البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [كتاب الصرف
الثاني] [اشترى تبرا أو قراضة أو نقرا
أو سبيكة بدراهم فوجد في الدراهم درهما زائفا]
(7/5)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. من سماع عيسى بن دينار من
ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها
قال عيسى: قال ابن القاسم: من اشترى تبرا أو قراضة أو نقرا أو سبيكة بدراهم
فوجد في الدراهم درهما زائفا رد من ذلك بقدر الدرهم، ينظر إلى الذهب فيقسم
على عدة الدراهم، ثم يرد بقدر ما أصاب الدرهم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه يمكن أن يرد من الذهب ما يجب للدرهم
الزائف؛ إذ ليس بمسكوك، ولو كان مسكوكا لانتقض صرف دينار، إلا أن يكون
الزائف أكثر مما يجب لدينارين فينتقض
(7/7)
صرف دينارين دينارين، ثم ما زاد على هذا
القياس، قال ابن دحون: ولو اجتمع في الشراء النقد والسبائك والقراضة
والتبر، ثم وجد درهما زائفا لانتقض الكل؛ لأنا نحتاج أن نوزع الأثمان على
هذه الأصناف لو لم ينقصه، وللمتبايعين أن يتداعيا في أي صنف من هذه الأصناف
يقع الفسخ، فلا بد من فسخ الكل. وليس قوله بصحيح، إذ لا مانع يمنع أن يفسخ
من كل صنف بحساب الدرهم الرديء، وإنما يفسخ الكل بوجود درهم زائف إذا اشترى
دنانير مختلفة أو أصنافا من الحلي، أو إذا كان ما يجب من الدراهم لدينار من
الدنانير فيه كسر من درهم؛ مثال ذلك: أن تصرف عشرة مثاقيل قائمة بمائة درهم
وخمسة دراهم قائمة، فتجد فيها درهما زائفا، فإن الصرف كله ينتقض؛ إذ لا
يمكن أن يرد بعض درهم في صرف الدينار، كما لا يمكن أن يرد بعض دينار في صرف
الزائف.
[مسألة: دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها
سوارين فمطله]
مسألة وسئل: عن رجل دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين، فمطله
فاسترد دراهمه، فقال: ما هي عندي، ولكن خذ عشرة، وأخرني بالأخرى شهرا،
ففعل، فلم يجد عنده إلا
(7/8)
ثمانية، فأعطاه بالدرهمين الباقيين تبرا.
فقال: إن كان ذلك بعد الإيجاب وكان ذلك صلحا قد وجب ومضى، حتى لو أراد أن
يرجع فيه لم يكن ذلك له فلا بأس به، وإن كانت مراوضة فلا خير فيه. وقال أبو
زيد: عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن كما قال، أما إن كان ذلك بعد وجوب الصلح وتمامه،
فهو جائز؛ لأنه أخذ من العشرة التي وجبت له نقدا ثمانية، وصارفه في
الدرهمين بعد أن ثبت التأخير ووجب في العشرة الأخرى، فلم يكن فيه وجه من
الفساد، وأما إذا كان ذلك في المراوضة فيدخله من الفساد أنه صارفه
بالدرهمين على أن أخره بالعشرة، وذلك لا يجوز «لنهي النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - عن بيع وسلف» ، وبالله التوفيق.
[يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد في النقرة مسمار رصاص]
ومن كتاب استأذن سيده في تدبير جارية وسألته: عن الرجل
يشتري النقرة من ورق جزافا بعشرة دنانير، فيجد
في النقرة مسمار رصاص، قال: ينظر كم وزن النقرة بمسمار رصاص، ثم
ينظر كم وزن المسمار، فإن كان وزنها بالمسمار مائة درهم ووزن المسمار درهم،
وكانت الدنانير قائمة، انتقض صرف دينار واحد، وإن كانت مجموعة، انتقض صرف
دينار من أدنى ما يكون من دنانيره المجموعة.
