البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

كتاب اللعان

(6/403)


من سماع عبد الرحمان بن القاسم من مالك بن أنس رحمه الله
قال سحنون : أخبرني ابن القاسم عن مالك ، قال : سمعت مالكاً يقول في الملاعنة تلد توأما : غلامين في بطن واحد فيهلك أحدهما ويترك مالاً [فبأي شيء] ترى أن يتوارثا ؟ أبوراثه الأخوة للأم أم الأخوة للأب .
قال : بل لوراثة الأب ، وليس هو عندي كذلك الزنا ، لأن ذلك لا أب له ، هذا لو قال له أحد : ليس أبوك فلان جلد الحد فأرى أن يتوارث بوارثة الأب .
قال محمد بن رشد : الأتوام الذين لا يعرف آباؤهم أربعة ، أتوام الزاينة وأتوام المسبية والمستأمنة ، وأتوام الملاعنة ، وأتوام المغتصبة .
فأتوام الزاينة من قبل الأم خاصة .
وأتوام المسبية والمستأمنة يتوارثان من قبل الأب والأم .
واختلف في أتوام الملاعنة والمغتصبة ، فالاستحسان في أتوام الملاعنة أنهم يتوارثان من قبل الأم والأب ، لأن الفراش لهما معروف ، ولو استحلقهما الأب للحقا به ، وهو قول مالك في هذه الرواية ، والقياس فيهم أنهم يتوارثون إلا من قبل الأم ، لأن نسبها من الأب منقطع وهو قول المغيرة وابن دينار ، وكذلك القياس في أتوام المغتصبة ألا يتوارثان إلا من

(6/405)


قبل الأم ، لأن نسبها من الأب منقطع ، وإذ لا فراش لهما ، ولو استحلفهما الغاصب لم يلحقا به وهو قول أصبغ ، وقيل إنهم يتوارثون من قبل الأم والأب استحساناً من أجل درء الحد عنهما وهو قول ابن القاسم في سماع يحيي من كتاب الاستحقاق فيه وفيه ضعف وإنما كان القياس فيهما ألا يتوارثا إلا من قبل الأم على الأصل ، لأنه لا ميراث لابن الزنا من أبيه وإن عرف أنه أبوه بما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر وهو قول مالك في هذه الرواية أن ولد الزنا لا أب له ، يريد انه لا أب ينتسب إليه ولوارثه على حال إذ عرف أن له أبا ، لأن جميع البشر لهم أب إلا : عيسى بن مريم وآدم وحواء وأما من ذهب إلى أنه إنما لم يورث ابن الزنا من أبيه من أجل أنه لا يعرف أنه أبوه إذ لا فراش له ، وأنه لو عرف لورثه ، وأنه لو استحلقه لحق به ، بدليل إجماعهم أنه يرث أمه وترثه وهو مذهب أبي حنيفة والنخعي وإسحاق بن راهوية فالأتوام كلهم كيف ما كانوا يتوارثون من قبل الأب والأم ، وإذ قد علم أنهم لأب واحد ، كما أنهم لأم واحدة ، والى هذا ذهب ابن نافع ، فقد روى عنه أن أتوام الزاينة يتوارثون من قبل الأم والأب وبالله التوفيق .

مسألة
كتاب قطع الشجر
قال مالك في الرجل يغيب عن أهله ثم يقدم وقد ماتت امرأته وتركت ولداً كان بعده ، فأنكره ، أنه يلتعن ويبرأ من الولد ويكون له من الميراث من امرأته التي لاعن .
قال محمد بن رشد : مثل هذا حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن الماجشون ، قال في سؤاله وادعى الإستبراء وزاد قال : وقال إذا جاء كنت

(6/406)


رأيتها تزني وأراد أن يلتعن فليس ذلك له ويجد ، وهو كمن رمي امرأة طلقها ، وكذلك في كتاب ابن المواز ولا اختلاف في أن له أن يلاعن إذا نفي الحمل وادعى الاستبراء واختلف إذا نفاه ولم يدع الاستبراء على قولين هما في المدونة .
وقوله إن لها الميراث صحيح لأنها زوجة ما لم تلتعن هي بعده ، وهو قول ربيعة ومطرف واختيار ابن حبيب ، وقيل ما لم يلاعن الزوج ، وهو ظاهر قول ملك في موطأة ومذهب الشافعي وقول عب الله بن عمرو بن العاصي في المدونة ، وقيل إن الفرقة تجب بلعان الزوج إن التعنت المرأة وهو مذهبه في المدونة لأنه قال فيها إن التعن هو فماتت هي قبل أن يلتعن ورثها ، وإن مات هو ورثته إن لم تلاعن وبالله التوفيق .
مسألة
وقال ملك فيمن دخل بامرأة ثم طلقها بامرأة ثمن طلقها وادعى أنه لم يمسها وصدقته ثم ظهر بها حمل فادعت أنه منه وأقر بذلك إنه لا يكمل لها الصداق ويلحق به الولد وتكون به الرجعة .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة بينة المعنى ، قال : إنه يكمل لها الصداق ، لإقراره بما ادعت من أن الحمل منه ، وقال : إنه تكون له الرجعة من أجل أنها في العدة منه حتى تضع حملها ، لقول الله عز وجل : ( وأؤلات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) لا يتهم على إنه أقر بالحمل ليكون له الرجعة لأن إلحاق النسب يدفع التهمة .
ولو مات فظهر الحمل بها بعد موته فزعمت إنه منه للحق به الولد أيضاً ولم يكن لها ميراث ولا أكثر من نصف الصداق ، وقد قيل لها الميراث أن كان مات قبل انقضاء العدة ، ولها جميع الصداق ، وقد مضى ذلك في رسم لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح والحمد لله .

