البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 [كتاب الصرف الأول]
[قال لرجل ادفع إلى هذا نصف دينار فدفع إليه به دراهم]
كتاب الصرف الأول

(6/427)


من سماع ابن القاسم من مالك
من كتاب الرطب باليابس أخبرني محمد بن عمرو بن لبابة قال: أخبرني العتبي محمد بن أحمد عن سحنون بن سعيد، قال: أخبرني ابن القاسم عن مالك في رجل قال لرجل: ادفع إلى هذا نصف دينار فدفع إليه به دراهم، قال ابن القاسم: ليس عليه إلا عدة الدراهم التي دفع يومئذ لأنه نصف دينار، وليس عليه أن يخرج دينارا فيصرفه وإنما الاختلاف إذا أمره بقضاء دينار تام، قال سحنون: قال ابن القاسم: يريد إذا كان المأمور إنما دفع إليه الدراهم، وأما إن كان إنما دفع إليه دينارا فصرفه فله نصف دينار بالغا ما بلغ.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه المسألة قال ابن القاسم: وليس له إلا عدة الدراهم التي دفع وصوابه قال مالك، فإن المسألة في قوله بدليل تفسير ابن القاسم له بقوله يريد إذا كان المأمور إنما دفع إليه الدراهم.
وأما قوله وإنما الاختلاف إذا أمره بقضاء دينار تام فأراه قول سحنون؛ لأنه إنما أشار إلى اختلاف قول ابن القاسم وغيره في ذلك الواقع في كتاب

(6/429)


الكفالة والحوالة من المدونة، وفي قوله وإنما الاختلاف إذا أمره بقضاء دينار تام دليل على خلاف أنه إذا أمره بقضاء نصف دينار فقضاه دراهم إنما يرجع عليه بعدة الدراهم التي قضاه، وذلك إنما يصح على القول بأن من وجب له على رجل جزء من دينار قائم يراعى في وجه المصارفة فيه ما يوجبه الحكم من أن يقضيه فيه دراهم بصرف يوم القضاء؛ لأنه إذا قال له ادفع عني إلى فلان نصف دينار فكأنه إنما أمره أن يدفع إليه صرفه إذ هو الذي يوجبه الحكم، فوجب إذا دفع إليه صرفه أن يرجع بما دفع لأنه الذي أمر إلا أن يكون حابى المدفوع إليه في الصرف فلا يرجع بالمحاباة.
وأما على القول بأن من وجب له على رجل جزء من دينار قائم يراعى في وجه المصارفة فيه ما ترتب في الذمة من الذهب لا ما يوجبه الحكم في القضاء فدخل إذا أمره بقضاء نصف دينار تام فقضاه دراهم فالأمر مخير بين أن يعطيه نصف دينار أو دراهمه، وعلى هذا يأتي قول أصبغ في سماعه من كتاب العيوب فيمن باع سلعة بنصف دينار فأحال على المشتري غريما له بنصف دينار وليس بالدراهم خلاف قول ابن القاسم فيه وفي رسم حبل حبلة من سماع عيسى من كتاب جامع العيون.
وتحصيل القول فيمن أمر رجلا أن يقضي دينا عليه لرجل آخر فقضى عنه خلاف ما أمره به أن ذلك ينقسم على قسمين أحدهما أن يقضي عنه خلافه مما تختلف فيه الأغراض والثاني أن يقضي عنه أدنى منه في الصفة أو أقل منه في العدد أو ما يؤول إلى ما هو أقل منه في العدد.
فأما إذا قضاه خلافه مما تختلف فيه الأغراض ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن ذلك جائز جملة من غير تفصيل، والثاني أن ذلك لا يجوز

(6/430)


جملة من غير تفصيل، والثالث أن ذلك لا يجوز فيما لا تجوز فيه المبايعة إلا يدا بيد، مثل أن يأمره أن يقضي عنه دنانير فيقضي عنه دراهم، أو يأمره أن يقضي عنه دراهم فيقضي عنه دنانير أو يأمره أن يقضي عنه قمحا من قرض أو تمرا فيقضي عنه تمرا وما أشبه ذلك، وأن ذلك لا يجوز فيما تجوز المبايعة فيه إلى أجل، مثل أن يأمره أن يقضي عنه دنانير أو دراهم فيقضي ثمرا أو حبا أو كتانا أو قطنا وما أشبه ذلك مما يكال أو يوزن، فإذا قلنا إن ذلك لا يجوز فيما لا يجوز من ذلك على القول بأن ذلك لا يجوز فيفسخ القضاء ويرجع المأمور بما دفع ويبقى الدين كما كان عليه، وإذا قلنا أن ذلك جائز فيما يجوز من ذلك فيختلف بما يرجع به المأمور على الآمر على قولين: أحدهما أن المأمور يرجع على الآمر بما أمره به أن يدفع عنه، والثاني يرجع عليه بما دفع عنه إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه يكون مخيرا في ذلك، وهذا معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة أنه لا يربح في السلف.
وأما إذا قضاه دون ما أمره به في الصفة مثل أن يأمره أن يقضيه عنه دراهم محمدية فيقضيه يزيدية، أو دنانير هاشمية فيقضيه دمشقية أو سمرا فيقضيه محمولة أو أقل في العدد أو ما يؤول إلي ما هو أقل في العدة مثل أن يأمره أن يقضي عنه دنانير فيقضي عنه عرضا من العروض في بلد يبتاع فيه بالدنانير، أو يأمره أن يقضي عنه دراهم فيقضي عنه عرضا يبتاع فيه بالدراهم، فهذا الوجه الثالث لا اختلاف فيه أن القضاء جائز وأن المأمور يرجع على الآمر بما دفع إن كان الذي دفع أقل في العدد أو أدنى في الصفة أو بالأقل من قيمة العرض الذي دفع أو مما أمره الآمر أن يدفع

(6/431)


عنه من الدنانير أو الدراهم، وكذلك الحكم في الكفيل يدفع من عنده الذي تكفل له عن المكفول به خلاف ما تكفل به عنه، وقد فرق ابن القاسم في أحد أقواله من كتاب الكفالة من المدونة بين المأمور والكفيل يقضيان الغريم خلاف ما له عندهما وسنزيد هذه المسألة بيانا إن شاء الله في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الحمالة إذا مررنا إن شاء الله بها، وأما إن اشترى الكفيل ما تحمل به ولم يخرجه من عنده فلا اختلاف في أنه يرجع بالثمن الذي اشترى به إذا لم يحاب البائع في اشترائه لأن المتحمل عنه كأنه قد أذن في الشراء، وكذلك المأمور أيضا وبالله التوفيق.

[مسألة: أخذ منه دراهم مقطعة في ذهب له فقال له غريمه إنما وضعتها حتى أصارفك]
مسألة وقال مالك: من كانت له ذهب على رجل فأخذ منه دراهم مقطعة، ثم قال له غريمه: إنما وضعتها على يديك حتى أصارفك (بالثمن الذي اشترى به) ، وقال الآخر: بل صارفتك: فالقول قول الذي قبض الدراهم إن كان جاء بأمر يعرف من الصرف، وإن جاء بأمر لا يعرف حلف الآخر، قال ابن القاسم: أحب إلي أن يحلف الذي عليه الذهب ويعطي الدراهم بالله ما باعه الدراهم ثم يتصارفان إن أحبا، فإن نكل عن اليمين حلف قابض الدراهم وكان القول قوله.
قال محمد بن رشد: وجه قول مالك في هذه المسألة أنه حمل قول الغريم: وضعتها على يديك حتى أصارفك بها على أنه أوجب على نفسه مصارفته بها من غير أن يتناجزا في الصرف، فوجب أن يكون القول قول الآخر الذي ادعى أنه قد صارفه بها؛ لأنه ادعى حلالا، إذ لا يحل

(6/432)


الصرف إلا بالمناجزة ولو كان الدافع هو الذي ادعى المناجزة في الصرف، وقال القابض: إنما وضعتها على يدي حتى تناجزني فيها لكان القول قول الدافع عند مالك على أصله، ووجه قول ابن القاسم أنه حمل قوله وضعتها على يديك حتى أناجزك فيها على أنه إنما وعده بالمصارفة بها، ولم يوجب ذلك على نفسه، فوجب أن يكون القول قوله؛ لأن القابض مدعى عليه ما لم يقر له به من المصارفة، وهو أظهر من قول مالك.
ولو كان القابض هو الذي قال: إنما وضعتها على يدي حتى تصارفني بها وقال الدافع: بل صارفتك بها لكان القول قول القابض عند ابن القاسم على أصله.
ولو ادعى أحدهما القابض أو الدافع أنه صارفه بها مصارفة فاسدة مثل أن يقول: صارفتك بها على أن أحدنا بالخيار، أو على أن نبدل لك ما وجدت فيها من زائف وقال الآخر: بل ناجزتك فيها دون شرط لكان القول قول مدعي المناجزة منهما عندهما جميعا على أصولهم في أن القول قول مدعي الحلال من المتبايعين.
ولو قال أحدهما: صارفتني فيها، وقال الآخر: لم أصارفك فيها ولا ذكرنا صرفا وإنما كانت وديعة لكان القول قول من قال منهما إنما كانت وديعة عندهما جميعا، فهذا وجه القول في هذه المسألة، وقد كان بعض الشيوخ يصرفها إلى كتاب الكفالة من المدونة في الرجل يكون عليه للرجل مائة درهم من قرض ومائة درهم من كفالة، فيدفع إليه مائة درهم فيقول القابض: المائة التي قبضت هي الكفالة، ويقول الدافع: بل هي القرض، ويقول قول مالك في هذه المسألة مثل قول غير ابن القاسم في كتاب الكفالة وليس ذلك بصحيح؛ لأن المسألتين مفترقتان في المعنى فلا يصح حمل إحداهما على الأخرى، ألا ترى أن مسألة كتاب الكفالة قول ابن القاسم فيها أن المقبوض يقسم على الحقين، يريد بعد أيمانهما وذلك لا يصح في هذه المسألة لأنه حق واحد، وبالله التوفيق.

(6/433)


[ابتاع حنطة بدينار وازن ثم إنه أعسر بالدينار الوازن]
ومن كتاب القبلة قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في رجل ابتاع حنطة بدينار وازن، ثم إنه أعسر بالدينار الوازن فقال للذي باع منه الحنطة: خذ مني دينارا ناقصا شعيرة وأرد عليك فضل الحنطة، قال مالك: إذا ثبت البيع بالوازن فلا ينبغي ذلك؛ لأنه قد ثبت عليه دينار وازن فأعطى مكانه ناقصا وزيادة حنطة. فذلك دينار بدينار وحنطة، وإن ثبت البيع بناقص فلا ينبغي له أن يعطي وازنا ويأخذ فضل شيء من الأشياء، فأما ما لم يثبت البيع إلا مراوضة منهما فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إن ثبت البيع بينهما بالدينار الوازن بإيجاب كل واحد منهما إياه لصاحبه فلا يجوز أن يأخذ منه ناقصا ويأخذ من الحنطة ما وجب لنقصان الدينار، وقال ابن حبيب: إنه يدخله أربعة أوجه، التفاضل بين الفضتين، والتفاضل بين الطعامين، وبين الطعام قبل أن يستوفي، والأخذ من ثمن الطعام طعاما، يريد إن كان الطعام قد قبضه المبتاع وافترقا، وأما إن قبضه ولم يفترقا فلا يدخله الأخذ من ثمن الطعام طعاما ولا بيع الطعام قبل أن يستوفى فالعلتان الثانيتان إنما هما التفاضل بين الذهبين. والتفاضل بين الطعامين، وأما الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، والبيع قبل الاستيفاء فلا يجتمعان؛ لأن الطعام إن كان قبض فلا يدخله البيع قبل الاستيفاء، وإن كان لم يقبض فلم يدخله الاقتضاء من ثمن الطعام طعاما، وإن كان قد قبض ولم يفترقا لم يدخله واحدة منهما، وكذلك لا يجوز له أن يأخذه في نقصان

(6/434)


الدينار فلوسا ولا شيئا من الأشياء، وقد فرق في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه بعد هذا في آخر السماع بين أن يأخذ منه في النقصان فلوسا أو يحاسبه به في الطعام فيأخذ منه لنفسه ما وجب له فمنع من ذلك بالفلوس وأجازه بالطعام، وقال: إن ذلك بعد الوجوب، ويحتمل ذلك وجهين من التأويل.
أحدهما أن يكون إنما تكلم فيه على أن المبتاع قد أوجب البيع للبائع ولم يوجبه البائع له، وذلك مثل أن يقول المبتاع للبائع كم تبيعني من طعامك بدينار وازن؟ فيقول: عشرة أرادب، فيقول المبتاع: قد أخذته بذلك، فيخرج الدينار فيجده ناقصا قبل أن يقول البائع قد بعتك، والوجه في ذلك أن المبتاع لما أوجب على نفسه الدينار للبائع بعشرة أرادب وجب للبائع إن أراد أن يمضي له البيع به فلا يجوز له أن يبيعه منه بدينار ناقص وفلوس، ولما كان كان البائع لم يوجب على نفسه الطعام للمبتاع جاز للمبتاع أن يعطيه منه في نقصان الدينار، ولم يكن ذلك بيعا له قبل استيعابه إذ لم يجب له بعد ويكون معنى قوله في الرواية: وإنما هو عندي بمنزلة رجل اشترى بدرهمين حنطة، ثم قال له بعد ذلك: أعطني بدرهم وأقلني من درهم أنه بمنزلة في الجواز لا في استواء العلة لأنه في الدرهم من الدرهمين إقالة جائزة بعد تمام البيع، وفي نقصان الدرهم فعل جائز إذ لم يتم البيع بينهما، وهذا جائز أن يقال هذا مثل هذه وإن لم يكن مثله إلا في وجه من وجوهه، قال عز وجل: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] يريد مثلهن في العدد لا فيما سواه وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] يريد أمثالها في أنهم أمم لا فيما سوى ذلك، ويستدل على أنهم إنما أراد بقوله فيها

(6/435)


