البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب الظهار

(5/167)


من سماع عبد الرحمان بن القاسم من كتاب أوله شك في طواقه
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم قال : سمعت مالكاً يقول وسئل عن الذي تكون عليه كفارة الظهار ، أتر أن الشعير مجزياً عنه في إطعامه ؟ قال إن كان ذلك طعام أهل ذلك البلد ، هو الغالب عليهم فأرى ذلك مجزياً عنهم ، فقيل له : ربما غلا الشعير حتى يكون مكافياً للقمح في الغلا ، قال : إن كان طعامهم ، فأرا ذلك مجزياً عنهم .
قال محمد بن رشد : هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها أن الكفارات يخرجها المكفر من غالب عيش بلده ، كان عيشه وعيش عياله أرفع من عيش أهل بلده أو أدنى ، إلا أن يكون عيشه من الأدنى إنما هو من ضيق وجده فليس عليه أن يخرج إلا من ذلك وذهب ابن المواز إلى أنه إنما يجب عليه أن يخرج مما يأكل هو ، كان ذلك أرفع مما يأكل أهل بلده أو أدني ، ألا أن يكون إنما يأكل أهل بلده بخلاً وشحاً فيكون عليه أن يخرج مما يتقوت به أهل بلده ، وذهب ابن حبيب ، إلى أنه يخرج من الأرفع ، مما يتقوت به هو وأهل بلده ، إلا أن يعجز أن يخرج مما

(5/169)


يتقوت به أهل بلده ، فهي ثلاثة أقوال ويخرج عندهم منكل ما تؤدي منه زكاة الفطر على ما مضى القول فيه في رسم حلف من سماع ابن القاسم ، من كتاب الزرع والحبوب ، كل على مذهبه في مراعاة ما يتقوت به أهل بلده دون ما يتقوت به هو أو مراعاة ما يتقوت به هو دون ما يتقوت به أهل بلده أو إخراج الأرفع من ذلك وقوله أبن المواز في مراعاة ما يتقوت به دون ما يتقوت به أهل بلده أظهر ابن القاسم ، لن الخطاب في قوله عز وجل : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم )إنما يتوجه إلى المكفرين لا إلى من سواهم من أهل بلدهم ، ويؤيده حديث أبي سعيد الخدري في زكاة الفطر : " كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب ، لأنهم كانوا أهل بلد واحد ، وإنما افترق ما كانوا يخرجون ، لافتراق ما كانوا به يتقوتون ولابن حبيب فيما يخرج به زكاة الفطر الفطر من الأصناف تفصيل فيه نظر ، من أحب الوقوف عليه تأمله في موضعه ، وكذلك اختلف في مقداره مكيلة كفارة الظهار على ثلاثة أقوال : أحدهما قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة إنه يخرجها بمد هشام ، وهو مدان إلا ثلث لأنها مطلقة في القرآن ، لم تقيد فيه بالوسط من الشبع ، ككفارة اليمين فحملت على الشبع الكامل ، والقول الثاني
رواية مطرف عن مالك أنه يخرج فيها لكل مسكين مدان بمد النبي عليه السلام حملاً على كفارة فدية الأداء المطلقة في القرآن والمقيدة في السنة بمدين ، وإليه ذهب ابن حبيب وذكر في ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطا المظاهر شطر تمر وهو نصف وسق ، ليكفر به عن ظهاره والقول الثالث إنه يخرجها فيا لكل مسكين مداً واحداً بمد النبي عليه السلام ، حملاً على كفارة اليمين المقيدة في القرآن بالوسط من الشبع ، وهو قول ابن القصار في كتابه وعليه يأتي قول ابن الماجشون وما في كتاب محمد بن المواز ، أنه إن غدَّا وعشَّا

(5/170)


في الظهار أجزاءه ولا ينبغي له أن يفعل ذلك ويؤيد هذا القول ما روى من أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطا المظاهر عدنا في قدرة خمسة عشر صاعاً ليكفر به عن ظهاره خرجه الترميذى . وإن قول مالك يختلف أن الرقبة فيه مومنة ، حملاً على آية القتل ، فكذلك يجب أن يجزي فيه مد لكل مسكين ، حملاً على آية كفارة اليمين ، وأيضاً فإن الذمة برية ، ولا ينبغي أن يثبت فيها بشيء إلا بيقين والله أعلم . قد قيل في مد هشام : إنه مدان وقيل مد وثلث والله أعلم .
ومن كتاب سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن القاسم : قال مالك في رجب قال لامته أنت أحرم علي من أمي فأراد أن يطأها فقال : لا يطأها حتى يعتق رقبة ، قال ابن القاسم وقد نزلت عندنا في رجل قال لامرأته أنت علي حرام مثل أمي فكتب بها إلى أحمد يسأله فأجاب مالك فيها إنه ظهار .
قال محمد بن رشد : هذا المعنى مكرر في غير موضع ، من ذلك ما في سماع أشهب من هذا الكتاب ، ومن كتاب الإيلاء ، وما في سماع عيسى من هذا الكتاب ، ومن كتاب التخبير والتمليك ومن كتاب الإيمان بالطلاق وما في سماع يحيي وأصبغ وأبي زيد من هذا الكتاب وتحصيل القول في هذه المسألة أن التحريم بذوات المحارم كلهن من نسب أو صهر أو رضاع ظهار ، سمى الظهار أو لم يسمه إلا أن يريد بذلك الطلاق ، فيتخلف في ذلك على ثلاثة أقوال : أحدها أن ذلك ظهار ، وهو قول ابن الماجشون ، والثاني ذلك طلاق ، وهو قول ابن القاسم ، ولا ينوا عنده في المدخول بها وينوي عند سحنون ، والثالث أنه إن سمي الظهر فهو ظهار ، وإن لم يسمه فهو طلاق ، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه ، وأن التحريم بالأجنبيات طلاق إن أراد به الطلاق ، وإن لم يرد به الطلاق ، أراد به الظهار أو لم يرده ، فيختلف فهي على ثلاثة أقوال : أحدها إنه طلاق ، وهو قول ابن الماجشون ، الثاني إنه ظهار ، وهو قول ابن القاسم في رواية أبي زيد عنه ، والثالث الفرق بين أن يسمي الظهر أو لا يسميه ، وهو قول ابن القاسم في المدونة وبالله التوفيق .

(5/171)


مسألة
وسئل عن رجل تزوج أمة ثم ظاهر منها ، ثم اشتراها فأعتقها في تظاهره منا ، ثم أراد أن يتزوجها ، فقال ، يجزي ذلك عنه من تظاهره ومعنى قوله ، أنها إذا لم تكن حاملاً واشتراها وليس في بطنها حمل ، وذلك لأنا سمعنا منه أنه يقول : هي أم ولد بذلك الحمل . وقال مالك : لا يجزي عتق أم الولد في الظهار إذا ظاهر منا و من غيرها قال ابن القاسم : فحملنا هذا على وجه قوله والله أعلم .
قال محمد بن رشد : إنما ينبغي أن يجزي ذلك عنه من تظاهر على القول بن العودة العزم على الوطء ، وعلى القول بأنه إذا ابتدأ الكفارة في العصمة جاز له بعد الخروج من العصمة ويكون معنى المسألة أنه لما ظاهر منها عزم على وطئها قبل أن يشتريها ، فوجبت عليه الكفارة بذلك ، فلما اشتراها وهي غير حامل ، جاز له أن يعتقها فيما وجب عليه من الكفارة بالعزم على الوطء مع استدامة العصمة ، وأنه لا يجوز له أن يتم الكفارة بعد الخروج من العصمة ، وهو المشهور في المذهب ، فلا يصح أن يجزيه عتقها ، ولا الكفارة بعتق غيرها ولا بما سواه من صيام أو إطعام ، إلا بعد أن يتزوجها ويعزم على وطئها ، لأن الكفارة لا تصح إلا مع إرادة الوطء في حال يجوز فيه .
ومن كتاب اغتسل علي غير نية
وسئل عن متظاهر أجمع على إمساك امرأته ثم صام فماتت فقال : لا أرى عليه إتماماً ، فقبل له : فإنه يشق عليه الصيام فطلقها لموضع الصيام الذي يشق عليه ، قال مالك : لا أرى عليه إتماماً لصيامه .
قال محمد بن رشد : أجمع على إمساك امرأته ، يريد به أجمع على إمساكها وإصابتها ، ولو أجمع على إمساكها ولم ينو المصاب ولا أراده بما أجزاه

(5/172)


الصيام ، وإن أتمه إلا على ما يدل عليه قول ابن نافع في المدونة وهو قول شاذ خارج عن أقاويل العلماء . وقوله إنها ماتت فلا يجب عليه إتمام صيامه صحيح على المشهور في المذهب أن العودة إرادة الوطء ، والإجماع عليه مع استدامة العصمة فمتى انفرد أحدهما عن الآخر ، لم تجب الكفارة أن أجمع على الوطء ثم قطع العصمة بطلاق فلم يستدمها أو انقطعت بموت ، سقطت الكفارة ، وإن كان قد عمل بعضها ، سقط عنه سائرها وكذلك إن استدام العصمة ولم يرد الوطء ، ولا أجمع عليه ، لم تجب عليه الكفارة بل لا تجزئه أن فعلها وهو غير عازم على الوطء ، ولا مجمع عليه ، فالكفارة على هذا القول تصح بالعزم على الوطء والإجماع عليه ولا تجب إلا بالوطء ، وعلى ما أجمع على الوطء وإن ماتت أو طلقها ، وإن كان عمل بعضها كان عليه تمامها وبالله التوفيق .
ومن كتاب باع غلاماً بعشرين ديناراً
وسئل مالك عن رجل قال كل امرأة أنكحها فهي علي كظهر أمي فقال : كفارة واحدة تجزيه ، فقيل له : أفرأيت إن كانت له امرأة ، فقال لها كل امرأة أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي ؟ قال : تجزيه كفارة ,واحدة ، قال عليك أو لم يقل عليك .
قال محمد بن رشد : هذه مثل ما في المدونة وفي العشرة ليحيي عن ابن القاسم ، أن عليه لكل امرأة كفارة وروى أشهب أن مالكاً قاله مرة ، وهو قول ابن نافع ، وجه القول الأول أن الكفارة إنما هي لما لفظ به من القول المنكر فلم يكن عليه إلا كفارة واحدة ، قال ذلك ابن الماجشون في كتابه ، وليس ذلك بوجه بين ، وإنما الوجه في ذلك ، أن قائل ذلك ، إنما قصد إلى الامتناع من التزويج أبداً أو من التزوج على امرأته بالظهار ، و الظهار يمين تكفر ، فكأنه قال : والله لا أتزوج أبداً ولا أتزوج على امرأتي أبداً ، أو كأنه قال : إن تزوجت أبداً وإن تزوجت على امرأتي فعلي كفارة الظهار ، فوجب