(6/407)


من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب الطلاق
قال سحنون : وقال أشهب وابن نافع : سئل مالك عن العبد يلاعن الحرة ثم يكذب نفسه فيلحق به الولد كم يحد ؟ قال : الحد أربعين ، قيل له أرأيت إن كانت امرأته أمة فلا عنها ثم أكذب نفسه فالحق به الولد أعليه حد ؟ قال : ليس عليه شيء .
قال محمد بن رشد : قوله : إن العبد يحد أربعين إذا لاعن زوجته الحرة ثم أكذب نفسه صحيح على مذهبه في أن حد العبد في الفرية نصف حد الحر قياساً على حد الزنا وهو قول جماعة فقهاء الأمصار ، وروى عن ابن مسعود أن حده ثمانون ، وهو القياس لأن النصراني إذا كان يحد في الفرية ثمانين ولا ينقص من ذلك شيئاً لنقصان مرتبته عن مرتبة الحر ، لما تلعق في ذلك من الحق للمقذوف ، فكذلك العبد ، وهو قول عمر بن عبد العزيز في الموطأ .
وقوله : إذا كانت زوجته أمة إنه لا شيء عليه ، معناه من الحد وإنما عليه الأدب لإذابته إياها بما نسب إليها وكذب فيه عليها .
مسألة
وسئل عن الذي يقول زنت امرأته ، فيقال له : أرأيت ذلك ؟ فيأبى أن يقول نعم ، ويمضى على اللعان ، فله أن يلاعن ؟ فقال : إنما يجب اللعان بأحد وجهين ، يقول قد استبرأت أو يقول قد رأيت .
قيل له : فالأعمى يلاعن ؟ قال : الأعمى يلاعن ، يقول قد سمعت الحس وليس هذا مثله ، وقد قال في أول الكتاب : لا

(6/408)


يكون اللعان إلا ببيان رأيتها تزني .
قال محمد بن رشد : : قوله إنما يجب اللعان بأحد وجهين ، يقول قد استبرأت يريد في نفي الحمل ، أو يقول قد رأيت ، وهو أحد قولي مالك في المدونة ، وله فيها قول أخر أنه إذا قذف أو نفي حملاً لم يكن مقراً به لاعن ولم يسئل شيئاً .
وتحصيل هذه المسألة أن اللعان على ستة أوجه ثلاثة منها متفق عليها ، وثلاثة مختلف فيها .
فالمتفق عليها أن ينفي حملاً لم يكن مقراً به ويدعي الاستبراء ، وأن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في غير ظاهرة الحمل ، وأن ينكر الوطء فيقول ما وطئها قط أو منذ وضعت أو منذ مدة كذا لما لا يلحق إلى مثله الأنساب .
والمختلف فيها أن يقذف زوجته ولا يدعي رؤية وأن ينفي حملاً ولا يدعي الاستبراء وأن يدعي رؤية لا مسيس بعدها في حامل بينة الحمل لأن ابن الجلاب حكى عن مالك فيها ثلاث روايات ، إيجاب الحد ولا لعان ، وثبوت النسب ، وإيجاب اللعان وسقوط النسب به .
وقوله : إن الأعمى يلاعن وإن لم تصح منه الرؤية صحيح مثل ما في المدونة ، لأن العلم قد يقع له من غير طريق الرؤية من جس وحس وما أشبه ذلك ، وعلى هذا القول فإن القاذف لزوجته يحد ولا يلاعن ، وأما على القول بأنه يلاعن إذا قذف فالأعمى والبصير في ذلك سواء .
مسألة
وسئل عن الملاعن أيرضى منه بأن يقول رأيتها تزني أم

(6/409)


يوقف على ذلك كما يوقف الشهود ؟ .
فقال : كنت أرى أن يوقف على ذلك حتى يقول كما يقول الشهود .
قال محمد بن رشد : قد روى ابن نافع عن مالك أنه لا يكشف عن ذلك كما يكشف الشهود وجه القول الأول أن الله قد سماه شاهداً فوجب أن يكون عليه في ادعائه الرؤية ما يكون على الشاهد ، ووجه القول الآخر ، أنه ليس بشاهد على الحقيقة ، لأنه لا يشهد أحد لنفسه ، وإنما سماه الله شاهداً من ناحية المشاهدة بالعين والقلب ، فالمعنى في ذلك حصول العلم ألم تر أن ملكاً قد قال في أحد أقواله أن من قذف زوجته يلاعن وإن لم يدع رؤية ، فإن كان قد قيل إنه يلاعن وإن لم يدع رؤية فكشفه عن صفة الرؤية إذا أدعاها إغراق والله أعلم .
مسألة
وسئل عن ملاعنة العبد أهي مثل ملاعنة الحر ؟ يشهد خمس مرات ؟ .
قال : نعم في رأيي مثل لعان الحر .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال : ( والذين يرمون أزواجهم ) ، والآية ولم يخص في ذلك حراً من عبد ، فوجب أن يستوي في ذلك الحر والعبد .
مسألة
وسألته عن لعان العبد والأمة .