بعد الوجوب بعد أن أوجب المبتاع البيع للبائع ولم يوجبه له البائع بقوله: كأنه حمله على وجه المساومة، وفيه تفسير من البيع يريد أنه أخذ بشبه من المساومة إذ لم يتم البيع بينهما، وأخذ بشبه من البيع، إذ قد لزم أحدهما، والقياس أن يغلب أحد الوجهين، أما الوجوب فلا يجوز أن يحاسبه بالنقصان بالطعام، كما لا يجوز أن يأخذه به فلوسا، وأما المساومة إذا لم يجب البيع بينهما بإيجاب كل واحد منهما إياه لصاحبه فيجوز أن يحاسبه بالنقصان في الطعام وأن يأخذ به منه فلوسا، وأما إن كان في المراوضة قبل أن يوجب البيع واحد منهما لصاحبه فذلك جائز لا بأس به كما قال؛ لأن البيع إنما تم بما عقدا عليه آخرا فلا إشكال في جواز ذلك، فالمسألة على هذا التأويل في الدينار الوازن الذي له فضل في عينيه على الناقص تنقسم على هذه الثلاثة الأقسام وهي أن يكون ذلك الفعل بعد أن أوجب كل واحد منهما البيع لصاحبه وأن يكون قبل أن يوجبه واحد منهما لصاحبه وأن يكون قد أوجبه أحدهما ولم يوجبه الآخر له، وقد مضى تفسير ذلك والحكم فيه.
والتأويل الثاني أن يكون تكلم في هذه المسألة على أن للدينار الوازن فضلا في عينه على الناقص، وتكلم في مسألة رسم المحرم على أن الدرهم الكيل الوازن للأفضل له في عينه على الناقص فأجاز لما لم يكن له في عينه فضل على الناقص أن يأخذ الناقص ويحاسبه بقدر النقصان في الطعام، وأشبه عنده من اشترى حنطة بدرهمين فأقاله من أحدهما، ولم يقو عنده قوة الدرهمين إذ يجوز لمن كان له على رجل درهمان وازنان أن يأخذ منه أحد درهميه وبالآخر فلوسا ولا يجوز لمن له علي رجل درهم وازن أن يأخذ منه نصف درهم وبالنصف الآخر فلوسا إلا أنه أجازه مراعاة لقول من يرى الخيار من المتبايعين ما لم يتقاضيا أو يتفارقا، وهو معنى قوله: كأنه حمله على وجه المساومة، وفيه تفسير من البيع.
وهذا التأويل أظهر وأولى وأحسن من التأويل الأول والله أعلم.

(6/436)


ولو اشترى رجل حنطة بدينار من الذهب التي إنما تجري مجموعة مقطوعة بالميزان كالذهب العبادية والشرفية لجاز إذا وجد عنده أقل من مثقال أن يأخذ بما نقص فلوسا أو بما شاء من العروض وأن يحاسبه بالنقصان فيما له من الطعام.
فقف على أن الدينار الوازن الذي له فضل في عينه على الناقص لا يجوز له بعد الوجوب أن يأخذ بنقصانه فلوسا، ويجوز له أن يحاسبه به في الطعام، وأن الدينار الذي يجري بالميزان مجموعا مقطوعا إذا لم يشترط أن يأخذه صحيحا يجوز فيه الوجهان وبالله التوفيق.

[مسألة: باع سلعة بدنانير ثم دعاه الذي عليه الذهب إلى أن يستعير ذهبا]
مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل باع سلعة بدنانير قائمة أو وازنة أو ناقصة نقصانا معروفا قيراطا قيراطا أو نصف قيراط كل دينار، ثم دعاه الذي عليه الذهب إلى أن يستعير ذهبا مثل الذهب الذي له فيزن له بها ذهبا أخرى قائمة أو مخالفة لنقصانها، ثم يعطيه إياها مكانه فدخل في ذلك اختلاف في العدد إنه لا ينبغي أن يكون له وازنة فيأخذ مكانها ناقصة بوزنها، وقال مالك: لا أحب هذا لأن هذا يدخل اختلافا في الوزن، وإنما تجوز المصارفة إذا حضرت الذهبان أو الورقان وأن هذه إحداهما غائبة والأخرى حاضرة.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إن ذلك لا يجوز لأنه إنما أخذ ذهبا

(6/437)


بوزن العدد الذي له هل يدري أخذ في الوزن أقل أو أكثر إذ لا بد من أن يزيد في الوزن أو ينقص، فهو يغتفر فضل العدد رجاء زيادة الوزن لا سيما والصرافون يزعمون أن الذهب إذا جمع نقص، فإذا فرق زاد، وهو مثل قوله في المدونة في مسألة الدرهمين الفردين يؤخذ بوزنهما فضة، ومثل قول ابن حبيب في الواضحة خلاف قوله في سماع أشهب أنه لا بأس أن يقتضي من الدينار القائم دينارا ناقصا خروبة وخروبة ذهب بوزنه، وقد قيل إنه ليس بخلاف، وإنما استخفه من أجل أنه دينار واحد، وأما إذا اقتضى من العدد الذي له ذهبا مجموعا في الوزن فإن كان أكثر من عدد الذهب الذي له لم يجر بحال؛ لأنه ترك فضل العين لزيادة الوزن، وإن كان أقل وزنا جاز إن كان أقل عددا ولم يجز إن كان أكثر عددا لأنه ترك فضل العين لزيادة القدر والله أعلم وبه التوفيق.

[مسألة: دفع إلى آخر له ذهبا أو ورقا ناقصا أو طعاما مأكولا فقال له أحسن إلي]
مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال في رجل دفع إلى آخر له ذهبا أو ورقا ناقصا أو طعاما مأكولا، فقال له: أحسن إلي أبدل لي هذا بأجود منه وأنفقه فيما تنفق.
قال مالك: إذا كان على وجه المعروف على غير شرط إن شاء تم على ذلك وإن شاء رد عليه مثل ما أخذ منه لم يلزمه غير ذلك، فلا أرى فيه بأسا يدا بيد.
قال محمد بن رشد: أجاز مبادلة الذهب أو الورق الناقصة بالذهب الوازنة والطعام المأكول بالطعام صحيح على وجه المعروف، ومعنى ذلك في الذهب والورق فيما قل منه مثل الدينار والثلاثة إلى الستة على ما

(6/438)


في المدونة، وإن كان سحنون قد أصلح الستة وردها ثلاثة.
وقوله بأجود منه يدل على جواز بدلها بأوزن وأجود، خلاف قول مالك في المدونة مثل قول ابن القاسم.
وأما الطعام فيجوز مبادلة المأكول منه والمعفون بالصحيح السالم على وجه المعروف في القليل والكثير على ظاهر هذه الرواية وما وقع في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، ومنع من ذلك أشهب كالدنانير الكثيرة النقص بالوازنة [فلم يجز المعفون بالصحيح ولا الكثير العفن بخفيف العفن، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة من أنه لا يجوز الطعام المعفون بالطعام المعفون إلا أن يشبه بعضه بعضا ولا يتفاوت، وأجاز ذلك سحنون في المعفون وقال: إنه لا يشبه الدنانير النقص بالوازنة؛ لأن بين الدنانير الكثيرة النقص بالوازنة] تفاضلا في الوزن، ولا تفاضل في الكيل بين المعفون بالصحيح. قال: وكره المعفون بالصحيح لكره القمح بالشعير والجيد بالرديء، وكره في المأكول إذا كانت الحبة قد ذهب أكثرها.
ومعنى قوله إذا كان ذلك على غير شرط، أي أنه لا يجوز له أن يقول له أبدله لك على أني إن قدرت على نفقته وإلا صدقته عليك أو ضربت عليك مثله إن شئت وأخذت منك ما أعطيتك.

[مسألة: بيع الذهب بالفضة]
مسألة وقال مالك في الشيء من الحلي، يكون الذهب والورق قد صيغ.
قال: إن كان ما فيه من الفضة ثلث ذلك أو أدنى بيع بالفضة، وإن كان الذهب هو الثلث في القيمة بيع بالذهب يدا

(6/439)


بيد، وإن كان على غير ذلك لم يبع إلا بعرض أو فلوس أو شيء غير الذهب والورق، قال ابن القاسم: رجع مالك عن هذا وقال: لا يباع كله إلا بعرض أو فلوس، وقوله الذي رجع إليه أحب ما فيه إلي.
قال محمد بن رشد: قول مالك الأول هو قوله في المدونة في رواية علي بن زياد عنه واختيار أشهب، وقوله الثاني هو قوله في المدونة في رواية ابن القاسم عنه واختيار ابن القاسم هاهنا، وهو أقيس وأحوط لأن الذهب والورق لما كان كل واحد منهما أصلا في نفسه مضبوط القيمة إذ هما أصول الأشياء وقيم المتلفات لم يكن أحدهما تبعا لصاحبه وإن كان أقل من الثلث من أجل أن قيمته مضبوطة والغرض فيهما جميعا سواء إلا أن يكون الذي مع الفضة من الذهب أو مع الذهب من الفضة الشيء اليسير الذي لا يؤبه له فحينئذ يكون تبعا له، روى ذلك زياد عن مالك؛ بخلاف السيف والمصحف وما أشبههما يحليان بالذهب والفضة فتكون حليتهما الثلث فأقل لأن الغرض حينئذ إنما يكون في شراء الأصل المحلى لا في شراء حيليته فيجعل جميع الثمن له إذ ليست قيمته مضبوطة كقيمة الذهب والورق، وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن القياس أن يكون كل واحد من الذهب أو الفضة ملغى مع صاحبه إذا كان الثلث فأقل كما يكون ملغى مع العرض وقد بينا الفرق بين ذلك.
وقوله: وإن كان على غير ذلك لم يبع إلا بعرض أو فلوس أو شيء غير الذهب والورق بين أنه لا يجوز أن يباع بأقلها إذا كان أقلها أكثر من الثلث على قول مالك الأول ومذهب أشهب، وإن كان ابن أبي زيد قد اختصره على غير ذلك فهو خلط والله أعلم.

[مسألة: بيع الذهب بالورق]
مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: لا يجوز في شيء من بيع الذهب بالورق تأخير ولا حول ولا حمالة ولا خيار إلا المناجزة

(6/440)


يدا بيد لا يفارقه وبينهما شيء، هذا نص ما في كتاب الخيار من المدونة.
فقوله: إنه لا يجوز في ذلك تأخير صحيح لا اختلاف فيه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» وقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره. فإن انعقد الصرف بينهما على أن يتأخر منه شيء فسح، وإن وقع على المناجزة ثم أخر صاحبه بشيء منه انتقض الصرف فيما وقعت فيه النظرة باتفاق وإن كانت النظرة في أقل من صرف دينار لنتقض صرف دينار، وإن كانت في أكثر من دينار انتقض صرف دينارين، وإن كانت في أكثر من صرف دينارين انتقض صرف ثلاثة دنانير، هكذا أبدا، وفيما وقع فيه التناجز على اختلاف.
وإن وقع على المناجزة ثم تأخر شيء منه بغلط أو سرقة من الصراق أو نسيان مضى الصرف فيما وقع فيه التناجز من ذلك باتفاق، وفيما وقع فيه التأخير إن رضي الذي هو له بتركه على اختلاف، وسيأتي تفسير هذا وبيانه بعد هذا إن شاء الله.
وقوله: إنه لا يجوز في ذلك حول، ظاهره أن الحوالة في الصرف لا تجوز وإن قبض المحال من المحال عليه مكانه قبل مفارقته الذي أحاله، وهو مذهب ابن القاسم خلاف قول سحنون أنه يجوز ما أحيل به مكانه قبل مفارقة الذي أحاله.
وأما قوله إنه لا يجوز في ذلك حمالة فهو كما قال لأن

(6/441)


الحمالة لا تكون إلا بما يتأخر قبضه والصرف لا يكون إلا بأجزاء إلا أن تكون الحمالة بالدنانير أن استحقت الدراهم أو بالدراهم إن استحقت الدنانير فتجوز، وكذلك الرهن.
وأما قوله إنه لا يجوز في ذلك خيار فهو كما قال؛ لأن الخيار لا يجوز فيه النقد، والصرف لا يجوز أن يتأخر فيه النقد، فالصرف على الخيار فاسد كان لأحدهما أو لغيرهما، غير أنه إن كان لهما جميعا فتمماه على العقد الأول وتناقدا بحضرة اتفاقها على إمضائه لم يفسخ، إذ لم يكن لازما لواحد منهما أو لغيرهما فسخ ما عثر عليه وإن طال، للزوم بيع الخيار للذي لم يشترطه منهما لنفسه، وبالله التوفيق.

