البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [كتاب النكاح الثاني]
[العبد يتزوج الحرة فتعتق وتتصدق بغير إذنه ولا
مؤامرته بأكثر من الثلث]
كتاب النكاح الثاني
(4/339)
من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية
سحنون من كتاب الأقضية قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن العبد
يتزوج الحرة فتعتق وتتصدق بغير إذنه ولا مؤامرته بأكثر من الثلث، قال: ما
أرى ذلك لها، وهو زوج بمنزلة الحر، وله حق، ولعله أن يكون زاد لها في المهر
لما لها، رجاء أن يتجمل به وأن تعينه في النفقة، ولعله سيعتق يوما من
الدهر، قيل: أرأيت إن كان له منها ولد أترى له الكلام في ذلك بأن يقول:
تتركين ولدي لا مال له؟ أم لا يكون له إذا لم يكن له ولد؟ فقال: ذلك سواء،
إذا كان له منها أو لا ولد له منها، أرأيت الحر يكون له الولد أو لا ولد له
أليس سواء في ذلك؟ فالعبد مثله.
قال محمد بن رشد: مثل هذا لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الهبات، وقد
احتج مالك للمساواة بين الحر والعبد في هذا بمعان ظاهرة بينة ويؤيدها قول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي
بال من مالها إلا بإذن زوجها» ، فعم ولم يخص حرا من عبد، فوجب أن يحمل
الحديث على
(4/341)
ظاهره من العموم لا سيما إذا دلت المعاني
على ذلك، ولولي المولى عليه أن يمنع زوجته من أن تعطي أكثر من ثلث مالها،
قاله ابن المواز، وقد روى أصبغ عن ابن وهب في سماعه من كتاب المديان
والتفليس أن العبد ليس له أن يحجر على امرأته في شيء من مالها بخلاف الحر،
وقال: والله ما اجتمع الناس في الحر رأسا فكيف العبد؟ وقول مالك أولى،
وحجته أقوى.
[مسألة: المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت
في يده قبل أن تقبضه المرأة]
مسألة وسئل عن المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت في يده قبل أن تقبضه
المرأة، قال: ضمانه منها إذا كانت العهدة قد مضت، وكذلك الذي يشتري العبد
ثم يموت في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري فضمانه من المشتري إن كانت
العهدة قد مضت، ولو نما العبد كان لها فكذلك إذا مات يكون عليها، قيل له:
أرأيت أنه لو دفع إليها العبد فمات عندها ثم طلقها من قبل أن يمسها أيرجع
عليها بنصف قيمة العبد يوم دفعه إليها؟ قال: أحر بذلك، قال أشهب: لا ترجع
بشيء إذا مات، قال ابن نافع مثله، وهو قول مالك.
قال محمد بن رشد: رأى مالك في رواية أشهب هذه في العبد المنكح به العهدة
خلاف قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب العيوب، وظاهره في كتاب الزكاة
الأول والنكاح الثاني من المدونة، وجه القول الأول القياس على البيوع بأن
يجعل الصداق ثمنا للبضع، ووجه القول الثاني أن النكاح طريقه المكارمة لا
المكايسة وأن الصداق ليس بثمن للبضع على الحقيقة، وإنما هو نحلة من الله
أوجبه للزوجات على أزواجهن لا عن عوض، لأن المباضعة بينهما واحدة فهي
تستمتع به كما يستمتع بها، وأما قوله: إن ضمانه من المرأة وإن مات بيد
الزوج قبل أن تقبضه فالمعنى في ذلك أن له أن يدخل بها وتكون مصيبة منها،
وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا في المذهب،
(4/342)
فهو يقضي بصحة قول من قال: إن لها جميع
الغلة من يوم تزوجها طلقها أو لم يطلقها، ويكون الزوج إن طلقها مستحقا لنصف
الصداق يوم طلقها بالطلاق فلا يكون له من غلة ما مضى شيء خلاف ما ذهب إليه
ابن القاسم من أن الغلة بينهما نصفين من أجل أنه لو مات ثم طلقها كانت
المصيبة منها، ورأى مالك في هذه الرواية للزوج على المرأة إن طلقها وقد مات
العبد في يديها نصف قيمته فقال: أحر بذلك، وكذلك يلزم على طرد قوله: وإن
مات بيده قبل أن تقبضه وإن كان ذلك لا يوجد لهم، ويأتي ذلك أيضا على القول
بأن المرأة يجب لها جميع الصداق المسمى بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق وجميعه
بالارتداد، ويأتي مذهب ابن القاسم في أن الغلة بينهما على قياس قول من
يقول: إن المرأة لا يجب لها بالعقد من التسمية إلا نصفها ولا تستحق النصف
الثاني إلا بالدخول أو الموت، وفي كلا القولين نظر، إذ لو وجبت لها التسمية
بالعقد لما سقطت بالارتداد كما لا تسقط به بعد الدخول، ولو لم يجب لها بعد
العقد إلا نصفها لما وجب لها النصف بموتها لأن الموت لا يوجب للميت حقا لم
يكن واجبا له قبل، والذي يصح أن يعبر به في ذلك أن يقال: إن التسمية تجب
لها بالعقد وجوبا غير مستقر، ويستقر لها نصفها بالطلاق وجميعها بالموت أو
الدخول، وبالله التوفيق.
[مسألة: تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد
فأراد أبوها الارتحال بها معه وأبت]
مسألة وسئل عن امرأة تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد فأراد أبوها
الارتحال بها معه وأبت ذلك، وقالت: لا أفارق ولدي، فقال: ليس ذلك له أن
يخرج بها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها مالكة لأمر بنفسها فلا حق له عليها
في الخروج بها، ولو كانت سفيهة غير مالكة لأمر نفسها لكان له
(4/343)
الارتحال معها على معنى ما وقع في سماع
أشهب من كتاب المديان والتفليس، وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره.
[توفي وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة]
ومن كتاب الأقضية الثاني وسئل مالك عمن توفي
وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة أخت
أبيها فحالوا بينها وبين رسول عمتها فقال: ليس لهم أن يمنعوا رسولها يأتي
فيسلم ويعود، وليس لهم أن يمنعوها أن تأتي عمتها فتسلم عليها في الفرط.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن منعها من عمتها ومنع رسول عمتها منها
قطع لما أمر الله به من صلة الأرحام، قال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] أي الأرحام أن
تقطعوها، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
«اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أمنى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة» ،
وقد أثنى الله عز وجل على من انتهى إلى ما أمر به من صلتها فقال:
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ} [الرعد: 21] الآية، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يكون له بيت لنفسه وله نساء يأتينه في
بيته ولا يأتيهن في بيوتهن]
مسألة وسئل عن الرجل يكون له بيت لنفسه وله نساء تأتيه كل واحدة منهن يومها
في ذلك البيت ولا يأتيهن في بيوتهن، فقال مالك: ما أرى ذلك إن أبين أن
يطاوعنه، وإن كان ذلك نصفة بينهن، رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان يأتي أزواجه في بيوتهن.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه واجب أن يقتدي بالنبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(4/344)
في أفعاله كما يجب أن ينتهي إلى أقواله،
قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}
[الأعراف: 157] ، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فيقضى على الرجل أن يسكن كل واحدة من زوجاته في
بيت، ويقضى عليه أن يدور عليهن في بيوتهن لا يأتينه إلا أن يرضين، قال ذلك
محمد بن عبد الحكم، وهو صحيح على مذهب مالك، وقد روي عن مالك فيمن قال
لامرأته: أنت طالق إن وطئتك إلا أن تأتيني: إنه مول إذ ليس عليها أن تأتيه.
[مسألة: تزوجت ابنتها فأرادت الخروج بها لتصلح
منها وزوجها بذلك راض]
مسألة وسئل عن امرأة لها بنت، قد تزوجت ابنتها فأرادت أمها الخروج بها
تتبدى وتصلح منها، وزوجها بذلك راض ولم يدخل بها بعد، فقالت: فمنعني منها
ابن عمها، قال مالك: وكم بين منزلك وبين الموضع الذي تريد أن تتبدي إليه؟
فقالت: ميلان، فقال: ما أرى بذلك بأسا أن يخرج بها إلى المكان القريب
وزوجها راض.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة من أن الأم ليس لها أن تنقل
بنيها الذين تحضنهم عن الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم إلا إلى الموضع
القريب البريد ونحوه حيث يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، فإذا رضي الزوج
بإخراجها إياها إلى المكان القريب لم يكن لوليها في ذلك كلام، وقد روي عن
مالك أن لها أن تخرج بهم إلى مسافة المرحلة، ثم رجع فقال: لا أرى لها أن
تضر بأوليائهم.
[مسألة: رجل كان يأكل من مال امرأته فسكتت ثم
بعد ذلك طالبته بذلك]
مسألة وسئل، قال لمالك رجل: إني كنت آكل من مال امرأتي وهي
(4/345)
تنظر لا تغير ذلك علي ولا أستأذنها فيه،
فأقامت سنين ثم قالت: أعطني ما أكلت من مالي، ودخلتها غيرة، أترى ذلك علي؟
قال: نعم أعطها أو استطب نفسها.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قوله في المدونة في كتاب النكاح الثاني
في التي أنفقت على زوجها ثم طلبته بما أنفقت عليه، أن ذلك لها إلا أن يرى
أنه كان منها له على وجه الصلة لأنه إذا كان لها أن تتبعه بما أنفقت عليه
هي من مالها، فأحرى أن يكون لها أن تتبعه بما أنفقه هو على نفسه من مالها
وهي تنظر ولا تغير، وهو أصل قد اختلف فيه، إذ لا فرق بين أن يأكل مالها وهي
تنظر فلا تغيره ولا تنكر، أو يسكن معها في دارها ثم تطلبه بالكراء، وقد
اختلف قول ابن القاسم في هذا في المدونة. وإذا وجب لها الرجوع عليه بذلك
فبعد يمينها أنها إنما سكتت على أن تطلب بحقها في ذلك، ومن هذا المعنى هبة
أحد الزوجين صاحبه إذا ادعى أنه أراد بها الثواب، وقد اختلف في ذلك على
ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا ثواب له إلا أن يرى أنه أراد بذلك الثواب، وهو
قول مالك في المدونة، والثاني: أنه لا ثواب له إلا، أن يشترطه، وهو ظاهر
قول ربيعة فيها، وقول مالك الذي يتلوه لقول سحنون وقال مالك والليث مثله،
والثالث: أن له الثواب وإن لم يظهر ما يدل على أنه أراد بذلك الثواب، حكى
هذا القول عبد الوهاب في المعونة.
[المرأة يقضى لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها]
ومن كتاب الطلاق قال: وسألته عن المرأة يقضى
لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها؟ قال: لا يقضى
لها بصداق واحدة منها، إنما يقضى لها بصداق مثلها على مثل حالها في زمانها
الذي هي فيه، أين صداق النساء اليوم من صداق من مضى؟ كانت المرأة صداقها
قبل اليوم أربعمائة درهم، وصداقها اليوم عشرون درهما.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك أن يعتبر في فرض صداق المثل في
(4/346)
نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن على مثل
حالها من العقل والجمال والمال، فلا يكون لها مثل صداق نسائها إذا لم تكن
على مثل حالها، ولا مثل صداق من لها مثل حالها إذا لم يكن لها مثل نسبها،
والدليل على ذلك من مذهبه قوله في المدونة: ولكن ينظر إلى أشباهها في قدرها
وجمالها وموضعها أي موضعها من النسب، فاشتراط الموضع يدل على أنه أراد
بقوله فيها: لا ينظر في هذا إلى نساء قومها أنه لا يفرض لها مثل صدقات نساء
قومها إذا لم تكن على مثل حالها من المال! والجمال والعقل، فالاعتبار عنده
بالوجهين جميعا، إذ قد تفترق الأختان في الصداق كما قال فيها بأن تكون
إحداهما لها المال والجمال والشطاط، والأخرى ليس لها شيء من ذلك، فمعنى
قوله في هذه الرواية: لا يقضى لها بصداق واحدة منها يريد إذا لم تكن على
مثل حالها وفي زمانها أيضا إذ قد تختلف الصدقات باختلاف الأزمنة على ما
قال، وقد تأول بعض الناس على مالك أنه إنما ينظر إلى أمثالها من النساء في
جمالها ومالها وعقلها ولا ينظر إلى نساء قومها، وليس ذلك بصحيح على ما
بيناه من مذهبه في المدونة، ونساء قومها اللواتي يعتبر بصداقهن أخواتها
الشقائق وللأب وعماتها الشقائق أيضا وللأب، ولا يعتبر في ذلك بصدقات
أمهاتها ولا خالاتها ولا أخواتها للأم ولا عماتها للأم، لأنهن من قوم
آخرين، فقد تكون هي قرشية يرغب فيها لنسبها وتكون أمهاتها وأخواتها للأم
وعماتها للأم من الموالي، والأصل في الاعتبار بنساء قومها في ذلك «حديث عبد
الله بن مسعود روي أنه أتي إليه في امرأة توفى عنها زوجها ولم يفرض لها
صداقا ولم يدخل بها فترددوا إليه فلم يفتهم، فلم يزالوا به حتى قال: إني
سأقول فيها برأي، أرى لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها
الميراث، فقام معقل بن سنان فشهد أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قضى في بروع بنت واشق الأشجعية بمثل
(4/347)
ما قضيت، ففرح بذلك عبد الله» . ومن الناس
من يعتبر نساء قومها دون حالها هي، حكى ذلك الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه
والشافعي، وهو بعيد، وبالله التوفيق.
[مسألة: طلب المرأة أن تزوج من كفؤ ووليها غائب]
مسألة وسمعته كتب إلى ابن غانم يقول: وسألت عن المرأة ترفع إليك أنها تريد
التزويج فتسألها هل لها ولي فتذكر أن لها عمها أو أخاها أو ابن عم على
مسيرة الثلاث أو الأربع أو أكثر من ذلك في شأنه وضيعته لا يقدم القيروان،
وتسألك أن تزوجها رجلا كفؤا يقول: وربما كان ولي المرأة مولاها الذي أعتق
أبوه أباها هل ينزل منزلة الأخ والعم وإني أرى إذا كان أمرها على ما وصفت
من حالها وغيبة ولاتها وكفاءة من تدعو إليه أن تزوجها ولا يضرها عندك غيبة
ولاتها الذين وصفت فالسلطان ولي مثلها، وهو أحد الولاة الذين سمى عمر بن
الخطاب عنه لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو
السلطان.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك
في المدونة في أن حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تنكح
المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان معناه عنده الترتيب
في الاختيار لا في الوجوب؟ لأنه يقول: إن أولياء المرأة أحق بإنكاحها من
ذوي الرأي، وذو الرأي أحق من السلطان، ومن قرب من الأولياء أحق ممن بعد.
فإن زوج البعيد دون القريب مع حضوره أو من هو من ذوي الرأي منها دون الولي
مع حضوره، أو السلطان دون الأولياء مع حضورهم مضى النكاح، ولم يكن للأقرب
أن يرده، ويأتي على مذهب من حمل حديث عمر على الترتيب في الوجوب ورأى للولي
الأقرب إذا زوج الولي الأبعد الخيار في
(4/348)
رد النكاح أو إمضائه على ما حكى سحنون في
المدونة عن جماعة من الرواة أن لا يكون للسلطان أن يزوج المرأة في مغيب
أوليائها إذا كانت غيبتهم قريبة على الثلاث والأربع ونحو ذلك حتى يعذر
إليهم بمنزلة الإعذار في الحقوق، وبالله التوفيق.
[مسألة: خطبها ولها بنت صغيرة فتزوجها وهو يعلم
ثم أمرها بإخراج ابنتها]
مسألة وسئل مالك عن امرأة خطبها رجل ولها بنت صغيرة لم تل نفسها فتزوجها
وهو يعلم ذلك ثم بنى بها وابنتها معها ثم قال لها بعد: أخرجي ابنتك عني،
أترى ذلك له؟ قال: ما أرى ذلك له.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله، أنه إذا تزوجها وهو يعلم بابنتها ثم بنى بها
وهي معها، فليس له أن يخرجها وإن كان لها من أوليائها من يحضنها، والوجه في
ذلك أنه لما بنى بها وهي معها فقد رضي ألا يخرجها عنها، ولو لم يعلم بها أو
علم بها وأبى في البناء عليها وهي معها لكان له ألا تكون معه إذا كان لها
من أوليائها من يحضنها، فسواء علم بها أو لم يعلم ليس له أن يحول بينها وبن
أمها للضرورة إلى ذلك، وهي امرأته إن شاء أمسك على أن تكون ابنتها معها وإن
شاء طلق، هذا الذي ينبغي أن يحمل عليه قول مالك، والله أعلم، قال ابن
الماجشون في الواضحة: علم أنه معها فأراد إخراجه من بيتها وأبت الأم، فله
ذلك إن كان له أب أو ولي من رجل أو امرأة تأخذه إلى نفسه، وإن لم يكن له
أحد فليس له أن يخرجه، وعلى ذلك نكح، فأما قوله: إنه إن علم بها فله أن
يخرجها من بيته فوجهه أنه لم يجعل بناءه عليها وهي معها رضى منه باستمرار
كونه معها، وأما قوله: فإن لم يكن له أحد فليس له أن يخرجه وعلى ذلك نكح
فيدل على أنه لو لم ينكح على ذلك لكان له ألا يكون معه وإن لم يكن له أحد
يأخذ لنفسه ويؤويه إليه، وهو بعيد جدا، والله أعلم، وقد مضى في رسم المحرم
القول في تسكين الرجل مع زوجته بنيه من غيرها أو أبويه، وبالله التوفيق.
(4/349)
[مسألة: الرجل
يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة وغير ذلك دون الأخرى]
مسألة قال: وسمعته يسأل عن الرجل يرضي إحدى امرأتيه بالنفقة يعطيها إياها
وغير ذلك مما يرضيها في يومها الذي هو لها فيكون فيه عند امرأته الأخرى،
فقال: إن الناس ليفعلون ذلك، فقيل له: أتكره هذا أنت؟ فقال: غيره أحب إلي
منه.
قال محمد بن رشد: قد سئل في هذا الرسم بعينه من هذا السماع من كتاب طلاق
السنة عن المرأة تشتري من صاحبتها يومها من زوجها، فقال: ما يعجبني هذا،
وإني لأكرهه، أرأيت لو اشترت منها شهرا أو سنة؟ وإني لأرجو أن تكون الليلة
خفيفة، فظاهر قوله أنه فرق في الليلة الواحدة بين أن يكون الرجل هو المشتري
لها من امرأته أو تكون صاحبتها هي التي اشترتها منها فجعل شراء المرأة من
صاحبتها الليلة أشد في الكراهة، فيحتمل أن يكون المعنى المفرق بينهما عنده
أن المرأة لا تدري ما يحصل لها بما أعطت من الاستمتاع بزوجها، إذ قد يصيبها
في تلك الليلة وقد لا يصيبها، والرجل يدري ما يحصل له من الاستمتاع بما
أعطى إذ هو مالك للإصابة إن شاء أصاب وإن شاء لم يصب، وأما شراء المدة
الطويلة فالكراهة فيها بينة من كل واحد منهما لأنه غرر إذ لا يدري كل واحد
منهما هل يعيش إلى تلك المدة هو أو الذي اشترى الاستمتاع به، وبالله
التوفيق.