(5/173)


أن يكون كفارة واحد أو تزوج ، أو أن تزوج على امرأته ووجه القول الثاني اعتبار ما يقتضيه اللفظ من إفراد كل امرأة يتزوجها بحكم الظهار فيها لأنه كأنه قال : كل امرأة أنكحها فعلي فيها كفارة ظهار ، أو كلما تزوجت امرأة فعلي فيها كفارة الظهار وهذا القول أظهر ، لأن الظهار كان في الجاهلية طلاقاً ، فخفف الله ذلك بأن جعل فيه الكفارة ، فكما كان الطلاق يلزم بهذا القول في كل امرأة يتزوجها ، وكذلك يلزمه الظهار في كل امرأة يتزوجها وأما لو قال : من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي لوجب عليه في كل امرأة يتزوجها كفارة ، ولا خلاف في ذلك بخلاف قوله : ل امرأة أتزوجها ، وكذلك لو قال لنسوة أن إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي ، لم يلزمه إلا كفارة واحدة ، ولا خلاف في ذلك ، بخلاف قوله : تزوجت منكن . قال ذلك ابن المواز ، ولم يعجب أبا إسحاق تفرقته بين كل امرأة أتزوجها ، وبين من تزوجت من النساء وكذلك ليس بينهما فرق بين في المعنى ، والله أعلم وبه التوفيق .
من سماع أشهب . وابن نافع ، من مالك رواية سحنون عنهما من كتاب الطلاق
قال أشهب : وسمعته يسأل عمن ظاهر من امرأته ، ثم طلقها طلقة ، ثم أراد أن يكفر ، ثم يرتجع بعد ذلك قال : يرجع ثم يكفر قال ابن نافع وقال مالك : إن كفر قبل أن يرتجع أجزأه ذلك ، إن كان في العدة قبل أن تنقضي قال أشهب : إن كفر قبل أن يرتجعها فذلك يجزي عنه ولا بأس به أن فرغ من الكفارة قبل أن

(5/174)


تبين منه ، فإن بانت منه قبل فراغه من الكفارة سقط ما كفر به من الصيام والإطعام ، وكانت عليه الكفارة مبتدأة إن هو تزوجها قبل أن يصيبها ، قال أشهب : وقال ذلك المخزومي أيضاً .
قال محمد بن رشد : قوله : إن المظاهر من امرأته أن طلقها طلقة ثم أراد أن يكفر ، إنه يرتجع قبل الكفارة ، إنما هو استحسان ، بدليل قوله بعد ذلك ، إنه عن كفر قبل أن يرتجع أجزأه ، يريد إذا فرغ من لكفارة قبل أن تبين منه كما قال أشهب : ومعنى ذلك ، إذا كفر بنية العودة وهي أن ينوي الارتجاع ويعزم على الوطء لأن الكفارة لا تصح إلا بعد العزم على الوطء والإجماع عليه ، على ما مضى في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم ، وقول أشهب : إنها إن بانت منه قبل فراغه من لكفارة سقط ما كفر به من الصيام والإطعام ، هو المشهور في المذهب وقال ابن عبد الحكم ، يتم على صيامه وإطعامه ، ويجزيه ، وهو قول ابن نافع في المدونة وفرق ابن الماجشون في ديوانه ، بين أن يمضي في الكفارة أقلها ، أو أكثرها ، وأما إن لم تتم له كفارته حتى تزوجها ، فاتفق على انه لا يبني على الصيام ، واختلف هل يبني على الإطعام ؟ فقال أشهب : هاهنا إنه لا بيني ، وقال أصبغ : له أن بيني ، فيتحصل في الإطعام أربعة أقوال : أحدها إنه لا يبني بعد انقضاء العدة وأن تزوجها وهو قول أشهب . والثاني إنه يبني وإن لم يتزوجها ، وهو قول ابن عبد الحكم وابن نافع ، والثالث إنه لا يبني إلا أن يتزوجها ، وهو قول أصبغ ، والرابع الفرق بين أن يمضي منه أقله أو أكثر وهو قول ابن الماجشون ، وفي الصيام ثلاثة أقوال : يبني ، ولا يبني ، والفرق بين أن يمضي منه أقلة أو أكثر وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن يظاهر من امرأته فيصوم في تظاهره منها شهراً ثم يطلقها طلاقاً له فيه رجعة ، ثم يتم صيامه ولا يرتجعها ، أترا ذلك يجزيه ويخرجه من الظهار ؟ فقال : نعم .
قال محمد بن رشد : أما إذا طلقها طلاقاً رجعياً ، فلا اختلاف في أن له أن يبني على صيامه ، ومعنى ذلك ، مع أن ينوي مراجعتها وإصابتها ، وأما مع ألا يريد مراجعتها ولا إصابتها ، فلا يصح له على مذهبه أن بني على صيامه ، وقد مضى بيان هذا في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم .
وأما إذا طلقها طلاقاً بائناً فلا يصح أن يبني على مذهب مالك ، ويصح له ذلك على قول ابن نافع في المدونة ، وقول ابن عبد الحكم ، وعلى قول ابن

(5/175)


الماجشون : : إن كان مضى من الكفارة أكثرها على ما مضى في المسألة التي قبل هذه إذا لا فرق بين أن تبين بانقضاء العدة ويكون الطلاق بائناً وبالله التوفيق .
ومن كتاب الطلاق
وسئل عن الذي يقول لامرأته : أنت علي كأمي ، وهو يريد الطلاق ، قال : تطلق عليه قلت : أرأيت أن رجعت إليه بعد نكاح أيكون عليه كفارة الظهار ؟ قال : لا ما له وللظهار هذا ؟ إنما أراد الطلاق .
قال محمد بن رشد : هذه مسالة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم سن من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته .
وقوله : أنها إن رجعت إليه بنكاح جديد ، لا يكون عليه كفارة الظهار صحيح ، وسواء في هذه المسألة كان مستفتياً أو مطالباً بحكم الظهار إذ لم يذكر الظهر ، ولو قال : علي كظهر أمي لم يصدق إذا حضرته البينة وطولب بحكم الظهار إذا تزوجها ، لأنه يتهم في إسقاط حكم الظهار عن نفسه بادعائه أنه أرد الطلاق فيؤخذ في الطلاق بما أقر به على نفسه ، وفي الظهار إن تزوجها بما أفصح به من قوله . وقبالله التوفيق .
مسألة
قال أشهب : وسمعت مالكاً وسئل عن المظاهر من امرأته ، أله أن يضاجعها ولا يمسها قبل أن يكفر ؟ قال : لا حتى يفرغ مما عليه فقلت له وهل يرا شعرها ؟ قال : نعم أرجو ذلك .
قال محمد بن رشد : خفف مالك هاهنا أن ينظر المظاهر إلى شعر امرأته التي ظاهر منها ، وقال في المدونة : لا بأس أن ينظر إلى وجهها ولا ينظر إلى شعرها ، ولا إلى صدرها قال في موضع آخر : لأن ذلك لا يدعو إلى خير ،

(5/176)


فدل على أنه كره ذلك للذريعة مخافة التطرف إلى ما بعد ذلك لكان ذلك محظوراً عنده ، لأن الله تعالي إنما قال ذلك : 0من قبل أن يتماسا وليس النظر إلى شيء من ذلك ممارسة ، وإنما اختلف أهل العلم في القبلة والمباشرة واللمس والجنس ، فمنهم من حمل قوله تعالي : ( من قبل أن يتماسا )على عمومه فمنع من ذلك كله إلا بعد الكفارة ، وهو مذهب مالك ، ومنهم من قال : أن للمظاهر أن يقبل ويباشر ، ويطأ في غير الفرج ، فحمل الآية على يغر العموم ، وقال أن المراد بالمماسة الوطء خاصة وهو قول الحسن وعطاء والزهيري ، فيأتي على مذهب من حمل الآية على العموم ، أنه إن قبل أو باشر قبل أن يكفره ، وجبت عليه الكفارة ، وهو قول مطرف : إنه أن قبل في خلال الكفارة ابتدأها وقال أصبغ وسحنون ، إذا قبل وباشر في خلال الكفارة ، استغفر الله ولا شيء عليه ، فالامتناع على مذهب مطرف مما عدا الوطء واجب ، وهو الظاهر من قول مالك لأنه قال : يجب على المرأة أن تمسك نفسها ، وإن رفعته إلى الإمام حال بينه وبينها ، وعلى قول أصبغ وسحنون ، مستحب ، وعلى القول الحسن ومن قال بقوله مباح ، وابلله التوفيق .
من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب الثمرة
قال ابن القاسم : إذا قال الرجل اشتروا عبد فلان وعبد فلان فأعتقوهما عني في ظهار وجب علي وقتل نفس ، فنظر في ثلثه فلم يحملها ، قال : يسهم بينهما ، فأيهما خرج سهمه اشتري فيعتق ، قلت : في أي شيء يعتق ؟ أفي الظهار أن في قتل النفس ؟ قال : بل في قتل النفس .
قالت : لم ؟ قال : لأن قتل النفس لا يطعم فيه المساكين ،

(5/177)


