البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [كتاب النكاح
الخامس] [أيكلم الرجل امرأته وهو يطأها]
(5/77)
ومن كتاب النكاح
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل: أيكلم الرجل امرأته وهو يطأها؟ قال: نعم
ويعيد بها، لا بأس بذلك إجازة منه. قال أصبغ: قال ابن القاسم: حدثنا
الدراوردي عن من حدثه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أنه سئل عن
التخير عند ذلك، فقال: إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم، فسئل أصبغ: أينظر الرجل
إلى فرج امرأته عند الوطء؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، قيل له: إن قوما يذكرون
كراهيته، فقال: من كرهه، إنما كرهه بالطب، لا بالعلم، لا بأس به وليس
بمكروه.
قال محمد بن رشد: في أصل السماع عند السؤال عن نظر الرجل إلى فرج امرأته
عند الوطء، قال: نعم، ويلحسه بلسانه. فطرح العتبي بلفظه: ويلحسه؛ لأنه
استقبحه. وفي كتاب ابن المواز: ويلحسه بلسانه وهو أقبح، إلا أن العلماء
يستجيزون مثل هذا إرادة البيان، ولئلا يحرم ما ليس بحرام، فإن كثيرا من
العوام يعتقدون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته في حال من
الأحوال. وقد سألني عن ذلك بعضهم فاستغرب أن يكون ذلك جائزا، وكذلك تكليم
الرجل امرأته عند الوطء، لا إشكال في جوازه، ولا وجه لكراهيته. وأما الخبر
عند ذلك فقبيح ليس من أفعال الناس، وترخيص ابن
(5/79)
القاسم في ذلك لمن سأله عنه على معنى أن
ذلك ليس بحرام والله أعلم.
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في السفيه يتزوج بمائة دينار، فيفرق
وليه بينهما وقد دخل بها، إنه ينزع منها ما أعطاها، ويترك لها قدر ما تستحل
به. قال أصبغ: وذلك ربع دينار في قولهم أدنى ما يتزوج به إذا كانت دنية.
وأما من لها قدر فإن ابن القاسم قال: لها فيها في المسألة بعينها، لم يحد
لنا مالك في ذلك حدا، إلا أني أرى في مثل هذا على قدر الاجتهاد من حالها
وقدرها وموضعها. وقاله أصبغ، وتقاضى بما يدل على نحو ذلك مما هو دون صداق
مثلها، وما لا يبلغه ولا يقاربه، فيكون صداقا تاما ولا مذهب صداق ثم تام.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: في ذات القدر إنه يترك لها من صداقها على
قدر الاجتهاد في حالها وموضعها، ولم يحد في ذلك حدا، وله في المدنية أنه
يترك لها من المائة ثلاثة دنانير، وأربعة، ونحو ذلك. وقال ابن نافع: يترك
لها من المائة عشرة دنانير. ولابن الماجشون في الواضحة أنه لا يترك لها منه
قليلا ولا كثيرا، وهو القياس، وما عداه استحسان. وأما السفيهة تتزوج بغير
إذن وليها، فيفرق بينهما بعد الدخول، فإن لها جميع صداقها، لا يرد وليها
منه شيئا. وروى ذلك عيسى عن ابن القاسم في المدنية. وقال ابن دينار: إنه
يترك لها قدر ما استحل منها، وهو الأظهر؛ لأنها غارة.
[مسألة: نصراني يعقد نكاح ابنته وأخته أو وليته
النصرانية لمسلم]
مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن نصراني، أيعقد نكاح ابنته وأخته أو
وليته النصرانية لمسلم؟ فقال: نعم، وهو أولى بذلك من
(5/80)
غيره، وما له لا يعقده؟ وقاله أصبغ. ومثل
ذلك إنكاح حكامهم وأساقفتهم إياهم وعقدهم للمسلمين، فذلك الذي لا كلام فيه
إنهم يزوجونهن، فسواء زوجوا مسلما أو نصرانيا لأنهم ولاتهم، فالولي منهم
دونهم أولى فالولاة أولى. قال أصبغ: وقد قلت لابن القاسم: فإن أرادت وليته
هذه نكاح مسلم وأبى ذلك هو، أيجبر على ذلك، بكرا كانت أو ثيبا؟ وهو يأبى
ذلك ويقول: لا أزوج للمسلمين؟ فقال: لا أرى أن يعرض لهم في ذلك وليردوا إلى
أحكام دينهم وحكامهم. قال أصبغ: يعني فيزوجون إن رأوا ذلك، ويجوز. قال:
فالولي إذا رضي بمنزلة ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: وهو أولى بذلك من غيره، يريد أن المسلم أولى بعقد
نكاحها من ولاتها من النصراني، إذا لم يشاحوه في ذلك؛ لأنه أن يلي عقد
النصرانية لمسلم مسلم، أحسن من أن يليه النصراني. وقوله في آخر المسألة:
فالولي منهم دونهم أولى فالولاة أولى، يريد أن الولاة النصارى أحق بعقد
نكاحها من المسلمين إن تشاحوا في ذلك وطلبوه، وهذا في أهل الجزية، فهذا وجه
هذه الرواية، وتبين تأويلنا هذا قوله في آخر المسألة: فالولي إذا رضي
بمنزلة ذلك يقول: فكما لا يكون للمسلم أن يتزوجها إلا برضى أهل دينها،
فكذلك لا يكون للمسلم أن يعقد نكاحها إلا برضى أهل دينها وولاتها، يعني من
أهل الجزية. وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين
في السنة، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل يخطب إليه القوم فيقول قد زوجت
فلانا ثم ينكر بعد ذلك]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يخطب إليه القوم، فيقول: قد زوجت
فلانا، ثم أنكر بعد ذلك وقال: لم أقل إلا لأدفعهم عن نفسي. قال: إن ادعى
الذي أقر له وسمى أنه قد كان
(5/81)
زوجه قبل ذلك، حلف على ذلك بالله لقد زوجه،
وثبت له النكاح بالبينة التي قامت على إقراره له. وإن كان إنما يريد أن
يأخذها بما سمع منه الخاطبون فقط، رأيت أن يحلف الأب بالله ما كان ذلك منه
إلا اعتذارا إليهم، وما زوجه، أي وما أراد به تزويجا موجبا له، ويكون القول
قوله وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قال أصبغ ها هنا وروايته عن ابن القاسم مثل قول ابن كنانة
في سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح، خلاف قوله فيه، إن النكاح للطالب واجب
لا يبالي بأن ذلك كان طلبه بهذا القول أو بنكاح كان قبله؛ لأن النكاح لا
لعب فيه ولا اعتذار، وهو قول ابن حبيب في الواضحة. وذهب ابن المواز إلى أن
النكاح لا يلزم بهذا الإقرار ولا بدعوى متقدمة. وهي أشبه الأقوال الثلاثة
وبالله التوفيق.
[مسألة: الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل آخر
فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يدعي نكاح امرأة وهي تحت رجل
آخر، فأقام شاهدا واحدا أنه تزوجها قبله، أيعزل عنها زوجها؟ قال: نعم، أرى
أن يعزل عنها إذا أقام هذا شاهدا واحدا إلى أن يستبين ذلك، إذا كان ما يدعي
أمرا قريبا ولا يدعي شهادة بعيدة. وكذلك الجارية يدعيان الحرية إذا أقام
شاهدا واحدا، ويدعيان مع ذلك أمرا قريبا، يعني فيوقفان على صاحبهما ويخرجان
من يده إلى ذلك، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح على معنى ما في المدونة من وجوبها توفيق
العرض المدّعى فيه بالشاهد الواحد. ونص ما في كتاب ابن
(5/82)
المواز والواضحة: قال عبد الملك في
الواضحة: ولا يعزل بدعواه فقط حتى يقيم شاهدا عدلا. وقال محمد بن المواز:
فإن لم يصح لهما شاهد آخر، وكان ذلك بعيدا، حلف السيد، ولا شيء على الزوجة
وعلى الزوج. فأما قوله: إنه لا شيء على الزوج ولا على الزوجة صحيح؛ لأنهما
لو أقرا له أو أحدهما بما ادعاه من النكاح، لم ينتفع بذلك، ولو لم تكن
المرأة تحت زوج وادعى رجل نكاحها وهما طاريان، وعجز عن إثبات ذلك، لزمتهما
اليمين؛ لأنها لو أقرت له بما ادعاه من النكاح، كانا زوجين. وقد قيل: إنه
لا يمين عليها؛ لأنها لو نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح. وهذا على
الاختلاف في التي يزوجها وليها، فتنكر أن يكون ذلك بعلمها، إذ لا فرق بين
المسألتين، لثبوت النكاح فيهما بإقرار الزوجة. وقد كان القياس إذا نكلت عن
اليمين في المسألتين جميعا، أن يحلف الزوج، ويجب له النكاح، إلا أن ذلك لا
يوجد لهم نصا. وقد ألزمها النكاح بالنكول في آخر سماع يحيى إذا كان سبب يدل
على علمها به. وقد مضى القول على ذلك هناك. وأما قوله إذا حلف السيد فصحيح،
على ما في المدونة وغيرها إذا كان ادعى على السيد أنه أعتقه وأقام على ذلك
الشاهد. وأما إذا كان ادعى أنه حر من أصله، أو أن غيره أعتقه قبل أن يشتريه
هو وأقام على ذلك شاهدا فلا يمين على الذي هو بيده، والواجب في ذلك أن يوقف
عنه ويحال بينه وبين وطئها إن كانت أمة ويؤجل في طلب شاهد آخر، الشهر
والشهرين والثلاثة، على ما في رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب
الاستحقاق. وإن أراد أن يذهب إلى موضع يمينه، كان له ذلك بعد أن يعطي حميلا
بقيمته. قاله ابن القاسم في سماع ابن القاسم من كتاب الأقضية، وابن وهب في
سماع يحيى من كتاب الشهادات، وفي توقيف غلته وخراجه إن كانت له غلة وخراج
اختلاف. قيل: إنه يوقف ذلك، فإن استحق الحرية كان له ما وقف من خراجه.
وقيل: إنه لا يوقف
(5/83)
ذلك إلا في حال الإعذار بعد ثبوت الحرية
بشاهدين. وقيل: لا يوقف ذلك أصلا. والغلة للذي في يديه حتى يقضى عليه
بحريته، والثلاثة أقوال قائمة من المدونة.
[مسألة: ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة
بعيدة]
مسألة وسئل عن رجل ادعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة، هل يؤمر
بالانتظار؟ قال: لا، إلا أن تكون بينة قريبة، ولا يضر ذلك بالمرأة، ويرى
الإمام لِمَا ادعى وجها.
قلت: فإن عجز وجاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت المرأة أو لم تنكح؟ قال: قد مضى
الحكم.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا يقبل منه بينة إن جاء بها بعد التعجيز، خلاف
ما في سماع أصبغ، من كتاب الصدقات والهبات، وخلاف ظاهر ما في المدونة إذ لم
يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب. وقال: إنه يقبل منه القاضي ما أتى به
بعد التعجيز، إذا كان لذلك وجه. وقد قيل: إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد
التعجيز كان طالبا أو مطلوبا. وفرق ابن الماجشون في الطالب بين أن يعجز في
أول قيامه، قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على
المطلوب عمل ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان. وفي تعجيز الطالب ثلاثة
أقوال، قبل هذا في القاضي الحاكم دون من بعده من الحكام. وقيل: بل فيه
وفيما بعده من الحكام. وهذا الاختلاف إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على
نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والأعذار، وهو يدعي أن له
حجة، فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل
نفوذ الحكم عليه، فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه.
[مسألة: يزوج ابنته فيقيم بعد ذلك حسبته]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يزوج ابنته
(5/84)
فيقيم بعد ذلك، حسبته قال: سنة أو سنتين،
ثم يظهر بها جذام فيزعم الزوج أنه كان بها يوم تزوجها، ويقول: غرتني، ويقول
الأب: بل زوجتك صحيحة، القول قول من قال: القول قول الأب.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم التمرة من
سماع عيسى، فأغنى ذلك عن إعادته وبالله التوفيق.
[مسألة: يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا فيقول
أشهدكم أن هذا عارية في يدها]
مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته فيخرج جهازا وشوارا،
فيقول: أشهدكم أن هذا عارية في يد ابنتي، ولم يروا البنت ولم تحضر، فطلب
الأب المتاع والشورة بعد ذلك، فلم يقدر عليه عند ابنته وقد شهد الشهود أنه
أدخله بيت زوجها، فقال: إن كانت بكرا وقد علمت بالعارية فلا ضمان عليها،
إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها، فهي ضامنة، إلا أن يكون طرقها
من ذلك أمر من الله تكون عليه بينة، وإن لم تكن علمت بذلك فلا شيء عليها
أصلا وإن حسنت حالها، وإن كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة له، وإن لم تعلم
فلا ضمان على واحد منهما، البكر والثيب، فيما لم يعلم ولم يقبله على وجه
العارية. وقاله أصبغ، ولا شيء على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك هو شيء
من ذلك استهلاكا. وهذا فيما يفضل عن صداقها وجهازها مما لم تجهز به من
صداقها ولا عطية أبيها لها، وقال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن الرجل يتزوج
المرأة ويبعث إليها بحلي ومتاع، ويشهد أن ذلك عارية، ولا يعلم ذلك
أولياؤها. قال: هو كذلك على ما أشهد عليه من ذلك، إن أدركه كان له، وإن تلف
ولم يعلم ما أشهد عليه حتى تقبله على وجه العارية فلا ضمان عليها.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه لا ضمان على الابنة فيما جهزها به
(5/85)
الأب من المتاع، وأشهد أنه عارية عندها إذا
لم تعلم بإشهاده، ولم تقبله على وجه العارية، وأنه لا ضمان على الزوجة فيما
بعث به الزوج إليها من المتاع، وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بذلك
أيضا، ولم تقبله على وجه العارية صحيح، إذ ليس لواحد منهما أن يلزم أحدا
ضمان ما لم يلتزم ضمانه، وحسبه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه وإن طال
زمان ذلك عند الابنة، وذلك خلاف ما مضى لسحنون في سماعه. وقد مضى القول على
ذلك هنالك وبالله التوفيق.
[مسألة: زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه
ثم ادعى بعض ما جهزها به]
مسألة قلت: فلو زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ومضى لدخولها حين، ثم
قام الأب فادعى بعض ما جهزها به، وزعم أنه إنما كان عارية منه ليجملها به
وصدقته الابنة، أو أنكرت ما ادعى وزعمت أنه لها ومن جهازها؟ قال: القول قول
الأب إذا قام بحدثان ما ابتنى الزوج بها، وليس للزوج مقال، والأب مصدق، ولا
يلتفت إلى إنكار الابنة بذلك، ولا إلى إقرارها؛ لأن هذا من عمل الناس
معروف، وذلك من شأنهم يستعيرون المتاع يتجملون به، ويكثرون بذلك الجهاز،
إذا كان فيما بقي من المتاع وفاء بالمهر، فإذا كان هذا فليس للزوج فيه
مقال، وسواء كان ذلك المتاع معروفا أصله للأب أو غير معروف هو فيه مصدق،
إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر.
قلت: فإن طال الزمان ثم قام الأب يدعي ذلك، وفيما بقي بعد ما ادعى وفاء
بالمهر، وكان الأصل معروفا أو غير معروف، كانت الابنة مقرة أو منكرة، قال:
إذا لم يعرف أصل المتاع وطالت حيازتها للمتاع الزمان الطويل، فإن للزوج في
هذا مقالا، ولا أرى الأب فيه مصدقا إذا جاء مثل هذا من الطول والبعد، وأراه
له بطول حيازتها.
(5/86)
قلت: فإن كانت مقرة بأن المتاع للأب ولم
تنكر ما ادعى الأب من ذلك، قال: لا يجوز إقرارها إذا بلغ هذا الحد من
الطول؛ لأن إقرارها هنا عطية متبداة، ولا يجوز إقرارها إذا أراد عليها ذلك
زوجها، وإن كان فيما بقي بعد ذلك وفاء بالمهر.
قلت: فإن عرف أصل المتاع للأب؟ قال: عرف أصله أو لم يعرف، فطول حيازتها له
هذا الزمان يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج أو المرأة.
قلت: فإن كان قيام الأب في ذلك بحدثان دخول زوجها بها، وكان أصل المتاع
معروفا للأب، وليس فيما بقي من الجهاز ما فيه وفاء بالمهر؟ قال: فهو للأب
إذا عرف أصله ويتبع الزوج الأب بوفاء الصداق حتى يتم له من الجهاز لابنته
ما فيه وفاء ما أصدقها من المهر.
