البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 [كتاب النكاح الثالث]
[الرجل يزوج أمته عبدا لغيره فجرحها فأسلمه سيده]
كتاب النكاح الثالث

(4/411)


ومن كتاب أوله أوصى
أن ينفق على أمهات أولاده وسئل مالك عن الرجل يزوج أمته عبدا لغيره فجرحها فأسلمه سيده أتحرم عليه؟ قال: لا وهو على نكاحه لأنه ليس مالا من مالها هو لسيدها مال من ماله.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: لأن إسلامه إلى سيدها في الجناية عليها كبيعه منه، وهو لو باعه منه لم يؤثر ذلك في صحة نكاحها، واختلف في جنايته عليها إن كانت مُثْلَة بها هل تطلق عليه أم لا؟ فحكى سحنون عن مالك في آخر رسم المزارع من سماع يحيى من كتاب العتق أنها تطلق عليه بمنزلة بيعه لها لأنه ليس بمأمون على عيبها، وهي رواية زياد بن جعفر عن مالك في المدنية، وقال ابن القاسم: لا يفرق بينهما، ويكون بينهما القصاص والقود إلا أن يرى السلطان للتفرقة وجها مثل أن يخافه عليها، وبالله التوفيق.

[مسألة: حكم اجتماع النكاح والبيع في عقد واحد]
مسألة قال ابن القاسم: قال مالك: لا يجوز نكاح وبيع، ولا صرف وبيع [ولا شركة وبيع] ولا مساقاة وبيع، ولا قراض وبيع، قال

(4/413)


ابن القاسم: فإن وقع هذا فسخ كله إلا أن يفوت، فإن فات عمل فيه مثل ما يعمل في المكروه، فأما النكاح والبيع فإنه إن دخل بها رأيت أن تعطى صداق مثلها، [وإن لم يدخل بها فسخ النكاح، وأما الصرف والبيع فإن أدرك رد كله، وإن فاتت السلعة بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمه قيمتها يوم قبضها. .] . وإن كانت السلعة لم تفت بنماء ولا نقصان ولا اختلاف أسواق ردت، وإن كانت قد فاتت بشيء من ذلك لزمته قيمتها يوم قبضها ويرد قابض الورق عليه وزنه وعينه ويرد إليه البائع ذهبه، وأما الشركة والبيع فإن السلعة إن كانت لم تفت ردت وفسخت شركتهما، وإن كانت فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمته قيمتها يوم قبضها، وأما القراض والبيع فإنه إن أدرك الأمر فسخ بينهما، وإن فاتت السلعة بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمته السلعة بقيمتها يوم قبضها وكان المقارض أجيرا في القراض تدفع إليه إجارة مثله لأن مالكا قال لي: من قارض رجلا على أن يسلفه أو يجعل له عددا من الربح مسمى كان أجيرا في القراض ولم يجعل له في هذا إلا قراض مثله، فإذا باعه بيعا على أن يقارضه كان البائع قد ترك له فضلا في سلعته على أن قارضه بمنزلة السلف إن كان المقارض قد زاده في ثمن السلعة على أن قارضه، فكأنه أعطاه فضلا في قراضه على أن قارضه، وهو وجه بين. وأما المساقاة والبيع فإن كانت السلعة لم تفت ردت، وإن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق لزمت قيمتها يوم قبضها ورد في المساقاة إلى مساقاة مثله، وذلك أني سألت مالكا عن رجل ساقى رجلا حائطا ثلاث سنين وفيه ثمرة قد طابت واشترطها الداخل بينهما فقال: تكون الثمرة لصاحبها ويعطى المساقى فيها ما أنفق

(4/414)


ويكون الرجل على مساقاة مثله حتى تنقضي السنتان، ولم يفسخه مالك، وقد كان الرجل عمل فيها سنة وبقيت له سنتان، فأتم له مالك مساقاته على مساقاة مثله ورد إليه قيمة عمله ونفقته، فهذه سنة المساقاة والبيع فيما نرى، والله أعلم.
قال محمد بن رشد: أما النكاح والبيع فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن القاسم وروايته عن مالك هاهنا وفي المدونة أن ذلك لا يجوز على حال ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل، قيل: لأن البيع طريقه المكايسة وتجوز فيه الهبة، والنكاح طريقه المكارمة ولا تجوز فيه الهبة، فإذا وقعا معا لم يدر ما يقع مما أعطى الزوج للبضع مما يقع منه لما أعطت المرأة فآل ذلك إلى الجهل بمبلغ الصداق وبمبلغ ثمن ما وقع فيه البيع فوجب فيه الفسخ، وقيل: مخافة أن يكون الفرج موهوبا بغير صداق فلا يجوز وإن كان فيما أعطى الزوج فضل كثير على ما أعطت المرأة حماية للذرائع؛ لأن كثيرا من النساء ترضى أن تتزوج الرجل على أن تعطيه لرغبتها فيه لشرفه وحاله أو لكثرة يساره أو ما أشبه ذلك، فيخشى إن صح الأمر من هذين أن لا يصح من غيرهما، وهذا التعليل لأصبغ، فإن طلق الزوج على هذا القول قبل الدخول لم يكن إلا شيء من الصداق لأن الصداق الفاسد لا يجب للمرأة منه شيء بالموت ولا بالطلاق، والقول الثاني: أنه يكره ابتداء حماية للذرائع، فإذا وقع نظر فيه فإن لم يكن فيما أعطى الزوج على ما أعطت المرأة فضل يكون صداقا لم يجز وفسخ قبل الدخول ومضى بعده بصداق المثل، وإن كان فيه فضل قيل قدر ربع دينار فأكثر وهو قول مطرف وقيل فضل بائن كثير لا يقارب أن يستغرقه ما أعطت المرأة، وهو قول ابن الماجشون جاز النكاح ولم يفسخ، وقول مطرف أظهر لأن التقويم يكشف صحة العقد من فساده كما لو تزوج بعرض لا يدرى هل يساوي ربع دينار أم لا يساويه إلا بعد التقويم، وإن طلق الزوج على هذا القول قبل الدخول وفيما

(4/415)


أعطى الزوج فضل ربع دينار أو أكثر على قول مطرف أو فضل بائن كثير على قول ابن الماجشون كان للزوجة نصف الفضل، وهو أحد قولي مالك في المبسوط، فجعل الزائد على ما أعطت المرأة للنكاح، وهو نحو قول مطرف وابن نافع في الذي يصالح بشقص فيه شفعة عن موضحتين عمد وخطأ أنه لا يكون لموضحته العمد من قيمة الشقص إلا ما زاد على دية موضحة الخطأ المعلومة والقول الثالث أن ذلك جائز من غير اعتبار بفضل ما أعطى الزوج على ما أعطت المرأة ويكون ما أعطى الزوج منضوضا على قيمة ما أعطت المرأة وعلى صداق مثلها إن طلق قبل الدخول واستحق شيء مما وقع فيه البيع مع النكاح، حكى هذا القول عبد الوهاب عن أشهب، وهو قول له وجه، إذ ليس في المنع من النكاح والبيع معا نص في القرآن ولا في السنة ولا أجمعت على ذلك الأمة، فلا يكون على قول أشهب النكاح فاسدا، وإذا كان ما أعطى الزوج أقل مما أعطت المرأة إذا وقع من ذلك للبضع عند النض ربع دينار فأكثر. وقد ذهب بعض أهل النظر إلى أنه إنما ينض على مذهبه ما أعطى الزوج على قيمة ما أعطت المرأة وعلى صداق مثلها إذا كان قيمة ذلك مقاربا لهما جميعا، وأما إن كان أكثر منهما جميعا بكثير أو أقل منهما جميعا بكثير فيجعل للبضع الزائد على ما أعطت المرأة؛ لأنه إن كان أكثر منهما جميعا بكثير حمل على الزوج أن الزيادة إنما زادها لشهوته في المرأة وحرصه على نكاحها لما ركب الله في النفوس من الشهوة إلى ذلك، وإن كان أقل منهما جميعا بكثير حمل على المرأة أن النقصان إنما نقصته لرغبتها في النكاح وحرصها عليه وشهوتها فيه، وهو معنى حسن لو ساعده الظاهر. وأما الصرف والبيع فقوله فيه: إنه لا يجوز معناه في الكثير، إذ قد علم من مذهبه في المدونة وغيرها إجازة ذلك في اليسير، قال أبو بكر الأبهري: وإنما لم يجز في الكثير مخافة أن يئول الأمر إلى الصرف المتأخر باستحقاق السلعة؛ لأن السلعة إن استحقت وجب أن ينض الذهب على الدراهم وعلى قيمة السلعة فلا يدرى في حال العقد ما وقع للدراهم من الذهب، وقال ابن القاسم في التفسير: إنما لم يجز ذلك لأن السلعة إن استحقت لم يدر المبتاع بما يرجع من الذهب إذ لا يصح أن ينض

(4/416)


على قيمة السلعة وقيمة الدراهم إذ لا تقوم الدراهم كما تقوم السلع، وقال ربيعة في المدونة: إنما كره اجتماع البيع والصرف من أجل أن السلعة إن وجد بها عيب يريد أو استحقت انتقض الصرف، فإن وقع ذلك كان الحكم فيه على ما ذكر من فسخ ذلك كله ورد الذهب والورق على وزنه والسلعة بعينها إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة. وأما الشركة والبيع فإنما لم يجز اجتماعهما في صفقة واحدة لأن الشركة من العقود الجائزة لكل واحد من المشاركين أن ينفصل عن صاحبه متى ما أراد ولا يلزمه البقاء معه على الشركة فدخل [على] ذلك الغرر في البيع لأن البائع إنما رضي ببيع سلعته منه بالثمن الذي سمياه لما رجاه من الانتفاع ببقائه معه على الشركة، وذلك لا يلزمه، ولو لزمه أيضا لكان البيع غررا لجهل قدر الانتفاع بمشاركته إياه، فوجب أن يفسخ البيع في السلعة وترد بعينها إن كانت قائمة وتكون فيها القيمة إن كانت فائتة كما قال. وأما قوله: وفسخت شركتهما فإنه لفظ وقع على غير تحصيل إذ ليست الشركة من العقود اللازمة فيحتاج إلى فسخها وإن رضي بعد فسخ البيع بالبقاء على الشركة جاز ذلك لهما وكان كشركة مبتدأة. وأما القراض والبيع فإنما لم يجز أن يجتمعا في صفقة واحدة من أجل أن القراض مخالف للبيع في وجهين: أحدهما أن القراض من العقود الجائزة، والثاني أنه إجارة مجهولة، تجوز بالإجماع والاتباع والقياس على المساقاة، فإذا انضاف أحدهما إلى الآخر أفسد كل واحد منهما صاحبه؛ لأن البيع يعود مجهولا بإضافته إلى المجهول، ولأن القراض يخرج عن أصله باشتراط إضافة البيع إليه فيعود إجارة مجهولة، فوجب لذلك أن يفسخ البيع على ما قال ويرد في القراض إلى إجارة مثله. وأما المساقاة والبيع فإنما لم يجز أن يجتمعا في صفقة واحدة من أجل أن المساقاة تخالف البيع في أنها إجارة مجهولة مخصصة بالسنة من الإجارة المجهولة، فلما كانت تخالف البيع في هذا وتوافقه في أنها من

(4/417)


العقود اللازمة لم ير أن يفسخها إذا لم تدرك حتى فاتت بالعمل وأمضاها إلى تمام أجلها على مساقاة المثل وفسخ البيع في القيام وصححه بالقيمة في الفوات قياسا على ما قال مالك في الذي ساقى رجلا حائطا ثلاث سنين وفيه ثمر قد طاب وعمل سنة من الثلاث سنين من أنه تكون الثمرة التي قد طابت لصاحب الحائط ويكون للعامل فيها نفقته وأجرة مثله، ويكون على مساقاة مثله في العام الذي مضى من الثلاثة الأعوام وفي العامين الباقيين؛ لأن معنى المسألة أنه ساقاه في الحائط ثلاث سنين سوى العام الذي فيه الثمرة التي قد طابت فاقتضت المسألة الأجل في الثمرة التي قد طابت ببعضها ومساقاة الثلاث سنين بعدها في صفقة واحدة، فقاس ابن القاسم البيع والمساقاة على قول مالك في هذه المسألة لأنها إجارة ومساقاة، والإجارة بيع من البيوع، فلا فرق بين البيع والمساقاة وبين الإجارة، ففوات الإجارة بالعمل في مسألة الإجارة والمساقاة كفوات السلعة في مسألة البيع والإجارة يكون للعامل قيمة عمله كما يكون لرب السلعة قيمة سلعته، ولو عثر على ذلك قبل أن تفوت الإجارة في الثمرة التي قد طابت بالعمل لنقضت كما أنه لو عثر على البيع قبل أن تفوت السلعة لنقض وردت السلعة بعينها، ولو عثر على ذلك بعد فوات الإجارة في الثمرة التي قد طابت بالعمل وقبل أن يعمل من مساقاة الثلاثة الأعوام شيئا لكان له أجر مثله في الثمرة التي قد طابت، وفسخت المساقاة في الأعوام الثلاثة على ما قال في المدونة. والإجارة في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فاسدة لوجهين: أحدهما إضافتها إلى المساقاة في الصفقة، والثاني عقدها بلفظ المساقاة خلاف ما ذهب إليه سحنون من أن من ساقى رجلا في حائط قد طاب وحل بيعه إن ذلك جائز، وهي إجارة، وبالله التوفيق.

[مسألة: حكم نكاح الرجل المرأة بالهدية دون الصداق]
مسألة وقال: لا أرى أن يصيب الرجل امرأته بالهدية حتى يقدم إليها من صداقها ربع دينار فصاعدا، فإذا طلقها من قبل أن يدخل بها وقد أهدى لها أعطاها نصف الصداق ولم يكن له عليها شيء فيما

(4/418)


أهدى إليها ولم يحاسبها في الهدية.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة في آخر الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادة القول فيه.

[الرجل ينكح ابنته بنقد خمسة أرؤس فقال له الناكح خمسة أرؤس كثير]
ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك قال: وسئل مالك عن الرجل ينكح ابنته بنقد خمسة أرؤس فقال له الناكح: خمسة أرؤس كثير، فقال أبو الجارية: على أن تترك لك أهلك رأسين، فقال: إني أخاف ألا تفعل، قال: امرأته طالق البتة إن لم يجعلها تضع عنك رأسين، فتزوجها فسألها الأب فلم تفعل، فقال لها زوجها: اتقي الله أترضين أن تطلق أمك؟ فعالجها الزوج حتى وضعت عنه الرأسين، فقال: هو حانث لأنه لم يجعلها هو أن تضعهما، وإنما وضعت ذلك بطلبة زوجها.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال: لأن الذي حلف أن يفعله لم يفعله فوقع عليه الحنث.

[مسألة: رجل من العرب تزوج أمة قوم فولد له منها ولد]
مسألة وسئل عن رجل من العرب تزوج أمة: قوم فولد له منها ولد، قال: ولده عبد لسيد الأمة، قلت: فتزوج الصبي حرة فولد له ولد هل ينتسب إلى آبائه؟ قال: نعم ينتسب إلى قوم جده وآبائه وهم يرثونه فيعقلون عنه.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال. إن الولد تبع لأمه في الحرية والرق لأنه كعضو منها، وقد جاء أن كل ذات رحم فولدها بمنزلتها، فولد الحرة من العبد حر بحرية أمه ينتسب إلى قوم أبيه ويوارثهم ولا يوارث أباه العبد إلا أن يعتق، إذ لا ميراث بين الحر والعبد، وبالله التوفيق.

(4/419)


[مسألة: رجل تزوج امرأة بجنان على أن فيها عشرة فدادين فلم تجد إلا خمسة]
مسألة قيل لابن القاسم في رجل تزوج امرأة بجنان على أن فيها عشرة فدادين فلم تجد إلا خمسة، قال: يثبت النكاح ويكون لها عليه قيمة الخمسة التي نقصت، قلت: دخل أو لم يدخل؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يكون لها عليه قيمة الخمسة التي نقصت معناه إذا رضيت بإمساك الجنان ولم ترد الرد، ولو أرادت الرد لكان لها أن ترده ويكون لها قيمة جميعه على أن فيه عشرة فدادين لأن حكم ما نقص من العدد الذي اشترطت حكم الاستحقاق. ومن اشترى عشرة فدادين فاستحق منها خمسة كان مخيرا بين أن يرجع بما ينوب المستحق من الثمن أو يرد ما بقي، والقياس أن تكون مخيرة بين أن ترد الجنان وترجع بصداق مثلها أو تمسك وترجع بنصف صداق مثلها وهو ما ناب الخمسة التي نقصت من العدة التي اشترطت، قال ابن صالح وابن لبابة: هذا الذي يأتي على قياس قولهم في البيوع غير أن ذلك لا يوجد لهم، وليس ذلك كما قال، بل هو موجود لمالك، وقد مضى ذلك في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب. ولو وجدت في الجنان على قياس هذا القول أكثر من عشرة فدادين لم يكن لها منه إلا عشرة فدادين، ويكون الزوج معها فيه شريكا. بالزيادة، وقد روي عن مالك أن اشتراط المبتاع عدد الزرع في الأرض عند ابتياعها إنما هو كصفة من صفاتها فإن وجد زيادة كان له، وإن وجد نقصانا كان مخيرا بين أن يرد أو يمسك بجميع الثمن، فعلى هذا القول تكون المرأة مخيرة بين أن ترد الجنان وترجع بقيمته أو بصداق مثلها على الاختلاف الذي ذكرناه وبين أن تمسك ولا شيء لها، وهذا الاختلاف قائم من أول مسألة من كتاب تضمين الصناع من المدونة، وهو منصوص عليه في سماع عيسى ونوازل سحنون من كتاب جامع البيوع وفي نوازل سحنون أيضا من كتاب العيوب.

[مسألة: رجل تزوج امرأة بمائة دينار خمسون منها نقدا وخمسون إلى سنة]
مسألة وقال في رجل تزوج امرأة بمائة دينار خمسون منها نقدا،

(4/420)


وخمسون إلى سنة، فانقضت السنة ولم يدخل بها فدخل بها بعد السنة، فطلبت الخمسين، وقال: لم أدخل حتى أديتها، قال مالك: إذا دخل بها بعد السنة فهو مصدق ويحلف.
قال محمد بن رشد: حكم لما حل من الكالئ قبل البناء بحكم النقد، وهو قول ابن حبيب في الواضحة ومثله في النكاح الثاني من المدونة في الذي يتزوج بنقد كذا وخادم إلى سنة فدخل بعد السنة، فعلى هذا يكون من حق الزوجة إذا حل الكالئ قبل الدخول ألا يدخل بها حتى يؤديه إليها، وقد حكى الفضل عن يحيى بن يحيى أنه إذا أتى بالنقد وأعسر بالكالئ كان له أن يدخل بها وتتبعه بالكالئ دينا عليه، قال: هو أشبه بما روى ابن سحنون عن أبيه، فعلى هذا لا يبرأ الزوج بالدخول منه ولا يصدق عليه على أنه قد دفعه وتحلف المرأة أو يكون القول قولها.

[مسألة: الرجل يتزوج المرأة ويتحمل رجل آخر بالصداق]
مسألة وسألته عن رجل تزوج امرأة وتحمل رجل بالصداق فدخل بها زوجها فطلبت المرأة الصداق من الحميل بعد دخول الزوج عليها، وزعم الزوج والحميل أنها قد قبضته قبل الدخول، قال: القول قول الحميل ويحلف، قيل لسحنون: فلو كانت ارتهنت بصداقها منه رهنا ثم دخل بها هل الرهن والحميل بمنزلة سواء ويبرئه الدخول؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قوله: القول قول الحميل ويحلف يريد يحلف ما علم أنه بقي لما قبل زوجها شيء من صداقها، وإنما يلزمه اليمين على هذا إذا غاب الزوج أو كان حاضرا فأقر أنه لم يدفع وهو عديم لأنه يتهم لزوجته على الحميل، فالقول قول الحميل، وأما إن ادعى الزوج الدفع أو كان مليا فأقر أنه لم يدفع فلا شيء على الحميل لسقوط الحمالة عنه بيمين الزوج إن ادعى الدفع أو بإقراره إن كان مليا. وقول سحنون: إن الدخول يبرئ

(4/421)


الزوج من الصداق إذا ادعى دفعه قبل الدخول وإن كان قد رهنها به رهنا صحيح إذا كان الرهن عند النكاح لا عند الدخول؛ لأن من حقها أن تمتنع من دخوله بها حتى يؤدي إليها مهرها ارتهنت به منه رهنا أو لم ترتهن فلا تأثير للرهن في ذلك.