والظهار يطعم فيه المساكين ، فإن اشتروا هذا العبد الذي خرج سهمه فيعتق أطعم بفضلة الثلث المساكين في الظهار .
قلت : فإن لم يبلغ ما يطعم به ستين مسكيناً . قال يطعم به ما كان .
قلت : فإن فضل عن إطعام ستين مسكيناً ؟ قال : يعن بالفضلة في رقبة أو في رقاب .
قلت فإن كان ثمن الذي خرج سهمه يحيط بجميع الثلث في أي شيء يعتق العبد ؟ أفي ألظهار أم في قتل النفس ؟ قال : في القتل لأن الظهار أمر قد اختلف فيه ، لأن بعض الناس وقد قالوا لو أن رجلاً تظاهر من امرأته ثم وطئها قبل أن يكفر ، ثم طلقها ، إن الكفارة ليست عليه بواجبة ، وهو بقول أهل المشرق ، وبعض من ارتضى من أهل المدينة ، والقتل لا اختلاف فيه أن ذلك عليه عاش أو مات فالقتل أوجبهما عليه لما أختلف فيه من الظهار ، وهو أحب إلي .
قال محمد بن رشد : قوله إذ لم يحملها الثلث ، إنه يسهم بينهما ، فأيهما خرج سهمه فأعتق ، هو على قوله في المسألة التي بعدها ، إذا أوصى أن يعتق عبد من عبيده في ظهار عليه ، أنه يسهم بينهم ، أيهم بعتق في الظهار ، خلاف قول أصبغ وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد والذي يأتي في هذه المسألة على قول أصبغ ، وقول ابن القاسم في سماع أبي زيد : أن يكون الورثة بالخيار ، في أن يشتروا للعتق أيهما شاؤوا ذلك إذا كانت أثمانهما مستوية ، وأما إذا كان أحدهما أكثر ثمناً من الآخر ، فالواجب على هذا القول أن يشتري للعتق الأقل ثمناً منهما ، فإن بلغ ما يفضل من الثلث ما يشتري به عبد اشتري للكفارة الأخرى وإن لم يكن فيه ما يشتري به عبد أطعم فيه عن الظهار ، وأما قوله ، إنه يعتق العبد الذي خرج عليه السهم في القتل ويطعم بفضل الثلث عن الظهار ، فهو أمر لا اختلاف فيه ، إن كان

(5/178)


يفضل من الثلث ما يطعم به ستين مسكيناً عن الظهار ، وأما أن كانت الفضلة لا تبلغ إطعام ستين مسكيناً ، ففي ذلك قولان : أحدهما أنه يعتق العبد أيضاً في القتل ، ويطعم بالفضلة من المساكين ما بلغت ، وهو قول ابن القاسم ، والثاني إنه يعتق العبد عن الظهار ويشرك بالفضلة في رقبة عن القتل ، وهو سماع أصبغ في سماعه بعد هذا وأما إن لم يكن في الثلث فضل عن ثمن العبد الذي خرج السهم عليه ففي ذلك أربعة أقوال : قيل : إنه يعتق في القتل ، لأن الظهار قد اختلف فيه ، وهو قول ابن القاسم هاهنا وقيل : إن ذلك إلى الورثة يعتقونه على أي الكفارتين شاءوا وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ ، وقيل : يقرع بين الكفارتين ، فيعتق عن الكفارة التي خرج السهم لها وقيل يتحاصان ، فما ناب الظهار أطعم به ، وما ناب القتل شورك به في رقبة أخرى . وهذان القولان الآخران يتواليان على ما في المدونة من قوله فيها إنه لا بيدا أحدهما على صاحبه وبالله التوفيق .
وقوله لأن البعض الناس قد قالوا : لو أن رجلاً تظاهر من امرأته ثم وطئها قبل أن يكفر ، ثم طلقها ، إن الكفارة ليست عليه واجبة ، ظاهرة ولو وطئ مراراً فلم ير قائل هذا القول الكفارة تجب بالوطء ، وإنما رآها ليباح بها الوطء في المستقبل ، فمن مات أو طلق لم تجب عليه كفارة ، فيقال على هذا القول لمن ظاهر : لا تقرب امرأتك حتى تكفر ، لقول الله عز وجل ( من قبل أن يتماسا )فإن وطئ قبل أن يكفر قيل له قد عصيت وأثمت ، ولا يجوز لك أن تطأ أيضاً حتى تكفر ، فإن وطئ أيضاً قبل أن يكفر ، قيل له قد عصيت ثانية وأثمت ، ولا يجوز لك أيضاً أن تطأ حتى تكفر هكذا أبداً يكون كلما وطئ قبل الكفارة عاصياً ممنوعاً من الوطء فيما يستقبل حتى يكفر ، وهو قول له وجه ، وقد قال ابن القاسم ، إنه قول من يرتضي من أهل المدينة .
مسألة
قلت : فإن قال أعتقوا من رقيقي رأساً فإن علي رقبة في ظهار ، فنظروا في عبيده ، فإذا هم كلهم ليس فيهم من يجوز في الرقاب

(5/179)


الواجبة ، قال : يباع منهم ويشتري رقبة .
قلت : فإن كانوا ممن يجوز في الرقاب ، ولكنهم كل واحد منهم قيمته أكثر من الثلث ، قال : يباع مهم أيضاً فيشتري رقبة تجوز في الرقاب الواجبة .
قلت : فإن كان فيهم من يجوز في الرقاب ، وثمنه الثلث فما دونه ، وثم من يجوز ، وثمنه أكثر من الثلث ، وثم من لا يجوز رأساً قال : يعزل منهم الذين لا يجوزون ، والذين أثمانهم أكثر من الثلث ، ويسهم بين الآخرين فمن خرج سهمه اعتق .
قلت : فإن كان أوصى أن عليه رقبة في قتل فلم يكن في ثلثه ثمن رقبة ، ماذا يصنع بالثلث ؟ قال : أرى أن يطلب بالثلث رقبة ، يشركون فيها آخر ، فتعتق كلها ، فإن لم يجدوا أعانوا بالثلث في رقاب .
قلت : ولا يشترون نصف رقبة فيعتقونها ونصفها عبد ، قال : لا يضعون ذلك إلا في رقبة يتمون عتقها وإلا أعانوا به في رقاب قال أصبغ مثله إلا السهم ، فإني لم أر أن يسهم عليهم ، ولكن يعتق الورثة أو الوصي واحد منهم مما يجوز في الرقاب بلا عيب ، ممن هو أقل من الثلث أو الثلث ممن شاءوا أو رأوا ، وإن كان فيهم من هو أرفع منه ثمناً أو مثله أو دونه ، فذلك إليهم ، لأنه عتق كفارة أمرهم بها ، وليست وصية فيهم ولهم ، ولا تطوع جعل عتقه جارياً في عدتهم ، ولا شيء وجب عليه فيهم بأعيانهم قبل ذلك ، إنما هي رقبة واجبة عليه أمر أن تخرج من ماله ورقيقه عنه . ألا ترا أن ابن القاسم يقول : إذا وجد فيهم من يجوز في الرقاب الواجبة مثله ، قال : يشتري رقبة من الثلث يعتق عنه ، فهذا دليل على أن المعتق

(5/180)


ليس فيهم بأعيانهم ، فإذا شرك حتى لا يعتق أحد منهم إلا بسهم ، ولو كان كذلك ما جاز أن يشتري من غيرهم إذا لم يكن فيهم أولائك الرقيق أجمعون ، أو استحقوا لم تسقط الكفارة من ماله ، إن بقي له مال يكون له الثلث ، يعتق فيه ، وإنما يحمل قوله من رقيقي المشهورة وإن فيهم من يعتق في ذلك بعلم أو جهل أو ظن نرجوه ونحون ذلك ، ولو تركهم وفيهم من يجوز وأعتق من غيرهم ، لم يكن مخطئاً خطأ يكون به ضامناً ، ورأيت ذلك مجزياً ويرقون جميعهم ولا قول لهم وهذا رأيي .
قال محمد بن رشد : قوله : أنه لم يكن فيهم من يجوز في الرقاب الواجبة أنه يباع منهم ، ويشتري رقبة فتعتق صحيح ، لا اختلاف فيه ومعناه ، إذا لم يكن عالماً بذلك كما قال في سماع أبي زيد ومعناه أيضاً إذا كانت الرقبة من ظهار ، كما قال . وكذلك لو كانت من قتل خطأ ، لأنها واجبة في الوجهين جميعاً وذلك مثل قوله في المدونة ، ورأيته عن مالك في الذي يوصي وهو ضرورة أن يحج عنه رجل بعينه ، أن يحج عنه ، فأبا ذلك الرجل أن يحج عنه ، إنه يعطي ذلك غيره مما يحج به ، ولا يرجع ذلك إلى ورثة ، ولو كانت الرقبة من قتل عمد ، فلم يكن في عبيده من يجوز في الرقاب ، لجرا ذلك على الاختلاف الذي في المدونة فيمن وصي أن يحج عنه ، رجل يعينه بحجة تطوع ، فأبي ذلك الرجل أن يحج عنه هل يرجع المال إلى الورثة الو يحج به عنه غيره ، لأن الرقبة في قتل العبد تطوع ، وليست واجبة فهي كحج التطوع ؟ فعلي قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة إذا لم يكن فيهم من يجوز في الرقاب الواجبة تبطل الوصية ، وعلى قول غيره فيها ، يباع منهم ، ويشتري من غيرهم من يجوز في الرقاب الواجبة تبطل الوصية ، وعلى قول غيره فيها ، يباع منهم ، ويشتري من غيرهم من يجوز في الرقاب الواجبة ، فيعتق ، وإنما يباع منهم ما يقع واحد من عددهم على ما قال في سماع أبي زيد . وهذا كله بين والله أعلم . وأما قوله : إنه يسهم بينهم وبين من يجوز منهم في الرقاب الواجبة إن

(5/181)