قال محمد بن رشد: قال: إن الأب مصدق فيما ادعى مما جهز به ابنته أنه كان
عارية منه لها بشرطين: أحدهما أن يكون ذلك بحدثان البناء، والثاني أن يكون
فيما بقي بعدما ادعى وفاء بالمهر، يريد أنه مصدق في ذلك مع يمينه، كذلك قال
ابن حبيب، وزاد فقال: ولا أرى السنة فيه طولا. وهذا في الأب خاصة في ابنته
البكر، وأما في الثيب، أو في وليته البكر، أو الثيب، فلا، وهو فيها
كالأجنبي، وقاله بعض أصحاب مالك. فأما إيجابه اليمين في ذلك على الأب
فصحيح، ولا يقال إن اليمين تسقط عنه من أجل أن الوالد لا يحلف لولده، إذ
ليس ذلك عليه حكم باليمين، وإنما هو حكم لديه، إن شاء أن يأخذ ويحلف حلف
وأخذ، وإن شاء أن يترك ترك، وإنما خص في ذلك الأب في البكر؛ لأنها في
ولايته، ومالها في يده. فعلى قياس هذا، يكون في الثيب إذا كانت في ولايته،
بمنزلته في البكر، ويكون الوصي فيمن إلى نظره في
(5/87)
اليتامى الأبكار والثيب، بمنزلته فيها
أيضا، ويحمل قوله: وأما في الثيب، أنه أراد بها الثيب التي لا ولاية له
عليها. وقوله: فإذا كان هكذا، يريد إذا ادعى ذلك الأب بحدثان البناء، وفيما
بقي وفاء بالمهر، فليس للزوج فيه مقال، كلام صحيح؛ لأنه إذا لم يكن فيما
بقي وفاء بالمهر، فإنما يصدق فيما زاد على قدر الوفاء به، بخلاف إذا عرف
أصل المتاع له؛ لأنه إذا عرف أصل المتاع له، فيأخذه ويتبعه بوفاء المهر، إذ
من حقه أن يجهز زوجته به إليه. وأما قوله إذا ادعى الأب ذلك بعد طول زمان،
إن للزوج في ذلك مقالا وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر، إذا لم يعرف أصل
المتاع للأب، مقرة كانت أو منكرة، وان طول حيازتها يقطع دعوى الأب إذا أنكر
الزوج أو المرأة، ففيه نظر، إذ لا كلام للزوج فيما دون الثلث من مالها، إلا
على وجه الحسبة، لكونها مولى عليها، لا تجوز عطيتها في شيء من مالها لأبيها
ولا لغيره، فقوله: إن طول حيازتها يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج، معناه
إذا أنكر بالحسبة، إذ ليس له معنى ينكر له سوى ذلك. وفي قوله: إذا أنكر
الزوج أو المرأة، دليل على أنهما لو لم ينكرا وسلما جميعا ورضيا لجاز ذلك
للأب، وهو بعيد، إلا أنه دليل الخطاب. وقد اختلف في القول به، فلا ينبغي أن
يعمل ها هنا. وفي الدمياطية لابن القاسم: إن الأب إنما يصدق فيما ادعى من
جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية لها، وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر، إذا
كان على أصل العارية بينة. والمشهور ما تقدم في المسألة التي قبل هذه أنه
مصدق إذا أشهد على العارية، وإن طال الأمر إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر،
وإن لم يكن فيما بقي وفاء به صدق فيما زاد على قدر الوفاء به وبالله
التوفيق.
[مسألة: السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات
أيتوارثان]
مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن السفيه ينكح بغير إذن وليه ثم مات،
أيتوارثان؟ قال: إن مات هو فلا ترثه، وإن ماتت هي فالنظر إلى وليه إن رأى
أن يثبت النكاح ويأخذ له الميراث أخذه، وإن رأى أن يرده رده وتركه. قال
سحنون مثله، قال أصبغ: ثم
(5/88)
سمعته بعد ذلك يقول في السفيه يتزوج ثم
يموت، إنها لا ميراث لها منه إذا لم يكن وليه علم وينتزع منها جميع ما
أعطاها، إلا قدر ما تستحل به، ربع دينار، إذا كان أصابها.
قال محمد بن رشد: قوله: سمعته بعد ذلك يقول، ليس بخلاف لما حكاه عنه أولا،
وإنما فيه زيادة التكلم على حكم الصداق أنه يبطل كما يبطل الميراث، ولا
يكون لها شيء إلا قدر ما تستحل به الفرج، إذا كان قد دخل بها. ووجه هذا
القول: أن النظر في النكاح يرتفع بموت السفيه، ولا يرفع بموت الزوجة. فإذا
مات هو لم يكن لها صداق ولا ميراث، لكون النكاح محمولا على الرد حتى يجاز،
وإذا ماتت هي نظر له الولي فيما يرى له من الحظ في إجازة النكاح أو رده، إذ
قد يكون الميراث أكثر من الصداق، فيكون الحظ له في إجازة النكاح. وقد يكون
الصداق أكثر من الميراث، فيكون الحظ له في رد النكاح. وقد قيل: إن نكاح
السفيه بغير إذن وليه محمول على الجواز حتى يرد، وقيل: إن النظر فيه يرتفع
بموت من مات منهما، وقيل: إن النظر فيه قائم لا يرتفع بموت من مات منهما.
فيتحصل على هذا في المسألة ثمانية أقوال: أحدها هذا وهو قول مطرف وابن
الماجشون، وأبيه، وعبد العزيز بن أبي حازم. والثاني أنهما يتوارثان ويمضي
الصداق على القول بأن النكاح محمول على الإجازة حتى يرد وأن النظر في
النكاح يرتفع بموت من مات منهما. وهذا القول حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم
من رواية أصبغ عنه. والثالث أنهما لا يتوارثان، ويبطل الصداق، إلا أن يكون
قد دخل بها، فيكون لها منه قدر ما يستحل به الفرج، على القول بأن النكاح
محمول على الرد يجاز، وأن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما. وهو قول ابن
القاسم في العشرة، والرابع أن الميراث بينهما ثابت مراعاة الاختلاف ويبطل
الصداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به الفرج،
(5/89)
على القول بأن النكاح محمول على الرد حتى
يجاز، وأن النظر فيه يرتفع بموت من مات منهما، وهو قول ابن القاسم في
العشرة. والخامس أن الميراث بينهما مراعاة للاختلاف وينظر في النكاح، فإن
كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي يوم وقع أجازه، كان لها الصداق، دخل أو
لم يدخل. وإن كان على غير ذلك بطل الصداق إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون
لها قدر ما تستحل به الفرج. وهو قول أصبغ في الخمسة. والسادس أن الميراث
بينهما مراعاة للاختلاف، ويبطل الصداق إن كان الزوج هو الميت، وينظر في
النكاح إن كانت الزوجة هي الميتة، فإن كان نكاح غبطة كان لها الصداق، وإن
لم يكن نكاح غبطة بطل الصداق، إلا أن يكون كان الزوج قد دخل، فيكون لها قدر
ما يستحل به الفرج. وهذا القول يتخرج على القول بأن النكاح على الرد حتى
يجاز، وأن النظر في النكاح يرتفع بموت الزوج، لا بموت الزوجة. والسابع أن
الميراث بينهما مراعاة للاختلاف، ويثبت الصداق إن كان الزوج هو الميت،
وينظر في النكاح إن كانت الزوجة هي الميتة على ما ذكرناه في القول الذي قبل
هذا. وهذا القول يتخرج على القول بأن النكاح على الجواز حتى يرد، وأن النظر
في النكاح يرتفع بموت الزوج، لا بموت الزوجة. والثامن أنه ينظر في النكاح،
فإن كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي أجازه، كان الميراث بينهما، ووجب
لها الصداق. وإن كان على غير ذلك لم يكن بينهما ميراث، ولا كان لها صداق،
إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها قدر ما تستحل به وبالله التوفيق.
[مسألة: يتزوج المرأة بعبد غائب]
مسألة قال: وسمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يتزوج المرأة بعبد غائب قال: لا
بأس به. وإن كانت غيبة بعيدة، وإن كان لا يدخل بها، وهي مثل الاشتراء لا
بأس أن يشتريه إن كانت غيبة
(5/90)
بعيدة. وإن كانت غيبة العبد قريبة في الذي
تزوجت به فلا بأس أن يدخل بها مثل الاشتراء أيضا. وإن أصيب العبد فلها
قيمته، قال: وإن لم تعلم المرأة العبد ولم يوصف لها فلا ينبغي التزويج على
ذلك، كما لا ينبغي اشتراء عبد آبق، ولا بعير شارد، ولا شيء غائب غير موصوف،
فإن وقع النكاح على ذلك فسخ، إن كان لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها كان
لها صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: أجرى ابن القاسم النكاح بالعبد الغائب مجرى البيع في جميع
الأحوال، فقال: إنه لا بأس أن يتزوج به وإن كانت غيبة بعيدة، يريد: ما لم
يتفاحش بعد ذلك، وقد اختلف في حد ذلك، فحكى الفضل عن أصبغ أنه أجازه فيما
بين إفريقية والمدينة، وأراه غلطا؛ لأن الذي حكى عليه ابن مزين، أنه إنما
يجوز في مثل ما بين المدينة ومصر، وفيما بين مصر وإفريقية، وهو قول ابن
حبيب في الواضحة، وزاد قال: وعلى مسيرة العشرين والشهر ونحوه. ولم يجز ابن
القاسم أن يدخل بها في الغيبة البعيدة، كما لا يجوز النقد فيه. وقد أجاز أن
يدخل بها في القريب الغيبة، كما لا يجوز النقد فيه. وحد القرب على ظاهر
قوله إذا قاسه على الشهر اليوم واليومين والثلاثة، ونحو ذلك. وقال أصبغ:
الأربعة والخمسة. وأجاز ابن حبيب للزوج أن يدخل بها في البعيد الغيبة، إلا
أنه استحب أن يعطيها ربع دينار عند ابتنائه بها قبل قبضها الرقيق الغائبة،
ففرق بين الدخول في النكاح، والنقد في البيع. وقوله: فإن أصيب العبد فلها
قيمته، يريد في القريب الغيبة والبعيد، على ما اختاره من قول مالك، في أن
المصيبة في الغائب الذي يشترى على الصفة من البائع حتى يقبضه المتاع، قربت
غيبته أو بعدت. وقوله: إن لها قيمته، على أصله في أن الصداق إذا استحق وكان
عرضا أن لها أن ترجع بقيمته. وعلى ما في رسم الطلاق من سماع أشهب، يكون لها
(5/91)
صداق مثلها، إذ لا فرق بين المسألتين. وقد
مضى القول على ذلك هنالك. وفي العشرة ليحيى أن المصيبة من المرأة بالعقد في
النكاح، بخلاف البيوع. وزاد: ولو ماتوا قبل النكاح لا يفسخ النكاح، فيلزم
على قياس قوله: إذا استحق الصداق وهو عرض قبل الدخول أن يفسخ النكاح، وكذلك
إذا مات العبد الغائب المتزوج به بعد العقد وقبل القبض على القول بأن
المصيبة من الزوج وبالله التوفيق. وأما إذا لم تعرف المرأة العبد ولم يوصف
لها فلا إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد، قبل الدخول ويثبت بعده بصداق
المثل وبالله التوفيق.
[مسألة: اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت
الحيض]
مسألة وقال: في اليتيمة يزوجها وليها وقد أشعرت وقاربت الحيض وجرت عليها
المواسي وشارفت الحيض فأنكحت برضاها فذلك جائز، وقاله أصبغ: حسن.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة، وتحصيل القول عليها في رسم شك في
طوافه من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك أيضا في سماع ابن القاسم
وأشهب وفي سماع عيسى.
[مسألة: تزوج امرأة بكرا فدخل عليها فافتضها
بأصبعه ثم طلقها]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في رجل تزوج امرأة بكرا فدخل عليها
فافتضها بأصبعه، ثم طلقها، أترى أن يكون لها الصداق كاملا لأنه قد فعل ذلك
على وجه النكاح؟ قال: نعم، وليس بمنزلة الأجنبي يفعل ذلك بها، أرى في
الأجنبي أن يكون عليه
(5/92)
بقدر ما شانها. أصبغ: إن قيل هذا على
الاستحسان فعسى، وإنه لضعيف، والقياس أنه وغيره بالأصبع سواء. وهو رأيي لا
أرى غرم ذلك عليه واجبا، ولها نصف الصداق.
قال محمد بن رشد: قد مضى لابن القاسم في سماع سحنون مثل قول أصبغ ها هنا،
ومضى القول على المسألة هناك، فلا معنى لإعادته هنا مرة أخرى، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يصيبه الجذام قبل الدخول فيفرق بينهما
هل لها من الصداق شيء]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يصيبه الجذام قبل الدخول، فيفرق
بينهما هل لها من الصداق شيء؟ قال: ليس لها من الصداق قليل ولا كثير؛ لأنها
فارقته ولم تصبر عليه، بمنزلة النصرانية تسلم قبل الدخول فلا يكون لها من
الصداق شيء، كذلك قال في مسألتك: إنه لا صداق لها ولا شيء. قال أصبغ: وهو
قول مالك في النصرانية أيضا، وهو قولنا جميعا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الزوج غلب على الفراق، ولم يكن منه
طلاق، فوجب ألا يكون عليه شيء من الصداق؛ لأن الله إنما أوجب نصف الصداق
قبل الدخول على المطلق بقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] الآية، وقد مضى هذا المعنى
وما يتعلق به في سماع سحنون، وبالله التوفيق.
[مسألة: يتزوج المرأة ثم يجد بها ضررا ترد منه
وقد مسها]
مسألة قال أصبغ: قال: وسمعت ابن القاسم وسئل في الذي يتزوج
(5/93)
المرأة ثم يجد بها ضررا ترد منه، وقد مسها،
إنه إن كان الولي قريب القرابة، يريد ممن يعلم بدائها، ولا يخفى عليه، ولا
يعذر فيه، ترك لها القليل والكثير، ورجع الزوج على الولي بصداقه، يعني كله،
ولم يرجع الولي عليها به، فإن لم يجد عند الولي شيئا، ووجده معدما، لم يرجع
على المرأة بشيء ولم ينزع منها شيئا؛ لأن الولي هو الذي غره وليس هي التي
غرته من نفسها، ولعلها أن تكون بكرا، فليس عليها هي أن تخرج إلى الخاطب
فتعلمه بدائها، ولا ترسل إليه. وهذا على الولي، فإن لم يجد الزوج للولي
شيئا اتبعه به دينا، ولم يُنزع من المرأة شيء. وقاله أصبغ. والبكر والثيب
سواء، إذا كان من الأولياء الذين يعلمون ذلك، ويحمل عليهم بالعلم.
قال محمد بن رشد: التقريب القرابة من الأولياء، الذي يحمل على العلم بعيب
المرأة، ويجب للزوج الرجوع عليه بالصداق، إذا لم يخبره بالعيب الأب والأخ
والابن. قاله مالك في موطأه، وابن حبيب في الواضحة. وسواء كان العيب جنونا،
أو جذاما أو برصا، أو داء في الفرج خفيا، أو ظاهرا على ظاهر قوله في هذه
الرواية. إذ قال فيها ضررا ترد منه، ولم يخص ضررا من ضرر. وهو قول ابن حبيب
في الواضحة. وقول أصبغ: والبكر والثيب في هذا سواء، صحيح؛ لأن البكر أمرها
كله إلى الأب. والثيب إذا وكلته على أن يزوجها، فقد وكلته على أن يخبر بما
علمه من عيبها، إذ لا يجوز له سوى ذلك، فإذا كتم ذلك كان قد غر ووجب عليه
الرجوع. قال في الرواية: فإن وجده معدما لم يرجع على المرأة بشيء. ووجه ذلك
أنه لم يقع منها تقصير ولا غرور. وقال ابن حبيب: في الواضحة أنه يرجع عليها
إن كانت موسرة، فإن كانا معدمين رجع على أولهما يسرا، ولم يكن لمن رجع عليه
منهما أن يرجع على صاحبه بما رجع عليه. ووجه إيجابه الرجوع على المرأة في
عدم الولي، أن الصداق وإن كان الولي قد غر الزوج، فقد حصل إلى المرأة بغير
حق، فلا يترك عندها منه إلا قدر ما يستحل به الفرج، إذا لم يجد الزّوج على
(5/94)
من يرجع به، فإن كانت قد اشترت به جهازا
أخذ منها ما اشترت، إذ ليست ها هنا بمتعدية، بخلاف إذا كانت هي الغارة،
ووجب الرجوع عليها على ما ذكره ابن حبيب. واختلف إذا كان الأب أو الأخ
غائبا غيبة طويلة، يخفى عليه في مثلها خبرها ومعرفة دائها وعيبها. فقال ابن
حبيب: يحلف أنه ما علم به، ويسقط الغرم عنه ويرجع على الزوجة. وقال أشهب:
بل يرجع عليه وإن خفي عليه، كما يرجع عليه في البرص الذي يكون في المكان
الذي يخفى. وأما سائر الأولياء، فلا يجب الرجوع عليهم بشيء من الصداق؛
لأنهم يُحملون على أنهم لا يعلمون حتى يثبت عليهم أنهم علموا، فإن اتهم
بمعرفة عيبها استحلف على ذلك. قاله ابن حبيب، يريد فإن نكل غرم، وإن حلف
غرمتها المرأة. وفي كتاب ابن المواز لا يمين عليه، إلا أن يدعي عليه الزوج
العلم فيحلف، فإن نكل غرم بعد يمين الزوج، فإن نكل الزوج أيضا عن اليمين أو
حلف الولي سقط عنه الغرم في الوجهين، وبطل رجوعه على المرأة. قال فضل: وهو
جيد على أصولهم فافهمه، يريد لأنه قد أبرأ المرأة إذا ادعى أن الولي قد
علم؛ لأنه إذا علم بالعيب ولم يخبر به فهو الغادر. دون المرأة؛ لأنه العاقد
للنكاح، والمرأة تقول: إنما وكلته على أن يزوجني ويخبر بعيبي، فإذا لم يفعل
فهو الغار دوني. ولو زوجها بحضرتها ولم يخبر واحد منهما بالعيب، لكانا
جميعا غارين، يرجع الزوج على من وجد منهما مليا، فإن رجع على الولي رجع
الولي على المرأة، وإن رجع على المرأة، لم ترجع المرأة على الولي. وقد ذهب
بعض المتأخرين إلى أن جميع الأولياء محمولون على العلم بالجنون والجذام؛
لأن الخبر بذلك يشيع، فلا يخفى ذلك على الجيران، فضلا على الأولياء. وهو
ظاهر قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أيما رجل تزوج امرأة
وبها جنون أو جذام فمسها فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها.