[مسألة: رجل قال إن تزوجت فلانة فهي طالق]
مسألة وسئل عن رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها فطلقت عليه،
أتطلق عليه إن تزوجها بعد ذلك أيضا؟ قال: لا تطلق عليه.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة على أصله في المدونة وفي غير ما. مسألة من
العتبية من كتاب النذور ومن كتاب الأيمان بالطلاق ومن كتاب العتق حاشا
مسألة الوتر الواقعة في رسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع
(4/350)
ابن القاسم من كتاب النذور، وقد مضى من
القول على ذلك هناك ما فيه كفاية لمن تأمله، فلا معنى لإعادته، وبالله
التوفيق.
[مسألة: المساواة بين الزوجات]
مسألة وقال لي مالك: سمعت أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان، فإذا كان يوم
إحداهما لم يشرب من بيت الأخرى، إنما سمعت ذلك وما أدري ما حقه؟.
قال محمد بن رشد: وجاء عنه أنهما توفيتا معا في الوباء الذي أصابهم بالشام
فدفنتا في حفرة واحدة فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر، وإنما كان يفعل
ذلك تحريا للعدل والمساواة بينهما من غير أن يكون ذلك واجبا عليه، لا بأس
على الرجل أن يتوضأ من ماء المرأة من زوجاته ويشرب من بيتها الماء ويأكل من
طعامها الذي ترسل إليه في يوم غيرها من غير أن يتعمد بذلك ميلا وأن يقف
ببابها، فيتفقد من شأنها ويسأل عن حالها ويسلم من غير أن يدخل عليها أو
يجلس عندها، روي «عن أم سلمة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان عند بعض أزواجه في يومها يطوف على سائر
أزواجه قائما ولا يجلس، قالت: فوقف علي يوما وأنا أطبخ قدرا فيها لحم،
فقال: "ماذا تطبخين يا أم سلمة في هذه القدر؟ "، فقلت: يا رسول الله لحما
أفلا أناولك منه؟ قال: "بلى"، وجلس على العتبة قالت: فناولته فأكل منه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء المؤذن فقام فصلى ولم يمس ماء» .
[مسألة: امرأة ابن أخيه أرضعت بلبنه جارية ثم
تزوجها]
مسألة وسئل فقيل له: إن امرأة ابن أخي أرضعت بلبنه جارية ثم تزوجها، فقال:
أفي الصغر؟ فقال له: نعم، فقال له: أرى نكاحها
(4/351)
مفسوخا، لأن لبن الفحل يحرم، وهذا لبن
الفحل، فالرضاعة تحرم ما تحرم الولادة، وما أرى نكاحك إلا مفسوخا، وأما إذا
تزوجت فارجع إلي إن شئت.
قال محمد بن رشد: لبن الفحل يحرم عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع
أصحابه، ولا اختلاف فيه بين أحد من فقهاء الأمصار «لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة في عمها أفلح أخي القعيس: إنه عمك
فليلج عليك» ، بعد أن قالت له: يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم
يرضعني الرجل - تعني بالمرأة زوجة أبي القعيس - لأنها لما أرضعتها بلبنه
صار أبا لها من الرضاعة وصار أخوه أفلح عما لها من الرضاعة، وقد كانت عائشة
لا ترى لبن الفحل يحرم، فكان يدخل عليها من أرضعه بنات أخيها وبنات أختها
ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها، فرأى ذلك طائفة من العلماء، منهم ابن
المسيب، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، والنخعي، وأبو قلابة علة في
حديثها إذ لا يمكن أن تخالف ما روت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لغير
حجة علمتها، ولم ير مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك علة في حديثها إذ قد
يمكن أن تكون خالفته لتأويل لا يلزم اتباعها عليه، إلا أن من مذهبه مراعاة
الخلاف إذا قوي، فأراد، والله أعلم، بقوله للسائل: وأما إذا تزوجت فارجع
إلي إن شئت، أن يسأله كم أرضعت الجارية؟ وهل كان رضاعها في الحولين أو بعد
الحولين؟ إذ قد قال جماعة من العلماء: لا تحرم المصة ولا المصتان، على ما
روي في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال جماعة منهم أيضا: إنه
لا يحرم من الرضاع ما كان بعد الحولين وإن قرب، ولم يكن قبل ذلك فصال، فلو
اتفقت هذه الأسباب لم يفرق بينهما، والله أعلم، لأن الخلاف كان يقوى في
المسألة لدخوله فيها من وجوه شتى، وبالله التوفيق.
[مسألة: المرأة المستخلفة على يتيمة هل تعقد
لها النكاح]
مسألة وسألته عن المرأة المستخلفة على يتيمة أليس هي لا تعقد
(4/352)
النكاح ولكنها تستخلف رجلا يكون هو الذي
يعقده؟ فقال لي: بلى.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن كل من لا يجوز أن يكون وليا للمرأة من
امرأة وعبد أو نصراني، فلا يجوز لهم إذا استخلفوا على امرأة أن يلوا العقد
عليها، وإنما يجوز لهم أن يلوه على من استخلفوا عليه من الذكور، وقد مضى
القول على هذا مشروحا بينا في رسم سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.
[مسألة: تزوج امرأة فنقدها صداقها فيقول أهلها
لا تدخل حتى نسمنها ونحسن إليها]
مسألة وسئل عمن تزوج امرأة فنقدها صداقها وقال: أدخلوها علي، فيقول أهلها:
حتى نسمنها ونحسن إليها، ألزوجها أن يدخل عليها من ساعتها وقد أعطاهم
صداقها؟ فقال: الوسط من ذلك، ليس له أن يقول: أدخلوها علي الساعة، ولا لهم
أن يؤخروها عنه، ولكن الوسط من ذلك بقدر ما يجهزونها ويهيئون أمرها، وقد
قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] ،
وقال لنبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ، ولهم حق
وحرمة، فالوسط من ذلك المعروف.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن تعجيل دخوله عليها من ساعته
تضييق عليها وإضرار بها وتأخيرها عنه المدة الطويلة حمل عليه وإضرار به،
فالوسط من ذلك عدل بينهما، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«خير الأمور أوساطها» وإذا وجب أن يؤجل الغريم فيما حل عليه من الحق بقدر
ما يهيئه وييسره ولا يباع عليه فيه عروضه بالغا ما بلغ في الحين، فالمرأة
أولى بالصبر عليها في الدخول بها إلى أن تهيئ من شأنها ما تحتاج إليه في
القدر الذي لا يضر بالزوج أن يؤخر إليه.
(4/353)
[مسألة: المرأة
تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته بإنكاحها بغير مؤامرتها]
مسألة قال: وسألته عن المرأة تشهد لوليها أنها قد ولته أمرها وأمرته
بإنكاحها بغير مؤامرتها إن جاءه كفؤ، فيأتيه من يرضى فيزوجه إياها بأقل من
مهر مثلها، فقال: ما هذا من عمل الناس، لا أرى إذا جاء من يرضاه لها أن
يزوجه إياها، وهو الذي عليه عمل الناس، ومضوا عليه، قال سحنون: وإذا فوضت
إليه إنكاحها ممن رآه ورضيه فأنكحها ممن رأى بغير مؤامرتها، فالنكاح لها
لازم، بكرا كانت أو ثيبا.
قال محمد بن رشد: أما إذا زوجها بأقل من صداق مثلها فلا يلزمها النكاح
باتفاق إلا أن ترضى به، وأما إذا زوجها بصداق مثلها فقيل: النكاح لها لازم
لا خيار لها فيه لأنها قد فوضت إليه أن يزوجها ممن رآه، وهو قول سحنون،
وقيل: لا يلزمها ولها أن تدفعه إن شاءت وترضى به إن شاءت، قرب الأمر أو
بعد، وهو قول مالك، والقولان في المدونة، قال ابن حبيب: وإنما يجوز لها
الرضى به إذا كان ذلك بحدثان العقد، فإن لم يكن بحدثانه فالنكاح مفسوخ، ولا
يجوز لها أن ترضى به إلا أن يجدد نكاحا جديدا بعد فسخ الأول على قياس
المشهور من قولهم في الولي يزوج وليته الغائبة قبل أن يستأمرها، وليس بصحيح
لأنهما مسألتان، والفرق بينهما بين. وسيأتي القول على هذا في رسم الجواب من
سماع عيسى إن شاء الله، ولو زوجها من نفسه إذا فوضت إليه أن يزوجها ممن شاء
لم يلزمها النكاح إلا أن تشاء، قاله في المدونة، ولا اختلاف في ذلك إن شاء
الله.
[النصراني يختن ابنا له فيدعو في دعوته مسلمين
أو مسلما]
ومن كتاب الأقضية الثالث قال: وسئل عن النصراني يصنع صنيعا فيختن ابنا له
فيدعو في دعوته مسلمين أو مسلما، أترى أن يجيبه؟ فقال: إن شاء جاء، ليس
عليه في ذلك ضيق، إن جاء فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: معنى قوله: إنه لا إثم عليه في ذلك ولا حرج إن
(4/354)
فعله، وذلك إذا كان له وجه من جوار أو
قرابة أو ما أشبه ذلك، والأحسن أن لا يفعل لا سيما إذا كان ممن يقتدى به؛
لما في ذلك من التودد إلى الكفار، وقد قال الله: {لا تَجِدُ قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية.
[مسألة: تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل
في المرحاض]
مسألة وسئل، فقيل له: أليس واسعا أن تدخل جارية الزوجة أو الولد على الرجل
في المرحاض فقال مالك: لا، ما في ذلك من سعة، قال عز وجل: {أَزْوَاجِهِمْ
أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] .
قال محمد بن رشد: يريد من أجل أن الرجل يتجرد في الخلاء، ولا يجوز للمرأة
أن تنظر من الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه، وقد
أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يستأذن للرجل على أمه، وقال للسائل
عن ذلك: «أتحب أن تراها عريانة» ، وقد قيل: إنه لا يجوز للمرأة أن تنظر من
الرجل إلا إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من المرأة، وهو بعيد يلزم عليه
ألا ييمم النساء الرجال الأجنبيين إلا إلى الكوعين، وهذا ما لا يوجد في شيء
من مسائلنا، وإن كان ذلك ظاهر قول الله عز وجل لأنه قال: {وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] ، كما قال:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ،
فالمعنى في ذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عما لا يحل لهن من النظر
فيه، وقد بينت ذلك السنة، وذلك «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين
(4/355)
ثيابك عنده» ، فلولا أنها في النظر إليه
كحكم الرجل في النظر إلى ذوات محارمه لما أباح لها النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الاعتداد عنده، وهذا بين والله أعلم.
[مسألة: رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه
وتقول لا آكل إلا الحنطة]
مسألة وسئل عن رجل يطعم أهله الشعير فتأبى ذلك عليه وتقول: لا آكل إلا
الحنطة، أترى ذلك له عليها؟ فقال: نعم، أرى ذلك له عليها إذا كان الناس قد
أكلوا الشعير، فأما إذا كان القمح كثيرا موجودا وكان واجدا فإني أرى أن
يعطيها القمح.
قال محمد بن رشد: في قوله: وكان واجدا، دليل على أنه لو لم يكن واجدا وعجز
عن أن يعطيها القمح لكان له أن يعطيها الشعير، وإن كان القمح كثيرا موجودا
بالبلد هو جل قوتهم به، خلاف ما في رسم الكبش في سماع يحيى من كتاب طلاق
السنة من قوله فيه: وليس له أن يخصها بما لا يحتمله أهل بلدها، وجه رواية
أشهب هذه هو أنه الذي يدل عليه قول الله عز وجل: {مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، إذ قد علم أن الرجل لا يطعم أهله
إلا ما يجد ويقدر عليه، ووجه رواية يحيى أن الزوجين قد دخلا من الإنفاق على
عرف البلد، فكما لا يكون للزوجة أن تأخذ الزوج بالحنطة إذا قدر عليها وأهل
البلد يأكلون الشعير، فكذلك لا يكون للزوج أن يعطي الزوجة الشعير إذا عجز
عن الحنطة وأهل البلدة لا يأكلونها.
[مسألة: الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله عليه
فيريد أن يمنعها من الدخول عليها]
مسألة وسئل عن الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله عليه فيريد أن يمنعها من
الدخول عليها، قال: ينظر في ذلك، فإن كانت مسيئة
(4/356)
منعها بعض المنع ولا كل ذلك، وإن كانت غير
مسيئة لم تمنع من الدخول على ابنتها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ إنها إذا كانت مسيئة منعت من كثرة التكرر
بالدخول إليها للضرر الداخل بذلك على الزوج ولم تمنع من الدخول جملة لما في
ذلك من قطع صلة الرحم، وإذا لم تكن مسيئة لم تمنع من شيء، وهي محمولة على
غير الإساءة حتى تثبت إساءتها، وبالله التوفيق.
[مسألة: الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته
كلام فيمنعه من الدخول على أخته]
مسألة وسئل عن الذي يكون بينه وبن ختنه أخي امرأته كلام، فيمنعه من الدخول
على أخته، فقال: ما أرى أن يمنع، لم يمنع؟ قلت له: أليس له أن يدخل؟ قال:
بلى له أن يدخل، ورواها عبد الرحمن بن أشرس عن مالك هكذا.
قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال، إنه ليس له أن يمنع أخا امرأته من صلتها
بالدخول عليها وتفقد شأنها لما كان بينه وبينه من الكلام إلا أن يتهمه
بإفسادها عليه ويبين ذلك فيمنع بعض المنع لا كل المنع كالكلام في المسألة
التي فوقها.
[هل تخرج الجارية المملوكة متجردة]
ومن كتاب الأقضية قال: وسئل مالك: أيكره أن تخرج الجارية المملوكة متجردة؟
فقال: نعم وأضربها على ذلك.
قال محمد بن رشد: يريد بمتجردة: مكشوفة الظهر أو البطن، وأما خروجها مكشوفة
الرأس فهو سنتها لئلا تتشبه بالحرائر اللواتي أمرهن الله بالحجاب وأن يدنين
عليهن من جلابيبهن. وقد رأى عمر بن الخطاب أمة لابنه عبيد الله قد تهيأت
بهيئة الحرائر فدخل على حفصة ابنته فقال لها: ألم أر جارية
(4/357)
أخيك تجوس الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر،
وأنكر ذلك. قال عبد الملك في الواضحة: وما رأيت بالمدينة أمة تخرج، وإن
كانت رائعة إلا وهي مكشوفة الرأس في ضفائرها أو في شعر مجمم لا تلقي على
رأسها جلبابا لتعرف الأمة من الحرة، إلا أن ذلك لا ينبغي اليوم لعموم
الفساد في أكثر الناس، فلو خرجت اليوم جارية رائعة مكشوفة الرأس في الأزقة
والأسواق، لوجب على الإمام أن يمنع من ذلك ويلزم الإماء من الهيئة في
لباسهن ما يعرفن به من الحرائر، والله الموفق، لا رب غيره، ولا معبود سواه.
[مسألة: امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته
فباعته ثم طلقها قبل البناء بها]
مسألة وسئل عن امرأة أصدقت عبدا ثم دفع إليها وقبضته فباعته ثم طلقها قبل
البناء بها، فبأي شيء يرجع عليها أبنصف قيمته أم بنصف الثمن الذي باعته به
أم بماذا؟ فقال: لا أرى له عليها إلا نصف الثمن الذي باعته به إذا باعته
بوجه البيع ولم يتبين في بيعه منها محاباة في البيع ولا مداهنة، لا أرى له
عليها إذا كان ذلك إلا نصف الثمن الذي باعت به العبد.
قال محمد بن رشد: وهذا على القول بأنه إذا مات ثم طلقها لا يرجع عليها
بشيء، وأن الغلة تكون بينهما بنصفين وأنها إن وهبته أو أعتقته تلزمها فيه
القيمة يوم وهبت أو أعتقت، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة
وقول أشهب وابن نافع وروايتهما عن مالك في أول رسم من هذا السماع، وأما على
القول بأن لها جميع الغلة وأنها إن وهبته أو أعتقته تلزمها القيمة يوم
القبض وهو قول غير ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني من المدونة فيلزمها
إذا باعته قيمته يوم قبضته، وعلى هذا يأتي قول مالك في أول رسم هذا السماع
أمر بذلك في وجوب رجوع الزوج عليها بنصف قيمته إذا مات
(4/358)
في يديها ثم طلقها، وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة
في تأدية حقه]
مسألة وسألته عن الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه، فإذا
رأته داخلا تلقته فأخذت عنه ثيابه ونزعت نعليه، ولم تزل قائمة حتى يجلس،
فقال: أما تلقيها إياه ونزعها ثيابه ونعليه فلا أرى بذلك بأسا، وأما قيامها
فلا أرى ذلك ولا أرى أن يفعله، هذا من التجبر والسلطان، فقلت له: والله ما
ذلك من شأنه ولا تشبهه هذه الحال، ولكنها تريد إكرامه وتوقيره وتأدية حقه،
وإنه لينهاها عن ذلك ويمنعها منه، فقال لي: كيف استقامتها في غير ذلك؟ فقلت
له: من أقوم الناس طريقة في كل أمرها، فقال: تؤدي حقه في غير هذا، فأما هذا
فلا أرى أن تفعله، إن هذا من فعل الجبابرة، بعض هؤلاء الولاة يكون الناس
ينتظرونه جلوسا فإذا طلع عليهم قاموا له حتى يجلس، فلا خير في هذا ولا
أحبه، وليس هذا من أمر الإسلام، فأرى أن تدع هذا وتؤدي حقه في غير ذلك،
وليس هذا مثل الذي أخبر الله عنه: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - للدابة التي ركب: ما نزلت عنها حتى تغيرت نفسي، قال مالك: ولعمر
فضله.