كان فيهم من لا يجوز في الرقاب ، فقد اختلف قوله في ذلك فله في سماع أبي زيد مثل قول أصبغ هاهنا .
إن الورثة يعتقون ما شاءوا منهم ، ولا يسهمون بينهم ولكلا القولين وجه من النظر ، فوجه القول بأنه يسهم بينهم إنه لما أوصى أن تعتق الرقبة التي منهم وجب أن يسهم بينهم كا لو أوصى أن يعتق مهم عبداً تطوعاً لاحتمال أن يكون قصد أن يجعل وصيته فيهم لشيء كان منهم إليه أو منه إليهم ، على نحو ما جاء في الذي اتي النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله ، إن ارية لي كانت ترعي غنماً لي بجنبها وقد فقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت : أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني أدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفاعتقها ؟ فقال له رسول الله : " أن الله " الحديث ألا ترى انه أراد أن يجعل الرقبة التي عليه فيها من أجل أنه لطمها . ووجه القول ، : بأنه يسهم بينهم هو أن السهم غرر ، فلا ينبغي أن يستعمل إلا حيث تدعو إليه الضرورة ، بأن يتحقق أنه أراد أن يجعل وصيته فيهم بأعيانهم ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أوله نقدها نقدها
قال عيسى : قال ابن القاسم في المظاهر تخدمه امرأته ، فقال : أما أن تخدمه وتناوله الشيء ، فلا بأس ويستتر .
قال محمد بن رشد : ظاهر قوله ويستتر ، إنه لا ينظر إلى شعرها مثل ما في المدونة وذلك للذريعة وقد مضى القول في هذا مستوفاً في رسم الطلاق من سماع أشهب وبالله التوفيق .
مسألة
وقال : في رجل ظاهر من امرأته فصام شهراً ثم طلقها فمضي على صيامه حتى أتم الشهر ، قال : إنما أراد بذلك الكفارة إن هو ارتجعها في العدة ، وكان طلاقه إياها واحدة فذلك يجزيه ، وإن كان صالحها أو طلقها ألبتة ، فقد انقطع العصمة بينهما ، ولا ينفعه

(5/182)


ذلك وبالله التوفيق . وان هو تزوجها يوماً ما .
قال محمد بن رشد : في قوله : إن كان إنما أراد بذلك الكفارة أن هو ارتجعها في العدة نظر ، لأنه خلاف المشهور في المذهب المعلوم من مذهب ابن القاسم من أن من كفر قبل أن يريد العود لم يجزه الكفارة ، هذا قوله في المدونة وقال كبار أصحاب مالك فيها : إن المظاهر إذا كفر بغير نية الجماع كما قال الله ( ثم يعودون )فمعنى يريدون ، أن ذلك لا يجزيه ، وكان يحيي بن عمر يقول تعلقاً بظاهر هذا اللفظ وما كان مثله من نحو قول ابن نافع في المدونة ، ولأنه ممن كانت العودة جائزة له قبل أن يطلق : إن من صام وهو لا يجزيه على ما مضى القول فيه في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم ، وفي أول سماع أشهب وقد مضى في سماع أشهب تحصيل الاختلاف في إتمام الكفارة بعد الطلاق البائن ، فلا معنى لإعادة ذلك وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عمن ظاهر من ، نسوة له بكلمة واحدة ، فقال : كفارة واحدة تجزيه عنهم جميعاً قيل له : فإن جهل وظن أنه لا تجزيه إلا كفارة كفارة ، فصام عن إحداهن ، قال مالك : الكفارة تجزيه عنهن جميعاً .
قال محمد بن رشد : هذا مثل ما في نص المدونة ولا اختلاف في ذلك أعلمه ، لأنه إنما هو بمنزلة من قال : ,الله لا أقرب واحدة منكن ، فليس عليه إلا كفارة واحدة قربهن جميعاً أو قرب واحدة منهن . وإن كفر قبل أن يطأ أجزائه الكفارة ، وسواء نواهن كلهن بها أو لم ينو إلا واحدة منهن وبالله التوفيق .

(5/183)


ومن كتاب العرية
وقال لي أفهم : إنما الظهار ثلاثة وجوه ، إن قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي هكذا من غير أن يحلف على شيء يفعله ، أو قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت فلاناً فكلمه فحنث ، فلم يمسها حتى طلقها البتة ، فتزوجها بعد زوج ، قال : لا يطأها لو تزوجها بعد عشرين زوجاً حتى يكفر ، وإن قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي أن كلمت فلاناً فطلقها ألبتة قبل أن يكلمه ، ثم تزوجها بعد زوج ، فأراد كلامه فيكلمه ولا شيء عليه ، لأن ملك النكاح الذي حلف فيه قد ذهب حين طلق ألبتة ، فليكلمه ولا شيء عليه قال : وإن ظاهر منها ابتداء من غير يمين ، أو تظاهر بيمين ثم حنث فمها قبل أن يكفر ، فإن الكفارة تلزمه ، وإن طلقها أو مات ، قال : وإن طلقها واحدة فانقضت عدتها أو البتة ، فأراد أن يكفر ، ثم يتزوجها لم يجزه ذلك حتى يكفر بعد التزويج قال : ولو طلقها واحدة وهو من أهل الصيام أو الإطعام ، فابتداء الصيام أو الإطعام ، فلم يفرغ حتى انقضت عدتها لم يجزه من ذلك شيء وإن أتمه ، ولا تجزيه الكفارة إلا ما دامت في ملكه .
قال محمد بن رشد : وهذا على ما قال أن من الظهار ما يسقط بانقضاء ملك النكاح ، فلا يعود إذا رجعت إليه ، ويعود إذا رجعت إليه بتعد طلقة أو طلقتين ، وهو اليمين بالظهار إذا طلق قبل الحنث . ومنه ما يسقط بالطلاق البائن ، واحدة كان أو ثلاثاً ، ويعود متى ما رجعت إليه وهو الظهار ، إذا لزم يقول أن فعل ثم طلق قبل الوطء ، ومنه ما لا يسقط بطلاق وىلا موت ، وهو إذا ظاهر ثم وطئ . ومعاني افتراقهما بينة ، لأن الوجه الأول بيمين الظهار لم يحنث فيه ، فيعود ما لم ينقض الملك ، والثاني ظهار قد

(5/184)


لزم ، فمتى رجعت إليه رجع عليه الظهار ، إذ لا يستطيع إن يطأ إلا بعد الكفارة والثالث كفارة قد لزمت بالوطء فلا تسقط على حال ، ولا اختلاف في أن المظاهر إذا طلق طلاقاً بائناً قبل أن يأخذ في الكفارة ، فإن الكفارة لا تجزيه بعد الطلاق ، وإنما اختلف إذا كان قد أخذ في الكفارة قبل الطلاق وقد مضى تحصيل القول في ذلك في أول رسم من سماع أشهب . فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن الرجل يوصي بأن يشتري أبوه أو أخوه فيعتق عنه فبوا أن يبيعوا إلا بأكثر من ثمنه بأضعاف والثلث كثير ، أو قال : إن علي رقبة ظهار ، فاشتروه وأعتقوه عني ، أو أوصى أن عليه عتق رقبة ولم يسم من يشتري له وكان أبوه عبداً ، فرأى الخليفة أن يشتريه فيعتقه ، ماذا ترى فيه إن لم يبيعوه إلا بأكثر من ثمنه بأضعاف ، وأبي ذلك الورثة ؟ قال ابن القاسم : إن أوصى أن يشتري له زيد في ثمنه قدر الثلث ، ولم يزد أكثر ، وإن قال : علي رقبة ، فاشتروها عني ، ولم يشتري له ، لم يجز للخليفة أن يشتري أحداً ممن يعتق عليه ، وإن قال : علي رقبة في ظهار ، فاشتروا والدي فأعتقوه عني أنفذ ما قال : لأنها وصية ، ولو شاء لم يوص بشيء فإنما يحمل محمل الوصية .
قال محمد بن رشد : هذا كله صحيح على ما في المدونة في الذي يوصي أن يشتري عبد فلان ، فيعتق ، فأبي سيده أن يبيعه انه يزاد فيه مثل ثلث ثمنه ، ولا فرق في هذا بين أن يوصي أن يشتري أبن فلان فيعتق أو يشتري أبوه فيعتق عنه في ظهار عليه ، وإنما يفترق الثلاث مسائل إذا أبي سيده أن يبيعه بزياة ثلث ثمنه ، فأما الذي أوصى أن يشتري فيعتق ، فيعتق ، فقبل يستأني بثمنه السنة ونحوها ، فإن أبي السيد من بيعه رجع ميراثاً ، وقبل إنه لا

(5/185)


يرجع ميراثاً إلا بعد أن يونس من العبد يموت أو يعتق ، والقولان في المدونة وقيل إنه إذا أمن منه جعل في عبد غيره ، ولا يردع ميراثاً ، وهو قول ابن كنانة في المدنية وأما الذي أوصى أن يشتري أبوه فإن الثمن يرجع ميراثاً بعد اليأس منه بموت أو عتق ، وأما الذي أوصى أن يشتري أبوه فيعتق عنه في ظهار عليه ، فإن الثمن لا يرجع ميراثاً ، ويجعل في عبد يعتق في ظهاره بعد اليأس منه يموت أو عتق ، بمنزلة الذي يوصي أن يشتري عبد فلان فيعتق عنه في ظهاره والله المرفق للصواب بمنه .
ومن كتاب لم يدرك من صلاة الإمام
وسئل عن الرجل يحلف على شيء فيقول امرأتي علي كظهر أمي أن فعلت كذا وكذا فيريد أن يقدم الكفارة قبل الحنث ، قال : ولا تجزيه وعلية كفارة أخرى بعد الحنث ، وإنما هو بمنزلة رجل حلف بالطلاق على شيء ألا يفعله ، فقدم الطلاق على الحنث ، ثم حنث أن تطليقة أخرى تلزمه .
قلت : فأي الأيمان تجزي فيها الكفارة قبل الحنث ، قال : اليمين بالله ، وأما المشي والطلاق والظهار إذا حلف به فلا يجزيه إلا بعد أن يحنث .
قال محمد بن رشد : قوله : إن الذي يحلف بالظهار على شيء ألا بفعله ، لا يجوز له أن يقدم الكفارة قبل الحنث ، كما لا يجوز للذي يحلف بالطلاق على شيء أن يقدم الطلاق قبل الحنث صحيح كما قال ، وهو في الظهار أوضح وأبين لأن الطلاق يجب بالحنث على من حلف به ، فحنث ، والكفارة لا تجب بالحنث على من حلف بالظهار فحنث حتى يطأ ، إلا أنه بالحنث يلزمه الظهار ، ولا يكون له أن يطأ حتى يكفر ، لقول الله عز وجل : ( من قبل أن يتماسا )ولو حلف على شيء أن يفعله ولم يضرب