[مسألة: امرأة تصدقت على زوجها بصداقها فمنت عليه بعد ذلك]
مسألة وسئل عن امرأة تصدقت على زوجها بصداقها فمنت عليه بعد ذلك فقال: أنا أكتب لك صداقا فكتب لها صداقا إلى أجل أو حال، قال: إن لم تقبض الذي كتب لها في حياته فلا شيء لها لأنها عطية.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن العطية إذا لم تحز حتى مات المعطي بطلت لقول أبي بكر الصديق لعائشة: لو كنت حزته لكان لك الحديث، وهذا المعنى مروي أيضا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا مخالف لهم من الصحابة، فقامت بذلك الحجة على من يقول: إنها لا تفتقر إلى حيازة، وهو قول أحمد بن حنبل وجماعة سواه، والحمد لله.

[أرسل رجلا يزوجه امرأة سماها فذهب الرجل وزوجها إياه بعبد المرسل]
ومن كتاب لم يدرك وقال مالك في رجل أرسل رجلا يزوجه امرأة سماها، فذهب الرجل وزوجها إياه بعبد المرسل ولم يكن سمى له صداقا يسوق عنه فسخط ذلك، قال: إن سخطه فسخ النكاح ولم يكن عليه شيء، قال: ولو كان ساق عنه دنانير أو دراهم فكان ذلك مثل صداق مثلها لزمه النكاح على ما أحب أو كره، وهذا بمنزلة ما لو بعث رجلا يبتاع له سلعة سماها له بعينها ولم يسم له ثمنها فذهب الرسول فابتاعها بدار المرسل أو بعبده لم يلزمه إلا أن يشاء لأنه ليس

(4/422)


للرسول أن يبيع عليه داره ولا غلامه، ولو كان اشترى بدنانير أو دراهم لزمه الاشتراء على ما أحب أو كره إذا كان يشبه ثمن مثله، فالنكاح بهذه المنزلة. قلت: أرأيت إن طلق قبل أن يرد النكاح أيكون عليه نصف ما ساق عنه؟ قال: نعم، ذلك عليه لأن طلاقه إجازة للنكاح، ولو كان رده لم يكن عليه شيء، وكان فراقه ذلك طلقة، وإن تزوجها يوما ما كانت عنده على اثنتين.
قال محمد بن رشد: قوله: إن سخطه فسخ النكاح يريد بطلقة على ما قال في آخر المسألة يدخل على أنه إن رضي بذلك جاز، وهذا إذا كان ذلك بقرب العقد، وأما إن لم يعلم بذلك حتى بعد الأمر فيتخرج جواز النكاح إن رضي به على قولين، ولو أعلم الرسول ولي المرأة عند العقد بافتياته على الذي أرسله في عبده بغير إذنه لكان العقد فاسدا لدخوله على أن للزوج الخيار، وقد مضى ما يدل على الذي ذكرناه في مسألة الولي يزوج وليته الغائبة بغير أمرها في أول سماع ابن القاسم وهي مسألة المرأة تأمر وليها أن يزوجها فيزوجها من رجل لا يسميه لها في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب، وسائر ما ذكر في المسألة صحيح بين لا وجه للقول فيه، وبالله التوفيق.

[مسألة: رجل وقع ابن له في جب فقال لرجل إن أخرجته منه فأنا أزوجك ابنتي]
مسألة وقال في رجل وقع ابن له في جب فقال لرجل: إن أخرجته منه فأنا أزوجك ابنتي أو قد زوجتك ابنتي إن أخرجته فأخرجه، قال: لا يلزمه النكاح ولا يكون نكاحا، وأرى له أجرة مثله فيما شخص استخرجه حيا أو ميتا، قال: وليس يكون النكاح جعلا ولا كراء في شيء من الأشياء، قلت: فما ذكر في كتاب الله من قصة موسى وشعيب؟ قال: الإسلام على غير ذلك، قلت: فإن وقع؟ قال: إن وقع وأدرك قبل البناء فسخ، وإن فات بدخول كان لها صداق مثلها وكان له كراء مثله فيما شخص.

(4/423)


قال محمد بن رشد: جمع في هذه الرواية بين النكاح بالجعل وبالإجارة فقال: لا يكون النكاح جعلا ولا كراء في شيء من الأشياء، وهما مفترقان، أما النكاح فلا اختلاف في أنه لا يجوز لأن الجعل لا يلزم المجعول له، وله أن يترك متى شاء، فالنكاح به نكاح فيه خيار، فلا اختلاف في أنه لا يجوز، وأما النكاح بالأجرة مثل أن يتزوجها على أن يحجها أو يعمل لها عملا ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك مكروه كان معه نقد أو لم يكن، فإن وقع نفذ ومضى ولم يفسخ، وهو قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم وقع ذلك هاهنا في بعض الروايات، واستحسنه ابن لبابة وتعجب من رواية عيسى وقوله: الإسلام على غير ذلك، قال: وقد ثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مثل ذلك، يريد ما جاء في بعض الآثار من قوله: «قد أنكحتكها بما معك من القرآن تعلمها إياه» للرجل الذي سأله أن يزوجه المرأة التي كانت وهبت له نفسها إذ لم يجد شيئا يصدقها إياه إلا سورا من القرآن سماها على ما جاء في الحديث، وهو ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك من الكراهة في ذلك، والثاني أن ذلك لا يجوز كان معه نقد أو لم يكن، فإن وقع فسخ قبل الدخول وثبت بعده، وكان فيه صداق المثل، وهو الذي يدل عليه قوله في هذه الرواية: الإسلام على غير ذلك، والثالث الفرق بين أن يكون معه نقد أو لا يكون معه نقد، وهذه التفرقة على وجهين: أحدهما أنه إن كان معه نقد جاز ولم يفسخ، وإن لم يكن معه نقد فسخ قبل الدخول وثبت بعده وكان فيه صداق المثل، والثاني أنه إن لم يكن معه نقد فسخ قبل الدخول وثبت بعده وكان فيه صداق المثل، وإن كان معه نقد فسخ قبل الدخول ومضى بعده بالمسمى من النقد والكراء والعمل أو قيمة ذلك على اختلاف قول ابن القاسم في ذلك في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى في الذي يتزوج المرأة بصداق مسمى على أن يحجها، إذ لا فرق عندهم بين أن يتزوجها على أن يحجها أو على أن يعمل لها عملا، وقال ابن حبيب على ما اختاره من إجازة النكاح على أن يحجها أو على

(4/424)


أن يعمل لها عملا وإن لم يكن مع ذلك نقد إنه لا يدخل بها حتى يحجها أو يعطيها مقدار ما ينفق على مثلها في الحج بها، فإذا أخذت ذلك فإن شاءت حجت وإن شاءت تركت، وفي ذلك من قوله نظر لأن فسخ الدين في الدين يدخل في التخيير، فالصواب أن لا يحمل ذلك من قوله على التخيير وأن يكون معناه أنه لا يدخل بها حتى يحجها على قول من يوجب عليه إحجاجها أو يعطيها مقدار ما ينفق على مثلها في الحج، على قول من يرى ذلك عليه على ما وقع من الاختلاف في ذلك في سماع يحيى، وقال أشهب: له أن يدخل بها قبل أن يحجها إلا أن يأتي إبان الحج قبل أن يدخل بها فلا يكون ذلك له كالكالئ يحل قبل الدخول.

[مسألة: زوج رجلا على أنه إن كان حرا فالنكاح ثابت وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما]
مسألة وقال في رجل زوج رجلا على أنه إن كان حرا فالنكاح ثابت وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما، فدخل بها أو لم يدخل، قال: دخل أو لم يدخل، يوقف عنها حتى يتبين، فإن كان حرا ثبت النكاح، وإن كان مملوكا فلا نكاح بينهما. قلت: فإن كان عبدا يوم وقعت العقدة فعتق بعد ذلك، فعثر على ذلك وهو حر بعد وقد دخل أو لم يدخل، قال: دخل أو لم يدخل فالنكاح مفسوخ إذا كان عبدا يوم وقعت العقدة، ولكن إن كان دخل بها فلها الصداق كله إن كان سيده أعتقه ولم يستثن ماله، فإن كان استثنى ماله أخذ منها ما ساق إليها وترك لها قدر ما تستحل به، وضعف الترك عن مالك وقال: إنما هو مال من مال السيد، وإن لم يدخل بها فسخ النكاح ولا شيء لها استثنى ماله سيده أو لم يستثن لأنه لم يكن نكاحا.
قال محمد بن رشد: أجاز هذا النكاح على ما فيه من معنى الخيار بكونه موقوفا على اختبار حال الزوج إن كان حرا أو عبدا، إذ ليس بخياره على الحقيقة في العقد لأن النكاح بالخيار لا ينعقد حتى يمضي، ولا ميراث فيه

(4/425)


إن مات أحدهما قبل أن يمضي، وهذا ينعقد بنفس العقد ويكون فيه الميراث إن مات أحدهما ثم انكشف أن الزوج كان حرا يوم العقد، وإنما يجوز النكاح ويوقف عنها على ما قال حتى يتبين إن كان الزوج حرا أو عبدا إذا كان اختبار ذلك قريبا، والله أعلم، ولا يحل له أن يدخل حتى يعلم أنه كان حرا يوم وقعت العقدة؛ إذ لا ينعقد النكاح إلا بكونه حرا يومئذ، فلا يصح له أن يدخل بامرأة لا يدرى هل انعقد نكاحه معها أم لا، فإن دخل وقف عنها حتى يعلم حاله يوم العقد، فإن انكشف أنه كان حرا ثبت معها، وإن انكشف أنه كان عبدا فرق بينهما، أعتق بعد ذلك أو لم يعتق، ويكون لها الصداق إن كان سيده أعتقه ولم يستثن ماله، وإن كان استثناه أخذ منها ما ساق إليها وترك لها قدر ما تستحل به على ما قال، وإذا أخذ ذلك منها كان لها أن تتبعه دينا ثابتا في ذمته وكذلك إن كان لم يعتق وأخذ ذلك السيد منها كان لها أن تتبعه دينا ثابتا في ذمته إن عتق إلا أن يسقط ذلك السيد عن ذمته قبل أن يعتقه، وقد قيل: إنه لا يسقط ذلك عن ذمته إلا السلطان، والقولان في المدونة.

[مسألة: الرجل يتزوج المرأة فيصدقها صداقا فتطلب منه نفقة العرس]
مسألة سألنا مالكا عن الرجل يتزوج المرأة فيصدقها صداقا فتطلب منه نفقة العرس هل يكون ذلك عليه؟ قال: ما أرى ذلك عليه، وما هو بصداق ولا بشيء ثابت، وقال: أرأيت لو كان طلقها قبل أن يدخل بها هل كان عليه نصف نفقة العرس أو مات عنها قبل أن يدخل بها هل كانت تأخذ مع صداقها قيمة نفقة العرس؟ ما هذا بشيء ولا هذا أمر ثابت، فردد عليه وقيل له: يا أبا عبد الله إنه شيء قد أجروه بينهم، وهو سنتهم، فقال: إن كان ذلك شأنهم وسنتهم فأرى أن يفرض ذلك عليهم، قال ابن القاسم: وإن تشاحوا لم يكن ذلك لهم إلا أن يشترطوه.

(4/426)


قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: اليتيمة يزوجها عمها أو ابن عمها أو وصي وهي صغيرة لم تبلغ]
مسألة وسئل عن اليتيمة يزوجها عمها أو ابن عمها أو وصي وهي صغيرة لم تبلغ من رجل ثم تموت أو يموت الزوج هل بينهما ميراث؟ أو عليها عدة؟ أو لها مهر؟ وهل يكون هذا نكاحا ثابتا أم لا؟ قال ابن القاسم: إنه يكره أن يزوجها أحد إلا أبوها حتى تبلغ المحيض، ولا أعلم أن مالكا كان يبلغ بها أن يقطع الميراث بينهما، فأرى أن يتوارثا فإنه أمر جل الناس قد أجازوه، وقد زوج عروة بن الزبير بنت أخيه وهي صبية ابنه، والناس يومئذ متوافرون، وعروة من هو.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم مستوفى فليس لإعادته هاهنا معنى، وبالله التوفيق.

[مسألة: المرأة الغريبة الكبيرة تلجأ إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة]
مسألة وسئل عن المرأة الغريبة الكبيرة تلجأ إلى الرجل فيقوم لها بحوائجها ويناولها الحاجة هل ترى ذلك حسنا؟ قال: لا بأس به، وليدخل معه غيره أحب إلي، ولو تركها الناس لضاعت.
قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال: إنه جائز للرجل أن يقوم للمرأة الأجنبية في حوائجها ويناولها الحاجة إذا غض بصره عما لا يحل له النظر إليه مما لا يظهر من زينتها لقول الله عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وذلك الوجه والكفان على ما قاله أهل التأويل فجائز للرجل أن

(4/427)


ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضرورة، فإن اضطر إلى الدخول عليها أدخل معه غيره ليبعد سوء الظن عن نفسه، فقد روي «أن رجلين من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه صفية زوجته - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال لهما: " إنها صفية " فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما فتهلكا» ، أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[مسألة: رجلا قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك إلا بإذنك أو رضاك]
مسألة وقال: لو أن رجلا قال لامرأته: أنت طالق إن تزوجت عليك إلا بإذنك أو رضاك فقال لها: خذي مني مائة دينار وأذني لي في التزوج، قال: لا يجوز ذلك إلا عندما يريد أن يفعل.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.

[مسألة: طلقها زوجها طلقة واحدة قبل أن يدخل بها ثم مات فظهر بها حمل]
مسألة قال ابن القاسم: لو أن امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة قبل أن يدخل بها ثم مات فظهر بها حمل وزعمت أنه منه وأنه كان يأتيها في أهلها قبل قولها وورثه الولد، ولم يكن لها هي ميراث، ولم يكن لها أكثر من نصف الصداق الذي أخذت.
قال محمد بن رشد: أما الولد فلا اختلاف في أنه يلحق به ويرثه إذا أتت به بعد موته لما يشبه أن يكون منه وزعمت أنه منه وكان ما قالت من إتيانه إليها في أهلها يمكن على ما قال في المدونة فقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولد

(4/428)


للفراش» لأنها قد صارت فراشا له بعقد النكاح، فوجب أن يلحق به ولدها إذا ادعت أنه منه إلا أن يتبين كذبها أو يكون حيا فينكر ويلاعن، وأما الصداق والميراث فقد قال محمد بن المواز: إن الصواب أن يكون لها الصداق كاملا والميراث إن مات قبل انقضاء العدة للحوق الولد، وروى مثله زياد بن جعفر عن مالك في المدنية، وهو الذي يأتي على أصولهم في أن لحوق النسب يدفع التهم، من ذلك قولهم في الذي يقر في مرضه الذي مات منه بحمل أمته أنه منه وورثته كلالة أنها تعتق من رأس المال، وقولهم في الملاعن يستلحق ولده بعد موته وله ابنة أو ولد إن له ميراثه منه مع الابنة أو الولد بخلاف إذا استلحقه بعد موته ولا ولد له على ما وقع في نوازل سحنون من كتاب الاستلحاق، وقول ابن القاسم هاهنا وفي المدونة أظهر، إذ لا ضرر على المرأة في لحوق النسب بزوجها يسقط عنها التهمة في دعواها الصداق والميراث بل لها في ذلك منفعة وهو سقوط الحد عنها، فهي مدعية في الجميع إلا أن السنة أحكمت أن يدرأ الحد عنها لإمكان ما ادعت من إتيان زوجها إياها في أهلها وإلحاق النسب بالزوج للحق الذي له في ذلك إذ لم يعلم منه إنكار لما ادعت، والله الموفق.

[مسألة: المرأة يكون معها ولد فتزوج فيولد لها من زوجها ثم يموت الصبي]
مسألة وسألته عن المرأة يكون معها ولد فتزوج فيولد لها من زوجها ثم يموت الصبي الذي تزوجت له فتزعم أنه لم يكن ولدها وإنما هو ولد كان لسيدها ترضعه ويطلبها زوجها ميراث ابنه منه فيأتي بشاهدين يشهدان أنه ابنها، فقال ابن القاسم: يثبت ميراث ولد زوجها منها منه بشهادة الشاهدين، قلت: فإن استلحقته بعد ذلك فقالت: هو ولدي هل يكون لها ميراثها منها؟ فقال: لا يقبل قولها

(4/429)


ولا يكون لها من ذلك شيء بعد الإنكار، قلت: فمصابتها ما تصنع به؟ وهل يقسم على ورثة الصبي دونها ويكون كمن لا أم له؟ وكيف إن قسم هل يرث ابنها من زوجها من مصابتها شيئا وهو إنما ورث بولادتها ومن قبلها؟ قال: تكون مصابتها منه بين جميع من يرث الصبي ابنها وغيره.
قال محمد بن رشد: ليس للأم أن تستلحق ولدها فسواء زعمت أنه لم يكن ولدها أو أقرت بذلك لا يستحق الزوج ميراث ابنه منه إلا بشهادة الشاهدين، ولا تستحق هي ميراثه باستلحاقها إياه ولا بشهادة الشاهدين بعد الإنكار، على هذا يحمل قوله، ولا يلتفت إلى ما يدل عليه ظاهره من خلاف ذلك، وإذا بطل ميراثها منه بشهادة الشاهدين لإنكارها أن يكون ابنها كان كمن لا أم له، وورثه سائر ورثته دونها، وقوله: إن ميراثها منه يكون بين جميع من يرثه ابنها وغيره كلام فيه نظر لأن ابنها من الزوج أخو الميت لأمه، فميراثه منه السدس فريضة فرضها الله له فكيف يصح أن يكون له من مصابة أمه شيء فيكون قد ورث أكثر من السدس؟ هذا لا يصح، وإنما يستقيم قوله: إن كان يدخل الفريضة عول بميراث الأم ينتقص ابنها به من السدس فإذا بطل ميراث الأم كان له منه تمام السدس إن ارتفع العول من الفريضة أو ما يجب له منه ما بينه وبين السدس إن لم يرتفع العول جملة، مثال هذا ارتفاع العول أن يترك الصبي المتوفى أمه وأخوين لأم أحدهما ابنها من هذا الزوج وأختين لأب، ويثبت ذلك كله بالبينة وتنكر الأم أن يكون المتوفى ابنها فتكون الفريضة على أن الأم وارثة من ستة وتعول إلى سبعة فيرجع كل واحد من الأخوين للأم من السدس إلى السبع، فإذا أنكرت الأم أن يكون المتوفى ابنها بطل ميراثها وارتفع العول من الفريضة فكان لكل واحد من الورثة تمام فريضته من ميراثها ابنها من الزوج وغيره من الورثة، فهذا وجه قوله يكون

(4/430)


مصابتها منه بين جميع من يرث الصبي ابنها وغيرها، لا وجه له إلا هذا، وبالله التوفيق، ولا قوة إلا بالله.

[الدعوى إلى عرس النكاح وفيه لهو يسير ودف]
ومن كتاب أوله سلف دينارا
في ثوب إلى أجل وسئل مالك عن الرجل يدعى إلى الصنيع فيجد فيه اللعب أيدخل؟ قال: إن كان الشيء الخفيف مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء فما أرى بأسا.
قال محمد بن رشد: يريد بالصنيع صنيع العرس أو صنيع العرس والملاك على ما قال أصبغ في سماعه لأن ذلك هو الذي رخص في بعض اللهو فيه لما يستحب من إعلان النكاح مع ما جاء في ذلك، روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفاف» ، وأنه قال: «فصل بين الحلال والحرام الدف والصوت» ، «وأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر ببني زريق فسمع غناء ولعبا فقال: " ما هذا؟ " فقالوا: نكح فلان يا رسول الله، فقال: " هذا النكاح لا السفاح، ولا نكاح حتى يسمع دف أو يرى دخان» ، فاتفق أهل العلم فيما علمت على إجازة الدف وهو الغربال في العرس، واختلفوا في الكبر والمزهر على ثلاثة أقوال: أحدها أنهما يحملان جميعا على محمل الغربال أو يدخلان مدخله في جواز استعمالهما في العرس، وهو قول ابن حبيب، والثاني أنه لا يحمل واحد منهما محمله ولا يدخل معه ولا يجوز استعماله في عرس ولا غيره، وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، وعليه يأتي ما في سماع سحنون عن ابن القاسم من كتاب جامع البيوع أن الكبر إذا بيع يفسخ بيعه ويؤدب أهله لأنه إذا قال ذلك في الكبر

(4/431)


فأحرى أن يقوله في المزهر لأنه ألهى منه، والثالث أنه يحمل محمله ويدخل مدخله الكبر وحده دون المزهر،. وهو قول ابن القاسم هاهنا، وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الوصايا، وعليه يأتي ما في سماع عيسى من كتاب السرقة أن السارق يقطع في قيمة الكبر صحيحا. ولابن كنانة في المدونة إجازة البوق في العرس، فقيل: معنى ذلك في البوقات والزمارات التي لا تلهي كل الإلهاء، والله أعلم، واختلف في جواز ما أجيز من ذلك فقيل: ما هو من قبيل الجائز الذي يستوي فعله وتركه في أنه لا حرج في فعله ولا ثواب في تركه، وهو المشهور في المذهب، وقيل: إنه من قبيل الجائز الذي تركه أحسن من فعله، فيكره فعله لما في تركه من الثواب لا أن في فعله حرجا أو عقابا وهو قول مالك في المدونة أنه كره الدفاف والمعازف في العرس وغيره، واختلف هل يجوز ذلك للنساء دون الرجال أو للنساء والرجال؟ فقال أصبغ في سماعه: إن ذلك إنما يجوز للنساء دون الرجال، وإن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره، والمشهور أن عمله وحضوره جائز للرجال والنساء، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية في سماع أصبغ خلاف قول أصبغ، وهو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إلا أنه كره لذي الهيئة من الناس أن يحضر اللعب، روى ذلك ابن وهب عنه في سماع أصبغ، وأما ما لا يجوز عمله من اللهو في العرس فلا يجوز لمن دعي إليه أن يأتيه، وقد مضى القول على ذلك في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم.