[يأتي بفضة له إلى سكة بيت الضرب ضرب الدراهم فيعطيه فضته ويعطيه أجرة منها]
ومن كتاب أوله حلف ألا يبيع سلعة سماها وسئل عن الرجل يأتي بفضة له إلى سكة بيت الضرب: ضرب الدراهم، فيعطيه فضته ويعطيه أجرة منها ويأخذ منه أجرة مضروبة.
قال: إني لأرجو أن يكون ذلك خفيفا، وقد كان يعمل به بدمشق فيما مضى، وتركه أحب إلي، وأما أهل الورع من الناس فلا يفعل ذلك.
قال محمد بن رشد: التكلم في هذه المسألة على وجهين، أحدهما خلط أذهاب الناس في الضرب بعد تصفيتها ومعرفة وزنها، فإذا خرجت من الضرب أخذ كل إنسان منهم على حساب ذهبه، وأعطى الضرب أجرته، والثاني أن يأتي الرجل بذهبه ليضربها فيشق عليه المقام

(6/442)


على ضربها ويريد أن يستعجل دنانير مضروبة من عند الضراب فيبادله إياها بذهبه ويزيد قدر أجرته على ضربها، وهما وجهان مذمومان لا خير فيهما، إلا أن الأول منهما أخف من الثاني فخففه في هذه الرواية لحاجة الناس إلى ذلك؛ لأن معنى قوله فيها: ويأخذ منه دراهم مضروبة أي يأخذ منه دراهم مضروبة إذا فرغ من ضربها مع غيرها على حساب فضته، وحكى أنه قد كان يعمل به بدمشق ورأى تركه أحب إليه، وقال: إن أهل الورع من الناس لا يفعله، وأجازه أيضا في رسم مسائل البيع، وكذا من سماع أشهب إذا كانوا يخلصون الأذهاب ولا يغشونها، ولم يكن في البلاد إلا سكة واحدة، وقال: إنه قد كان يعمل به في زمن بني أمية بدمشق؛ لأنها كانت سكة واحدة والتجار كثير، والناس مجتازون والأسواق متفاوتة، فلو جلس كل واحد منهم حتى يضرب ذهب صاحبه فاتت الأسواق، فلا أرى لذلك بأسا، قال: فأما اليوم فإن الذهب يغش، وقد صار لكل مكان سكة تضرب فلا أرى ذلك يصلح، وإلى هذا ذهب ابن المواز من رأيه أن ذلك لا يجوز اليوم؛ لأن الضرورة قد ارتفعت، وأجاز ذلك أيضا مالك في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة في عصير الزيتون، وقال سحنون: لا خير فيه، وإليه ذهب ابن حبيب، وحكى إنه سأل عن ذلك من لقي من المدنيين والمصريين فلم يرخصوا فيه على حال.
وأما الوجه الثاني وهو استعجال الدنانير ومبادلتها بالذهب بعد تجميعها وتصفيتها مع زيادة أجرة عمل مثلها فقال ابن حبيب: إن ذلك حرام لا يحل لمضطر ولا غيره، وهو قول ابن وهب وأكثر أهل العلم وخفف ذلك مالك في نذر سنة يصومها بعد هذا لما يصيب الناس في ذلك من الحبس مع خوفهم في ذلك، كما جوز للمعري شراء العرية بخرصها وكما جوز دخول مكة بغير إحرام لمن يكثر التردد إليها، ثم قال: ما هو من عمل الأبرار، وقال ابن القاسم فيه: أراه خفيفا للمضطر وذوي الحاجة، والصواب أن ذلك لا يجوز إلا مع الخوف على النفس الذي يبيح أكل الميتة، وإنما خفف ذلك مالك ومن تابعه على تخفيفه مع الضرورة التي لا تبيح أكل الميتة مراعاة لقول من لا يرى الربا إلا في النسيئة، روي ذلك عن ابن

(6/443)


عباس، وقال به جماعة من أهل مكة، وإنما قاله ابن عباس لما حدثه به أسامة بن زيد، أنه سمع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «لا ربا إلا في النسيئة» ولم يتابع ابن عباس أحد من الصحابة على قوله وتأويله في حديث أسامة وهو عند أهل العلم محمول على أنه خرج على سؤال لسائل سأل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن التفاضل فيما يجوز فيه التفاضل يدا بيد فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ربا إلا في النسيئة» ، يريد فيما سئل عنه، فحكى أسامة بن زيد ما سمع من قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يسمع سؤال السائل، وقد روي أن ابن عباس رجع عن هذا إلى ما عليه الجماعة.
ولم يجز مالك ولا أحد من الصحابة شراء حلي الذهب أو الفضة بوزن الذهب أو الفضة وزيادة قدر الصياغة، وإن كان معاوية يجيز تبر الذهب بالدنانير متفاضلا، والصوغ من الذهب بالذهب متفاضلا لا ضرورة في ذلك فيرى ما فيه فورا والله أعلم.

[مسألة: يأتي إلى السقاط بدينار فيأخذ منه بربع زيتا وبربع تمرا وبربع سويقا]
مسألة وسئل عن الرجل يأتي إلى السقاط بدينار فيأخذ منه بربع زيتا وبربع تمرا وبربع سويقا ويخلف عنده الربع الآخر على غير شيء.
قال: لا بأس بذلك وكذلك الدرهم لا بأس به.
قال محمد بن رشد: إنما أجاز أن يخلف عنده الربع الدينار وربع الدرهم إذا اشترى منه بثلاثة أرباعها لأنه إنما يبقى ذلك له عنده على سبيل الوديعة فيكون شريكا فيما يجريه، فإذا أراد أحدهما الانفصال من صاحبه أحضر الدينار أو الدرهم فباعه واقتسما ثمنه، فلا فساد في ذلك

(6/444)


على مراعاة ما ثبت في الذمة؛ لأنه إنما وجب له عليه ثلاثة أرباع دينار فدفع ذلك إليه ولا يجوز مراعاة ما يوجبه الحكم له عليه صرف ثلاثة أرباع الدينار، إذ لا ينقسم، فصار قد صارفه في ذلك مصارفة غير ناجزة لشركته معه في الدينار، فيرد إليه الدينار ويأخذ منه صرف ثلاثة أرباعه، ولا ينقض البيع إلا أن يكون قد بايعه على ذلك فينتقض على هذا القول.
ولو دفع إليه الدينار على أن يكون الربع عنده سلفا على غير شرط في أصل البيع لجاز على مراعاة ما ترتب في الذمة من الذهب ولم يجز على مراعاة ما يوجبه الحكم لأنه صارفه في النصف على أن أسلفه النصف، فدخله البيع والسلف، ولو بايعه على غير شرط لكان بيعا وسلفا وبالله التوفيق.

[مسألة: عليه أثلاث دينار منجمة في كل شهر ثلث دينار فأيسر بدينار]
مسألة وسئل عن رجل عليه أثلاث دينار منجمة في كل شهر ثلث دينار فأيسر بدينار فأراد أن يعطيه إياه قبل محلها.
قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: جوابه في هذه المسألة صحيح على مراعاة ما ثبت في الذمة لأنه عجل ما عليه، فجاز ذلك، ولا يجوز على مراعاة ما يوجبه الحكم من أن يقضيه صرف كل ثلث إذا حل عليه لأنه كمن اقتضى من دراهم له مؤجلة ذهبا معجلا وهذا بين.

[مسألة: باع من رجل ثوبا بنصف دينار فقبض الثوب فلما كان من الغد جاء بدينار]
مسألة وسئل عن رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار فقبض الثوب فلما كان من الغد جاء بدينار فطلب منه النصف فقال: ما عندي فأقره عندي سلفا.

(6/445)


قال: ما يعجبني.
قلت: فلا يعجبك؟ فقال: ما هذا بالبين ووقف عنه، قال ابن القاسم: أراه قضاء وسلفا إذا لم يكن شرطا في أصل البيع، وقد أخبرني من أثق به عن ربيعة مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا الاختلاف أيضا في هذه المسألة جار على ما ذكرناه قبل، فكراهة مالك له في أحد قوليه على مراعاة ما يوجبه الحكم خلاف مذهبه في المسألة التي فوقها، وقول ابن القاسم وأحد قولي مالك في إجازة ذلك على مراعاة ما ثبت في الذمة مثل قول مالك في المسألة التي فوقها وبالله التوفيق

[يكون عنده الدنانير المضروبة فيريد دنانير نقصا عتقا ولها نفاق في عيونها]
ومن كتاب أوله شك في طوافه وسئل مالك عن الرجل يكون عنده الدنانير المضروبة القائمة ولها صروف في عيونها فيريد دنانير نقصا عتقا ولها نفاق في عيونها والقائمة في ذلك أفضل إلا أنه إذا رضي بذلك لمكان عدم العتق فهو يدخل في عددها زيادة الخمسة والعشرة القائمة على عدد القائمة بمراطلتها.
قال: إن كانت مضاربته مثلا بمثل فلا أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة منصوصة في المدونة، وهي صحيحة على أصولهم في أن السكة والصياغة ملغتان في المراطلة فيجوز أن يراطل تبر ذهب بذهب دونها مصوغة أو مضروبة وإن كان قد علم أنه إنما رضي بترك فضل ذهبه على ذهب صاحبه من أجل الصياغة والسكة،

(6/446)


والأصل في ذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تبيعوا الذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا بعضها على بعض» ، وإنما الذي لا يجوز أن يراطل ذهبا بذهبين إحداهما أرفع والثانية أوضع، وسيأتي الكلام على هذا مستوفى في أصل البيع والصرف من سماع أصبغ وبالله التوفيق.

[مسألة: يقدم البلدة التي تجوز فيها الدراهم النقص ويكون معه دراهم كبار فيريد أن يقطعها]
مسألة وسئل مالك عن الذي يقدم البلدة التي تجوز فيها الدراهم النقص ويكون معه دراهم كبار فيريد أن يقطعها، قال ذلك يكره.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك مكروه مخافة أن يذهب بها إلى بلدة لا يجوز النقص فيها فيغش فيها، فذلك أشد في الكراهية من قطع الدنانير المقطوعة، وقد أجاز في أول رسم أشهب قطع الدنانير المقطوعة عند الحاجة إلى ذلك، وأجاز ابن القاسم في سماع أصبغ قطعها إجازة مطلقة إذا لم تكن صحاحا مدورة وأما قطع الدنانير الوازنة وردها ناقصة في البلد التي لا يجوز فيها الدنانير الناقصة فذلك لا يحل ولا يجوز، وسيأتي هذا المعنى أيضا في رسم تأخير صلاة العشاء وبالله التوفيق.

[مسألة: يجعل في فص خاتمه الحبة والحبتين من الذهب يخلطه معه يريد بذلك ألا تصدأ فضته]
مسألة وسئل عن الرجل يجعل في فص خاتمه الحبة والحبتين من الذهب يخلطه معه يريد بذلك ألا تصدأ فضته كرهه أيضا.
قال محمد بن رشد: مسمار الذهب في الخاتم كالعلم من الحرير

(6/447)


يكون في الثوب فمالك يكره ذلك وغيره يجيزه ولا يرى فيه كراهة فمن تركه على مذهب مالك أبر، ومن فعله لم يأثم؛ لأن هذا هو حد المكروه وعلى مذهب غيره هو من المباح لا إثم في فعله ولا أجر في تركه أما خلط الشيء اليسير من الذهب في خاتم الفضة فهو يشبه الثوب المشوب بالحرير كالخز وشبهه فيكرهه مالك، وغيره يجيزه أيضا، وفرق ابن حبيب فيما كان مشوبا بالثياب بالحرير من الخز اتباعا على غير قياس، ومذهبه في ذلك شذوذ وبالله التوفيق.

[مسألة: معاملة الصيارفة]
مسألة وقيل لمالك: أيستحب للرجل أن يصرف من التجار ويدع الصيارفة.
قال: نعم هذا أحب إلي لموضع ما يربون؛ لأن الفساد قد كثر، فكلهم يعمل بما لا يصلح.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن الغالب على الصيارفة العمل بالربا فيستحب تجنب معاملة أحد منهم وإن لم يعلم حاله؛ لأنه يحمل على الغالب من أهل صناعته، وقد قيل: إن معاملة من خالط ماله من ربا أو غيره لا يحل ولا يجوز، والصحيح أنها مكروهة وليست بحرام ولنا في هذا المعنى مسألة جامعة لمن أراد الشفاء منه طالعها وبالله التوفيق.

[مسألة: يصرف من صراف بذهب ورقا ثم يصرفها منه بذهب آخر]
مسألة قال مالك: يكره للرجل أن يصرف من صراف بذهب ورقا ثم يصرفها منه بذهب آخر، وقيل له: أرأيت إن استودعها إياه بعد أن صارفه؟ قال: لا خير فيه.

(6/448)


قال محمد بن رشد: قوله إنه يكره للرجل أن يصرف من صراف بذهب ورقا ثم يصرفها منه بذهب آخر، معناه في المجلس أو يقرب ذلك بعد اليوم واليومين على ما في المدونة، وأما إذا طال الأمر فذلك جائز، وإنما يكره ذلك للتهمة ويفسخ من أجل الذريعة، فإذا ارتفعت التهمة وظهرت البراءة في فعلهما جاز ذلك وذلك مثل أن يبيع الدراهم منه في المجلس بحضرتهما قبل التفرق بذهب مثل عين ذهبه أقل منها أو أكثر أو مخالف لعينها في مثل وزنها؛ لأنه إذ أخذ منه مثل عين ذهبه أقل أو أكثر يبرأ من التهمة إذ لا يتهم أحد في دفع عشرة يأخذ عشرة يدا بيد وإذا أخذ منه ذهبا مخالفة لعينها في مثل وزنها كانت مراطلة، وإنما الذي لا يجوز له أن يأخذ منه بالحضرة قبل التفرق ذهبا مخالفة لذهبه في عينيها ووزنها، وأما بعد التفرق بالقرب فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا مثل عين ذهبه في مثل وزنها أو أقل من وزنها، فإن طال الأمر بعد التفرق جاز أن يأخذ منه ما شاء.
وأما تركه الذهب عنده وديعة بعد المصارفة فيه فإنما لم يجز ذلك من أجل أنه إذا صرف الذهب إليه أن الأمر إلى الصراف المتأخر فإنهما على القصد إلى ذلك، ولو صح ذلك منهما لم يكن عليهما فيه حرج، وقد أجاز ذلك ابن وهب في سماع أبي جعفر إذا طبع عليها، وهو بعيد لأن الطبع عليها لا يرفع التهمة عنهما بخلاف رهن ما لا يعرف بعينيه إذا غيب عليه، وبالله التوفيق.

[يبتاع بمثقال الذهب دراهم فيجد الذهب غير جيدة فيرده عليه ويقول إني قد وجدته غير جيدة]
ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل مالك عن الذي يبتاع بمثقال الذهب دراهم فيجد الذهب غير جيدة فيرده عليه ويقول: إني قد وجدته غير جيدة،

(6/449)


فيقول: أنا أعطيك به دينارا مضروبا بوزنه، قال: لا يعجبني هذا القول حتى يفسخ ذلك، فإذا فسخ فإن شاء أخذ به مثقال ذهب، وإن شاء أخذ به دراهم.
قال محمد بن رشد: معنى المسألة أنه ابتاع مثقال ذهب غير مضروب بدراهم فكره لما وجده غير جيد أن يأخذ منه به مثقالا مضروبا قبل فسخ الصرف ولم يبين من يفسخه، وأشهب يرى أن تراضيهما بفسخه كفسخ السلطان إياه خلاف ما ذهب إليه ابن المواز.
وقول مالك: لا يعجبني إلى آخر قوله، صحيح على أصله أن البدل في الصرف لا يجوز؛ لأنه إذا لم يجز أن يبدله له بمثله ورأى ذلك صرفا متأخرا فأحرى ألا يجوز له أن يبدله بخلافه، وذلك جائز على مذهب من يجيز البدل في الصرف لأنه بمنزلة من له على رجل دينار غير مضروب فأخذ به دينارا مضروبا بوزنه وعلى مثل جودته.
فإذا فسخ الصرف بينهما بحكم على مذهب ابن المواز أو تراضيا على فسخه بينهما بغير حكم على مذهب جاز أن يأخذ به دينارا مضروبا لأنه إنما له دراهم مثل الذي دفع فيجوز له أن يأخذ به ذهبا أو ما شاء من العروض وبالله التوفيق.

