التوفيق .
مسألة
وسئل عن الجارية تواضع للاستبراء فيذهب الثمن
في أيام
(4/143)
الاستبراء
وتخرج هي وبها عيب أو تموت ، فقال : أشهب وابن
القاسم يقولان إن أحب أخذها بالثمن التالف ولم
يكن عليه غيره ، وزعم غيرهما أن ذلك ليس له
إلا أن يغرم الثمن ، وقد قيل أيضاً إن البيع
يفسخ ، وذكر مالك أن الثمن من المبتاع .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه
المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم
[مستوفى] فلا معنى لإعادته مرة أخرى [هنا] .
مسألة
قال سحنون بلغني أن ملاكاً سئل فقيل له : إني
ابتعت جارية بيع المسلمين وعهدتهم ، ثم بعتها
بالبراءة ، فهل ترد علي هذا البيع؟ فقال : لا
ترد عليه ولكنني أكرهه .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة قد مضى القول
فيها مستوفى في أول رسم من سماع أشهب في أوله
وآخره من كتاب العيوب فهو موضعها لمن أحب
الوقوف عليها .
مسألة
وسئل مالك عن الرجل يشتري الجارية فيتواضعها
للاستبراء ، فقال البائع : هلم الثمن ، فواضعه
على يدي رجل ، فقال مالك : ليس ذلك عليه ،
وإنما يدفع الثمن إذا وجبت له الجارية .
قال محمد بن رشد : قد مضت هذه المسألة متكررة
في أول رسم من
(4/144)
سماع ابن
القاسم ، ومضى هناك من القول عليها ما فيه
كفاية لمن أحب الوقوف عليها .
مسألة
قال سحنون : وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري
الجارية من الرجل فيقول لبائعها أحبسها عندك
حتى أعطيك الثمن أو كان البائع نفسه هو الذي
أبى أن يدفعها إلى المبتاع حتى يقبض الثمن ،
ثم وطئها البائع فحملت منه ، [فقال ابن القاسم
: إن كان البائع هو الذي احتبسها حتى يقبض
الثمن ثم وطئها البائع فحملت منه] فلا حد عليه
للشبهة التي فيها ، ويأخذ المشتري جاريته
ويكون على البائع قيمة الولد ، وإن كان البائع
هو الذي أمكنه منها فأقرها مشتريها عنده
فوطئها البائع بعد استبراء رحمها فأرى أن يحد
على كل حال ، وهو رأيي ، وإن كان لم يستبر
رحمها وقد كان يطؤها رأيت أن يدرأ عنه الحد
لأني لا أدري لعل هذا الحمل قد كان قبل ذلك
الوطء ، ورأيتها أم ولد له ، ويعاقب عقوبة
موجعة ، ورواها أصبغ عن ابن القاسم ، قال
سحنون : وإن كانت من وخش الرقيق ومعه البائع
قبضها حتى يأتيه بالثمن فوطئها البائع فأولدها
كانت له أم ولد لأن مصيبها كانت منه ، وعتقه
فيها جائز إذا احتبسها للثمن ، وكذلك يقول
جميع أصحابنا إن المصيبة منه إلا
(4/145)
القاسم وحده
كان يقول : هي من المشتري ، وإن كان تركها عده
المبتاع على وجه الوديعة ولم يمنع قبضها فإن
الحد عليه ، ولا يلحق به الولد لأن مصيبتها من
المبتاع .
قال محمد بن رشد : تحصيل القول في هذه المسألة
أن الأمة المبيعة إن بقيت بيد البائع فوطئها
بعد البيع قبل الاستبراء وقد كان المبتاع
ائتمنه على استبرائها وهي ممن تجب مواضعتها
لرفعتها ولأن البائع كان يطؤها فإنها تكون أم
ولد لهو يبطل البيع ، وإن كان وطؤه إياها بعد
أن استبرأها بائتمان المبتاع له على استبرائها
أو كانت من وخش الرقيق التي لا مواضعة فيها
وقد انتقد فإنه يحد ولا يلحق به الولد ، وتكون
الأمة وولدها للمبتاع ، واختلف إن كان لم
ينتقد فوطئها وهي عنده محبوسة بالثمن ، فقال
ابن القاسم : يردأ عنه الحد بالشبهةو يأخذ
المشتري جاريته ويكون على البائع قيمة الولد ،
وقال سحنون : تكون أم ولد له ويبطل البيع ،
وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من
كتاب العيوب تحصيل الاختلاف فيما تدخل به
السلعة المبيعة في ضمان المبتاع كانت محبوسة
بالثمن أو لم تكن ، فلا معنى لإعادته [هنا] .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم
من كتاب الكراء والأقضية
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول في أم ولد
العبد تكون حاملاً إنها لا تباع لغرمائه حتى
تضع ما في بطنها لأن ما في بطنها مال من مال
سيده ، ولا يجوز بيعها ولا استثناؤها وإن
(4/146)
العبد لم يكن
عليه دين إذا أذن له سيده في بيعها باعها وإن
كانت حاملاً ، وقال أصبغ : وقال : وإن علم
السيد بالحمل أو لم يعلم إذا أذن له بالبيع
منهما فهو إذن ، وهو جائز ، وهو البيع .