قال محمد بن رشد: القيام للرجل على أربعه أوجه: وجه يكون القيام فيه
محظورا، ووجه يكون فيه مكروها، ووجه يكون فيه جائزا، ووجه يكون فيه حسنا،
فأما الوجه الذي يكون فيه محظورا لا يحل، فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما لمن
يحب أن يقام إليه تكبرا وتجبرا على القائمين إليه، وأما الوجه الذي يكون
القيام فيه مكروها فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما وإجلالا لمن لا يحب أن
(4/359)
يقام إليه ولا يتكبر على القائمين إليه،
فهذا يكره للتشبه بفعل الجبابرة ولما يخشى أن يدخله من تغير نفس المقوم
إليه، وأما الوجه الذي يكون القيام فيه جائزا فهو أن يقوم تجلة وإكبارا لمن
لا يريد ذلك ولا يشبه حاله حال الجبابرة ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه
لذلك، وهذه صفة معدومة إلا فيمن كان بالنبوة معصوما، لأنه إذا تغيرت نفس
عمر بالدابة التي ركب عليها، فمن سواه بذلك أحرى، وأما الوجه الذي يكون فيه
القيام حسنا فهو أن يقوم الرجل إلى القادم عليه من سفر فرحا بقدومه ليسلم
عليه، أو إلى القادم عليه مسرورا بنعمة أولاها الله إياه ليهنئه بها، أو
إلى القادم عليه المصاب بمصيبة ليعزيه بمصابه وما أشبه ذلك، فعلى هذا يتخرج
ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها، من ذلك أنه قال: «من
أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ويروى: من أحب أن
يستجم» ، ومعناه معنى الأول، وقد رواه بعض الناس: «من أحب أن يستخم له
الناس قياما» ، وقال: معناه أن يطول قيامهم له حتى تتغير روائحهم من طول
القيام كما يفعل الجبابرة من طول قيام الناس على رؤوسهم، وليس ذلك بصحيح،
لأن معاوية بن أبي سفيان راوي الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أعلم بمعناه، روي «عن أبي مجلز قال: دخل معاوية بيتا فيه عبد
الله بن الزبير وعبد الله بن عامر، فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير وكان
أرزنهما فقال معاوية: اجلس يا ابن عامر، فإني سمعت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: من أحب أن يمثل له الرجال قياما
فليتبوأ مقعده من النار» وقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لعكرمة بن أبي جهل عند قدومه عليه من اليمن فرحا بقدومه عليه مسلما، ورمى
عليه رداء فسلم عليه وبايعه، وقام طلحة بن عبد الله بحضرته - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله عليه، فلم
ينكر ذلك عليه ولا قام من مجلس النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أحد سواه
إليه، فكان كعب يقول: لا أنساها لطلحة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكره أن يقام إليه فلا يقوم إليه من علم بكراهيته
لذلك، روي «عن أنس أنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من
(4/360)
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك» وروي
عن أبي هريرة أنه قال: «كنا نقعد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في المسجد بالغدوات فإذا قام إلى بيته لم نزل قياما حتى يدخل
بيته» ، فتأويل ذلك أنهم كانوا يفعلون ذلك لما يلزمهم من إكبار النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتوقيره لقول الله عز وجل:
{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] قبل أن يعلموا بكراهيته لذلك،
وأما ما روي من «قوله للأنصار: قوموا إلى سيدكم» فيحتمل أن يكون إنما أمرهم
بذلك تجلة له وإكراما لعلمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لا
يحب ذلك منهم، وأنه ليس ممن يتكبر عليهم، وقد قيل: إنه إنما أمرهم بالقيام
إليه ليعينوه على النزول من على الحمار الذي أتى عليه لأنه كان مريضا من
الجرح الذي كان أصابه، وكان رجلا بدينا، فهو وجه كراهية مالك لقيام المرأة
إلى زوجها، وبالله التوفيق.
[مسألة: يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق
عليها حتى إذا بلغت أراد أخذها]
مسألة وسئل عن الرجل يعطي الرجل ابنته ويكتبها له هبة فينفق عليها حتى إذا
بلغت أراد أخذها فقال: أما الرجل يعطي الرجل ابنته ليس بينه وبينها حرمة
يحرم بها عليه نكاحها، فليس ذلك بحسن أن يعطيها غير ذي محرم، فأما ذو حرمة
ممن لا تحل له مثل العم والخال ومن لا يحل له نكاحها، فإن ذلك لا بأس به،
وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا على وجه إساءة إليها وضرر،
فقيل له: أفيكون للذي وهبت له أن ينكحها بغير رضا أبيها؟ فقال: أرى إنكاحها
إلى الذي وهبت له إن كان جعل ذلك بيده إذا دعا إلى سداد، قلت: أرأيت إن مات
الأب أله أن ينكح الجارية بغير إذنها فقال: لا، وذلك مثل أن لو جعل ذلك
(4/361)
إلى ابنه ثم مات، لم يكن له أن ينكحها إلا
بإذنها.
قال محمد بن رشد: كراهيته للرجل أن يهب ابنته لمن لا حرمة بينه وبينها،
صحيحة بينة في المعنى، وقد ذهب أهل النظر إلى أن ما في كتاب النكاح الأول
من المدونة في مسألة رجال من الموالي يكفلون صبيانا من العرب، يدل على أنه
لا كراهية في ذلك، خلاف ما ها هنا وليس ذلك بصحيح لأنه لم يتكلم هناك على
ما تكلم عليه ها هنا من جواز الفعل ابتداء، وإنما تكلم في إنكاحها إذا وقعت
الحضانة، فقال: أرى تزويجها جائزا عليها، يريد بغير رضاها، والوجه في ذلك
أنه أنزله بالحضانة لها في حياة أبيها منزلة الوكيل له على إنكاحها، فلا
يحتاج في ذلك إلى رضاها، وذلك خلاف قوله ها هنا؛ إذ لم ير إنكاحها إليه
بالهبة والحضانة، إلا أن يكون جعل ذلك إليه نصا، وحكى ابن حبيب مسألة مالك
في المدونة في صبيان الأعراب على خلاف ما وقعت في المدونة، فقال فيها:
وتكون فيهم الجارية وقد مات أبوها وغاب أهلها، فإن الذي كفلها ورباها أولى
بعقد نكاحها لما قد ولي منها، يريد أنه أولى بعقد نكاحها من ولاتها، فأنزله
منزلة الوصي بالحضانة، وذلك نحو ما في كتاب القسمة من المدونة أن الرجل
تجوز مقاسمته على اللقيط الذي هو في حجره، والمشهور المعلوم في المذهب أن
الولي أحق بالإنكاح من الحاضن، وقد جعل ابن العطار مسألة المدونة أصلا بنى
عليه فقال: ولا يجوز للكافل أن يزوج ذات الأب وإن كفلها ورباها، إذا كان
أبوها بالحضرة إلا أن يكون غائبا فيزوجها الكافل بغير رضاها على نحو ما وقع
في المدونة من صبيان الأعراب الذين يدفعونهم إلى من يكفلهم، قال: وكذلك حال
أهل البدو عندنا مع أهل الحضر، قال: والكافل والمربي والحاضن في غير ذات
الأب كالولي، يريد أن له أن يزوجها برضاها، وذلك من قوله صحيح مثل قوله في
آخر هذه الرواية، وقوله: وإن أراد أبوها أن يأخذها منه لم أر ذلك له إلا
على وجه إساءة إليها وضرر صحيح، والوجه في ذلك أن هبته إياها له إنما هي
هبة حضانته التي له، فإذا وهبها لم يكن له أن يرجع فيها، ووجه آخر أنه إذا
وهبه إياها فقد ملكه الانتفاع بها بنفقته عليها فأشبه عقدة الإجارة عليها،
وذلك إذا لم يكن لها أم ولا من هو أحق بحضانتها منه، فإن كان لها أم هي
(4/362)
معه في عصمته، فروى ابن نافع عن مالك في
المدنية أن ذلك لازم لها وإن طلقها إذا لم يرد بذلك ضررها، وكان ذلك منه
على وجه المعروف والصلة وطلب الخير، وقال في النكاح الثاني من المدونة: مثل
الرجل الفقير المحتاج، خلاف ظاهر ما في المدونة، وأما إن كان لها أم مطلقة
فليس ذلك له لأنها أحق بحضانتها منه إلا أن يكون له مال ينفق عليها منه فلا
يكون للأم في ذلك كلام إلا أن يشاء أن يخصها وينفق عليها، ونص رواية ابن
نافع عن مالك في المدنية قال: سألت مالكا عن الرجل يهب ولده لإنسان، قال
مالك: الهبة إنما هي حضانة، فإن كانت أم الولد حية نظر لها في أمره، فإن
كان إنما وهبه ضررا لأمه لم يجز ذلك، وإن كان وهبه للنظر وطلب الخير والصلة
جاز ذلك عليها إذا كانت هبته إياها على وجه المعروف الجائز، ثم إن طلق أمه
بعد ذلك لم يكن له أن يأخذه ممن وهبه له، وبالله التوفيق.
[الترغيب في نكاح البكر الولود]
ومن كتاب الطلاق قال: وسمعته يقول: تزوج عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - امرأة ثم دخل على حفصة ابنته فرفته ودعت له بالبركة وقالت: أما
إنها لا ولد فيها، فقال: ما نكحت إلا للولد، ثم خرج من عند حفصة فأرسل
إليها بالطلاق من ساعته، ولم يكن دخل بها.
قال محمد بن رشد: معنى رفته دعت له بالرفاء أي بإتمام الصحبة وحسن العشرة،
وهو مأخوذ من رفو الثوب: إذا أصلح ورم ما كان فيه من خلل وفساد، وصواب
الكلمة رفأته لأن الفعل مهموز، وإنما كرهها عمر لكونها لا ولد فيها وقال:
إنما نكحت للولد؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» روي عنه - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أنه قال: إني لأتزوج المرأة وما لي فيها حاجة، وأطؤها وما
أشتهيها، فقيل له: وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: رجاء أن يكون
مني من يكاثر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النبيين يوم
(4/363)
القيامة، فإني سمعته يقول: «عليكم بالأبكار
فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلاقا وأنتق أرحاما، وإني مكاثر. بكم الأمم يوم
القيامة» يعني بقوله، أنتق أرحاما: أقبل للولد.
[مسألة: تزوج امرأة بألف ودخل بها ثم مات فطلبت
صداقها]
مسألة وسئل عمن تزوج امرأة بألف دينار ودخل بها وأقام معها نحوا من ثمانية
أشهر ثم مات، فطلبت صداقها، هل ترى اليمين على ورثته؟ فقال: أرى على ورثته
أن يحلفوا ما نعلم بقي لها عليه صداق حتى مات، قال: وليس يدخل النساء على
أزواجهن إلا بالرضى من مهورهن.
قال محمد بن رشد: أوجب اليمين على الورثة في هذه الرواية على العلم وإن لم
تدع ذلك المرأة عليهم، خلاف ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة من أنهم
لا يمين عليهم إلا أن تدعي عليهم العلم، وخلاف ما في كتاب بيع الغرر منها
في مسألة التداعي في وقت موت الجارية الغائبة المشتراة على الصفة إن كان
قبل الصفة أو بعدها، وإنما يجب عليهم اليمين إذا كانوا ممن يظن بهم العلم
على ما قال في كتاب العيوب والأقضية من المدونة، فإن نكلوا عن اليمين حلفت
المرأة على ما تدعي معرفته من أنها لم تقبض صداقها وتستوجبه لا على أن
الورثة علموا أنها لم تقبض، فهذه اليمين ترجع على غير ما نكل عنه الورثة،
ولها مظاهر كثيرة، فيختلف في لحوق هذه اليمين للورثة لأنها يمين تهمة إذا
لم تحقق الزوجة عليهم الدعوى على ما ذكرناه، ولا يختلف في رجوعها على
الزوجة لمعرفتها بما تحلف عليه كما يختلف في رجوع يمين التهمة، وبالله
التوفيق.
[مسألة: زوج وليته صغيرة لم تبلغ المشورة في
نفسها]
مسألة وسئل عمن زوج وليته صغيرة لم تبلغ المشورة في نفسها فقال:
(4/364)
لا يزوجها، قلت له: فإن زوجها فرق بينهما؟
قال: لا أدري، قد زوج بعض الناس هكذا، فإذا تفاوت ووقعت المواريث فلا أدري.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول مستوفى في هذه المسألة في رسم شك في طوافه،
من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا وفي
رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وبالله التوفيق.
[مسألة: عبد كان لسيده بيده مال فكتب إليه أن
اشتر جارية أيصلح له وطؤها]
مسألة قال: وسئل عن عبد كان لسيده بيده مال فكتب إليه أن اشتر جارية أيصلح
له وطؤها؟ قال: أما من مال سيده فلا يصلح إلا أن يكون أسلفه ثمنها.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم باع غلاما من سماع
ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: هبة الرجل لعبده الدني الهيئة العامل
في السوق الجارية يطؤها]
مسألة وسألته عن هبة الرجل لعبده الدني الهيئة العامل في السوق الجارية
يطؤها، قال: نعم، إن كانت هبته مستقيمة، قلت له: يكون أن يزوجه إياها مخافة
أن يبيعه فلا يقدر على نزعها منه، فيقول: أهبها له فإن بدا لي نزعتها منه،
فقال: لا يعجبني هذا، يعيره إياها لا، إلا هبة صحيحة، يريد بذلك سروره
وولده وإعفافه.
قال محمد بن رشد: وهذه المسألة أيضا قد مضت والقول فيها في رسم باع غلاما
من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته، والمعنى فيها بين، وبالله التوفيق.
[مسألة: نكحها أن تضع عنه نصف المهر ولا يخرجها
من المدينة]
مسألة وسئل مالك عن امرأة نكحت على أربعمائة دينار صداقا على
(4/365)
أن تضع له مائتي دينار ولا يخرجها من
المدينة، فنكحته على ذلك، ثم أراد إخراجها فطلبت ما وضعت عنه، فقال: إن كان
أكثر لها من الصداق ليس ذلك صداق مثلها، فله أن يخرجها ولا ترجع عليه بالذي
وضعت عنه من أجل الشرط، وإن كان صداق مثلها فوضعت عنه على أن لا يخرجها من
المدينة، فإن له أن يخرجها حيث شاء وعليه أن يرد عليها الذي وضعت عنه من
صداقها، يرجع إليها، وله أن يخرج بها حيث شاء، قلت له: إن كان الذي أصدقها
أكثر من صداق مثلها فوضعت عنه على أن يسكنها بلدها، فليس ذلك لها، وله أن
يخرج بها حيث شاء ولا شيء عليه فيما وضعت عنه، وإن كان الذي أصدقها [فوضعت]
صداق مثلها على أن يسكنها بلدها فليس ذلك له، وله أن يخرج بها حيث شاء،
ولها عليه ما وضعت عنه من صداق مثلها؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية أن ما وضعت المرأة في العقد للشرط من
صداق مثلها لا يلزمها كما لا يلزمه الشرط، فيكون لها ما وضعت من صداق مثلها
وفى لها بالشرط أو لم يف، وهو قول ابن كنانة وروايته عن مالك، ومثله في
مختصر ما ليس في المختصر لابن شعبان خلاف رواية علي بن زياد عن مالك في
النكاح الثاني من المدونة أن لها أن ترجع فيما وضعت من صداق مثلها بالشرط
إذا لم يف لها بالشرط، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك أن ما وضع للزوج
في عقد النكاح من الصداق على الشرط موضوع عن الزوج، ولا يلزمه الشرط، كان
الموضوع من صداق المثل أو زائدا عليه، وقد قيل: إن ما وضعت في العقد من
صداقها على الشرط كما وضعت بعد العقد لا تكون له الوضيعة إلا أن يفي بالشرط
كان الموضوع من صداق المثل أو زائدا عليه، حكى هذا القول ابن حبيب عن بعض
الناس، وقد روي عن مالك
(4/366)
أنها إذا وضعت في العقد من صداقها شيئا
للشرط سقط الشرط وردت إلى صداق مثلها، والقياس أن يفسخ قبل الدخول ويثبت
بعده، ويسقط الشرط، ويكون لها صداق مثلها إلا إن ينقص من المسمى فلا ينقص
منه شيء، وكذلك يلزم على قياس هذا القول إذا تزوجها بكذا وكذا على أن لها
من الشرط عليه كذا وكذا، والمشهور أن النكاح جائز والشرط غير لازم، ولا
اختلاف بينهم فيما وضعت عنه بعد العقد من التسمية، أن الوضيعة إنما تكون له
إن وفى بالشرط، ولا اختلاف بينهم أيضا أن ما اشترطت من الشروط في العقد دون
تسمية صداق ساقط والنكاح لازم، فإن وقع النكاح دون شرط ثم سمى الصداق على
الشرط سقط الشرط ووفيت تمام صداق مثلها إن كانت التسمية أقل من ذلك، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يتزوج المرأة بالعبد ثم يوجد مسروقا
وقد دخل بها فيؤخذ منها]
مسألة وسئل عن الذي يتزوج المرأة بالعبد ثم يوجد مسروقا وقد دخل بها فيؤخذ
منها، قال: يحال بينه وبينها حتى يعطيها مهرها، وليس مثل الذي يخالع امرأته
بالعبد يأخذه ثم يوجد مسروقا؛ لأن الخلع ينقطع به الميراث.
قال محمد بن رشد: قوله: حتى يعطيها مهرها، يريد صداق مثلها، وهو الصحيح في
القياس لأن العبد عوض من البضع، فإذا استحق العبد من يد المرأة وجب أن ترجع
بقيمة بضعها لفواته بالعقد عليه وقيمته صداق المثل، وإنما كان العقد دون
الدخول في النكاح فوتا لما يوجبه من الحرمة، وقد قيل: إنه ليس بفوت، ويفسخ
النكاح إذا كان الصداق عرضا بعينه واستحق قبل الدخول، وهو قول يحيى في
العشرة، قال: إن المرأة إذا تزوجت بعبد غائب فمات قبل النكاح فسخ، والمشهور
في المذهب أنها ترجع بقيمة العبد المستحق من يدها كما يرجع الزوج بقيمته
إذا اسحق من يده في الخلع، وما في هذه الرواية هو القياس، وقوله إنه يحال
بينه وبينها حتى يعطيها مهرها يحتمل أن يريد أن ذلك من حق الزوجة فإن رضيت
أن تتبعه بمهرها وتبيح له التمادي
(4/367)
على وطئها، جاز ذلك، ويحتمل أن يريد أنه لا
يباح له التمادي على وطئها وإن رضيت بذلك حتى يدفع إليها مهرها من أجل أنه
يكره للرجل أن يدخل بامرأته حتى يدفع إليها مهرها أو ربع دينار منه،
والتأويل الأول أصح في المعنى، والثاني أظهر من جهة اللفظ، وإليه نحا ابن
المواز، وقد قيل: إنه لا يكون ذلك من حقها وله أن يتمادى على وطئها وتتبعه
بمهرها دينا ثابتا في ذمته، ووجه القول الأول أنها مغلوبة على الدخول بها
بما أعطاها من مهرها، فلما استحق وأخرج من يدها كانت على رأس أمرها كما لو
غصبها نفسها قبل أن يعطيها صداقها، فقد روى ابن أبي جعفر الدمياطي عن ابن
القاسم أنه يؤدب ويحال بينه وبينها حتى يعطيها صداقها، بخلاف إذا أذنوا له
في الدخول عليها ليراها فوطئها. ووجه القول الثاني أنه لما فعل في الدخول
بها ما يجوز له ولم يتعد، كان بمنزلة ما لو أذنت له في الدخول عليها، فوجب
أن لا يمنع من التمادي على وطئها، وهذا الاختلاف إنما هو عندي إذا لم يغرها
بذلك، وأما إذا علم أنه مسروق وغرها فيكون من حقها أن تمنعه من نفسها حتى
يعطيها مهرها، على ما قاله بعد هذا في هذا الرسم قياسا على ما قالوا في
المكاتب يقاطع سيده على حلي استرفعه أو ثياب استودعها، أنه يرد في الرق ولا
يعتق، وما في رسم العشور بعد هذا في مسألة الغرر من أنه إن كان قريبا لم
يمنع من أهله وكان ذلك دينا يتبع به معناه عندي أنه لا يمنع من أهله إذا
رضيت أن تبيح له التمادي على وطئها على أن تتبعه بمهرها، وقد كان الشيوخ
يحملون ذلك على ظاهره من أنه ليس لها أن تمنعه من التمادي على وطئها إذ قد
فات الأمر بالدخول بها، وقال ابن المواز: معناه إن بقي بيدها من صداقها ربع
دينار فأكثر، وأما إن لم يبق من صداقها بيدها شيء فلها أن تمنعه نفسها حتى
يعطيها ربع دينار، وذلك كله بعيد في المعنى، إذ لا فرق بين أن يغرها بما
يدفعه إليها مما لا شبهة له فيه وبين أن يغصبها نفسها، وبالله التوفيق.