[مسألة: رجل شرط لامرأته في عقدة النكاح إن خرج بها إلا بإذنها فهي طالق]
مسألة وقال ابن القاسم في رجل شرط لامرأته في عقدة النكاح إن خرج بها إلا بإذنها فهي طالق، فخرج بها بإذنها فسألته أن يردها فحلف بطلاقها البتة ألا يردها، قال: يحنث إذا أبى أن يردها إن سألته ذلك لأن مالكا قال: عليه أن يردها إذا سألته ذلك، فإن لم يردها حنث، كان عليه الطلاق إن ردها أو لم يكن إذا حلف لها بالطلاق أن لا يخرجها إلا بإذنها فأخرجها بإذنها ثم سألته أن يردها لم

(4/432)


يكن عليه أن يردها، ولا حنث عليه إذا خرج بها بإذنها، قال مالك: وتحلف بالله ما كان إذنها له تريد به قطعا لشرطها، فإن حلفت كان عليه أن يردها، قال: وأخبرني سحنون عن ابن القاسم أنه قال: لا يعجبني إذا خرج بها برضاها أن يكون عليه أن يردها إلا أن يردها طائعا فيحنث كما قال مالك في أول مرة، وذلك أنه لو شرط لها ألا يتزوج عليها إلا بإذنها فأذنت له ثم أرادت أن تفسخ ذلك لم يكن لها ذلك، وكذلك التسرر.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها محصلا في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته ههنا، وتعليله في رواية سحنون يدل على أنه لا يمين عليها خلاف رواية عيسى أنه يردها في الشرط بعد يمينها وبالله التوفيق لا شريك له.

[زوج أختا له صغيرة ثم غفل أن يستأمرها عن ذلك حتى كبرت]
ومن كتاب أوله:
إن خرجت من هذه الدار قال: وسئل مالك عمن زوج أختا له صغيرة أو ولية له غير أخت صغيرة لم تبلغ أن يستأمرها في نفسها ثم غفل عن ذلك حتى كبرت الجارية فاستوجبت رضاها فرضيت هل يقران على هذا النكاح؟ قال: لا، إلا أن يطول بولادة أو يطول زمان ذلك بعد الدخول، فإن أدرك قبل الفوت فسخ وكانت طلقة، قيل له: فلو مات أحدهما قبل الفسخ هل كانا يتوارثان؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها موعبا في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا.

[مسألة: رجل أخذ جارية لأم ولده فزوجها غلامه ثم مات فطلبت أم الولد جاريتها]
مسألة وسئل عن رجل أخذ جارية لأم ولده فزوجها غلامه ثم مات

(4/433)


فطلبت أم الولد جاريتها هل ترى تزويجه إياها غلامه نزعا من أم ولده؟ قال: لا أراه نزعا والجارية لأم ولده، والنكاح ثابت، وهو بمنزلة لو زوج جارية لعبده غلامه ثم أعتق سيد الجارية ولم يستثن ماله إن الجارية للعبد والنكاح ثابت.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن العبد وأم الولد مالكان لأموالهما فلا يحمل ما فعل السيد في ذلك على الانتزاع إذا لم يصرح به إلا أن يكون مما لا يصح أن يفعله إلا بعد الانتزاع مثل أن يطأ أو يعتق أو يهب أو يتصدق أو يصالح به عن نفسه وما أشبه ذلك، وقد اختلف إذا رهنه في دين عليه فقال في المدونة: إن ذلك لا يكون انتزاعا وإن افتكه بقي على ملكه إلا أنه لم يجز له إن كانت أمة أن يطأها لأنه رأى ذلك تعريضا للانتزاع، وقد قيل: إن الرهن انتزاع لأن للمرتهن حقا في عين الرهن يجب له به أن يباع في حقه وما في المدونة أظهر، إذ للسيد أن يفتكه، وبالله التوفيق.

[مسألة: الرجل يتزوج المرأة فتشترط عليه أن لا يتزوج عليها]
مسألة وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة فتشترط عليه أن لا يتزوج عليها، فإن فعل فالتي يتزوج طالق البتة، فإن لم يفعل فأمرها بيدها فيتزوج، فقال: إن لم يطلق فأمرها بيدها، ولا يقع عليه طلاق إن تزوج، إنما يؤمر أن يطلق التي تزوج وإلا اختارت نفسها امرأته التي تحته، فإن لم يفعل لم يلزمه ذلك.
قال محمد بن رشد: قد تكررت هذه المسألة في رسم القبائل من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول عليها هناك، فلا معنى لإعادته هاهنا، والحمد لله.

[مسألة: فوض إلى الرجل أمر امرأته فمرض ففرض لها في المرض فدخل بها]
مسألة قال ابن القاسم: إذا فوض إلى الرجل أمر امرأته فمرض ففرض لها في المرض فدخل بها فإنه إن كان فرض لها مثل صداق

(4/434)


مثلها فإن ذلك لها وإن أحاط بجميع ماله، وإن زاد على صداق مثلها ثم مات من مرضه ذلك ردت إلى صداق مثلها، قال: وذلك إذا عقد نكاحها في الصحة، قال: ولو كان فرض لها في المرض فلم يدخل بها ثم مات لم يكن لها من الصداق شيء، وكان لها ميراثها منه، ولو كان فرض لها في مرضه ولم يدخل بها ثم ماتت وصح هو من مرضه كان لورثتها.
قال محمد بن رشد: أما إذا فوض إليه في الصحة وفرض في المرض ودخل فإن كان فرض لها صداق مثلها أو أقل فرضيت به فلا اختلاف في أن لها ما سمى لها من الصداق من رأس ماله وإن مات من مرضه ذلك، وإن كان فرض لها أكثر من صداق مثلها وصح من مرضه كان لها جميع ما فرض، وإن مات من مرضه كان لها صداق مثلها من رأس ماله وبطل الزائد إلا أن يجيزه الورثة لأنه وصية لوارث إلا أن تكون ذمية أو أمة فقيل: إن ذلك يكون لها من الثلث وصية، وهو قول ابن المواز، وحكاه عن مالك، وقيل: إنه يبطل لأنه لم يسم ذلك لها على سبيل الوصية، وهو قول ابن الماجشون، وأما إذا فوض إليه في الصحة وفرض في المرض ولم يدخل فمات من مرضه فلا شيء لها إلا أن يجيز ذلك الورثة لأنه وصية لوارث إلا أن تكون ذمية أو أمة فقيل: إن ذلك يكون لها من الثلث، وقيل: يبطل على ما تقدم من الاختلاف في الزيادة على صداق المثل إذا دخل، إذ لا فرق بين الزيادة إذا دخل وبين الجميع إذا لم يدخل، وإن لم يمت من مرضه وصح منه وهي حية ثبت لها جميع ما فرض باتفاق، واختلف إن لم يصح من مرضه حتى ماتت على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا شيء لورثتها مات من مرضه أو صح منه، وهو قول ابن المواز، والثاني: إن صح من مرضه كان لورثتها، وإن مات منه كان لهم من الثلث لأنها تصير وصية لغير وارث، وإلى هذا ذهب الفضل، وهو الذي يأتي على ما في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات،

(4/435)


والثالث: أنه إن صح من مرضه كان لورثتها، وإن مات منه لم يكن لهم شيء لأن الموصى له إذا مات قبل [موت] الموصي بطلت وصيته، وهذا قول أصبغ. ودليل قول ابن القاسم في هذه الرواية ولو كان فرض لها ولم يدخل ثم ماتت وصح هو من مرضه كان لورثتها لأن قوله إن ذلك يكون لورثتها إن صح يدل [على] ، أن ذلك ليس لهم إن لم يصح، وهو قول محمد بن إبراهيم بن دينار في هبة البتل في المرض إذا مات الموهوب له قبل الواهب فمات الواهب من مرضه ذلك، والفرض في المرض كهبة البتل في المرض سواء، فقف على ذلك كله وتدبره، وبالله التوفيق.

[مسألة: تزوج امرأة واشترط عليه إن تزوج عليها فأمر التي تزوج عليها بيدها]
مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل تزوج امرأة واشترط عليه إن تزوج عليها فأمر التي تزوج عليها بيدها فتجن ويذهب عقلها فيريد زوجها أن يتزوج عليها، قال: لا يتزوج عليها أبدا.
قال محمد بن رشد: إن تزوج عليها فسخ نكاحه قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد في الصغيرة التي لا تعقل، وهو في المجنونة أحرى أن يفسخ، فإن تزوجها منع من وطئها حتى تفيق امرأته متى أفاقت فتقضي أو تترك، قال ذلك أصبغ. ووجه قول ابن القاسم أنه لما كان إن تزوجها لم يقدر على وطئها من أجل التمليك الذي أوجب فيها حتى يعلم ما عند المملكة من القضاء أو الرد كان كمن تزوجها على أن لا يطأها حتى تصح المملكة من جنونها، ووجه قول أصبغ أن هذا التحجير في الوطء لما لم يكن شرطا في العقد وإنما أوجبه الحكم لم يؤثر في صحة العقد كالتحجير الذي يوجبه الحكم وليس بشرط في أصل العقد، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز خلافه أنه إذا

(4/436)


استونى في أمرها فلم تفق كان له أن يتزوج عليها، فإن أفاقت يوما ما كان ذلك بيدها، وأنكر ذلك أصبغ، وسيأتي في سماع أبي زيد من هذا الكتاب وفي رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير إذا ملك الصغيرة أمر نفسها ففيها شبهة من هذه.

[مسألة: رجل زوج أمتين له من رجل ثم زعم بعد تزويجه أنهما ابنتاه]
مسألة وسئل عن رجل زوج أمتين له من رجل ثم زعم بعد تزويجه أنهما ابنتاه، قال: يثبت نسبهما ويفارق الآخرة منهما، قال عيسى: إن كان نكاحه إياهما في [غير] عقد واحد، فإن كان في عقد واحد فسخ نكاحهما جميعا ثم يتزوج أيتهما أحب بعد الاستبراء.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن استلحاق الأب ابنه جائز، فلا فرق بين أن يستلحق الأمتن بعدى أن زوجهما أو يثبت نسبهما منه بالبينة، فإن كان تزوجهما الزوج واحدة بعد واحدة فرق بينه وبين الآخرة بغير طلاق ولم يكن لها شيء من الصداق إلا أن يكون قد دخل بها فيكون لها جميع الصداق، وإن لم تعلم الآخرة منهما فرق بينه وبينهما جميعا دخل بهما أو لم يدخل بهما وكان له أن يتزوج من شاء منهما بعد أن يستبرئها بثلاث حيض إن كان قد دخل بها، ومن دخل بها منهما كان لها جميع صداقها، وإن كان تزوجهما في عقد واحد فسخ نكاحهما جميعا بغير طلاق وكان لكل واحدة منهما جميع صداقها إن كان قد دخل بها، ويتزوج أيتهما شاء بعد الاستبراء بثلاث حيض، إن كان قد دخل بها.

[مسألة: البكر تقوم مع زوجها فيفارقها بعد أمد يسير هل تستأمر في الزواج بعد ذلك]
مسألة وقال مالك في البكر إذا أقامت مع زوجها أمدا يسيرا الشهر والشهرين ونحو ذلك، فيعرض لزوجها دونها ثم فارقها، قال: فإن

(4/437)


أباها يزوجها بغير أمرها، قال عيسى: قلت لابن القاسم: فالستة الأشهر؟ قال: أرى أن يؤامرها. فيها، فإن زوجها ولم يستأمرها فالنكاح جائز.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول رسم حلف ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم فلا وجلا لإعادة ذلك مرة أخرى.

[الرجل يزوج أمته من عبده فيجذم العبد]
ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار
وسئل مالك عن الرجل يزوج أمته من عبده فيجذم العبد هل يفرق بينهما؟ قال: نعم يفرق بينهما، وأرى للسيد أن يرفع ذلك للسلطان فيكون السلطان هو الذي يفرق بينهما إذا كان جذاما بينا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنهما زوجان فلا فرق بينهما وبين الحرين فيما تجب التفرقة [به] بينهما من الجنون والجذام والبرص، وليس للسيد أن يفرق بينهما لأن التفرقة طلاق، وهو ليس إليه الطلاق، وقد مضى في رسم نقدها من سماع يحيى ما تجب التفرقة به من ذلك بين الحرين مما لا تجب، ولا اختلاف أن العبدين في ذلك بمنزلتهما، وإنما اختلف هل يحال بين الأجذم وبين وطء إمائه فروى عيسى عن ابن القاسم في كتاب السلطان أنه يحال بينه وبين ذلك، وقال سحنون: إنه لا يحال بينه وبين ذلك، وقول ابن القاسم هو الصواب، والله أعلم، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار» وهو عام في جميع الأشياء، وبالله التوفيق.

[مسألة: المفقود يضرب لامرأته أجل المفقود فتتزوج في العدة]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن المفقود يضرب لامرأته أجل

(4/438)


المفقود فتتزوج في العدة هل تحرم على من تزوجها في العدة كما تحرم التي تتزوج في عدة الوفاة؟ قال: إذا تزوجت في الأربع سنين فرق بينهما دخل بها أو لم يدخل بها، ثم يخطب مع من يخطب إذا حلت إن أحب، وإذا تزوجها في الأربعة الأشهر وعشر التي تكون بعد الأربع سنين فإنه إن دخل بها فرق بينهما ثم لا يتناكحان أبدا، وهو بمنزلة من تزوج في العدة وكذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال محمد بن رشد: وهذا ما دام أمره لا يعرف، فإن عرفت حياته أو عرف أن موته كان في وقت لا تكون تلك الأشهر عدة فلا تحرم بذلك ولا يكون ناكحا في عدة، وكذلك لو جاء أنه مات بعد الأربعة أشهر وعشر فلا يكون ناكحا في عدة، وكذلك لو تزوجها في الأربع سنين أو بعد انقضاء الأربعة الأشهر وعشر ثم انكشف أن تزويجها كان في عدة من موته فإنها تحرم عليه ويكون ناكحا في عدة، ولو تزوجت في العدة ففسخ النكاح ثم تزوجت بعد الاستبراء بثلاث حيض ثم قدم المفقود أو علمت حياته لكان متزوجها في العدة متزوجا في عدة لأن الأربعة الأشهر التي بعد أجل المفقود محمولة على أنها عدة توجب التحريم على من تزوج فيها في موضعين: أحدهما ما لم تعلم حياته ولا موته، والثاني إذا قدم أو علمت حياته بعد أن تزوجت تزويجا صحيحا لأنه إذا انكشفت حياته أو موته قبل أن يفوت فالنكاح صحيح على ما ينكشف في ذلك مما هو عدة أو ليس بعدة، هذا كله معنى ما في المدونة وكتاب ابن المواز وغيره، قال في المدونة: لأن عمر بن الخطاب فرق بين المتناكحين في العدة في الجهل والعمد وقال: لا يتناكحان أبدا، وهذا يدل على أن تحريمها عليه أبدا إنما هو عبادة لا لعلة، وأما على ما قالوا من أن ذلك إنما هو عقوبة لما فعل من مخالفة أمر الله بتعجيل النكاح قبل أن يبلغ الكتاب أجله فكان الأظهر إذا تزوجها بعد انقضاء الأربع سنين وبعد انقضاء الأربعة أشهر وعشر ألا تحرم عليه إن انكشف أن نكاحه إياها كان في عدتها وأن يكون معذورا بجهله إذ لم يتعد ولا فعل إلا ما يجوز له مع ما في ذلك من الاختلاف؛ لأن علي بن أبي

(4/439)


طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يرى أن تحرم عليه، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة، وهو قول ابن نافع وروايته عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وقد روي أن عمر بن الخطاب رجع إلى قول علي بن أبي طالب في ذلك، وأما من نكح في العدة عالما بها وجهل أن ذلك لا يجوز فلا يعذر بجهله على أصولهم وبالله التوفيق.

[مسألة: تزوج وله أم ولد فاشترطت عليه إن قرب أم ولده إلا بإذنها فأمرها بيدها]
مسألة وسألته عن رجل تزوج وله أم ولد فاشترطت عليه في أصل النكاح أنه إن قرب أم ولده إلا بإذنها فأمرها بيدها إن شاءت أعتقت وإن شاءت حبست وأنه استأذنها في وطئها فأذنت له أو لم يستأذنها وكان يأتيها وهي تعلم ثم غارت فأرادت أن تقوم عليه بذلك الشرط فقال: إن أذنت له مرة أو علمت أنه كان يأتيها فقرت ورضيت فلا أمر لها، ولا قضاء فيما اشترطته من ذلك، وسواء أذنت أو لم تأذن له إذا علمت فقرت، قال أصبغ: ولو أن رجلا قال لامرأته: إن وطئت فلانة إلا برضاك لجارية له فهي حرة وأنت طالق فوطئها وهي تنظر فزعمت أنها لم ترض رأيته حانثا ولا أرى سكوتها رضى، فإن ادعى الزوج أنها أذنت له قبل وطئه إياها كلف البينة على الإذن، فإن أتى بالبينة وإلا مضى عليه الأمر، قال أصبغ: وإن جاء مستفتيا رأيت أن يدين ذلك.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ في الرضا ليس بخلاف لقول ابن القاسم في الإذن لأن الإذن بخلاف الرضى، لا اختلاف في أن السكوت لا يعد رضى، إذ قد يسكت الإنسان عن إنكار الفعل وهو لا يرضاه، واختلف في السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا على قولين، من ذلك في سماع أصبغ من كتاب التدبير، وما في سماع عيسى من كتاب المديان

(4/440)


والتفليس ومن كتاب الدعوى والصلح، وما في سماع أصبغ من كتاب جامع البيوع، ومسألة إرخاء الستور من المدونة في الذي يراجع امرأته فتسكت ثم تقول بعد ذلك: إنها قد كانت انقضت عدتها، فجواب ابن القاسم في الذي اشترطت عليه امرأته ألا يقرب أم ولده إلا بإذنها فوطئها وهي تعلم يأتي على أحد القولين، وأظهر القولين أن سكوتها لا يكون إذنا لأن في قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» ، دليل على أن غير البكر بخلاف البكر في الصمت، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بالعرف والعادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به، كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكره ثم ينكره بعد ذلك وما أشبهه، وتفرقة أصبغ هاهنا في مسألة الرضا بين أن يأتي الزوج مستفتيا أو مخاصما هو مثل ماله في نوازله من كتاب الأيمان بالطلاق في الزوجة وأم الولد ومن أشبههما ممن لا يشهد على مثله بخلاف من يشهد عليه، فظاهر قوله هناك أن من شهد عليه لا يصدق عليه وإن أتى مستفتيا وهو بعيد، والصواب أن من لا يشهد على مثله يصدق عليه وإن كان مخاصما، وأن من يشهد على مثله لا يصدق عليه إلا أن يأتي مستفتيا.

[مسألة: يبيع لابنته البكر الرأس في صداقها ويشتري لها بثمنه ما يجهزها به]
مسألة وسئل عن الرجل يبيع لابنته البكر الرأس يساق إليها في صداقها ويشتري لها بثمنه ما يجهزها به من حلى أو غيره فقال: لا بأس بذلك، وليس لزوجها في ذلك تكلم، قيل له: فلأبيها أن يشتري ذلك الرأس لنفسه؟ قال: نعم، ذلك له إذا كان شراؤه صحيحا ببينة وأمر معروف.
قال محمد بن رشد: أما بيع الأب في جهاز ابنته الرأس يساق إليها في صداقها فلا إشكال في أنه لا متكلم للزوج في ذلك وإنما له متكلم إن أراد

(4/441)


الأب أن يمسكه ولا يجهزها بثمنه إذ ذلك من حقه على مذهب مالك وأصحابه، وأما شراؤه إياه لنفسه فإنما شرط فيه أن يكون ذلك ببينة أو أمر معروف لأنه يتهم لنفسه فهو في ذلك محمول على غير السداد حتى يعلم السداد فيه بخلاف بيعه من غيره، وسيأتي في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات شراؤه لنفسه الرأس الذي يتصدق به على ابنته ونتكلم عليه إن شاء الله.