[قلادة اشتراها قوم من رجل بدراهم نقدا وقالوا لصاحبها ندفع إليك الثمن وأخروه]
ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته وسئل مالك عن قلادة اشتراها قوم من رجل فيها لؤلؤ وذهب اشتروها بدراهم نقدا وقالوا لصاحبها ندفع إليك الثمن وأخروه

(6/450)


بذلك وقطعوا القلادة وفصلوها وتقاوموا اللؤلؤ الذهب فوضعوا فيها فلما حلت الوضيعة وثبوا على صاحبهم وتقاوموا اللؤلؤ وباعوا الذهب يريدون أن يردوا البيع لاستنجاز النقد فيما بينهم ولم يذكروا استنجازا بشرط كان بينهم إلا أنهم اشتروا على النقد وأخروه.
قال: فلا أرى أن يلزمه أن يرد عليه ولا ينقض البيع لاستنجاز النقد قال سحنون: هي جيدة.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن الذهب كان في القلادة يسيرا فلم يفسد البيع فيها لاستنجاز الثمن إذ لم يتأخر وإنما كان بغلبة من المشترين، وهو على قياس قوله في رسم أخذ يشرب خمرا فيمن ابتاع ثوبا أو طعاما أو غير ذلك بدينار لا درهمين فوجد أحد الدرهمين زائفا أنه يبدله، ولا ينقض البيع وعلى قياس قول من يرى أن البدل في الصرف لا ينقض الصرف إذا تأخر النقد فيه بالغلبة أو السرقة ويأخذ ما تأخر من النقد كما يأخذ ما وجد من الزائف وقد مضى شيء من هذا المعنى في آخر رسم القبلة.

[مسألة: ابتاع من رجل بدرهمين زيتا فلما وجب البيع بينهما استقاله من أحدهما]
مسألة قال مالك في رجل ابتاع من رجل بدرهمين زيتا فلما وجب البيع بينهما استقاله من أحدهما.
قال مالك: إن كانا لم يتفرقا فلا بأس به.

(6/451)


قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أنه نقد الدرهمين ولم يقبض الزيت أو قبض الزيت ولم ينقد الدرهمين فصار إذا افترقا بيعا وسلف طعام إن كان الزيت هو المقبوض أو بيعا وسلف درهم إن كان الدرهمان هما المقبوضان.
وإن لم يفترقا لم يكن ثم سلف فجازت الإقالة، فأما لو كانا قد تقابضا الزيت والدرهمين أو لم يتقابضا من ذلك شيئا لجاز أن يقيله بما تراضيا عليه افترقا أو لم يفترقا.

[يشتري الثوب بنصف دينار وثلث فيعطيه دينارا ينقص سدسا]
مسألة وسئل مالك عن الذي يشتري الثوب بنصف دينار وثلث، فيعطيه دينارا ينقص سدسا.
قال: لا بأس به، فقيل له: إنه إذا كان ينقض سدسا ينقص من عينيه؟ قال: وما بأسه؟ قال: أرأيت لو أعطاه دراهم؟ .
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه إذا اشترى ثوبا أو شيئا بدينار إلا سدس فإنما يجب للبائع عليه صرفه دراهم يوم يقضيه، فإذا أعطاه بها ذهبا جاز، كمن كان له على رجل دراهم حالة فأخذ بها منه ذهبا.

[مسألة: عشرة دنانير من سلف أو بيع إذا كانت مثاقيل مجموعة هي لرجل على رجل]
مسألة وقال مالك في عشرة دنانير من سلف أو بيع إذا كانت مثاقيل مجموعة هي لرجل على رجل فيكيلها فتنقض ثلثا أو نصفا: إنه لا بأس به أن يأخذ منه بعد أن يتفرقا بنصفه ورقا أو ما شاء من عرض أو غيره وأما في مجلسهما فإني أكره ذلك، قال ابن القاسم: إذا صح ذلك فلا بأس به أن يأخذ في مجلسه عرضا ولم

(6/452)


يرد في قيمته العرض لمكان ما تجاوز عنه من الدنانير، قال مالك: إني أخاف أن تريده في الصرف لمكان ما تجاوز عنه حتى يبين بها ويصير صرفا مستأنفا، قال ابن القاسم: وإذا صح ذلك لا بأس به كان في مجلسهما أو افترقا.
قال محمد بن رشد: لمالك في أول سماع أشهب إجازة ذلك في المجلس خلاف قوله هاهنا وفي رسم صلى نهارا بعد هذا مثل قول ابن القاسم هاهنا وهو الأظهر أن الدنانير المجموعة كالطعام فلا فرق في القياس بين أن ينقصه من حقه دينارا فيأخذ له عرضا أو ورقا أو ينقصه من حقه بعض دينار فيأخذ منه عرضا ما وجد منه ويأخذ بالبقية عرضا أو ورقا في الدنانير القائمة، وقد اختلف أيضا في الدنانير المجموعة إذا وجد فضلا على حقه بعض دينار فأراد أن يأخذه ويعطيه به عرضا أو ورقا فأجازه في كتاب الصرف من المدونة وفي رسم صلى نهارا ثلاث ركعات بعد هذا ومنع في أول سماع أشهب وإجازته أظهر لأنه أخذ منه حقه كاملا وبايعه في الزائد بما تجوز المبايعة به والله أعلم.

[مسألة: يشتري بالدرهم فيقول كله وأعطني بما فيه]
مسألة وسئل مالك عن الذي يشتري بالدرهم فيقول: كله وأعطني بما فيه.
قال: أكره ذلك له، ولم أر كراهيته أنا عنده وجها فيه حجة إلا أنه قد لج فيه وقال لا أحبه، قال ابن القاسم: لا بأس به

(6/453)


قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك أن مبلغ ما انعقد عليه البيع بينهما غير معلوم حال العقد، وإنما يعلم بعد وزن الدراهم كشراء الصبرة كل قفيز بدرهم لأن السوم معلوم، ومقدار ما انعقد البيع عليه بينهما لا يعلم إلا بعد كيل الصبرة، وعبد العزيز بن سلمة لا يجيز ذلك، فقول مالك في هذه المسألة كقول عبد العزيز في مسألة الصبرة إذ لا فرق في المعنى بين المسألتين إذ يتقى من الجهل في الثمن ما يتقي منه في المثمون ويستجاز من الجهل فيه ما يستجاز من الجهل فيه، فإذا جاز شراء الصبرة على الكيل وإن لم يعلم ما فيها إلا بعد كيلها جاز الشراء بالدرهم وإن لم يعلم ما فيه إلا بعد قربة اللهم إلا أن يفرق بينهما أن الدراهم لفا لم يجز بيعها جزافا على الوزن وأن الطعام وشبهه مما يكال لما جاز بيعه جزافا جاز بيعه جزافا على الكيل وليس ذلك ببين إذ لا فرق بين أن يقول: كل هذا الدرهم وأعطني بما فيه وكل هذا التبر وأعطني بما فيه فهي جائزة على قياس قول مالك في مسألة الصبرة وغير جائزة على قياس عبد العزيز فيها وبالله التوفيق.

[كانت بينهما نقرة فضة فقال أحدهما لصاحبه إن لي بها حاجة فكله]
مسألة ومن كتاب أوله حديث طلق ابن حبيب وسئل مالك عن رجلين كانت بينهما نقرة فضة، فقال أحدهما لصاحبه: إن لي بها حاجة فكله، فما كان فيها أعطيك نصفها دراهم كيلا.
قال: إن كان بحضرة ذلك يدا بيد فلا بأس به.
محمد بن أحمد: مثل هذا في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك لما في قسمتها من المؤنة، وروى أشهب عن مالك أن ذلك لا يجوز، وتقسم، إذ لا مضرة في قسمتها، وإنما لم يجز ذلك لأن

(6/454)


الشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق زاد ونقص واستخف ابن القاسم هذا المعنى في هذه المسألة، واستثقله في مسألة الدرهمين الفردين يؤخذ بوزنهما تبر فضة فلم يجز ذلك، وقد مضى ذلك في رسم القبلة.
واتفقوا على أن ذلك جائز في الحلي أن يكون بين الشريكين لما في قسمته من المضرة والفساد، على أن ذلك لا يجوز في الدنانير تكون بينهما في كيس مطبوع عليه ولا مضرة في قسمتها.

[مسألة: وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير]
مسألة قال ابن القاسم: لا بأس أن يشتري الرجل النقرة الفضة أو الدراهم يوكل أحدهما صاحبه أن يقبضها وينصرف بها أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه ولا ينقلب بها الآخر.
قال محمد بن رشد: إذا وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير فاشترى ذلك لنفسه ولمن وكله وانصرف به فلا إشكال في جواز ذلك ولا كلام فيه؛ لأنه إذا جاز أن يوكل الرجل من يصرف له لنفسه جاز له، وإنما الكلام إذا اشترى الرجل نقرة أو دراهم أو دنانير بينهما، فذهب أحدهما ووكل الآخر على قبضها، فظاهر قوله هنا أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه أن ذلك جائز؛ لأن معنى المسألة أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه بعد أن اشتريا ذلك جميعا، ومثله في الظاهر في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، بل هو أبين، وقد نص على جواز ذلك في سماع أبي زيد.
وظاهر ما في المدونة أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبض ذلك بحضرته قبل أن يفارقه، ونص ما في المدونة على أن الرجل إذا صرف لا يجوز له

(6/455)


أن يذهب ويؤكل من يقبض له، وإنما يجوز له توكيله إذا قبض الوكيل بحضرته قبل أن يفارقه فقيل: إن الاختلاف في مسألة الشريكين داخل في هذه، وقيل: إنه لا يدخل فيها، ويفرق بينهما على أحد القولين بعلة الاشتراك، والصواب أن الاختلاف داخل فيها إذ قد ساوى بينهما في المدونة، ولا فرق بين أن يوكل الرجل أجنبيا على قبض ما صرف لنفسه، أو يوكل شريكه على قبض حصته من الصرف.
فيحصل في المسألة ثلاثة أقوال أحدهما أنه يجوز ويوكل من يقبض له في المسألتين جميعا، والثاني أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبض بحضرته قبل أن يفارقه في المسألتين جميعا، والثالث الفرق بين أن يصرف ويوكل من يقبض له أو يوكل شريكه على قبض ما صرفاه جميعا، فلا يجوز إذا وكل على قبض ما صرف لنفسه إلا أن يقبض الوكيل بحضرته، ويجوز إذا وكل على قبض ما صرف لنفسه إلا أن يقبض الوكيل بحضرته، ويجوز إذا وكل شريكه على قبض ما صرفاه أن يقبض بعد ذهابه.

[يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها]
مسألة قال: ولا خير في أن يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها وان كان الذي أشرك ينقلب به جميعا حتى يقاسمه ما أشركه فيه ويأخذ منه ذهبه فيقاسمه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تخرج على ثلاثة أقوال: أحدهما هذا، ورواه ابن وهب أيضا عن مالك، وزاد أن ذلك صرف لا يحل ألا يدا بيد، وهو على القول بأن عهدة المشترك جميع ذلك لا حصته، وذلك على القول بأن عهدة المشترك على البائع الأول؟ والثالث أن ذلك لا يجوز إلا أن يقاسمه أو يدفع إليه الجميع يكون عنده حتى يبيعه إن كان إنما اشتراه

(6/456)


لتجارة، روى ذلك أشهب عن مالك، وهو استحسان على غير قياس، إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز للرجل أن يصرف نصف دينار من رجل وإن أسلمه إليه إذا لم يتناجزا فيه من أجل شركته له فيه.

[مسألة: سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها]
مسألة ولو أن رجلا سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها لم يكن بذلك بأس إذا كان السلف لا يجتر به من صاحبه عونا ولا مرفقا وينقلب بها من شاء منهما.
قال محمد بن رشد: قوله إذا كان السلف لا يجتر به من صاحبه عونا ولا مرفقا صحيح لأنه إذا اجتر به عونا فهو سلف جر منفعة، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن سلف جر نفعا» . ومثله في أول سماع ابن القاسم من كتاب الشركة، وزاد قال ابن القاسم قال لي مالك بعد ذلك: لا خير فيه على حال ومعنى ذلك أنه لم يصدقه أنه لم يرد بذلك الوفق لنفسه إذا كان هو الذي سأله أن يسلفه ويشاركه الصدق أنه لم يرد بذلك منفعته قولا واحدا. وأما قوله: وينقلب بها من شاء منهما فمعناه بأمر صاحبه وحضرته باتفاق، أو بعد ذهابه على اختلاف. وقد مضى تحصيل القول في ذلك فوق هذا في هذا الرسم فلا معنى لإعادته هاهنا.