قال هذا المتأخر: وكذلك البرص إذا كان في الوجه أو الذراع أو اللسان، وأما
إن كان في سائر الجسم الذي تستره الثياب، فيحمل على العلم به الأب والأخ
والابن، دون سائر الأولياء. قال: وأما عيب الفرج، فإن كان ظاهرا لا يخفى
على الأم حين التربية حمل الأب وحده على العلم به، دون
(5/95)
الأخ ومن سواه؛ لأن ذلك مما يستر عنه
وعنهم، وإن كان مما قد يخفى عليها، لم يحمل الأب على العلم به. فقسم هذا
القائل على أربعة أقسام: منها ما يحمل على العلم به جميع الأولياء، وهو
الجنون والجذام والبرص فيما يظهر من البدن. ومنها ما لا يحمل على العلم به
إلا الأب، وهو داء الفرج الذي لا يخفى على الأم. ومنها ما لا يحمل على
العلم به إلا الأب والأخ والابن، وهو البرص فيما لا يظهر من البدن. وقد حكى
الفضل في داء الفرج الخفي عن عيسى بن دينار، أن الرجوع في ذلك لا يكون إلا
على المرأة، ونسبه إلى العتبية، ولم يقع ذلك له فيها عندنا مثل قول القائل
فيه. وأصل مالك في هذه المسألة قول عمر بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة
وبها جنون أو جذام - قال في بعض الروايات: أو قرن - فمسها فلها صداقها
كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. وذهب الشافعي إلى أنه إنما يجب للزوج أن
يردها بذلك ما لم يدخل ويمس، فإذا دخل ومس وجب عليه الصداق، ولم يكن له رد،
وكانت امرأته، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك. وروى ذلك عن علي بن أبي طالب -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو أظهر في القياس. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا
رد للزوج في ذلك قبل الدخول ولا بعده، قاله في هذه العيوب الكبار، قياسا
على ما اتفق عليه في العيوب الصغار وبالله التوفيق.
[مسألة: رجل زوج ابنا له كبيرا غائبا وزعم أنه
أمره بذلك، فقدم الابن فأنكر]
مسألة وسئل ابن القاسم عن رجل زوج ابنا له كبيرا غائبا، وزعم أنه أمره
بذلك، فقدم الابن فأنكر، قال: يحلف ولا يكون على الأب صداق. قيل: أرأيت إن
مات قبل أن يقدم ويعلم رضاه؟ قال: للمرأة الميراث مع الأب إن لم يكن له
وارث غيره، وما يصيبها في نصيبه إن كان معها وارث غيره؛ لأنه يقر بأن لها
معه في الميراث نصيبا حتى يشهد بأنها امرأته. قال أصبغ: بمنزلة وارث أقر
بوارث
(5/96)
آخر، فهذا يرث في نصيبه، فأما النكاح فلا.
قال محمد بن رشد: أوجب ابن القاسم في هذه المسألة على أنه ما أمره أن
يزوجه. ومثله في أصل الأسدية، وقال في المدونة: إن النكاح لا يثبت إذا أنكر
ولم يذكر يمينا. وقال فضل: رواية أصبغ في إيجاب اليمين على الابن بعيدة
جدا؛ لأنه لم يقر بأمر في شيء، فأما تضعيفه لإيجاب اليمين عليه فصواب؛
لأنها يمين لا يوجب النكول عنها حكما، وإنما أمره باليمين، رجاء أن يقر
فيلزمه النكاح، وأما تعليله بذلك، بأنه لم يقر بأمر في شيء، فليس بعلة
صحيحة، إذ لا فرق في إيجاب اليمين عليه بين أن ينكر أن يكون أمره بشيء،
وبين أن ينكر أن يكون أمره بتزويج هذه، ويقر أنه أمره بتزويج غيرها. وقد
مضى الاختلاف في هذا المعنى في رسم البز من سماع ابن القاسم، وفي رسم أول
عبد ابتاعه من سماع يحيى. وأما قوله إنه يحلف ولا يكون على الأب صداق، فهو
مثل ما في المدونة لابن القاسم؛ لأنه قال فيها: إنه لا يلزمه شيء من
الصداق، وإن كان قد ضمنه عنه. وقد قيل: إنه يلزمه نصف الصداق، وإن لم يضمنه
عنه. وهو قول ربيعة، وقيل: إنه لا يلزمه إلا أن يكون ضمنه عنه. وإلى هذا
ذهب ابن المواز، وحكاه عن أصحاب مالك، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة
يضمن الرسول ما ضمن. والاختلاف في وجوب نصف الصداق على الأب جار على
اختلافهم في الفسخ. هل يكون بطلاق أو بغير طلاق. فروى محمد بن أبي السبئي
عن مالك أنه كان فسخا بغير طلاق، وروى عيسى عن ابن القاسم في المدنية أنه
يكون فسخا بطلاق. وقد مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم الاختلاف في
وقوع الحرمة به. فهو على هذا الأصل. وأما قوله في الميراث فصحيح لا اختلاف
فيه ولا كلام، وبالله التوفيق.
[مسألة: تزوج ابنته وهو غائب يزوجها رجل تم
يقدم الأب فيقول أنا أمرته بذلك]
مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عن الذي تُزَوَّج ابنته وهو
(5/97)
غائب، يزوجها رجل، تم يقدم الأب فيقول: أنا
أمرته بذلك، وفوضته إليه، أيصدق ويجوز ذلك؟ قال: لا يجوز ذلك ولا يصدق، إلا
أن تكون من النساء اللاتي يجوز أن يزوجهن غير الآباء من الأولياء، فيجوز
إذا قال ذلك. قال أصبغ: يعني الثيب ها هنا، والبكر في الجواب الأول.
قال محمد بن رشد: الفرق بين الثيب والبكر، أن الرجل إذا زوجت ابنته البكر
بغير إذنه، فهو عقد فاسد، لا يجوز للأب أن يجيزه، فإذا قال: أنا أمرته اتهم
أن يكون أراد إجازة العقد الفاسد، وإذا ولت الثيب على نفسها رجلا أجنبيا
فزوجها، كان للولي إجازة النكاح وفسخه، إلا أن يطول بعد الدخول فلا يفسخ.
فإذا قال الأب أنا أمرته كان أحرى أن يجوز. وعلى قول غير ابن القاسم في
المدونة، وإن أجازه الولي لم يجز؛ لأنه عقد غير ولي ليصدق الأب في الثيب
أيضا؛ لأنه يتهم على إمضاء العقد الفاسد. وبالله التوفيق.
[مسألة: دخل بها في نكاح فاسد ففرق بينهما
فتزوجها رجل في الحيض]
مسألة قال: وسئل أشهب عن النكاح الفاسد الذي يفسخ إذا دخل بها، ففرق
بينهما، فتزوجها رجل في تلك الحيض الثلاث دون الاستبراء، ففرق بينهما، أله
النكاح بعد ذلك؟ قال: لا تحل له أبدا. وقاله أصبغ وهي عدة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن حكم التزويج في العدة من النكاح الفاسد
والصحيح سواء، بإجماع العلماء، لا يفرق أحد منهم في ذلك بينهما، وإنما
اختلفوا فيهما جميعا اختلافا واحدا على ما مضى في رسم الطلاق الثاني من
سماع أشهب وبالله التوفيق.
[مسألة: يقيم البينة على امرأة أنه تزوجها وهي
تجحد ذلك]
مسألة قال: وسألت أشهب عن الذي يقيم البينة على امرأة أنه
(5/98)
تزوجها وهي تجحد ذلك، وتقيم أخت تلك المرأة
على ذلك الرجل بعينيه البينة أنه تزوجها، وهو ينكر ذلك، ولم توقت البينة
وقتا، وهم متكافئون في العدالة أو غير متكافئين. قال: أرى أن يفسخ النكاحان
أيضا، وسواء كانوا متكافئين أو غير متكافئين في هذا.
قلت له: فإن شهدت بينة كل واحد منهما على الدخول، قال: ذلك سواء، يفسخ دخل
أو لم يدخل، فإن دخل بهما أزواجهما فالصداق لهما. قال: وسألت ابن وهب، فقال
لي مثله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا إن فسخ النكاحين جميعا واجب إذا كانت
البينتان عدلتين، وإن كانت إحداهما أعدل من الأخرى؛ لأن النكاح الثاني فاسد
على كل حال، إذ لا يجوز نكاح الأخت على الأخت لنهي الله عز وجل عن الجمع
بينهما. فلما لم يعلم أيهما هو، وجب أن يفسخا جميعا. والفسخ منه بطلاق، ولا
عدة على واحدة منهما ولا صداق لها إن كان لم يدخل بها. وإن ماتت التي أقام
البينة أنه تزوجها قبل أن يفسخ النكاح بينه وبينها، كان له نصف ميراثها؛
لأن المنازعة في ميراثها بينه وبين الورثة. يقول هو: هي زوجتي، فلها
ميراثها. ويقول الورثة: بل الأخرى هي زوجتك؛ لأنك تزوجتها أولا ونكاح هذه
فاسد، فلا ميراث لك منها، فيقسم بينهما بنصفين للتداعي. وإن قالت الورثة:
لا ندري لعل الأخرى هي التي تزوجت أولا، فلا ميراث لك من هذه، حلف وأخذ
جميع ميراثها، وقيل: إنه لا ميراث له منها إلا بيقين، وإن مات هو قبل الفسخ
كان الميراث والصداق للتي ادعت أنه تزوجها وأقامت البينة على ذلك؛ لأنه قد
علم أن الميراث لأحدهما، والأخرى تنكره، فلا شيء لها من الميراث ولا من
الصداق إذا لم يدخل بها.
(5/99)
وعلى كل واحد منهما من العدة أربعة أشهر
وعشرا إن كان لم يدخل بها، وأقصى الأجلين إن كان قد دخل بها.
[مسألة: قال له زوج فلانا ابنتك بخمسين دينارا
وهي علي لك ففعل ثم مات]
مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب وسئل عمن قال لرجل: زوج فلانا ابنتك بخمسين
دينارا، وهي علي لك، ففعل، ثم مات المعطي قبل أن يقبض ذلك منه، وقبل أن
يدخل الزوج بالمرأة. قال: يؤخذ من ماله، فقيل له: أفيرجع بها ورثته على
الزوج؟ قال: إن كان ضمانا رجعوا عليه بها، وإن كان صلة لم يرجعوا عليه
بشيء.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان ضمانا رجعوا عليه، يفيد أن لفظ الضمان في
عقد النكاح حمالة لا حمل، خلاف قوله في سماع سحنون. وقد مضى القول على ذلك
هناك. وفي رسم الكبش من سماع يحيى، ولم يبين على ما يحمل قوله وهي: لك علي،
إن كان على الصلة التي هي بمعنى العطية، والحمل على الضمان الذي هو بمعنى
الحمالة، والأظهر أن يكون محمولا على الصلة حتى يتبين أنه أراد بذلك
الحمالة.
[مسألة: تزوج امرأة وشرطوا عليه ألا يدخل بها
خمس سنين]
مسألة وسئل عن رجل تزوج امرأة وشرطوا عليه ألا يدخل بها خمس سنين، قال:
بئسما صنعوا والشرط باطل، والنكاح جائز ثابت، وإن أراد الدخول قبل ذلك فذلك
له. قال أصبغ: مالك يقول: إن كان لصغر أو لطعون فلهم شرطهم. وقول مالك إنما
يشبهه اشتراط تأخيرها، وما هو عندي أنا بالقوي، إذا احتملت الدخول بالرجال
والوطء.
(5/100)
قال محمد بن رشد: قوله في اشتراط تأخير
البناء خمسة أعوام، إن الشرط باطل والنكاح ثابت جائز صحيح، على مذهب مالك
في أن الشروط التي لا تفسد النكاح لا تلزم إذا لم تكن مقيدة بتمليك أو
طلاق، حسبما مضى في رسم الطلاق الثلاث من سماع أشهب. وما حكى أصبغ عن مالك
أنه يلزم الشرط إن كان لصغر أو طعون، معناه في السنة ونحوها، كذلك وقع له
في المدونة. ويريد بالصغر، الذي قد يمكن معه الوطء، وأما إن كانت في سن من
لا يوطأ مثلها، فمن حق أهلها أن يمنعوه من البناء بها حتى تدرك وتطيق
الرجال، وإن لم يشترطوا ذلك، كذلك في المدونة. ولما كان البناء قد يحكم
بتأخيره إذا دعت إليه الزوجة، وإن لم يكن في ذلك شرط، حسب ما مضى في رسم
الطلاق الأول من سماع أشهب، ألزم مالك الشرط فيما قرب من المدة وهي السنة؛
لأنها حد في أنواع كثيرة من العلم، من ذلك العنّين يؤجل سنة، والجراح يتربص
سنة، والعهدة في الجنون والجذام والبرص سنة، وأشباه هذا كثير. وبالله
التوفيق. وقول أصبغ: وما ذلك بالقوي إذا احتملت الدخول بالرجال والوطء،
يريد أنه ليس على حقيقة القياس، وإنما هو استحسان وبالله التوفيق.
[مسألة: نكح فلما فرغ من العقدة استكتم الشهود]
مسألة قال أصبغ: سألت أشهب عمن نكح، فلما فرغ من العقدة استكتم الشهود.
قال: إن لم تكن تلك نيته، وعليه نكح. يعني بالضمير فلا بأس به.
قلت: فإن كان على ذلك نكح وهو نيته. أيفارق؟ قال: نعم يفارق. قال أصبغ:
محمول قوله ضميره هو، ولست أرى ذلك يُفسد النكاح إن لم يكن إلا ضميره في
نفسه؛ لأنه ينكح وضميره الفراق، فلا يكون بذلك بأس. ولكن إن كان بذلك
الضمير،
(5/101)
تحقيق مواطأة بينه وبين المرأة والأولياء،
وعلى وجه مأخذ النكاح بالاستتار منهم، فهو الفاسد. وهو من وجه نكاح المتعة،
وهو الذي يفارق كما قال ولا يقيم عليه.
قال محمد بن رشد: ذهب أبو إسحاق التونسي إلى تصحيح قول أصبغ، وتصويب
اعتراضه على أشهب. فقال: أما ضميره هو وحده فلا يضر ذلك النكاح؛ لأن الفساد
إذا كان من جهة واحدة لا يضر النكاح. وقول أشهب يفارق، فيه ضعف، إلا أن
يكون عنده أن فساد العقد إذا كان من جهة أحد المتعاقدين، يفسد فيلزم عليه
لو تزوجها بحر أو بعبد اغتصبه، ولم تعلم أن النكاح فاسد. وإن كان سحنون قد
قاله في الذي تزوج بالحر ولم يقبله في الذي تزوج بالعبد المغصوب، وليس عندي
بصحيح؛ لأن أشهب لم يقل: إن النكاح يفسد بضميره هو، ولا أن النكاح يفسخ
بذلك كما تأوله عليه أصبغ، وإنما رأى له أن يفارق امرأته استحسانا من غير
إيجاب يُحكم عليه به، لكون الفساد من جهته خاصة بإقراره على نفسه أنه نوى
قبل العقد الكتمان للذي ظهر منه بعد العقد. وقوله صحيح؛ لأن الفساد لما لم
يوجد إلا من جهته لم يصح أن يحكم بالفراق؛ لأن ذلك حكم على الزوجة بفساد لم
يثبت، ولا أقرت به. ووجب لما كان الزوج مالكا للطلاق أن يؤمر بالفراق،
لإقراره على نفسه بالفساد؛ لأنه نوى نية فاسدة، صدّقها بفعله، فوجب أن يكون
لها تأثير في حقه الذي يملكه من الطلاق. ولو كانت الزوجة والأولياء هم
الذين نووا الكتمان قبل العقد، واستكتموا الشهود بعده دون الزوج، لم يكن
لذلك تأثير، إذ ليست المرأة مالكة للطلاق. وما حكى أبو إسحاق التونسي عن
سحنون، من تزوج بحر لم تعلم به المرأة، فنكاحه فاسد، وهو خلاف ما مضى من
قوله في رسم العشور، من سماع عيسى، مثل قول ابن الماجشون. وقد مضى القول
على ذلك هنالك وبالله التوفيق.
(5/102)
[مسألة: تزوج
جارية على أنها بكر فدخل عليها فزعم أنه وجدها ثيبا ولا عذرة لها]
مسألة قال أصبغ: وسمعت أشهب وسئل عمن تزوج جارية على أنها بكر، فدخل عليها
فزعم أنه وجدها ثيبا ولا عذرة لها، قال: تلزمه، ولا شيء له، قيل: فأتى إلى
أبيها فقال: زوجتني على أنها بكر، فلم أجدها ذلك، فردوا عليّ مالي. فقال
أبوها: صدقت، كانت تكنس في البيت فدخل ذلك منها شيء، فذهب منها وهي لا
تعلم، فأمسك يا هذا مالك ولا تتكلم. قال: يرجع الأب على الزوج. فيأخذه، ولا
شيء للزوج في ذلك. قال أصبغ: لا أرى ذلك، ولا يعجبني ما قال من وجهين: من
وجه أنه إن كان شرطا مشروطا عليه نكح باشتراط في النكاح، فله الرد، وهو
كاشتراط البياض وصحة العينين وألا عيوب، وكاشتراط المال يكون لها، إن لها
كذا وكذا اشتراطا عليه يتزوج، فيجده على غير ذلك، وإن لم يكن اشتراطا في
العذرة، فقد دفعه الأب طائعا، فليس له بالجهالة رجوع، ولا يصدق، ويحمل على
إرادة الستر منه؛ لأنه قد صارت كالفرقة؛ لأن ذلك يكون له فرقة، وترجع به
المرأة على الأب إن كان انتزعه منها فأعطاه إياه.