[الرجل يزوج ابنته على أنها صحيحة فتمكث سنة أو نحوها فتجذم]
ومن كتاب الثمرة قال ابن القاسم في الرجل يزوج ابنته على أنها صحيحة فتمكث سنة أو نحوها فتجذم فيدعي الأب أنها جذمت بعد النكاح وقال الزوج: بل زوجتنيها مجذومة، على من ترى البينة؟ قال ابن القاسم: البينة على الزوج أنها كانت جذماء، والأب مصدق لأنه زوجه وائتمنه فالقول قوله إلا أن يأتي الزوج بالبينة ورواها أصبغ.
قال محمد بن رشد: إنما يصدق الأب ويكون القول قوله إذا كان التداعي بعد الدخول، وأما إن كان التداعي قبل الدخول فالقول قول الزوج، وعلى الأب البينة أنه زوجه إياها صحيحة وأن ذلك حدث بها بعد عقد النكاح، كما يكون القول قول المشتري فيما وجد بالعبد المشترى قبل القبض من العيوب التي تقدم وتحدث، وقد وقع بيان هذا في سماع سحنون من كتاب التخيير والتمليك، فقف على ذلك. وقال: إن القول قول الأب ولم يبين هل يحلف ولا كيف يحلف إن حلف ولا ما يكون الحكم إن نكل، وهذا كله محمول على قولهم في البيوع، فلا بد من يمين الأب، وينبغي أن يحلف على العلم لأن ذلك مما يخفى لأنه وإن كان الآن ظاهرا لا يخفى فقد يمكن أن يكون كان في وقت العقد مما يخفى لأنه مما يزيد إلا أن يشهد أن مثل هذا الجذام لا يكون في وقت العقد إلا ظاهرا لا يخفى فيحلف على البت، فإن نكل عن اليمين حلف الزوج وكان له الرد، قيل على العلم في الوجهين، وقيل على

(4/442)


نحو ما وجبت اليمين على الأب، هذا هو المشهور في المذهب، وفي سماع يحيى من كتاب العيوب أن الأيمان في ذلك كله لا تكون إلا على البنت، وكذلك الأخ بمنزلة الأب، وأما غيرهما من الأولياء فلا يمين عليهم، وإنما تحلف هي، قاله ابن حبيب في الواضحة وهو صحيح، وبالله التوفيق.

[مسألة: الزواج على شروط]
مسألة وقد قال مالك: لا ينبغي لأحد أن يشهد كتابا فيه شروط بالطلاق أو حرية أو مشي إلى مكة.
قال محمد بن رشد: لما كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - النكاح على هذه الشروط كره للشهود أن يشهدوا عليها إذ لا ينبرم العقد إلا بشهادتهم، وقد قال في سماع ابن القاسم من كتاب السلطان أشرت على قاض منذ دهر أن ينهى الناس أن يتزوجوا على الشروط وأن لا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته وأنه كان كتب بذلك كتابا وصيح به في الأسواق وعابها عيبا شديدا والله يوفق برحمته للصواب.

[غر قوما بمال لغيره وزوجوه به ثم جاء أهل المال فوجدوه بعينه أو قد استهلك]
ومن كتاب العشور قال: وسئل مالك عن رجل غر قوما بمال لغيره فأعطاهم إياه وزوجوه ثم جاء أهل المال فوجدوه بعينه أو قد استهلك وقد بنى أو لم يبن، قال ابن القاسم: إن علم أنها أموالهم بعينها أخذوها والنكاح ثابت، وإن كان قد بنى لم يمنع من أهله وكان ذلك دينا يتبع به، وإن كان لم يدخل تلوم له في الصداق فإن جاء به وإلا فرق بينهما، قلت: وهل يختلف إن كان أهل تلك الأموال استتجروه في أموالهم تلك أو أسلفوه أو باعوه بدين أو سرقها، فقال: إن كان أسلفوه أو باعوه فالمرأة أولى بها ودينهم في ذمته، وإن كان مالا استتجروه به على قراض أو أجرة يعمل لهم فيه أو سرقه فقامت لأهل

(4/443)


تلك الأموال بينة أنها لهم أخذوها، وهذا الشأن في هذا، قال سحنون: وكذلك أن لو تزوج بعبد. اغتصبه أو بعبد جار له فالنكاح ثابت دخل أو لم يدخل ويكون لها قيمته، وهو خلاف الحر من قبل أن الحر لو مات لم تكن له ضامنة وأن العبد المغصوب كانت له ضامنة، ولو كانت عالمة فسخ قبل البناء وثبت بعده وكان لها صداق مثلها، قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يتزوج بالحر أو بالعبد لغيره: لا يفسخ على حال دخل أو لم يدخل، تعمد ذلك بمعرفة أو لم يتعمد، قال أصبغ: وكذلك لو علمت هي بحرية الحر ولو يعلم الزوج مثله، قال: ولو علما جميعا أنه حر وعليه كان نكحها فسخ قبل الدخول وثبت بعده ولها صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: كان الشيوخ يحملون قول ابن القاسم في هذه الرواية وإن كان بنى لم يمنع من أهله على أنه لا يكون من حق الزوجة أن تمنعه من التمادي على وطئها إذا استحق الصداق من يدها بعد الدخول بها، وإلى هذا ذهب ابن المواز فقال: معناه إذا بقي بيدها من صداقها ربع دينار فأكثر، فأما إن لم يبق بيدها منه شيء فلها أن تمنعه نفسها حتى يعطيها ربع دينار، وهذا لا يصح عندي في هذه المسألة من أجل أن الزوج غار بها، وإنما يشبه أن يكون ذلك له إذا لم يغرها حسبما مضى القول فيه في رسم الطلاق من سماع أشهب، فالمعنى عندي في قوله: وإن كان بنى لم يمنع من أهله أي لم يمنع ذلك بالفتوى إذ لا يكره له التمادي على وطئها إذا استحق الصداق من يدها بعد الدخول بها كما يكره له الدخول بها ابتداء قبل أن يدفع إليها صداقها أو ربع دينار منه؛ لأنه لا يمنع من ذلك بالحكم امرأته إذا امتنعت منه حتى يوفيها حقها، فليس قول ابن القاسم في هذه الرواية على هذا التأويل بخلاف لما مضى في رسم الطلاق من سماع أشهب، ويتحصل في هل للمرأة إذا استحق الصداق من يدها بعد الدخول بها أن تمنع زوجها من التمادي على وطئها حتى يوفيها حقها أم ليس لها ذلك وتتبعه بدينها ثلاثة أقوال:

(4/444)


أحدها أن ذلك لها غرها أو لم يغرها، وهو ظاهر رواية أشهب عن مالك، وهو أظهر الأقوال، والثاني أن ذلك ليس لها وإن غرها، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية على ما كان الشيوخ يحملونه عليه، وهو أضعف الأقوال، والثالث الفرق بين أن يغرها أو لا يغرها، وهو أعدل الأقوال، ويتحصل أيضا على اعتبار قول من يرى أنه يكره له التمادي على الوطء إذا استحق الصداق بعد الدخول كما يكره له الدخول ابتداء قبل دفع الصداق أو ربع دينار منه، وهو قول ابن المواز خلاف مذهب ابن القاسم ثلاثة أقوال في كل طرف أعني إذا غرها وإذا لم يغرها: أحدها أن لها أن تمنعه نفسها حتى تأخذ حقها فيما استحق من صداقها، والثاني أنه ليس لها أن تمنعه نفسها وإن استحق جميع صداقها ولم يبق بيدها منه شيء، والثالث أن لها أن تمنعه نفسها إن استحق جميع صداقها حتى يدفع إليها منه ربع دينار، وليس لها أن تمنعه نفسها إن استحق بعضه فبقي في يدها منه ربع دينار فأكثر. وقوله: إن الغرماء إن كانوا أسلفوه أو باعوه فالمرأة أولى بما أعطاها ويكون دينهم في ذمته يدل على أن للمديان الذي استغرقت الديون ذمته أن يتزوج وأن ينفق على زوجته مما بيده من أموال غرمائه، وذلك قائم من المدونة لأن قوله فيها ليس له أن يتزوج في المال الذي فلس فيه يدل على أن له أن يتزوج قبل أن يفلس، والوجه في ذلك أن الغرماء على هذا عاملوه، فإنما يجوز ذلك إذا تزوج امرأة تشبه مناكحه وأصدقها ما يصدق مثله، وأما إن تزوج امرأة لا تشبهه فأصدقها ما لا يشبه أن يصدق مثله فلا يجوز ذلك له، ويكون للغرماء أن يأخذوا مما أصدقها ما زاد على ما يشبه مناكحه وتتبع بذلك هي زوجها، وتفرقة سحنون بين أن يستحق الصداق من يد المرأة وهو عبد بحرية أو ملك خلاف مذهب ابن القاسم سواء على مذهب ابن القاسم استحق بحرية أو ملك ويكون لها قيمة العبد إن استحق بملك، وقيمة الحر أن لو كان عبدا إن استحق بحرية ولا يفسخ إلا أن يعلما جميعا المرأة والزوج أن العبد مغصوب أو أنه حر، ووافق سحنون ابن القاسم في العبد إذا استحق بملك، وخالفه فيه إذا استحق بحرية فذهب إلى أنه يكون لها صداق مثلها لا قيمته أن لو كان عبدا كما

(4/445)


يقول ابن القاسم، وهو قول المغيرة، وقد مضى في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب أنها ترجع أيضا بصداق مثلها، إذا استحق بملك، وقلنا هناك: إن ذلك هو القياس على قولهم في البيوع، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنها ترجع بقيمة العبد سواء استحى بحرية أو ملك، والثاني أنها ترجع بصداق مثلها في الوجهين، والثالث تفرقة سحنون بينهما. وقول سحنون ولو كانت عالمة فسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده وكان لها صداق مثلها يريد عالمة بحرية العبد أو أنه مغصوب والزوج عالم أيضا، ولو علم أحدهما بذلك دون صاحبه لم يفسخ النكاح على مذهبه، فليس قوله في هذا بخلاف لمذهب ابن القاسم. ولابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون وابن كنانة: إن علم أحدهما بحرية العبد يفسد النكاح ويوجب فسخه قبل الدخول وصداق المثل بعده.

[مسألة: وطئ امرأة في دبرها أيحصنها ذلك]
مسألة قال: وسئل عمن وطئ امرأة في دبرها أيحصنها ذلك، قال: لا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن ذلك ليس بوطء جائز، ويتخرج على ما وقع في بعض روايات المدونة من أن الوطء في الدبر في الإيلاء أن يقع بذلك الإحصان، والله أعلم.

[يتزوج المرأة فيشترط عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر التي تتزوج عليها بيدها]
ومن كتاب شهد على شهادة ميت قال: وسألته عن الرجل يتزوج المرأة فيجعل لها شرطا عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر التي تتزوج عليها بيدها أو جعل ذلك بيد أبيها فتزوج عليها فلم تقض فيها شيئا عند نكاحه إياها حتى لبثت شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فأرادت أن تطلقها عليه بعد، أذلك لها أو لأبيها متى ما أرادت ذلك وإن كنت ترى إذا هو ملكها ولم يدخل بها هو النكاح؟ قال ابن القاسم: إن كانت أشهدت أن ذلك بيدها ينظر فيه أو بيد أبيها فأشهد على ذلك أنه ينظر في ذلك فذلك لهما ما

(4/446)


لم يدخل بها، فإن دخل بها فلا شيء لهما، وإن لم يشهدا حين تزوج أن ذلك بأيديهما لم أر بأيديهما شيئا من ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه إذا لم يقض المملك منهما ساعة تزوج حتى مضى شهر أو أقل أو أكثر فقد سقط ما كان بيده إلا أن يكون أشهد أن ذلك بيده ينظر فيه، وهو على خلاف أصله في أن المملكة التي لم تواجه بالتمليك، وإنما شرط ذلك لها إن غاب عنها أو أضربها أو ما أشبهه لا يسقط ذلك من يدها إذا لم تقض ساعة وجب لها التمليك ويكون لها أن تقضي بعد الشهر والشهرين ما لم يطل، قيل بيمين، وقيل بغير يمين على ما وقع من ذلك في سماع ابن القاسم وسماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك، فجواب ابن القاسم في هذه المسألة نحو قول ابن وهب في سماع يحيى وقول أشهب في سماع زونان من كتاب التخيير وإن المملكة التي لم تواجه التمليك إذا لم تقض ساعة وجب لها التمليك وفي ذلك المجلس لم يكن لها أن تقضي بعد ذلك على حكم المواجهة بالتمليك في قول مالك الأول، والقول الثاني أن ذلك بيد المملك منهما ما لم يدخل بها. أو يطول الأمر قبل البناء، وهو قول مالك في سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك وقول ابن القاسم في كتاب ابن المواز على أصله في المملكة التي لم تواجه بالتمليك، والقول الثالث أن الأمر بيد المملك منهما وإن طال الأمر ما لم يدخل بها يريد أو توقف وهو قول ابن المواز من رواية على حكم المواجهة بالتمليك في قول مالك الثاني، فيتحصل في التي لم تواجه بالتمليك ثلاثة أقوال: أحدها أن لها أن تقضي ما لم توقف وإن طال، والثاني أن لها أن تقضي ما لم ينقض المجلس، والثالث أن لها أن تقضي ما لم يطل بالشهر والشهرين إن لم يكن زوجها حاضرا معها، وإن كان حاضرا معها كان لها أن تقضي وإن طال الأمر ما لم توقف؛ لأن امتناعها منه دليل على خيارها، وبالله التوفيق.

(4/447)


[مسألة: يعتق جاريته أو أم ولده وهي غائبة ثم يقول أشهدكم أني قد تزوجتها]
مسألة وسئل عن الرجل يعتق جاريته أو أم ولده وهي غائبة ثم قال لقوم: أشهدكم أني قد تزوجتها ونقدتها فلانا لرأس من رقيقه، ثم أعلمها بالذي فعل فرضيت ولا بينة على رضاها فوطئها فولدت أولادا ثم هلك الرجل، هل ترثه؟ أو يكون لها من ذلك الرأس الذي أصدقها؟ وكيف به إن هلك الرجل بعد عتقه إياها وبعد تزويجه إياها بأيام هل ترثه وقد كانت في بيته لم يخرجها ولم يحولها عن حالها التي كانت عليها قبل العتق حتى هلك؟ قال ابن القاسم قال لي مالك في الرجل يزوج ابنته الثيب الغائبة عنه ثم ترضى قال: لا أراه نكاحا وإن رضيت وأرى أن يستأنف النكاح، قال: وقال لي مالك: كيف يكون نكاحا يقام عليه وإن مات أحدهما لم يتوارثا؟ قال ابن القاسم: وهذا عندي مثله إلا أن يكون تطاول ذلك فأرى أن يمضي، وما ولدت من ولد ألحق به.
قال محمد بن رشد: المسألة التي سئل عنها ابن القاسم من قول الرجل في جاريته أو أم ولده بعد عتقها أشهدكم أني قد تزوجتها وهي غائبة أشد في الفساد من الذي يزوج ابنته الثيب وهي غائبة، فلا يدخل فيها من الاختلاف ما يدخل في هذه ولا يفرق فيها بين قرب الغيبة وبعدها كما يفرق في هذه حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم لأنه نكاح انعقد على خيار من أجل أن السيد إذا زوج مولاته من نفسه فهو الزوج وهو الولي، فإذا قال: أشهدكم أني قد تزوجتها وهي غائبة دون أن يستأمرها في ذلك فقد انعقد النكاح على أنها مخيرة فيه لأن ذلك بمثابة أن لو زوج ابنته وهي غائبة دون أن يستأمرها وأعلم الزوج أنه لم يستأمرها لأنه إذا فعل ذلك فقد انعقد النكاح على أنها مخيرة وخرجت المسألة من الاختلاف ورجعت إلى حكم النكاح على الخيار الصريح، وقياس ابن القاسم إياها على قول مالك في الذي يزوج ابنته الثيب وهي غائبة صحيح من باب الأولى، والوجه في

(4/448)


ذلك أنه إذا لم يجز نكاح الأب ابنته الثيب وهي غائبة وإن رضيت بعد ذلك فأحرى ألا يجوز نكاح السيد مولاته من نفسه وهي غائبة وإن رضيت بعد ذلك، وإنما قال فيها ابن القاسم: إن النكاح لا يفسخ إذا تطاول مراعاة للخلاف، إذ قد قيل في نكاح الخيار إنه لا يفسخ بعد الدخول، وهو أحد قولي مالك. وأما قوله: إن الولد يلحق فهو بين لشبهة العقد المختلف فيه، ولم يجب ابن القاسم على ميراثها منه إذا هلك بعد التزويج بأيام أو بعد أن ولد منها أولادا. فأما إذا هلك بعد أن ولد منها أولادا فلا إشكال في وجوب الميراث لها على القول بأن النكاح يقر ولا يفسخ، وأما على القول بأنه يفسخ فيكون لها الميراث على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به في وجوب الطلاق والميراث في كل نكاح مختلف فيه، وكذلك إذا هلك بعد التزويج بأيام يكون إلا الميراث على هذا الاختلاف بعد يمينها أنه إنما هلك بعد رضاها إذا لم تكن ثم بينة على رضاها كما ذكر، وإشهاده على نفسه بتزويجها خلاف إقراره بأنها زوجته، وسيأتي القول على هذا في رسم الكبش من سماع يحيى إن شاء الله، وبالله التوفيق.

[أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها]
ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته قال: وسئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه: إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها، وتحت الرجل امرأة أخرى فقال الرجل: المرأة التي تحتي طالق إن كانت لي حلالا إن لم أتزوجها، قال: أرى أن تطلق امرأته التي تحته ولا يتزوجها، فإن اجترأ وتزوجها لم يقض عليه بطلاقها لأنه لا يكون في الرضاع إلا امرأتان.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال. إن الاختيار له أن يحنث نفسه بأن يطلق امرأته ولا يتزوجها لأن تزويجها له مكروه وليس هو عليه حراما لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر برضاع امرأة فتبسم وقال: " وكيف وقد قيل وقال: «الحلال

(4/449)


بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه» ، فندب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اتقاء المشتبهات ولم يحرمها، وهذا من المشتبهات، إذ لا يوقن بصحة قول أمه ولا يلزمه في الشرع تصديقها لاحتمال أن تكون أرادت أن تمنعه من نكاحها إلا أن يكون قد فشا ذلك من قولها قبل ذلك فيلزمه ذلك ويحرم عليه نكاحها ولا يلزمه في امرأته شيء على ما في آخر سماع ابن القاسم من طلاق السنة، وظاهر ما في النكاح الثاني من المدونة خلاف ما في الرضاع منها. وقوله: لأنه لا يكون في الرضاع إلا امرأتان، يريد ويفشو ذلك من قولهما على ماله في المدونة، وذهب مطرف وابن الماجشون وابن نافع وابن وهب إلى إعمال شهادتهما وإن لم يفش ذلك من قولهما، وهو قول سحنون، ومعناه إذا كانتا عدلتين، ولا يشترط مع الفشو على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك العدالة، والله أعلم، وإذا طلق امرأته واحدة فقد بر، ولا يكون عليه شيء إن تزوجها على مذهب ابن القاسم لأنه على حنث ولم يضرب ليمينه أجلا، وروي عن ابن الماجشون أن موتها كالأجل، وإن راجع امرأته بعد أن طلقها وقعت عليه بموت المرأة التي حلف ليتزوجها طلقة أخرى، والمسألة بعينها متكررة في هذا الرسم من الأيمان بالطلاق، والله تعالى الموفق.

[مسألة: زعمت أن زوجها طلقها البتة فأرادت أن تتزوجه بعد ذلك]
مسألة قال ابن القاسم: كل امرأة زعمت أن زوجها طلقها البتة فأرادت أن تتزوجه بعد ذلك قبل أن تتزوج زوجا غيره وهي مالكة أمرها فإنها لا تتزوجه، فإن تزوجته فرق بينهما، قلت: فإن قالت: إني كنت كاذبة، قال: لا يقبل قولها، قلت: فإن أنكرت أن تكون قالت ذلك وشهد عليها شهيدان أنها قد أقرت بأنه طلقها البتة، قال: شهادة الشهيدين جائزة ولا تتزوجه، قلت: فإن شهد شاهد واحد على إقرارها وهي منكرة لذلك هل تحلف؟ قال: لا.