[مسألة: زوجها غير ولي ابن عم له وأشهدت له على
ذلك ووليها قريب يعرفون مكانه]
مسألة قال: وسئل مالك عن امرأة زوجها غير ولي ابن عم له،
(4/368)
وأشهدت له على ذلك ووليها قريب يعرفون
مكانه، فقال له مالك: أدخل بها؟ فقال: نعم، قال: فالذي تزوجها كفؤ؟ قال:
نعم، قال مالك: أرى تدع هذا وتدع الكلام فيه، كانت في الناس حطمة، وتقول:
أصابتني الضيعة، وتزوجها كفؤ فلا أرى أن تتكلم في هذا. قال محمد بن رشد:
مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أشهب عنه أن لا يزوج الأجنبي
الشريفة ولا الوضيعة، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن للمرأة
الدنية والمسكينة أن تستخلف رجلا أجنبيا يعقد نكاحها، فرأى إجازة النكاح
لما وقع للحطمة التي كانت في الناس وما خشي على المرأة بسبب ذلك من الضيعة
على أصله في مراعاة الخلاف، لا سيما وقد اختلف في ذلك قوله، ونحو هذا أيضا
في سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق.
[مسألة: نكح إلى قوم بخادم فأبوا أن يدخلوها
عليه حتى يعطيهم الخادم]
مسألة وسئل عمن نكح إلى قوم بخادم فأبوا أن يدخلوها عليه حتى يعطيهم
الخادم، فذهب فاستعار خادما فأعطاهم إياها ودخل على امرأته، ثم علموا بذلك
فقال: ترد الخادم إلى أهلها ويحال بينه وبين امرأته حتى يعطيها مهرها،
وكذلك المكاتب يأتي بحلي استرفعه أو سرقه أو ثياب، فيقاطع سيده، ثم يؤخذ
ذلك منه، أيعتق هذا هكذا بالباطل؟ لا يؤخذ الحق بالباطل.
قال محمد بن رشد: لا يختلف في أنه يحال بينه وبينها في هذه المسألة لأنه قد
غرها بخلاف المسألة المتقدمة، ويريد بمهرها ها هنا الخادم التي تزوجها
عليها على صفة ما وصفوا، ولو تزوجها على خادم بعينها فاستحقت لكان لها صداق
مثلها، وقد مضى القول على ذلك قبل هذا في هذا الرسم، ويريد بقوله: إن
المكاتب لا يعتق: إذا قاطع سيده بما لا شبهة له في ملكه، أنه يرد مكاتبا
كما كان قبل انقطاعه، ولا اختلاف في هذا، وإنما اختلف إذا قاطع
(4/369)
سيده بما كان له في ملكه شبهة فاستحق،
والقولان في المكاتب من المدونة.
[مسألة: تزوجها على أنها طالق البتة إن خرج بها
من بلدها إلا برضاها]
مسألة وسئل عمن تزوج امرأة على أنها طالق البتة إن خرج بها من بلدها إلا
برضاها، فخرج يطلب الزرع فأقام هنالك فأطال المقام فتحملت امرأته حتى قدمت
عليه، أترى عليه شيئا؟ فقال: نعم، أرى ذلك عليه، هو الذي أخرجها، تركها
عارية جائعة لا يبعث إليها نفقة ولا كسوة فأخرجها بذلك، فروجع في ذلك فقال:
أرى ذلك عليه، إن شاء بعث إليها بنفقة، قيل له: إلا أن يكون من عذر سجن أو
مرض أو حاجة، فقال: أرى ذلك عليه، لو شاء بعث إليها نفقة.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في نوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، وحكى ابن
سحنون عن أبيه أنه لا حنث عليه، وقول مالك أظهر لأن اضطراره إياها إلى
الخروج إخراج، والحنث يدخل بأقل الوجوه، وأما إذا كان له عذر من مرض أو سجن
أو حاجة، فلا يجب أن يحنث، فقوله: أرى ذلك عليه لو شاء بعث إليها نفقة،
يريد: إذا لم تكن الأعذار التي ذكرت من السجن والمرض والحاجة، والله أعلم.
[مسألة: يكسب مالا حراما فيتزوج به]
مسألة وسئل عمن يكسب مالا حراما فيتزوج به، أتخاف أن يكون ذلك مضارعا
للزنا؟ قال: إني والله لأخافه، ولكن لا أقوله.
قال محمد بن رشد: وجه اتقاء مالك أن يكون فعله مضارعا للزنا هو أن الله
تعالى إنما أباح الفرج بنكاح أو ملك يمين، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «لا نكاح إلا بولي وصداق» فنفى أن يكون نكاحا جائزا
إلا على هذه الصفة،
(4/370)
والمتزوج بمال حرام لم يتزوج بصداق إذ ليس
المال الحرام بمال له، فإذا وطئ فيه فقد وطئ فرجا بغير ملك يمين ولا نكاح
أباحه له الشرع، وبالله التوفيق.
[مسألة: أحسنا أن يستأمر الرجل ابنته البكر]
مسألة وسئل: أترى حسنا أن يستأمر الرجل ابنته البكر؟ فقال: إن ذلك لحسن،
وإن فعل بغير إذنها فذلك له، وإني لأخاف أن يتراقى هذا بالناس في استئذان
الأب ابنته البكر حتى يجري بين الناس ويمضي، وإن أخف الشأن أن يزوج ابنته
حيث رجا لها النكاح، ولا يجوز عليها أمر ولي غير أبيها إلا بإذنها.
قال محمد بن رشد: استحسانه أن يستأمر الرجل ابنته البكر في النكاح صحيح
جيد، إذ من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز له إنكاحها إلا بإذنها، فالخروج
من الخلاف باستئمارها أولى، وليس صوابا هذا مما يخفى، وبالله التوفيق.
[مسألة: يواعد المرأة في عدتها ثم يتزوجها بعد
انقضاء عدتها ويدخل بها]
مسألة وسألته عن الذي يواعد المرأة في عدتها ثم يتزوجها بعد انقضاء عدتها
ويدخل بها، قال: أرى أن يفسخ في رأيي وتكون طلقة لما فيه من الشبهة
احتياطا، ثم ينكحها نكاحا جديدا، قلت له: أترى هذا مثل الذي ينكح المرأة في
العدة ثم يدخل بها فلا يتراجعان أبدا؟ فقال: لا، هذا ينكحها بعد أن يفسخ
وإن كان مسها.
قال محمد بن رشد: أوجب الله تعالى العدة في الموت والطلاق حفظا للأنساب
وتحصينا للفروج، ونهى عن النكاح فيها وعن المواعدة فقال: {وَلا تَعْزِمُوا
عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]
وقال:
(4/371)
{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ
تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وهو التعريض. واختلف إذا واعد
في العدة ثم تزوج بعدها، فقيل: إن النكاح يفسخ لأنه بني على المواعدة
المنهي عنها وهي رواية أشهب هذه، وقيل: إنه لا يفسخ إذ لم ينعقد في العدة،
وهي رواية ابن وهب عن مالك في المدونة لأنه استحب الفسخ فيها ولم يوجبه،
واختلف على القول بوجوب فسخه إذا لم يفسخ حتى دخل ووطئ، فقيل: إنها لا تحرم
عليه بذلك، وهي رواية أشهب هذه ورواية عيسى عن ابن القاسم في رسم الجواب من
كتاب طلاق السنة، وقيل: إنها تحرم عليه، وهي رواية عيسى عن ابن القاسم في
رسم الرهون من هذا الكتاب إذا كان الوعد شبيها بالإيجاب. وأما إذا تزوج في
العدة فلا اختلاف أن النكاح يفسخ، واختلف هل تحرم عليه للأبد أم لا، على
أربعة أقوال: أحدها أنها تحرم عليه بالعقد وإن لم يطأ، حكى هذا القول عبد
الوهاب ولم يسم قائله، والثاني أنها لا تحرم عليه إلا بالوطء في العدة وهو
قول المغيرة وغيره في المدونة ورواية عيسى عن ابن القاسم في طلاق السنة في
رسم الجواب، والثالث أنها تحرم عليه بالوطء، كان في العدة أو بعدها، وهو
قول مالك في المدونة وظاهر قول عبد العزيز فيها، والرابع أنها لا تحرم أصلا
وإن وطئ في العدة، وهو قول ابن نافع وروايته عن عبد العزيز بن أبي سلمة.
وأما القبلة والمباشرة بعد العدة فلا يقع التحريم بها باتفاق، واختلف إذا
قبل أو باشر في العدة، فقيل: إن ذلك بمنزلة الوطء فيها يقع بها التحريم،
وهو قوله في المدونة وقيل: إن التحريم لا يقع بذلك، وهي رواية عيسى عن ابن
القاسم في كتاب طلاق السنة، قال: لأن الوطء بعينه فيه من الاختلاف ما فيه،
فكيف إذا لم يطأ؟ فهذا تحصيل القول في هذه المسألة.
[مسألة: ينكح وهو مريض هل يقيم على ذلك النكاح
إذا صح]
مسألة وسئل عن الذي ينكح وهو مريض، أترى أن يقيم على ذلك النكاح إذا صح؟
فقال: لا أرى ذلك الآن، قلت له: أرأيت لو
(4/372)
نكح وهو مريض ثم ماتت أيرثها؟ فقال: لا
يرثها ولا ترثه، أنا أقول: ليس ذلك النكاح بشيء فكيف يرثها؟ قال سحنون: هذه
الرواية أفضل من رواية ابن القاسم، وسئل عنها سحنون فقال مثله، ورواها أصبغ
عن أشهب وقال: هو رأيي لم أزل أقوله وأرد خلافه، وقد ذكره ابن وهب عن مالك
وليس رواية ابن القاسم عندي بشيء.
قال محمد بن رشد: قد حكى ابن القاسم عن مالك القولين جميعا في النكاح
الثاني من المدونة، وذكر أن الذي رجع إليه منهما أن يثبت النكاح إذا صح
وأمره أن يمحو القول الأول، وإياه اختار ابن القاسم، وهو الأظهر، لأن المرض
ليس بعلة في فساد النكاح إلا من أجل ما يخشى من الموت، ولو أمكن أن يعلم
أنه لا يموت من ذلك المرض ويصح منه لجاز النكاح فيه، فإذا صح كشف الغيب
بصحته أن النكاح وقع في حال يصح إيقاعه فيه فوجب أن يجوز، ووجه القول الأول
أنه نكاح فسد لوقوعه في حال لا يصح إيقاعه فيه فوجب أن لا يصح بزوال تلك
الحال، أصل ذلك المحرم لا يثبت نكاحه وإن لم يعثر عليه حتى حل من إحرامه،
والذي يبيع أو يشتري بعد النداء يوم الجمعة لا يثبت بيعه وشراؤه إذا لم
يفسخ حتى انقضت الصلاة على القول بوجوب فسخه، وليس ذلك بقياس صحيح لأن
العلة ها هنا الإحرام وحضور الصلاة. ألا ترى أنا لا نجيز للمحرم النكاح وإن
علمنا أنه سيحل منه ولا لمن تجب عليه الجمعة البيع في وقت صلاة الجمعة وإن
علمنا أن الوقت المنهي عن البيع والشراء فيه سينقضي، فبان الفرق بين
الموضعين. وأما قوله: إنه لا يرثها، فإنما يأتي على ما اختاره سحنون من أن
كل نكاح كان الزوجان فيه مغلوبين على الفسخ فلا طلاق فيه ولا ميراث، وأما
على ما اختاره ابن القاسم من أن الطلاق والميراث يكونان في كل نكاح اختلف
الناس فيه، فينبغي أن يرثها لأنه نكاح مختلف فيه لا سيما على قوله بأن
النكاح يثبت إذا صح، لذهاب العلة بالصحة، لأنها تذهب أيضا بالموت إذ لا
يمكن أن ترثه هي بعد الموت، وأما
(4/373)
تعليله بأنه لا يرثها من أجل أنها لا ترثه،
فليست بعلة بينة إذ قد يطرأ على النكاح المتقرر بين الزوجين ما يمنع أحدهما
الميراث دون صاحبه، مثل أن يخالعها في مرضه، والله الموفق.
[مسألة: نكح امرأة في مؤخر المسجد ثم قام فلقيه
رجل فقال أنا أكره كتمان ذلك]
ومن كتاب الطلاق قال: وسئل مالك عمن نكح امرأة في مؤخر المسجد ثم قام فلقيه
رجل فقال له: كأنكم كنتم على إملاك؟ فقال: لا، فقال: أنا أكره كتمان ذلك،
وأحب إلي أن يفشى، ولا أرى عليه في قوله شيئا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن النكاح يستحب فيه الإعلان، وقد استجيز
فيه لعلة الإعلان من اللهو ما لا يستجاز في غيره، ومعنى قوله: لا أرى عليه
في قوله هذا شيئا؛ أي ليس عليه شيء له تأثير في النكاح؛ لأن عليه فيه إثم
الكذب المحرم في الشريعة إلا في مواضع معلومة على وجوه مخصوصة، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يقول له رجل ألك امرأة فيقول لا وله
امرأة]
مسألة قيل له: أرأيت الذي يقول له رجل: ألك امرأة؟ فيقول: لا، وله امرأة؟
فقال: لا أرى عليه شيئا إذا كان على هذا الوجه.
قال محمد بن رشد: معنى قوله: لا أرى عليه شيئا؛ أي لا أرى عليه طلاقا، ومثل
هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب طلاق السنة وفي رسم لم يدرك من
سماع عيسى من كتاب العتق، وقال ابن القاسم في سماعه المذكور وعيسى في سماعه
المذكور أيضا: إنه يحلف ما أراد بذلك طلاقا، وزاد ابن القاسم: ويؤدب.
[مسألة: الرجل المتزوج باثنين في تحديد نيته أي
المرأتين طلق]
مسألة وسئل عمن خطب امرأة وله امرأة كانت أم ولد له فسألوه أن
(4/374)
يطلقها فأبى، وأبوا إلا ذلك، فتركهم وأضرب
عنهم حتى تزوج امرأة أخرى فصارت له امرأتان، ثم رجع إليهم فخطبها فقالت: لا
أتزوجك إلا أن تطلق عني امرأتك، تعني الأولى التي كانت سألته طلاقها، فقال
لها: أنا أفعل، فلما قعدوا للإملاك قال: اشهدوا أن امرأتي طالق البتة، إذا
ملكت عقدة النكاح هذه، وهو ينوي بذلك المرأة التي نكح أخيرا، ولا يظنون هم
إلا الأولى التي كانوا سألوه طلاقها، فلما بلغ القوم أنه لم يطلق عنهم التي
كانوا سألوه، وأنه إنما طلق أخرى تزوجها، ناكروه [ذاك] فقال: أما النكاح
فلا أرى أن يفسخ ولا أرى ما أراد إلا على ما أراد، فأرى عليه اليمين بالله
الذي لا إله إلا هو ما طلق إلا هذه الآخرة، الناس ينوون في مثل هذا، وإنما
مثل هذا رجل كانت له امرأة ليس له غيرها، قد علم ذلك قوم، ثم تزوج أخرى لم
يعلموا بها فسألوه طلاق امرأته ولا يعلمون له إلا الأولى فقال: امرأتي طالق
البتة، فهو ما أراد.
قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة على القول بأن اليمين على نية
الحالف لا على نية المحلوف له، وهو قول مالك في رسم شك في طوافه من سماع
ابن القاسم من كتاب النذور، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم أيضا من كتاب
الأيمان بالطلاق، وهو قول ابن وهب في سماع عيسى وزونان من كتاب الأيمان
بالطلاق، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا حسبما مضى تحصيله في رسم شك في
طوافه من سماع ابن القاسم من كتاب النذور وإيجابه اليمين عليه أنه ما طلق
إلا هذه على القول في لحوق يمين التهمة، وقد اختلف في ذلك، فإن نكل عن
اليمين طلقت عليه دون رد يمين، وقيل: بعد رد اليمين، وأما الأخرى التي زعم
أنه أرادها فتطلق عليه على كل حال بإقراره أنه أرادها.
(4/375)
[مسألة:
المتناكحين صغيرين ينكحهم الأولياء ثم يبلغ فينكر]
مسألة قال: وسئل عن المتناكحين صغيرين، ينكحهم الأولياء، ثم يبلغ فينكر،
قال: لا أدري، قيل: أفليس الميراث ثابتا بينهما إذا ماتا؟ فقال: بلى لعمري،
وسئل عن الذي يزوج وليته قبل أن تبلغ ثم تبلغ فلا ترضى، قال: أرى أن يفسخ،
ولا يجوز له أن ينكحها حتى تبلغ ما يبلغ النساء فيشاورها.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم شك في طوافه
من سماع ابن القاسم، وتأتي في رسم لم يدرك من سماع عيسى وفي سماع أصبغ،
والحمد لله.
[مسألة: تزوج امرأة فأذنت له بالدخول عليها قبل
أن يعطيها صداقها]
مسألة وسئل فقيل له: إني تزوجت امرأة فأذنت لي بالدخول عليها والسكنى
والمبيت معها قبل أن أعطيها صداقها وأنفق عليها وأستقي لها ماء، فأنا أضطجع
معها إلى جنبها في اللحاف وتمنعني نفسها حتى أعطيها صداقها وليس عندي، فقال
له: ذلك لها، أرضها من مهرها، استعن عليها ببعض جاراتها، فأما النفقة عليها
فذلك لها عليك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أن من حقها أن تمنعه نفسها حتى تأخذ صداقها،
وإن أذنت له بالدخول عليها والاضطجاع إلى جنبها؛ إذ كان من حقها أن تمنعه
من ذلك كله حتى يعطيها صداقها فلا يلزمها منه إلا ما أباحته له ورضيت به،
وقوله: استعن عليها ببعض جاراتها، يريد في التأخير أو الهبة إلا في ربع
دينار من ذلك، إذ يكره له مالك الدخول دون أن يقدم لها من الصداق ربع دينار
على ما يأتي له بعد هذا فيمن نكح بدين، أنه استحب له أن ينقد شيئا قبل
الدخول، ومثل ما في آخر رسم استأذن ورسم أوصى، من سماع عيسى، وقد أجاز ذلك
ابن المسيب وغيره ولم يروا فيه كراهة، وهو معنى قول
(4/376)
الله عز وجل: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] وهو عند
مالك خفيف، وإنما كرهه من كرهه مخافة أن تهب له الصداق فيبقى البضع دون
شيء، وأما قوله في النفقة: إنها لها عليه، فهو صحيح، إذ هي واجبة بحق
الاستمتاع، فيلزمه إذا دعي إلى الدخول، وقد قيل: إنها تجب بالعقد، والأول
هو المشهور في المذهب، والله الموفق للصواب.
[مسألة: تزوج امرأة على أن لا يمنعها من المسجد]
مسألة وسئل مالك عمن تزوج امرأة على أن لا يمنعها من المسجد، فقال: ينبغي
له أن يفي لها بما قال، ولا يقضى بذلك عليه، فإن أبى أن يدعها فذلك له، وله
أن يمنعها.