(6/410)


فقال : أربع مثل لعان الحرة ، فإنه لا يجب عليه الحد إلا بأربعة شهداء
قال محمد بن رشد : اعتبار مالك رحمه الله عدد أيمان العبد في ملاعنة الأمة بعدد الشهود الذين يقام عليها بهم الحد اعتبار صحيح ، لأن الله تعالي قال : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) ، وقال : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) فدل ذلك على أن الله تعالى جعل كل يمين من لعان الزوج بإزاء شهادة كل شاهد يشهد على محصنة بالزنا وعلى أن أية اللعان على عمومها في جميع الأزواج والزوجات أحراراً كانوا أو عبيداً وبالله التوفيق .
من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب إن خرجت من هذه الدار
قال عيسى : سئل ابن القاسم عن الرجل يلاعن امرأته وهي حامل فيمكث سنين ثم يكذب نفسه ويدعي الولد ، هل عليه نفقتها الذي حملت فيه الولد ؟
قال : إن كان يوم حملها موسراً مثله ينفق فالنفقة لها لازمة .
قال محمد بن رشد : هذا كما قال ، وهو مما لا اختلاف فيه ، ومثله في المدونة ، وزاد فيها : وإن كان في بعض الحمل موسراً وفي بعضه معسراً لزمه ما كان فيه موسراً وسقط عنه ما كان فيه معسراً ، وزاد في كتاب ابن المواز : وعليه أيضاً أجر الرضاع ونفقته بعد ذلك إن كان ملياً ، وبالله التوفيق .

(6/411)


ومن كتاب باع امرأته
قلت : فالرجل ينفي حمل المرأة التي لم يدخل بها ؟ .
قال يلتعنان ، قلت ، فإن التعن فأبت أن تلتعن ؟ قال : تضرب مائة وإذا نكلت عن اللعان أو صدقته بإقرار وتقيم تحته كما كانت وتبرأ من الحمل وتكون امرأته يحالها فلا شيء عليه .
[ قلت : فالنصرانية تكون تحت المسلم فينتفي من حملها فيلتعن فتأبي أن تلتعن ؟ قال : يبرأ من الحمل]
قال محمد بن رشد : قوله في الذي ينفي حمل المرأة التي لم يدخل فيها إنهما يلتعان ، يريد وينفي الولد عن نفسه ، ومعناه إذا كان ما ادعت امرأته من أنه كان يغشاها قبل أن يدخل بها يمكن وقد جاءت بالولد لستة أشهر فأكثر من يوم تزوجها ، ولها نصف الصداق ولا سكنى عليه ولا متعة ، قاله في المدونة ، فإن جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو ظهر بها حمل في أيام لا يشك أن الحمل قبل العقد ، فلا صداق لها ولا لعان فيها ، فإن لاعن قبل أن يوضع الحمل فأنت به لأقل من ستة أشهر لم يكن لها من الصداق شيء ولم يحرم عليه نكاحها بالتعانهما ، لأنها كانت غير زوجة قاله ابن الماجشون ومحمد ابن المواز ، وهو بين في المعنى .
وقوله : إنه إذا التعن وأبت أن تلتعن تضرب مائة وتقيم تحته كما كانت بمنزلة النصرانية تنكل عن اللعان [ خلاف قول سحنون في نوازله إن ملاعنته إياها ونكولها عن اللعان وقطع للعصمة ، وقول ابن القاسم هو الصحيح على قولهم أن العصمة لا تنقطع بين الزوجين إلا بتمام اللعان من المرأة إذ لا فرق على هذين القولين بين أن تنكل عن اللعان بعد لعان

(6/412)