قال محمد بن رشد: الشرط في النكاح، هو أن يتزوج الرجل المرأة على أنها على
صفة كذا، أو على أن لها من المال كذا، أو على أن لا يفعل كذا وكذا، أو على
أن لا يمنعها كذا وكذا، وما أشبهه. قال: فالذي تزوج المرأة على أنها بكر،
فقد شرط ذلك، ولا اختلاف بينهم فيمن تزوج امرأة بشرط أنها على صفة فلم
يجدها على تلك الصفة، أن له الرد. وإنما قال أشهب: إنها تلزمه ولا شيء له؛
لأن البكر في اللسان هي التي لم يكن لها زوج، عذراء
(5/103)
كانت أو غير عذراء، فلم يعذره بالجهل،
ورآها لازمة له حتى يتزوج على أنها بكر عذراء. قال ابن لبابة: أو يقع في
الشرط بيان، بأن يقول على أنها بكر، فإن لم تكن بكرا رددتها، وذلك نحو ما
في نوازل سحنون من كتاب العيوب، في الذي يشتري العبد فيقول للتاجر: هل فيه
من عيب؟ فيقول: هو قائم العينين، فيسأل عن قائم العينين، فيقال: هو الذي لا
يبصر، إن البيع لازم، وليس له أن يرده. ولو وصفها الولي عند الخطبة بأنها
عذراء، ولم يشترط ذلك عليه لجرى ذلك على الاختلاف في الذي يصف وليته
بالجمال والمال، فتوجد على خلاف ذلك. وقد مضى القول في ذلك في رسم يوصي من
سماع عيسى. فإذا لم يكن الشرط عاملا في العذرة، ورد الأب الصداق إلى الزوج
على ما طلب، فلا يخلو ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون رده إليه على شرط
الفراق كالفدية، والثاني أن يكون رده إليه على أن تكون زوجته بحالها باقية
في عصمته. والثالث أن يكون رده إليه على غير بيان. فأما إذا رده إليه على
شرط الفراق، فهو له، لا يرجع به عليه؛ لأنه أخذه على عوض، وهو الفراق وترجع
الزوجة على أبيها به؛ لأنه أتلفه عليها بغير حق. وأما إذا رده إليه على أن
تكون زوجته بحالها باقية في عصمته، فللأب أن يرجع به عليه، يأخذه لابنته،
عذر بالجهل في الخطأ على مال ابنته أو لم يعذر على ما ذهب ابن القاسم الذي
لا يجيز هبة الأب مال ابنه الصغير. وأما على مذهب مطرف وابن الماجشون، الذي
يرى عطية الأب مال ابنه الصغير سائغة للمعطي، وعلى الأب عوض ذلك من ماله،
اشترط له العوض أو لم يشترطه. فإن عذر بالجهل كان له الرجوع على الزوج بما
دفع إليه، وإن لم يعذر بالجهل كان له ما رد إليه، ولزمه غرم ذلك لابنته.
وقد اختلف في ذلك، والاختلاف فيه إنما يعود إلى هل يصدق فيما ادعاه من
الجهل أم لا؟ وأما إذا رده إليه على غير بيان، فحمله أشهب على غير الفدية،
وأوجب للأب الرجوع بما رده إليه، وحمله أصبغ على الفدية وجعل للزوج ما رد
إليه الأب من الصداق، بما ألزمه نفسه من الفراق، وأوجب على الأب غرم ذلك
لابنته. وهذا كله إذا لم يحمل تزويجه إياها على أنها بكر شرطا في العذرة،
وأما إذا حمل على أنه شرط في
(5/104)
العذرة، فالذي فعله الأب من رد الصداق إليه
على الفدية سائغ للزوج وماض على الابنة؛ لأنه هو الواجب في ذلك، وليس في
قول أصبغ بيان على ما يحمل الشرط من ذلك، إن كان على ما يقتضيه اللسان، على
ما ذهب إليه أشهب، أو على ما يعرفه عامة الناس من أن البكر هي ذات العذرة.
وقوله: لأنه قد صارت كالفرقة صحيح عند محمد. وفي بعض الكتب كالفدية، وهو
أصح في المعنى. ولا حد على الذي ادعى أنه وجد زوجته البكر ثيبا؛ لأن العذرة
قد تذهب بغير الجماع، فإن أعاد ذلك عليها في العتاب، أو بعد فراقها بسنين،
حلف ما أراد بذلك قذفها، وسقط عنه الحد. وقع ذلك في المدونة لمالك وابن
القاسم. وهذا كله ما لم يتبين أنه أراد به الفاحشة والله أعلم.
[مسألة: تزوج امرأة وله امرأتين فشرط لها أن
امرأته طالق وقال أردت فلانة]
مسألة قال أصبغ: سألت عن رجل تزوج امرأة وله امرأتين سواها قد عرفت إحداهما
فشرط لها أن امرأته طالق، ثم قال: أردت بإحداهما فلانة، لغير التي تعرف.
قال: ذلك له، ويحلف، أنه إنما أراد الأخرى، يعني التي لم تعرفها، ويكون
القول قوله. وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا بين على القول بأن اليمين على نية الحالف، ويلزم على
القول إن اليمين على نية المحلوف له أن يُطلَّقا عليه جميعا: إحداهما بما
نوى والأخرى بما نوت الزوجة المحلوف لها. والله أعلم.
[مسألة: يشترط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها
عليها فأمرها بيدها]
مسألة وسئل عن الذي يشترط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها،
فأذنت له أن ينكح فنكح، ثم أرادت أن تطلق عليه، قال: ذلك لها، وكذلك لو شرط
لها أن كل جارية يتسررها عليها
(5/105)
فأمرها بيدها، إن شاءت أعتقت وإن شاءت
أمسكت، فأذنت له أن يشتري جارية ويتسررها ففعل، فأرادت أن تعتق عليه، قال:
ذلك لها، قيل له: فإن اشترط لها إن تزوج أو تسرر عليها فأمر الجارية وعتقها
بيدها، فقالت: اشهدوا أنه إذا تزوج أو تسرر فقد طلقت عليه وأعتقت، ثم تزوج
أو تسرر، قال: ذلك الطلاق والعتق باطل، إلا ما يطلق أو يعتق من ذي قبل، حين
تزوج أو تسرر، وقاس قوله في هذا الأصل كله بنظيره، ونحن نخالفه.
قال محمد بن رشد: إنما رأى لها أن تطلق عليه وتعتق، ما تزوج أو تسرر، بعد
أن أذنت له في التزويج والتسرر، من أجل أنه لم يستثن في الشرط إذنها، ولو
استثناه فقال فيه: إلا بإذنها، فأذنت له، لم يكن لها أن ترجع، ولزمها الإذن
على مذهبه، إذ لا اختلاف في ذلك، وإنما الاختلاف إذا لم يكن في الشرط إلا
بإذنها، فرأى أشهب أن لها أن ترجع فتأخذ بشرطها وإن أذنت، بخلاف ذلك إذا
كان في الشرط إلا بإذنها، ولم ير ذلك لها مالك، بمنزلة إذا كان في الشرط
إلا بإذنها، فساوى مالك بين الوجهين جميعا، وفرق بينهما. وقد مضى القول على
هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم. وأما إذا قالت: اشهدوا
أنه إذا تزوج أو تسرر فقد طلقت وأعتقت، فينفذ عليه الطلاق والعتق عند مالك،
خلاف قول أشهب. والاختلاف في هذا كله جار على أصل مختلف فيه، وهو الاختلاف
في لزوم إسقاط الحق قبل وجوبه. وبالله التوفيق.
[مسألة: السفيه أيزوج أخته]
مسألة قال: وسمعت أشهب وسئل عن السفيه أيزوج أخته؟ قال: نعم، حسبته قال: إن
كان ذا رأي فيما أعلم، ولا مولى عليه. وإن كان سفيها، وإلا فلا.
(5/106)
قال محمد بن رشد: القائل حسبته قال، إلى
آخر قوله، هو أصبغ، وفي قوله التباس؛ لأنه عبر عن الظن بالعلم، وقدم وأخر،
فتقدير قوله حسبت: أشهب، زاد فيما أظن على قوله: نعم، وهذا إن كان ذا رأي،
ولم يكن مولى عليه فزوجها وإن كان سفيها، وإلا فلا، فعلى هذا لم ير للسفيه
إن كان في ولاية أن يزوج، وإن كان ذا رأي، ورأى للسفيه إذا لم يكن في ولاية
أن يزوج أخته إذا كان ذا رأي، وكذلك ابنته البكر قبل البلوغ وبعده، وقد
قيل: إن للسفيه المولى عليه أن يزوج أخته وابنته البكر قبل البلوغ وبعده،
إذا كان ذا رأي. وهذا على القول بأن وصيه ليس بوصي على ولده، وقد مضى
الاختلاف في ذلك في رسم المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النذور. فإن زوج
السفيه المولى عليه، ولا رأي له، ابنته البكر، أو أخته، أو مولاته، أو
أمته، فسخ النكاح، وقيل: ينظر فيه. وإن زوج السفيه المولى عليه وله رأي على
مذهب من لا يرى له أن يزوج أخته، مضى النكاح، وإن زوج ابنته البكر، أو أمته
نظر فيه، فإن كان صوابا أمضي، وإن زوج السفيه الذي ليس بمولى عليه ولا له
رأي ابنته البكر، نظر فيه، وإن زوج أخته مضى، إلا أن يكون غير صواب، وإن
زوج أمته، جرى ذلك على الاختلاف في جواز فعله في ماله، فلا اختلاف في أن
المولى عليه إذا لم يكن له رأي لا يجوز له أن يزوج ابنته ولا أخته ولا
أمته، ولا اختلاف في أن السفيه يجوز له أن يزوج ابنته البكر قبل بلوغها
وبعده، وأخته ومولاته، إذا لم يكن في ولاية، وكان ذا رأي. ولوصي اليتيم
المولى عليه أن يزوج إماءه باتفاق، واختلف هل له تزويج بناته الأبكار بعد
بلوغهن، فيزوجهن على القول بأنهن في ولايته، ولا يزوجهن على القول بأنهن
ليس في ولايته. وأما أخواته وعمامته ومولياته فلا يزوجهن، فإن فعل مضى ولم
يفسخ. قاله ابن الهندي. واحتج له بمسألة كتاب الوصايا الأول من المدونة وهو
بعيد، وإنما الاختلاف في الوصي المطلق، وذلك إذا قال الرجل: فلان وصي، هل
له أن يزوج من لا ولاية له عليهن من قرابة الموصي ومولياته؟
(5/107)
على ثلاثة أقوال: أحدها إن له أن يزوجهن،
وهو أولى بذلك من الأولياء، وهو مذهب ابن القاسم، وإليه ذهب ابن حبيب.
والثاني إن له أن يزوجهن، إلا أن الأولياء أحق بذلك منه، وهو قول أصبغ.
والثالث إنه ليس له أن يزوجهن، وهو قول سحنون. وأما الصغير، فليس من
الأولياء؛ لأن شروط صحة الولاية في النكاح خمسة، وهي: الذكورة، والبلوغ،
والعقل، والحرية، والإسلام. وليست العدالة ولا الرشد في المال بشرط في
صحتها. فإن زوج الفاسق أو السفيه، وهما ذوا رأي، مضى النكاح، وإن كان
الاختيار أن يكون عدلا رشيدا. واختلف في عدم الولاية على الولي، هل هي شرط
في صحة ولايته أم لا على ما مضى من الاختلاف والتقسيم في ذلك وبالله
التوفيق.
[مسألة: اشترط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها
بيدها]
مسألة قال أصبغ: وسمعت أشهب، وسئل عن الذي اشترط لامرأته إن تزوج عليها
فأمرها بيدها، فسافر سفرا فتزوج ووطئ، وهي لا تعلم، ثم قدم فعلمت قال:
فأمرها بيدها. قال: وإن ماتت المرأة التي تزوج عليها أو فارقها دون أن
تعلم، ثم علمت، فلها الخيار أيضا. قال أصبغ: وهذا في التي أمرها بيدها في
الشرط.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن القضاء قد وجب عليها في نفسها بتزويجه
عليها، فلا يسقط ما وجب لها من ذلك موت المتزوجة ولا طلاقها، وإنما اختلف
إذا شرط لها أن يكون أمر الداخلة عليها بيدها فتزوج عليها ثم طلقها، هل
يسقط ما كان بيدها من طلاق الداخلة عليها أم لا؟ فقال ابن القاسم في آخر
هذا السماع: إن ذلك بيدها بعد الطلاق. وهو قوله أيضا في كتاب ابن سحنون.
وقال ابن الماجشون في ثمانية أبي زيد: وليس لها ذلك بعد الطلاق. وقال
سحنون: إن كان الطلاق بائنا فلا حكم لها في ذلك، وإن كان غير بائن فلها
ذلك. وقول سحنون مفسر لقول ابن الماجشون، فالاختلاف إنما هو في الطلاق
البائن والله أعلم.
(5/108)
[مسألة: أقر في
مرضه بأنه قد قبض صداق ابنته ومات]
مسألة وسئل أشهب عمن أقر في مرضه، بأنه قد قبض صداق ابنته ومات، قال: إن
كان له مال أخذ من ماله، وإن لم يكن للزوج إليها سبيل إلا بالصداق يدفعه
ويتبع به الميت المقر، قال أصبغ: هذه عندي مثل المسألة التي أوصى أن يزوج
ابنته ابن أخيه. ويمهر عنه من ماله، وقد قال فيها أيضا إنها وصية لابنته،
فإحداهما ترد الأخرى من قوله، وهذه غفلة، هي ها هنا أولى بأن تلحق بالأخرى،
ولا أرى أن يجوز إقراره إذا كان في مرض يحجب عنه القضاء في ماله، فهي تهمة
كتهمة وصية، وتصير كأنها وصية لها وتوليجا، وإن كان ابن وهب قال لي مثل قول
أشهب في إجازته لم يزل ذلك قول ابن وهب.
قال محمد بن رشد: قول أشهب في الذي أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته ومات،
إنه يؤخذ من ماله إن كان له مال، معناه: إن كان الزوج موسرا له مال؛ لأنه
إذا كان موسرا فلا تهمة على الأب في إقراره؛ لأنه حق للزوج، أقر له به، لا
منفعة للابنة فيه؛ لأنها إن لم تأخذ صداقها من مال أبيها أخذته من زوجها،
لتقرره لها عليه، وثبوته في ذمته قبل الإقرار، وأما إن كان معدما لا مال
له، فهي وصية لابنته، لا يؤخذ لها ذلك من ماله؛ لأنه يتَّهم أن يكون إنما
أراد أن يولج إليها من ماله الصداق الذي قد نوى بكونه على معدم، فلا تشبه
هذه المسألة مسألة الذي أوصى أن تزوج ابنته ابن أخيه، ويمهر عنه من ماله؛
لأن الصداق لم يكن واجبا على الزوج قبل الوصية، وإنما وجب للابنة في مال
الأب بقبول الزوج النكاح على ذلك، فلذلك قيل فيه إنها وصية للابنة، ولو
زوَّج رجل ابنته من رجل بصداق سماه، ثم أوصى في مرضه أن يؤدى من ماله
الصداق على الزوج لابنته، والزوج موسر لجاز، وكانت وصية للزوج باتفاق،
فتفرقة أشهب بين المسألتين صحيحة، وما نسب إليه أصبغ من الغفلة في ذلك
لائقة به في المساواة بينهما على ما ذكرناه. والله أعلم. وقول
(5/109)
أشهب: وإن لم يكن له مال لم يكن للزوج
إليها سبيل إلا بالصداق يدفعه ويتبع به الميت المقر هو على أصله في المسألة
التي بعدها خلاف مذهب ابن القاسم، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله
وبالله التوفيق.
[مسألة: قبض الآباء صدقات البنات]
مسألة قال أصبغ: قال لي أشهب في قبض الآباء صدُقات البنات: إن ما قبضوا
ببينة أو بغير بينة، فليس ذلك بسواء، يريد أن ما قبضوا ببينة فزعموا أنه
ضاع، أن ضياعه من الابنة، وليس على الزوج من الضياع شيء ولا على الأب،
ويدخل الزوج بامرأته. وإن كان بغير بينة ولم يكن للزوج إليها سبيل إلا بدفع
الصداق. وقال ابن وهب مثله سواء حرفا بحرف، سألتهما عنهما فاجتمعا لي على
هذا القول، وزاد ابن وهب في التفسير والكلام، ولا شيء على الأب في الضياع.
وإن كان الدفع بغير بينة، فالقول قوله، غير أنه لا سبيل للزوج إلى المرأة
إلا بدفع الصداق، ولا يصدق الأب على أنه قبضه كانت مسألته في الإنكار، وهو
كله رأي أصبغ.