قال محمد بن رشد: وكذلك ينبغي له أن لا يمنعها من المسجد وإن لم تشترط ذلك
عليه لأنه مندوب إليه بقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تمنعوا إماء
الله مساجد الله» وذلك عليه مع الشرط آكد لثلاثة أوجه: أحدها قول رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق الشروط أن تفوا بها ما
استحللتم به الفروج» والثاني الوفاء بالعهد، إذ قد قال رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الخلف فيه من علامات النفاق» والثالث
مراعاة الاختلاف، إذ قد ذهب جماعة من العلماء إلى أنها واجبة يقضى بها، روي
عن ابن شهاب أنه قال: كان من أدركت من العلماء يقضون بها لقول رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم
به الفروج» والشروط في النكاح على مذهب مالك تنقسم على قسمين: قسم لا يفسد
به النكاح، وقسم يفسد به النكاح، فأما ما كان منها لا يفسد به النكاح مثل
أن يتزوجها على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى معها ولا يخرجها من البلد ولا
يمنعها من المسجد، وما أشبه ذلك، فلا يخلو من أن تكون مطلقة أو مقيدة
(4/377)
فإن كانت مطلقة غير مقيدة استحب للزوج
الوفاء بها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحق
الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج» ولم تلزمه، وإن كانت مقيدة، فلا
تخلو من أن تكون مقيدة بتمليك أو طلاق أو عتاق، أو تكون مقيدة بوضع بعض
الصداق، فأما إن كانت مقيدة بتمليك أو طلاق أو عتاق، فهي لازمة والنكاح
جائز، وقيل: إن النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون للمرأة صداق
مثلها، وهو قول سحنون، وللخروج من هذا الخلاف تفقد الشرط عندنا في الصدقات
على الطوع، وهذا إذا كانت التسمية في أصل العقد مع الشرط، وأما إن تزوجها
نكاح تفويض على الشرط ثم سمى لها بعد ذلك الصداق، فلا اختلاف في أن النكاح
جائز والشرط لازم، وأما إن كانت مقيدة بوضع بعض الصداق فقد مضى ما في ذلك
من الاختلاف في الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادته. وأما ما كان منها
يفسد به النكاح فلا حد لها وبعضها أشد من بعض، من ذلك أن يتزوجها على أن لا
ميراث بينهما أو على أن الطلاق بيدها أو على أن لا نفقة لها أو على أن
الخيار لأحدهما، وما أشبه ذلك مما الحكم فيه إذا وقع مذكور في مواضعه من
الكتاب، وسيأتي على ذلك كله إن شاء الله الكلام، وبالله التوفيق.
[مسألة: نكح نكاح سر بلا شهداء هل يطلقها طلقة
أو يدعها بغير طلاق ويفسخ منه]
مسألة وسئل عمن نكح نكاح سر بلا شهداء أحب إليك أن يطلقها طلقة أو يدعها
بغير طلاق ويفسخ منه؟ فقال: يطلقها طلقة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ثم
يتزوجها.
قال محمد بن رشد: ليس الإشهاد من شروط صحة العقد، وإنما يجب عند الدخول،
ومن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح ويشهدان فيما يستقبلان إلا أن يكونا قصدا
إلى الاستسرار بالعقد، فلا يصح أن يثبتا عليه لنهي رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن نكاح السر، ويؤمر أن يطلقها طلقة كما قال
مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لشبهة العقد، ثم يستأنف العقد معها بعد أن
تستبرئ نفسها بثلاث حيض إن كان قد دخل بها، هذا الذي يؤمر به في نكاح السر
من أتى مستفتيا
(4/378)
فيه قبل الدخول وبعده، وأما من وجد مع
امرأة في بيت فادعى أنه نكح نكاح سر فيفرق بينهما بطلقة لإقرارهما على
أنفسهما بالنكاح، ويحدان إن أقرا بالوطء إلا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون
على العقد شاهد واحد فيدرأوا الحد بالشبهة، واختلف إذا شهد على النكاح
شاهدان وأمرا بالكتمان فقيل: ذلك من نكاح السر ويفسخ قبل الدخول وبعده إلا
أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ ويكون فيه الصداق المسمى، وهو المشهور في
المذهب، وقيل: النكاح صحيح لا فساد فيه، فيثبت قبل الدخول وبعده، ويؤمر
الشهود بإعلان النكاح وينهوا عن كتمانه، وإلى هذا ذهب يحيى بن يحيى، وبالله
التوفيق.
[مسألة: المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة
أخرى]
مسألة وسئل عن المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى فقال: أرى أن يفرق
بينهما، دخل بها أو لم يدخل، وأحب إلي أن تكون طلقة.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به لرواية
العتبية عن مالك من أن الطلاق والميراث يكون في كل نكاح اختلف الناس فيه،
ومثله في رسم العرية من سماع عيسى وغيره خلاف ما اختاره سحنون من أن كل
نكاح كان الزوجان مغلوبين على فسخه، فلا طلاق فيه ولا ميراث، وذلك كله في
المدونة.
[مسألة: المرأة تنكح الرجل على أن لا يتسرر
عليها ولا ينكح إلا بإذنها]
مسألة قال: وسئل عن المرأة تنكح الرجل على أن لا يتسرر عليها ولا ينكح إلا
بإذنها، وإلا فأمرها بيدها، فيسألها أن تأذن له فتفعل فيقيم يطلب النكاح،
ثم تنزع فتقول: قد رجعت فيما أعطيتك، ولم يعقد نكاحا ولا شيئا، قال: ذلك
يختلف إن كانت أشهدت إني قد
(4/379)
أبطلت عنه شرطي ووضعته له فذلك، وإن كانت
أشهدت له في ذلك على امرأة واحدة، فذلك له.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع
ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وسيأتي أيضا في رسم باع شاة من سماع عيسى،
وفي سماع أصبغ هذا المعنى.
[مسألة: نكح امرأة بدين إلى أجل]
مسألة قال: وسئل عمن نكح امرأة بدين إلى أجل فقال: إني لأستحب أن ينقد
شيئا، ولو فعل لجاز ذلك، ولكن أحب إلي أن يقدم شيئا.
قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذا المعنى في هذا الرسم فلا معنى
لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: الدعوة إلى الوليمة]
مسألة وسئل عن الدعوة إلى الوليمة فقال: أرى أن يجيب إلا أن يكون له علة من
مرض أو غيره، قيل له: أرأيت إن أخر ذلك إلى يوم السابع ثم دعا أيجب ذلك على
من دعي؟ فقال: إني أرى أن يأتي، وليس ذلك مثل الوليمة لأنه ربما جعل الرجل
الوليمة والسابع، قلت: أرأيت الذي يؤذن فيجيء فيقف ثم يستأذن وليست به علة
ولا له حاجة؟ فقال: إني أرى أن يأتي فيبرك وينصرف، وإني ربما فعلت ذلك،
قلت: أرأيت صاحب الوليمة يدعو إنسانا فيقول له: اذهب فانظر من لقيت فادعه،
فيدعو الرجل، أهو في سعة من ترك إجابته؟ فقال: أرجو ألا يكون على هذا بأس
أن لا يأتيها لأنه لا يعرفه بعينه ولم يتعمده.
(4/380)
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم طلق بن
حبيب من سماع ابن القاسم القول في وجوب إجابة الداعي إلى وليمة العرس خاصة
وأنه لا سعة له في التخلف عنها إلا من عذر، وأنه في سعة من ترك الأكل فيها،
فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وإنما افترقت الوليمة من غيرها من الأطعمة في
وجوب الإتيان إليها لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا بد للعرس من وليمة» ، ولقوله لعبد الرحمن بن عوف «أولم ولو بشاة»
ولقوله: «الوليمة حق والثاني معروف، والثالث سمعة ورياء» فإذا جعل الرجل
الوليمة والسابع جميعا كان حقا على من دعي إلى الوليمة أن يأتي لأنه دعي
إلى حق، وكان من دعي إلى السابع بخلاف ذلك إذ لم يدع إلى حق، وإنما دعي إلى
معروف، فإن شاء أن يأتي وإن شاء أن يترك، وكذلك إن ترك الوليمة وفعل السابع
لأنه ترك الحق وفعل المعروف، فلم يكن على من دعي إليه أن يجيب، وأما إن أخر
الوليمة إلى يوم السابع فقال مالك: إني أرى أن يأتي، ولم ير ذلك مثل
الوليمة، قال: لأنه ربما جعل الرجل الوليمة والسابع، ووجه تعليله تخفيف
الإتيان بأنه ربما جعل الرجل الوليمة والسابع هو أنه لما كان الرجل قد
يجعلهما جميعا، احتمل عنده أن يكون لم يؤخر الوليمة إلى يوم السابع، وإنما
تركها وعمل السابع، ولو كان من عادة الناس في البلد ألا يولموا على أعراسهم
إلا يوم السابع لوجب على من دعي إليها أن يأتيها لأنها هي الوليمة بعينها،
وبالله التوفيق.
[مسألة: المرأة تنكح المحتاج قد عظمت حاجته فلا
يجد ما ينفق عليها]
مسألة قال: وسألته عن المرأة تنكح المحتاج قد عظمت حاجته فلا يجد ما ينفق
عليها، ثم تطلب النفقة هل ترى عليه نفقة؟ قال: ما أمر الناس إلا أن عليه
النفقة إلا أن يكون بعض هؤلاء السؤال الذين يطوفون على الأبواب، فلا أرى
لها عليه نفقة.
(4/381)
قال محمد بن رشد: وقع في بعض الكتب: قد
علمت حاجته، وما في الكتاب من قوله: قد عظمت حاجته، أصح في المعنى؛ لأن
النفقة لو كانت واجبة لها على المحتاج الذي قد علم احتياجه إذا لم يكن
سائلا لكان أحرى أن يجب لها عليه إذا كان سائلا لأن مسكنة الذي ليس بسائل
أشد من مسكنة السائل على ما جاء في الحديث من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس» ،
الحديث، وإنما لم يوجب لها على السائل الذي يطوف على الأبواب نفقة لأن حاله
مشهور، فحملها على العلم بذلك بخلاف الذي ليس بسائل، فيرجع معنى الرواية
إلى أنها إذا تزوجته وهي تعلم أنه فقير لا يقدر على الإنفاق فلا نفقة لها
عليه كان سائلا أو لم يكن، وإلى أنها في السائل محمولة على العلم بحاله
بخلاف الذي ليس بسائل، ويؤيد هذا التأويل قول ابن حبيب، قال: وإذا تزوجته
وهو فقير لا شيء عنده، فقد عرفت أن مثله لا يجري النفقة على النساء، فليس
لها بعد ذلك قول، وفي المدونة من قول يحيى بن سعيد ما يدل على أن الفقير لا
نفقة عليه لزوجته، ومعناه إذا علمت بفقره، وهو قوله: إذا تزوج الرجل المرأة
وهو غني ثم احتاج فلم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما، وقال أبو الحسن
القابسي: إذا ترك السائل التطواف كانت لامرأته حجة، وفرق بينهما، وقال محمد
بن عبد الحكم: على الزوج الإنفاق على كل حال وإن كان سائلا يطوف بالأبواب،
فرأى محمد بن عبد الحكم النفقة لها عليه واجبة وإن كانت مسكنته ظاهرة
مشهورة بتطوافه على الأبواب، وهو أظهر، إذ قد يسأل وله مال، وقد يكون
الفقير في الظاهر له مال في الباطن، فهي تقول: لولا أن له مالا لم يتزوجني
إذ قد علم أن على الزوج أن ينفق على زوجته، وأما إذا لم تعلم بفقره فلا
اختلاف في أن لها النفقة عليه، فإن لم ينفق طلقت عليه، وبالله التوفيق.
[مسألة: أصدقها ستين دينارا فقال أبوها نضع عنك
عشرين على ألا تخرج بها]
مسألة قال: وسئل عمن خطب امرأة فواطأها على ستين دينارا صداقا،
(4/382)
فلما أراد أن يتزوجها على ذلك قال له
أبوها: هل لك أن نضع عنك عشرين دينارا ونزوجكها بأربعين دينارا على أن لها
ألا تخرج بها من المدينة؟ فقال: نعم، وتزوجها على ذلك. ثم أراد الخروج بها
فقال: ذلك له، وعليه العشرون دينارا التي وضع من صداقها لمكان الشرط، قيل
له: إنه لم يقع النكاح بالستين، إنما كان مذاكرة، فقال: ولكن ذلك صداقها،
وإنما الذي لا يكون له فيه شيء أن تقول: أتزوجك بمائتي دينار أضع عنك مائة
على أن لا تخرجني، فهذا ليس بصداق، وله أن يخرجها ولا شيء عليه، قيل له:
أرأيت إذا واطأها على ستين دينارا ثم وضعت له عشرين على أن لا يخرجها من
بلدها، ثم طلقها قبل أن يمسها، أتأخذ منه نصف الصداق ثلاثين أم عشرين؟
فقال: لا بل لا تأخذ إلا عشرين، وليس لها في هذا حجة؛ لأنه قد تركها على ما
شرط لها ولم يخرجها، فليس لها إلا نصف الأربعين، قال: وإني لأرى الوفاء لمن
شرط لامرأته أن لا يخرجها حسنا ينبغي له أن يفعل، ولا أرى ذلك عليه، وإني
لأكره أن ينكح على مثل هذا ألا يخرجها من بلدها ولا يمنعها من داخل يدخل
عليها، ولا يمنعها من حج ولا عمرة ولا من الخروج، إذا كان هكذا فهو لا
يملكها ملكا تاما، فأنا أكرهه كما أكره أن يشتري الرجل الجارية بشرط، وليس
هكذا يكون النكاح.
قال محمد بن رشد: لم يختلفوا أن ما وضعت عنه بعد العقد من صداقها للشرط لها
أن ترجع فيه إن لم يف لها بالشرط، وجعل هاهنا ما وضعت عنه مما تواطأوا
عليه، وإن لم يتم العقد بمنزلة ذلك لها أن ترجع فيه إن لم يف لها بالشرط،
قال محمد بن المواز: وذلك إذا كان الزوج قد رضي بما تواطأوا عليه، وأما إذا
لم يكن من الزوج رضى إلا بما عقد بعضه ببعض فلا رجوع لها في شيء من ذلك،
وقول محمد تتميم للمسألة وبيان لها، وهي مسألة صحيحة والوجه فيها أنها لم
ترض أن تتزوج بما دون الستين التي قد
(4/383)
رضي بها إلا على الشرط الذي شرطت عليه،
فإذا لم يف لها بالشروط رجعت عليه بتمام الستين التي قد كان رضي بها دون
شرط، وقد مضى في هذا الرسم القول في وجه استحسان مالك أن من شرط لامرأته
شرطا لا يلزمه الوفاء به أن يفي به، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: أراد الخروج بامرأته إلى موضع يزعم أنه
أرفق به وتأبى امرأته أن تتبعه]
مسألة وسئل عمن أراد الخروج بامرأته إلى موضع يزعم أنه أرفق به، وتأبى
امرأته أن تتبعه، أذلك له؟ فقال: كيف حاله لها قبل أن يريد الخروج بها،
ينظر إلى صلاحه وإحسانه إليها، ليس له أن يخرج بها إلى ثم ثُم يطعمها شوك
الحيتان.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إنه إذا كان محسنا إليها ومن أهل الصلاح
حكم له بالخروج بها، أحبت أم كرهت، وإن كان بخلاف هذه الصفة من الإساءة
إليها والفساد في دينه، لم يُمَكَّن من الخروج بها إذا أبت أن تخرج معه لما
تخشى من إضاعته لها لقلة رغبته فيها، وهو محمول على ما يوجب الخروج بها حتى
يعلم خلاف ذلك، هذا الذي يقتضيه ظاهر قوله في كتاب إرخاء الستور من
المدونة، والحر في هذا بخلاف العبد على ما قاله ابن القاسم في رسم الجواب
من طلاق السنة، وبالله التوفيق.
[المرأة تجعل في أطراف رأسها الصوف تمسك به المشط]
ومن كتاب الجنائز قال: وسئل مالك عن المرأة
تجعل في أطراف رأسها الصوف تمسك به المشط، قال: لا بأس بهذا، الشعر
شعرها، لا بأس به.
قال محمد بن رشد: قوله: في أطراف رأسها، معناه في أطراف شعر رأسها، خرج
مخرج قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يريد أهل القرية، ومعنى
قوله: تمسك به المشط؛ أي تستبقي به أثر المشط في رأسها، وهو الترجيل، فتقيه
بذلك من التشعث، فلم ير بذلك بأسا إذا كان الشعر شعرها لم تصله بشعر غيرها
لأن
(4/384)
هذا هو الذي جاء فيه الحديث بلعن الواصلة
والمستوصلة، وبالله التوفيق.
[مسألة: المرأة تتزوج تريد التحليل لزوجها
والذي تزوجها لم يرد ذلك]
مسألة وروى أشهب وابن نافع قالا: قيل لمالك: أرأيت إذا تزوجت المرأة وهي
تريد التحليل لزوجها لذلك تزوجته إلا أن الزوج الذي تزوجها لم يرد ذلك ولم
يعلم به أيحلها هذا النكاح لزوجها الأول؟ فقال: لا أرى بهذا النكاح بأسا،
وأراه يحلها لزوجها الأول لأن المرأة ليس بيدها من هذا شيء، ليس تقدر على
الطلاق، وقد تزوج المرأةَ النكاحَ الحسن، وهي تحب أن ترجع إلى زوجها الأول،
فلا أرى بهذا بأسا لأنه ليس إلى المرأة من الطلاق شيء، وليس ذلك بيدها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن نية المرأة في نكاحها التحليل لزوجها لا
يضرها ولا يؤثر في صحة النكاح ولا في وقوع التحليل إذ ليس بيدها من الطلاق
شيء، ويدل على ذلك من الحديث قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لتميمة بنت وهب زوجة رفاعة إذ طلقها ثلاثا فنكحت بعده عبد
الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فناشدته الطلاق فطلقها فأتت النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بذلك فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق
عسيلتك» ، وكذلك المطلق لا تؤثر نيته في النكاح ولا في وقوع التحليل به إذ
لا مدخل له في إمساك الزوج الثاني ولا إلى طلاقه، وقد قال إبراهيم النخعي
والحسن البصري: إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح، وهو بعيد جدا،
وإنما يعتبر في ذلك نية الزوج الذي الطلاق بيده، فإذا تزوج الرجل المرأة
المطلقة ثلاثا ونيته أن يحلها لزوجها احتسابا في ذلك وإن لم يكن بمواطأة
بينه وبين الزوجة أو الزوج فهو نكاح فاسد لا تحل به المرأة لزوجها الذي
طلقها بإجماع من مالك وأصحابه، قال ابن حبيب: وكذلك لو قال في
(4/385)
نفسه: إن وافقتني أمسكتها وإلا كنت قد
احتسبت في تحليلها كان نكاحا فاسدا لم يحل له المقام عليه ولا تحل به
المرأة لزوجها الأول إذا خالطت نية الزوج شيئا من إرادة التحليل، واختلف في
المذهب إذا تزوجها رجل قد كان حلف أن يتزوج على امرأته ليس يمينه هل يحلها
هذا النكاح أم لا يحلها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يحلها كانت تشبه
مناكحه فيبر في يمينه أو لا تشبه مناكحه فلم يبر في يمينه؛ لأنه نكاح صحيح
لو شاء أن يقيم عليه أقام، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك، والثاني:
أنه لا يحلها كانت مما يشبه مناكحه فيبر في يمينه أو ممن لا تشبه مناكحه
فلا يبر، وهو قول ابن دينار وأحد قولي ابن كنانة، والثالث: الفرق بين أن
تكون تشبه مناكحه أو ممن لا تشبه مناكحه وهو أحد قولي ابن كنانة، ومن أهل
العلم من قال: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان بذلك، وهو
مأجور على ذلك، وهو قول ابن القاسم وسالم وربيعة ويحيى بن سعيد. وأما عقد
النكاح على التحليل فلا اختلاف بين أهل العلم أن ذلك لا يجوز، وهو داخل تحت
اللعنة، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لعن
الله المحلل والمحلل له» من رواية علي وابن مسعود وأبي هريرة وعقبة، وفي
حديث عقبة: «ألا أدلكم على التيس المستعار؟ هو المحلل» وإنما اختلفوا في
جوازه إذا وقع، فالذي ذهب إليه مالك وجميع أصحابه وأكثر أهل العلم أنه نكاح
فاسد لا يحل المقام عليه يفسخ قبل الدخول وبعده، ويكون فيه الصداق المسمى،
وقيل: صداق المثل، ومن أهل العلم من أجاز النكاح وأبطل الشرط، وبالله
التوفيق.