الزوج أو تصدقه قبل اللعان ] على أن الولد[ ليس ] منه ، ولا اختلاف بينهم إذا صدقته أنها تحد وتكون زوجته أن شاء طلق وإن شاء أمسك كلك قال هاهنا وفي كتاب الرجم من المدونة ، وإنما اختلفوا هل ينتفي الولد منه دون لعان أو لا ينفيه إلا بلعان ، وقد أنكر أبو بكر بن محمد قول سحنون لمخالفته الأصول ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب الرهون
وقال في رجب غاب عن امرأته عشر سنين أو أكثر فوجدها قد ولدت أولاداً فأنكر الأولاد ، وقالت المرأة : هم منك كنت تأتيني سراً . إنه لا يبريه من ولدها ومن الحد إلا أن يلتعن .
قيل : فإن قذف أحد من ولدها قبل أن يقدم أبوه ، قال : يجلد الحد إذا قال له ليس أبوك فلان أو قال له : يا ابن زانية أو يا ابن الزانية إنه يضرب الحد ، وإنما قذفه من قبل أن يقوم أبوه فيما يلزم من قذفه ، بمنزلة ما لو قذف بعد أن يلتعن أبوه ويبرأ منه يلزمه في ذلك ما كان يلزمه في هذه [قال : وإن مات قبل أن يقدم أبوه ألحق به الولد وحد كل من قذوفه وورثوه] .
قال محمد بن رشد : قوله : إنه لا يبر به من ولدها ومن الحد إلا أن يلتعن ، معناه إذا كان ما ادعت المرأة من أنه كان يأتيها في مغيبة سراً يمكن على ما قال في المدونة في الذي ينفي حمل امرأته قبل الدخول وتدعى أنه منه وأنه كان يغشاها في أهلها وقد ذكرنا ذلك في رسم جاع .
لو قدم بعد الغيبة الطويلة وقد ماتت المرأة فنفي ولدها لالتعن إذا كان لم يعلم به قبل ذلك ، وورثها ، قاله ابن القاسم في المدونة ومعناه

(6/413)


إذا أمكن أن يكون الولد منه والله أعلم .
وأما لو علم مغيبه بالبينة العادلة في الأرض النائية المدة الطويلة التي لا يلحق بي مثلها الأنساب فأنكر الأولاد لوجب أن لا يلحقوا به وأن تحد لما تبين من كذبها فيما ادعته والله أعلم ، وفي كتاب ابن سحنون لأشهب أن الغائب إذا قدم فوجد ولداً فقال : هذا ليس ابني ولا أبنك أنه يحلف ما أراد قذفاً ولا شيء عليه إلا أن يريد لعاناً فيمكن من ذلك .
مسألة
وقال في رجل يغيب عن امرأته سنين فتلد ولداً فتقول المرأة ليس هو من زوجي ولا هو من رجل آخر ، ثم يموت زوجها قبل أن يقدم : إنه يقام على المرأة الحد إذا أقامت على ذلك ولا تبن عنه ولا ينفي ذلك ولدها ومن نفي ولدها من أبيه كان عليه الحد وورث أباه .
قال محمد بن رشد : وهذا إذا أمكن أن يكون الولد منه على ما ذكرناه في المسألة التي فوقها والله أعلم .
ومن كتاب يدير ماله
وسئل عن رجل تزوج أمة وشرط أن ولده منها حر ، إن الولد حر ، قيل : فإن لا عنها ؟ قال : هو حر ، وإن لاعنها ، قيل فإن صدقته فيما قال فأقرت بالزنا وقالت ليس ولده ؟ قال : فهو رفيق إذا صدقته إلا أن يستلحفه يوماً ما لحق به ولم ينظر في قولها إنه ليس ولده إذا زعم أنه ولده ويعتق إذا استحلقه .

(6/414)


مسألة
قال القاضي : لما كان إذا لا عنها ونفي الولد عن نفسه يجلد الحد من نفاه عنه وجب أن يكون حراً بهذه الشبهة . وأما إذا صدقته بما قال فقد انتفي منه بكل حال ، وكان ولد زنا لأحد على من نفاه عنه فلم تكن له شبهة يعتق بها ما لم يستلحقه أبوه والله التوفيق .
ومن كتاب يحيي بن يحيي من ابن القاسم من كتاب الصبرة
قال يحيي : وسألته عن الرجل يطلق امرأته البتة ثم يزعم أنه رآها تزني بعد طلاقه إياها أيلاعن أم يكون بما ادعى من الرؤية قاذفاً ؟
فقال : أما ما كانت في عدتها فيلاعن بما ادعى من الرؤية فإذا انقضت عدتها فادعى أنه رآها تزني كان قاذفاً ، ولا يجوز له أن يلاعن .
قال له : أرأيت أن انقضت عدتها ثم ظهر بها حمل في زمان يرى أن النساء يحملن لمثله أيلحق به الولد ؟
قال : نعم إلا أن ينتفي من ذلك الحمل فيلاعن .
قلت : أرأيت إذا صار الحمل يلزمه إلا أن يلاعن فلم لا يكون له أن يلاعن بما يدعي من الرؤية للزنا بعد انقضاء العدة وهو يقول أخاف أن يظهر بها حمل يلحقني فأنا رأيت من سوء فعلها فأنا أخبر به السلطان لأبرأ من حمل إن ظهر باللعان .
قال محمد بن رشد : اختلف فيمن ادعى أنه رأى زوجته تزني وهي

(6/415)