قلت: فلو أن رجلا قال لرجل أبيعك هذه النقرة وفيها مائة درهم بعشرة دنانير،
كل دينار بعشرة دراهم، ثم وجد في النقرة مسمار رصاص، هل هو سواء؟
(7/9)
وماذا ينتقض منها وليس في المسمار إلا
درهم؟ قال: هذان الوجهان سواء، قد صار ثمن الدينار فيها عشرة دراهم، فإذا
كان المسمار وزن درهم، فأرى أن ينتقض دينار منها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن المسمار الموجود
في النقرة المبيعة بدنانير، كالدرهم الزائف يوجد في صرف الدنانير، فيرد
المسمار وتمام صرف دينار واحد من النقرة وينتقض صرف دينار واحد، كما يرد
الدرهم الزائف وتمام صرف دينار واحد من الدراهم، وينتقض صرف دينار واحد لا
أكثر، إلا أن يكون الزائف أكثر من صرف دينار فينتقض صرف دينارين، ثم ما زاد
على هذا القياس، ولا فرق في تفريق النقرة والدراهم بالدنانير بين أن يسمى
ما يقع لكل دينار من ذلك، أو يسكت عنه، وبالله التوفيق.
[مسألة: اشترى سوارين فوجد رأس واحد منهما من
نحاس]
مسألة قلت: فلو أن رجلا اشترى سوارين، فوجد رأس واحد منهما من نحاس؟ قال:
يردهما جميعا. قلت: فلو كان اشترى أزواج أسورة فوجد في زوج منها نحاسا؟
قال: يردها كلها ولو كانت مائة زوج. قلت: فلو فات بعضها وبقي بعضها في يديه
فوجد فيما بقي منها عيبا؟ قال: يرد ما بقي بالقيمة. قال محمد بن رشد: قوله:
إنه إذا اشترى سوارين فوجد رأس
(7/10)
واحد منهما من نحاس، أنه يردهما جميعا،
صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن كل ما هو زوجان لا ينتفع بأحدهما دون صاحبه
كالخفين، والنعلين، والسوارين، والقرطين، فوجود العيب بأحدهما كوجوده بهما
جميعا.
وأما قوله إذا اشترى أزواج أسورة فوجد في واحد منها نحاسا، أنه يردها كلها
ولو كانت مائة زوج، فهو صحيح إذا لم تكن مستوية، وأمكن أن تختلف فيها
الأغراض، وأما إن كانت مستوية أثمانها سواء لا يمكن أن تختلف فيها الأغراض؛
فإنه يرد الذي وجد فيه النحاس مع صاحبه بما ينوبه من الثمن ولا يرد الجميع،
وعلى هذا يحمل ما في سماع أبي زيد، فلا يكون ذلك اختلافا من القول.
وأما قوله: إن فات بعضها وبقي بعضها في يديه، فوجد فيما بقي في يديه عيبا،
أنه يرد ما بقي بالقيمة، ففيه نظر؛ لأن القياس كان إذا كان ينتقض الصرف كله
إذا كانت قائمة، أن ينتقض أيضا إذا فات بعضها، فيرد ما بقي وقيمة ما فات
ويرجع بجميع الدراهم، إلا أن هذا يأتي على ما حكى عبد الحق عن بعض شيوخه
فيمن اشترى عبدين فهلك أحدهما وألفى الآخر معيبا، أنه يرد المعيب بحصته من
الثمن، وإن كان وجه الصفقة، إن كلف أن يرد قيمة الهالك، رد عينا وأخذ عينا،
فلم يكن في ذلك فائدة، بخلاف إذا كان الثمن عرضا، والقياس أن يرد المعيب
وقيمة الهالك ويرجع بجميع الثمن؛ لأن الصفقة قد وجب ردها كلها بوجود العيب
في أرفع العبدين، فلا يمضي التغابن في الذي فات منهما على من كان وقع عليه،
فقد يكون قيمته أكثر مما ينوبه من الثمن، فيكون من حجة البائع أن يأخذ
القيمة ويرد الثمن؛ لئلا يمضي التغابن عليه، إذ قد وجب أن تنقض الصفقة
كلها، وقد تكون قيمته أقل مما ينوبه من الثمن، فتكون
(7/11)
حجة المبتاع أن يرد القيمة ويأخذ الثمن،
لئلا يمضي التغابن عليه أيضا، إذ قد وجب نقض الصفقة كلها، وكذلك مسألة
الأسورة على هذا القياس، وبالله التوفيق.