[مرت به امرأة في الظلام يظنها امرأته فقال لها
أنت طالق إن وطئتك الليلة]
من سماع عيسى بن دينار من عبد الرحمن بن القاسم
من كتاب نَقَدَهَا نَقْدها قال عيسى: قال ابن القاسم في رجل تزوج امرأة
فنقدها
(4/386)
نقْدها ثم أراد سفرا، فسأل أهلها أن يدخلوا
عليه امرأته فأجابوه، فلما كان العتمة أدخلت عليه جارية " امرأته وامرأته
ثيب، ثم سألوه أن يكف عن وطئها فقال: أنا أطأ امرأتي كل مملوك لي حر إن
وطئتها الليلة وهو يشير إلى الجارية يظن أنها امرأته، ثم إنه وطئها تلك
الليلة، فلما دخل عليه أهله إذا الجارية لا امرأته، فلما مضى لهم نحو من
شهر إذا الجارية قد حملت وعليه لامرأته كل امرأة يتزوجها فهي طالق وكل
جارية يتخذها فهي حرة وأمرها بيدها، قال ابن القاسم: أرى أن رقيقه أحرار
ويلحق به الولد ولا تُقَوَّم الجارية عليه، ولا حد عليه ولا على الجارية،
ولا طلاق عليه في امرأته ولا تمليك لها؛ لأنه لم يطأ جارية يملكها، ولا
تمليك لها. وإن كانت المرأة لم تعلم بأمر الجارية وإنما أهلها صنعوا ذلك
بغير علم منها رجعت على الزوج بقيمة الولد، ولم يرجع الزوج على الذين غروه
ودلسوا له بشيء؛ لأنه لا يكون أسوأ حالا من الذي يغتصب الجارية فيبيعها
فيتخذها المشتري أم ولد فيستحقها صاحبها فيأخذها ويأخذ قيمة ولدها،
والمشتري لا يرجع على المغتصب بأكثر من الثمن الذي دفع إليه ولا يرجع عليه
بما أدى من قيمة ولدها، وإن كان ذلك بعلم من المرأة فلا شيء لها عليه من
قيمة الولد ولا تقوم عليه الجارية إلا أن يشاء هو ذلك، قيل: فإن لم تكن
الجارية أخرجت إليه إلا أنهم سألوه أن يكف عن وطئها قبل أن يخرجوها فحلف
بمثل تلك اليمن وليست هي حاضرة ثم أخرجت إليه فلا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن رقيقه أحرار خلاف قوله في أول هذا الرسم من
كتاب الأيمان بالطلاق في الذي مرت به امرأة في ظلمة الليل فوضع يده عليها
وهو يظن أنها امرأته، فقال لها: أنت طالق إن وطئتك الليلة وهو يرى أنها
امرأته ثم وطئها تلك الليلة فقال: لا شيء عليه لأنه وطأ غير امرأته لأنه
حلف أن لا يطأها وهو يشير إلى الجارية وهو يظن أنها امرأته،
(4/387)
والقولان قائمان من كتاب العتق الأول من
المدونة في الذي دعا عبدا له يقال له ناصح ليعتقه فأجابه مرزوق فقال له:
أنت حر وهو يظنه ناصحا، والأظهر أنه لا شيء عليه في رقيقه فيما بينه وبين
الله تعالى على ما قاله في مسألة العتق ولا في القضاء والحكم أيضا إذا ثبت
البساط المذكور في المسألة. وقوله: ولا تقوم عليه الجارية خلاف ما حكى ابن
حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون في الذي يزوج الرجل ابنته فيحبسها ويبعث
إليه بأمته فيصيبها من أنها تقوم عليه لأنه وطئها على شبهة درأ بها عنه
الحد بمنزلة الذي يحل له الجارية، وقول ابن القاسم أظهر لأن الذي حللت له
الجارية فعل ما لا يجوز له لمن وطئها فكان ذلك منه رضى بالتزام قيمتها،
وهذا لم يتعد في وطء هذه الجارية وإنما وطئها وهو يرى أنها امرأته، فوجب أن
لا يكون عليه في ذلك شيء من حد ولا قيمة لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ
-: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، ولم ير على
الجارية حدا لأنه عذرها بالملك فجعلها من أجله في حكم المكرهة على أصله في
سماعه من كتاب الحج في المحرم يطأ جاريته وهو محرم أن عليه أن يحجها ويهدي
عنها أكرهها أو لم يكرهها، قال: وليست الأمة في الاستكراه مثل الحرة، وقال
ابن الماجشون: إنها تحد إلا أن تقول لم أعلم وظننت أنكم زوجتموني منه، وعلى
الذي أدخل عليه الجارية النكال الموجع من الإمام، وسائر ما ذكر في المسألة
صحيح بين المعنى لا اختلاف فيه ولا إشكال في شيء من معانيه، وبالله
التوفيق.
[مسألة: الذي يصيبه البرص أيفرق بينه وبين
امرأته]
مسألة وسئل عن الذي يصيبه البرص أيفرق بينه وبين امرأته؟ قال: إن جاء من
ذلك أمر ضرر يعرف أنه لا يستطاع أن يقام عليه فرق بينه وبينها. وإن كان
خفيفا فليس ذلك لها، والبرص عند ابن القاسم خفيف، قال ابن القاسم: وأما
الجذام البين فإنه يفرق بينه
(4/388)
وبينها، وكذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم البز من سماع ابن القاسم القول في حكم
البرص يقربه أحد الزوجين أو يحدث به بعد العقد فلا معنى لإعادة ذلك، وأما
الجذام البين فسواء كان بالزوج من قبل العقد أو حدث به بعد العقد فيما يجب
للزوجة من أن يفرق بينها وبينه، فإن فرق بينهما قبل الدخول لم يكن لها شيء
من الصداق، وإن فرق بينهما بعد الدخول كان لها جميع صداقها، وإن رجي برؤه
لم يفرق بينهما إلا بعد أن يضرب له أجل لعلاجه، قاله ابن القاسم في
المدونة. ولأشهب في سماع زونان أنه لا يفرق بينهما إلا أن يكون متفاحشا لا
يحتمل النظر إليه وتغض الأبصار دونه، ومعنى ذلك إذا كان حادثا فلا اختلاف
في وجوب التفرقة بينهما بالجذام الذي يكون بالزوج، قبل العقد إذا كان بينا
وإن لم يكن متفاحشا، فإن رضيت بالمقام معه ثم أرادت بعد ذلك القيام عليه
ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك ليس لها إلا أن يزيد، وهو قول ابن
القاسم في رسم الجواب بعد هذا، والثاني: أن ذلك ليس لها وإن زاد، وهو دليل
قول ابن وهب في سماع زونان قوله فيه إنه يفرق بينهما وإن لم يكن مؤذيا ولا
فاحشا لأنه يزيد ولا تؤمن زيادته وانتقاصه، والثالث: أن ذلك لها وإن لم
يزد، وهو ظاهر قول أشهب في سماع زونان، قاله في الفاحش على أصله في أنه لا
يفرق بينهما إلا فيه، وأما إذا كان الجذام بالمرأة، فإن كان قديما قبل
العقد كان للزوج ردها به إذا كان بينا وإن لم يكن فاحشا، وإن كان حادثا بعد
العقد فهي مصيبة نزلت بالزوج، إن شاء طلق ويكون عليه نصف الصداق قبل الدخول
وجميعه بعد الدخول، وإن شاء أمسك. وأما الجنون بالزوج فسواء أيضا كان به
قديما قبل العقد أو حادثا بعده من حق الزوجة أن يفرق بينه وبينها به بعد أن
يضرب له أجل سنة لتداويه، قيل: وإن كان يعفيها من نفسه ولا يخاف عليها منه،
وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم باع شاة من سماع عيسى بعد هذا،
وقيل: بل إذا كان لا يعفيها من نفسه ويخاف عليها منه، وهو قول ابن وهب
وأشهب في سماع زونان وقول ربيعة في النكاح الثاني من المدونة، فإن فرق
(4/389)
بينهما قبل الدخول لم يكن لها شيء من
الصداق. وأما الجنون بالمرأة فإن كان قديما قبل العقد كان للزوج ردها به،
وإن كان حادثا بعده فهي مصيبة نزلت بالزوج، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك،
ويكون عليه نصف الصداق قبل الدخول وجميعه بعد الدخول، والحمد لله.
[مسألة: أيتزوج الرجل الحر أمة وهو يجد طولا]
مسألة وسئل مالك أيتزوج الرجل الحر أمة وهو يجد طولا؟ قال: نعم
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم بعد هذا [في هذا] الرسم: لا بأس أن
يتزوجها وإن كان لا يخاف على نفسه عنتا وهو واجد للطول، وهو المشهور عند
ابن القاسم، والمشهور عن مالك أنه لا يجوز له أن يتزوجها إلا مع عدم الطول
وخوف العنت، وهذا الاختلاف جار على الاختلاف في القول بدليل الخطاب، فمن
رأى القول بدليل الخطاب لم يبح نكاح الأمة للحر إلا بالشرطين، ومن لم ير
القول به أباح ذلك له دون الشرطين، والعلة في المنع من ذلك إلا بالشرطين
عند من رأى القول بدليل الخطاب الكراهة للحر في أن ينكح نكاحا يرق فيه
ولده، فعلى هذا إذا تزوج الحر أمة من يعتق عليه ولده منها أو كان ممن لا
يولد له كالحصور وشبهه جاز نكاحه مع عدم الشرطين لعدم علة المنع قولا واحدا
كالعبد، فعلى القول بأن الحر يتزوج الأمة وإن كان واجدا للطول آمنا من
العنت لا كلام للحرة إن تزوج الأمة عليها أو تزوجها على الأمة لأن الأمة
على هذا القول من نسائه كالعبد، هذا الذي نزل عليه ألفاظ المدونة. وقد تأول
أبو إسحاق التونسي أن الحق في ذلك للحرة على كلا القولين جميعا سواء، وهذا
إنما يصح على قول ابن الماجشون الذي يرى الخيار للحرة إذا تزوج العبد عليها
الأمة أو تزوجها على الأمة، وقد اختلف على القول بالمنع إلا مع الطول في
الطول ما هو؟ فقيل: الصداق والنفقة، وقيل:
(4/390)
الصداق وحده طول وإن عجز [أيضا] عن النفقة،
واختلف أيضا في الحرة تكون عنده هل هي طول تمنعه من نكاح أمة، واختلف على
القول بأنها طول إن تزوج أمة ثم وجد طولا، فقيل: إنه يفارق الأمة ويتزوج
حرة، وقيل: بل يبقى معها إلا أن يتزوج حرة فيفارقها، وقيل: بل يبقى معها
وإن تزوج حرة لأنه قد تقدم تزويجه إياها بوجه جائز، وأما إن ذهب عنه خوف
العنت بتزويج الأمة فليس عليه مفارقتها قولا واحدا، وبالله التوفيق.
[مسألة: المرأة البكر أو غير البكر تعطي الرجل
دنانير على أن يتزوجها بها]
مسألة وسئل عن المرأة البكر أو غير البكر تعطي الرجل دنانير على أن يتزوجها
بها، قال: إن كانت ثيبا فزادها على ما أعطته ربع دينار فصاعدا فلا بأس به،
وإن كانت بكرا فسخ النكاح إلا أن يتم لها الصداق، إذا لم يدخل بها [لأن أصل
النكاح صحيح] وأما إذا دخل بها ألزم الصداق وكان لها صداق مثلها، رجع ابن
القاسم ثم قال: النكاح ثابت دخل بها أو لم يدخل، وإن كانت بكرا كان عليه أن
يعطيها من ماله مثل الذي أصدقها من مالها، وإن كانت ثيبا فأعطاها من ماله
ربع دينار لم يكن عليه أكثر من ذلك.
قال محمد بن رشد: أما الثيب فإن زادها على ما أعطت ربع دينار فأكثر جاز
النكاح لأنها مالكة أمر نفسها فعطيتها له جائزة، والرضى بالصداق إليها، فقد
رضيت بما زادها على ما أعطته صداقا، وإن زادها أقل من ربع دينار على ما
أعطته كان بمنزلة من تزوج بأقل من ربع دينار يكون مخيرا على مذهب ابن
القاسم في المدونة قبل الدخول بين أن يتم لها ربع دينار أو يفسخ النكاح،
ويلزمه بعد الدخول تمام ربع دينار، ويفسخ قبل الدخول ويثبت
(4/391)
بعده بصداق المثل على قول غيره فيها، وإن
لم يزدها شيئا إن كان الذي أعطته أكثر من الذي زوجها به كان بمنزلة من نكح
على أنه لا صداق عليه يفسخ قبل الدخول وبعده كالموهوبة، وقيل: يفسخ قبله
ويمضي بعده بصداق المثل على حكم النكاح الفاسد لصداقه، وأما البكر فسواء
زادها على ما أعطته شيئا أو لم يزدها لا يجوز ذلك له لأنها مولى عليها لا
تجوز عطيتها، واختلف قول ابن القاسم فيما يلزمه، فمرة قال: النكاح ثابت لا
خيار له فيه دخل أو لم يدخل، ويؤخذ منه من ماله مثل ما كان أصدقها من
مالها، ووجه ذلك أنها قد استحقت ما كان أصدقها فوجب أن ترجع عليه بمثله،
كالعبد يعطي الرجل دنانير ليشتريه بها من سيده فيشتريه ولا يستثنى [من]
ماله، وهو قوله الذي رجع إليه هاهنا، ومثله بعد هذا في سماع سحنون، ومرة
قال: إن كان قبل الدخول كان مخيرا بين أن يعطيها من ماله مثل ما كان أصدقها
من مالها وبين أن يفسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول كان لها صداق مثلها،
ووجه هذا القول أن أصل النكاح صحيح لأنه لم يقع إلا بصداق غير أن الزوج لو
علم أن العطية لا تمضي له لم يرض أن يبذل هذا الصداق من ماله، فلا يلزمه
بعد الدخول إلا صداق المثل، ويفسخ النكاح قبل الدخول إلا أن يرضى أن يعطيها
من ماله مثل ما كان أصدقها، وبالله التوفيق.
[مسألة: يخطب المرأة فتأبى عليه إلا أن يجعل
طلاقها في طلاق صاحبتها]
مسألة وسئل عن الرجل تكون له المرأة فيخطب فتأبى عليه إلا أن يجعل طلاقها
في طلاق صاحبتها فيرضى فيدخل بها ثم يطلق الأولى، قال: إن كان إنما أراد
طلاقها في طلاق صاحبتها أنه إن طلقها فصاحبتها طالق فلا شيء عليه إن طلق
الأولى، وإن لم تكن له نية فهما جميعا طالقتان لأن المرأة إذا تزوجت إنما
تشترط أنك إن طلقتني فصاحبتي طالق، فهذا وجه ما يعرف، فإن كان هذا الذي
أراد فلا شيء عليه، وإن لم ينو شيئا من ذلك فهما جميعا طالقتان.
(4/392)
قال محمد بن رشد: حمل يمينه على ما يقتضيه
اللفظ إذا لم تكن له نية ولم يراع المعنى الذي هو معروف من قصد المرأة في
شرطها، وهذا أصل مختلف فيه، والأظهر مراعاته، فيجب على ذلك إن لم تكن له
نية ألا شيء عليه وأن لا يكونا جميعا طالقتين إلا أن يكون أراد أنه إن طلق
صاحبتها فهي طالق، وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل الحر الذي لا زوجة له أينكح
الأمة وهو يجد طولا لحرة]
مسألة وسئل عن الرجل الحر الذي لا زوجة له أينكح الأمة وهو يجد طولا لحرة
أو لا يجد ولا يخاف على نفسه عنتا، قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة قبل هذا في هذا الرسم، فلا
معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها أو
تسرر فأمرها بيد مولاها فهلك مولاها]
مسألة وسئل عن رجل تزوج أمة على أنه إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيد
مولاها فهلك مولاها، قال: ما أرى بيدها شيئا وأرى ورثته بمنزلته أو وصيه إن
كان ورثته صغارا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لأن الشرط يورث في الأمة إذا جعله إلى
مولاها بخلاف الحرة لأن الأمة ملك، فإذا جعل الأمر بيد مولاها فمولاها كل
من انتقل إليه الملك بميراث، وكذلك كل مشيئة تكون في ملك فهي تورث، ولو جعل
الأمر بيد غير مولاها فهلك لم يكن بيد ورثته من ذلك شيء، ولرجع الأمر إليها
لأن الشرط إنما أخذ لها على معنى ما حكى ابن القاسم عن مالك في كتاب بيع
الخيار من المدونة إذا جعل الأمر بيد الأمة فماتت وإن كان لم يتبين ذلك
منه، ولو أوصى بذلك إلى أحد لجازت وصيته بذلك، قاله مالك بعد هذا في رسم
استأذن. وفي كتاب بيع الخيار من المدونة
(4/393)
خلاف [هذا من] رواية علي بن زياد عنه فيه،
وبالله التوفيق.
[مسألة: أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا
بيعها وولدها فقال زوجها أنا آخذها]
مسألة وقال مالك في أمة تحت حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال
زوجها: أنا آخذها، قال مالك: أنا أرى أنه أحق بها بما أعطوا بها لأن في ذلك
خيرا يعتق ولدها ولا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي
أعطوا بهم فبيعهم من غيره بذلك الثمن إضرار بالولد في غير منفعة تصير
إليهم، فلا يمكنون من ذلك إذ لا مضرة عليهم في بيعهم من الزوج ولا منفعة
لهم في بيعهم من سواه، ولو باعوها وحدها دون ولدها لم يكن أحق بها بما يعطى
فيها إلا أن تكون حاملا إذ لا تكون له أم ولد إذا اشتراها وإن كانت قد ولدت
منه قبل الشراء إلا أن يشتريها وهي حامل منه، وفي ذلك اختلاف قد روي عن
مالك أنها لا تكون له أم ولد حتى يكون أصل الحمل بعد الشراء. ومثل هذا في
رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العتق وفي غير ما موضع، وكذلك يجب في
كل شيء مشترك لا شفعة فيه إذا باع بعض الأشراك أنصباءهم أن يكون لمن بقي
منهم أن يأخذ ذلك بالثمن الذي يعطى فيه ما لم ينفذ البيع، والله الموفق.