(5/186)


لذلك أجلاً لجاز له أن يقدم الكفارة ، ويبر بذلك ، لأنه على حنث ، كما يجوز له أن يقدم الطلاق إذا حلف بالطلاق أن يفعل فعلاً ولم يضرب له أجلاً وير بذلك في يمينه لأنه على حنث حتى يفعل على ما في النذور من المدونة وقال في كتاب محمد بن المواز : من حلف الطلاق أن يقتل فلاناً ولم يضرب أجلاً لم يبر بالطلاق ، فإن مات فلان قبل أن يقتله وقع عليه الطلاق ، ولم يجتزئ بالطلقة التي أوقع ، لأن موت فلان كان قضاء الأجل . وقوله : إن الإيمان التي تجزي فيها الكفارة قبل الحنث اليمين بالله صحيح . على المشهور في المذهب والأصل في جواز ذلك قول النبي عليه السلام .
" من حلف على شيء فرأي غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير ، أو ليفعل الذي هو خير وليكفر عن يمينه " لأن الحديث محمول عندهم على التخيير من النبي صلى الله عليه وسلم بين الوجهين ، لا على انه شك من المحدث وسواء كان في اليمين على بر أو على حنث وروى أبو زيد عن ابن الماجشون أن الكفارة في اليمين بالله لا تجزي إلا بعد الحنث ، فإن حلف ليفعلن فلا يتبين حنثته إلا بالموت ، ولا تجزيه إلا بعد الحنث ، فإن حلف ليفعلن فعلاً فلا يتبين حنثه إلا بالموت ، ولا تجزيه الكفارة إن كفر في حياته ، فساوا أيضاً بين أن يكون يمينه على حنث أو على بر في أن الكفارة لا تصح إلا بعد الحنث ، والقياس أن يفرق بين الوجهين ، فتجزيه الكفارة قبل الحنث فيما كان فيه على حنث ولا تجزيه فيما كان فيه على بر إلا بعد الحنث إلا بعد أن يحلف كذا وقع ، والصواب بع أن يحنث ، نظراً لقوله في جميع ذلك : فلا تجزيه إلا بعد أن يحنث . والصواب في ذلك أن المشي والطلاق لا يجب عليه إلا بعد أن يحنث ، ون الكفارة في الظهار لا تجزيه إلا بعد أن يحنث لأنه لا تجب عليه بالحنث ، وإنما تجب عليه بالوطء ، وقد وقع في آخر الظهار من المدونة عن مالك فيمن لا يعتق رقبة بغير

(5/187)


عينها ، فأعتق رقبة قبل أن يحنث ، أن ذلك يجزيه ويسقط عنه الإيلاء وبعد الحنث احسن وهو بعيد والصواب أن ذلك لا يجزيه إلا بعد الحنث ، بخلاف اليمين بالله ، وابن الماجشون يرى الكفارة في اليمين بالله لا تجزيه إلا بعد الحنث وقد تقدم ذلك .
ومن كتاب النسمة
قال ابن القاسم : من قال لامرأته : أنت أمي ، يريد بذلك الطلاق ، فهو طلاق ، وإن قال لها ذلك وهو لا يريد الطلاق فهو ظهار ، قال : ومن قال لها ذلك وهو لا يزيد الطلاق ولا الظهار فهو ظهار .
قال محمد بن رشد : قد مضى تحصيل قول ابن القاسم وغيره في هذه المسألة في رسم سن من سماعه فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق . لا رب سواه .
ومن كتاب القطعان
قال ابن القاسم : فيمن قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي إن وطئتك ، فوطئها مرة ثم ماتت ، أو طلقها البتة ، فليس عليه كفارة ، وإن قال : أنت علي كظهر أمي إن وطئتك ، فوطئها مرة ، ثم وطئها ثانية قبل أن يكفر فإن الكفارة عليه واجبة .
قال محمد بن رشد : هذا على القول بأن من حلف بطلاق امرأته ثلاثاً إن وطئها أنه ليس بمولى فلا يضرب له أجل المولي أن رفعته امرأته إلى السلطان ، ولا يطلق عليه ، لأنه لا يحنث إلا بالوطء ، فله أن يطأ الوطأة التي يحنث بها ، وهذا أحد قوليه في المدونة وله فيها قول أخر ، إن رفعته إلى الإمام عجل عليه الطلاق ، ولم يضرب له أجل الإيلاء لا يمكن من الوطء إذ يحنث بأول الملاقاة ، فيكون باقي وطئه في امرأة قد بانت منه بطلاق

(5/188)


الثلاث ، فيلزم على قياس هذا القول ، أن لا يجوز لمن قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أن وطئتك أن يطأها حتى يكفر كفارة الطهارة ، لأنه يحنث بأول الملاقاة ، ويجب عليه الظهار ، فيكون باقي وطئه في امرأة قد ظاهر منها قبل الكفارة ، وذلك ما لا يجوز ، لقول عز وجل ، ( من قبل أن يتماسا )وقد قيل في مسألة الحالف بالطلاق ثلاثاً لا يطأ قولان آخران سوى هذا من القولين وليس هذا موضع ذكرهما وبالله التوفيق لا شريك له .
ومن كتاب أوله باع شاة
وسألته عن العبد يعتق سيده نصفه في ظهار ، ثم يعتق بعد ذلك النصف الأخر في ذلك الظهار ، قال : يجزيه أن شاء الله .
قلت : فإن لم يعتق حتى رفع إلى السلطان ، أترى على السلطان أن يأمر بعتقه في ظهاره ؟ قال : يجبره فإن أعتقه أجزاه ، وإلا أعتقه عليه السلطان .
قال محمد بن رشد : قوله : وإلا أعتقه عليه السلطان ، يريد ولا يجزيه إذا أعتقه عليه ، ولكنه مكروه على ذلك ، والمكره لا نية له ، فلا يجزيه ، إذ لا تجزيه الكفارة إلا نية وكذلك قال في المدونة في الذي أعتق نصيبه من عبد وهو موسر ، فقوم عليه نصيب شريكه أنه لا يجزيه ، وابن الماجشون يقول إنه إذا اعتق نصف عبده عن ظهار ، ثم أعتق بعد ذلك النصف الآخر أو أعتق شقصاً له في عبد ظهاره وهو موسر ثم أشتري نصيب صاحبه فأعتقه ، إنه لا يجزيه ، لأنه لما أعتق نصف عبده فقد لزمه عتق باقية ، ولم أعتق نصيبه من عبد موسر وهو موسر ، لزمه أن يقوم عليه نصيب شريكه ، فلا يجزيه أن يعتق في ظهاره ما قد وجب عليه تقويمه أو عتقه من الناس من يتأول ما في المدونة لابن القاسم على مذهب ابن الماجشون ، لقوله : والظهارلا يكون فيه تبعيض العتق وليس ذلك بصحيح ، لأن الذي يدل عليه قوله أن التبعيض عنده إنما هو أن يعتق نصيب شريكه في موضع لا يلزمه أن يقوم عليه فيه ، وإنما يصح أن يتأول على مذهب ابن الماجشون ، قول سحنون والله أعلم .

(5/189)


ومن كتاب أوله سلف ديناراً في ثوب
وسئل عن الذي يوصي بعتق عبد له بعينه في تطوع ويوصي بأن تشتري رقبة فعتق عنه في الظهار ، فإيهما ببدأ ؟ قال : بالظهار هو أولي :
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو لا اختلاف فيه ، إن الواجب وإن كان غير معين فهو يبدي على التطوع وإن كان معيناً وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله .
من سماع يحيي بن يحيي من ابن القاسم من كتاب أوله عبد أبتاعه فهو حر
قال يحيي : وسألته عن الرجل يقول لجاريته لا أعود لمسيسك حتى أمس أمي ، أيكون بهذا القول مظاهراً ؟ قال : ليس عليه في هذا ظهار فليمس أمته متى شاء ، ولا شيء عليه .
قال محمد بن رشد : وهذا بين على ما قال ، لأنه إنما هو بمنزلة من قال لا أمس أمتي فلا شيء عليه وبالله التوفيق .
من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب
قال سحنون : وسألت أشهب ، عن الذي يقول لامرأته أن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي ، وغلامي حر ، أو علي المشي إلى بيت الله الحرام ، قال : أما في الظهار فيحال بينه وبين وطئها فإن رفعته ضرب له أجل الإيلاء ، فإن طلق وإلا طلقت عليه بالإيلاء ، وأما في العتق والمشي فإنه لا يحال بينه وبين الوطء وهي امرأته ، وإنما يحنثه في عتق أو مشي بعد الموت ، وليس في هذا الإيلاء .
قال محمد بن رشد : قوله : إنه يحال بينه وبينها في الظهار ، ويضرب

(5/190)


له أجل الإيلاء إن رفعته صحيح ، إذ لا يجوز له الوطء ، كمن حلف بالطلاق ليفعلن فعلاً ، فإن أبا أن يطلق لما وقف ، وقال أنا ألتزم الظهار ، ولا تطلقوا علي بالإيلاء ، كان ذلك له ، وقيل له كفر ، وأبق مع امرأتك ، فإن لم يكفر وسأل أن يضرب له أربعة اشهر أخرى للإيلاء ، كمن ظاهر ولم يكفر فقيل ذلك له كمبتدئ الظهار من يوم التزم الظهار ، وقبل ليس ذلك له ، لأنه يتهم على أنه لم يلتزم الظهار ، وإنما أراد التطويل والزيادة في الإيلاء الذي قد مضى أجله ، وهو أشبه والله أعلم ، والذي يرفع عنه التهمة أن يفصح بالتزامه ليقول أنا ألتزمه هي علي كظهر أمي وقد مضى في رسم لم يدرك ما بين هذا المعنى . وأما العتق والمشي فكما قال فيهما ، لا كلام في ذلك ولا إشكال ، وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل أعتق رقبة في ظهار عليه اشتراها فأتي رجل فاستحق الرقبة ، فرجع المعتق على بائعة بالثمن وهو ثمن واسع ، أترى أن يشتري ببعضه رقبة ويرد ما بقي ؟ قال : يشتري به كله ، وإنما رأيت أن يشتري به كله ، لأن مالكاً سئل عن الرجل يعتق رقبة عن ظهار عليه ثم يطلع على عيب ، قال : يرجع به على بائعه ، ويجعله في رقبة ، فإن لم يجد به رقبة ، أعان به في رقبة يتم له عتقها ، فمن هنالك رأيت ما قلت لك ، والعيب الذي أصيب بالعبد ، ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب ولكنه إذا كان في العبد جاز العبد به .
قلت له : فلو كان تطوع ، قال : يرجع بالعيب ، ويصنع به ما شاء ، وكذلك لو كان هدي تطوع أهداه ثم أصاب به عيباً ، رجع على بائعه بقيمة العيب ، وصنع به ما شاء ، وهو مثل لعتق التطوع إلا أنه لو كان هدياً واجباً فأصاب به عيباً رجع على بائعه بقيمة