في عدتها منه من طلاق بائن على ثلاثة أقوال ، أحدهما : قول ابن القاسم هذا أنه يلاعن بما ادعى من الرؤية ولا يحد ، والثاني ، أنه يحد ولا يلاعن وهو قول ابن المواز ، والثالث ، أنه لا يحد ولا يلاعن معناه إلا أن يظهر بها حمل فيكون له أن يلاعن لنفيه عن نفسه ، وهو قول المغيرة ، وإليه مال سحنون .
ووجه القول الأول : أن العدة لما كانت من توابع العصمة ، وكانت حقاً للزوج على المرأة حفظاً لنسبه كان له أن يراعي أمراها فيها وعذر في الأخبار بما رأى من زناها لا في ستر ذلك من المضرة به في إدخال الداخلة عليه في نسبه فخرج له المخرج من ذلك باللعان كما قال الله مخافة أن يموت فتأتي بولد فيلحق به .
ووجه القول الثاني : أنه لما لم يكن بها حمل ظاهر كان بما ادعى من رؤيته لزناها قاذفاً إذا عجل بالإخبار بذلك قبل أن يظهر بها حمل ، فوجب أن يحد لأنه قذف من ليست له بزوجة إذ قد خرجت من عصمته بالطلاق البائن ثم أن ظهر بها حمل كان له أن يلاعن لنفي الولد عن نفسه .
ووجه الثالث : أنه عذره بما أدعى من الرؤية مخافة أن يموت فتأتي بولد فيلحق به فأسقط عنه الحد ، ولم ير أن يعجل باللعان إذا قد لا يكون بها حمل فلا يحتاج إليه
وأما إذا ادعى أنه رآها تزني بعد أن انقضت عدتها فهو قاذف أن يحد لأنها كالأجنبية إذ لم يبق بينه وبينها سبب من أسباب العصمة إلا أن ظهر بها حمل فيكون له أن ينفيه .
وأما إن كانت في عدة منه من طلاق غير بائن فحكمها في جميع

(6/416)


وجوه اللعان كحكم التي هي في عصمته ، ولو ادعى بعد أن طلقها البتة أنه رآها تزني قبل أن يطلقها لحد ولم يلاعن ، قاله ابن القاسم في التفسير الثالث من العشرة ، وبالله التوفيق .
ومن كتاب أصبغ من ابن القاسم
قال أصبغ : من طلق امرأته فنكحت في عدتها قبل أن تحيض شيئاً ؟ قال : قول مالك إن الولد للأول متى ما جاءت به لأدنى من ستة أشهر ولأكتر ما بينهما وبين خمس سنين .
قلت : فإن نفاه الأب ، فقال : قد استبرأتها قبل أن أطلق ؟ قال : يلتعن الأب إذا وينفي الابن عن نفسه ولا تلتعن المرأة لأن للولد هاهنا سبباً وأبا يلحق به ، وفراشاً قائماً وهو الزوج الثاني أن كانت ولدته لستة أشهر فأكثر من يوم دخل بها الثاني ، وإن كانت جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو منقول من الأب الأول باللعان ومنهما جميعاً لأن الثاني هاهنا برئ منه .
فإن قال الثاني إذا جاءت به لستة أشهر فأكثر ونفله الأول : أنه ليس مني وقد استبرأتها بعد أن وطئها إلتعلن والتعنت ، ولا بد لها من اللعان هاهنا ، بمنزلة الزوج الواحد ، لأن الولد ليس له نسب بعد يلحق به إلا هذا الأب فلا يدفعه هذا عن نفسه إلا بلعان منه ، أو بانتفاء وتصديق منها له .
ولو كان دخوله بعد حيضه أو حيضتين فإن جاءت به لأدني

(6/417)


من ستة أشهر للأول ، والثاني منه بريء ولا ينفيه الأول إلا بلعان على نحو ما فسرت لك وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر فهو للأخر إلا أن ينفيه ويدعي الاستبراء منه فيلتعن ويبرأ منه ، ولا تلتعن المرأة ويرجع الولد هاهنا إلى الأول فيلحق به لأن فراشه قائم حين بريء منه الآخر ، إلا أن يدعي أنه استبرأها قبل أن يطلقها فتلتعن هي وهو هاهنا ، لأن الولد قد انقطع نسبه ولم يبق أب يلحق به .
قلت : فمن لاعنها منهما وحده ولم تلتعن هي لأن الولد لحق بالآخر أتحل للذي لاعنها ولم تلاعنه ؟ قال : لا لأن لعانه قد تم ونفل به الولد .
قلت : فمن استحلقه لحق به ؟ قال : نعم ، ويحد قلت : فإن استحلفه الآخر أيضاً بعد ذلك ؟ فقال : يحد ولا يلحق به لأن نسبة للمستلحق الأول .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على أصولهم ، وتحصيلها بتلخيص أنها إذا أتت بولد قبل ستة أشهر من يوم دخل بها الثاني فهو للأول إلا أن ينفيه بلعان فإن التعن حدت إلا أن تلتعن ، والثاني منه برئ كان قد دخل بها بعد حيضة أو قبل حيضة
وأن أتت به لأكثر من ستة أشهر فهو للأول أن كان دخل بها الثاني قبل حيضة إلا أن ينفيه بلعان ، فإن التعن حدث إلا أن تلتعن فيلحق بالثاني ، ولا تلاعن المرأة إلا أن ينفيه الثاني أيضاً ، وللثاني أن كان دخل بها بعد حيضة إلا أن ينفيه بلعان فيلحق بالأول ولا تلاعن المرأة إلا أن ينفيه الأول أيضاً ، ويختلف منها في موضعين : أحدهما : هل تحرم على الذي لاعنها منهما ولم تلاعنه إذا لحق بالآخر ؟ فقال أصبغ هاهنا : أنها