[رجل ملك ابنته رجلا فسأله أن يخلي له مع
امرأته فقال له الأب نعم]
ومن كتاب أوله
استأذن سيده في تدبير جاريته قال: وسألت ابن القاسم عن رجل ملك ابنته رجلا
فسأله أن يخلي له مع امرأته، فقال له الأب: نعم، فذهب أبوها إلى رجل فسأله
ابنته أن يخليها مع ختنه ففعل فخلا بها فافتضها، قال: إن كانت طاوعته ضربت
الحد ولا صداق لها، وإن كان استكرهها كان لها
(4/394)
الصداق على أبوي الجارية المملكة إلا أن لا
يكون عندهما شيء فيكون ذلك لها على الذي افتضها إن كان موسرا ويتبع هو أبوي
الجارية، وعلى أبوي الجارية المملكة وأبوي الجارية المستكرهة النكال على كل
حال.
قال محمد بن رشد: قال في المدونة: إن الصداق على الذي افتضها ويرجع الذي
افتضها على الذي غره، وهو القياس، وما هنا استحسان لأنا إذا قضينا لها
بالصداق على الذي افتضها أعدينا الذي افتضها بذلك على الذي غره، فالقضاء
لها بالصداق على الغار أولى من أجل أنه أقل عناء، والذي يوجبه النظر الصحيح
أن تكون مخيرة في اتباع من شاءت منهما لأن الذي افتضها غريمها والغار غريم
غريمها، فلها أن ترجع عليه بما لغريمها أن يرجع عليه، وسائر قوله في
المسألة صحيح لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.
[مسألة: عن الرجل ينكح ابنته رجلا ويشترط عليه
إن تزوج عليها فأمرها بيدها]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل ينكح ابنته رجلا ويشترط عليه إن تزوج
عليها فأمرها بيدها، وذلك من صداقها، فتضع المرأة صداقها عن زوجها، هل ترى
الشرط قد وضع عن زوجها بوضع الصداق عنه؟ وهل للمرأة قضاء في ذلك الشرط مع
أبيها ما كان حيا؟ أو هل للأب أن يسنده إلى أحد إذا مات؟ أو هل بيد المرأة
من ذلك الشرط شيء، إن لم يسنده أبوها إلى أحد؟ قال ابن القاسم: أما قولك
ذلك من صداقها فذلك باطل ولا يوضع عنه الشرط بوضع الصداق وذلك بيد أبيها،
فإن تزوج فأراد الأب أن يطلق وأرادت هي الإقامة مع زوجها نظر في ذلك، فإن
كان الذي أرادت من ذلك هو حظها وهو خير لها لم يكن للأب أن يطلق، وإن كان
الذي أراد أبوها من الفراق هو حظها وهو خير لها كان القضاء
(4/395)
في ذلك، قضاء أبيها ولم يقبل لها قول؛ لأني
سمعت مالكا يسأل عن الرجل يجعل أمر امرأته بيد أبيها إن لم يأت إلى أجل
سماه، فحل الأجل ولم يأت فأراد أبوها أن يطلق، وقالت المرأة: لا أحب فراق
زوجي فقال مالك: القول في ذلك قولها، ويمنع أبوها من الفراق، وإن مات أبوها
وأسند ذلك إلى أحد كان ذلك له وكان في ذلك بمنزلة أبيها، قال: وإن مات ولم
يسنده إلى أحد فليس بيدها من ذلك شيء، وفي سماع [أبي محمد] يحيى قال ابن
القاسم: وإن طلق الأب قبل أن يمنعه السلطان مضى الطلاق، وإن طلق بعد منع
السلطان فلا يجوز.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم في الذي اشترط على زوج ابنته إن تزوج
عليها فأمرها بيدها إنه إن تزوج عليها فأراد الأب أن يفرق بينهما وأرادت هي
البقاء مع زوجها إن السلطان ينظر في ذلك، فمن رأى الحظ في إرادته منهما كان
القضاء قضاءه الأب كان أو الابنة، ولم يقل كما قال مالك في الذي جعل أمر
امرأته بيد أبيها إن لم يأت إلى أجل سماه إنه إن لم يأت إلى الأجل فأراد
الأب أن يفرق بينهما وأرادت هي البقاء مع زوجها إن القول في ذلك قولها
ويمنع أبوها من الفراق، والوجه فيما ذهب إليه إنه جعل لاشتراط الأب على زوج
ابنته أن أمرها بيده إن تزوج عليها حقا فلم ير أن يخرج من يده إلا بنظر
السلطان لأنه يقول: أنا أعلم أنه إنما تزوج عليها إرادة الإضرار بها من حيث
لم تعلم هي، ولذلك شرطت أن أمرها بيدي فوجب أن ينظر السلطان في ذلك، بخلاف
جعل الزوج ذلك بيده دون أن يشترط عليه؛ لأنه إذا لم يشترطه عليه فإنما فعله
لزوجته لا له، فكانت أحق بالقضاء في ذلك منه، والله أعلم، ولا فرق بين
المسألتين إلا من جهة الشرط. وقوله: إنه إن مات فأسند ذلك إلى أحد كان ذلك
له هو مثل ما له في كتاب بيع الخيار من المدونة خلاف رواية علي بن زياد عنه
في ذلك فيه،
(4/396)
وقوله: وإن مات ولم يسنده إلى أحد فليس
بيدها من ذلك شيء خلاف ما حكى عنه ابن القاسم في كتاب بيع الخيار من
المدونة لأنه قال فيه. فكأني رأيت مالكا رأى ذلك لها، أو قال ذلك لها ولم
أتبينه، وبالله التوفيق.
[مسألة: أصدقها مائة دينار فدخل بها قبل أن
يقدم إليها شيئا أيحال بينه وبين وطئها]
مسألة قال عيسى: قلت له: فلو كان فرض مائة دينار أو نحوها فدخل بها قبل أن
يقدم إليها شيئا، أيحال بينه وبين وطئها حتى يقدم إليها أدنى ما ينكح به؟
فقال: يقال أعطها ربع دينار ولا يجتنب مسيسها بعد أن دخل بها.
قال محمد بن رشد: قوله: يقال أعطها ربع دينار ولا يجتنب مسيسها بعد أن دخل
بها كلام متناقض فليس على ظاهره، ومعناه: الإنكار أن يكون عليه أن يعطيها
ربع دينار قبل أن يعود إلى مسيسها، وتقديره: أيقال له أعطها ربع دينار وهو
ليس عليه أن يجتنب مسيسها أي ليس يقال له ذلك، وكذلك في سماع أبي زيد أن
ذلك يكون دينا عليه ولا يكف عن وطئها، ومحمد بن المواز يرى الوطء الثاني
كالأول فيكره له التمادي على الوطء حتى يعطيها ربع دينار [ولها عنده أن
تمنعه نفسها حتى يعطيها ربع دينار، وإن كانت قد أذنت له في الدخول عليها
فدخل، وهو إغراق؛ لأن الدخول بها قبل أن يقدم إليها شيئا من صداقها ليس
بحرام، وإنما يكره مخافة أن تهب له بعد ذلك الصداق فيكون قد استحل فرجها
بلا صداق، فإذا دخل فقد فات الأمر وذهب موضع الكراهية، ولو أذنت له بالدخول
عليها قبل أن يدفع إليها من صداقها شيئا لما كان له أن يدخل حتى يقدم إليها
من صداقها ربع دينار، ولكان لها أن تمنعه من ذلك أيضا لأن الكراهة في ذلك
حق لله تعالى، فلا يلزمها الإذن فيما زاد على ربع دينار، وقد مضى هذا في
رسم الطلاق الثاني
(4/397)
والثالث من سماع أشهب، ويأتي في رسم أوصى
ورسم يوصي ورسم العشور من سماع عيسى وفي سماع أبي زيد، وبالله التوفيق لا
رب غيره ولا معبود سواه.
[مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله صلى الله
عليه وسلم ويغتسل]
ومن كتاب العرية قال ابن القاسم وسفيان بن عيينة: الفرق ثلاثة آصع.
قال محمد بن رشد: زاد في سماع أصبغ من كتاب الوضوء وهو الذي كان يتوضأ منه
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويتطهر، وهو المعنى
المقصود إليه، وقد مضى هنالك القول في صفته وتسميته ومبلغ ما يحمل من الماء
ووجه تخريج ما يعارض ظاهره من الآثار في مقدار ما كان يتوضأ به رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويغتسل مستوفى، فمن أحب الوقوف من ذلك
على الشفاء تأمله هناك، ولا وجه لإعادته هنا إذ ذلك الموضع به أليق وأولى،
وبالله التوفيق.
[مسألة: زوج ابنه في صحته فحمل عنه الصداق في
ماله ثم مات]
مسألة قال: وكل من زوج ابنه في صحته فحمل عنه الصداق في ماله أو زوج ابنته
في حياته أجنبيا أو قريبا فحمل صداقها في ماله ثم مات أن ذلك يكون في ماله
من رأس المال ولا يحاسب به الابن ولا الابنة في موروثهما منه ويحاصان
الغرماء في الموت، وإن حمل ذلك عنهما في المرض لم يجز في شيء منهما من ماله
وخير ابنه فإن شاء بنى وغرم الصداق، وإن شاء فارق ولا شيء عليه إذا لم يكن
دخل، وإن دخل اتبع به دينا، قلت: وكذلك الأجنبي الذي زوجه ابنته في مرضه
وحمل عنه الصداق إن دخل غرم، وإن شاء فارق ولا شيء عليه إذا لم يكن دخل؟
قال: نعم، وإنما هيج هذه المسألة ابن أبي حسان في رجل قال في مرضه لابن
أخيه قد وصلتك بابنتي فإنه إن قبل زوج وخفف عنه من الصداق بقدر ما يرى مما
أراد من التخفيف عنه.
(4/398)
قال محمد بن رشد: أما إذا زوج الأب ابنه أو
ابنته في صحته أجنبيا أو قريبا وحمل عنهما الصداق في ماله فلا اختلاف في أن
ذلك يكون لهما في رأس ماله إن مات ولا يحاسبان بذلك في ميراثهما ويحاصان به
الغرماء في الموت والفلس كما قال، ومعنى ذلك في الدين المستحدث، وأما في
الدين القديم فلا لأنه إذا كان عليه دين يغترق ماله فلا يجوز له أن يحمل
صداقا عن أحد لأنه من المعروف، والدين أحق من المعروف ومن الهبات. وأما إن
زوج ابنه في مرضه وحمل عنه الصداق فمات من مرضه فلا اختلاف في أن ذلك وصية
لا تجور إلا أن يجيزها له الورثة ويخير، فإن شاء بنى وغرم الصداق، وإن شاء
فارق ولا شيء عليه، وإن كان صغيرا نظر في ذلك له وليه أو وصيه بعد موت
أبيه، قاله في المدونة. وقد قال مالك فيها فيمن يضمن الأب عن ابنه في مرضه
لا يعجبني هذا النكاح، ووجه كراهته له ما دخله من الخيار، ووجه القول الأول
أنه خيار لم ينعقد عليه النكاح، وإنما أوجبه الحكم، فلم يكن له فيه تأثير،
وأما إن زوج ابنته في مرضه وحمل الصداق عن زوجها ففي ذلك اختلاف كثير جعل
ذلك ههنا وصية للابنة فلم يجزها، وقال مطرف وابن الماجشون إنها وصية للزوج
فتجوز له من ثلثه إن لم يكن وارثا، ورويا ذلك عن مالك، وهو قول ابن وهب في
سماع أصبغ وقول ابن القاسم في رواية أبي زيد، واختلف في ذلك قول أشهب على
ما ألزمه أصبغ في سماعه من مسألة الذي يقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته، قال
ابن الماجشون وهذا إذا كان الذي سمي لها وحمله عن زوجها صداق مثلها فأقل،
وأما إن كان أكثر من صداق مثلها فالزائد على صداق مثلها وصية لها لا يجوز
باتفاق إلا أن يجيزها الورثة، وروى ذلك أبو قرة عن مالك، وقاله عدة من
أصحابه، فإن لم يجيزوا ذلك لها كان الزوج مخيرا بين أن يخرجه من ماله أو
يترك النكاح، ولا يلزمه منه شيء، وبالله التوفيق.
[مسألة: أصدقها الخادم ثم بعد سنين تصدقت به
عليه ثم مات زوجها]
مسألة وسئل عن الرجل تموت امرأته فيرث ما تركت هو وولدها،
(4/399)
وكان ما تركت خادما فتزوج امرأة فأصدقها
تلك الخادم وأقامت في يديها سنين، ثم إنها تصدقت عليه بالخادم فأقامت بعد
ذلك سنين هي له، ثم توفي فوجد له كتاب فيه ذكر الخادم أنها لولده من امرأته
التي توفيت أو كتب بذلك في وصيته، هل ترى أنها لهم دون إخوتهم من أبيهم؟
قال: ليس لولده الذين ذكر في كتابه أنها لهم في الخادم شيء، وإنما لهم
قيمتها يوم أصدقها امرأته.
قال محمد بن رشد: إنما يكون لهم قيمتها يوم أصدقها على ما قال إذا ثبت أنها
لهم ببينة تشهد على ذلك أو على إقرار الأب لهم بها في صحته فيحمل قوله وجد
له في كتاب فيه ذكر الخادم أنها لولده من امرأته على أحد وجهين، إما أن
يكون الكتاب تضمن معرفة الشهود لذلك، وإما أنه تضمن إشهاده على نفسه بذلك
في صحته، وأما إن لم يعلم ذلك إلا بأنه كتبه في وصيته في مرضه فلا يكون لهم
بذلك شيء، إذ لا يجوز إقرار الرجل في مرضه لبعض ولده دون بعض إذا كانت
حالتهم واحدة في البر به أو العقوق له على ما في سماع أصبغ من كتاب المديان
والتفليس، وإنما وجب لهم قيمتها يوم أصدقها امرأته لأنها قد فاتت بتزويجه
بها على مذهبه مليا كان أو معدما ودخل بالمرأة أو لم يدخل بها، وستأتي هذه
المسألة والقول فيها في رسم الجواب من سماع عيسى إن شاء الله.
[مسألة: امرأة وليت عقد نكاح جارية لها ثم إن
الرجل زوج الجارية طلقها]
مسألة وعن امرأة وليت عقد نكاح جارية لها ثم إن الرجل طلق امرأته قبل أن
يعلم أنه كان مفسوخا ثم أراد أن يتزوجها، قال: إن كان طلقها البتة فلا
ينكحها حتى تنكح زوجا غيره.
قال محمد بن رشد: هذا على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به من قول مالك، وقد
مضى هذا في آخر رسم من سماع أشهب، ومثله في المدونة
(4/400)
وغيرها من قوله واختياره، وبالله التوفيق
لا شريك له.
[مسألة: المرأة تدعي على زوجها صداقا مؤخرا إلى
غير أجل قبل الدخول بها]
ومن كتاب يوصي
لمكاتبه بوضع نجم من نجومه قال: وسألته عن المرأة تدعي على زوجها صداقا
مؤخرا إلى غير أجل قبل الدخول بها وتأتي على ذلك بشاهد يشهد أنه تزوجها
بمائة دينار نقدا ومائة مؤخرة إلى موت أو فراق، فقال: أما إذا ادعت ذلك قبل
البناء بها فلا يقبل قولها بشاهد واحد ولا تحلف معه إذا كان زوجها منكرا
لذلك لأنها تدعي فسخ نكاح، فلا يجوز في الفسخ شاهد ويمينها، ولا يكون الفسخ
إلا بشهادة شاهدين؛ لأنها وإن طلبت حقها فيما تزعم فإن ذلك الحق لا يثبت
لها إلا بفسخ النكاح، فنحن لو قبلنا يمينها مع شاهدها فسخنا نكاحه ولم
تتبعه بقليل ولا بكثير، وردت عليه ما أخذت منه إن كانت أخذت منه شيئا لأن
هذا النكاح إذا أُدرك قبل الدخول بها فُسخ، فلا تثبت لها المائة الآجلة
التي ادعت إذا كان ذلك قبل الدخول بشاهد واحد مع يمينها، ولا يثبت لها أيضا
بشاهدين؛ لأنها لو أقامت شاهدين فسخنا النكاح بينهما، قال: وإن ادعت هذا
الآجل بعد الدخول وأتت بشاهد قلنا النكاح قد ثبت، وقد فات موضع الفسخ؛ لأنه
لا يفسخ مثل هذا النكاح بعد الدخول ولو شهد على ذلك العدول فقد فات منه
موضع الفسخ، وإنما هي مدعية حق وليست مدعية فسخ نكاح، فهي تحلف مع شاهدها
وتستحق صداق مثلها، فإذا حلفت قُوِّمَ لها صداق مثلها فأعطيته إلا أن يكون
الذي وصل إليها من العاجل أكثر من صداق مثلها فيكون ذلك لها ولا ترد منه
شيئا
(4/401)
ويسقط عن زوجها الآجل الذي عليه، وإن كان
الذي وصل إليها أقل من صداق مثلها ألحقت بتمام صداق مثلها نقدا إن كان
لصاحبها مال وإلا اتبعته [به] دينا.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها لا تحلف مع شاهدها قبل الدخول على ما تدعي من
أنه أصدقها مائة نقدا ومائة إلى موت أو فراق صحيح على المشهور في المذهب من
أن النكاح يفسخ قبل الدخول على كل حال وإن رضي الزوج بتعجيل المائة التي
إلى أجل مجهول أو رضيت المرأة بتركها، وأصبغ يقول: إن النكاح لا يفسخ إذا
رضي الزوج بتعجيلها أو رضيت المرأة بتركها، فعلى قوله يحلف قبل البناء مع
شاهدها، وقد حكى ذلك ابن حبيب عنه. وظاهر قوله أنها إذا حلفت مع شاهدها بعد
الدخول وكان صداق مثلها أكثر من المعجل والمؤجل فلها جميع ذلك، ومثل هذا
حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من رواية مطرف عنه و [عن] ابن الماجشون،
وهو ظاهر ما في المدونة في باب نكاح الشغار، وحكي عن ابن القاسم وابن عبد
الحكم وأصبغ أنه إذا وجد صداق مثلها من المعجل والمؤجل فلا يزاد على مقدار
المعجل والمؤجل كما لا ينقص من مقدار المعجل؛ لأنه إذا عجل لها ما رضيت به
إلى أجل فلا حجة لها، وقد قيل: إن لها صداق مثلها كان أقل من المائة أو
أكثر من المائتين، وهو ظاهر قول أصبغ وأبي زيد في رسم الدور والمزارع من
سماع يحيى، وبالله التوفيق.