(5/191)


العيب فاشتري به هدياً ، فإن لم يجد به هدياً شاة ولا غيره مما يكن هدياً تصدق به لا يترك به في هدي .
قال محمد بن رشد : مساواة ابن القاسم هنا بين العيب يوجد في العتق التطوع والهدي التطوع ، إنه لا شيء على المبتاع في قيمة العيب الذي يرجع به على البائع ، خلاف قوله في المدونة في تفرقته بين الهدى التطوع والعتق التطوع ، فاحرا أن لا يصح له ذلك على مذهبه في الهدي التطوع ، وأما الهدي الواجب والرقبة الواجبة ، والضحية ، فلا اختلاف في انه لا يصح له تملك لما يرجع به للعيب في شيء من ذلك كله إن كان العيب يسيراً يجوز به العبيد في الرقاب والشاة في الهدى والضحية ، وان كان كثيراً لا يجوز به العبد في الرقاب ولا الشاة في الضحية والهدي ، وجب عليه البدل في الرقبة ، والهدي في الضحية إن كانت لم تفت أيام الذبح ، وإن كانت قد فاتت تصدق بذلك ، وقد مضت هذه المسألة مستوفاة في أول سماع أصبغ من كتاب الضحايا ، فيمن أحب الوقوف عليها تأملها هنالك وبالله التوفيق .
مسألة
وقال : في رجل يقول لامرأته أنت علي كظهر فلانة لجارة له إن دخلت هذه الدار ، فيتزوج جارته التي حلف لامرأته بظهارها ، ثم دخل الدار قال سحنون : لا شيء عليه
قال محمد بن رشد : وجه قول سحنون إنه حمل يمينه على أنه أراد أنت علي كظهر فلانة مني يوم أدخل الدار إن دخلها ، ويلزم على قياس هذا لو قال لامرأته أنت علي كظهر فلانة ، لامرأة له أخرى إن دخلت هذه الدار ، فطلق فلانة طلاقاً بائناً ثم دخل الدار ، أن يلزمه الظهار لأنه على بر فكأنه ظاهر يوم دخل الدار ، بظهر أجنبية ، وإن قلنا في هذه أن اليمين بالظهار لغو لما وقعت ويظهر من تحل له يوم اليمين ، وجب أن يقول في مسألة الكتاب

(5/192)


أن الظهار له لازم لما كانت يمينه بظهر أجنبية يوم اليمين ، والأظهر أن يحمل يمينه على أنه إنما أرادت أنت علي كظهر فلانة اليوم ، إن دخلت لدار ، متى ما دخلتها وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة في الذي يقول إن كلمت فلانا# فكل عبد أكلمه فهو حر ، وأن اليمين إنما تلزمه في كل عبد كان عنده يوم حلف ، لا في كل عبد كان عنده يوم حنث ، وكذلك إذا قال كل عبد أملكه من الصقالية فهو حر ، فاشتري بعد يمينه ، وقبل أن يملكه صقالية أنهم أحرار وقول سحنون في هذه المسألة يأتي على ما في سماع زونان في الذي يقول إن كلمت فلاناً فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق ، إن الحنث إنما يلزمه فيمن تزوج بعد كلامه ، لا فيما تزوج بعد يمينه وقبل كلامه . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل صام عن ظهارين كانا عليه أربعة أشهر ، فما كان قبل فراغه ذكر أنه ناس ليومين ، لا يدري أهي من الكفارة التي هو فيها أو من الأولى ؟ فزعموا أنه يصوم يومين ويأتي بشهرين .
قال محمد بن رشد : التتابع في كفارة القتل والظهار فرض التنزيل ، فلا يعذر أحد في تفريقهما بالنسيان على المشهور في المذهب ، وإنما يعذر في ذلك بالمرض أو بالحيض إن كانت امرأة ، فإن مرض الرجل فأفطر في شهري صيامه انو أكل فيهما ناسياً ، قضي ذلك ووصله بصيامه ، فإن ترك أن يصله بصيامه ناسياً أو جاهلاً متعمداً ، استأنف صيامه ، فإذا صام الرجل عن ظهارين كانا عليه أربعة أشهر ، ثم ذكر قبل فراغه أنه ناس ليومين لا يدري من أي الكفارتين فقال ابن القاسم ، إنه يصوم يومين ، ويأتي بشهرين ووجه قوله إن الكفارة التي هو فيها لما كان يقدر على إصلاحها بإتيان ما شك فيه منها أمر إلا يتركها حتى يصلحها على ما يومن بيومين يصلهما بها ، ثم يعيد بعد ذلك الكفارة الأولى ، لاحتمال أن تكون اليومان منها ، وقد ترك أن

(5/193)


يصلهما بها على أصله فيمن ذكر سجدة من آخر صلاته ، لا يدري من أي ركعة ، إنه يسجد سجدة يصلح بها هذه الركعة التي لم يفته إصلاحها ، ثم يأتي بركعة ، لاحتمال أن تكون السجدة من غيرها من الركعات ، ويأتي في هذه المسألة على مذهب من يري انه يأتي بركعة ، إذ لا بد من الإتيان بها ولا يخر إلى سجدة ، إذا ليس على يقين أنها من هذه الركعة ، إنه يصوم شهرين ، ولا يأتي بيومين ، إلا أن يكون أيضاًُ لا يدري لعل أحد اليومين من الكفارة الأولى والثانية ، فإنه يصوم يوماً واحداً يصله بصيامه ، ثم يأتي بشهرين ، وهو قول ابن الماجشون ، وروى ذلك ابن سحنون عن أبيه ، ويأتي في هذه المسألة على قياس قول من يقول في من ظن أنه قد أكمل صلاته أربع ركعات ، فقام بإثر سلامه ، وصلي ركعتين نافلة ، ثم ذكر أنه لم يصل من الفريضة إلا ركعتين ، إنه يعتد بهذين الركعتين النافلة ، وتجزئه من فريضة أن يعتد أيضاً بيومين من أول الكفارة الثانية ، على اليومين اللذين نسيهما أو شك فيهما من الكفارة الأولى ، فيكون عليه أن يأتي بعد تمام الأربعة أشهر بيومين ، لا أكثر يصلهما
بصيامه ، فإن ترك أن يصلها سهواً أو عمداً ، استأنف صيام شهرين . ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان ، لأنه أمر غالب كالمرض ، علي قوله : إن ذكر اليومين بعد تمام الأربعة أشهر متى ما ذكر ، فليس عليه إلا صيام يومين ساعة يذكرهما ، واختلف على قوله : إن ذكر يومين من الكفارة الأولى قبل أن يتم الكفارة الثانية ، فقبل إنه يتم الكفارة التي هو فيها تم يقضي بومين ، لأنه معذور لما تشبث به من صيام الكفارة التي هي فيها ، وقيل إنه لا عذر له في ذلك ، فيصوم اليومين اللذين ذكرهما من الكفارة الأولى ، ويستأنف الثانية ، وإن شاء تمادى على صيام الكفارة التي هو فيها ، وقضى الكفارة الأولى ، على الاختلاف فيمن ذكر صلاة في صلاة ، هل تفسد الصلاة عليه أم لا يفسد ، وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أنه يجوز له أن يقضي اليومين في أثناء الكفارة ، ويبني على صيامه ، ولا بعد بذلك مفرقاً لصيامه ، إذا لم يتخلله فطر على ما قال ابن حبيب فيمن صام لظهاره شعبان وشوال ، إنه يجزيه ولا يضره ما يخلل صيامه من صيام رمضان وبالله التوفيق .

(5/194)


من سماع محمد بن خالد من داوود بن سعيد
قال محمد بن خالد : سألت داود بن سعيد بن أبي دينار ، عن رجل وجبت عليه رقبة فابتاع من رجل عبداً على أن يعتقه في الرقبة التي وجبت عليه ، فأعتقه ثم علم بعد عتقه إياه أن نصفه حر ، ونصفه رقيق ، قد دلس له بذلك البائع ، قال : يرده إلى البائع ، ويأخذ الثمن منه ويعاقب بفعله ، لأن نصفه لا يجزي عنه في رقبة ، فلذلك يجب رده له . قال : قلت له : ولا يعتق على البائع بما رضي من بيعه على العتق ، قال : لا يعتق عليه ، لأنه إنما كان رضي أن يمضي عتقه بما كان أخذ من ثمنه ، فإذا أخذ ذلك منه فليس براض .
قال محمد بن رشد : قول داوود هذا إنه يرده إلي البائع ، ويأخذ منه الثمن من أجل أنه لا يجزئ عنه في رقبة ، خلاف المشهور في المذهب ، المعلوم من قول مالك في الحج الثاني ، من المدونة وغيره ، فيمن اشتري عبداً فأعتقه في ظهاره ، أو بعيراً فقلده وأشعره ، ثم أصاب به عيباً لا يجوز به العبد في الرقاب ، ولا البعير في الهدايا ، إنه يرجع بقيمة العيب ، ولا يرده لفواته بالعتق أو بالفدي ويجعل ما يأخذ في قيمته العيب فيما وجب عليه من بدله .
من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب
قال عبد الملك بن الحسن : سألت عبد الله بن وهب عن المولي عليه ، يظاهر من امرأته أيعتق بغير إذن وليه ؟ قال : نعم استحب ذلك له إذا كان موسراً وإن لم يكن له إلا رأس واحد ، أحب له أن يعتق وعليه الصيام .
قال محمد بن رشد : قوله في السؤال : ايعتق بغير إذن وليه ؟ معناه أيكون له أن يعتق بغير إذن وليه ، فلا يكون لوليه أن يرد ذلك ؟ وقوله في الجواب نعم ، استحب ذلك له ، معناه استحب أن يكون الحكم فيه ذلك إذا