[صرف عند صراف دنانير فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص]
ومن كتاب العرية وعن رجل صرف عند صراف دنانير
فوزنها عند غيره فوجدها وهي تنقص، فرجع إلى الصراف، فقال الصراف:
والله ما أدري لعل في موازيني شيئا، فذهب معه الصراف إلى حيث وزنها فوجدها
تنقص ما ذكر له، تم أخرج الصراف أيضا الدنانير فوزنها أيضا عنده، فإذا هي
لما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم. قال ابن القاسم: إن كانت الدنانير
مجموعة انتقض من الصرف بقدر ما نقصت.
قال محمد بن رشد: قوله فإذا هي كما وزنها تنقص مثل نقصان الدراهم، يريد:
أنه نقص من الذهب زنة ما نقص من الدراهم، فوجب أن ينتقض من الصرف تمام ما
يجب لما نقص من الذهب، مثال ذلك: أن يكون صرف ثلاثة دنانير بأربعة وعشرين
درهما، فنقص من الدراهم ربع درهم ومن الذهب ثمن مثقال وهو ربع درهم، فيرجع
الصراف على الذي صارفه بثلاثة أرباع درهم؛ لأن ثمن المثقال الذي نقصه من
الذهب يجب له درهم، عنده منه ربع درهم في نقصان الدرهم، فيرجع عليه
(7/12)
بالباقي. وهذا إن كانت الدراهم مجموعة،
وأما إن كانت قائمة فلا بد من انتقاض جميع الصرف، إلا أن تكون الدنانير
مجموعة مقطوعة فينتقض منها ما يجب لتمام درهم، فيرد إليه درهما ويأخذ منه
ما وجب لربع الدرهم الذي رده إليه - زائدا على ما وجب عليه فيما نقص ذهبه،
وذلك حبتان وربع حبة من ذهب.
فقوله: إن كانت الدنانير مجموعة انتقض من الصرف بقدر ما نقصت، كلام وقع على
غير تحصيل، وصوابه: إن كانت الدراهم مجموعة انتقض من الصرف بحساب ما نقصت.
وحمل ابن أبي زيد هذه المسألة على أنه أراد بقوله فإذا هي لما وزنها تنقص
مثل نقصان الدراهم، أي: أنها تنقص مثل ما يجب لما نقص من الدراهم. فقال: في
هذه المسألة نظر، ولا ينتقض من الصرف شيء؛ لأن ما نقص من الذهب نقص جزاؤه
من الدراهم بذلك الميزان، فلم يبق لأحدهما على الآخر شيء، والله الموفق.
[دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية
فاشتراها كلها بسوم واحد]
ومن كتاب سلف دينارا وسئل: عن دراهم سود ودراهم يزيدية مختلطة في خريطة
واحدة، وإحداهما ثلاثة وعشرون بدينار، والأخرى اثنان وعشرون بدينار، فقال:
أنا آخذها منك كلها بعضها على بعض اثنين وعشرين، اثنين وعشرين بدينار، قال:
لا خير فيه؛ لأنه خطار يتخاطران فلا خير فيه حتى يعرف كم في كل واحدة من
صاحبتها، قيل له: فإن عرف كم في إحداهما ولم يعرف كم في الأخرى، قال: لا
خير فيه حتى يعرف كم فيهما جميعا.