(4/450)


قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنها ادعت طلاق البتات وهي بائنة منه بصلح أو غيره، ولذلك لم يصدقها، ولو ادعت ذلك وهي في عصمته ثم صالحها فأرادت أن تتزوجه قبل زوج وقالت: كنت كاذبة وأرادت الراحة منه لصدقت في ذلك ولم تمنع من مراجعته ما لم تذكر ذلك بعد أن بانت منه كذلك لمحمد بن المواز في كتابه، وكذلك وقع في سماع أصبغ من طلاق السنة أن دعواها طلاق البتة، كان، وقد صالحها، وكذلك لو مات فأكذبت نفسها وطلبت ميراثها يكون ذلك لها إن كان دعواها طلاق البتات وهي في عصمته، قاله ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب طلاق السنة، وقد قال بعض رواة أهل المدينة: إنها لا تصدق ولا يكون لها الميراث، وفرق سحنون بين الميراث ورجوعها إليه فقال: إنها تصدق في الميراث، ويكون لها ولا تمكن من الرجوع إليه إلا بعد زوج، فهي ثلاثة أقوال إذا كان دعواها طلاق البتات وهي في عصمته، ولابن القاسم في سماع أصبغ من طلاق السنة أنها تحلف إذا شهد عليها بإقرارها شاهد واحد خلاف قوله هاهنا إلا أنه قال: إنها إن أبت أن تحلف لم تمنع من الرجوع إليه بحكم وقاله أصبغ، ولا معنى لإيجاب يمين لا يوجب النكول عنها حكما، والقياس على قول من أوجب عليها اليمين إذا نكلت عنها أن لا تمكن من الرجوع إليه إلا بعد زوج، وبالله التوفيق.

[النصراني تسلم امرأته قبل أن يدخل بها إلا أنه ربما خلا بها عند أهلها]
ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في النصراني تسلم امرأته قبل أن يدخل بها إلا أنه ربما خلا بها عند أهلها، قال: إذا أسلمت امرأته ولم يسلم مكانه فلا رجعة له عليها، وهي تطليقة بائنة وهي أملك بأمرها إذا لم يدخل بها، وإن كان قد أصابها عند أهلها ثم أسلمت ولم يسلم فلها الصداق كله المعجل والمؤجل، فإن أسلم وهي في عدتها فهو أولى بها، وإن أسلمت قبل أن يدخل بها أو يصيبها فلا رجعة له عليها وإن أسلم إلا بنكاح جديد ولا عدة عليها.

(4/451)


قال محمد بن رشد: هذه الرواية مخالفة للمعلوم من مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه في موضعين، أحدهما قوله: ولم يسلم مكانه لأن فيه دليلا على أنه لو أسلم مكانه لبقي معها، والمعلوم في المذهب أنه يفرق بينهما إلا أن يسلما معا، والثاني قوله: وهي تطليقة بائنة لأن المعلوم في المذهب من قول مالك وجميع أصحابه حاشا ابن الماجشون أن الفرقة بإسلام أحد الزوجين حيثما وجبت إنما هي فسخ بغير طلاق، وهو الصواب؛ لأن الفرقة إن كانت بإسلام الزوجة قبل البناء فهو كافر، والكافر لا يلزمه طلاق في مذهب مالك، وإن كانت بإسلام الزوج والزوجة مجوسية فهو لم يطلق، وإنما فعلت الزوجة فعلا أوجب الفرقة كالملك وما أشبهه، والله ولي التوفيق.

[مسألة: سام على سوم أخيه بعد اتفاقهما على الثمن فدخل عليه فاشترى تلك السلعة]
مسألة وسئل ابن وهب عن رجل سام على سوم أخيه بعد اتفاقهما على الثمن فدخل عليه فاشترى تلك السلعة ثم أراد التوبة وقد هلكت تلك السلعة أو هي قائمة ولعلها قد زادت أو نقصت، ورجل يخطب على خطبة أخيه بعدما رضوا به وثبت النكاح وسموا الصداق فدخل عليه فتزوج ثم ندم وأراد التوبة كيف يصنع؟ قال: أرى أن يتوب إلى الله ويستغفره، فإن كانت تلك السلعة لم تفت أو المرأة لم تفت فليعرض السلعة على الذي أراد أن يشتريها، فإن أراد إن يأخذها بالثمن الذي اشتراها به فليسلمها إليه زادت أو لم تزد إلا إن كان أنفق عليها شيئا حتى زادت فليعطه نفقته مع الثمن، وإن كانت نقصت فإن أحب أن يأخذها بنقصانها أخذها ولا شيء له غيره، وأما المرأة فليسأله أن يحلله من دخوله عليه فيها، فإن حللها رجوت أن يكون مخرجا له، وإن لم يحلله فليخل سبيلها إن كان أفسد عليه بعد أن كانت قد رضيت بالأول، فإن تزوجها بعد فراق هذا إياها وإلا فليراجعها إن بدا له بنكاح جديد، وليس يقضى

(4/452)


بذلك عليه، وإنما هذا على وجه التنزه والاستحسان والخوف لله، قال ابن القاسم: وإن لم يحلله فليستغفر الله ولا شيء عليه، وسئل عنها سحنون فقال: سألت عنها ابن القاسم فقال لي: إذا باع على بيع أخيه أو خطب على خطبة أخيه لم أر أن يفسخ ورأيت أن يؤدب صاحب هذا، وأخبرني عبد الله بن نافع وأشهب أن مالكا سئل عن الرجل يخطب على خطبة أخيه بعدما اتفقا على صداق معلوم وتراضيا وهي تشترط لنفسها وعن الذي يبيع على بيع أخيه بعدما اتفقا على ثمن معلوم فهو يشترط لنفسه الوزن فقال: لا أرى أن يفسخ شيء من ذلك ولم أسمع بفسخ شيء هذا من ذلك لأنه يجحد ولا يعرف، وأما لو ثبت ذلك حتى يعلم فلا يشك فيه رأيت أن يغير ذلك فيفسخ البيع ويفرق بينهما.
قال محمد بن رشد: ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» ليس على عمومه في كل حال، وإنما معناه عند مالك وعامة العلماء إذا ركن المخطوب إليه إلى الخاطب، فلا بأس أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ما لم تركن المرأة إليه وتقارب الرضى به، ولا بأس أن يجتمع الاثنان والثلاثة في الخطبة، وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب، خطب امرأة من دوس على مروان بن الحكم، وعلى ابنه عبد الله وكانا سألاه ذلك فخطبها عليهما وعلى نفسه فرضيت [بذلك] بدليل حديث فاطمة بنت قيس قالت: لما حللت أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا

(4/453)


واغتبطت به» لأنه لما خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاطمة على أسامة بعد علمه بخطبة معاوية وأبي جهم علم بجواز ذلك في تلك الحال، وتخصص ذلك من الحديث الأول وثبت النهي فيه في الحال التي فيها الركون ومقاربة الرضى، وقوله بعدما رضوا به وثبت النكاح وسموا الصداق يدل على جواز الخطبة بعد الركون والمقاربة ما لم يسموا الصداق، وهو نص قول ابن نافع؛ وظاهر قول مالك في الموطأ خلاف ما ذهب إليه ابن حبيب وحكاه عن مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب من أن ذلك لا يجوز إذا ركنا وتقاربا وإن لم يسميا الصداق؛ لأن النكاح جائز دون تسمية الصداق، وهو التفويض الذي جوزه القرآن، وكذلك أن يسوم الرجل على سوم أخيه هو على هذا المعنى بدليل ما روي «أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشكا إليه الفاقة ثم عاد فقال: يا رسول الله لقد جئت من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم، قال. " انطلق هل تجد من شيء " فانطلق فجاء بحلس وقدح، فقال: يا رسول الله هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه ويلتفون ببعضه، وهذا القدح كانوا يشربون فيه، فقال: " من يأخذهما مني بدرهم "؟ فقال رجل أنا، فقال: " من يزيد على درهم "؟ فقال رجل آخر: أنا آخذهما بدرهمين، فقال: " هما لك " فدعا بالرجل فقال: اشتر بدرهم طعاما لأهلك وبدرهم فأسا ثم ائتني ففعل ثم جاء فقال: انطلق إلى هذا الوادي فلا تدعن فيه شوكا ولا حطبا ولا تأتني إلا بعد عشر " ففعل ثم أتاه فقال. بورك فيما أمرتني به، فقال: " هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة وفي وجهك نكت من المسألة أو خموش من المسألة» الشك من بعض الرواة لأنه لما أجاز - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المزايدة في هذا الحديث وفيها سوم على سوم من غير ركون على أن الذي نهى عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السوم على السوم بعد الركون، ومن أهل العلم من لم يجز السوم على السوم بحال تعلقا بظاهر الحديث، وروي عن مجاهد أنه

(4/454)


أجازه في صحن السوق ولم يجزه فيمن خلا برجل يسومه، فمن خطب على خطبة أخيه أو سام على سومه في الموضع الذي لا يجوز له أن يفعل ذلك فقد ظلمه وأفسده ووجب عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويتحلل صاحبه لأن التوبة من الظلامات لا تكون إلا برد التباعات، فإن أبى أن يحلله فعليه أن يعطيه السلعة بالثمن الذي اشتراها به زادت أو نقصت إن شاء أن يأخذها ويترك المرأة فإن لم يتزوجها تزوجها هو بعد إن شاء، وقد اختلف في العقد فقيل إنه فاسد لمطابقة النهي له، وقيل ليس بفاسد، فعلى القول بأنه فاسد يفسخ في القيام والفوات، ويكون رد القيمة كرد العين، وقيل يفسخ ما كان قائما فإن فات مضى بالثمن ولم يفسخ، وكذلك يختلف في النكاح على السوم بأنه فاسد لمطابقة النهي له، فقيل يفسخ قبل البناء وبعده، وقيل يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، اختلف في ذلك قول ابن نافع.

[مسألة: الرجل الفاسد يخطب المرأة فترضى فيتقدم لها الأحسن]
مسألة وسئل عن الرجل المسخوط الفاسد في جميع حالاته يخطب المرأة فترضى بتزويجه وسموا الصداق ولم يبق لهم إلا الفراغ فأتاني من هو أحسن منه حالا وأرضى فسألني الخطبة عليه فهل يدخل علي شيء إن فعلت لحال ما جاء ألا يخطب رجل على خطبة أخيه فقال: أما أنا فكنت أشير على المرأة لو أني وليها أن تتزوج هذا الرجل الصالح المقبل على شأنه وتدع الفاسد الذي لا يعينها على دين ولا دنيا، وهي إلى نقصان دينها عند هذا الفاسق أقرب منها عند الصالح لأن الفاسق لا يعلمها إلا مثل ما هو فيه من الفسوق والشر وتقتدي به فيما ترى منه، وإن الصالح إنما هي معه في زيادة خير في كل يوم وليلة، والصالح عندنا أولى وأحق من الفاسق الذي قد علم ذلك منه في حالاته وما ظهر منه، ومصاحبة التقي أفضل من مصاحبة

(4/455)


الفاسق في دين الله وأرجو أن الحديث ما جاء إلا في الرجلين اللذين يشبه أحدهما صاحبه، فذلك الذي لا ينبغي أن يدخل عليه في خطبته حتى ينكح أو يرد إذا كانوا قد توافقوا على الفراغ أو شبه الفراغ.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخطب أحد على خطبة أخيه» لفظ عام في كل حال وفي كل خاطب، والعموم يحتمل الخصوص، فكما خص من الأحوال الحال التي لا ركون فيها بحديث فاطمة المذكور، فكذلك يخص من الخطاب الخاطب الذي لا خير عنده ولا حظ للمرأة في نكاحه بما يلزم في الدين من النصح للمرأة في أن لا تتزوج فاسقا يرديها، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدين النصيحة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمن أخو المؤمن يشهده إذا مات ويعوده إذا مرض، وينصح له إن غاب أو شهد» فإذا خطب المرأة فاسق جاز للصالح أن يخطبها بعد أن تقارب الأمر بينهما وانبغى لمن علم بذلك أن يحضها على أن تتزوج الصالح وتدع الفاسق.

[الرجل يواعد المرأة في عدتها من وفاة زوجها ثم ينكح]
ومن كتاب الرهون وعن الرجل يواعد المرأة في عدتها من وفاة زوجها ثم ينكح أيفرق بينهما أم يمضي نكاحهما؟ قال: إن كان وعدها شبيها بالإيجاب فأرى أن يفرق بينهما بطلقة ثم لا ينكحها أبدا يريد إذا دخل بها، وإن كان إنما هو تعريض لا يشبه الإيجاب فالنكاح ثابت.

(4/456)


قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب مستوفى فلا معنى لإعادته مرة أخرى ههنا، وبالله التوفيق.

[مسألة: تتزوجه المرأة على أن يطلق امرأة أخرى فيقول نعم]
مسألة وقال في الذي تتزوجه المرأة على أن يطلق امرأة أخرى فيقول نعم، قال أرى أنه إذا طلقها واحدة وقالت المرأة التي تزوج لم أتزوجك إلا على أن تطلقها البتة، ولولا ذلك لم أتزوجك، قال: أراها طالقا البتة، قال ابن القاسم: ولو تزوجها على أن كل امرأة يتزوجها عليها فهي طالق مثل ذلك أيضا ثلاثا.
قال محمد بن رشد: جعل اليمين في هذه الرواية على نية المرأة المشترط لها الشرط كان الطلاق فيمن هي في عصمته ممن لا تبين منه بواحدة أو لا الداخلة التي تبين بواحدة، وكذلك لو كان الشرط تمليكا لم يكن له أن يناكر في الوجهين جميعا على هذه الرواية، بخلاف إذا تطوع لها بذلك من غير شرط يكون عليه في أصل العقد وهذا مذهبه في المدونة. وفرق في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب التخيير في الشرط بين أن يكون الطلاق أو التمليك فيها أو في الداخلة عليها، وعلى ذلك فإن التي في عصمته لا تبين بالواحدة والداخلة تبين بها، فعلى تعليله لو كان الشرط فيها وتزوج عليها قبل الدخول لكانت اليمين على نيته ولكان له أن يناكرها ولو كان الشرط بالتمليك في الداخلة عليها فلم يعلم حتى دخل بها لما كان له أن يناكرها، وقد قيل: إن الشرط والطواعية سواء، واليمين على نية المرأة وليس للزوج أن يناكر في التمليك، وهذا يأتي على القول بأن اليمين على نية المحلوف له، وهو قول ابن الماجشون وسحنون ورواية عيسى عن ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، فلا اختلاف بينهم في الشرط حيث لا

(4/457)


تبين بواحدة أن اليمين على نية المرأة المشترط لها الشرط وأنه ليس للزوج أن يناكر فيما زاد على الواحدة إلا أن يدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى من المسألة التي مضى القول عليها في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، فقف على ذلك.

[مسألة: الرجل يتزوج المرأة بنكاح جائز ثم تناكره وقد تفرق شهوده]
مسألة وقال في الرجل يتزوج المرأة بنكاح جائز ثم تناكره وقد تفرق شهوده فلا يقضى لها عليه بنكاح، هل له أن يتزوج أختها أو رابعة من النساء إن كان عنده ثلاثة معها، قال: لا أرى له أن يتزوج أختها حتى يطلق تلك التي قضي عليه فيها طلاقا بائنا لأنه يعلم أنها زوجته إلا أنه قضي بينهما على الظاهر من الأمر، فأرى أن لا ينكح أختها ولا الرابعة سواها حتى يطلقها، وأنا أستحب له أن يطلقها لأن تكون في سعة إن تزوجت رجلا، ولا يحرجها ولا يؤثمها تزوج أختها أو لم يتزوجها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن حكم الحاكم بالظاهر لا يحل الأمر على ما هو عليه في الباطن عند من علمه، قال الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 188] الآية وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من نار» وهذا عام في الأموال وغيرها خلاف ما يذهب إليه أهل العراق من التفرقة في هذا بين المال والنكاح، وقد تبين مالك وجه استحسانه لطلاقها وهو في المسألة التي مضت في رسم نذر سنة أن

(4/458)


يصومها من سماع ابن القاسم آكد عليه منه في هذه لأنها هي المتعدية عليه في إنكارها النكاح، والحمد لله.

[مسألة: العبد يتزوج بغير إذن مولاه ويقره سيده فهل يلزم السيد الصداق]
مسألة وقال في العبد يتزوج بغير إذن مولاه فرآه مولاه يدخل على امرأته هل يلزم السيد الصداق حيث رآه ولم يكن أذن له في النكاح، قال: إن شهد على السيد أنه علم بنكاحه وأقره رأيت النكاح جائزا ورأيت الصداق على العبد بما أقر سيده له من ذلك بعد علمه به.
قال محمد بن رشد: أما إن شهد على السيد أنه أقر نكاحه بعد علمه بذلك فلا كلام في أن الصداق يلزم العبد في ماله ويثبت النكاح، وكذلك إن شهد عليه بأنه علم بدخوله على امرأته فسكت على ذلك ولم ينكره لأن سكوته على ذلك يسقط ماله من الحق في التفرقة بينهما، كمن ملك رجلا أمر امرأته فلم يقض حتى أمكنته من وطئها. وإذا ثبت النكاح وسقط خيار السيد فيه وجب أن يلزم العبد الصداق في ماله فلا يدخل هذه المسألة الاختلاف في السكوت هل هو إذن أم لا؟ وستأتي هذه المسألة متكررة في سماع أبي زيد، والحمد لله.

[مسألة: المسلم يغر اليهودية أو النصرانية فينكحها ويقول أنا على دينك]
مسألة وقال في المسلم يغر اليهودية أو النصرانية فينكحها ويقول: أنا على دينك فيطلع عليه بعد أن دينه على غير ذلك إن فراقه بيدها.
قال محمد بن رشد: مثله لمالك في كتاب ابن المواز وله في المبسوط من رواية ابن نافع أن النكاح ثابت ولا خيار لها، وهو قول ربيعة إن الإسلام ليس بعيب، والأول أظهر أن لها الخيار من أجل الشرط وإن لم يكن الإسلام عيبا لأن لها في كونه على دينها غرضا قصدته فوجب أن يكون لها الرد بما شرطت، كالرجل يشتري الأمة على أنها نصرانية ليزوجها عبده النصراني أو ليمين عليه ألا يملك مسلمة فيجدها مسلمة أن له أن يردها. ولو لم يغرها

(4/459)


وتزوجته وهي تظنه نصرانيا لم يكن لها خيار، وكذلك الرجل يتزوج المرأة نصرانية ولم يعلم فلا حجة في ذلك له حتى يشترط أنها مسلمة أو يظهر ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة لما كان يسمع منها من إظهار الإسلام فهذا كالشرط، قال ذلك في كتاب محمد.

[مسألة: تزوج الحرة على الأمة والأمة على الحرة]
مسألة وقال في الرجل تكون تحته الأمة: إنه لا بأس أن يتزوج عليها حرة، فإن كانت عنده حرة فلم تكفه ولم يكن له ما يتزوج به حرة أخرى فليتزوج أمة أخرى حتى يجتمع عنده أربع.
قال محمد بن رشد: قوله في الرجل تكون تحته الأمة إنه لا بأس أن يتزوج عليها حرة صحيح على مذهبه بأن الحرة ليست بطول يمنع بها من نكاح الأمة لأن من يراها طولا يمنع به من نكاح الأمة يقول: إنه إذا تزوجها على الأمة فرق بينه وبينها، ولم يذكر إن كان يكون للمرأة خيار إن لم تعلم أن تحته أمة أم لا، وينبغي أن يكون ذلك لها على قوله إنه لا يتزوج الأمة إلا أن يخشى العنت ولا يجد طولا لحرة، وهو قوله هاهنا خلاف ما تقدم له في رسم نقدها، وقد مضى هناك من القول على ذلك ما فيه كفاية.

[مسألة: رجل تزوج امرأة واشترط عليها أنه لا نفقة لها عليه]
مسألة وقال في رجل تزوج امرأة واشترط عليها أنه لا نفقة لها عليه أرى إن كان لم يدخل بها أن يفسخ نكاحه، وذلك أن مثل هذا الشرط لا ينبغي أن يقع في النكاح، وإن كان دخل بها فنكاحه جائز وشرطه باطل وعليه ما على المسلمين من النفقة على نسائهم، ولو شرطت عليه عند عقدة النكاح أن لي من القوت كذا وكذا في كل

(4/460)


شهر فإن دخل بها بطل شرطها عليه وكان لها عليه مثل ما لمثلها على مثله من النفقة، قلت: فإن لم يدخل بها أيفسخ أيضا أم لا؟ قال: نعم يفسخ أيضا.
قال محمد بن رشد: ويكون فيه صداق المثل لا المسمى، قال ابن المواز: لأنه كصداق مجهول، قال أصبغ: وإن لم يبن وترك الشرط ثبت النكاح كالنكاح بصداق بعضه معجل وبعضه إلى موت أو فراق، وساوى ابن القاسم فيما يأتي في رسم باع شاة بين الذي يتزوج على أن لا نفقة وعلى أن لا ميراث بينهما، فقال في ذلك: إنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ولم ينص هل يكون فيه الصداق المسمى أو صداق المثل وإرادته أنه يكون فيه صداق المثل، وقال أشهب: إنهما يفسخان جميعا قبل البناء وبعده، وفرق أصبغ بينهما فقال: يفسخ النكاح على أن لا ميراث بينهما قبل وبعد، ويفسخ النكاح على أن لا نفقة على الزوج قبل البناء ويثبت بعده، وهذا النوع من الأنكحة التي تنعقد على الشروط الفاسدة مثل أن يتزوج على أن الطلاق بيد غير الزواج أو على ألا يكون معها بالنهار أو على أنه بالخيار أو على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بينهما وما أشبه ذلك الاختلاف فيها كلها، قيل: إنها تفسخ قبل الدخول وبعده، وقيل: إنها تفسخ قبل وتثبت بعد، وإن كان بعضها أشد من بعض، والأظهر فيها كلها أن تثبت بعد الدخول ويكون فيها صداق المثل، وقد مضى هذا المعنى في رسم سن من سماع ابن القاسم وغيره.