(5/195)


كان موسراً وقوله : وإن لم يكن له إلا رأس واحد ، فلا أحب له أن يعتق ، معناه فلا أحب أن يكون الحكم في ذلك جواز العتق له ، وهو نحو مذهب ابن القاسم لأنه يجوز له العتق أن أعتق بغير إذن وليه في الموضع الذي يلزم وليه أن يعتق عنه بإذنه ، ولأن من قول ابن القاسم إن وليه ينظر له في حبس امرأته أو إنماء ماله ، وقال : وليس كلهم سواء ، منهم من يقل ماله ومنهم من يكثر ماله ، وليس كل النساء سواء ، منهم من يكثر مالها ومنهن من لا يكون لها ذلك المال في النساء ولا الحال فلينظر له وليه على ما يرى من ذلك خيراً له وأصلح ، فإن رأى أن يكفر عنه كفر ، وليس في ذلك حرج مرة ولا مرتين وإنما هو على الاجتهاد منه ، وليس له الصيام ولا إلى الإطعام سبيل ، لأنه ممن يجد رقبة ، وأما قول ابن وهب وعليه الصيام ، فهو خلاف قول ابن القاسم وليس له إلى الصيام ولا إلى لإطعام سبيل ، فعلي قول ابن وهب وهو اختيار ابن المواز ، إذا لم يأذن له وليه في العتق ، صار من أهل الصيام ، فإن لم يكفر به وطلبته امرأته بالوطء ، ضرب له أجل الإيلاء ، فإن لم يكفر بالصيام ، طلق عليه بالإيلاء . وعلى ابن القاسم إن أبا وليه أن يعتق عنه وطلبته امرأته بالوطء ، طلق عليه ، ولم يضرب له أجل الإيلاء ، إذا لا سبيل له إلى الوطء إلا بالكفارة ، ولا سبيل له إلى الكفارة ، وقد قيل يضرب له أجل الإيلاء وإن كان من لا يقدر على الوطء ولا على الكفارة لعلها سترضي بالإقامة معه على غير وطء ، فلا تطلق عليه حتى ينقضي أجل الإيلاء على ما قيل في الذي يحلف بطلاق البتة ألا يطأ امرأته .
وابن كنانة يقول : إنما ينظر له وليه في أول مرة لأن المرة الواحدة تأتي على الحليم والسفيه ، فإن عاد على الظهار مرة ثانية لم يكفر عنه ، وإن آل ذلك إلى فراق وبالله التوفيق .
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الوصايا
قال أصبغ : قال لي ابن القاسم في رجل أوصى فقال : أعتقوا

(5/196)


عني عبداً في ظهاره ، أو عبداً في قتل نفس ، فلم يكن في الثلث إلا ثمن عبد واحد ، وفضله يسيرة لا تبلغ ثمن عبد آخر قال : أرى أن يعتق ذل العبد في قتل النفس ، ويطعم عنه بالفضلة عن الظهار وقال أصبغ : وذلك صواب ، لأن الظهار يجوز فيه الإطعام لمن لم يجد ، وهذا غير واجد ، كما لو كان حياً ، فوجبتا عليه جميعاً ، ولا يحد إلا هكذا ، بدئ بكفارة القتل لأنه لا إطعام فيه ، ثم صار بعد بمنزلة مظاهر لا يجد رقبة ، فإنه يصوم فالميت مثله ، غير أن الميت لا صيام له ، ولا فيه ولا عنه ، فالإطعام عنه بمنزلة الصيام كالذي لا يطيق الصوم فيطعم ، قال أصبغ : وهذا عندي في قتل الخطأ ، فأما قبل العمد أن أوصى بالكفارة فيه ، فأني أرى أن يبدأ بالظهار ، لأن الكفارة عنه ليست بمفروضة ولا واجبة تفرض ، فهي بمنزلة التطوع ، فسألت ابن القاسم إذا لم يكن في الثلث في هذه المسألة إلا ثمن عبد واحد ، أو كفارة واحدة ، لا فضل فيها ، قال أرى ذلك إليهم يعتقون عن أي الكفارتين شاؤوا ورأوا قال أصبغ : وذلك رأيي ، وما فعل من ذلك أجزأ ، وأحب إلى أن يعتقوه عن القتل ، لعله ينوب له مال ، يوجد في قدرة كفارة الظهار ، فإن كان ممن يويس له ، فليس في هذا استحباب يجعلونه على أي ذلك جعلوه قال أصبغ : وإن كان في الثلث ثم عبد وفضلة قليلة لا تبلغ كفارة الظهار الطعام ، فإني أرى أن يبدأوا بالظهار ، لأنه مما لا يجوز أن يشارك فيه في رقبة ، لأن له ملكاً غير العتق إذا لم يخلص العتق موفراً لا يشرك فيه بالإطعام ، وشورك بالباقي في رقبة ، لأن قتل النفس لا إطعام فيه ولا مسلك له إلا العتق ،
أو صيام ، ولا صيام في الميت ولا عنه وإنما هو العتق ، فإن يتم شورك به في عتق كمحمل الوصايا وغيرها من التشريك ، قال أصبغ : قلت لابن القاسم فإن لم يكن أوصى إلا بقتل نفس واحدة ، فلم يكن في الثلث ثمن رقبة وليس يكون في

(5/197)


قبل النفس إطعام ، أترى أن يرد ذلك إلى الورثة ؟ قال لا ؟
قلت : أفيعان به في عتق رقبة ؟ قال عيسى ، قال أصبغ ، وهو رأيي أن يعان به ، وهو ما يبين ما فسرت في الظهار والنفس إذا وجد في الثلث ثمن عبد وفضلة لا تبلغ الإطعام في الظهار ، ويقوي ذلك والله أعلم وهو مذهب أهل العلم .
قال محمد بن رشد : قد مضى القول في هذه المسألة وتحصيلها في أول سماع عيسى ، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق .
مسألة
قال أصبغ : سمعت ابن القاسم يقول في الذي يقول لامرأته أنت علي كظهر أبي أو غلامي إنه ظهار .
قال محمد بن رشد : ولو قال كأبي أو غلامي ولم يسم الظهر لم يكن ظهاراً عنده ، حكي ذلك ابن حبيب من رواية أصبغ ، واختاره وقال مطرف لا يكون ظهاراً ولا طلاقاً ، وأنه لمنكر من القول ، والصواب إذا لم يكن ظهاراً أن يكون طلاقاً ، وهو قول ابن وهب ، لأنه قال في ذلك إنه لا ظهار عليه ، فكأنه رأى عليه الطلاق الظهار في ذلك يترجح على القول بإباحة وطء أدبار الزوجات لأنه كأنه أشبه ما يباح له من ذلك في زوجته بما يحرم عليه منه في أبيه أو في غلامه تحريماً مؤبداً ، كما شبه الظهار بذوات المحارم ما يباح له من وطء زوجته ، بما يحرم عليه وطؤه من ذوات محارمه تحريماً مؤبداً ، وقد روي عن ابن القاسم إباحة ذلك ومذهب ابن وهب تحريمه والتغليظ فيه ، فكأن كل واحد منهما جر على أصله وبالله التوفيق .
من نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج
قيل لأصبغ أرأيت رجل قال : امرأتي علي كظهر أمي ، فبدأ بالكفارة فصام أياماً ثم قال لها أيضاً : أنت علي كظهر أمي ، أترى

(5/198)


أن يمضي على كفارة للظهار الأول ثم يبتدي صياماً آخر للظهار الثاني ؟ قال : بل أرى أن يسقط ما مضى من صيامه ، ثم يبتدئ من يوم ظاهر الظهار الثاني شهرين مستقلين ، ولا أرى عليه استتمام الكفارة الأولى ، وكذلك لو ظاهر مراراً في مجلس واحد أو مجالس مختلفة ، قبل أن يكفر عن ظهارة الأول ، لم يكن عليه إلا كفارة واحدة لجميع ظهاره وذلك إذا كان ظهاره الأول لم يكن عليه إلا كفارة واحدة لجميع ظهاره وذلك إذا كان ظهاره كله ظهاراً بفعل واحد ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي ، ثم يقول في مجلس آخر : أنت علي كظهر أمي ففعل ذلك في مجالس شتا فكفارة واحدة مجزئة عن ذلك ولسي دخوله في الكفارة بالذي يوجب عليه إتمامها وابتداء آخر للظهار الآخر .
قلت : فلو ظاهر مها بفعل قال لها أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا فحنث ، فوجب عليه الظهار ، فابتداء الصيام لكفارته ثم صام أياماً ، فقال : لها أنت علي كظهر أمي ظهاراً بغير فعل ، حلف عليه ، هل له أيضاً أن يبتدئ الصيام للظاهرين من يوم ظاهر الثانية ، ويسقط عنه ما مضى من صومه ؟ قال : نعم ذلك له مثل الأول .
قلت : وهذان ظهاران مختلفان ، ليسا من نوع واحد ، ظهار الفعل ، وظهار بغير فعل ، كيف لا يكون عليه كفارتان ، يمضي في الأولى للظهار الأول ويبتدئ للظهار الآخر كفارة أخرى ؟ ، قال : لا ليس ذلك عليه ، لأن قوله الثاني ، أنت علي كظهر أمي فقد كان مظاهراً منها بفعل أو بغير فعل ، فكأنه توكيد للظهار الأول .
قلت : فلو ظاهر منها ظهاراً مجرداً بغير فعل حلف عليه ، فوجب عليه الظهار ، فابتدأ الكفارة ثم قال : أنت علي كظهر أمي إن