قال محمد بن رشد : قوله إن أم ولد العبد إذا
كانت لا تباع لغرمائه حتى تضع ما في بطنها
يريد إلا بإذن السيد ، وكذلك لا يبيعها هو في
دينه إذا كانت حاملاً إلا بإذن سيده الذي
الحمل له ، لأن ولده من أمته ومن أم ولده ملك
لسيده بمنزلة من لا ملك له ، وإذا لم تكن
حاملاً جائز له أن يبيعها في دينه بغير إذن
سيده ، قال في المدونة ، فإن فعل ثم أظهر أنها
كانت حاملاً كان للسيد أن يفسخ البيع ، قاله
بعض شيوخ صقلية ، وقال بعضهم ليس ذلك له لأن
البيع وقع بأمر جائز فلا يرد ، والبيع الأول
هو الصحيح ، لأن الحمل الذي ظهر بها ملك للسيد
فلا يمضي بيعه في دين العبد إلا برضاه ، فعلى
هذا لابد في بيعها من المواضعة رفيعة كانت أو
وضيعة ، لأنه متى ظهر بها حمل كان للسيد فسخ
البيع ، وعلى القول الثاني لا مواضعة فيها إلا
أن تكون رفيعة ، لأنه إذا لم يكن للسيد فسخ
البيع إن ظهر بها حمل صار حكمها حكم من باع
أمة لم يطأها لأن الحمل فهيا عيب بها يكون
المبتاع بالخيار بين أن يأخذ أو يرد ، وليس له
أن يبيعها في غير الدين إلا بإذن سيده ، قاله
في المدونة أيضاً ، قيل مراعاة لقول من يقول
إنها تكون أم ولد له إذا أعتق على أصل قول
مالك في أن العبد إذا ملك ابنه لم يكن له أن
يبيعه إلا بإذن سيده من أجل أنه يعتق عليه إن
عتق ، وقيل مخافة أن تكون حاملاً ، والأول
أظهر وهو الصحيح لأنه لا يبيعها حتى يستبريها
، فإن باعها قبل أن يستبريها فلابد فيها من
المواضعة ، فإن ألفيت حاملاً كان للسيد فسخ
البيع ، ألا ترى أنه يجوز له أن يبيع أمته وإن
كان يطؤها دون إذن السيد ، إذ لابد فيها من
المواضعة من أجل حق السيد في ولدها إن لم
يسبرها قبل البيع ، وإن أذن له
(4/147)
السيد في أن
يبيع أم ولده أو أمه له كان يطؤها جاز ذلك
عليه ولزمه ، وإن ظهر بها حمل لم يكن علم به
على ما قاله أصبغ في هذه الرواية ، والوجه في
ذلك أنها محمولة على أنها حامل لأن جل النساء
على الحمل كما
قال مالك ، فإذا أذن له في بيعها فقد ترك حقه
في الولد للمشتري إن ظهر بها حمل ، فإن ردها
المشتري بعيب حملها فعلى القول بأن الرد
بالعيب نقض بيع يكون الولد للسيد على ما كان ،
وعلى القول بأنه ابتداء بيع يكون الولد للعبد
وتباع عليه في الدين ، وإن لم يكن عليه دين لم
يكن له أن يبيعه إلا بإذن سيده على ما قال في
المدونة في العبد يشتري ولده ، فإن باع أم
ولده بغير إذن سيده مضى البيع ولم يرد ، روى
ذلك أصبغ عن ابن القاسم ، وهو صحيح ، لأن
مراعاة الخلاف إنما يكون في الابتداء دون
الانتهاء ، ولو باع ولده في غير الدين بغير
إذن سيده لوجب أن يرد البيع إذ لا اختلاف في
أنه يعتق عليه إذا أعتق .