[يستأجر الصراف على أن ينتقد له دنانير ويزنها في بيع ميراث فيوجد فيها ذهب]
ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال: وسئل عن الرجل يستأجر الصراف على أن ينتقد له دنانير ويزنها في بيع ميراث فيوجد فيها ذهب قباح، أترى أن يضمن؟ قال: لا ضمان عليه إلا أن يكون غر من نفسه أن يكون يعرف أنه ليس من أهل البصر ولا التفرقة بالصرف. وأما إذا كان يعرف أنه غير عارف بذلك وأن مثله يبصر فلا أرى عليه

(6/457)


شيئا، وقد يختلف الناس في البصر. قال سحنون: هذه أصح من التي تحتها حيث قال: إن غر فلا شيء له، وإن لم يغر فله الأجر.
قال: وسئل عن الصراف الذي يغر من نفسه فيأخذ زيفا أترى أن يضمن؟ فقال: لا ولكن أراه أن يؤدب وأن يمنع الأجر ولا أرى أن يغرم. قال ابن القاسم: فقلت لمالك: ما هو في الصراف إذا هو غر من نفسه؟ قال: يحرم أجره ويؤدب ولا أرى عليه غرما. قال ابن القاسم: وإذا هو لم يغر من نفسه وكان من أهل البصر أعطي أجره ولا غرم عليه؛ لأن البصير قد يزل بصره وقد اجتهد، الأول أصح رواية عندي وأصدق من هذه.
وسئل عن الذين يجعل لهم في بيع الرقيق والدواب فيبيع أحدهم الدابة فيأخذ جعله ثم يوجد بالدابة عيب فترد، أترى له جعله؟ قال: لا أرى له ذلك ولكن أرى أن يرد ما أخذ في جعله ولا أرى له شيئا إلا أن ينفذ ذلك. ثم قال: أرأيت لو باعها مرارا وهي ترد في كل مرة؟ أتريد أن يأخذ في ذلك في كل مرة جعلا؟ ليس هو كذلك، إنما يكون له على النفاد، فإن ردت رد ما أخذ من جعله. قال سحنون: هذه تبين لكل مسألة الصيرفي في أنه يرد ما أخذ من الأجر.
قال محمد بن رشد: قد تأول بعض الشيوخ أن الضمان الذي أراد مالك في قوله الأول لا ضمان عليه إلا أن يكون غر من نفسه، إنما هو أن يحرم الأجر على ما فسره، وفي قوله الآخر وأن ذلك باختلاف من

(6/458)


قوله؛ وقيل معناه أن يغرم ما أخذ من الرديء وأن تفسيره الضمان في القول الثاني خلاف لقوله الأول إنه إن غر ضمن ما أخذ من الرديء وإذا ضمن وجبت له الأجرة، وإن لم يغر لم يضمن الرديء ولم يكن له أجرة، معناه إن كان الرديء مثل أجرته فأكثر. وأما إن كان الرديء أقل من أجرته فله تمام أجرته، وهو اختيار سحنون. وقوله الثاني إنه إن غر أدب ولم يضمن الرديء وحرم الأجر، معناه أيضا إن كان الرديء مثل أجرته فأكثر. وأما إن كان الرديء أقل من أجرته فله تمام أجرته، وهو مذهبه في المدونة. وإن لم يغر كان له الأجر مثل قول مالك في سماع أشهب في الدليل يكون للدلالة فيخطئ الطريق. وتحصيل الاختلاف في هذا أنه إن لم يغر فلا اختلاف في أنه لا يضمن الرديء، واختلف في أجرته على قولين: أحدهما أن لا يضمنه ولا تكون له أجرة كاملة، والثاني أنه لا أجرة له إلا أن يكون الرديء أقل من أجرته فيكون له تمام أجرته، والثاني أنه يضمنه ويحاسب في ذلك بأجرته، فمن كان له الفضل منهما على صاحبه رجع به عليه. وأما الذي يجعل له الجعل على البيع فيبيع ثم ترد الدابة من عيب، فإن كان علم بالعيب فغر به رد الجعل باتفاق، وإن كان لم يعلم به رد على اختلاف. وذهب ابن دحون إلى أنه يرد الجعل باتفاق لأنه جعل لا يجب إلا بالبيع، بخلاف هذه المسألة لأنها إجارة، والإجارة تجب باع أو لم يبع، وعاب على سحنون تنظيره بين المسألتين، والتنظير بين المسألتين عندي صحيح؛ لأن الذي جعل له الجعل عليه قد فعله وهو البيع، وخطؤه في العيب الذي لم يبين به كخطئه فيما استؤجر له، فإما أن يعذر بخطئه في الوجهين جميعا فيأخذ واجبه فيهما، أو لا يعذر به فيسقط فيهما. وقد قيل: إن الاختلاف في رد الجعل مبني على الرد بالعيب هل هو نقض بيع، أو ابتداء بيع؟

(6/459)


[مسألة: ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين]
مسألة سئل عن رجل ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين وما اشترى وانقلب به، ثم وجد أحد الدرهمين زائفا أترى أن يبدله أو يرد البيع كما يرد الصرف إذا وجد درهما زائفا؟
قال: بل أرى أن يبدله وليس هذا مثل الصرف، إنما الدرهمان هنا تبع ألا ترى أنه قد كان لحاق صكوك الجاري مبتاع بالذهب إلا الدرهم والدرهمين فيتعجلون الذهب والدرهمين ويتأخر الصكوك، فلم يكن به بأس ولم يروا أن تأخير الصكوك من قبل الصرف فما أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: أجاز البدل في هذه المسألة، إذ ليس بصرف محض مراعاة لقول من أجازه في الصرف المحض، وقد روى ابن وهب عنه من رواية الحارث عنه خلافه، ولو كانت الدراهم أكثر من درهمين لانتقض ذلك كله ولم يجز البدل فيه؛ لأنه كالصرف المحض على ما في سماع أبي زيد منه والله الموفق للصواب لا رب سواه.

[باع بعض الورثة نصيبه من حلي الذهب من أجنبي بوزنه من الذهب]
ومن كتاب أوله يسلف في المتاع قال: وسئل عن قوم ورثوا حليا وكانت معهم أخت منهم وتركت أمها خلخالين من ذهب وسوارين ودملجين، فسألت إخوتها أن يكيلوا ذلك كيلا فتنظركم وزنها؟ فينظر إلى نصيبهم من ذلك فتكليه لهم دنانير تعطيهم إياها.
قال مالك: إن كان ذلك نقدا عند ما يكيلون فلا أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وهو مما لا اختلاف

(6/460)


في جوازه إذا نقدت بالحضرة عند الوزن قبل التفرق، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم طلق.
وكذلك لو اشترت نصيبهم منه بدراهم نقدا لجاز، ولو باع بعض الورثة نصيبه من حلي الذهب من أجنبي بوزنه من الذهب لم يجز، ولو باع نصيبه من أجنبي بدراهم لم يجز عند ابن القاسم، وجاز عند أشهب إن قبض الحلي كله والله الموفق.

[مسألة: كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه فقال له إني مشغول]
مسألة وسئل عن رجل كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه، فقال له: إني مشغول، وهذا دينار فخذه فاذهب فصرفه فخذ نصفك وجئني بنصفي.
قال: لا بأس بذلك سحنون، قال ابن القاسم: وقد قيل لي: لا خير فيه، وهذا في الدينار أحب إلي، فأما ما كثر من الدنانير قال مالك: لا خير فيه قال ابن القاسم: وبه آخذ.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: وهذا في الدينار أحب إلي يريد قول مالك الأول أنه لا بأس بذلك، ولم يذكر ما كثر من الدنانير اختلافا من قول مالك إن ذلك لا يجوز، فأخذ به، ومثله في كتاب الصرف من المدونة يريد في الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيدفع إليه دنانير ليصرفها ويستوفي حقه منها، والعلة في أن ذلك لا يجوز ما ذكر في المدونة من أنه يخشى أن يمسكها فيكون مصرفا ويكون صاحب الدنانير في إجازة ذلك بالخيار، فيدخله استيخار في الصرف، وأجاز فيها أن يدفع إليه طعاما أو سلعة ليبيع ذلك ويستوفي حقه منها ما لم يكن الذي باع منه بالدراهم التي له عليه طعاما إن كان دفع إليه أكثر منها مخافة أن يأخذ ذلك لنفسه

(6/461)


فيكون الطعام بالطعام إلى أجل، وعروض في عروض مثلها إلى أجل.
ولم يراع ما للدافع من الخيار في ذلك إن أخذ بها لنفسه فيدخله عدم المناجزة في فسخ ما كان له عليه من الدراهم في السلعة فاعترضها سحنون بذلك.
وأما إن كان للرجل على الرجل نصف دينار قائم، فدفع إليه دينارا ليصرفه فيأخذ نصفه ويأتيه بنصفه، فإنما اختلف قول مالك في ذلك من أجل أن المترتب له في ذمته ذهب، والذي يوجب له الحكم في القضاء صرف نصف دينار من الدراهم، إذ لا ينقسم، فإن دفع إليه مثقالا أخذ منه وصرف منه نصفه جاز باتفاق لأنه قبض منه النصف الذي ترتب له في ذمته من الذهب وصارفه في النصف الثاني مصارفة ناجزة، وإن دفع إليه مثقالا على أن يكون نصفه قضاء من حقه ويبقى النصف الثاني عنده أمانة جاز أيضا على مراعاة ما ثبت في الذمة، ولم يجز على مراعاة ما يوجبه الحكم حسبما مضى في رسم حلف [ألا يبيع رجلا، فإن دفع إليه مثقالا على أن يكون نصفه له قضاء من حقه ويبقى النصف الثاني عنده سلفا جاز أيضا على مراعاة الثابت في الذمة لأنه قضى وسلف، قضى نصف دينار كما وجب له في ذمته وأسلفه نصف دينار، ولم يجز على مراعاة ما يوجب الحكم؛ لأنه صارفه في نصف المثقال على أن سلفه النصف الآخر، فدخل البيع والسلف حسبما ما مضى أيضا في رسم حلف المذكور، وقد مضى ذلك في رسم حلف] في بعض الروايات.
وكذلك إن دفع إليه دينارا نصفه قضاء من حقه، ونصفه يسلفه له في سلعة، يجري هذا على الاختلاف، وستأتي هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى، وكذلك لو أعطاه دينارا نصفه قضاء من حقه، ونصفه أخذ به منه، وستأتي هذه المسألة في سماع أبي زيد من بعض الروايات،

(6/462)


وكذلك إذا دفع إليه الدينار على أن يصرفه فيأخذ نصفه ويأتيه بنصفه، يتخرج اختلاف قول مالك في ذلك على هذين الوجهين؛ لأنه على مراعاة ما ثبت في الذمة قضاه نصف الدينار فصار شريكا معه فيه وكله على تصريفه فجاز، وعلى مراعاة ما يوجب الحكم قضاه النصف الدينار الذي دفع إليه عن الدراهم التي تجب عليه له بالحكم، فصار مصارفة غير ناجزة لبقائه معه شريكا في الدينار إلى أن يصرف ويقسما صرفه فلم يجز، وبالله التوفيق.

[مسألة: يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان أو ثلاثة]
مسألة وسئل مالك عن الرجل يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان، أو ثلاثة فيعطيه دراهم.
قال: لا أرى بذلك بأسا ودين الله يسر.
قال محمد بن رشد: إنما خفف ذلك وقال: لا أرى به بأسا ودين الله يسر ولم يطلق القول بإجازته لأن الدراهم التي قضاه إياها إنما اجتمعت له قبله من دوانق مقطعة شيئا بعد شيء، وهي لو جمعت بعد أن توزن مقطعة لم يكن بد من أن تنقص عن وزن الدراهم التي قضاه أو يزيد عليها، وقد أثنى هذا المعنى في غير هذه المسألة حسبما قد ذكرناه في رسم القبلة وغيره، وأجازه في هذه المسألة لأنها نفقات تكثر، وأمر يعم، فلا يقدر على التوقي منه بأن يقضيه فيما يجمع له قلبه من الدوانق ذهبا أو فلوسا أو عروضا إلا لمشقة تدخل على الناس في ذلك.

[مسألة: اقتضاء الطعام من ثمن الطعام]
مسألة قيل له: أفيأخذ منه بكسر فاكهة فيعطيه في ذلك حنطة بعد ذلك؟ .

(6/463)


فقال: لا خير في هذا بيع الطعام إلى أجل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام كبيع الطعام بالطعام إلى آجل على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه في القول بالمنع من الذرائع ولا حول ولا قوة بالله.

[باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار]
ومن كتاب تأخير صلاة العشاء وسئل مالك عن رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار، فلما أراد أن يقبضه قال له: تعالى أعطيك دراهم نصفين، فقال له البائع: لا، لي عليك دينار،
قال: أرى أن يغرم له دينارا قال ابن القاسم: وذلك رأيي أحب أو كره.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما يقضي لمن وجب له نصف دينار يصرفه من الدراهم من أجل أن الدينار القائم لا ينقسم، فإذا وجب له نصفان أعطاه دينارا قائما كما ثبت له في ذمته، ولم يكن له ليقطعه عليه ليعطيه دراهم إذا كان موسرا، ولو كان معسرا فأتاه بنصف دينار دراهم يجبر على أن يأخذه ويتبعه بالنصف الآخر، ولم يكن له أن يقول أنا أؤخره، حتى يوسر فيعطيني دينارا بمنزلة إذا كان له عليه ديناران فأتاه بدينار واحد وهو معسر.
ولو باع منه سلعة بدينار قائم فأتاه بنصف دينار دراهم وهو معسر فأبى أن يأخذه وقال: أنظره إلى أن يوسر فآخذ منه دينارا، لكان ذلك له، بخلاف إذا كان له عليه ديناران فأتاه بدينار وهو معسر فأبى أن يأخذه وقال: أنا أنظره إلى أن يوسر بالدينارين فآخذهما جملة.

(6/464)


[قطع الدراهم المقطوعة]
مسألة وسئل مالك عن قطع الدراهم المقطوعة.
فقال: أكره ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول سماع أشهب لأنه أجاز قطعها عند الحاجة إلى ذلك، خلاف ما في رسم البيوع الثاني من سماع أصبغ من إجازته لقطعها إذا لم تكن صحاحا مدورة مختلف في كراهة قطعها.
والصحاح المدورة النقص التي لا تجوز إلا بالوزن متفق على كراهة قطعها.
وأما القائمة التي تجوز عمدا فقطع الزائد منها على وزنها المعلوم جائز لمن استضربها، ومكروه لمن بايع بها، وما ردها ناقصة بمكروه في البلد التي تجوز فيه ناقصة، وحرام في البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه.

[مسألة: اشترى بنصف دينار قمحا فدفع الدينار فقبض بنصفه دراهم وفارقه إلى أن يأتيه بالحمال]
مسألة وسئل عمن اشترى بنصف دينار قمحا فدفع الدينار فقبض بنصفه دراهم وفارقه إلى أن يأتيه بالحمال.
قال: لا أرى ذلك، وأراه من الصرف.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من انضاف إلى الصرف من السلع فحكمه حكم الصرف في وجوب المناجزة مثله، ومثله في

(6/465)


المدونة قال فيها في الذي يشتري السلعة إلى أجل بنصف دينار ثم يدفع دينارا ويأخذ صرف نصفه إن ذلك لا يجوز؛ لأنه صرف وسلعة متأخرة إلى أجل، ولو كان هذا الذي صرفه من الدينار قيمة درهم أو درهمين لجاز ذلك على قول أشهب وروايته عن مالك في المدونة خلاف قول ابن القاسم.
ولو اشترى السلعة بنصف دينار فقبضها فلما حل الأجل دفع إلى البائع دينارا وقبض منه صرف نصفه يدا بيد جاز ذلك عندهما جميعا.