(5/199)


فعلت كذا وكذا فحنث به أبتدئ صياماً مستقبلاً للظهارين جميعاً ويسقط ما مضى من صيامه ؟ قال : هذا خلاف الذي ابتدأ الظهار بالفعل ، ثم ظاهر ظهاراً مجرداً بعد ذلك ، هذا الذي ظاهر بغير فعل ، ثم ظاهر بفعل ، فقد وجب عليه الظهار الأول ، ووجبت عليه الكفارة ، فلما حلف بظهارها إلا يفعل شيئاً فحنث ، صار ظهاراً آخر مبتدأ ، أدخله عليه الحنث ، لم يكن هو أدخله على نفسه ابتدأ بغير حلف ، فيكون توكيداً للظهار الأول ، فتجزئه كفارة واحدة فعلي هذا كفارتان يمضي في كفارته التي ابتدأ ويستقبل كفارة أخرى للظهار الآخر .
قال محمد بن رشد : مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهاراً بعد ظهار ، إنهما أن كانا جميعاً بغير فعل ، أو جميعاً بفعل في شيء واحد ، والأول بفعل لثاني بغير فعل أو جميعاً بفعل في شيء واحد ، والأول بفعل ، والثاني بغير فعل ، فليس عليه فيهما جميعاً إلا كفارة واحدة إلا أن يريد أن عليه في كل ظهار كفارة فيلزمه ذلك ، قاله في كتاب ابن المواز ، قال أبو إسحاق ، ويجوز له أن يطأ بعد الكفارة الأولى وقبل الثانية قال محمد بن رشد : بل هو الواجب ، لأنه لو كفر قبل أن يطأ لم تجزه الكفارة ، إذا ليس بمظاهر ، وإنما هو حالف كرجل قال إن وطئت امرأتي فعلي كفارة الظهار ، فلا تلزمه الكفارة حتى يطأ ، بل لا تجزيه حتى يطأ وقد مضى بيان هذا في رسم لم يدرك من سماع عيسى وأنهما أن كانت جميعاً بفعلين مختلفين أو الأول منهما بغير فعل ، والثاني ، فعليه في كل واحد منهما كفارة ، بحيث لم يجب عليه من ذلك إلا كفارة واحدة ، إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول لم يجب عليه إتمامها واستأنف كفارة الظهار من يوم أقوع الظهار الثاني ، وحيثما وجب عليه في كل واحدة منهما كفارة كفارة ، إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول ، يجب عليه إتمامها وابتدأ كفارة أخرى للظهار الثاني ، فهذا تحصيل قول ابن القاسم في هذه المسألة وحكي ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الأول بفعل ، والثاني

(5/200)


بفعل فعل فعليه لك واحد منهما كفارة ، وإن كان الفعل واحدً وهو بعيد ، ولابن الماجشون في المدونة : إن الكفارة واحدة تجزيه في كل ذلك كيف ما كان ، فعلي مذهبه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول ، يبتدئ الكفارة ، من يوم أوضع الظهار الثاني وإن كانا جميعاً بفعلين ، في شيئين مختلفين ، وقد قيل : إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول ، يتم الأول ثم يستأنف الثانية ، وإن كانا
جميعاً بغير فعل ، قال ابن المواز ، وهو أحب إلي أن لم يبق من الأولي إلا يسير ، وإن لم يكن مضى من الأول ألا يسير ، نحو اليومين والثلاثة ، فإنه يتمها وتجزيه لهما وقول ابن القاسم في هذه المسألة كلها أظهر الأقوال وأولاها بالصواب . وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن المظاهر يقبل امرأته في شهري صيامه ، قال : لا شيء عليه ويستغفر الله .
قال محمد بن رشد : لمطرف في سماع أبي زيد من كتاب الصيام خلاف أنه يستأنف ، وقد مضى القول في هذه المسالة وتحصيله في آخر سماع أشهب ، فلا وجه لإعادته .
مسألة
قيل لأصبغ ، أرأيت من أعتق في رقبة واجبة منفوساً فكبر الصبي أخرساً أو أصماً أو مقعداً أو مطبقاً جنوناً أعليه بدلها ؟ قال أصبغ : ليس ذلك عليه وقد أجزته ، وهذا شيء يحدث ، وكذلك لو ابتاعه فكبر على مثل هذا ، لم يلحق البائع شيئاً من ذلك .
قال محمد بن رشد : تعليله لإجزاء ذلك عنه في الكفارة ، و أنه لا رجوع

(5/201)


له في ذلك على البائع بشيء ، بأن هذا شيء يحدث ، ليست بعلة صحيحة لان ما يحدث ويقدم من العيوب ، إذا أمكن أن يعلم يلحق البائع فيه اليمين ، ولا يجزئ عن المكفر في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب ، فالعلة في ذلك إنما هي أن هذا مما يستوي البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته ، ولا يمكن أن يعلم بذلك أحد فلم يكن له حكم العيب في قيام المبتاع فيه على البائع ، ولا في عدم الإجزاء في الكفارة ، أن المكفر قد أدى ما تجب عليه باجتهاده ، ولم يقصر ، فلا درك عليه فيها لا يمكن أن يعلم ، إذا لم يكلف معرفة ما ليس في وسعه من ذلك قال الله عز وجل : 0لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم
حدثنا عبد الرحمان بن أبي الغمر قال : سئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك ، فتقول : أنا عليك كظهر أمك قال ليس ذلك لها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن الزوج إنما ملكها في الطلاق ، فليس لها أن توجب عليه أن لا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار ، فإذا لم يكن ذلك لها ، فقد سقط ما كان بيدها من التمليك إذا قضت بما ليس لها ، إلا أن تقول : أردت بذلك الطلاق ، فيكون ثلاثاً ، إلا أن يناكرها الزوج فيما فوق الواحدة . والله أعلم .
مسألة
وقال في رجل ظاهر من امرأته ، فأعطته رقبة يعتقها في

(5/202)


ذلك ، قال : إن كانت أعطته بشرط يعتق عنها ، فذلك غير جائز ، وإن كانت أعطته بغير شرط فلا بأس بذلك
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : لأنها إذ أعطته إياها أو ثمنها على أن يعتقها فلم يملكها قبل العتق ملكاً تاماً لما لزمه من عتقها بالشرط الذي شرطت عليه ، وقد قال في المدونة ، إن لا تجزيه أن يعتق إلا رقبة بملكها قبل العتق ، ولا يعتق عليه ، فصار بمنزلة من اشتري من يعتق عليه فأعتقه عن ظهاره ، ولا هي أيضاً أعتقها عنه بإذنه ، فيجزيه على اختلاف في ذلك أيضاً ولا يرد العتق ، وإن لم يجزه عن ظهاره واختلف في ماله ففي المدونة لابن نافع أن ماله تابع له ، ولا يقبل قول المرأة فيه ، وقال ابن القاسم : القول قولها إنها أعطته بغير مال ، ويكون لها المال وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل ابن القاسم عن رجل قال : أعتقوا عني رأساً من رقيقي وله عشرة أرؤس في ظهار وجب عليه ثم مات . قال : الورثة مخيرون يعتقون أيهم شاؤوا ، إذا كان ممن يجوز في الظهار .
قلت : أرأيت إن كان عبيده كلهم عمي ؟قال : إن كان الذي أوصى عالماً أنه ليس من عبيده واحد يجوز في الظهار ، رأيت يسهم بينهم فيعتقوا واحداً منهم ، وإن كان ممن أن أحدهم يجوز عنه في الظهار ، بعذر بالجهالة ، يخرج عشر قيمتهم ، فيشتري رقبة صحيحة قبل له لا يوجد ، قال : بل يوجد صغيراًَ .
قال محمد بن رشد : قوله : إن الورثة مخيرون في عتق من شاءوا منهم أن كانوا ممن يجوز في الرقاب ، خلاف قوله في أول سماع عيسى مثل قول أصبغ فيه وقوله : إن كان عبيده كلهم عمي إنه يسهم بينهم أن كان الموصي عالماً بذلك ، وإنه يباع منهم بعشر قيمتهم أن لم يكن عالماً بذلك ، بيان لما في

(5/203)


سماع عيسى وقد مضى هنالك القول على هذا المعنى مستوفي ، فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم : في رجل قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي أن لم أتزوج عليك ، فأخذ في الكفارة ، فلما صام شهراً وقع بين امرأته وبينه مشاجرة فقال لها : أنت علي كظهر أمي أن لم أتزوج عليك قال : يبتدئ شهرين من يوم ظاهر الظهار الأخر . قيل له : فإن ابتدأ فلما صام أياماً أراد أن يبر بالتزويج عليها ، فقال : إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة ، وبطل عليه الصيام .
قال محمد بن رشد : لا يجب على الرجل الظهار بقوله : امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها ، لأنه يحنث بعد ، ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت ، إلا أن الكفارة تجزيه قبل الحنث ، لأنها يمين هو فيها على حنث ، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار ، فيجوز له الوطء كان ذلك له ، وإن لم يفعل وطالبته امرأته بالوطء ورفعته إلى السطان ، ضرب له أجل الإيلاء ، إذا لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر ، فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى : أنت عي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك ، عاد إلى ما كان قبل أن يبتدئ الكفارة وسقط ما مضى ما مضى منا ، ولم يكن له أن يطأها حتى يستأنف الكفارة ، على ما قال ولم يكن عليه أن يتم الكفارة التي دخل فيها ، ثم يستأنف الكفارة لليمين الأخرى ، لأن اليمينين جميعاً على فعل واحد ، فلا يلزمه فيها ما إلا كفارة واحدة حسب ما مضى بيانه في نوازل أصبغ فإن تزوج عليها بر بالتزويج ، وانحلت عنه اليمين ، ولم يكن عليه إتمام ما دخل عليه فيه من الكفارة ، وهذا بين ، وقد مضى ما يزيده وضوحاً وبياناً في رسم لم يدرك من سماع عيسى . وبالله التوفيق لا رب غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(5/204)