مسألة
قال أصبغ : سألت ابن القاسم عن الرجل يطأ
الجارية ثم يبيعها فيطؤها المشتري في ذلك
الطهر قبل أن يستبرئها فيظهر بها حمل فتموت
قبل أن تضع ممن هي؟ قال ابن القاسم : إذا ظهر
بها حمل ثم ماتت قبل أن تضع فمصيبتها من
البائع ، وسواء طاولها في ذلك حملها أو لم
يطاولها إذا ماتت قبل أن تضع ، ويرجع المبتاع
في ماله فيأخذه ويعاقبه في فعله إلا أن يعذر
بالجهالة .
قلت : فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم
وطئها المشتري؟ قال فمصيبتها أيضاً من البائع
كان سقطاً أو تماماً أو حياً أو ميتاً ،
والولد ولده ، وهي أم ولد له ، فإن وضعته لستة
أشهر من يوم وطئها المبتاع أو مقدار نقصانها
بالأهلة فصاعدا تقارب الوطآن في ذلك أو لم
يتقاربا أو وطئ هذا اليوم وهذا غداً ، فهي من
(4/148)
المبتاع ، وهي
أم ولده والولد منه إذا وضعته سقطا كان أو
تماماً إذا كان ميتاً ولا أرى القافة في
الأموات ولا أراهم يعرفون ذلك ولا أراهم . وإن
وضعته حياً لستة أشهر من يوم وطئ الآخر
فصاعداً دعي له القافة فمن ألحقوه به منهما
ألحق به وكان ولده ينسب إليه وكانت أمه أم ولد
منه وعوقبا إلا أن يعذرا بالجهالة .
قلت : فإن مات الصبي قبل أن يبلغ فيوالي من
شاء من يرثه؟ قال يرثانه جميعاً لأنهما جميعاً
أبواه أبداً لشكرتهما فيه حتى يبلغ فتتبع فيه
قضية عمر بن الخطاب وسنته فيوالي من شاء فينسب
إليه ويوارثه دون الآخر .
قلت : فإن مات الأبوان جميعاً قبل أن يبلغ؟
قال يوقف له ميراثه منهم جميعاً حتى يبلغ
فيوالي من شاء منهما فيرثه وينتسب إليه دون
الآخر ويرد ما وقف له من ميراث الآخر إلى
ورثته .
قلت : فإن مات أحدهما قال كذلك [أيضاً] يوقف
له ميراثه منه حتى يبلغ ، فإن والي الميت أخذ
ميراثه منه ، وإن والى الحي رد ميراث الميت
إلى ورثته .
(4/149)
قلت : فإن مات
الصبي بعد موت أحدهما وقد وقف له ميراثه منه
والأب الآخر حي؟ قال فميراث الصبي للأب الباقي
، وليس للأب الميت ولا لورثته منه شيء ، ويرد
ما كان وقف للصبي من ميراث الأب الميت إلى
ورثة الميت ، ولا يجب للصبي بموته حتى يرثه
الأب الباقي ، فيكون هذا الحي قد ورث الميت
الأول ، فهذا لا يكون ، ولو رأيت أن ميراث
الأول يجب للصبي إذا مات لأدخلت ورثة الميت
الأول مع الأب الباقي في ميراث الصبي فورثوه
جميعاً فهذا ليس بشيء ، هذا والذي لا شك فيه
أن ميراث الصبي إذا مات بعد موت أحدهما للباقي
وحده لا شكر معه فيه لأحد إلا الأم وحدها .
قلت : أرأيت إن مات الأبوان جميعاً ثم مات
الصبي؟ قال ابن القاسم : إذا ماتا جميعاً فوقف
له ميراثه منهما جميعاً حتى يبلغ الصبي ، فإن
مات قبل أن يبلغ رد ميراثهما إلى من ورثهما
دونه ولم يجب للصبي منه شيء بموته بمنزلة موته
بعد موت أحدهما وكان ميراث الصبي لمن يرثه من
قبل الأبوين جميعاً لأقعد الناس به من ورثتهما
جميعاً لكل قوم نصف الميراث في رأيي يقتسمونه
على الفرائض على قعددهم بالصبي على سهام
الميراث بينهم .