[مسألة: يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار]
مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار على أن يعطيه دينارا إلى محل أجل النصف.
قال: ما يعجبني ولكن يبيع ولا يشترط، ويصنعان إذا حل الأجل ما أحبا فقلت له: فإذا اشترطا؟ قال: ما يعجبني ولكن يبيعه ولا يشترط، قال ابن القاسم في غير هذا الباب: ولو أراد المشتري أن يقطع عليه غير الثمنين ويعطيه بثمن كل ثوب دراهم وأبى البائع إلا أن يعطيه دينارا فإنما أجبر المبتاع بأن يعطيه دينارا قائما بوزنه.
قال محمد بن رشد: قوله ولكن يبيع ولا يشترط ويصنعان إذا حل الأجل ما أحبا، كلام فيه نظر؛ لأن الشرط لا يمنعهما أن يصنعا إذا حل الأجل ما أحبا، وإنما يمنع من اشترط عليه الشرط أن يخرج عما اشترط

(6/466)


عليه، فكان حق الكلام أن يكون: ولكن يبيع ولا يشترط ويعطيه دينارا عند محل الأجل إن تشاحا وكراهيته لهذا الشرط هو نحو ما في المدونة لمالك من أنه كره أن يبيع الرجل سلعته بنصف دينار إلى أجل ويشترط أن يأخذ بذلك النصف الدينار إذا حل الأجل دراهم وهما إذا تشاحا إذا حل الأجل إنما يأخذ منه دراهم بصرف ذلك اليوم كما اشترط.
وظاهر هذا أنه لما اشترط ما يوجبه الحكم فكان بعض الناس يذهب إلى أن من الشروط التي يوجبها الحكم ما لا يجوز اشتراطه وهو ما كان منها مخالفا للقياس والنظر، ويقيم ذلك من هذه المسائل، وليس ذلك بصحيح، إذ لا كراهة في اشتراط ما يوجبه الحكم؛ لأن شرطه والسكوت عنه سواء، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بربرة: «خذيها واشترطي لهم الولاء» أي عليهم، وذلك مما يوجبه الحكم وإن لم يشترط لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الولاء لمن أعتق» ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل» ، فدل ذلك على أن من اشترط شرطا هو في كتاب الله فهو جائز، فإنما كره مالك الشرط في هذه المسائل لما فيها من مخالفة ما يوجبه الحكم، وذلك أن الذي باع سلعة بنصف دينار إلى أجل من رجل ثم باع منه سلعة أخرى بنصف دينار إلى ذلك الأجل قد يحل الأجل وللمبتاع على البائع نصف دينار يكون من حقه أن يقاصه به، فلا يجب عليه أن يقضيه إلا صرف ما بقي قبله من المثقال، فيكون الشرط إن اتفق هذا وما أشبهه مخالفا لما يوجبه الحكم.
والذي باع سلعة بنصف دينار إلى أجل وشرط أن يقضيه فيه دراهم إذا حل الأجل بصرف ذلك اليوم قد يحل الأجل وللبائع على المبتاع نصف دينار آخر، فيجب عليه أن يقضيه دينارا فيكون الشرط أيضا إن اتفق هذا

(6/467)


مخالفا لما يوجبه الحكم، وقد مضى القول في أول هذا الرسم على قوله: إنه ليس للمشتري أن يقطع عليه الثمنين، فلا معنى لإعادته هاهنا وبالله التوفيق.

[يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها]
ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال وسألت مالكا عن الرجل يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها.
قال: لا بأس بذلك، وقال مالك: كل ما اشترطت عدده وكيله كيلا فلا تأخذ به عددا، وما اشترطت مع العدد فلا بأس أن يأخذ به أكثر من عدده أو أقل من عدده إذا كان بكيله.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات.
وقوله فيها وما اشترطت كيلا فلا تأخذ به عددا معناه لا تأخذ به عددا يتحرى أن يكون بوزن مالك، أو عددا تعلم أنه أقل في الوزن مما لك؛ لأنه وإن علم أن العدد الذي أخذ أقل في الوزن مما كان له لم يجز، فإنه ترك زيادة الوزن لفضل العدد، وأما إن علم أن العدد الذي أخذ أكثر في الوزن مما كان له فذلك جائز؛ لأنه أخذ أكثر في الوزن وأفضل في العدد، فلم يكن ثم موضع للتهمة وسبب في المبايعة، فوجب أن يكون، وهو نص قوله في المدونة: إن القائمة يقتضي من المجموعة لأنها أكثر في الوزن وأفضل في العدد.
وأما قوله: وما اشترطت عددا فلا تأخذ به كيلا، فظاهره أنه لا تأخذ به

(6/468)


كيلا مثل وزنه ولا أقل ولا أكثر مثل وزنه، فلا يجوز على حال، وأما أقل من وزنه فيجوز إن كان أقل عددا ولا يجوز إن كان أكثر عددا وقد مضى هذا في رسم القبلة.

[مسألة: شروط صحة المصارفة]
مسألة وسئل مالك عن الرجل يأتي إلى الصيرفي بدنانير فيصارفه بها، فيجعل دنانيره في كفة الميزان فيضربها بالحديدة فإذا احمرت نزعها، ثم يجعل دنانير مكانها فإذا اعتدلت بالحديدة أخذ وأعطى.
قال مالك: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إذ ليس من صحة شرط المصارفة أن يكون الذهبان هذه في كفة وهذه في كفة، وإنما من شرط صحتها أن يكون مثلا بمثل ويدا بيد، لكونها بالحديدة أي الصنجة بكفة واحدة أصح ليستقين المماثلة بذلك والتحرز من عدمها بعين يكون في الميزان؛ لأنه إن كان في الميزان عين فتراطلا بالكفتين كان قد أخذ أحدهما أكثر مما أعطى، وبالله التوفيق.

[ابتاع من رجل بنصف دينار حنطة فوجب البيع بينهما ثم أخرج الثاني دينارا]
ومن كتاب البز وسئل مالك عن رجل ابتاع من رجل بنصف دينار حنطة فوجب البيع بينهما، ثم أخرج الثاني دينارا قال له: كيف

(6/469)


الصرف اليوم؟ . قال له: عشرون درهما، فدفع إليه الدينار وأخذ نصفه دراهم وأراد أن يؤخر القمح عنده لأنه قد كان يستوجبه قبل الصرف.
قال: لا خير فيه، وهو قد صار الساعة صرفا وهما يعملان به زيادة بهذا الوجه قبل البيع، فلا أرى فيه خيرا إلا أن يقبضهما جميعا. قال سحنون: معنى زيادة أيضا في هذا الموضع.
قال محمد بن رشد: قوله وهما يعملان به زيادة بهذا الوجه، معناه وهما يعملان أيضا بهذا الوجه قبل البيع، أي يقصدان قبل البيع إلى شراء قمح إلى أجل ودراهم بدينار نقدا فيقدمان البيع في القمح ثم يضيفان إليه الصرف ليجيز ذلك بينهما، فيقول: فلا يجوز أن تؤخر السلعة إذا انضاف الصرف إلى البيع قصدا ذلك قبل البيع أو لم يقصدا، فعبر على تكرار الفعل على هذا الوجه بالزيادة فجاء في الكلام إشكال، وزاد إشكاله إشكالا تفسير سحنون؛ لأنه تفسير [مظلم، ومعناه الذي أراد به هو ما ذكرناه؛ لأنه أراد أن عملهم به على هذا الوجه زيادة لعملهم به على الوجه الأخر، وهو لا يجوز في واحد منهما، والذي أراد أن يبين في الرواية أن الربا في المسألة واقع كيف ما كان، وإن تقدم البيع فيها على الشراء لوقوعهما معا فيما يحل ويحرم] بخلاف البيعتين اللتين إنما يحصل الربا فيهما بمجموع الصفقتين، فيمنع ذلك من باب حماية الذرائع، وقد مضى مثل هذه المسألة والقول فيها في رسم تأخير العشاء وفي المدونة أيضا وبالله التوفيق.

[يبيع السلعة بمائة دينار أو يسلفها]
ومن كتاب صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل مالك عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار أو يسلفها

(6/470)


رجلا وزنا بالمثاقيل، فيحل الأجل فيأتيه بمائة فإذا هي تزيد ثلثا أيأخذ بفضل ذهبه دراهم؟ .
قال: نعم لا بأس بذلك، فقيل له: أرأيت النقصان؟ . قال: لا يأخذ به في مكانه، وإن أخذ ذلك ثم أخذ به بعد لم أر بأسا، قال ابن القاسم: لا بأس بهذا كله إذا صح.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حلف بطلاق امرأته فلا معنى لإعادته.

[مسألة: تكارى دابة بنصف دينار إلى موضع فأراد أن يدفع إليه النصف ويقبض منه الدابة]
مسألة وسئل عن رجل تكارى دابة بنصف دينار إلى موضع، فأراد أن يدفع إليه النصف ويقبض منه الدابة، فذهب يصرف له دينارا، فقال صاحب الدابة: أنا أدفع إليك نصفا وآخذ منك الدينار.
قال: لا بأس به.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض الروايات وليست على أصل ابن القاسم في أن من كان له على رجل دين فلا يجوز له أن يأخذ منه به دابة يركبها، والذي يأتي على أصله هذا أن ذلك لا يجوز لأنه صرف متأخر لتأخر ركوب الدابة، وإنما يأتي على مذهب أشهب الذي يرى أن قبض الشيء المكترى ليستوفى منه الكراء قبضا لجميع الكراء، فيجيز لمن كان له على رجل دين أن يأخذ به عبدا يخدمه إلى أجل ما، أو دابة يركبها إلى موضع ما، وقد اختلف قول مالك فيها، وقع اختلاف قوله في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، واختار ابن القاسم إجازة ذلك على خلاف أصله، واختار ذلك أيضا محمد بن المواز والله الموفق.

[بيت الضرب بالمال فيصفيه ثم بعد أن يعطيه أهل بيت الضرب دنانير بوزنه]
ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل عن رجل يأتي بيت الضرب بالمال فيصفيه ثم بعد أن

(6/471)


يعطيه أهل بيت الضرب دنانير بوزنه ويعطيهم ضربها.
قال: إنه قد كره الذي يصيب الناس من الحبس فيها، فقيل له: ويخافون مع ذلك، قال: صدقت وأرجو ألا يكون به بأس، قال ابن القاسم: ثم أقول بعد ذلك: ما هو من عمل الأبرار قال عيسى: قال ابن القاسم: وسمعته يتكلم فيه غير مرة ولا يحرمه ويرجو أن يكون فيه سعة، وينحو إلى أن يعمل به الرجل في خاصة نفسه، قال عيسى: لا يعجبني، قال ابن القاسم: خفيفا للمضطر وذوي الحاجة.
وسئل مالك عن الرجل يأتي الصائغ بالورق يريد أن يعمل له خلخالا فيجد عنده خلخالا معمولا فيريد أن يأخذ منه ذلك الخلخال بوزنه من الورق ويعطيه من الورق أجره.
قال: لا خير في هذا، ولم يره مثل الضرب في مثل هذا.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم ألا يبيع سلعة سماها فلا معنى لإعادته.

[صرف دينارا بتسعة عشر درهما فلم يجد عنده إلا ثمانية عشرة ونصفا]
ومن كتاب أوله المحرم يأخذ الخرقة لفرجه وسئل عن رجل صرف دينارا بتسعة عشر درهما فلم يجد عنده إلا ثمانية عشرة ونصفا، فأراد أن يضع بقية النصف ويأخذ ذلك من صرفه ذلك بعد وجوب الصرف.

(6/472)


فقال: لا بأس بذلك أن يضعه ويأخذ من ذلك ما شاء.
قال محمد بن رشد: معناه ما لم يفارقه، قال ذلك محمد، وهو صحيح، ولو انقلب بالدراهم على أنها تسعة عشر درهما فوجدها تنقص نصف درهم أو أقل أو أكثر بغلط من الصراف أو خيانة منه لانتقض الصرف على مذهب ابن القاسم ولم يجاوز النقصان، وقال أشهب: إن الصرف يجوز إن تجاوز النقصان، وأما إن رضي أن يأخذ النقصان بعد أن فارقه فلا يجوز إلا على مذهب من أجاز البدل، وهو ابن شهاب والليث بن سعد وابن وهب، وقد مضى طرف من هذا المعنى في رسم القبلة، وسيأتي في سماع أبي زيد ما فيه بيان لهذا وزيادة عليه وبالله التوفيق.

[مسألة: يشتري بدرهم كيل الشيء فيخرج درهما فيدفعه إليه فيجده ينقض حبتين]
مسألة وسئل عن الرجل يشتري بدرهم كيل الشيء فيخرج درهما فيدفعه إليه فيجده ينقض حبتين أو ثلاثا فيعطيه في نقصانه فلوسا بقدر ما نقص.
قال: لا خير في ذلك، قلت له: فإنه يقول: أعطني ما فيه من وزنه وحاسبني بقدر ذلك، قال: لا بأس عندي. إنما هو عندي بمنزلة رجل اشترى بدرهمين حنطة ثم قال له بعد ذلك أعطني بدرهم وأقلني من درهم، فقلت له بعد الوجوب؟ قال: نعم، كأنه حمله على وجه المساومة وفيه تفسير من البيع.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم القبلة فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق.