[مسألة: البكر تخطب من وليها فتدس إلى خطيبها شيئا من مالها]
مسألة وقال في البكر تخطب إلى وليها فيسأل صداقا كثيرا فيكره الخاطب أن يتزوجها بذلك الصداق فتدس إليه المرأة شيئا من مالها يستعين به على صداقها وهو يجعل مع ذلك الذي أرسلت به شيئا من ماله يتحلل به النكاح، قال: لا يجوز ذلك لأنها مولى عليها لا يجوز لها أمر في مالها حتى يدخل بها زوجها، ولا أراه إلا لها إن رجعت فيه حين يدخل عليها، قال: وإن كانت ثيبا جاز.

(4/461)


قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وفي قوله هاهنا لا أراه إلا لها إن رجعت فيه نظر؛ لأن عطية البكر لا تجوز على حال، وإن لم ترجع هي فيه فللولي أن يقوم في ذلك، فإن لم يفعل فلا يجوز له هو أن يمسكه وعليه أن يرده، ومعنى ذلك بعد دخول زوجها بها وملكها أمر نفسها فحينئذ تكون مخيرة بين أن ترجع فيه على الزوج أو تتركه له، والله أعلم.

[مسألة: تزوج امرأة فاشترطت عليه رأسين في صداقها بمائة دينار]
مسألة وعن رجل تزوج امرأة فاشترطت عليه رأسين في صداقها بمائة دينار كل رأس بخمسين دينارا وكانت الرقيق يومئذ رخيصة يباع الرأس الرضي بخمسين دينارا ثم غلت الرقيق بعد ذلك فلا يوجد الرأس إلا بمائة دينار إنه إن كانوا وصفوا الرأس بخمسين وإنما كانت الخمسون صفة للرأس بمنزلة ما يوقت بصفة معلومة مما يتواصف الناس بينهم إذا أسلفوا في الرقيق وابتاعوا، كقول الرجل: هو لك صبيحا تاجرا فصيحا فإني أرى هذه الصفة لازمة غلت الرقيق أو رخصت، وإن كانوا إنما سموا الخمسين دينارا لكيما لا يزول غلت الرقيق أو رخصت فأرى الرجل حينئذ بمنزلة وكيل وكلوه أن يبتاع لهم رأسا بخمسين دينارا فلا أرى عليه غير الخمسين غلت الرقيق أو رخصت، قال ابن القاسم: وإن وقعت بالرأسين صفة فالصفة لازم غلت الرقيق أو رخصت والخمسون لغو.
قال محمد بن رشد: وهذا على ما قال: إنهم إن كانوا أرادوا بالخمسين صفة الرأس فالصفة هي اللازمة، وإن كانوا إنما سموا الخمسين لكي تكون ثابتة على الزوج لا ينقصهم شيئا منها فهو بمنزلة الوكيل على الشراء بها. وإن لم يتبين هل أرادوا بالخمسين الصفة أو العدد، فأمرهم محمول على مراعاة

(4/462)


العدد الذي سموه حتى يعلم أنهم قصدوا به الصفة، وقد مضى في رسم مرض من سماع ابن القاسم في هذه المسألة زيادة بيان لها لا معنى لإعادتها.

[مسألة: الرجل يتزوج الحرة فيصيبها ثم تلد من زنى في ثلاثة أشهر]
مسألة وقال في الرجل يتزوج الحرة فيصيبها ثم تلد من زنى في ثلاثة أشهر إنه يفرق بينهما ولا يتراجعان أبدا بمنزلة النكاح في العدة.
قال محمد بن رشد: وكذلك لو تزوجها في استبرائها من الزنى ودخل بها على هذه الرواية، وهو قول مطرف وروايته عن مالك، ويرجع بالصداق مثل العيوب التي ترد منها، قاله في المختصر الكبير، وذهب ابن الماجشون إلى أنها لا تحرم عليه بالتزويج في الاستبراء من الزنى ولا من الاغتصاب، وكذلك الحمل منهما على قوله، وهو أحد قولي ابن القاسم في رواية أصبغ عنه، ثم رجع فقال: أما في الحمل فلا يتزوجها وأما في غير الحمل فلا بأس، وفي هذه التفرقة لابن القاسم نظر، ولا يحملها القياس، وإنما قال بها لرواية يرويها ابن وهب عن مالك مجردة في الحمل إنه لا يتزوجها، والقياس أن يكون بالعكس لأن في تزويجها في الاستبراء اختلاط الأنساب، وليس ذلك في تزويجها حاملا، ألا ترى أن بعض أهل العلم قد أجاز لمن زنت زوجته وهي حامل منه ظاهرة الحمل أن يطأها قبل الوضع لأمنه من اختلاط الأنساب، فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال، واستحب أصبغ ألا يتزوجها أبدا إذا تزوجها ودخل بها وهي حامل من زنى أو في الاستبراء منه، فإن فعل لم يمنع من ذلك بقضاء.

[مسألة: رجل تزوج امرأة وأصدقها أباها وأعطته خمسين دينارا]
مسألة وقال في رجل تزوج امرأة وأصدقها أباها وأعطته خمسين دينارا: لا خير في هذا النكاح ويفسخ إن لم يدخل بها لأن مالكا قال

(4/463)


لي: لا خير في أن يتزوج الرجل المرأة بمائة دينار وبخادم يأخذها منها قيمتها أدنى من المائة ولا يكون ذلك، وقال غيره من أهل العلم فالذي أصدقها أباها وأخذ منها دنانير مثل هذا سواء، فهو نكاح مفسوخ، وإن دخل بها فعسى أن يكون لها صداق مثلها، قلت: فالأب حين ملكته وأعتق عليها أيرد إلى الزوج؟ قال: كيف يرد؟ إذا فات كان عليه قيمته، ألا ترى أنه قد فات حين ملكته لأن ملكها إياه عتق.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف بينهم في أن النكاح جائز إذا تزوجها على أبيها أو على أخيها أو على أحد ممن يعتق عليها، فلا فرق على هذا بين أن يصدقها أباها على أن تعطيه خمسين دينارا أو يصدقها عبدا على أن تعطيه خمسين دينارا إلا فيما يجب من عتق أبيها عليها ووجوب قيمته عليها إذا فسخ النكاح لما اقترن به من البيع، وقد مضى في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده القول في حكم اجتماع البيع مع النكاح في صفقة واحدة موعبا مستوفى فلا وجه لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

[يقول للرجل ولني إنكاح وليتك ولها كذا وكذا أو يجعل ذلك إليه]
ومن كتاب الجواب قال: وسألته عن الرجل يقول للرجل ولني إنكاح وليتك ولها كذا وكذا أو يجعل ذلك إليه ولا يأخذ عليه شيئا ثم يريد أن يعزله عما جعل إليه من ذلك، قال ابن القاسم في الذي جعل ذلك بجعل لا يحل ذلك ولا يصلح ويرد الجعل على كل حال وهو يعزله عن ذلك إن شاء في الوجهين جميعا كان بجعل أو بغير جعل، فإن فات ذلك ووقع النكاح رد الجعل على كل حال ونظر فإن كانت الوليه مالكة لأمرها وقد كانت عرفت الزوج وسمي لها قبل العقد ورضيت به أو كانت بكرا في ولاية أبيها ثبت النكاح ولم

(4/464)


يرد، وإن كانت مالكة لأمرها ولم يسم لها الزوج ولم تعرفه فسخ النكاح إن كان لم يدخل بها لأن مالكا قال في المرأة تفوض أمرها إلى وليها ينكحها وتجعل ذلك إليه ولا تسمي له الرجل ولا يسميه لها فيزوجها رجلا فإذا بلغها ذلك أنكرت ذلك وقالت: لم أكن أريد هذا ولا أرضى به، قال مالك: ذلك لها ولا يلزمها ذلك النكاح حتى يسمى لها وتعرفه، وإن كان في مسألتك قد دخل بها رأيت أن يثبت لأن ذلك منها رضى، قال سحنون: إذا فوضت إليه نكاحها ليزوجها ممن شاء فزوجها كفؤا فالنكاح جائز سمي لها أم لا، بكرا كانت أو ثيبا.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز الجعل في هذا وقال: إنه لا يحل ولا يصلح من أجل أن للمجاعل أن يعزله عما جعل إليه من ذلك لأنه إن لم يعزله تم له ما أراد وأعطى عليه الجعل من تزويج وليته ممن أحب لما له من الغرض في ذلك والرغبة فيه، وإن عزله لم يتم له ما أراد فكان غررا، وإن ارتجع ماله عاد سلفا فكان حراما لأنه سلف جر منفعة إذ لم يسلفه لله وإنما أسلفه رجاء أن يتم له ما أراد من تزويج وليته لمن يحب. ولو لم يكن له أن يعزله عما جعل إليه من ذلك من أجل الجعل الذي جعل له فيه لجاز ذلك على مذهب سحنون في البكر والثيب وإن لم يسم لها الزوج إذا رضيت بالأمر وعلى مذهب مالك في البكر ذات الأب وفي الثيب إن كان سمى لها الزوج وعرفته؛ لأن غرضه الذي أعطى عليه المال من تزويج ولية الرجل لمن يحب يتم له فيرتفع الغرر والحظر والحرام في ذلك، وقد أجاز ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب جامع العيوب أن يقول الرجل للرجل ولني بيع دارك بكذا وكذا ولك كذا وكذا، والوجه في إجازة ذلك أنه لم ير للمجعول له رجوعا فيما جعل إليه بما أعطاه إذ لم يتعلق بذلك حق لغيره بخلاف النكاح الذي يتعلق فيه حق الولية المتزوجة، وقد كان بعض الشيوخ يذكر في الفرق بين المسألتين فرقا يغرب به ويزهى باستنباطه إياه واهتدائه إليه

(4/465)


وهو أنه في النكاح جعل على ما لا منفعة فيه للجاعل، وفي البيع جعل على ما له فيه منفعة، إذ قد يشترط على المشتري في البيع أكثر من الجعل فيكون قد انتفع بالزيادة التي صارت إليه، وإن اشترط على الزوج في النكاح شيئا لم يكن له وكان للزوجة؛ لأن كل ما اشترطه الولي من حباء أو كرامة فهو للزوجة، فصار قد أعطى الجعل على ما لا منفعة له فيه، وهو وهم من قائله إذ لا فرق في هذا بين النكاح والبيع؛ لأن من وكل رجلا على أن يبيع له سلعة فباعها واشترط لنفسه على المشتري شيئا يأخذه منه فلا حق له فيه، وهو لرب السلعة كما يشترط الولي على الزوج سواء، فالفرق بين المسألتين هو ما ذكرناه لا ما سواه، والله أعلم. وتشبيه ابن القاسم في هذه المسألة مسألة الذي يوكل الرجل أن يزوج وليته المالكة لأمر نفسها يزوجها دون أن يسمي لها الرجل وتعرفه بمسألة مالك في التي تفوض أمرها إلى وليها وتجعل إليه إنكاحها فيزوجها دون أن يسمي لها الزوج أو تعرفه ليس بصحيح؛ لأن مسألة مالك قد قدمت المرأة فيها وليها والمسألة الأولى لم تقدم وليها فهما مسألتان مفترقتان، أما الذي زوج وليته قبل أن يستأمرها أو وكل رجلا فزوجها قبل أن يستأمرها فلا اختلاف أن النكاح لا يلزمها إذا لم ترض به، واختلف إن رضيت به فقيل: إن النكاح جائز، وهو دليل قوله في آخر المسألة وإن كان في مسألتك قد دخل بها رأيت أن يثبت لأن ذلك منها رضى، وقيل: إنه لا يجوز وهو ظاهر قوله في صدر المسألة فسخ النكاح إن كان لم يدخل بها إذ لم يفرق في ذلك بين قرب ولا بعد، وقيل: يجوز في القرب ولا يجوز في البعد، وهو المشهور حسبما مضى بيانه في أول رسم من سماع ابن القاسم، واختلف إن وقع النكاح في البعيد أو في القريب على القول بأنه لا يجوز، فقيل: إنه يفسخ ما لم يدخل، وهو قول ابن القاسم هاهنا واختيار محمد بن المواز، وقيل: يفسخ ما لم يطل بعد الدخول، وقيل: يفسخ أبدا وإن طال على ما مضى القول فيه في سماع ابن القاسم أيضا، وأما الذي وكلته وليته أن يزوجها فزوجها ولم يسم لها الزوج فقيل: إن النكاح يلزمها وإن لم ترض، وهو قول سحنون هنا وفي سماع

(4/466)


أشهب، وقيل: لا يلزمها ويجوز إن رضيت في القرب والبعد، وهو ظاهر قول مالك هنا وفي المدونة، وقيل: إنما يجوز إذا أجازت بقرب ما عقد عليها الولي النكاح، وأما إن بعد الأمر فلا يجوز وإن أجازته إلا أن يجدد نكاحا جديدا بعد فسخ الأول، وهو قول ابن حبيب في الواضحة وبالله التوفيق.

[مسألة: الذي يصيبه الجذام فتصبر عليه امرأته سنين ثم تريد فراقه]
مسألة وسألته عن الذي يصيبه الجذام فتصبر عليه امرأته سنين ثم تريد فراقه أو ترفع أمرها إلى السلطان ليخيرها، فلما أراد ذلك كرهت فراقه وقالت: أنا أقيم على زوجي ثم أرادت فراقه بعد ذلك، وكيف إن لم يكن ذلك منها عند السلطان إلا عند قوم أشهدتهم على إقامتها معه ثم أرادت فراقه بعد ذلك؟ قال ابن القاسم: إن زاد جذامه ذلك على ما كان يوم أقامت عليه وتغير عن حاله تلك إلى ما هو أضر منه وأدنى كان ذلك لها لأنها تقول: ظننت أنه لا يزيد على حالته وأنه سينقص ويذهب، فأما إذا زاد فلا أرضى أن أقيم عليه فذلك لها، ويفرق بينهما إذا طلبت ذلك، وإن كان على حالته يوم أقامت عليه لم يزد فليس لها بعد ذلك كلام ولا حجة بأن تقول ظننت أنه سيذهب، فأما إذا لم يذهب فأنا لا أريد الإقامة فليس ذلك لها، وسواء كان صبرها عليه وإقامتها معه عند سلطان أو غير سلطان فذلك سواء إذا أشهدت أو شهد عليها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل القول فيها في رسم نقدها من هذا السماع، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: يزوج أمته عبد قوم على أن أول ولد تلده فهو حر]
مسألة قال: وسألت عن الرجل يزوج أمته عبد قوم أو رجلا حرا

(4/467)


على أن أول ولد تلده فهو حر ثم يصدقها امرأته أو يبيعها والأمة حامل أو حملت بعد أن باعها وأصدقها فلا يعلم بذلك حتى تضع عند المشتري أو عند المرأة؟ قال ابن القاسم: ما حملت بعد أن أصدقها أو باعها في ملك المشتري أو المرأة فهو رقيق ولا حرية له لأن بيعه إياها أو إصداقه إياها قطع للشرط الذي في الولد وفسخ له لأنه بمنزلة رجل جعل لجاريته أن ما ولدت أو أول ولد تلده فهو حر، فإذا باعها قبل ذلك سقط ما كان جعل لها من ذلك ما دامت عنده وفي ملكه، وهو يبيعها إن شاء، فإذا باعها بطل ذلك، والنكاح مفسوخ في مسألتك على كل حال، وأما إن حملت في ملك السيد الذي زوجها على ذلك ثم باعها أو أصدقها وهي حامل فالولد حر على كل حال، وولاؤه للبائع، وتقوم الجارية على المشتري إن فاتت بنماء أو نقصان أو اختلاف أسواق أو شيء من وجوه الفوت فيها يوم قبضها بحالها يومئذ على أن الولد مستثنى أن لو كان يحل بيعها على ذلك وإن لم تفت ردت وإن فاتت بيد المرأة التي أصدقها إياها بشيء مما ذكرت لك من وجوه الفوت رجعت على الزوج بما بين القيمتين بمنزلة عيب وجدته فيها وقد فاتت في يدها، وإن لم تفت في يديها ردتها ورجعت عليه بقيمتها.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يزوج أمته عبد قوم أو رجلا حرا على أن أول ولد تلده فهو حر إن النكاح يفسخ على كل حال هو مثل ما في رسم الكبش من سماع يحيى، وقال ابن الماجشون في الواضحة إنه إذا لم يعثر عليه حتى ولدت فلا يفسخ النكاح لأن الشرط قد ذهب، وقوله يأتي على رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة في نكاح المريض والمريضة إنهما إذا صحا قبل أن يفسخ النكاح ثبتا على نكاحهما لذهاب علة الفسخ، وأما إن زوجها على أن كل ولد تلده فهو حر فلا اختلاف في أن النكاح يفسخ أبدا إلا أن يدخل في ذلك الاختلاف بالمعنى على ما ذكرناه في رسم سن من سماع ابن

(4/468)


القاسم، وقوله: إن بيع السيد إياها أو إصداقه إياها قبل أن تحمل قطع للشرط في الولد صحيح مثل ما في المدونة إلا أن مالكا استثقل فيها بيعها وقال: يفي لها بما وعدها. وأما إذا حملت فلا يجوز له أن يبيعها إلا أن يرهقه دين فتباع في دينه، قاله في المدونة ومثله في رسم الكبش من سماع يحيى، وقد قيل: إنها لا تباع في الدين، وهو قول سعيد بن عبد الله المعافري وقال: لأن أخطئ في البيع أحب إلي من أن أخطئ في العتق، وهو قول أصبغ، وكذلك اختلف أيضا إذا مات سيدها قبل أن تضع هل للورثة أن يقتسموها ويبطل العتق في الجنين أم ليس ذلك لهم؟ فقال ابن القاسم: ذلك لهم، وقال أصبغ: ليس ذلك لهم إلا أن يطول الأمر ويخاف على الميراث التلف، وذلك عنده إذا حمل الثلث الأمة على أصله في أن الجنين لا يعتق إذا وضعته في مرض سيدها أو بعد موته إلا من الثلث، وأما إن لم يحملها الثلث فيوافق ابن القاسم في أنه يخلى بينهم وبين بيعها واقتسامها. ووجه قوله أنه لما كان عتق الجنين من الثلث لم ير أن يوقف على الورثة الجارية بسبب جنينها إذا كانت قيمتها أكثر من الثلث، وقد كان القياس على قوله إنها لا تباع في حياة سيدها في الدين حتى تضع ألا تباع بعد الوفاة إذا حملها الثلث حتى تضع طال الأمر أو لم يطل إذ لا حجة للورثة إذا لم يوقف أكثر من الثلث، وأما ابن القاسم فجرى على أصله بأن قال. لا يلزم الورثة بعد الوفاة أن يتربصوا بها حتى تضع كما لا يلزم الغرماء في حال الحياة أن يتربصوا بها حتى تضع وتباع في الوجهين ويبطل العتق في الجنين، والقياس على القول بأنه حر من رأس المال وإن وضع بعد موت السيد كالمعتق إلى أجل وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة ألا تباع حتى تضع في حال من الأحوال إلا أن يسبق الدين العتق، وقد روي عن ابن القاسم أنه لا يعتق إلا من الثلث إذا وضعته في مرض السيد أو بعد موته، فإن باعها بعد أن حملت ولا دين عليه أو أصدقها امرأة فقال في هذه الرواية: إنها إن كانت قائمة بيد المشتري أو الزوجة لم تفت بحوالة سوق فما فوقه ردت بعينها ورجع المشتري على البائع بالثمن والزوجة على الزوج بقيمتها، وإن كانت قد فاتت بشيء من ذلك كان على المشتري قيمتها يوم قبضها على أن الولد مستثنى أن

(4/469)


لو كان يحل بيعها على ذلك لأن الجنين قد ثبتت حريته على البائع قبل أن يبيعه ورجعت الزوجة على الزوج بما بين القيمتين بمنزلة عيب وجدته فيها وقد فاتت في يديها، هذا معنى قوله وفيه نظر، أما قوله في البيع فإنما يستقيم إذا كان البيع فاسدا إما بأنه باعها بجنينها وأعلم المبتاع أنه قد كان أعتقه، وإما أن يكون باعها على أن جنينها حر لأنه لو باعها ولم يعلم المبتاع أنه قد كان أعتق جنينها لما كان البيع فاسدا ولوجب إن كانت قائمة لم تفت بالعيوب المفسدة أن ترد على كل حال، إذ لا يجوز للمبتاع أن يمسكها على أن جنينها مستثنى وإن فاتت بالعيوب المفسدة أن يكون مخيرا بين أن يرجع بما بين القيمتين من الثمن وبين أن يرد وما نقصه العيب المفسد عنده ويرجع بجميع الثمن. وأما قوله في النكاح بها فلا يستقيم بحال لأنه إن كان تزوج بها على أن يكون الجنين للمرأة وأعلمها أنه قد كان أعتقه أو على أن جنينها حر فالنكاح فاسد يفسخ قبل البناء ويرد إلى صداق مثلها بعد البناء وترد الأمة إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت فائتة على أن الجنين مستثنى أن لو كان يحل بيعه على ذلك، وإن كان تزوج بها ولم تعلم المرأة بعتق جنينها لوجب أن تردها إن كانت قائمة لم تفت بشيء من العيوب المفسدة وترجع بقيمتها، وإن كانت قد فاتت بالعيوب المفسدة كانت مخيرة بين أن ترجع بما بين القيمتين بمنزلة عيب وجدته فيها وبين أن تردها وما نقصها العيب المفسد عنده وترجع بقيمتها صحيح، فقوله: إنها تفوت بما يفوت به البيع الفاسد بعيد غير صحيح، وساوى ابن حبيب في البيع بين أن يبيعها على أن جنينها حر وبين أن يبيعها ويكتم المبتاع ذلك، ولم ير أن تفوت في الوجهين جميعا إلا بالعيوب المفسدة، قال الفضل: وإنما لم ير أن تفوت في البيع الفاسد بحوالة الأسواق لأن القيمة كانت تكون فيها على المبتاع على أن الجنين مستثنى، وذلك لا يجوز في البيع، وفرق بين الوجهين في النكاح بها على ما ذكرناه، وقد قيل: إنه إذا أعتق الجنين في بطن أمه جاز أن يبيع الأمة على أن جنينها حر، وأن يتزوج بها على أن جنينها حر، وليس ذلك باستثناء للجنين إذ لا يقدر على بيعه مع أمه لتقرر الحرية فيه قبل البيع، وقيل: لا يجوز ذلك إلا في التفليس، والثلاثة الأقوال في بيع الحائط المساقى.