(6/418)


تحرم عليه ، وقال سحنون : لا تحرم ، وهو قول ابن المواز والقياس على المشهور في المذهب من أن الفرقة لا تقع بين المتلاعنين إلا بتمام لعان المرأة بعد الزوج ، وقول أصبغ يأتي على قياس القول بأن الفرقة تقع بينهما بتمام لعان الزوج ، وهو ظاهر قول ملك في موطأه ومذهب الشافعي وقول عبد الله بن عمرو بن العاص في المدونة ، والثاني : إذا التعنا ثم استحلقه الذي لاعنها أولاً ولم تلاعنه لأنه لحق بالآخر هل يحد أم لا يحد ؟ قال أصبغ : إنه يحد ، وقال سحنون وابن المواز : لا يحد إذا لم ينفه أولاً إلى زني وإنما نفاه إلى الأب الآخر الذي نفاه بعد .
ومن استحلقه منهما أولاً بعد التعانهما لحق به ولم يقبل للثاني بعد فيه دعوى .
وإن استحلقاه كلاهما بعد التعانهما كان الأول أحق به وبالله التوفيق .
مسألة
وسئل عن رجل قال لامرأته : رأيتها تزني والمرأة صماء لا تسمع بكماء لا تفهم ما يقال لها ، هل ترى على الزوج لعاناً وحده أم لا ؟ .
قال : يشار إليها بما قد عرفت به أنها تعرفه من الإشارة وتفهمه مما علم منها ، فإذا أفهمت فإن صدقته أقيم عليها الحد ، وإن حجدت قيل للزوج التعن وأدرأ عن نفسك الحد فإذا فعل قيل لها حدي مخرجك بأن تلتعن وترد قوله بإشارة يعرف بها ما كان منها على وجه ما كان يعلم من أمرها ، فإن فعلت فرق بينهما ، فإن نكلت وجب عليها الحد .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال لأن الإشارة تفهم بها المعاني ويعبر بها عما في النفوس فتقوم مقام الكلام عند عدم الكلام ، وقد سمى

(6/419)


الله الإشارة كلاماً ، فقال : ( آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ألا رمزاً ) وبالله التوفيق .
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم
قال أبو زيد : سئل ابن القاسم عن الرجل ينكح المرأة فتحمل ، فيقول : إنما نكحتك منذ خمس أشهر ، وتقول : بل نكحتني منذ تسعة أشهر ، وينكر الحمل إنه يلاعنها .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن العصمة متيقنة والفراش معلوم ، فوجب أن يلحق به الولد إلا أن ينفعه بلعان .
مسألة
قال : وسئل عن المرأة تلتعن قبل الرجل ثم تموت .
قال : ينبغي أن يلتعن الرجل قبل ويقال للرجل : التعن وابرأ من الميراث ولا حد عليك ، أو لا تلتعن فتحد ويكون لك الميراث ، وقال كانا جميعاً حين التعنت المرأة قبل الرجل ولا يقال للمرأة التعني ثانية .
قال محمد بن رشد : لم ير ابن القاسم تبدئة الزوج في الأيمان باللعان قبل المرأة واجباً لاستوائهما في أن كل واحد منها يدعي على صاحبه دعوى أن لم يثبتها وجب عليه حد ، فالزوج يدعي على المرأة أنها زنت وأن الولد غير لاحق به ، فإذا لم يثبت ذلك عليها وجب عليه حد القذف والمرأة تدعي على الزوج أنه وطئها الوطء الذي كان عنه ولدها وتريد إلحاق به ، فإن لم يثبت ذلك لها عليه وجب عليها حد الزنا ، وإنما

(6/420)