قيل لعيسى بن دينار : فمن ينفق على هذا الصبي
ويكسوه حتى يبلغ حد الموالاة؟ فقال الأبوان
جميعاً . قيل له : فإذا بلغ فوالى أحدهما هل
يغرم لصاحبه الذي لم يواله ما أنفق عليه؟ قال
: لا .
قال أصبغ : النفقة على المشتري حتى يبلغ ، فإن
والاه فبسبيل ذلك ، وإن والى البائع رجع عليه
بالنفقة .
قال محمد بن رشد : قول ابن القاسم في أول هذه
المسألة إن الرجل إذا وطء الجارية ثم باعها
فوطئها المشتري في ذلك الطهر قبل الاستبراء
فظهر
(4/150)
بها حملت فماتت
قبل أن تضع إن مصيبتها من البائع طاولها حملها
أو لم يطاولها ويرجع المبتاع في ماله فيأخذه
معناه ما بينه وبني ما يلحق به الأنساب لأن
الحمل إن تطاول بها أكثر من خمسة أعوام ثم
ماتت فمصيبتها من المبتاع إذ قد علم أن الحمل
ليس من البائع ، وكذلك إن وضعته لأقل من ستة
أشهر من يوم وطئها المشتري حياً أو ميتاً
تاماً أو ناقصاً فمصيبتها من البائع أيضاً ،
والولد ولده ، وهي أم ولده ، لأنه إن كانت
وضعته تاماً حياً أو ميتاً فالمشتري بريء منه
، إذ لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر ، وإن
كانت وضعته ناقصاً وأمكن أن يكون من المشتري
فهو محمول على أنه من البائع لأنه باعها
ورحمها مشغول بمائة فالولد له ، وهي باقية على
ضمانه حتى يعلم خلاف ذلك ، وأما إن وضعته لستة
أشهر أو مقدار ما ينقص بالأهلة من يوم وطئها
المبتاع إن افترق وطؤها تقارب الوطآن أو لم
يتقاربا أو من يوم وطآها إن كان وطؤهما إياها
في يوم واحد ، وهو ميت أو سقط ، فقال في
الرواية إنها من المبتاع ، والولد منه ، وهي
أم ولد له ، وقال يحيى بن سعيد في المدونة
إنها تعتق عليهما جميعاً ، والأظهر أن يحمل
الولد على أنه من البائع ، وتكون الأمة أم ولد
له لأنه باعها وماؤه فيها ، فالضمان منه لا
ينتقل عنه إلا بقين ، وليس وضعها إياه لستة
أشهر مما يحقق أنه من المشتري ، وأما إن وضعته
حياً لستة أشهر أو مقدار نقصها بالأهلة فتدعى
له الثقافة ، وقد قيل
إنه لا تدعى [له] القافة إلا أن تضعه لستة
أشهر كاملة فأكثر ، فإن نقص من ذلك يسيراً أو
أكثر فهو من البائع ، والأشبه أن لا يعتبر
نقصان اليوم واليومين في ستة أشهر ، ألا ترى
لو تزوج رجل امرأة فأتت بولد بعد دخوله بها
بستة أشهر إلا يوماً أو يومين لم يصح أن تحد .