(6/473)


[يبتاع العبد بثلاثين دينارا فيأتيه بدنانير فيزنها فيجد فيها تسعة وعشرين دينارا ونصفا]
من سماع أشهب وابن نافع عن مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون وقال أشهب وعبد الله بن نافع: سئل مالك عن الذي يبتاع العبد بثلاثين دينارا مجموعة داخل المائة عشرة دنانير أو داخلها عشرون دينارا، فيأتيه بدنانير يقضيه إياها فيزنها فيجد فيها تسعة وعشرين دينارا ونصفا قال مالك: يأخذ منه النصف دراهم لا بأس بذلك، فقيل له: في مجلسهما ذلك؟ قال: نعم، لا بأس به، وإنما مثل ذلك مثل أن يفضل له دينار وديناران فلا بأس أن يأخذ منه بذلك دراهم، قلت له: أرأيت إن وجد في الدنانير فضلا عن حقه زيادة سدس أو نصف دينار فأراد رب الدينار أن يعطيه دراهم، قال: ما يعجبني ذلك، قيل له: إن دنانير الرفيق مجموعة داخل المائة خمسة عشر دينارا فإذا قضاه دنانيره وجد فيها فضلا عن حقه سدس دينار أو نصف دينار، فيعطيه به دراهم؟ فقال: ما يعجبني ذلك، ولكن يترك له منها دينارا ويأخذ هو منه بما فضل له دراهم، فروجع فيها أيضا فقال: لا يعجبني ذلك أنت تريد أن تأخذ منه دنانير بدنانيرك وتزيده دراهم، فلا يعجبني ذلك، ولكن أقطع من الدنانير التي أعطاك قطعة فردها عليه.
قيل له: أيقطع وقد كنت تخب أن قطعها من الفساد في الأرض، قال: نعم أقطع فضله فرده عليه إذا كانت دنانيركم مقطعة النقص فاقطع إذا لم تجد بدا لا بأس بذلك هي مقطعة.
قال محمد بن رشد: الدنانير التي قطعها من الفساد في الأرض هي الدنانير القائمة التي تجوز عددا بغير وزن، فإذا قطعت فردت ناقصة

(6/474)


غش بها الناس فكان ذلك من الفساد في الأرض، وقد جاءت في تفسير قوله عز وجل قال: {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] أنهم أرادوا بذلك قطع الدنانير والدراهم لأنه كان نهاهم عن ذلك، وقيل: إنهم أرادوا بذلك تراضيهم فيما بينهم بالربا الذي كان نهاهم عنه، وقيل: إنهم أرادوا بذلك منعهم للزكاة، وأولى ما قيل في ذلك أنهم أرادوا بذلك جميع ذلك.
وأما قطع الدنانير المقطوعة فليس قطعها من الفساد في الأرض، وإنما هو مكروه فرأى قطعها للتوقي من الشبهة في الربا أفضل من تركها واستباح شبهة الربا لأنه وإن كان في ترك قطعها أجر على ما يوجبه حد المكروه فالأجر في التوقي من شبهة الربا أعظم قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه» وهذا وما أشبه مما اختلف أهل العلم فيه من المشتبهات، " وقد قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كان من آخر ما أنزل الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آية الربا فتوفي ولم يفسرها فدعوا الربا والموقعة " وقد مضى القول فيما يجوز فيما وجد عند القضاء في الدنانير المجموعة من زيادة أو نقصان في رسم حلف من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادة ذلك، ومضت المسألة أيضا في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات منه، ومضى في رسم تأخير صلاة العشاء منه، ورسم شك في

(6/475)


طوافة القول فيما يجوز من قطع الدنانير وبالله التوفيق.

[مسألة: مراطلة الذهب بالذهب والورق بالورق بالشاهين]
مسألة قالا: وسئل مالك عن مراطلة الذهب بالذهب والورق بالورق بالشاهين فقال: لا بأس بالمراطلة وإن كانت إحدى الذهبين أكثر عددا، فإن كان الشاهين عدلا فلا بأس به، وقيل: إنهم يزعمون أنه ليس شيء أعدل منه، فقال: إن لأهل العراق أيضا موازين أخر فلا أدري ما هذا؟ فإن كان الشاهين عدلا فلا بأس به.
قلت: يا أبا عبد الله، فإنهم يجعلون المثاقيل في إحدى الكفتين، ويجعلون أحد الذهبين في كفة أخرى، فإذا اعتدلت الدنانير والمثاقيل أخذها صاحب الذهب الآخر، ثم جعلت ذهبه في الكفة التي كانت فيها ذهب صاحبه فإذا اعتدلت المثاقيل أخذها صاحب الذهب الأول بذهبه التي وزنت أولا، وإنما يفعلون ذلك تحريا للعدل مخافة أن يكون في أحد الكفتين عين فإن كانت فيها عين أخذا ذهبيهما بوزن واحد في كفة واحدة،

(6/476)


فقال له ابن كنانة: إنهم يقولون ليس المصارفة إلا أن يكون الذهبان جميعا هذه في كفة وهذه في كفة، فإذا اعتدلتا أخذا، فقال: لا بأس بذلك إذا كان معتدلا سواء.
قال محمد بن رشد: هذا كله كما قال، أما قوله إنه لا يراعى في المراطلة اختلاف عدد الدنانير فهو قوله في المدونة وغيرها أن السكة والصياغة والعدد في المراطلة، وقد مضى ذلك أيضا والقول في رسم شك من سماع ابن القاسم.
وأما إجازته المراطلة بالشاهين إذا كان عدلا فصحيح على ما قال، إذا لا فرق بين الشاهين وغيره في ذلك من الموازين، وقد روى عن وكيع أنه قال في قوله عز وجل: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] أنه قال الشاهين.
وأما إجازته المراطلة بكفة واحدة بمثاقيل نزنها بها أو بصنجة الحديد فصحيح أيضا لأنه أحسن من المراطلة بكفتين مخافة أن يكون في الميزان عيب وقد مضى ذلك في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

[مسألة: يشتري الثوب بدينار وربع الدينار يعطيه الدينار ويبقى الربع أيعطيه به تبرا]
مسألة وسئل عن الرجل يشتري الثوب بدينار وربع الدينار يعطيه الدينار ويبقى الربع أيعطيه به تبرا.
قال: لا بأس بذلك، بلغني أن لكم دنانير صغارا أرباعا وأثلاثا وليس ذلك عندنا، فقيل له: فقد ذهب ذلك وإنما نحن اليوم مثلكم فما ترى أن يعطيه في الربع الدينار فإنه إنما هو جزء من الدينار؟ . فقال: دراهم، إنما هو دراهم، قيل له: أرأيت إن

(6/477)


أعطاه ربع دينار تبرا ذهبا فقال: لا أرى بذلك بأسا إذا تراضيا إنما هو دراهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا اشترى ثوبا أو شيئا بدينار وربع، ولم يكن عندهم دنانير صغارا أثلاثا أو أرباعا فجائز أن يعطيه بالربع دينار تبرا أو ذهبا لأن الواجب عليه بالحكم صرفه من الدراهم، والثابت له في ذمته ذهب فيجوز له أن يعطيه ما يجوز له أن يعطى قضاء عن أحدهما ويعطى قضاء في الأخير على اختلاف في ذلك.
وتفسير هذا الذي ذكرناه أنه يجوز له أن يعطيه عرضا أو طعاما نقدا أنه يجوز أن يعطى ذلك قضاء عن كل واحد منهما ولا يجوز له أن يعطيه به شيئا إلى أجل لأن ذلك لا يجوز أن يعطى قضاء عن واحد منهما؛ لأنه فسخ الدين في الدين ويجوز أن يعطيه به تبرا ذهبا مثل تبر الربع أو أدنى منه بوزنه؛ لأن ذلك يجوز أن يقتضيه من الدنانير ومن الدراهم، ولا يجوز إن كان التبر أفضل من تبر الربع أو أكثر من وزنه إلا على اختلاف؛ لأن ذلك يجوز أن يقتضي من الدراهم ولا يجوز أن يقتضي من الذهب، فيجوز ذلك على القول باعتبار ما يوجبه الحكم في القضاء، ولا يجوز على القول باعتبار ما ثبت له في الذمة، ولا يجوز له أن يقضيه تبر فضة أفضل من تبر صرف الربع ولا يجوز أن يقتضي من الدراهم، فيجوز ذلك على القول باعتبار ما ثبت في الذمة من الذهب ولا يجوز على القول باعتبار ما يوجبه الحكم في القضاء.

[مسألة: يشتري من الصراف الدنانير بالدراهم فنعطاها ولا نبصرها ولا ندري أجياد هي أم لا]
مسألة وسئل مالك فقيل له: إنا نشتري من الصراف الدنانير

(6/478)


بالدراهم فنعطاها ولا نبصرها ولا ندري أجياد هي أم لا؟ فيقول لي: هي جياد، فنأخذها منه بقوله، فقال: لا، والله فقيل له: أما أنا فلا أبصرها وليس عندي أحد يبصرها، وأنت تكره أن أفارقه أذهب أريها فكيف أصنع؟ .
فقال له: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] .
قال محمد بن رشد: كره أن يصدقه في قوله إنها جياد مخافة أن يجد فيها ردية بعد أن فارقه بحضرة بينة لم تفارقه، فينقص الصرف إن كان دينارا واحدا أو صرف دينار واحد إن كانت دنانير، أو يدعي أنه وجد فيها ردية فيقع بينهما في ذلك خصومة يؤول الأمر بها إلى انتقاض الصرف أو بعضه، فرآهما لهذه العلة قد انفصلا على غير تناجز صحيح في الصرف، وقد اختلف في ذلك فقال أشهب: لا يجوز التصديق في الصرف ولا في تبادل الطعامين، وهو قول المخزومي وإليه ذهب سحنون وابن المواز، وروى ابن نافع عن مالك إجازة ذلك في مبادلة الطعام بالطعام وهو قول ابن القاسم لأنه غاب على مالك كراهيته لشراء الزيت بالقمح على التصديق في أول رسم من سماعه من كتاب جامع البيوع، وقال: إنه لم يجد لكراهيته معنى، والمعنى فيه هو ما ذكرناه فإذا وقع لم يفسخ للاختلاف الحاصل في ذلك.

[مسألة: كانت بينهم دواب فباعوها بدراهم مخالفة الوزن منها الناقص والوازن ثم اقتسموها]
مسألة وسئل عن قوم كانت بينهم دواب فباعوها بدراهم مخالفة الوزن، منها الناقص والوازن، ثم اقتسموها عددا بغير وزن.
فقال: أرجو ألا يكون بهذا بأس.
قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا كان الناقص منها يجوز بجواز

(6/479)


الوازن فاقتسموها عددا دون أن يعرف الناقص من الوازن غرر لا يحل ولا يجوز والله أعلم.
كما لا يجوز أن يبيع سلعة بها على أن يأخذها على ما هي عليه ومنها الوازن والناقص الذي لا يجوز بجواز الوازن دون أن يعرف ما فيها من الناقص وفي رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع بيان هذا، قال في الرجل يبيع من الرجل بعشرين درهما وهي مختلفة في الوزن إن ذلك لا يجوز ورآه من بيع الدراهم جزافا.

[مسألة: يصرف من الرجل دنانير بدراهم ويقول له اذهب بها فزنها عند هذا الصراف]
مسألة وسئل مالك عن الرجل يصرف من الرجل دنانير بدراهم ويقول له: اذهب بها فزنها عند هذا الصراف وأره وجوهها وهو قريب منه.
فقال: أما الشيء القريب فأنا أرجو ألا يكون به بأس، وهو يشبه عندي أن لو قاما إليه جميعا فأرجو ألا يكون به بأس.
فقيل لمالك: لعله أيضا يقول قبل أن يجب الصرف بينهما أصارفك على أن أذهب بها إلى هذا فيزنها لي وينظر إليها فيما بيني وبينك.
فقال: فهذا قريب فأرجو ألا يكون به بأس.
قال محمد بن رشد: استخف أن يقول الصراف للرجل بعد أن يصارفه: اذهب بدراهمك فزنها عند هذا الصراف وأره وجوهها إذا كان ذلك قريبا وأن يصارفه على ذلك للضرورة الداعية إلى ذلك إذ الغالب من الناس لا يميزون النقود، ولأن التقابض قد حصل بينهما قبل ذلك فلم يكونا بفعلهما هذا مخالفين لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذهب بالورق ربا إلا ها وها» .

(6/480)


ولو كان المقدار لا يسامح فيه الصرف لوقع الناس في ذلك في حرج شديد والله يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
وأما قوله وهو يشبه عندي أن لو قاما إليه جميعا، فلا شك أن قيامها إليه جميعا بعد التقابض أخف من قيام أحدهما إليه وحده، وقد قيل: إن قوله هذا مخالف لكراهيته في المدونة أن يتصارفا في مجلس ثم يقومان فيزنان في مجلس آخر، وليس هو عندي خلافا له؛ لأن مسألة المدونة فإنما بعد عقد التصارف وقبل التقابض من مجلس إلى مجلس ولا ضرورة تدعو إلى ذلك وهذه مسألة إنما قاما فيها بعد التقابض للضرورة الماسة في ذلك.

[مسألة: يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيزنها فيجدها تزيد خروبة]
مسألة وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيزنها فيجدها تزيد خروبة فقال له الغريم: لا تقطعها وأنا أعطيك الخروبة الآن ذهبا.
فقال: لا يعجبني هذا، فقيل له: لا يعجبك هذا؟ فقال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يجتمع فيها مراطلة وقضاء الدنانير المجموعة، وفيها ثلاثة أقوال: أحدهما أن ذلك لا يجوز كانت الدنانير من بيع أو قرض، وهي رواية ابن القاسم عن مالك في أصل السماع وأحد قولي أشهب، والثاني أن ذلك يجوز كانت من بيع أو قرض، والثالث أن ذلك يجوز إن كانت من قرض، وإن كانت من بيع لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وقد قيل: إن في المسألة قولا رابعا، وهو أن ذلك يجوز في البيع ولا يجوز في السلف، وهو قول ابن القاسم في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى، والصواب أن ذلك ليس بقول رابع لأنه إنما

(6/481)


تكلم في الرواية على درهم قائم، فهي مسألة أخرى لا اختلاف فيها، ويدخله إذا كانت الدنانير من بيع على مذهب من لا يجيزه ذهب بذهب نقدا وسلعة إلى أجل لتقدم دفع السلعة، ويدخله إذا كانت الدنانير من سلف على مذهب من لا يجيزه ذهب بذهب إذا كانت الدنانير بالذهب نقدا وبذهب إلى أجل لتقدم دفع السلف، ومن أجاز ذلك في السلف ولم يجزه في البيع قال: لأن التهمة إنما تكون في البيع لا في السلف وهو الصحيح في القياس والنظر أنه لا تهمة في ذلك لا في البيع ولا في السلف؛ لأنه قضاء في الوجهين جميعا ما ترتب في ذمته، ووقعت المراطلة في الزائد على ذلك، فالعلة في ذلك أن الزائد الذي وقعت فيه المراطلة لم يوزن على حدته، وإنما وزن على جملة دنانير القضاء، والشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق زاد ونقص، وهذه العلة موجودة في البيع والسلف، فإما أن يستخف ذلك فيجاز في الوجهين، وإما أن يستثقل فلا يجاز، وعلى هذا المعنى اختلفوا في النقرة من الفضة تكون بين الشريكين فيأخذها أحدهما ويعطي صاحبه نصف وزنها دراهم، وقد مضى القول على ذلك في أول رسم طلق ابن حبيب.