(4/470)


[مسألة: الرجل يزوج وليته بنقد مائة دينار ورأس بمائة دينار ولم يوصف الرأس]
مسألة قال: وسألت عن الرجل يزوج وليته بنقد مائة دينار ورأس بمائة دينار ولم يوصف الرأس؛ أيجوز هذا النكاح؟ قال ابن القاسم: نعم جائز صحيح، والتسمية صفة يجتزى بها، وإن طلقها قبل الدخول عليها غرم نصف الأمرين جميعا، وهو مائة دينار؛ لأن النقد مائة والرأس مائة، فلها نصف هذه وهي خمسون، ونصف ثمن الرأس وهو خمسون، ولو تزوجها بأرؤس ولم يصف لها صفة ولا سمى لها ثمنا كان جائزا وكان لها وسط من ذلك، إن كانوا حمرانا كان لها وسط من الحمران وإن كانوا سودانا كان لها وسط من السودان، ينظر إلى أرفع الحمران أو السودان وإلى أوضع الحمران والسودان فتعطى ما بين ذلك، وإن طلقها قبل الدخول أعطيت نصف ذلك على ما فسرت لك، وإن لم يسموا حمرانا ولا سودانا وقد تزوج بأرؤس فهو على رقيق تلك البلدة الذين يزوجون عليهم الغالب من ذلك عليهم إن حمران فحمران وإن سودان فسودان، وإن كان رقيق البلدة حمرانا وسودانا جميعا فنكح بهم ولم يسموا حمرانا ولا سودانا نظر إلى وسط الحمران ووسط السودان فضم ذلك كله ثم أعطيت نصف ذلك والقيمة في ذلك الوسط من الرقيق إنما هي يوم وقعت العقدة أمسك أو طلق.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الرهون القول في تسمية العدد في الرأس المنكح به فلا معنى لإعادة ذلك، ومضى في أول رسم وفي رسم سن ما يبين معنى قوله والقيمة في ذلك إنما هي يوم وقعت العقدة أمسك أو طلق، فلا معنى لإعادة ذلك أيضا والحمد لله.

(4/471)


[مسألة: الرجل يتزوج بمال ولد ولده ثم يقوم عليه ولد الولد بعد زمان]
مسألة قال: وسألت عن الرجل يتزوج بمال ولد ولده ثم يقوم عليه ولد الولد بعد زمان هل يأخذ ماله؟ قال ابن القاسم: نعم يأخذه إن وجده بعينه لم يفت أخذه حيث وجده، وإن لن يجده بعينه ووجده قد استهلكته المرأة لم يكن على المرأة شيء إذا لم يكن طعاما أكلته أو ثيابا أبلتها، فإن كان ذلك كذلك غرمته علمت أو لم تعلم وكذلك الولد الكبير مثل ذلك سواء، وأما الولد الصغير الذي في حجره فليس لهم إليه سبيل، وإن وجده بعينه لم يكن لهم أخذه وكانت المرأة أحق به واتبعوا الأب بقيمته يوم أخذه وأصدقه إن لم يكن له مال، علمت المرأة أن المال لولده الأصاغر أو لم تعلمه فهي أحق به، ولا يؤخذ منها شيء، ولا سبيل للولد إليه على حال.
قال محمد بن رشد: فراق ابن القاسم بين أن يعتق [الرجل] عبد ابنه الصغير أو يتصدق به أو يتزوج به فقال: إن العتق ينفذ إن كان موسرا ويغرم القيمة لابنه ويرد إن كان معدما إلا أن يطول الأمر فلا يرد، قال أصبغ: لاحتمال أن يكون حدث له في خلال ذلك يسر لم يعلم به، وأما إن علم أنه لم يزل عديما في ذلك الطول فإنه يرد، وقال: إن الصدقة ترد موسرا كان أو معدما، وقال في التزويج: إن المرأة أحق به موسرا كان الأب أو معسرا ويتبع الابن أباه بقيمته، قال في المدونة: الرواية يوم أخذه وأصدقه امرأته يريد يوم تزوج عليه لا يوم دفعه لأنه بيع من البيوع، كذا قال ابن القاسم في غير هذا الكتاب، فظاهره وإن لم تقبضه المرأة، وفي سماع أصبغ أن الابن أحق به من المرأة ما لم تقبضه المرأة وما لم يطل في يديها بعد القبض، وأما إن قام بعد القبض باليوم واليومين والأمر القريب فهو أحق به ويكون كالاستحقاق، وتتبع

(4/472)


المرأة الأب بقيمته، وسواء على مذهب ابن القاسم دخل الأب بالمرأة أو لم يدخل بها، وفرق مطرف بين أن يدخل بها أو لا يدخل، ورواه عن مالك وقال ابن الماجشون: الابن أحق دخل الأب أو لم يدخل، قبضت الزوجة أو لم تقبض، طال الأمر أو لم يطل، وهذا الاختلاف إنما هو إذا كان الأب معسرا، وأما إن كان موسرا فالزوجة أحق قولا واحدا، ولا اختلاف بينهم فيما تزوج به من مال ولده الكبير أو ولد ولده أنهم أحق به من الزوجة في يسر الأب وعدمه، وأجاز أصبغ فعل الأب كله في مال ابنه من الهبة والصدقة والعتق والإصداق في القيام والفوات والعسر واليسر لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «أنت ومالك لأبيك» فعلى ظاهر الحديث لا فرق بين الصغير والكبير، وبالله التوفيق

[مسألة: الرجل يخطب على ابن له صغير إلى رجل ابنته صغيرة]
مسألة وسألت عن الرجل يخطب على ابن له صغير إلى رجل ابنته صغيرة فزوجه وأطرقا قليلا ثم قال الرجل لأبي الصبي: هذا الأمر عليك إن هلك أو هلكت، فقال أبو الصبية: من هلك منهما فلا يتبع بعضنا بعضا بشيء، فقال أبو الصبي: نعم، قال ابن القاسم: النكاح ثابت لا يضره ما تكلما به من ذلك بعد ذلك لأن العقدة وقعت صحيحة، وما اشترطا فيه بعد ذلك فهو باطل، والصداق ثابت عاشا أو ماتا، وهو على الأب إن كان تحمل به وإن لم يكن تحمل به فهو في مال الصبي إن كان له مال يوم زوجه أبوه، فإن لم يكن له مال فهو في مال الأب، فإن وقع النكاح بهذا الشرط وكان نسقا واحدا فهو نكاح مفسوخ متى ما أدرك قبل البناء فإن دخل ثبت النكاح وكان لها صداق مثلها، وإن مات أحدهما في الصغر توارثا لأنه من النكاح الذي يثبت بعد الدخول، والصغيران والكبيران في ذلك سواء على ما فسرت لك، وكذلك لو اشترطا على أن لا ميراث

(4/473)


بينهما على مثل ذلك سواء، ويفسخ النكاح فيه أيضا إذا لم يدخل بمنزلة الذي ينكح على أن لا نفقة عليه وما أشبهه، قال عيسى: ويبطل الصداق إن ماتا إذا كان على ذلك وقع الشرط.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن تكلما به بعد تمام العقد وكماله لا يلزم ولا يفسد العقد، وإن شرطا ذلك في العقد أفسده وفسخ قبل الدخول وثبت بعده وكان فيه صداق المثل لأنه نكاح فسد لصداقه بما اشترطا فيه، وقول عيسى بن دينار: إن الصداق يبطل إن مات إذا كان على ذلك وقع الشرط صحيح على المعلوم في المذهب إذ المنصوص عليه من أن النكاح الذي فسد لصداقه لا شيء للمرأة فيه إلا بالدخول، وقد روي عن أصبغ فيمن تزوج بغرر ثم مات قبل الدخول أن لها صداق مثلها وإن طلق فلا شيء لها فراعى التسمية الفاسدة وجعله كنكاح التفويض على مذهب من يرى أنه يجب فيه بالموت صداق المثل، وليس هذا معروفا في مذهبنا، وكذلك يبطل الصداق المسمى في النكاح على أن لا ميراث بينهما وعلى أن لا نفقة لها وما أشبه ذلك من الأنكحة الفاسدة إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول على القول بأنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل، وهو الصحيح من الأقوال إلا على مذهب أصبغ وهو شذوذ.

[امرأة تعلق بها رجلان كلاهما يدعي أنها امرأته وهي تدعي أنهما جميعا زوجاها]
ومن كتاب أوله إن أمكنتني من حلق رأسك قال عيسى: وكتب إلى ابن القاسم صاحب الشرط يسأله عن امرأة تعلق بها رجلان كلاهما يدعي أنها امرأته وهي تدعي أنهما جميعا زوجاها، كان أحدهما زوجها فزعمت أنه أجاعها وضرها فهربت من عنده وظنت أن ذلك فراقه وزعمت أن الآخر تزوجها إلا أنه طلقها، قال ابن القاسم: يسأل الأول فإن كانت له بينة بأنها

(4/474)


امرأته فارددها إليه بعد أن يحلف بالله ما طلقها، ولا يطأها حتى يستبرئ رحمها بثلاث حيض، فإن لم تكن له بينة فلا يقبل قوله ولا إقرارها بأنها امرأته ويفرق بينهما، ويسأل الآخر البينة على نكاحها فإن ثبتت له بينة فارددها إليه واستحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما طلقها ولا صالحها إن قامت له بينة على أصل النكاح، وإن لم تقم له بينة فرق بينهما ولتكن أولى بنفسها تنكح من أحبت.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن المرأة التي ادعى كل واحد منهما أنها زوجته بائنة عنهما، منقطعة بنفسها، ليس في ملك أحدهما وتحت حجابه، وقوله: يسأل الأول البينة يريد الأول على ما أقرت له به الزوجة من ذلك وإن لم تصدق في إقرارها له بذلك، ويحتمل أن يريد الأول على دعواهما مثل أن يقول أحدهما تزوجتها في المحرم من سنة كذا ولا أدري ما يقول هذا، ويقول صاحبه تزوجتها في رجب من تلك السنة ولا أعلم له فيها نكاحا، قيل: الأول أظهر، وإنما حلف الأول ما طلقها إذا كانت له بينة أنها امرأته وإن لم تدع عليه امرأته الطلاق لأن سكوته على خروجها من عنده وبينونتها بنفسها وتصيرها إلى غيره على ما زعمت من أنه تزوجها بشبهة تدل على أنه قد طلقها لعله أقوى من الشاهد الواحد على الطلاق ويمين الثاني أبين لدعوى المرأة عليه الطلاق مع كونها خارجة عن ملكه منقطعة بنفسها، وكذلك تقول على هذا لو انتقلت امرأة عن زوجها وبانت بنفسها ولم يظهر منه إنكار لذلك حتى طال الأمر فتزوجت أو أرادت التزويج وزعمت أنه طلقها فأنكر أن اليمين لازمة له وإن لم يكن لها شاهد لأن هذه الأسباب تقوم لها مقام الشاهد، ولو أقام كل واحد منهما بينة ولم تؤرخ لم يكن لواحد منهما نكاح إذا كانتا عدلتين وإن كانت إحداهما أعدل من الأخرى، ولو كانت هذه المرأة التي تداعيا فيها في ملك أحدهما وعياله وتحت حجابه وهما طارئان أو مقران بالنكاح مع اشتهار ذلك وإعلانه لكانت البينة على الآخر، فإن لم يأت ببينة على ما ادعى من أنها زوجته بقيت تحت الذي هي في ملكه وتحت حجابه ولم تجب عليه يمين على معنى ما في رسم الكبش من سماع يحيى، وسيأتي الكلام على ذلك هناك إن شاء الله.

(4/475)


[مسألة: تعلقت برجل وزعمت أنه زوجها وزعمت أن نبطية زوجتها إياه]
مسألة قال عيسى: وكتب إليه أيضا يذكر أن امرأة تعلقت برجل وزعمت أنه زوجها وزعمت أن نبطية زوجتها إياه فادعت بشهود فجحد الشهود ما ادعت، قال: إن أقر بالدخول فأحسن أدبهما وفرق بينهما دخل أو لم يدخل لأنه لو ثبتت لهما بينة لم يثبتا على النكاح لأن أصل النكاح حرام لا يقران عليه، ولم يمنعني أن أعاقب في المسألة الأولى إلا أن ذلك أمر قد طال الذي ذكروا وعسى الشهود أن يكونوا قد ماتوا أو غابوا، فلذلك وقفت في عقوبتهم.
قال محمد بن رشد: إنما رأى الأدب عليهما دون الحد لإظهارهما الأمر قبل أن يعثر عليهما فيه، ولو وجدا يزنيان أو أخذا في بيت فأقرا بالوطء وادعيا أنهما زوجان لحدا إن لم يأتيا بالبينة على النكاح على ما في كتاب الرجم والحدود في القذف من المدونة، ولو لم يقرا بالوطء ولا شهد عليهما به لأدبا ولم يحدا، وعلى هذا يحمل ما في كتاب النكاح الأول من المدونة. ويحتمل أن يكون سقط الحد عنهما في مسألة المدونة لشهادة الأب والأخ أن الأب زوجها إياه، فرأى ذلك شبهة تسقط الحد وإن لم يقبل قولهما، يريد بالمسألة الأولى التي قبلها لأن كل واحد من الرجلين أقر بالدخول بالمرأة وادعى أنها زوجته، فلم ير على من لم يثبت منهما أنها امرأته حدا لأنه أقر طائعا بأمر لا ريبة عليه فيه ولا رأى عليه أدبا لما ذكر من طول الأمر، والله الموفق.

[فوض إليه أمر امرأته فبعث إلى أهلها بشيء فسخطوه فقال إن لها صداق مثلها]
ومن كتاب القطعان
قال: وسئل عن رجل فوض إليه أمر امرأته فبعث إلى أهلها بشيء فسخطوه فقال: إن لها صداق مثلها ثم طلق فلم يدخل

(4/476)


بها، قال ابن القاسم يرجع عليه بنصف صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه قد أوجب لها على نفسه صداق مثلها بقوله فإن لها صداق مثلها، ولو لم يقل ذلك لما وجب عليه أن يتم لها صداق مثلها على ما كان بعث به ولكان له أن يرد النكاح عن نفسه ويرجع بما كان بعثه به على ما قاله في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الشفعة لأن نكاح التفويض لا يجب فيه الصداق إلا بالتسمية أو الدخول، والله الموفق.

[مسألة: تزوج امرأة فدخل بها وهي حائض فأصابها حائضا ثم طلقها]
مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة فدخل بها وهي حائض فأصابها حائضا ثم طلقها بعد أن طهرت طلقة هل يملك رجعتها؟ فقال: لا أرى ذلك له، وأراها طلقة بائنة بمنزلة ما لو طلقها قبل أن يبني بها لأن ذلك الوطء ليس بوطء.
قال محمد بن رشد: قوله لأن ذلك الوطء ليس بوطء معناه ليس بوطء جائز لأنه وطء يوجب الغسل والحد والصداق باتفاق، وإنما يختلف هل يحصن الحرة المسلمة ويحل المطلقة أم لا على ما يأتي القول فيه في أول سماع سحنون، فعلى القول بأنه يحل ويحصن يوجب الرجعة، والله أعلم.