(4/151)
وتحصيل القول
في هذه المسألة أن المشتري إذ وطء الأمة التي
اشتراها قبل الاستبراء فحملت وماتت قبل أن تضع
فمصيبتها منه إلا أن يكون البائع يطؤها إلى أن
باعها فتكون مصيبتها منه وينقض البيع ، فإن لم
تمت ووضعته لأقل من ستة أشهر والبائع يطأ
فالولد ولده والأمة أم ولده ، سقطاً كان الولد
أو تماماً ، حياً كان أو ميتاً ، وإن لم يكن
البائع يطأ فالولد ولد الأمة لا أب لهن
والمشتري بالخيار إن شاء أن يأخذ وإن شاء رد
إلا أن تكون وضعته سقطاً يشبه أن يكون من
المشتري ، فيكون منه وتكون الأمة أم ولد له ،
وإن وضعته لستة أشهر فأكثر والبائع يطأ وولدته
حياً دعي له القافة ، فمن ألحقوه به منهما
ألحق به ، وكانت الأمة أم ولد له ، إلا أن
يدعيا الولد جميعاً فتعتق الأمة عليهما ويرجع
المشتري بنصفها الثمن على البائع . واختلف إن
وضعته ميتاً أو سقطاً ، فقال ابن القاسم في
هذه الرواية إنه من المبتاع ، وإن الأمة أم
ولد له ، وقال يحيى بن سعيد في المدونة تعتق
عليهما جميعاً ، والأظهر أن يلحق الولد
بالبائع وتكون الأمة أم ولد له ، وقد قيل إنه
يلحق بالبائع وتكون الأمة أم ولد له وإن ولدته
حياً ولا تدعى له القافة ، لأن فراش الأول
صحيح وفراش الثاني فاسد ، وقد قال صلى الله
عليه وسلم : "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وقد
أجمعوا لهذا الحديث أن الزوجين إذا وطآ المرأة
في طهر واحد أن الولد للأول وإن أتت به لأكثر
من ستة أشهر لصحة فراشه ، ولا فرق بين
الموضعين في القياس .
وإن لم يكن البائع يطأ فالأمة أم ولد للمبتاع
وولدها لاحق به ، وقد مضى في أول نوازل سحنون
القول مستوفى في الحكم في ميراثه منهما
وميراثهما منه إذا أتت به حياً لأكثر من ستة
أشهر وقالت القافة إنهما اشتركا فيه في
الجارية بين الشريكين ، ولا فرق في هذا بين
المسألتين فلا معنى لإعادة القول في ذلك ،
وأما كسوته والنفقة عليه إلى أن يبلغ حد
الموالاة إذا قالت القافة إنهما اشتركا فيه
فقول عيسى بن دينار أنهما ينفقان عليه جميعاً
، فإذا مات أحدهما أنفق على الصبي مما وقف له
من ميراثه منه نصف نفقته ونصفها على الحي ،
وقيل لا
(4/152)
ينفق عليه منه
لأنه إنما يأخذه بعد الموالاة وهو الذي يأتي
أيضاً على قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من
سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح في العبد
الذي يدعيه الرجلان فيوقف إن النفقة عليهما
جميعاً ، وهذا إذا ادعياه جميعاً أو أنكراه
جميعاً أو لم يدعه واحد منهما ولا أنكره وقال
لا أدري إن كان لي أم لا ، وأما إن ادعاه
أحدهما وأنكره الآخر فالذي يأتي على مذهب من
قال بالموالاة ولم يعمل قول القافة غنهما
اشتركا فيه أن تكون النفقة على الذي يدعيه
منهما إلى أن يبلغ حد الموالاة فيوالي من أحب
منهما فيلحق به ، وإن كان الذي أنكره فتكون
النفقة عليه من حينئذ ، و أما على مذهب من
أعمل قول القافة إنهما اشتركا فيه ورأي أنه
يصح أن يكون علوق المراة بالولد من الرجلين
ولم يقل بالموالاة فالنفقة عليهما جميعاً وإن
كان أحدهما مقراً به والآخر منكراً له . وقول
عيسى إنه لا يرجع الذي لم يواله على الذي
والاه بشيء من النفقة بخلاف المدعيين في العبد
يوقف فينفان عليه جميعاً ثم يقضى به لأحدهما ،
ووجهه أن القضاء بالموالاة ليس بأمر متفق عليه
، وإنما هو استحسان على غير قياس ، واتباع لما
جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك .
وأما قول أصبغ إن النفقة على المشتري حتى يبلغ
فإن والاه فبسبيل ذلك ، وإن والى البائع رجع
عليه بالنفقة ، فقاله على أصله في العبد يدعيه
الرجل فيوقف بما يجب توقيفه به أن النفقة على
الذي هو بيده حتى يقضي به للطالب ، فإن قضي له
به رجع عليه بالنفقة ، ولو قيل في هذه المسألة
إن النفقة على البائع ما لم يوال المشتري
فيحكم بإلحاقه به مراعاة لقول من قال إن الولد
يلحق بالبائع على كل حال لصحة فراشه ولا يدعى
للولد القافة على ما تقدم لكان أشبه من قول
أصبغ .