رأى ذلك متبعاً لظاهر القرآن ، إذا ليس فيه نص على وجوب الترتيب ، فإنه بشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصدقين والخامسة أن لعنة الله عليه أن كان من الكاذبين ، فيحتمل أن يكون معنى قوله بعد ذلك : ويدرأ عنها العذاب إن كان الزوج هو الذي ابتدأ بالأيمان ، فلهذا قال أن المرأة إذا التعنت قبل الدخول وماتت يقال للرجل ما يقال للمرأة إذا التعن الرجل قبلها ثم مات : إما أن تلتعني فيسقط عنك الحد ولا يكون لك الميراث ، وإما إلا تلتعني فتحد ويكون لك الميراث ، إن المرأة إذا التعنت قبل الرجل ولم تمت التعن الرجل ولم تعد المرأة اللعان .
وذهب أشهب إلى أن ترتيب اللعان على ما ذكر الله في القرآن واجب فقال : إنه إن التعنت المرأة قبل الرجل التعن الرجل وأعادت المرأة اللعان ، وإنما هو إذا حلفت المرأة أولاً كما يحلف الرجل على تكذيب أيمانه ، إذا لم يتقدم له يمين ، فقالت : أشهد بالله إني لمن الصادقين ما زينت وإن حملي هذا لمته ، وقالت في الخامسة : غضب الله عليها إن كانت من الكاذبين ، فهاهنا قال ابن القاسم يلتعن الرجل فيقول : أشهد بالله إنها لمن الكاذبين ولقد زنت وما حملها هذا مني ، ويقول في الخامسة لعنة الله على أن كانت من الصادقين ، لا تعيد المرأة اللعان . وقال أشهب : يلغي لعان المرأة أولاً ويبتدئ الرجل باللعان ثم تلتعن المرأة بعده .
وأما إن حلفت المرأة أولاً فقالت : أشهد بالله أنه لمن الكاذبين ، وقالت في الخامسة : غضب الله علي إن كان من الصادقين ، فلا اختلاف بينهما في أن أيمان المرأة ملغاة ، لأنها حلفت على تكذيب أيمان الزوج وهو لم يتقدم له يمين والله أعلم . وقول ابن القاسم هذا على أصله في الصبي يقوم له شاهد على حقه فيبدأ المدعي عليه باليمين ثم يبلغ الصبي

(6/421)


فينكل على اليمين أنه يجتزأ بيمين المدعي عليه المتقدمة أولاً ، وعلى مذهب أشهب أن المرأة تعيد اللعان بعد الزوج ، لا يجتزأ بيمين المدعي عليه في مسألة الصبي ، [ لأن العمد والخطأ في هذا سواء والله أعلم ] .
مسألة
وسئل عن رجل نكح أمه أو أخته وهو لا يعلم فتحمل منه ، فينكر الحمل وأراد الملاعنة ثم قامت بينة أنها أمه أو أخته ، هل يلاعنها أو يلحقه الولد أو ماذا يصنع فيهما ؟ .
قال ابن القاسم : يلاعنها وينفي الولد ، لأن أصل نكاحه على وجه التزويج ويدرأ عنه الحد ويلحقه الولد ويلزمه الصداق وعليها العدة ولا بد من اللعان فيه فيه ينفي الولد ، أو الحد ويلحقه الولد إنما هو قول يقوله أهل العراق وليس عليها حد عند أهل المدينة ، وهم يقولون مع ذلك غير هذا : ليس بين العبد والحرة لعان ، ولا بين المسلم والنصرانية لعان ، ونحن نقول : إذا كان الحمل في الأمة والنصرانية من الحر والعبد ففيهن لعان وبين العبد والحرة لعان كان حمل أو لم يكن ، وإنما يلاعن الحر الأمة والنصرانية في الحمل وليس في القذف فقد فسرنا لك هذا الوجه .
قال محمد بن رشد : وقع في بعض الكتب : وليس عليه حد عند أهل المدينة وهو صحيح ، إذا ليس على واحد منهما حد في تناكحها إذا

(6/422)


لم يعلما بالحرمة التي بينهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وقوله : إن اللعان يكون بينهما كما يكون في النكاح الصحيح صحيح لأن حكم النكاح الصحيح في لحوق النسب ووجوب الصداق بالدخول ولزوم العدة فيه وإنما لم ير أهل العراق فيه لعاناً تعلقاً بظاهر قوله عز وجل : ( والذين يرمون أزواجهم وليس بزوجين إذا لا ينعقد لأحد نكاح فيمن حرمه الله عليه من ذوات محارمه ومن قول فاسد : لأنه وإن لم يكن نكاحاً منعقداً في الباطن فقد انعقد في الظاهر وترتبت أحكامه في الظاهر والباطن من لحوق النسب ووجوب الصداق والعدة ، فكذلك اللعان .
وكذلك تعلقوا في إبطال اللعان بين العبدين ، أو بين العبد والحرة ، والحر تحته الأمة أو المسلم تحته النصرانية ، لقول الله عز وجل : ( ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم ) .
لأن الله سماهم إذ استثناهم من جنس الشهداء ، والمستثني من جنس المستثني منه ، فدل على أن اللعان شهادة ، والعبد والمحدود والنصراني لا تجوز شهادته ، وليس ذلك بشيء ، لأن المستثني منقطع ، والمعنى فيه ولم يكن لهم شهداء غير قولهم الذي ليس بشهادة ، كما قالوا : الصبر حيلة من لا حيلة له ، والجوع زاد من لا زاد له وقد ناقضوا بقولهم : أن الفاسق المعلوم بالفسق يلاعن وشهادته لا تجوز وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم : في رجل تزوج أمة أو نصرانبة ثم قال : رأيتها يزنيان قال : فلا لعان عليه ولا حد فيهما جميعاً إلا أن يقول

(6/423)