[مسألة: يخطب امرأة وتحته أخرى فيقول وليها لا
أزوجك إلا على أن تطلق امرأتك]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخطب امرأة وتحته امرأة أخرى فيقول
وليها: لا أزوجك إلا على أن تطلق امرأتك، التي تحتك أو تجعل أمرها بيد
صاحبتها، فيقول أشهدكم إذا دخلت على
(4/402)
صاحبتكم فأمر امرأتي التي تحتي بيدها،
فزوجوه على ذلك ثم صالح امرأته التي تحته فتدخل عليه الأخرى وليست التي جعل
أمرها بيدها تحته ولا في ملكه ثم يريد أن يتزوجها، قال: يتزوجها وليس من
أمرها بيد امرأته قليل ولا كثير؛ لأنه إنما قال: إذا دخلت على صاحبتكم فأمر
امرأتي بيدها فقد دخلت وليست في ملكه، وهو بمنزلة من يحلف لغريم له بطلاق
امرأته أن يوفيه حقا له عليه إلى أجل فصالح امرأته قبل الأجل فَحَلَّ الأجل
وليست في ملكه فإنه لا يقع عليه حنث، وهو يتزوجها بعد الأجل إن شاء. قلت:
وكذلك لو قال يوم تدخل علي صاحبتكم فامرأتي التي تحتي طالق البتة أو طالق
واحدة أو اثنتين فصالحها ثم تدخل عليه الأخرى وليست في ملكه ثم يريد أن
يتزوجها؟ قال: نعم، هو مثله، وله أن يتزوجها، ولا يلحقه طلاق؛ لأنه من وجه
التقاضي، قلت: ولا يكون مثل أن يقول: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي
طالق فيصالح امرأته فيدخل الدار ثم يتزوجها فتريد أن تدخل الدار؟ قال: ليس
هذا مثله هذا إن عاد إلى دخول الدار بعد أن يتزوجها عاد عليه الطلاق ما بقي
عليه من ذلك الطلاق شيء؛ لأنه فعل ذلك الفعل بعينه الذي حلف عليه وهي في
ملكه؛ ولأن الذي قال يوم تدخل عليّ فامرأتي طالق فصالحها ودخلت عليه وهي
ليست في ملكه فقد وقع الفعل وليست في ملكه، فليس يستطيع أن يعود إلى ذلك
الفعل بعد أن تزوج هذه التي حلف فيها؛ لأن الدخول عليه إنما هو مرة واحدة
فقد دخلت عليه تلك المرأة وليست في ملكه، ولا يستطيع أن يعود إلى ذلك أكثر،
وأن الذي حلف ألا يدخل دار عمرو بن العاص فهو يستطيع أن يعود إلى دخولها
بعد أن يتزوجها؛ لأنه فعل حلف عليه يستطيع أن يفعله متى شاء، وإن دخول
المرأة إنما هو مرة واحدة فليس يستطيع أن تدخل عليه ثانية بعد أن تزوجها
إلا أن يطلقها ثم
(4/403)
يتزوجها، وأما إن لم يطلقها فليست تستطيع
أن تدخل عليه أكثر من تلك المرة التي دخلت والمرأة التي فيها اليمين ليست
في ملكه فليس عليه فيها شيء وإن تزوجها بعد ذلك، وكذلك الذي حلف بطلاق
امرأته إن دخلت دار عمرو بن العاص فصالح امرأته ثم دخل وأقام فيها ثم تزوج
تلك المرأة ودخلت عليه في الدار؛ فإنه لا يقع عليه طلاق حتى يخرج ثم تدخل،
وأما ما أقام فيها معها فليس يقع عليه طلاق، وكذلك الذي يحلف بطلاق امرأته
ألا يدخل الفسطاط فصالح امرأته تلك ثم دخل الفسطاط فتزوج تلك المرأة
بالفسطاط وسكن معها بالفسطاط؟ قال: لا يلزمه يمين ولا يقع عليه حنث ما أقام
بالفسطاط حتى يخرج من الفسطاط ثم يدخل، فإن خرج ثم دخل وقع عليه الطلاق،
وقيل له: وكذلك الذي يحلف بطلاق امرأته إن ركب هذه الدابة فصالح امرأته
وركب الدابة ثم تزوجها وهو على تلك الدابة؟ قال: إن لم ينزل حين تزوجها
حنث، وليست الدابة ولا الثوب يلبسه مثل الدار؛ لأنه لو أقام على الدابة
راكب بعد التزويج فذلك فعل مبتدأ، وكذلك الثوب إن لبسه بعد أن راجعها حنث؛
لأن إقرار الثوب عليه بعد مراجعتها فعل حادث وركوب الدابة كذلك، قلت: فيحلف
بطلاق امرأته أن لا يركب هذه السفينة أو لا يدخلها فيصالح امرأته ثم دخل
السفينة فيتزوجها فدخلت عليه في السفينة وأقام ولم يخرج منها؟ قال: أما إذا
قال: إن دخلت فصالحها ثم دخل وراجعها فدخلت عليه في السفينة فإنه لا يلزمه
حنث حتى يخرج ثم يدخل، وأما إن قال: إن ركبت فهو مخالف لقوله: إن دخلت. إن
قال: إن ركبت فصالحها ثم ركب فراجعها وهو فيها فإنه إن لم ينزل مكانه حنث،
وهو بمنزلة الثوب والدابة، وقد سمعت بعض أهل العلم يقول فيمن حلف ألا يتزوج
بالفسطاط فخرج إلى مكة فعقد نكاح فسطاطية بمكة قال: لا شيء
(4/404)
عليه إذا عقد نكاحها بغير الفسطاط وإن كانت
المرأة بالفسطاط إذا عقد النكاح بغير الفسطاط، قال: فإن قال: كل امرأة
أتزوجها من أهل مصر فهي طالق فلا يجوز له أن يعقد نكاح مصرية بموضع من
المواضع وتطلق عليه إن فعل، قيل لابن القاسم: وكذلك الذي حلف بالطلاق ألا
يشتري سلعة كذا وكذا بالفسطاط فخرج إلى مكة فاشترى تلك السلعة بعينها من
صاحبها بمكة والسلعة بالفسطاط؟ قال: نعم، هو كذلك أيضا لا حنث عليه. قلت:
وكذلك الذي يقول في عبد بعينه إن اشتراه بالفسطاط فهو حر فلقيه سيده بمكة
فاشتراه منه ثم والعبد بالفسطاط؟ قال: نعم، هو كذلك أيضا لا شيء عليه، ثم
قال بأثر ذلك: أرأيت لو أن رجلا خطب إلى قوم وتحته امرأة فقالوا: إنا لا
نزوجك حتى تطلق امرأتك فذهب عنهم فصالح امرأته ثم أتاهم فزوجوه وكتبوا عليه
طلاق امرأته وليست تحته امرأة، ثم أراد أن يتزوجها أيلحقه من يمينه شيء؟
قال: ليس يلحقه من ذلك الطلاق شيء ويتزوجها إن شاء.
قال محمد بن رشد: أما قوله: في الذي شرط لامرأته أن أمر امرأته التي تحته
بيدها يوم تدخل عليه أو أنها طالق واحدة أو اثنتين يوم تدخل عليه فصالحها
ثم دخلت عليه وليست في ملكه ثم تزوجها بعد ذلك إنه ليس بيدها من أمرها شيء
ولا يلزمه فيها طلاق لأنها يوم دخلت عليه لم تكن في ملكه فهو صحيح على ما
يوجبه اللفظ، وأما على ما يقتضيه المعنى فيجب أن يكون أمرها بيدها إن
تزوجها عليها بعد أن دخل بها وأن تطلق كلامه أيضا إن كان قال: فهي طالق
لأنه إنما أراد أن لا يجمع بينهما، وهو الذي يأتي على مذهبه في المدونة؛
لأنه قال في كتاب الأيمان بالطلاق منها في الذي يشترط لامرأته أن كل امرأة
يتزوجها عليها فهي طالق أو أمرها بيدها فيطلق امرأته واحدة أو اثنتين فتبين
منه ثم يتزوج امرأة ثم يراجع امرأته أن المرأة التي تزوج تطلق عليه أو يكون
أمرها بيد امرأته، وإن لم يتزوجها عليها وإنما تزوجها هي عليها لأنه إنما
(4/405)
أراد أن لا يجمع بينهما ولا ينوى في ذلك إن
ادعى نية، وأما الذي حلف لغريمه بطلاق امرأته ليوفينه حقه إلى أجل فصالح
امرأته قبل الأجل فإنه لا يقع عليه حنث بمضي الأجل، وله أن يتزوجها بعد ذلك
ولا يكون عليه شيء باتفاق إلا أنه قال في المدونة: وبئس ما فعل من فر من
الحنث من أجل أنه غر غريمه إذا حلف له ثم فر من الحنث، إذ لو علم ذلك لقام
عليه بحقه ولم ينظره به، وقوله: لأنه من وجه التقاضي إشارة منه إلى مسألة
الغريم المذكور التي احتج بها، وسائر المسائل التي ذكر صحيحة ومعانيها التي
ذكر بينة على معنى ما في المدونة وغيرها، وتفريقه في الذي يحلف وهو في
السفينة أن لا يركبها وأن لا يدخلها صحيح لأن الركوب واللباس والسكنى يقع
على ابتداء ذلك وعلى التمادي عليه، والدخول إنما يقع على ابتداء الدخول في
الشيء لا على التمادي على المقام في داخله، وبالله التوفيق.
[مسألة: يزوج ابنته فيقول له الناكح إني أخاف
أن تكون وليتك سوداء]
مسألة وسئل عن الرجل يزوج ابنته أو وليته فيقول له الناكح: إني أخاف أن
تكون وليتك سوداء أو عمياء أو عوراء، فقال: ليس لها من هذه العيوب شيء، وهي
برية من ذلك فيجد بها بعض ذلك هل يردها بذلك؟ قال: نعم إذا شرطه على ذلك
ردها، وهو قول مالك، قلت: أرأيت إن لم يعلم العيب حتى مس؟ قال: يكون لها
الصداق عليه ويكون ذلك له غرما على من غره، قال أصبغ: قال ابن القاسم:
وكذلك لو خطب رجل إلى رجل فقال: قد قيل لي: إن وليتك سوداء، فقال: قد كذب
من قال ذلك، هي البيضاء الكذا فنكحها فوجدها سوداء إنما ترد عليه لأنه غره،
وهو كالشرط، وكذلك العمياء والعرجاء، قال أصبغ: ومثله الرجل يسوم الرجل
الجارية فيقول: إنها ليست تطبخ ولا تخبز فيقول: هي تطبخ وتخبز وتنصب، أو
يقول، ليست بعذراء، فيقول: هي عذراء فيكون ذلك كالشرط.
(4/406)
قال محمد بن رشد: لا اختلاف أعلمه في أن
الخاطب إذا قال للمخطوب إليه: قد قيل لي: إن وليتك سوداء أو عوراء فقال له:
قد كذب من قال ذلك بل هي البيضاء الكذا أن ذلك شرط بمنزلة قوله: ليس لك من
هذه العيوب لشيء، يكون للناكح ردها إن وجد بها بعض ذلك، فإن لم يعلم بذلك
حتى مس كان لها الصداق، وكان ذلك له غرما على من غره، وإنما اختلفوا إذا
وصفها له الولي عند الخطبة بالبياض وصحة العينين ابتداء على غير سبب وهي
عوراء أو سوداء فقيل: إن ذلك لازم للزوج ولا كلام له في ذلك لأنه فرط إذ لم
يتثبت ويستخبر لنفسه، وهو قول أصبغ في الخمسة، ومذهب ابن القاسم في رواية
يحيى عنه واختيار محمد بن المواز، وقيل: إنه بالخيار قبل الدخول إن شاء
تقدم على أن عليه جميع الصداق وإن شاء فارق ولم يكن عليه شيء، فإن لم يعلم
حتى دخل ردت إلى صداق مثلها على ما بها من العيوب ورجع بالزائد عليها، وهو
قول ابن وهب وعيسى بن دينار، وقيل: إنه يرجع به على الولي الذي غره إلا أن
تكون ثيبا قد علمت بكذب وليها فتقدمت على معرفة بذلك فيرجع عليها إن كان
لها مال وإلا رجع على الولي، وهو قول ابن حبيب، قال ابن القاسم في
الدمياطية: ولو قال له غير الولي الذي زوجها منه أنا ضامن لها أنها ليست
بسوداء ولا عوراء ولا عرجاء فدخل بها ووجدها بخلاف ما ضمن له لكان له
الرجوع عليه بما زاد على صداق مثلها وليا كان أو غيره، وكذلك الحكم في الذي
يزوج وليته على أن لها من المال كذا وكذا شرطا لما ليس لها أو سمى ذلك لها
عند الخطبة من غير شرط لا فرق بين المسألتين في واحد من الوجهين، لقول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تنكح المرأة لجمالها
ولمالها» ، ففرق بين الوجهين إلا أن محمد بن المواز ذهب إلى أنه إن زوج
وليته بشرط أن لها من المال ما ليس لها فإنما للزوج أن يرجع على من شرط له
ذلك وغره بما زاد من المهر على صداق مثلها إن هو خلى سبيلها ولم يرض بها،
(4/407)
وهو بعيد؛ لأنه يقول: لم أتزوجها ولا رضيت
بما سميت من الصداق إلا لما شرط لها من المال، فإذا لم يكن ذلك فأنا أردها
وأرجع بجميع الصداق على الذي غرني كما يقول في السوداء سواء إذا غر بما شرط
له من بياضها، وابن حبيب يرى للزوج رد القرعاء والسوداء وإن لم يغر من ذلك
كالعيوب الأربعة، وذكر ذلك عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
وأما الذي يبيع الجارية ويصفها بأنها عذراء وبأنها تنصب وتطبخ وتخبز، فسواء
وصفها بذلك ابتداء أو بعد أن قال له المبتاع: إنها ليست عذراء ولا تطبخ ولا
تخبز، للمبتاع أن يردها إذا لم تكن على ذلك كالشرط سواء، ولا اختلاف في
هذا، قال في سماع أصبغ من العيوب: وكذلك لو قال: إنها تزعم أنها بكر أو
إنها صناعة أو رقامة لردها إذا لم تكن على ذلك كالشرط، وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل يزوج ابنته قبل أن تبلغ المحيض
فيدخل بها زوجها ثم يطلقها]
مسألة قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته قبل: أن تبلغ المحيض
فيدخل بها زوجها ثم يطلقها، هل يجوز تزويج أبيها إياها بغير مؤامرتها؟ قال:
قال مالك تزويجه جائز عليها من غير مؤامرتها ما لم تحض، قال ابن القاسم:
وأنا أرى أن تزويج أبيها جائز عليها إذا رجعت إليه من غير مؤامرتها ما لم
تحض عند أبيها، فإذا حاضت عند أبيها بعدما رجعت إليه رأيت أن لا يجوز عليها
تزويجه إلا بمؤامرتها وكانت كالثيب التي مات عنها زوجها أو طلقها وقد حاضت،
قلت: أرأيت الصغيرة التي لم تحض إذا دخل بها زوجها ثم طلقها أو مات عنها
قبل أن تحيض أتلزم أباها النفقة عليها؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إذا حاضت بعد
أن رجعت أيلزم النفقة عليها وهو لا يستطيع أن يزوجها إلا بمؤامرتها؟ قال:
لا تلزمه نفقتها إذا حاضت، وذلك ما ليس فيه شك، قال: وسئل عنها سحنون فقال:
إذا رجعت إلى أبيها قبل أن تحيض وقد كان دخل بها
(4/408)
زوجها كان حالها حال البكر يزوجها أبوها
بغير رضاها وإن حاضت، ويلزمه الإنفاق عليها.
قال محمد بن رشد: وقد قيل: إنه لا يجبرها على النكاح وإن لم تبلغ، وجه قول
ابن القاسم وروايته عن مالك أن الأب يملك العقد على ابنته بعلة البكورة
والصغر، فإذا ارتفعت البكورة قبل ارتفاع الصغر كان من حقه أن يزوجها لعلة
الصغر حتى تبلغ، كما أنه إذا ارتفع الصغر قبل ارتفاع البكورة كان له من حقه
أن يزوجها بعلة البكورة حتى ترتفع أيضا، ووجه قول سحنون أن وطأها قبل
البلوغ لا يعتبر به إذ لا تحصن به في النكاح، ولا تحد فيه في الزنى، فوجب
أن يكون للأب أن يزوجها وإن بلغت كمن لم يدخل بها، ووجه القول الثالث أنه
لما كان دخوله بها قبل أن تبلغ المحيض كدخوله بها بعد أن بلغت المحيض سواء
في أن ذلك وطء تحل به إن كان طلقها ثلاثا وجب أن يكون ذلك سواء في أنه لا
يجوز للأب أن يزوجها إلا برضاها، وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل ينكح المرأة فيهدي لها هل يدخل
بها بتلك الهدية]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل ينكح المرأة فيهدي لها هل ترى أن يدخل بها
بتلك الهدية؟ قال: لا يدخل بتلك الهدية حتى يقدم لها من صداقها ربع دينار
لأنه ليس من الصداق، قلت: فهل يدخل إذا رهنها بصداقها رهنا؟ قال: نعم يدخل
بالرهن، قلت: فالرجل يهدي الهدية ثم يطلقها قبل الدخول بها والهدية قائمة؟
قال: لا شيء له منها لأنه ليس من الصداق، قلت: فإن أهدى لها الهدية ثم عثر
على النكاح أنه مفسوخ ففسخ قبل البناء فهل يرجع فيأخذ الهدية؟ قال: إن أدرك
منها شيئا أخذه، وإن فاتت لم يكن له قبلها قليل ولا كثير، قلت: فهل يجوز أن
يتحمل بالصداق ويبني بأهله
(4/409)
بالحمالة؟ قال ابن القاسم: أخبرني بعض من
أثق به أن بعض أهل الفضل قد أجازه، ولست أرى ذلك، وأحب إلي أن يقدم لها ربع
دينار.
قال محمد بن رشد: أجاز له الدخول بالرهن وكره ذلك بالهدية، وأجاز له ابن
حبيب الدخول بالهدية، وروى مثله ابن نافع عن مالك في المبسوط، وفي كتاب ابن
المواز لمالك أن من تزوج امرأة بدين له على رجل فلا يدخل بها حتى يقبض من
ذلك ثلاثة دراهم يدفعها إليها، وقال أيضا: له أن يدخل وإن لم تقبض شيئا
لأنه حق لها لو شاءت باعته وقبضت ثمنه، فعلى القول بأنه لا يدخل بها إذا
تزوجها بالدين يكون له على رجل حتى تقبض من ذلك ثلاثة دراهم لا يجوز له أن
يدخل بها أيضا بالرهن لأن ذلك أحرى أن لا يجوز، ولم ير ابن القاسم له أن
يدخل بالحمالة، وحكى عن بعض أهل الفضل أنه أجازه، فحصل الاختلاف في هذه
المسائل كلها، وأخفها الدخول بالدين، والأظهر أن الدخول به جائز لأنه حق قد
وجب لها لو شاءت باعته وأخذت ثمنه، والقول بأنه لا يدخل به بعيد، فمن لم ير
له الدخول به حتى يقبض منه ثلاثة دراهم فأحرى أن لا يجيز له الدخول في سائر
المسائل، ويليه الدخول بالرهن لأنها قد قبضت ما هي أحق به من الغرماء في
الموت والفلس، وأشدها الدخول بالحمالة؛ لأن ذمة الحميل كذمة الزوج ولم تقبض
شيئا، والأظهر أنه لا يدخل بها، فمن أجاز له الدخول بها فأحرى أن يجيز له
الدخول بها في سائر المسائل، وأما الرهن فوجه إجازة الدخول به هو أنها
قبضته لتستوفي صداقها منه، وهي أحق به من الغرماء في الموت والفلس، وقد
قيل: إن من حلف أن يقبض حقه يبر بالرهن، وأما الهدية فوجه قوله: إنه لا
يدخل بها هو ما ذكره من أنها ليست من الصداق، ولو طلقها لم يكن له منها شيء
وإن كانت قائمة ولو ألفى النكاح مفسوخا لم يكن له إلا ما أدرك منها، وبالله
التوفيق.
تم كتاب النكاح الثاني
والحمد لله حق حمده، والصلاة الكاملة على سيدنا محمد نبيه وعبده.
(4/410)
|