[مسألة: يكون له على الرجل دينار ناقص فيأتيه بدينار قائم ويقول له هات فضله دراهم]
مسألة قيل له: أرأيت الرجل يكون له على الرجل دينار ناقص فيأتيه بدينار قائم ويقول له: هات فضله دراهم؟ .
قال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين على ما قال: لأن للدينار القائم فضلا في عينه على الدينار الناقص، فكان المقتضي قد اشترى الدينار القائم من المقتضي منه بالدينار الناقص الذي كان له عليه وبدرهم فكان ذهبا وفضة بذهب، ولو كان له عليه دينار الأثمن من الذهب التي إنما تجري بالوزن كالذهب العبادلة والشرقية فأخذ منه في الثمن درهما لجاز لأنها مصارفة فيما زاد على حقه.

(6/482)


[مسألة: يكون له على الرجل الدينار القائم فيأتيه بدينار ناقص خروبة وبخروبة ذهبا]
مسألة قيل له: أرأيت الرجل يكون له على الرجل الدينار القائم فيأتيه بدينار ناقص خروبة وبخروبة ذهبا فيزنها له فيعطيه إياها بديناره فرضي الغريم بأخذه ذلك بديناره القائم.
قال: إن كان من عين واحدة فأرجو ألا يكون به بأس، فقيل له: هما جميعا قائما الوجه فقيل له: قد يكونا قائمين أو أحدهما أجود عينا من الآخر فقال: إن أعيانهما سواء، فقال: أرجو ألا يكون به بأس.
قال محمد بن رشد: إنما شرط في إجازة ذلك أن يكونا من عين واحدة مخافة أن يكون عين الناقص أفضل من عين القائم فيكون إنما رضي لفضل عينه على عين القائم، ولم يراع زيادة العدد التي من أجلها لم يجز اقتضاء الدنانير المجموعة من القائمة وإن كانت أقل منها في الوزن فكيف إذا كانت بوزنها فهي مسألة لا يحملها القياس، وإنما جوزها استحسانا لأنه استخف المكروه فيها من أجل أنه دينار واحد وقد قال أبو إسحاق التونسي: إنه يقوم منها جواز اقتضاء المجموعة من القائمة، ولم يجزها مالك في كتاب ابن المواز، وهو القياس، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم ما فيه زيادة بيان على ما هاهنا.

[مسألة: كان يسأل رجلا دينارا فقطعه عليه فكان يأخذ منه مرة خمسة دراهم ومرة ثلاثة]
مسألة وسئل مالك عن الرجل كان يسأل رجلا دينارا فقطعه عليه فكان يأخذ منه مرة خمسة دراهم ومرة ثلاثة دراهم، ومرة أربعة دراهم.
قال: يجمعها عندك فإذا أتمت دينارا ذهبا اجتمعا فصرفاها

(6/483)


ثم استوفى ديناره فقال: على يدي من تكون؟ فقال: على يدي صاحب الدينار دون أن يختم عليها لئلا ينتفع بها فيكون إنما وسع عليه في الاقتضاء وقبضه منه مقطعا لينتفع بما يجتمع عنده منه إلى أن يكمل صرف الدينار، فيكون سلفا جر منفعة وقد نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك.

[مسألة: اصطرف من رجل دراهم بدينار وقال إن وجدت فيها دينارا رديئا رددته]
مسألة وسئل عمن اصطرف من رجل دراهم بدينار، وقال: إن وجدت فيها دينارا رديئا رددته.
فقال: أصل هذا الصرف لا يصلح، فأرى أن يأخذها ويأخذ منه ديناره فقيل لمالك: إنه قد وجدها جيادا كلها، فقال: إن أصل الصرف لم يكن حسنا فأرى أن يردها كلها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الشرط يفسد العقد، فيكون منتقضا وجد رديا أو لم يجد، ولا اختلاف في هذا وبالله التوفيق.

[يأتي أهل بيت الضرب بمائة دينار يضربونها له ويعطيهم على ذلك دينارا]
ومن كتاب أوله مسائل بيوع وكراء قال: وسألته عن الرجل يأتي أهل بيت الضرب بمائة دينار يضربونها له ويعطيهم على ذلك دينارا.
قال: أما إذا كان يضرب له ذهبه بعينها فلا بأس بذلك، وقد كان في زمن بني أمية يأتي الرجل بمائة دينار وعشرة دنانير فيعطيها الضرابين بدمشق ويعطونه مائة دينار قد فرغ منها، وكانوا يأخذون على ضرب كل مائة عشرة دنانير، فجاءهم بمائة وعشرة وأخذ منهم مائة قد أخذوها وفرغوا منها، فلو كان الناس

(6/484)


جميعا اليوم يخلصون الذهب كذلك ولا يغشونها لم أر بذلك بأسا، وإنما جاز يومئذ لأنها سكة واحدة والتجار كثير والأسواق متفاوتة فلو جلس حتى يضرب له ذهبه، ثم جلس هذا الآخر أيضا حتى يضرب له ذهب فاتت الأسواق وطال الأمر وحبس الناس فلا أرى بذلك بأسا إذا كان هكذا فأما اليوم فلا يخلص الذهب ويغش فيعطيكها مغشوشة، وقد صار لكل مكان سكة يضرب فيها الدنانير فلا أرى ذلك يصلح ولا أرى بأسا أن تأتيه بدنانيرك بعينها فيضربها لك وتعطيه عليها جعلا، وهو إذا ضرب ذهبك أخلصها لك.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته.

[أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا]
ومن كتاب البيوع الأول وسئل مالك عمن أخذ بدرهمه بنصفه لحما وبنصفه درهما صغيرا.
فقال: قد كنا نكرهه وما نرى اليوم به بأسا، قيل له: أرأيت إن كان بمصر فأخذ بنصفه فلوسا وبنصفه درهما صغيرا؟ فقال: ما أحبه، ولو أخذ حنطة ما رأيت به بأسا.
قال محمد بن رشد: أما البلد الذي لا فلوس فيه فجائز للرجل أن يأخذ فيها بنصف درهمه أو أكثر طعاما أو عرضا وبالباقي فضة أو درهما صغيرا، وقد كان مالك يكره ذلك أولا على ما ذكر في هذه الرواية.
وأما في البلد الذي فيه الفلوس ففيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يجوز للرجل أن يأخذ فيها أيضا بنصف درهمه أو أكثر طعاما أو عرضا وفلوسا وبالباقي فضة، وهو قوله في المدونة، والثاني قوله في هذه الرواية إنه يجوز

(6/485)


له أن يأخذ بنصفه أو أكثر طعاما وبالباقي فضة، والثالث قول أشهب أنه لا يجوز له شيء من ذلك كله في البلد الذي فيه الفلوس، فالقول الأول استحسان مراعاة للخلاف، إذ من أهل العلم وهم أهل العراق من يجيز شراء الذهب والعروض بالذهب والورق والعروض بالورق فيما قل أو كثر من غير ضرورة، ويجعلون الذهب التي مع العرض بمثل ذلك من الذهب الآخر وباقيها للعرض ولا يقولون في ذلك بالفض كانت الذهبان مستويتين في الطيب والسكة والصياغة أو غير مستويتين في شيء من ذلك، ووجه القول الثاني مراعاة ضرورة الناس وحاجتهم إلى الطعام، بخلاف الفلوس، وقول أشهب هو القياس على المذهب لأن ذلك إنما أجيز للضرورة، فإذا كان بلد فيه فلوس ارتفعت الضرورة.

[مسألة: أعطي دراهم وقيل له صرفها بدنانير فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه]
مسألة وسئل مالك عمن أعطي دراهم وقيل له: صرفها بدنانير، فصار بها إلى الصراف فلما أراد أن يبيعها صرفها من نفسه ثم جاءه بالدنانير فأعلمه بالذي كان.
فكرهه وقال: ما ذلك بحسن، أرأيت لو قال: لا أجيزه أليس ذلك له؟ فقد صار هذا صرفا فيه استخيار.
قال محمد بن رشد: قد خفف ذلك مالك في رواية أشهب عنه من كتاب البضائع والوكالات، وقال ابن أبي حازم: وما كان الناس يشددون هذه الشدة، وإنما كرهه لهذه الرواية لما ذكره من أن صاحب الدراهم في ذلك بالخيار بين أن يجيز الصرف أو يرده، والخيار في الصرف لا يجوز، ووجه القول الثاني أنه خيار لم ينعقد عليه الصرف، وإنما هو خيار يوجبه الحكم، فلم يكن له تأثير في فساد العقد كالعبد يتزوج بغير إذن سيده، والسفيه بغير أمر وليه، فيكون سيد العبد وولي السفيه بالخيار في رد النكاح وإجازته والخيار في النكاح لا يجوز.

(6/486)


[مسألة: احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا]
مسألة وسئل عمن احتاج إلى عشرة دراهم فيسلفها من رجل ورهن عنده رهنا دينارا لا يذكر له صرفا، حتى إذا كان من الغد صارفه. فقال: أكره أن يصارفه ولكن يعطيه دراهمه ويأخذ ديناره.
قال محمد بن رشد: إنما كره مالك من أجل أن ترك الدينار عنده كالإطماع له أن يصرفه منه، ولعله قد نوى ذلك منه، فكأنه قد وعده به، والعدة في الصرف مكروهة، فإذا لم ينو ذلك ولا قصده ولا أراده، وإنما صرفه منه بنية حدثت له في تصريفه منه لم تتقدم منه وقت تركه عنده، لم يكن عليه في تصريفه منه حرج إن فعله، وإن كان الاختيار له ألا يفعل لا سيما إن كان ممن يقتدى به.

[مسألة: له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشرين بدينار]
مسألة وسألته عمن له على رجل عشرة دراهم مكتوبة عليه من صرف عشرين بدينار أو خمسة دراهم من صرف عشرة دراهم بدينار، فقال: أرى أن يعطيه نصف دينار ما بلغ كان أقل من ذلك أو أكثر إذا كانت تلك العشرة دراهم أو الخمسة المكتوبة عليه من بيع باعه إياه، فأما إن كانت من سلف أسلفه فلا يأخذ منه إلا مثل ما أعطاه.
فقيل له: أرأيت إن باعه ثوبا بثلاثة دراهم ولا يسمي له من صرف كذا وكذا، والصرف يومئذ تسعة دراهم بدينار.
قال: إذا لم يقل من صرف كذا وكذا أخذ بالدراهم الكبار ثلاثة دراهم، وإنما قال بثلاثة دراهم من صرف كذا وكذا بدينار فذلك جزء من الدينار ارتفع الصرف أو خفض، وقد كان بيع من بيوع أهل مصر يبيعون الثياب بكذا وكذا درهما من صرف كذا

(6/487)


وكذا بدينار، فيسألون عن ذلك كثيرا فهو كذا.
قال محمد بن رشد: هذا كما ذكر وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا باع بكذا وكذا درهما ولم يقل من صرف كذا فله عدد الدراهم التي سمى ارتفع الصرف أو اتضع، وإذا قال بكذا وكذا درهما من صرف كذا وكذا فلا تكون له الدراهم التي سمى؛ إذ لم يسمها إلا ليبين بها الجزء الذي أراد البيع به من الدينار، فله ذلك الجزء، وكذلك إذا قال: أبيعك بنصف دينار من ضرب عشرين درهما بدينار، فإنما له عشرة دراهم إذ لم يسم نصف الدينار إلا ليتبين به الدراهم التي أراد البيع بها من الدينار، وسيأتي هذا في سماع رسم يحيى.

[مسألة: يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير]
مسألة وسئل عن رجل يبيع أثوابا كل ثوب بدينار إلا درهما وإلا درهمين ثم يجعل ذلك دنانير يكتبها عليه إلى أجل.
فقال: لا يصلح هذا ولا خير فيه، هذا صرف إلى أجل ولكن يكتب عليه كذا وكذا دينارا إلا كذا وكذا درهما، ويحسب ذلك عليه قبل أن يبايعه ثم يبايعه عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها إجمال وبينها مسألة ما وقع في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال، وفي كتاب محمد قال: ومن ابتاع فيه خمسة عشرة جلدا كل جلد بدينار إلا درهما إلى أجل، ثم تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم بينهم فلا خير في هذا البيع قال محمد: تحاسبا أو لم يتحاسبا لكثرة الدراهم في المؤجل، قال مالك: ولو قطعوا صرف الدراهم قبل العقد ووقعت الصفقة بدنانير معلومة جاز ذلك نقدا ومؤجلا، قال محمد: مثل أن يقولوا: إن وقع بيننا بيع بدراهم فبيعوها كذا وكذا بدينار، فهو الجائز وإلا لم يجز نقدا ولا إلى أجل؛ لأنه صرف وبيع إلا في دراهم يسيرة، قال محمد: فإذا وقع

(6/488)


البيع بينهم على أن يتقاضى من الدنانير فيما اجتمع من الدراهم المستثنيات بسوم سمياه فإنه فيما تبايعا به إن لم يفضل من الدراهم بشيء بعد المقاصة مثل أن يكون باع منه ستة عشر ثوبا كل ثوب بدينار إلا درهم على أن يحسب الدراهم بينهما ستة عشر درهما جاز كان البيع نقدا أو إلى أجل؛ لأن البيع إنما ينعقد إلى أجل بينهما على هذه الخمسة عشر دينارا، وكذلك إن فضل بعد المقاصة درهم أو درهمان؛ لأنه يجوز أن يبيع الرجل السلعة بدينار إلا درهم وإلا درهمين على أن يتعجل السلعة ويتأخر الدينار والدرهم أو الدرهمان إلى أجل واحد، وأما إن فضل بعد المحاسبة من الدراهم الكثيرة فيجوز البيع إن كان نقدا، ولا يجوز إن كان إلى أجل..
إن لم يقع البيع بينهما على شرط المحاسبة فيجوز إن كانت الدراهم المستثناة في الصفقة الدرهم والدرهمين نقدا أو إلى أجل ويجوز إن كانت الدراهم المستثناة كثيرة دون صرف دينار إن كان البيع نقدا، ولا يجوز إن كان إلى أجل، ولا يجوز إن كانت الدراهم المستثناة أكثر من صرف دينار كان البيع نقدا أو إلى أجل على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في أن البيع والصرف لا يجوز إلا فيما كان أقل من صرف دينار ولا ينتفع بالمحاسبة بعد البيع إذا لم يقع البيع بينهما على ذلك، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

(6/489)