قال محمد بن رشد: قول أشهب وابن وهب هذا إن الزوج لا يبرأ من صداق زوجته
البكر بإقرار أبيها بقبضه إذا ادّعى تلفه، خلاف قول ابن القاسم في آخر هذا
السماع، وفى أول رسم منه، وخلاف ظاهر قول مالك في المدونة وغيرها: إن
الغريم يبرأ من الدين الذي عليه بإقرار الوصي والوكيل المفوض إليه بالقبض،
وإن ادعيا التلف، بخلاف الوكيل الذي ليس بمفوض، فحكم ابن وهب وأشهب للأب في
إقراره قبض صداق ابنته البكر قبل الدخول، بحكم الوكيل الذي ليس بمفوض إليه.
ولا اختلاف بينهم في أنه يبرأ من الصداق بعد الدخول بإقرار الأب أو الوصي
يقبضه منه وإن ادّعى تلفه. وبالله التوفيق.
[مسألة: المرأة تصدق الصداق عينا فيتلف منها ثم
يطلقها قبل الدخول]
مسألة قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن المرأة تصدق الصداق عينا
(5/110)
فيتلف منها، ثم يطلقها قبل الدخول، أيرجع
عليها بشيء؟ قال: نعم هي ضامنة، إلا أن يأتي أمر معروف يعرف هلاكه وتلفه
ببينة تقوم على ذلك بغير ضيعة منها فلا ضمان عليها. قال أصبغ: لا يعجبني
وأراها ضامنة وغارمة على كل حال، قامت بتلفها ببينة أو لم تقم، بضيعة أو
بغير ضيعة، وليس العين في هذا كالعرض والحيوان العين عين مضمونة ساعة
تستوفيه، ومال من مالها، والزكاة جائزة عليها، فلو زكتها أعواما ثم طلقها
لم يكن عليه من ذلك الزكاة شيء، ولم تدخل الزكاة عليه كما تدخل في المواشي
للضمان والاعتقاد، فأراها عليها على كل حال، تبعها بضعها. ولو اشترت جهازا
بأمر ظاهر معروف أو منسوب، ثم سرق الجهاز، أو أصابه أمر فضاع أو تلف، لم أر
عليها ضمانا ولا غرما وكان كما لو أصدقها إياه بعينه فتلف بعد ذلك. وقال
ابن الماجشون: كل ما يضمنه المستعير فالمرأة إذا أصدقته فهي له ضامنة إذا
ضاع عندها، إلا أن تقوم لها بينة على هلاكه، وعليها أن تخلف ذلك من مالها
إذا لم تقم لها بينة على هلاكه، يشتري به جهازا لزوجها، لم يفرق ابن
الماجشون بين العرض والعين، كما فرقه أصبغ، وكما لا يضمنه المستعير إذا ضاع
عنده، فلا ضمان على المرأة فيه إذا أصدقته وضاع عندها.
قال محمد بن رشد: قول ابن الماجشون في مساواته بين العين وما يغاب عليه من
العرض، إن المرأة ضامنة له، إلا أن تقوم البينة على تلفه على ما
(5/111)
تأول عليه العتبي مفسرا لقول ابن القاسم،
وذلك على قياس قوله وروايته عن مالك في المدونة، إن المرأة والزوج شريكان
فيما أصدقها قبل الدخول، تكون غلة ذلك بينهما والمصيبة منهما إن طلقها قبل
الدخول، وعلى قياس قول غير ابن القاسم الذي يرى الغلة لها، يكون الضمان
منها فيما يغلب عليه من العروض وإن قامت البينة على تلفه. وفيما لا يغاب
عليه من الحيوان، وهو قول مالك في أول رسم من سماع أشهب أخذ بذلك. وقد مضى
القول على ذلك هنالك، ولم يعجب ابن حبيب تفرقة أصبغ بين العين وما يغاب
عليه من العرض، على أنها أظهر من قول ابن القاسم؛ لأنها لو باعت العرض الذي
أصدقها بعين أو عرض ثم طلقها، كان له أن يأخذ نصف ما باعته به، ولو صرفت
العين أو اشترت به عرضا لغير جهازها ثم طلقها، لما كان له إلا نصف ما نقدها
من العين، فكما يكون لها ربح العين، فكذلك يكون عليها ضمانه. والظاهر من
قول ابن الماجشون إنها ضمانة للعين، بخلاف العرض مثل قول أصبغ، خلاف ما
تأول عليه العتبي من أنه لم يفرق بين العين والعرض؛ لأنه مثل ذلك بالعارية،
فقال: إن كل ما يضمنه المستعير، فالمرأة له ضامنة، ومستعير الدنانير
والدراهم ضامن لها، وإن قامت البينة على تلفها؛ لأن الربح لها. فأما
استدلال أصبغ بالزكاة فلا يلزم ابن القاسم؛ لأن الذي يأتي على مذهبه أن ما
أدت من زكاة العين إذا قامت البينة على ذلك، بمنزلة ما تلف منه بالبينة
والله أعلم.
[مسألة: قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك
فأذنت له قبل ما يريد التزويج بكثير]
مسألة قال ابن القاسم: وإذا قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فأذنت له
قبل ما يريد التزويج بكثير، ثم طال، فأرادت أن ترجع لما طال ذلك، قال: لم
يكن لها أن ترجع، ومن القوة في ذلك لو أذنت له أن يفعل متى ما أراده قبل أن
يريد أن يفعل، ثم فعل بعد ذلك، فأرادت الرجوع لم يكن لها ذلك، وليس بيدها
شيء إن شاء الله.
(5/112)
قال محمد بن رشد: قوله: إنها ليس لها أن
ترجع إذا أذنت له ففعل خلاف ما تقدم لأشهب في هذا الرسم، وقد مضى القول في
هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وبالله
التوفيق.
[مسألة: يدعى إلى الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا
أيدخل]
مسألة قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن الذي يدعى إلى الصنيع، فجاء
فوجد فيه لعبا، أيدخل؟ قال: إن كان شيئا خفيفا مثل الدف والكبر الذي يلعب
به النساء، فما أرى به بأسا. قال أصبغ: ولا يعجبني، وليرجع. وقد أخبرني ابن
وهب أنه سمع مالكا يسأل عن الذي يحضر الصنيع فيه اللهو، فقال: ما يعجبني
للرجل ذي الهيئة يحضر اللعب، وأخبرني ابن وهب عن مالك وسئل عن ضرب الكبر
والمزمار، أو غير ذلك من اللهو، ينالك سماعه، وتجد لذته وأنت في طريق أو
مجلس غيره، قال مالك: أرى أن يقوم من ذلك المجلس. قال أصبغ: وأخبرني ابن
وهب عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، «أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود إلى
وليمة، فلما جاء سمع لهوا فرجع، فلقيه الذي دعاه فقال له: ما لك رجعت، ألا
تدخل؟ فقال: إني سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: " من كثَّر
سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله» . قال أصبغ: وأخبرني
ابن وهب عن خالد بن حميد عن يحيى بن أبي أسيد، أن الحسن البصري كان إذا
دُعي إلى الوليمة
(5/113)
يقول: أفيها برابط؟ فإن قيل: نعم، قال: لا
دعوة لهم ولا نعمة عين. قال أصبغ: ما جاز للنساء مما جُوز لهن من الدف
والكبر في العرس، فلا يجوز للرجل عمله. وما لا يجوز لهم عمله، فلا يجوز لهم
حضوره، ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا غناء معهما ولا ضرب ولا برابط
ولا مزمار، وذلك حرام محرم في الفرح وغيره، إلا ضرب الدف والكبر هملا وبذكر
الله وتسبيحه، وحمدا على ما هدى. أو برجز خفيف لا بمنكسر ولا طويل، مثل
الذي جاء في جواز الأنصار «أتيناكم أتيناكم تحيونا نحيوكم ولولا الحبة
السمرا لم نحلل بواديكم» وما أشبه ذلك. ولا يعجبني مع ذلك التصفيق بالأيدي
وهو أخف من غيره. قال أصبغ: وقد أخبرني عبد الله بن وهب عن الليث أن عمر بن
عبد العزيز كتب بقطع اللهو كله إلا الدف وحده بالعرس. فهذا رأيي وأحب إلى
العامة والخاصة العمل به، ولا أرى به بأسا في الملاك على مثل العرس، وما
فسرنا فيه فهو منه. وقد حدثني عيسى بن يونس عن خالد بن الياس العذري عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد بن أبي
(5/114)
بكر الصديق عن عائشة أن الرسول - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - قال: «أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال» . ابن وهب عن عبد
الله بن الأسود المالكي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن الزبير
بن العوام عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أعلنوا النكاح» .
قال أصبغ: فالإعلان به عندي الملاك والعرس جميعا أن يعلن بهما، ولا يستخفى
بهما سرا في التفسير ويظهر بهما ببعض اللهو، مثل الدف والكبر للنساء.
والغربال هو الدف المدور، وليس المزهر، والمزهر مكروه وهو محدث، والفرق
بينهما أن المزهر ألهى، وكل ما كان ألهى فهو أغفل عن ذكر الله وكان من
الباطل، وما كان من الباطل فمحرم على المؤمنين اللهو والباطل. قال -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كل لهو يلهو به المؤمن حرام إلا ثلاث» . قال
القاسم بن محمد: إذا أجمع الحق والباطل يوم القيامة، كان الغناء من الباطل،
وكان الباطل في النار. قال أصبغ: والباطل كله محرم على المؤمنين. قال الله
تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115]
كما أن القمار محرم للهو، وميسره فهو لهو كله.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في اللهو والعرس، وما يجوز
(5/115)
من عمله وحضوره، موعبا في رسم طلق ابن حبيب
من سماع ابن القاسم. وفي رسم سلف دينارا من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء
من ذلك ها هنا، والثلاث التي أبيح اللهو بها في الحديث المذكور: «ملاعبة
الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه» . وبالله التوفيق.
[مسألة: الجارية إذا كانت بكرا أو يتيمة فأقرت
بعد الخلوة بأنه لم يمسها]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن الجارية إذا كانت بكرا لا قضاء لها
في مالها، أو يتيمة مولى عليها، أو صغيرة لم تبلغ المحيض، إلا أنه قد بلغ
مثلها أن توطأ، فأقرت له بعد الخلوة وإرخاء الستور، بأنه لم يمسها، أينفعه
تصديقها إياه، وإقرارها له، أو لا ينفعه؛ لأنها تسقط عنه بذلك نصف الصداق؟
قال: لا، بل ينفعه، ويسقط عنه نصف الصداق، ولا يلزمه إلا نصفه؛ لأن هذا مما
لا يستدل على صدقه ولا على كذبه إلا بقولهن، فهن فيه مأمونات مقبول قولهن،
كما هن مأمونات على الحيض والعدة والولادة وما أشبه ذلك، جعل الله ذلك
إليهن. قال: ومن الدليل أيضا على ذلك ما فسرت لك من أن الصداق لا يجب مع
الخلوة وغلق الباب وإرخاء الستر إلا بدعوى المرأة المسيس، فلو كان يجب
بالخلوة بغير دعوى المرأة المسيس ما نفعه طرح البكر السفيه والصغيرة التي
ذكرت لك عنه؛ لأنهن يطرحن شيئا قد وجب، وهن ممن لا طرح لهن، ولا قضاء في
أموالهن، فلما كان لا يجب إلا بدعواهن، سقط بإقرارهن وتصديقهن الزوج بترك
المسيس، لا بل بسكوتهن عن ادعائه يسقط فضلا عن غيره من الأشياء والله أعلم.
قال أصبغ: ورأيي في جميع هذه المسألة من أولها إلى آخرها على قول ابن وهب
وروايته عن مالك.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الصداق لا يجب إلا بدعوى الزوجة
(5/116)
المسيس، بكرا كانت أو ثيبا، كبيرة أو
صغيرة، رشيدة أو سفيهة، ذات أب أو يتيمة، صحيح لا اختلاف فيه في مذهب مالك؛
لأن إرخاء الستر عند مالك وجميع أصحابه لا يوجب الصداق، وإنما هو شبهة يوجب
أن يكون القول قول الزوجة في المسيس، كشاهد، واليد، ومعرفة العفاص والوكاء،
مع يمينها إن أنكر الزوج المسيس. قاله في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن
الجهم، ورواه عيسى عن ابن القاسم في الذي يغيب على المرأة غصبا، فإن كانت
صغيرة حلف الزوج وأدَّى نصف الصداق، إلى أن تبلغ فتحلف وتأخذ نصف الصداق
الثاني، فإن نكلت عن اليمين لم يكن للزوج أن يحلف ثانية، وإن نكل أولا عن
اليمين غرم جميع الصداق، ولم يكن له أن يحلفها إذا بلغت، حكم الصغير يقوم
له بحقه شاهد، وقد قيل إنه لا يمين عليها إن كانت صغيرة، وهو بعيد؛ لأن
الصغر لا يسقط اليمين الواجبة مع الكبر، فلا فرق بين الصغيرة والكبيرة، إلا
فيما ذكرناه من تأخير الصغيرة باليمين. وقد روي عن أحمد بن المعدل أنه لا
يمين عليها وإن كانت كبيرة، وهو بعيد، ما له وجه، إلا مراعاة قول من يرى
الصداق واجبا لها بالخلوة وإن لم يكن مسيس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه على
ظاهر قول عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق، فإذا أقرت أنه
لم يمسها لم يكن لها إلا نصف الصداق، إلا أن يُقر الزوج أنه قد مس وهي أمة
أو مولى عليها بأب أو وصي، فيكون لسيد الأمة أو ولي المرأة أن يأخذ الصداق
منه بإقراره، ولا يكون لها أن تسقط حقا قد أقر لها به الزوج، قاله سحنون
ومطرف. وخالفه في ذلك ابن الماجشون وغيره، ولا اختلاف في أن خلوة البناء
توجب أن يكون القول قول المرأة في دعوى المسيس. واختلف إذا خلا بها ولم تكن
خلوة بناء، على أربعة أقوال: أحدها: أن القول قولها حيث ما أخذهما الغلق،
كان في بيته أو في بيتها، وهو أحد قولي مالك وبه أخذ مطرف وابن الماجشون،
وابن عبد الحكم، وأصبغ، على ظاهر قول عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستور فقد
وجب الصداق.
(5/117)
والثاني: أن القول قول الزوج حيثما أخذهما
الغلق، ما لم تكن خلوة بناء، وهو قول عيسى بن دينار. والثالث: الفرق بين أن
يكون أخذهما الغلق في بيته، أو في بيتها. وهو قول مالك الثاني، ومذهب ابن
القاسم، على ما روي عن سعيد بن المسيب. والرابع: أنها إن كانت ثيبا فالقول
قولها، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء، فإذا رأيْن لها أثر افتضاض صُدقت
عليه، وإن لم يرين لها أثر افتضاض، لم يكن لها إلا النصف من الصداق. حكى
ذلك عبد الوهاب عن مالك وبالله التوفيق.
[مسألة: المريض يوصي إن حدث به حدث الموت فقد
زوجت ابنتي من ابن أخي]
مسألة قال أصبغ: سألت أشهب وابن وهب عن المريض يوصي إن حدث به حدث الموت،
فقد زوجت ابنتي من ابن أخي، وأصدقتها عنه مائة دينار من مالي، فيموت،
فقالا: النكاح جائز. قال أشهب: ولا يكون لها من مال الأب شيء، ولا يؤخذ
الصداق من ماله، ويقال لابن الأخ: أعط الصداق من مالك والنكاح ثابت، فإن
أبى ترك النكاح، ولا شيء عليه. وقاله ابن القاسم حرفا بحرف اجتمعا عليه.
وقال ابن وهب: يؤخذ من مال الميت وهي وصية لزوج.
قلت لابن وهب: فإن أبى أن يكون له من المال شيء؟ قال: لا.
قلت: أَفَتَرَى الآن أنها وصية للبنت، لو كانت وصية للزوج، كانت ها هنا؟
فقال: إنما هي له وصية على شيء، إن فعله تمت له، وإلا لم تتم له، كالذي
يقول: إن أحسن فلان كفالة ولدي والقيام معهم وكفلهم بأعيانهم فقد زوجته
ابنتي، أو قد وصلته بكذا
(5/118)
وكذا، فإن فعل كان ذلك له، وإلا لم يكن له
شيء. قال أصبغ: وقول أشهب وابن القاسم، أعجب إليّ؛ لأنها تصير وصية للبنت،
وهي المرأة، فإن تم الفعل منه تم لها فهي وصية لوارث، وأراه قول مالك أيضا.
قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذا السماع ما فيه بيان لهذه المسألة،
ومضى القول فيها مستوفى في رسم العارية من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك
هنا وبالله التوفيق.