مسألة
قيل لأصبغ : فلو أنهم ثلاثة نفر وطئوها في طهر
واحد : حر
(4/153)
مسلم ، وعبد ،
ونصراني فحملت الأمة ، والأمة مسلمة؟ فقال :
إن قالت القافة اشتركوا فيها فإنها تعتق على
المسلم والنصراني ولا تعتق على العبد ، ويكون
للعبد قيمة نصيبه عليهما جميعاً ، وإنما
ألزمنا النصراني العتق لأنه حكم وقع بين مسلم
ونصراني ، ولو كانت الأمة نصرانية عتق جميعها
على الحر المسلم ، وقوم عليه نصيب العبد
والنصراني .
قال محمد بن رشد : قد تقدم قول أصبغ هذا في
آخر أول مسألة من نوازل سحنون ، ومضى من
الكلام عليه ما فيه كفاية .
مسألة
قلت لأصبغ : أرأيت إن قالت القافة ليس هو
لواحد منهما ما حال الولد وأمه؟ هل يكونان
مملوكين؟ وكيف إن ادعاه أحدهم والمسألة على
وجهها؟ قال أصبغ : أما الذي أنكرته القافة
فأرى أن يدفع إلى قافة بعد قافة وتطلب له
القافات حتى تجتهد في ذلك فرب قافة أبصر من
قافة وقافة فوق قافة حتى إذا استكمل واستوى
كالم القافات ، رأيت إن كان الآباء مقرين
جميعاً كما ذكرت بالوطء في طهر واحد أن يحمل
محمل الاشتراك ، فيوالي من شاء وتكون أمه
تبعاً له ، ادعياه أو لم يدعياه ، فإذا أقروا
بالوطء في الطهر الواحد كان الوضع لستة أشهر
فصاعداً إن شاء الله ، ولا يبطل نسبه هكذا
وهما مقران به وثم لهما فراشان ، وأما ما ذكرت
(4/154)
من دعوى أحدهما
إياه وإنكار الآخر فإن صح الوطء عليهما في
الطهر الواحد المقارب الذي لا يمكن الخروج
لأحدهما منه في ولادته قبل وقته كشف منكر
الولد عن وطئه الذي أقر به ، فإن كان في صفته
ما يمكن فيه الإنزال لم ألتفت إلى إنكاره
وجعلته كالأول كأنهما اشتركا فيه ، وإن لم يكن
في صفة وطئه وإقراره ما يمكن ذلك وكان يدعي
الخلسة بالعزل من الوطء الذي أقر به فإنني
أستحسن ههنا أن أجعله للآخر وأبوئه منه
استحساناً ، والقياس أن يكونا سواء ، فلعله
غلب ولا يدري وقد قال عمرو بن العاص في نحو
هذا : إن الوكاء ينفلت ، والاستحسان في العلم
يكون أغلب من القياس ، وقد سمعت ابن القاسم
يقول ويروي عن مالك أنه قال : تسعة أعشار
العلم الاستحسان . قال سحنون : إذا قالت
القافة ليس لواحد منهما دعي لهما أيضاً آخرون
[ثم آخرون] ، فإن قالوا ليس الولد لواحد منهما
فإنه يدعى أبداً غيرهم ، لأن القافة إنما دعيت
لتلحق الولد وليس لتنفيه ، وهو قول ربيعة
ومالك .