[ينكح المرأة ويشترط عليه أنك إن لم تأت بصداقها إلى أجل كذا فلا نكاح]
ومن كتاب
أوله باع شاة واستثنى جلدها قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل ينكح المرأة ويشترط عليه في عقدة النكاح أنك إن لم تأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بيننا وبينك، قال: هذا نكاح حرام لا يقران عليه ويفرق بينهما دخل أو لم يدخل، وقد قال: إذا دخل بها ثبت النكاح ولم يفسخ، قلت: فالرجل يتزوج المرأة على أن لا ميراث بينهما؟ قال

(4/477)


هذا ومن تزوج على أن لا نفقة بينهما وعلى أن لها من القوت كذا وكذا هذا ونحوه من الوجوه التي تشترط في النكاح إذا أدرك قبل البناء فسخ، وإن فات ببناء ثبت وسقط الشرط، وهما يتوارثان فيه قبل أن يفسخ قبل البناء وبعده، قلت: هل سمعت من مالك في هذا بعينه شيئا في النكاح الذي لو أدركته قبل البناء فسخته وإذا مات أحدهما قبل البناء أنهما يتوارثان؟ قال ابن القاسم: كذلك قال لي مالك فيه بعينه، وكذلك نكاح أهل مصر إنما صداقهم إلى موت أو فراق، وكان مالك يفسخه قبل البناء ويرى الميراث بينهما إذا مات أحدهما قبل البناء، قلت: فالرجل ينكح المرأة وتشترط عليه أنك إن لم تأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فأمرها بيدها؟ قال: قال مالك يفسخ، ولم يقل دخل أو لم يدخل، وأنا أرى إذا دخل ألا يفسخ.
قال محمد بن رشد: أما الذي ينكح المرأة وتشترط عليه أنه إن لم يأت إلى أجل كذا وكذا بصداقها فلا نكاح بينهما فهو نكاح خيار لأن الأمر يرجع إلى أن الزوج بالخيار بين أن يأتي بالصداق إلى الأجل فيجب له النكاح أو لا يأتي إليه فلا يجب له، فاختلاف قوله في وجوب فسخه بعد الدخول على اختلاف قول مالك في وجوب الفسخ بالخيار بعد الدخول، وقد نص على ذلك في المدونة، وهذا الاختلاف إنما يتصور إذا أتى بالصداق إلى الأجل واختار الزوج النكاح قبل انقضاء أيام الخيار أو اختارته المرأة إن كان الخيار لها قبل انقضاء أيام الخيار وأما إن لم يأت الزوج بالصداق إلى الأجل أو لم يختر من له الخيار من الزوجين حتى انقضت أيام الخيار فلا نكاح بينهما، والقول بأن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده على القول بأن البيع على الخيار يجب إذا اختار من له الخيار يوم العقد، والقول بأنه يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده على القول بأن البيع على الخيار يجب إذا اختار من له الخيار يوم الاختيار، وهو المشهور في المذهب، والقول الثاني قائم من كتاب الشفعة من المدونة. والعلة في أن الخيار لا يجوز في النكاح هو أنه عقد قد لزم أحدهما ولا ميراث فيه

(4/478)


مع أنه قد قيل: إنه عقد مترقب ينكشف بامضائه وجوبه يوم عقده. وقوله فيه بأنه نكاح حرام تجوز في اللفظ إذ لم يأت بتحريمه كتاب ولا سنة ولا إجماع، والتعليل بأنه لو مات أحدهما لم يتوارثا ضعيف؛ لأن الأغلب الأمن من الموت فيما قرب مثل اليوم واليومين ونحوهما مع أن الأشهر أنه غير منعقد حتى يمضي، فلو تزوج رجل امرأة على أنهما جميعا بالخيار الزوج والمرأة والولي لانبغى أن يجوز إذ لم يلزم النكاح واحدا منهم وإنما يجب يوم يمضي، فالنكاح في باب الصداق أوسع من البيع لأنه يجوز فيه من الغرر ما لا يجوز في البيع، والبيع في باب العقد أوسع من النكاح لأنه يجوز فيه من الخيار ما لا يجوز في النكاح، والنكاح أوسع من الصرف لأنه يجوز فيه الخيار في المجلس وأن يعقداه على مشورة فلان إذا كان حاضرا بالبلد قريبا فأرسلا إليه في فورهما ليعلما رأيه يريد قبل أن يفترقا من مجلسهما، وسيأتي ذلك في آخر سماع أصبغ، ولا يجوز شيء من ذلك في الصرف، وقد قيل: إن الخيار في المجلس جائز في الصرف. فعلى هذا القول يجوز في النكاح اليوم واليومان ونحوهما لما ذكرناه من أنه أوسع منه، وأما الذي يتزوج المرأة على أن لا ميراث بينهما أو على أن لها من القوت كذا وكذا فقد مضى القول فيه في رسم الرهون. وقسم في هذه الرواية الأنكحة الفاسدة لعقودها قسمين: أحدهما أن يكون أصله حراما، والثاني أن يكون أصله حلالا ويشترط فيه شرطا حراما، وهو تقسيم فيه نظر لأن ما كان أصله حراما ينقسم إلى قسمين: إذ منه ما يتفق على تحريمه كنكاح المرأة في عدتها [أو على عمتها] أو على خالتها أو على أمها وإن لم يدخل بها وما أشبه ذلك، ومنه ما يختلف في تحريمه كنكاح المحرم والنكاح بغير ولي وما أشبه ذلك، فالأول لا ميراث فيه ولا طلاق، ولا يكون الفسخ فيه طلاقا، ولا يجب فيه الصداق المسمى إلا بالدخول، والثاني يختلف في وجوب الميراث والطلاق فيه فيجب عند مالك في أحد قوليه مراعاة لقول من

(4/479)


يراه نكاحا جائزا، ووجوب الصداق المسمى فيه إن مات أحد الزوجين قبل الفسخ يجري عندي على هذا الاختلاف، ولأن ما كان أصله حلالا واشترطوا فيه شرطا حراما ينقسم إلى أقسام، منه ما يفسخ قبل وبعد باتفاق في المذهب مثل نكاح المحلل ونكاح أمة على أن كل ولد تلده فهو حر وما أشبهه، ومنه ما يفسخ قبل الدخول باتفاق وبعده على اختلاف مثل النكاح على الخيار وعلى أن لا ميراث بينهما وعلى أن لا نفقة لها وما أشبه ذلك، ومنه ما يفسخ قبل الدخول ويثبت بعد الدخول باتفاق، ومنه ما يثبت بعد الدخول ويختلف في فسخه قبل الدخول مثل أن يتزوج الرجل المرأة على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فأمرها بيدها، وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، واختلف فيما فسخ من هذه الأنكحة بعد الدخول هل يكون فيه صداق المثل أو الصداق المسمى، وكذلك ما لم يفسخ منها بعد الدخول وقد ذهب الشرط مثل النكاح على الخيار على أحد قولي مالك، ونكاح الأمة على أن أول ولد تلده فهو حر إذا لم يعثر على ذلك حتى ولدت على مذهب ابن الماجشون. وأما ما لم يفسخ منها بعد الدخول مما الشرط فيه قائم مثل النكاح على أن لا ميراث بينهما وعلى أن لا نفقة لها وما أشبه ذلك فأبطل فإن المرأة ترد إلى صداق مثلها.

[مسألة: أفيستخلف الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة يعقد له نكاحه]
مسألة قلت لابن القاسم: أفيستخلف الرجل نصرانيا أو عبدا أو امرأة يعقد له نكاحه؟ قال: لا بأس به، ولا بأس أن تزوج المرأة عبدها ولا تزوج أمتها ولكن من ولي من النساء أو العبيد شيئا من أمور النساء فليستخلفوا من يزوجهن.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما يأتي في آخر هذا الرسم، وهو صحيح لا اختلاف فيه، وقد مضى بيانه في رسم سن من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

(4/480)


[مسألة: أفيزوج المسلم النصرانية]
مسألة قلت: فيزوج المسلم النصرانية؟ قال ابن القاسم: لا يزوج المسلم النصرانية كانت أخته أو ابنته أو مولاته، لا يزوج المسلم النصرانية مسلما ولا نصرانيا، قلت: فالسلطان ترفع إليه النصرانية أمرها أترى للسلطان أن يستخلف عليها من يزوجها؟ قال: لا يستخلف عليها من يزوجها وليردها إلى أهل دينها.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم موعبا فلا معنى لإعادته.

[مسألة: الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها في عقدة النكاح أن ينفق عليها]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها في عقدة النكاح أن ينفق عليها ما يصلح مثلها فإن لم يفعل فأمرها بيدها هل ترى هذا النكاح جائزا؟ وإن رأيته جائزا فأنفق عليها ما يصلح مثلها سنين ثم رقت حاله فقصر عن نفقة مثلها سنين فقرت ورضيت بذلك ثم بدا لها فأحبت أن تختار أيكون ذلك لها؟ قال ابن القاسم: لا أرى هذا النكاح جائزا وأرى أن يفسخ إن لم يدخل وإن دخل لم يفرق بينهما وكانت على شرطها إن لم يقدر على شيء كان أمرها بيدها، قال: وإن رقت حاله فقصر عن نفقة مثلها فقرت على ذلك ورضيت فليس لها بعد ذلك قول، ليس في يديها مما جعل لها شيء لأن هذا فعل واحد، وهو بمنزلة الذي يقول: إن لم أعطك بقية صداقك إلى أجل كذا وكذا فأمرك بيدك فيأتي الأجل فيعسر بالمهر وتقيم معه ويصيبها ولا يقضي شيئا ثم تطلب بعد ذلك فلا شيء لها لأن النفقة أمر واحد وليس هو فعل يأتي بعد فعل، ألا

(4/481)


ترى أنه لو قال: إن نكحت عليك إلا بإذنك فأمرك بيدك فتأذن له فينكح ويدخل بها ثم يبدو لها فلا يكون لها بعد ذلك في تلك المرأة قول إلا أن يريد أن ينكح غيرها فتحلف أنها إنما كان ذلك إذنا منها في هذه ولم تكن تركت ما كان في يديها.
قال محمد بن رشد: قوله في التي شرطت على زوجها أن ينفق عليها ما يشبه مثلها فإن لم يفعل فأمرها بيدها إن النكاح يفسخ قبل الدخول أو تكون على شرطها بعد الدخول ليس بمعتدل على أصولهم، إذ لا يخلو الشرط من أن يكون جائزا أو فاسدا، فإن كان جائزا فينبغي أن تكون على شرطها قبل الدخول وبعده، ولا يفسخ النكاح كسائر الشروط المقيدة بتمليك أو طلاق، وإن كان فاسدا يجب فسخ النكاح به قبل الدخول، فينبغي إذا لم يفسخ به بعد الدخول أن يبطل الشرط وترد إلى صداق مثلها، والقول الأول أظهر أن يكون النكاح جائزا والشرط لازما كسائر الشروط، وهذه الرواية تأتي على ما يروى عن سحنون أن الشروط المشترطة في أصل العقد المقيد بتمليك أو طلاق يجب بها فسخ النكاح قبل الدخول ولمراعاة قوله مضى العمل على كتاب الشروط في الصدقات على التطوع، وقد مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم على المسألة التي ساقها عليه من شرط التمليك في النكاح فلا معنى لإعادة ذلك.

[مسألة: الرجل يتزوج الحرة على أنه حر فإذا هو عبد]
مسألة وعن الرجل يتزوج الحرة على أنه حر فإذا هو عبد، هل يكون لها الخيار قبل أن يرفع ذلك إلى السلطان؟ أو هل يفوض إليها السلطان إذا رفع ذلك إليه أمرها إلى نفسها فتطلق ما شاءت؟ وعن الذي يجذم هل تطلق زوجها ما شاءت أو يفرق السلطان بينهما بواحدة ولا يفوض إليها شيئا؟ وكيف إن طلقتا أنفسهما ثلاثا امرأة

(4/482)


المجذوم وامرأة الذي غر من نفسه قبل أن يرفع ذلك إلى السلطان هل يلزمها ذلك؟ قال: أما الذي غر من نفسه فلامرأته أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان، فما طلقت به نفسها جار عليها، وأما الذي يجذم فليس لامرأته الخيار حتى ترفع ذلك إلى السلطان، فإذا رفع ذلك إليه فليس له أن يفوض أمرها إليها تطلق ما شاءت ولكن على السلطان إذا كرهته وأرادت فراقه أن يفرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه، وكذلك المجنون إلا أن المجنون يضرب له أجل سنة، وكذلك سمعت من مالك من يوم ترفع، قلت: فأيهم يضرب له أجل سنة، الموسوس وحده أو الذي يغث مرة ويفيق أخرى، وهو إذا أفاق صحيح، قال ابن القاسم: سبيلهما واحد، وقد قال لي مالك: وأي شيء أشر من أن يعث الرجل مع المرأة في بيت واحد فينخلع قلبها، قال ابن القاسم: والذي حفظت عن مالك في المعتوه أنه يضرب له أجل سنة ولا يخلى بينه وبينها في هذا الأجل:
قال محمد بن رشد: أما قوله في الذي غر الحرة من نفسه وزعم أنه حر فانكشف أنه عبد إن لامرأته أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان يريد أنها إن فعلت جاز ذلك لها إن كان الزوج مقرا بأنه غرها ولم يدع أنه أعلمها أنه عبد، وأما إن نازعها في ذلك فليس لها أن تختار نفسها إلا أن يحكم لها السلطان بذلك، وهذا معنى قوله في المدونة أو رضي الزوج بذلك ورضيت المرأة وإلا فرق بينهما أو أبى الزوج إذا اختارت فراقه، فليس ما في المدونة بخلاف لما ههنا في هذا إذ لا معنى لاشتراط رضى الزوج بالفرقة إذ أقر بغروره إياها، فإن اختارت نفسها وهو منكر فرفع ذلك إلى السلطان وثبت

(4/483)


عنده غروره إياها مضى الطلاق بما عند السلطان من أنها فعلت ما لها أن تفعل. وقوله: فما طلقت به نفسها جاز عليها هو على أحد قولي مالك في المدونة في الأمة تعتق تحت العبد أن لها أن تختار ثلاثا على حديث زبراء، وقد قال في المدونة في المجبوب يغر المرأة من نفسه: إنها ليس لها أن تطلق نفسها إلا واحدة وتكون بائنة، وذلك على قوله الثاني في أن الأمة المعتقة تحت العبد ليس لها أن تطلق نفسها إلا واحدة وتكون بائنة بها، وقوله في امرأة المجذوم والمجنون: إنها ليس لها أن تختار نفسها حتى ترفع ذلك إلى السلطان، وإنها إذا رفعت ذلك إليه لم يفوض إليها الأمر في الطلاق، ولكنه هو يفرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه صحيح؛ لأن ذلك حكم من السلطان باجتهاده ليس فيه سنة قائمة كما في الأمة التي تعتق تحت العبد فذلك بخلاف العبد يغر الحرة من نفسه، وقال هاهنا: إنه سمع من مالك أنه يضرب للمجنون أجل سنة في علاجه، وقال في المدونة: إنه لم يسمع ذلك منه، وإنما بلغه ذلك عنه، وقوله ههنا: إنه يفرق بينهما بعد أن يضرب له أجل سنة، وإن لم يكن جنونا مطبقا لما يصيبها منه من الفزع هو خلاف ما في سماع زونان لابن وهب وأشهب، وخلاف قول ربيعة في المدونة، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم "نقدها" من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[مسألة: رجل زوج ابنه صغيرا والابن لا مال له فكتب الصداق على الابن]
مسألة قال ابن القاسم في رجل زوج ابنه صغيرا والابن لا مال له فكتب الصداق على الابن فيدخل الابن ثم يكبر أو لا يدخل، وقد بقي عليه من الكالئ، قال ابن القاسم: إن لم يدخل حتى يبلغ فهو

(4/484)


مخير إن شاء دخل عليها بما كتب عليه، وإن شاء فارق ولا شيء عليه، وأما إن دخل قبل أن يبلغ أو يجوز أمره فالصداق على الأب أو دخل بعد أن كبر ولم يعلم فالصداق على الأب إذا دخل والشرط باطل.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا زوج ابنه، وهو صغير لا مال له إن الصداق على الأب، وإنه إن كتبه عليه لم يلزمه إلا أن يلتزمه بعد البلوغ، وإنه إن دخل قبل البلوغ أو بعد البلوغ، ولم يعلم سقط عنه ولزم الأب وكان شرطه باطلا صحيح؛ إذ ليس للأب أن يوجب على ابنه دينا ويلزمه إياه، وهو على معنى ما في النكاح الثاني من المدونة لمالك وربيعة وعلى ما في سماع أبي زيد لابن القاسم فيما يشترط من الشروط على ابنه، وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون أن اشتراطه الصداق عليه إذا كان صغيرا أو كبيرا سفيها لا مال له لازم له، وهو ظاهر قول أبي الزناد في المدونة، وعليه يأتي قول ابن وهب في سماع أبي زيد إنه يلزمه ما جعل عليه أبوه من الشروط؛ إذ لا فرق بين المسألتين.

[مسألة: هل للرجل المسلم أن يستخلف النصراني في الزواج]
مسألة قال: وسألته عن الرجل المسلم يستخلف النصراني هل تجوز خلافته؟ [أو هل له إن أجزت له خلافته] في تزويج بنات الذي أوصى إليه أمر أو نهي؟ أو هل له أن يستخلف من يزوجهن ولا يكون ذلك إلا برضاه، وهل للنصراني في تزويج ابنته المسلمة أمر أو نهي؟ أو هل يستخلف من يزوجها؟ والعبد هل يستخلف من يزوج ابنته الحرة أو يطلب في هذا رضى واحد منهم في نكاح من ذكرت حتى لا يكون ذلك إلا برضاهم؟ وإن كنت لا تراه جائزا في واحد منهم ففعل من لا يجوز له ذلك منهم فلم يدرك إلا بعد البناء

(4/485)


أو قبله؟ قال ابن القاسم: لا أرى أن تجوز وصية المسلم إلى النصراني إلا أن يرى السلطان لذلك وجها، قلت: فإن أجازها السلطان هل ترى أن يستخلف النصراني مسلما يزوج بنات الذي أوصى إليه المسلمات؟ قال: نعم ذلك له، وأما النصراني فليس له من ولاية ابنته المسلمة قليل ولا كثير، ولا يزوجها ولا يستخلف من يزوجها ولا يطلب في ذلك رضاه، وأما العبد المسلم في ابنته الحرة فإنه إن كان عبدا ينظر لابنته مثل العبد الفاره الناقد فأرى أن يحضره وينظر في قوله، فإن رأى في قوله سدادا رأيت أن يُتبع، وليس له في الاستخلاف في البضع قليل ولا كثير.
قال محمد بن رشد: قوله في وصية المسلم إلى النصراني إنها لا تجوز إلا أن يرى السلطان لذلك وجها، الوجه في ذلك هو مثل أن يكون قريبه أو مولاه أو زوجته، فيرى أنه إنما أوصى إليه لما رجاه من حسن نظرهم له بسبب ما في الجبلة من العطف والمودة والإشفاق على ذوي الرحم والقربى، وهو خلاف ظاهر ما في المدونة من أنه لا تجوز الوصية إلى المسخوط ولا إلى الذمي، وقال أصبغ: إذا كان قريبا ورأى أنه إنما أوصى إليهم لما رجاه من حسن النظر لابنه فلا يعزل عن الوصية ويجعل معه من عدول المسلمين من ينظر معه ويكون المال بيده، وهو أحسن الأقوال وأولاها بالاتباع، وإليه ذهب ابن حبيب وحكاه [عن] مطرف وابن الماجشون، وقد مضى في رسم "سن" من سماع ابن القاسم تحصيل القول فيمن يجوز للنصراني والعبد والمرأة أن يلي [عقد] النكاح عليه، وفيمن لا يجوز لواحد منهم أن يلي عقد النكاح عليه ويجوز له أن يستخلف على ذلك وفيمن لا يجوز له أن يلي عقد النكاح عليه إلا أن يستخلف على ذلك فلا معنى لإعادة ذلك ههنا.

(4/486)


[مسألة: الرجل يكون في حجره يتيم له مال فيريد أن يزوجه ابنته]
مسألة وسئل عن الرجل يكون في حجره يتيم له مال فيريد أن يزوجه ابنته، قال: إن كانت ابنته لا مال لها، وإنما رغب في مال اليتيم فإن ذلك نكاح غير جائز، وإن كان لابنته من المال مثل الذي لليتيم هما سواء ومثلها كانت تصلح له فذلك جائز.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه إن ظهر السداد في فعله لليتيم جاز، وإن ظهر أنه غير سداد لم يجز، وهو محمول على غير السداد حتى يعلم في ذلك السداد؛ لأنه متهم في ابنته وفي نفسه، فواجب على السلطان إذا رفع إليه ذلك أن ينظر فيه فإن كانت ابنته دنية لا تشبه مناكحه فسخ النكاح، وإن كانت تشبه مناكحه إلا أنه استكثر لها من ماله في الصداق أمضى النكاح وطرح عنه الزيادة دخل أو لم يدخل، بخلاف تزويجه إياه من امرأة أجنبية لأن فعله في ذلك محمول على السداد حتى، يثبت خلافه كبيعه [عليه] وشرائه له، والرواية بما دل على ذلك منصوصة قال مالك في كتاب ابن المواز: لا أحب أن يزوج الوصي يتيمته من نفسه، قال في الواضحة ولا من ابنه لأن ذلك من ناحية ما كره له من الاشتراء من مالها، فإن وقع نظر فيه السلطان فإن كان صوابا مضى وإلا فسخ، قال ابن المواز: إلا أن يتم لها ما يشبهها أو ينزل بها بعد النكاح ضرر في بدن أو مال حتى يصير الفسخ ليس بنظر فيمضي استحسانا.
قال ابن حبيب: إذا فات بالبناء قضى لها بتمام صداق مثلها في قدرها ومالها. وإنما يمضي قبل الدخول إذا أتم لها ما يشبهها إذا كان كفوا لها فقصر فيما فرض لها من الصداق، ولو كانت ثيبا لا ولاية له

(4/487)


عليها مضى النكاح ولم يكن للسلطان فيه نظر، ولو كانت ثيبا له عليها ولاية مضى النكاح ووفيت تمام صداق مثلها إن كان قصر لها في الصداق.

[مسألة: الرجل يكون وصي الرجل فتحضره الوفاة فيوصي إلى امرأة أو عبد]
مسألة وسئل ابن القاسم عن الرجل يكون وصي الرجل فتحضره الوفاة فيوصي بماله وبولده وبما في يده من الوصية إلى امرأة أو عبد هل تزوج المرأة والعبد ذكور ولد من أوصى إليهما؟ قال ابن القاسم: نعم تزوج المرأة والعبد ذكور ولد من أوصى إليهما ولا يزوجان الإناث إلا أن يستخلفا. قال ابن القاسم: انظر من كان يوما يجوز إنكاحه نفسه مثل الصبي والسفيه والعبد فإن أولئك لا بأس أن تزوجهم امرأة أو عبد أو نصراني إذا فوض أمرهم إليه، وكل من لا يجوز له إنكاحه نفسه على حال من الأحوال من النساء فأولئك لا يزوجهن عبد ولا امرأة ولا نصراني.
قال محمد بن رشد: قوله إن المرأة والعبد والنصراني يزوجون ذكور ولد من أوصى إليهم ولا يزوجون الإناث ويستخلفون من يزوجهن صحيح مبين لما مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم ولما في المدونة ولما وقع في كتاب ابن المواز، وقد مضى بيان ذلك كله والقول فيه في رسم سن المذكور، وبالله التوفيق، لا رب غيره، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تم كتاب النكاح الثالث.

(4/488)