[مسألة: الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد
الصغار]
مسألة قال أصبغ: الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد الصغار، كلما جاز
للأب فيهم جاز للوصي، إلا شيئا واحدا، ليس له أن يزوج الصغيرة إلا برضاها؛
للحديث: «اليتيمة تُستأذن في نفسها» . قال أصبغ: ولو تزوجت أم الصبيان، كان
الوصي أولى بحضانتهم من أمهم، جواري كانوا أو غلمانا، وإن كن الجواري قد
بلغن أبكارا، فالوصي أولى بحضانتهن من أمهن إن تزوجت. قيل له: فإن كان لهن
أخ أو عم أو ابن عم عدولا رضا، أفلا يكون هؤلاء أولى بحضانة الجواري
والصبيان من الوصي؟ قال: لا الوصي أولى بحضانتهم، ويكونون عنده من إخوتهم
وإن كانوا رضا، وإن انتقل الوصي إلى بلد آخر، كان له أن يحملهم معه،
الجواري والصبيان، وليس لإخوتهم، ولا عمومتهم أن يأخذوهم منه؛ لأنه بمنزلة
أبيهم في كل شيء، إلا تزويج الإناث فقط قبل أن
(5/119)
يبلغن، وما سوى ذلك فهو والأب سواء.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في الوصي: ليس له أن يزوج الصغيرة
إلا برضاها، كلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الصغيرة ليس له أن يزوجها وإن
رضيت، إذ لا رضى لها قبل البلوغ، فهو بخلاف الأب، في أنه لا يزوج الصغيرة
أصلا، ولا البكر البالغ إلا برضاها. وقال: إنه أحق بحضانة الغلمان والجواري
وإن بلغن، من الأم إذا تزوجت، ومن جميع الأولياء. وقد اختلف في ذلك، فقيل:
إنما يكون الوصي إذا تزوجت الأم أحق بحضانة بنيها الذكور، وأما الإناث،
فكونهن مع زوج أمهن؛ لأنه محرم منهن أولى من كونهن مع الوصي، إذ لا حرمة
بينه وبينهن، إلا أن يخاف عليهن عند الأم غير الزوج، فيكون الوصي أولى
بحضانتهن، وكذلك ابن العم، بخلاف الأخ والعم، لا اختلاف في أن الأخ والعم
أحق من الأم بحضانة ابنتها إذا تزوجت. وقع هذا المعنى لمالك في كتاب ابن
المواز. وهذا إذا أراد الوصي أو ابن العم أن تكون الابنة معه ومع أهله في
داره، وأما إن أراد أن يعزلها قي موضع من يقوم عليها من ثقات النساء ولعلهن
لها قرابات، فيكون أحق لها من الأم إذا تزوجت والله أعلم.
[مسألة: الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض
الصداق]
مسألة قلت: أرأيت الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق وذلك في صحة أو
مرض؟ قال: إن كان في مرض اتهمته أن يكون إنما أراد بذلك الابنة، بمنزلة
الذي يزوج ابنته ويتحمل الصداق وهو مريض، فيجوز النكاح، ولا يكون عليه
الاحتمال؛ لأنها وصية للابنة. ولا تجوز وصيته لوارث، فإن كان صحيحا جاز ذلك
على الأب إن كان موسرا، وإن كان معسرا اتبعته به دينا.
قلت: فإن قال الأب قبضته وضاع مني، ولم يكن عند الزوج بينة بالدفع إلا
إقرار الأب. قال: إن كانت البنت بكرا لزمها ذلك،
(5/120)
وكان قبضه لها قبضا، وضياعه منها ضياع، ولم
يكن على الزوج شيء.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان في مرض اتهمته أن يكون إنما أراد بذلك
الابنة، يريد: إن كان ذلك كله في مرض التزويج والإقرار، وفي حال واحدة
أيضا، وذلك مثل أن يقول: أشهدكم أني قد زوجت ابنتي من فلان بكذا وكذا
وقبضته منه، فهذا هو الذي يكون بمنزلة من يزوج ابنته في مرضه ويتحمل الصداق
عنه، كما قال. ويدخل ذلك من الاختلاف ما دخله، وأما إن زوج ابنته في صحته
أو في مرضه بصداق مسمى، ثم أقر بعد ذلك في مرضه أنه قبض منه، فإن كان الزوج
موسرا أخذت ذلك من مال الأب إن كان له مال، واتبعته به دينا في ذمته إن لم
يكن له مال، وكان للزوج أن يدخل بها عند ابن القاسم، خلاف قول أشهب فيما
تقدم إنه إن لم يكن له مال، لم يكن للزوج إليها سبيل، إلا بدفع الصداق،
يدفعه ويتبع به الميت المقر، وإن كان الزوج معدما، لم يجز إقراره في المرض؛
لأن ذلك وصية ابنته. وأما إن أقر في صحته أنه قبضه منه، فيبرأ الزوج
بإقراره على كل حال عند ابن القاسم، ويكون للزوج أن يدخل بها، فإن ادعى
الأب تلفه صُدق مع يمينه، من أجل حق الزوج، وكانت مصيبته منها، وإن لم يدع
تلفه وكان معسرا، اتبعته به دينا، ولا يكون للزوج أن يدخل بها عند أشهب
وابن وهب، حتى يؤدي الصداق إن كان الأب معسرا وادعى تلفه، فإقرار الأب في
مرضه الذي مات منه بقبض صداق ابنته، يكون في حال وصيته لابنته لا يجوز،
وذلك إذا كان إقراره بعد العقد والزوج عديم، وفي حال وصية جائزة للزوج،
وذلك إذا كان إقراره بعد العقد، والزوج موسر، وفي حال يختلف، هل يكون
إقراره وصية له أو لها؟ وذلك إذا كان إقراره مع العقد في حال واحدة. والله
الموفق.
[مسألة: رجل شرط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها
عليها فأمرها بيدها]
مسألة قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن رجل شرط لامرأته أن كل
(5/121)
امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، فيتزوج
عليها سرا، وكتمها، ثم طلق التي شرط لها ذلك، قال: ذلك بيدها وإن طلقها.
وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة وما فيها من الاختلاف في
هذا الرسم، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: الرجل يتزوج على المرأة على أن يستشير
فلانا]
مسألة قال أصبغ: قلت لابن القاسم: ما تقول في الرجل يتزوج على المرأة على
أن يستشير فلانا؟ قال: لا يحل ويفسخ، دخل أو لم يدخل، إلا أن تكون مشورة
فلان قريبا، وهو حاضر في البلد، فيرسلان إليه في فورهما ذلك، ليعلما رأيه
فيجوز ذلك.
قلت: فإن كان كذلك فمات أحد الزوجين قبل أن يستشار فلان ورضي؟ قال: لا.
قلت: فإن قال المستشار: لا أرضى، ويقول الزوج: قد رضيت، أيثبت النكاح؟ قال:
نعم ذلك له وهو ثابت.
قلت: فإن قال الزوج قبل أن يستشير فلانا: أنا أثبت النكاح ولا أستشير
فلانا، قال: ذلك له أيضا، وهو بمنزلة الرجل يبيع السلعة على هذه الوجوه.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة على أن يستشير فلانا: إن
النكاح يفسخ دخل أو لم يدخل هو أحد قولي مالك في المدونة، وفي رسم باع شاة
من سماع عيسى. وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته. وقوله: إلا
أن تكون مشورة فلان قريبا وهما حاضران، فيرسلان إليه
(5/122)
في فورهما؛ ليعلما رأيه، فيجوز ذلك معناه:
إذا كان ذلك في مجلسهما قبل أن يفترقا منه فيقوم من هذا، جواز النكاح على
خيار المجلس. وقد مضى القول على ذلك أيضا في رسم باع شاة المذكور. وأما
قوله إذا مات أحد الزوجين قبل أن يستشار فلان، إنهما لا يتوارثان، فهو
صحيح، لا اختلاف فيه. وسقوط الميراث قبل الرضا وقبل المشورة، هي العلة في
فساد النكاح على الخيار، أو على المشورة إلى ما بعد المجلس وإن قرب، وأما
إن مات أحدهما بعد الرضا أو بعد المشورة وقبل الدخول، أو قبله وبعده، على
القول بأنه يفسخ بعده، فيجري ذلك على الاختلاف الواقع في المدونة وغيرها،
في وجوب الميراث والطلاق فيما يفسخ بحكم من الأنكحة التي اختلف أهل العلم
في جوازها. وقوله: إن للزوج الذي اشترط المشورة أن يتركها وأن يخالف ما
يشير عليه به المستشار صحيح لا اختلاف في المذهب أحفظه إلا ما حكى أبو
إسحاق التونسي من أن ظاهر ما في كتاب ابن المواز المشورة، كالخيار في أن
المستشار إذا سبق فأشار بشيء لزم، وهو بعيد. وقوله: وهو بمنزلة الرجل يبيع
السلعة على هذه الوجوه: يريد في الحد الذي يجوز فيه الخيار والمشورة في
النكاح وهو المجلس، على ما دلت عليه هذه الرواية.
[النصراني يوصي إليه أخ له مسلم أو عبد يوصي
إليه أو امرأة يوصي إليها]
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر، من عبد الرحمن بن القاسم.
قال أبو زيد: وقال ابن كنانة وابن القاسم في النصراني يوصي إليه أخ له
مسلم، أو عبد يوصي إليه، أو امرأة يوصي إليها، إنهم كلهم يزوجون الغلمان،
ولا يزوجون الجواري. وقال: لا يزوج العبد ابنته الحرة ويزوج ابنه.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم باع شاة وغيره من سماع عيسى، وهو
مبين لما في المدونة ولما في كتاب ابن المواز ولما في رسم سنّ من سماع ابن
القاسم، وقد مضى هنالك القول في هذه المسألة مجردا. وتحصيل من يجوز للمرأة
والعبد والنصراني، أن يلي عقد النكاح عليه، وفيمن لا يجوز لواحد منهم أن
يلي العقد عليه، ويجوز له على ذلك، الاستخلاف، وفيمن لا يجوز لهم ولاية
العقد عليه ولا الاستخلاف على ذلك، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله
التوفيق.
(5/123)
[مسألة: الرجل
يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق]
مسألة وسئل ابن وهب عن الرجل يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق، إن
ذلك لازم للابن وإن كبر؛ لأنه وطئ عليه، وأنه لا يفسخ النكاح لذلك، دخل أو
لم يدخل، والشروط لازمة له؛ لأن أباه الناظر له.
قال محمد بن رشد: إلزامه الشروط التي شرط عليه أبوه وهو صغير، خلاف مذهب
ابن القاسم فيما يأتي بعد هذا السماع، وخلاف ما حكى عنه ابن حبيب من رواية
أصبغ، وعن ابن الماجشون، من أنها لا تلزمه إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، فإن
أبى من التزامها لم يلزمه النكاح، ولا شيء من الصداق، إلا أن ترضى المرأة
بإسقاط الشروط عنه، فيلزمه النكاح، فإذا دخل بها قبل البلوغ أو قبل العلم
بالشروط سقطت عنه، وإن دخل بها بعد البلوغ، وبعد أن علم بالشروط لزمته. وفي
كتاب محمد بن المواز عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه إنه إن لم يرض قبل
البناء بالشروط، قيل له: إما أن ترضى وإما أن تطلق، فإن طلق فعليه نصف
المهر. وهذا إذا اعتبرته من قول ابن القاسم مثل قول ابن وهب، ومثل قول ابن
الماجشون، في الذي يزوج ابنه الصغير ولا مال له، فيكتب الصداق عليه، إن ذلك
لازم له. وقد مضى ذلك في رسم "باع شاة" من سماع عيسى.
[مسألة: رجل يزعم لقوم أنه من فخذ من العرب
فيوجد من غير ذلك الفخذ]
مسألة وعن رجل يزعم لقوم أنه من قريش، أو من فخذ من العرب، فيوجد من غير
ذلك الفخذ. قال ابن القاسم: إن كان مولى فالمرأة بالخيار، إن شاءت أقامت
وإن شاءت فارقت، إذا كانت عربية، وأما إن كان عربيا وهو من غير القبيل الذي
سمّى، فلا أرى لها خيارا، وأراها امرأته، إلا أن تكون قرشية، تزوجت على أنه
من
(5/124)
قريش، فإذا هو من العرب، أو تكون عربية،
تزوجت على ادعائه، فذلك لها.
قال محمد بن رشد: اضطرب قول ابن القاسم في هذه المسألة؛ لأن قوله في أولها:
إذا كانت عربية، يدل على أنها إذا كانت مولاة فتزوجته على أنه من قريش أو
من العرب، فوجد من الموالي، فلا خيار لها من أنها إذا كانت من العرب
فتزوجته على أنه من قريش فوجد من العرب فلم ير لها على هذا خيارا بما شرطت،
إلا أن يوجد الزوج أدنى منها، مثل أن تكون من العرب فتزوجته على أنه من
العرب أو من قريش، فيوجد من الموالي، أو تكون من قريش، فتتزوجه على أنه من
قريش، فيوجد من الموالي أو من العرب. وقوله في آخرها: أو تكون عربية تزوجت
على ادعائه، يريد تزوجته على أنه من قريش، فوجد من العرب، فلها الخيار،
خلاف قوله أولا إذ جعل لها الخيار إذا وجدته أدنى مما شرطت وإن كان مثلها
ولم يجعل لها أولا خيارا بما شرطت، إلا أن يوجد أدنى منها، ويلزم على قوله
آخرا إذا كانت مولاة فتزوجته على أنه من قريش، فوجدته من العرب أو من
الموالي، أو على أنه من العرب، فوجدته من الموالي أن يكون لها الخيار، وهو
أظهر على قياس قولهم فيمن ابتاع عبدا على أنه من جنس، فوجده من جنس آخر
أدنى من ذلك الجنس، فتحصيل هذا أنه إذا وجدته أفضل مما شرطت لم يكن لها
خيار، وإن وجدته أدنى مما شرطت، وأدنى منها فلها الخيار، وإن وجدته أدنى
مما شرطت وهو أرفع منها أو مثلها ففي ذلك قولان: أحدهما أن لها الخيار،
والثاني لا خيار لها، وهما قائمان من هذه الرواية، على ما بيناه. وإذا وجب
لها الخيار فاختارت نفسها قبل الدخول، فهي تطليقة بائنة ولا شيء لها من
الصداق، وإن لم تعلم حتى دخل بها، فاختارت نفسها بعد الدخول، فهي تطليقة
بائنة أيضا إن لها جميع صداقها؛ لأنها قد استوجبته بالمسيس. وكذلك الحكم في
الرجل يتزوج المرأة على أنها من قريش أو من العرب، فتوجد على غير ذلك، يكون
للرجل الرد، حيث يكون للمرأة الخيار وبالله التوفيق.
(5/125)
[مسألة: يتزوج
المرأة ثم يجدها لغية]
مسألة وعن الرجل يتزوج المرأة ثم يجدها لغية إنها إن كانت حين خطبها انتسبت
له، فقالت: أنا فلانة ابنة فلان، فإني أرى النكاح مفسوخا، فإن كان دخل بها
فلها صداقها بما استحل منها قبل، فإن كان ذلك إنما هو في أبيها وجَدّ أبيها
لغية، هل يفسخ النكاح عنه؟ قال: لا أرى أن يفسخ بذلك، وليس هو في أبيها
بمنزلته فيها، والرجل أيضا إذا انتسب للمرأة وغرها بتلك المنزلة.
قال محمد بن رشد: قوله: فإني أرى النكاح مفسوخا، معناه إن له أن يفسخه عن
نفسه، فلا يلزمه شيء من الصداق إن كان قبل الدخول، ويكون الفسخ فيه تطليقة؛
لأنه نكاح فاسد، فيكون مفسوخا بالحكم. وقوله: إذا كان دخل بها فلها صداقها
ما استحل منها، خلاف المعلوم من قولهم: إن له أن يرجع عليها؛ لأنها غرته
إذا انتسبت له، ويترك لها من صداقها قدر ما يستحل به الفرج، وإنما يكون لها
صداقها بما استحل منها، إذا كان وليها الذي أنكحها هو الذي نسبها له، وغره
منها، فيكون هو الذي يجب الرجوع عليه، والأصل في هذا قول عمر بن الخطاب -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام فمسها
فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. قال مالك: وإنما يكون ذلك
غرم على وليها إذا كان وليها الذي أنكحها أبوها أو أخوها أو من يرى أنه
يعلم ذلك منها، فأما إن كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، أو من
العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد المرأة ما أخذت
من صداقها، ويُترك لها قدر ما تستحل به. وقوله: والرجل أيضا إذا انتسب
للمرأة وغرها بتلك المنزلة، يريد: أنها إذا تزوجته على نسب فوجدته لغية،
فلها الخيار وإن كانت مولاة، وإن كانت هي لغية، فتزوجته على نسب، فوجدته
لغية، فعلى ما تقدم من الاختلاف في المسألة التي قبل هذه.
(5/126)
[مسألة: يجعل
بضع ابنته بيد أخيه هل ينكحها العم بغير إذن الأب]
مسألة وقال: في الرجل يجعل بضع ابنته بيد أخيه، هل يُنكحها العم بغير إذن
الأب، والأب بغير إذن العم؟ قال: نعم من أنكحها منهما فهو جائز.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الأب لا تسقط
ولايته عن ابنته بجعله بضعها بيد أخيه، فإنكاح من أنكحها منهما جائز. فإن
أنكحها كل واحد منهما ولم يعلم بإنكاح صاحبه، فهي للأول منهما، إلا أن يدخل
بها الآخر. قال ذلك مالك في المدونة وغيرها.
[مسألة: العبد يتزوج بغير إذن السيد]
مسألة وسئل عن العبد يتزوج بغير إذن السيد، فيراه السيد يدخل على امرأته،
هل يلزم السيد الصداق حين رآه ولم يكن أذن له في النكاح؟ قال: إن شهد على
أن السيد علم بنكاحه وأقره، رأيت النكاح جائزا، ورأيت الصداق على العبد بما
أقر به سيده من ذلك بعد العلم به.
قال محمد بن رشد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد مضت هذه المسألة متكررة، والقول
فيها في رسم الرهون من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك.