أخاف أن يأتي ولد فأنا أنفيه باللعان فإنه يلاعن إذا أراد أن ينفي عنه حملاً يخافه ، وتلاعن الأمة معه ، ولا لعان على النصرانية .
لو تزوج وصيفة لم تبلغ المحيض إلا أنها توطأ فقال رأيتها تزني وأنا إلا عن مخافة أن تأتي بحمل فيلحقني ، قال : يلاعن هو ولا لعان عليها وإن جاء حمل لم يلحق به ، قيل له : ولا لعان عليها وإن جاء حمل لم يلحق به ، قيل له : ولا لعان عليها إذا كان زوجها لاعن قبل أن تحيض ثم بلغت المحيضِ ؟
قال : لا .
قال محمد بن رشد : قوله أن الرجل لا يلاعن الأمة النصرانية إلا في نفي الحمل أو رؤية يخشي أن يكون منها ولد فيلحق به ، صحيح مثل ما في المدونة وغيرها إذا لا حد عليه في قذفها ، وتلاعن الأمة لأنها تنفي الحد عن نفسها بلعانها ، وتلاعن الصغيرة التي يوطأ مثلها في نفي الحمل وغيره ، لأن قاذفها يلاعن وتحد هي إذا لا حد عليها في زناها وتبقي له زوجة على المشهور في المذهب من أن الفرقة لا تقع بين المتلاعنين إلا بالتعان المرأة بعد الزوج ، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم قطع الشجر من سماع ابن القاسم وفي غيره من المواضع ، وكذلك النصرانية لا لعان عليها إذا لا حد عليها في زناها إلا أن تشاء أن تلتعن هي على ما قال في المدونة فتلتعن في كنيستها ، فإن أبت أن تلتعن بقيت زوجة له ، وإن التعنت وقعت الفرقة بينهما قاله سحنون في كتاب ابنه وبالله التوفيق .
مسألة
قال ابن القاسم في امرأتين شهدتا أن هذا الولد من امرأتي ولدته وكان الولد صغيراً أو كبيراً ، وأنا منكر لذلك وأقول حملها ذلك قد انفش وكنت أنا حاضراً أوغائباً .

(6/424)


قال يلحق به الولد بشهادة المرأتين حاضراً كنت أو غائباً على ولد صغير أو كبير .
قيل له : ولا يكون في مثل هذا لعان ؟ قال : لا .
قال محمد بن رشد : وهذا كما قال ، لأن شهادة النساء في الولادة جائزة وهو مما لا اختلاف فيه احفظه ، فيلحق به الولد بشهادتهما .
ولو لم يشهد على ولادته إلا امرأة واحدة أو لم يشهد على ولادته أحد فقالت هي : ولدته وهو ولدك ، وقال هو لم تلده ففي كتاب القذف من المدونة أن القول قولها أنها ولدته ويلحق به إلا أن ينكره ويدعي الاستبراء فيكون له أن ينفيه باللعان ، وأن القول قول الأمة التي أقر سيدها بوطئها في الولادة إذا جاءت بالولد ويلزم السيد ولا يستطيع أن ينفيه إلا أن يدعي الاستبراء قبل الحمل ، إلا أنها مسائل طرحها سحنون فأراه ذهب إلى انه لا تصدق واحدة منهما في الولادة وإن جاءت بالولد لا الزوجة ولا الأمة ، فلا يكون على الزوج إذا أنكر الولادة والولد أن ينفيه بلعان حتى تثبت الولادة ، ولا تكون الأمة التي أقر سيدها بوطئها أم ولد وإن جاءت بالولد إلا أن تثبت الولادة فإن أثبتتها لحق به الولد ، وكانت له أم ولد إلا أن يدعي الاستبراء قبل الحمل وتعلق به فيما ذهب إليهما ، من أنهما يصدقان على الولادة إذا جاءت بالولد من المدونة ، والذي أٌقول له في هذا ، أن الحرة بخلاف الأمة فتصدق الزوجة في الولادة إذا جاءت بالولد ويلزم زوجها إلا أن ينفيه بلعان إذ لا تهمه عليها في إقرارها بولادة الولد : ولا تصدق الأمة في ذلك ، لأنها تتهم أن تأخذ لقيطاً فتدعي أنها ولدته لتكون به أم ولد لسيدها ولعله قد مات فيلحق به نسب لا يدري إقراره به وبالله التوفيق .
من مسائل نوازل سئل عنها سحنون
وسئل عن الرجل ينتفي من حمل امرأته فيلاعنها فتنكل عن

(6/425)


اللعان فلا يوجد سبيل إلى رجمها حتى تضع ثم يكذب الزوج نفسه قبل أن تضع وبعد أن نكلت عن اليمين هل له عليها رجعة ؟ وهل بينهما ميراث ؟ .
قال : ملاعنته إياها ونكولها قطع العصمة ولا يرثها ولا ترثه ، وإذا وضعت رجعت .
قال محمد بن رشد : هذه مسألة ليست على الأصول ، والصحيح ما مضى في رسم جاع من سماع يحيي أن العصمة بينهما باقية والميراث بينهما قائم وعلى القول بأن العصمة تنقطع بتمام لعان الزوج لا ميراث بينهما نكلت أو لم تنكل ، فمراعاة سحنون لنكولها في انقطاع العصمة بينهما خارج عن الأصول وبالله التوفيق . وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

(6/426)