قال محمد بن رشد : ما قاله أصبغ وسحنون من أن
القافة إذا قالت في الولد إنه ليس لواحد منهما
لا يحكم بقولها في ذلك وينفي الولد عنهما ، بل
يدعى لهما آخرون وآخرون ، فإن اتفقوا على أنه
ليس لواحد منهما حمل محمل الاشتراك صحيح لا
اختلاف فيه من أجل أن الشرع قد احكم أن الولد
للفراش فلا يقبل قول القافة في نفيه عن الفراش
إلى غير فراش ، وإنما يؤخذ بقولها في إلحاق
الولد الواطئين في طهر وحد من ملك اليمين بوجه
(4/155)
شبهة دون صاحبه
لأنها لم تخرج الولد بذلك عن فراش إلى غير
فراش ، وإنما حكمت به لأحد الفراشين لأن واطئ
الأمة غير الزوجة بشبهة يسقط عنه الحد في وطئه
، مثل أن يطأ أمه ابنه أو أمة له فيها شرك أو
أمة لا شك له فيها ألا أنها محرمة عليه بنسب
أو رضاع أو ما أشبه ذلك في حكم من وطء ما يحل
له مما ملكت يمينه في وجوب إلحاق الولد به ،
فإذا اجتمع الرجلان على الأمة فوطآها في طهر
واحد بوجه شبهة وهي لا تحل لواحد منهما ، أو
كانت تحل لأحدهما بالملك ووطئها الآخر بوجه
شبهة فأتت بولد مما يمكن أن يكون لكل واحد
منهما وجب أن تدعى لها القافة فيلحق الولد بمن
ألحقوه به منهما كانا مقرين بالولد ومذعنين له
أو منكرين له ، أو أحدهما مقراً به ومدعياً له
، والثاني منكراً له ، وسواء أقرا بالوطء
والإنزال أو أقرا ب الوطء وادعيا العزل أو
ادعاه أحدهما ، لأن الوكاء قد ينفلت كما قال
عمرو بن العاص بدليل قوله عليه السلام في حديث
أبي سعيد الخدري في العزل : "وما عليكم ألا
تفعلوا ما من نسمة كائنة" الحديث إلا أن يدعي
أحدهما الولد وهو ينزل ، وينكره الآخر وهو
يعزل ، فقال أصبغ ها هنا إن الولد يلحق بالذي
يدعيه استحساناً على غير مقتضى القياس ، وقال
إن الاستحسان قد يكون أغلب من القياس ، وحكى
ابن القاسم روايته عن مالك أنهما قالا : تسعة
أعشار العلم الاستحسان ، والاستحسان الذي يكثر
استعماله حتى يكون أعم من القياس هو أن يكون
طرد القياس يؤدي إلى
غلو في الحكم ومبالغة فيه ، فيعدل عنه فيبعض
المواضع لمعنى يؤثر في الحكم فيختص به ذلك
الموضع كنحو قول أصبغ في هذه المسألة ، لأنه
إذا كان الأصل بدليل الحديث أن من وطئ أمته
فعزل عنها وأتت بولد يلحق به وإن كان منكراً
له وجب على قياس ذلك إذا كانت أمة بين رجلين
فوطآها جميعاً في طهر واحد وعزل
(4/156)
أحدهما عنها
فأنكر الولد وادعاه الآخر الذي لم يعزل عنها
أن يكون الحكم في ذلك بمنزلته إذا كانا جميعاً
يعزلان أو ينزلان والاستحسان كما قال أن يلحق
الولد بالذي ادعاه وأقر أنه كان ينزل ويبرأ
منه الذي [كان] أنكره وادعى أنه كان يعزل ،
لأن الولد يكون مع الإنزال غالباً ولا يكون مع
العزل إلا نادراً ، فيغلب على الظن أن الولد
إنما هو للذي ادعاه وكان ينزل لا للذي أنكره
وهو يعزل والحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام ،
وله في هذا الحكم تأثير ، فوجب أن يصار إليه
استحساناً كما قال أصبغ . ومن الاستحسان
مراعاة الخلاف ، وهو أصل في المذهب ، من ذلك
قولهم إن الماء اليسير إذا حلت فيه النجاسة
اليسيرة ولم تغير أحد أوصافه إنه لا يتوضأ به
ويتيمم ويتركه ، فإن توضأ به وصلى مل يعد إلا
في الوقت مراعاة لقول من رآه طاهراً ويبيح
الوضوء به ابتداء ، وكان القياس على أصل قولهم
أن يعيدا أبداً إذا لم يتوضأ إلا بما يصح له
تركه إلى التيمم ؛ ومن يذلك قولهم في النكاح
الفاسد الذي يجب فسخه ولم يتفق على فساده إنه
يفسخ بطلاق ، وغنه يكون فيه الميراث ، ويلزمه
فيه الطلاق ، وهذا المعنى أكثر من أن يحصى
وأشهر من أن يجهل أو يخفى . وأما العدول عن
مقتضى القياس في موضع من المواضع استحساناً
لمعنى لا تأثير له في الحكم فهو مما لا يجوز
بإجماع لأنه من الحكم بالهوى المحرم بنص
التنزيل ، قال عز وجل : {يا داود إنا جعلناك
خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا
تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} الآية .
والحمد لله رب العالمين كثيراً كما هو أهله ،
والصلاة الكاملة على سيدنا ومولانا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم تسليماً .
(4/157)
|