[مسألة: زوج ابنا له صغيرا وأصدق عنه وشرط في
نكاحه]
مسألة وسئل عن رجل زوج ابنا له صغيرا وأصدق عنه، وشرط في نكاح الصبي أنه إن
استسر عليها أو تزوج فهي طالق ألبتة، فبنى الغلام بأهله ثم أراد أن يتسرر
أو ينكح عليها. قال: ذلك له، إلا
(5/127)
أن يعلم أن الابن قد علم بالشروط التي شرط
لها فدخل بها على ذلك ووطئها، فإن ذلك يلزمه.
قلت: أرأيت لو أن الأب حين نكح ابنه شرط عليه شروطا أنه ليس له أن يتسرر
ولا ينكح، فإن نكح فهي طالق ألبتة. فقال أهل المرأة للزوج: قد شرط ذلك عليك
وأنت كبير، وقال الزوج: بل شرط عليّ ذلك وأنا صغير. قال ابن القاسم: على
الزوج البينة، أنه شرط ذلك عليه وهو صغير، فإن لم يأت بالبينة حلف أهل
المرأة وكان القول قولهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبنية على أن الابن الصغير لا يلزمه ما
شرط عليه أبوه من الشروط، إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، أو يدخل بعد العلم
بها، فيكون ذلك رضا منه، خلاف قول ابن وهب في أول السماع، فإن دخل ولم يعلم
بها سقطت عنه وهو محمول على أنه لم يعلم، حتى يثبت عليه أنه علم بها. وذلك
بيّن من قوله: وذلك له إلا أن يعلم أن الابن قد علم، وذلك أنه علم أنه
شرطها عليه وهو صغير بتقاررهما على ذلك، أو بينة قامت عليه. وأما إن اختلفا
فقال الابن: كنت صغيرا إذ شرط ذلك عليّ الأب، وقال أولياء المرأة: بل كنت
بعد كبيرا، فعلى الابن البينة؛ لأنه الآن كبير، يلزمه ما شرط عليه أبوه
بحضرته، فهو مدّع أنه كان حينئذ صغيرا ممن لا يلزمه ما شرط عليه أبوه
بحضرته، فإن أقام البينة كان بالخيار، في أن يلتزم الشروط أو يفارق، ولا
يكون عليه شيء من الصداق، إلا أن تسقط المرأة عنه الشروط، فيلزمه النكاح،
وإن لم يكن بينة، حلف أهل المرأه وكان القول قولهم، ولزمته الشروط، إلا أن
يشاء أن يطلق، فيلزمه نصف الصداق، وأهل المرأة الذين يحلفون، هم: الأب أو
الوصي، دون من سواهما من الأولياء، فإن نكلوا عن اليمين، حلف الزوج، وكان
كمن أقام البينة على
(5/128)
دعواه. وإنما أوجب هاهنا اليمين على أهل
المرأة لا عليها؛ لأنهم ادعوا ذلك، وذلك خلاف ما في أول رسم من سماع ابن
القاسم، ولو لم يدعوا ذلك وقالوا: لا علم لنا به، لحلفت الزوجة، كما تحلف
إذا قامت بشرط المغيب أو عدم الإنفاق. وقد مضى القول في أول رسم من سماع
ابن القاسم على هذا المعنى مقسما مستوفى، فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله
التوفيق.
[مسألة: أصدق امرأته مائة دينار فدخل عليها ولم
يدفع إليها شيئا من الصداق]
مسألة وسئل عن رجل أصدق امرأته مائة دينار، فدخل عليها ولم يدفع إليها شيئا
من الصداق، أترى أن يكف عن الوطء حتى يدفع إليها ربع دينار؟ قال: بل يكون
دينا عليه، ولا يكف عن وطئها. قيل له: فإنه أصدقها أقل من ربع دينار، قال:
إن لم يكن بنى بها أُمر أن يتم لها ربع دينار، ويثبت النكاح، وإن دخل بها
أتم لها ربع دينار، ولا يوقف عن وطئها حتى يتمها.
قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم على الرجل إذا دخل بامرأته قبل أن يدفع
إليها شيئا من صداقها، أن يكف عن وطئها حتى يدفع لها منه ربع دينار، وكره
له قبل أن يدخل بها ابتداء قبل أن يدفع إليها، ولو ربع دينار من صداقها.
ومحمد بن المواز يساوي بين الوجهين. وقد مضى القول في ذلك في رسم استأذن من
سماع عيسى. وفي غيره من المواضع.
وقوله: إنه إذا أصدقها أقل من ربع دينار، أُمر إن كان لم يبن بها أن يكمل
لها ربع دينار، ويثبت النكاح، يريد إن شاء، وإن أبى فسخ النكاح ولم يلزمه
شيء، وإن دخل بها أتم لها ربع دينار، شاء أو أبى ولا يفسخ النكاح، وهذا على
قوله في المدونة خلاف قول غيره فيها، وخلاف قوله في سماع سحنون. وأما قوله:
إنه لا يكف عن وطئها حتى يتمها فهو على قياس قوله في النكاح بصداق صحيح،
إذا دخل بها قبل أن يقدم لها شيئا من الصداق، وبالله التوفيق.
(5/129)
[مسألة: تزوج امرأة ولم يبن بها حتى ماتت
فقبَّلها وهي ميتة أو وطئها]
مسألة وقال: في رجل تزوج امرأة ولم يبن بها حتى ماتت، فقبَّلها وهي ميتة أو
وطئها. قال: لا ينكح أمها ولا ابنتها.
قال محمد بن رشد: أما أمها فإنها تحرم عليه بالعقد عليها، وإن لم يقبل ولا
وطئ؛ لأنها مبهمة ولا شرط فيها. وأما الابنة فلا تحرم إلا بالدخول بالأم،
أو التلذذ بها؛ لقوله عز وجل: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ} [النساء: 23] فجعل ابن القاسم وطأها أو التلذذ بها، وهي ميتة أو
حية سواء، في وجوب تحريم ابنتها بذلك؛ إذ لا ينقطع عنده بموتها ما كان
بينهما من الحرمة، بدليل أنه يجوز له أن يغسلها.
ويأتي على مذهب أهل العراق الذين يرون ما كان بينهما من الحرمة منقطعا
بموتها، فلا يجيزون له غسلها، ولا تحرم عليه ابنتها بوطئه إياها بعد موتها،
وهو الذي يوجبه النظر والقياس؛ لأنه وطء لا يحصنه، ولا يوجب لها عليه
صداقا؛ ولأن عصمة النكاح تنقطع بينهما بموتها. وإن كانت حرمة الزوجية باقية
بينهما، بدليل أنه يجوز له عند الجميع أن يتزوج رابعة إن كانت له ثلاث
زوجات سواها، وقول ابن القاسم استحسان، فلعله راعى قول زيد بن ثابت، الذي
يقول: إن الرجل إذا تزوج المرأة فماتت قبل أن يدخل بها، لم تحل له ابنتها،
بخلاف إذا طلقها قبل أن يدخل بها.
[مسألة: ماتت امرأته فتزوج أختها قبل أن تقبر
الميتة هل لزوجها أن يغسلها]
مسألة وقال في الرجل ماتت امرأته فتزوج أختها قبل أن تقبر الميتة، أترى
لزوجها أن يغسلها؟ قال: أكره ذلك، ولا أحرمه.
قال محمد بن رشد: وكذلك لو ماتت امرأته قبل أن يدخل بها، فتزوج ابنتها قبل
أن تقبر الميتة، لكره له أن يغسلها، ولم يحرم ذلك عليه، وسحنون يجيز ذلك
ولا يكرهه، ذكر له أن بعض أهل العلم يقول: إن الرجل إذا
(5/130)
كانت له أربع نسوة، فماتت إحداهن، ثم تزوج
الخامسة قبل أن تغسل الميتة، أنه لا يجوز له غسلها، فقال: ليس الذي قلت من
مذهبنا في شيء، وله أن يغسل الميتة، ألا ترى أن له أن يغسلها وإن لم يتزوج
الخامسة، فإن كان إنما يغسلها؛ لأنها امرأته، فكيف يتزوج الخامسة؟ وكراهية
ابن القاسم لذلك من غير تحريم، يدل على أن مباشرته إياها بعد موتها، لا
يحرم عليه ابنتها، ويبين ما ذهبنا إليه في المسألة التي قبل هذه، من أن
منعه فيها الرجل أن يتزوج بنت امرأته إذا كان قد قبَّلها أو وطئها بعد
موتها، إنما هو استحسان على غير قياس، وبالله التوفيق.
[مسألة: تزوج أمة فلم يبن بها حتى فلس سيدها
وقد كان دفع الصداق إلى سيدها]
مسألة وعن رجل تزوج أمة، فلم يبن بها حتى فلس سيدها، وقد كان دفع الصداق
إلى سيدها، فباعها السلطان في دينه، فاشتراها زوجها، هل ترى له أن يرجع على
سيدها بالصداق الذي دفع إليه؟ قال: لا؛ لأن السلطان هو الذي باعها عليه.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه لا يرجع عليه بشيء من الصداق، وذلك لا يصح؛
لأن الصداق المسمى لا يجب جميعه إلا بالموت أو الدخول، فإنما معناه أنه لا
يرجع عليه بجميعه، وإنما يرجع عليه بنصفه؛ لأن الفراق جاء من قبله إذا
اشتراها، وهو يعلم أن امرأته تحرم عليه باشترائه إياها، فصار كالمطلق قبل
الدخول، وقد فرض أن له نصف ما فرض، ولو اشتراها من السلطان وهو لا يعلم
أنها امرأته لحرمت عليه، ورجع بجميع الصداق على السيد؛ لأنه تحريم لم
يتعمده.
يبين هذا في كتاب النكاح الثالث من المدونة: أن الرجل إذا تزوج المرأة ولم
يدخل بها حتى تزوج أمها وهو لا يعلم، فيبني بها، أن الابنة تحرم عليه، ولا
يكون لها عليه من الصداق نصف ولا غيره؛ لأنه تحريم لم يتعمده، وهو محمول
على أنه لم يعلم أنها زوجته حتى يعلم أنه علم، فإن ادعى أنه لم يعلم أنها
زوجته حلف على ذلك، ورجع بجميع الصداق.
وفي النكاح الثاني من المدونة: أن السيد لا شيء له من
(5/131)
الصداق إذا باعها منه قبل الدخول، وهو دليل
قوله هاهنا؛ لأن السلطان هو الذي باعها عليه، وإنما لم يكن له من الصداق
شيء إذا باعها هو منه، وإن كان الزوج عالما أنها زوجته؛ لأنه لما كان أملك
بالبيع غلب أمره على الزوج، فجعل كأن الفسخ والتحريم جاء من قبله دون
الزوج. ولو باعها السيد ممن اشتراها للزوج وهو لا يعلم؛ لكان له نصف
الصداق، بمنزلة إذا باعها السلطان، ولعيسى في كتاب القطعان أن بيع السلطان
كبيع السيد، فيرجع بجميع الصداق، وهو بعيد، وبالله التوفيق.
[مسألة: تزوج جارية امرأته]
مسألة وقال في رجل يتزوج جارية امرأته: إنه لا بأس به.
قال محمد بن رشد: كره ذلك ابن كنانة، مراعاة لقول من رأى للزوج شبهة في مال
الزوجة، فدرأ الحد عنه في وقوعه بجاريتها، روي ذلك عن عبد الله بن مسعود
وهو شذوذ، فالصحيح أنه لا كراهة في تزويجه إياها، وأنه يحد إن وقع بها على
ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وقد روى ذلك مالك، عن النبي
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية النعمان بن بشير. وأما ما روي عن سلمة بن
المحبق: «أن رجلا زنى بجارية امرأته، فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
"إن كان استكرهها، فهي حرة، وعليه مثلها، وإن كانت طاوعته فعليه مثلها»
فقيل فيه: إن ذلك كان في أول الإسلام، حين كانت العقوبات تجب في الأقوال
بانتهاك الحرم التي ليست بأموال، ثم نسخ ذلك بما أنزل الله من الحدود على
ما جاء في حديث النعمان بن بشير، وبالله التوفيق.
[مسألة: ساق إلى امرأته جارية في صداقها فأراد
أن يتزوجها قبل أن يبني بها]
مسألة قيل له: أرأيت إن هو ساق إلى امرأته جارية في صداقها، فأراد
(5/132)
أن يتزوجها قبل أن يبني بها؟ قال: لا يجوز
له؛ لأنه شريك فيها.
قال محمد بن رشد: وكذلك إن زنى بها لم يحد، وهو على مذهبه، وروايته عن
مالك، في أنه إن ماتت الجارية، ثم طلقها فالمصيبة منهما، والغلة بينهما،
ويأتي على ما مضى في أول سماع أشهب، أنه إن أصدقها عبدا فمات عندها ثم
طلقها قبل البناء. إن المصيبة منها يرجع عليها بنصف قيمته؛ إنه لا يجوز له
أن يتزوجها إن كانت أمة، ويحد إن زنى بها، والقولان في وجوب الحد عليه إن
زنى بها في ثمانية أبى زيد منصوص عليهما على هذين الأصلين، فقف على ذلك.
وأما إن بنى بها، فيجوز له أن يتزوجها، ويحد إن زنى بها؛ لأنها قد
استوجبتها بالدخول، فهو بمنزلة إذا كانت لها من غير صداقها. وقد مضى القول
على ذلك قبل هذا، وبالله التوفيق.
[مسألة: فجر بامرأة أينكح ابنتها]
مسألة وقال: في رجل فجر بامرأة، أينكح ابنتها؟ قال: لا. قيل له: فإن فجر
بامرأة أتحل له أختها؟ قال: نعم؛ لأنها ممن يحل له أن يتزوجها بعد أختها،
ولا يحل له أن يتزوج البنت بعد أمها.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: إنه إذا فجر بالمرأة لا يتزوج ابنتها، على
الوجوب، خلاف مذهب مالك في المدونة أن ذلك على الكراهة، لا على الوجوب،
ومثل ما في الواضحة من أن الحرام يحرم الحلال، خلاف ما في الموطأ من أنه لا
يحرمه هي ثلاثة أقوال: الإباحة، والكراهة، والتحريم، مرة رأى مالك التحريم
في ذلك عبادة، لا لعلة، فقصره على الموضع الذي ذكره إليه فيه، وهو النكاح
الحلال؛ لأنه قال: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وليست المزني
بها حليلة للزاني، {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] . وليس المزني
بها من نساء الزاني، ومرة رآه لعلة، وهي ألا يجبر الرجل وابنه المرأة
الواحدة، وأن لا يجبر المرأة
(5/133)
وابنتها الرجل الواحد، فطرد العلة في
الحرام، ومرة ترجح الأمر عنده، فرآه من المشتبهات، الذي تركه أحسن، والأظهر
أنه عبادة، لا لعلة، بدليل إجماعهم على تحريم زوجة الابن على الأب، وزوجة
الأب على الابن بالعقد، دون الدخول. ومن رأى التحريم لعلة الاختيار، قال:
حمل العقد محمل الدخول؛ إذ لا يكون العقد إلا للدخول، فعلى القول بأنه يكره
للرجل أن يتزوج المرأة إذا زنى بأمها أو بابنتها، والمرأة إذا زنى بها أبوه
أو ابنه أن يتزوجها، فعثر على ذلك قبل الدخول، أو كان الزنا بعد العقد وقبل
الدخول، أمر بفراقها بطلاق، وكان عليه نصف الصداق، وعلى القول بأن الزنا
يحرم الحلال إن كان التزويج بعد الزنا، فعثر على ذلك قبل الدخول، يفرق
بينهما بغير طلاق، ولم يكن لها شيء من الصداق، وإن كان الزنا بعد التزويج،
وهو عالم أن نكاح المزني بها يحرم عليه امرأته، فرق بينهما، وكان عليه نصف
الصداق؛ لأن الفراق جاء من قبله على ما مضى فوق هذا في الذي يشتري امرأته
قبل البناء، وهو عالم أنها امرأته، أو ليس بعالم، ولا اختلاف في أن الوطء
الفاسد في العقد الصحيح، أو في العقد المختلف في تحريمه، يحرم الربيبة،
وأما إن كان العقد فاسدا لم يختلف في تحريمه، فوطئ فيه وهو عالم بفساده،
كالزاني يحد، ولا تحرم عليه الربيبة، إلا على القول بأن الزنا يحرمها.
واختلف إن وطئها وهو يظن أن النكاح صحيح، أو أنها زوجته وما أشبه ذلك مما
يكون شبهة يدرأ بها عنه الحد، على القول بأن الزنا لا يحرم، هل يقع ذلك
التحريم، كالوطء بالنكاح من أجل أنه وطء لا حد فيه أم لا؟ على قولين؛ الأصح
منهما في النظر، أنه لا يقع به التحريم؛ لأنه إنما وطئ من ليست له بزوجة،
فإذا لم يجعل التحريم لعلة الاختبار، وقال: إنه عبادة لغير علة، وجب ألا
يوجب ذلك حرمة، وقد اختلف من هذا المعنى في الذي يريد من الليل زوجته، فتقع
يده على ابنته فيباشرها متلذذا بها، أو يطأها، هل تحرم عليه أمها وهي
زوجته، فحكم له بعض القرويين بحكم الربيبة، وحرم عليه
(5/134)
بذلك أنها زوجة، وروي عن سحنون، والليث بن
سعد: أنها لا تحرم عليه. وهو الصحيح؛ لأن ابنته ذا محرم منه لا ينعقد له
فيها نكاح ألبتة، فهي بخلاف الربيبة؛ لأن الربيبة قد كان له أن يتزوجها لو
لم يتزوج أمها، فهي التي ورد تحريم كل واحد منهما بنكاح صاحبتها، وبالله
التوفيق.
[مسألة: أحضر رجلا فقيل نراك تنصر هذا ولقد
بلغنا أنه ختنك فقال نعم أنصره]
مسألة وقال: في رجل أحضر رجلا، فقيل: نراك تنصر هذا، ولقد بلغنا أنه ختنك،
فقال: نعم أنصره، واشهدوا أني قد زوجته ابنتي، فقيل له بكم؟ فقال بما شاء،
ثم قام الرجل بعد ذلك فقال: امرأتي، فقال الأب: والله ما كنت إلا لاعبا،
قال: يحلف الأب بالله ما كان ذلك منه، على وجه النكاح، ولا شيء عليه، قيل
له: طلب ذلك بحدثانه أو بعد ذلك بيومين. قال: ذلك سواء.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، مثل ما حكى أبو عبيد عن مالك،
ورواه الواقدي عنه من أن هزل النكاح هزل، ولا يجوز منه إلا ما كان على وجه
الجد، خلاف المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه في المدونة وغيرها، من أن
هزله جد، على ما جاء في ذلك عن جماعة من السلف عمر بن الخطاب، وسعيد بن
المسيب، وغيرهما.
[مسألة: فوض إليه فبنى وأرخيت الستور فأنكر أهل
الجارية أخذ الصداق]
مسألة وقال: في رجل فوض إليه، فبنى وأرخيت الستور، فأنكر أهل الجارية أن
يكون دفع شيئا من الصداق، وقال: دفعت. قال: القول قول الزوج.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما كان القول قوله بعد الدخول في
الصداق المسمى إذا ادعى أنه دفعه قبل الدخول، من أجل أنه
(5/135)
ليس له أن يدخل حتى يؤديه، وجب أن يكون
القول قوله، دفع صداق المثل إذا فوض إليه، من أجل أنه ليس له أن يدخل بها
في التفويض، حتى يدفع إليها صداق مثلها، وإن كان الذي ادعى أنه دفع إليها
أقل من صداق مثلها، حلف على ذلك، ووفاها تمام صداقها، وإن ادعى عليها أو
على أبيها إن كانت بكرا الرضا بذلك من صداق مثلها، لم يصدق وحلفتْ على ذلك
هي وأبوها إن كانت بكرا، وإن ادعى أنه دفع إليها أكثر من صداق مثلها،
ليلزمها التجهز بذلك إليه لم يصدق في الزائد، وأسقطته عن نفسها بيمينها،
تحلف بالله ما دفع إليها شيئا ويحلف هو بالله لقد دفع إليها ما ادعى، ويكون
عليها أن تتجهز إليه من ذلك بقدر صداق مثلها.
[مسألة: الولي ينكح الجارية على إن رضيت فترضى]
مسألة وعن الولي ينكح الجارية على إن رضيت فترضى، قال: يفسخ النكاح، قيل
له: وإن كانت قريبا، قال: نعم، قيل له: فإن بنى بها، قال: أما البناء فلا
أدري، وضعف الفسخ فيه. وروايته في معنى قوله، فلا يرى الفسخ إذا بنى.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا تزوجها على إن رضيت فهو نكاح
العقد على خيار، وإن كانت قريبة، إلا أن تكون حاضرة في البلد، فيرسلا إليها
ليعلما رضاها في الفور قبل أن يفترقا من مجلسهما، فيجوز ذلك على معنى ما
مضى في آخر سماع أصبغ، وقوله: إنه لا يفسخ بعد البناء، وهو أحد قولي مالك
في المدونة، وفي رسم باع شاة، من سماع عيسى. وقد مضى من القول على ذلك
هنالك ما لا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: قال في مرضه قد زوجت ابنتي فلانا
وأصدقتها عنه مائة دينار]
مسألة قال: وسألته عن رجل قال في مرضه: قد زوجت ابنتي فلانا وأصدقتها عنه
مائة دينار، قال: ذلك جائز، ويخرج من الثلث، إذا
(5/136)
كان أجنبيا. قال: ولو قال: قد أصدقت امرأة
ابني عن ابني مائة دينار، لم يجز.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في رسم العرية، من
سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هاهنا، وبالله التوفيق.
[مسألة: أسلم وامرأته من غير أهل الكتاب فعرض
عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت]
مسألة قال: ولو أن رجلا أسلم، وامرأته من غير أهل الكتاب، فعرض عليها
الإسلام فأبت، ثم أسلمت بعد ذلك، لم يكن له عليها رجعة إلا بنكاح جديد.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وهو يبين ما وقع في المدونة من أن
الفرقة لا تقع بينهما إذا لم تسلم بعد إسلامه، إلا أن يتطاول ذلك بأكثر من
الشهر، أن معناه إنما هو إذا غفل عن عرض الإسلام عليها. قال بعض شيوخ
القرويين: وهذا في المدخول بها، فلا يستحق في ذلك الشهر، ولا تكون زوجته
إلا إذا أسلمت بالقرب، ولا فرق في القياس بين المدخول بها وغير المدخول بها
في هذا؛ لأن العصمة بينهما قائمة وإن لم يدخل بها، وقد أمره الله ألا يمسك
بها، فإما أن يحمل أمره عز وجل على الفور فيهما جميعا، أو على التراخي
فيهما جميعا، وحمله مالك على التراخي، وخفف الشهر في ذلك ما لم توقف فتابا
الإسلام، وبالله التوفيق.
[مسألة: أراد أن يتزوج امرأة ربيبه زوج أمه]
مسألة وقال في رجل أراد أن يتزوج امرأة ربيبه زوج أمه: إنه لا بأس به.
(5/137)
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله
عز وجل إنما حرم عليه زوجة أبيه؛ لقوله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وربيبه ليس بأب له، فلا حرمة بينه وبين زوجته،
إلا أن يكون تزوج أمه ودخل بها، وهي ترضعه؛ لأنه يصير بذلك، أبا له من
الرضاعة، فلا يتزوج امرأته.
[مسألة: تزوج صبية صغيرة وشرط لها عليه إن تزوج
عليها فأمر نفسها بيدها]
مسألة وقال ابن القاسم في رجل تزوج صبية صغيرة، وشرط لها عليه إن تزوج
عليها، فأمر نفسها بيدها، فتزوج عليها، وهي صبية صغيرة، قال: إن كانت قد
عقلت وعرفت الطلاق والخيار، فلها الخيار. وإن كانت لم تعرف ذلك استوني بها
حتى تعقل، ثم تختار، إن شاءت. قيل له: فإن كان تزوجها على أنه إن تزوج
عليها، فأمر التي تزوج عليها بيدها، فتزوج عليها، وهي صغيرة لا تعقل، قال:
يفسخ نكاحه.
قال محمد بن رشد: أما التي شرط لها عليه إن تزوج عليها، فأمر نفسها بيدها،
فتزوج عليها، وهي صغيرة لا تعقل. فقوله فيها: إنه يستأنى بها حتى تعقل، ثم
تختار إن شاءت، فهو صحيح. مفسر لجميع الروايات. من ذلك ما وقع في كتاب
التمليك في رسم: الشجرة من سماع ابن القاسم، ورسم: بع ولا نقصان عليك من
سماع عيسى. ووجه ذلك أنه إذا تزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل، فقد أوجب لها
في نفسها التمليك إذا عقلت، وقد لا تعقل أو تموت قبل أن تعقل، فكان ذلك
بمنزلة الذي يقول لامرأته: أمرك بيدك، إذا قدم فلان، إن الأمر يكون بيدها
إذا قدم فلان. وأما التي شرط لها عليه أنه إن تزوج عليها، فأمر التي تزوج
عليها بيدها وهي صغيرة لا تعقل، فقد مضى القول في نظيرها في رسم إن خرجت من
سماع عيسى؛ لأن الصغيرة التي لا تعقل كالمجنونة، فالكلام على تلك يغني عن
الكلام على هذه
(5/138)
ولو كانت ممن يعقل لكان لها الخيار، وإن لم
تبلغ في المسألتين جميعا، ولا اختلاف في ذلك أحفظه، وبالله التوفيق.
[مسألة: يتزوج سرا بشهادة شاهدين ويستكتما ذلك]
مسألة قال ابن القاسم: كل نكاح اختلف فيه ليس بحرام، فإن طلق فيه لزمه
الطلاق، مثل أن يحلف بطلاق امرأة إن تزوجها، ونكاح المريض، ونكاح السر الذي
يتزوج سرا بشهادة شاهدين ويستكتما ذلك، فتطلق في ذلك كله قبل أن يفسخ إن
الطلاق قد لزمه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إن كانت البتة.
قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم في المدونة الذي اختاره لرواية بلغته
عن مالك إن كل نكاح اختلف الناس فيه، فالفسخ فيه طلاق، والطلاق فيه قبل
الفسخ لازم، والميراث فيه واجب، والخلع فيه جائز نافذ، وإن كان الفساد في
العقد دون الصداق، وجب فيه جميع الصداق المسمى بالموت، ونصفه بالطلاق قبل
الدخول ما لم يفسخ. وكل نكاح لم يختلف في فساده، فلا طلاق فيه ولا ميراث،
والخلع فيه مردود؛ لأن مذهب ابن القاسم أن الخلع تابع للطلاق، خلاف قول ابن
الماجشون، ومذهب ابن المواز. وقد ذكرنا ذلك في سماع سحنون.
والذي أجازه سحنون، وقال به أكثر الرواة، إن كل نكاح كانا مغلوبين على
فسخه، فالفسخ فيه ليس بطلاق، ولا طلاق ولا ميراث فيه قبل الفسخ، حيث يغلبان
عليه، فما فسد لصداقه على هذا القول، لا طلاق ولا ميراث فيه قبل الدخول،
ويكون الطلاق والميراث فيه بعد الدخول، ولا كتاب النكاح الثالث من المدونة
قول ثابت، وهو: أن ما كان من الأنكحة يفسخ قبل الدخول وبعده، فلا طلاق فيه
ولا ميراث قبل الدخول ولا بعده، وإن كان قد اختلف فيه، وما كان منها يفسخ
قبل الدخول
(5/139)
ويثبت بعده، ففيه الطلاق والميراث قبل
وبعد، والمشهور في المذهب، أن الحرمة تقع بكل نكاح مختلف فيه، وأجرى ابن
حبيب الحرمة مجرى الطلاق والميراث، ومثله لابن القاسم في الدمياطية، قال في
المريض يتزوج المرأة في مرضه: إنها تحل لابنه وأبيه إن لم يكن دخل بها،
وبالله التوفيق.
[مسألة: يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر وقد
استهلكه]
مسألة وعن الرجل يزوج ابنته ويقبض صداقها وهي بكر، وقد استهلكه. قال: إذا
أقر به فهو ضامن له. قيل: فقال: قد دفعته إليها، قال: إن كان دفعه إليها
عينا فهو له ضامن؛ لأن الأبكار، ليس يدفع إليهن الدنانير، إنما يجهزن. قيل:
فدخلت على زوجها، وزعم أنه جهزها بصداق كذا وكذا ودفعه إليها وأنكرت ذلك،
قال: يحلف ويبرأ.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينيها على نصها في أول سماع أصبغ،
والكلام عليها هناك مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى.
[مسألة: تزوج امرأة وكان في صداقها خادم فدخل
بها فطلبت الخادم]
مسألة وقال: في رجل تزوج امرأة، وكان في صداقها خادم، فدخل بها، فطلبت
الخادم، فقال: قد صالحتني منها على دنانير، ودفعتها إليك، قال: لا يصدق
الزوج؛ لأنه مدع قال: فإن أقرت بالصلح صدق، ولم يكن لها شيء، إذا قال: قد
دفعتها إليك، وإن زعمت أنها لم تقبض شيئا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن الزوج لا يصدق في دعواه دفع الدنانير
إليها صلحا عن الخادم؛ لأنه مدع في شراء الخادم الذي عليه لها منها، ولا
دليل له على ذلك؛ يصدق دعواه، فوجب أن يكون عليه إقامة البينة؛ لقول
(5/140)
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة
على من ادعى، واليمين على من أنكر» فإن أقرت له بالصلح كان القول قوله في
دفع الدنانير إليها؛ لأن تمكينها إياه من الدخول بها دليل على صحة دعواه في
الدفع إليها، وبالله التوفيق.
[مسألة: شرط أبو الجارية على أبي الزوج أنه إن
أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي]
مسألة وعن نصراني تزوج نصرانية وشرط أبو الجارية على أبي الزوج: أنه إن
أسلم زوج ابنتي فأمرها بيدها أو بيدي، قال: إن أسلم الزوج قبل أن يحتلم أو
بعدما احتلم وقبل أن يبني، أو بعدما بنى، فلا شيء بيد امرأته، ولا بيد
أبيها، ويسقط ذلك كله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن الشروط المنعقدة بين الزوجين من أهل
الذمة في نكاحهما لا تلزمهما بعد الإسلام، كانت مما يلزم أهل الإسلام، أو
مما لا يلزم؛ لأنه لا يلزم أهل الإسلام منها إلا ما كان بعد يمين من طلاق
أو تمليك، وذلك لا يلزم الكافر. وهذا معنى ما وقع في كتاب النكاح الثالث من
المدونة على اختلاف في ذلك بين الروايات، يرجع جميعها إلى هذا، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يبعث من يزوجه فيزوجه ثم يموت الزوج
ولا يدرى أقبل النكاح أو بعد]
مسألة وقال ابن القاسم في الذي يبعث من يزوجه، فيزوجه ثم يموت الزوج، ولا
يدرى أقبل النكاح أو بعد؟ إنه لا ميراث بينهما حتى يعلم أنه مات بعده، وإن
البينة على المرأة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه لا يرث
أحد أحدا بشك، والمرأة غير وارثة حتى يعلم أن النكاح وقع قبل موته، فعليها
إقامة البينة على ذلك، وبالله التوفيق.
(5/141)
[مسألة: يطأ
الجارية ثم يزوجها غلامه فتلد منه جارية]
مسألة وقال ابن القاسم في الرجل يطأ الجارية ثم يزوجها غلامه، فتلد منه
جارية: إنها لا تحل لابنه. وروى عيسى بن دينار، أنه لا بأس به. قال عيسى:
وإنما هو بمنزلة ما لو تزوج امرأة فوطئها ثم طلقها أو مات عنها، ثم تزوجت
زوجا فولدت جارية؛ أنه لا بأس به أن يتزوجها ابن الأول من غيرها، ولا بأس
أن يتزوج ابنها من الآخر ابنة الأول من غيرها.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة في بعض الأمهات في آخر هذا السماع، وقول
ابن القاسم في سماع أبي زيد منه: إنه لا يحل للرجل أن يتزوج ابنة عبد أبيه
من جارية قد وطئها أبوه بعيد. ورواية عيسى عنه: أنه لا بأس بذلك، هو
الصحيح؛ إذ لا حرمة بينه وبينها، إلا أن يكون قد صار لها -أعني الجارية-
ابن من وطء أبيه، فلم ينقطع عنها حتى تزوجها العبد، فحملت منه فوضعت وأرضعت
ابنتها بذلك اللبن الذي كان أصله من أبيه، ولم ينقطع؛ لأنها تصير بذلك أخته
للأب من الرضاعة، على ظاهر ما في المدونة، خلاف ما حكى ابن شعبان، وقال
فيه: إنه إجماع من أن لبن المرأة ينقطع من زوجها الأول بوضعها من الثاني.
والمسألة التي شبهها بها عيسى هي مثلها سواء، يدخل كل واحد منهما ما يدخل
صاحبتها؛ إذ لا فرق بين الوطء بالملك والنكاح، وبين العبد والحر فيما يوجب
ذلك من حرمة النكاح، وقد أجمعوا أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج ما ولدت امرأة
أبيه قبل أبيه، واختلفوا هل يجوز له أن يتزوج ما ولدت بعد أبيه على ثلاثة
أقوال: أحدها: أن ذلك جائز، وهو قول مالك وكافة أصحابه العلماء، ورواية
عيسى، عن ابن القاسم هنا. والثاني: أن ذلك لا يحل، وهو قول ابن القاسم في
رواية أبي زيد عنه، وقد ذكرنا بعد ذلك، وأنه لا يصح إذا لم ترضعها بلبن لم
ينقطع من أبيه. والثالث: أن ذلك مكروه، حكى ذلك ابن حبيب، عن طاوس، وما
للكراهية في ذلك عندي وجه، إلا إن كانت أمها أرضعتها بلبن زوجها الثاني،
فينفي أن يكون
(5/142)
وطء زوجها الأول وهو الأب، قد زاد في لبنها
من الزوج الثاني، وإن كان قد انقطع من الأول، أو لم يكن لها منه لبن أصلا.
وإن كانت ولدتها لما تلحق من الأنساب من أبيه، مخافة أن يكون الولد منه؛
لاحتمال أن يكون أهريقت عليه الدم (كذا) فجش الولد في بطنها، وظنت أن ذلك
حيض انقضت به عدتها فتزوجت، فلما أصاب الولد الماء، تحرك الولد، ووضعته لما
يلحق بها الأنساب من أبيه، فهذا له وجه أيضا. وإلا فلا، والله ولي التوفيق.
تم كتاب النكاح بحمد الله وحسن عونه وتأييده، وصلى الله على سيدنا محمد
وآله وصحبه أجمعين.
(5/143)
|