(7/13)
قال محمد بن رشد: هذا بين، على ما قال: إن
دراهم الخريطة إذا كانت مختلطة سودا ويزيدية، ولا يعلم مبلغ جملتها فشراؤها
كلها بسوم واحد غرر، وإن عرف ما فيها من السود إذا لم يعرف ما فيها من
اليزيدية أو ما فيها من اليزيدية إذا لم يعرف ما فيها من السود حتى يعرف ما
فيها من السود ومن اليزيدية، وذلك في التمثيل إذا لم يعرف ما في واحدة
منهما، كشراء صبرة حنطة وصبرة شعير بكيل واحد، وإذا عرف ما في واحدة منهما
ولم يعلم ما في الأخرى، كشراء مدي قمح وصبرة شعير كل قفيز بدرهم، وأما شراء
دراهم الخريطة كلها ما بلغت إذا كانت صفة واحدة يزيدية أو سود بسوم واحد
عشرة دراهم بدينار أو أقل أو أكثر مما يتفقان عليه، فهو جائز على مذهب مالك
في إجازة شراء الصبرة على الكيل، خلاف قول عبد العزيز بن أبي سلمة، ويدخل
في ذلك عند مالك من الكراهة ما دخل في مسألة رسم من حلف بطلاق امرأته من
سماع ابن القاسم في الذي يشتري بالدرهم فيقول: كله وأعطني بما فيه، وقد مضى
القول على ذلك هناك.
[اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا
حبتين]
ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار
وسئل: عن رجل اشترى من رجل جبنا بدرهم قائم
فوزن الدرهم فلم يجد فيه إلا درهما إلا حبتين، فقال: خذ من الجبن
تمام الدرهم، قال: هذا حرام لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم القبلة
من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا في رسم المحرم منه، فلا معنى لإعادته.
(7/14)
[عليه نصف
دينار لرجل فيقول خذ نصف دينار في دينك والنصف سلف]
ومن كتاب أسلم وله بنون صغار وسئل: عن رجل يكون عليه نصف دينار لرجل فيأتيه
بدينار فيقول خذ نصفه في دينك، والنصف أسلفكه في سلعة كذا وكذا إلى أجل
كذا. فقال: لا بأس بهذا، وليس هذا صرفا وبيعا، إنما هو قضاء وبيع.
قال محمد بن رشد: جواز هذه المسألة إنما هو على القول في مراعاة ما ثبت في
الذمة؛ لأنه قضاء ما ثبت له فيها من الذهب وأسلفه باقي المثقال في سلعة،
فجاز ذلك، وعلى القول في مراعاة ما يوجبه الحكم في القضاء لا يجوز؛ لأنه
أخذ منه نصف مثقال ذهبا فيما يجب له من الدراهم بالحكم، على أن أسلفه النصف
الآخر في سلعة، فدخله ذهب بدراهم وسلعة إلى أجل، وذلك مما لا يجوز ولا يحل،
وقد مضى القول في هذه المسألة ونظائرها مستوفى في رسم أوله تسلف في المتاع
من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.
[راطل رجلا دنانير بذهب فذهب عني فوجد في
دنانيره دينارا مغشوشا]
ومن كتاب أوله حمل صبيا على دابته قال ابن القاسم: أرأيت إن راطلت رجلا
دنانير بذهب، فذهب عني فوجدت في دنانيره دينارا مغشوشا، هل تنتقض المراطلة
بيننا أو أرد الدينار وآخذ وزنه ذهبا؟ قال: بل ترد الدينار وتأخذ وزنه
ذهبا.
قال محمد بن رشد: يريد بقوله دنانير بذهب، أي دنانير بتبر ذهب،
(7/15)
فإذا وجد دينارا رديئا رد إليه زنته من
التبر ولم تنتقض المراطلة، ولو راطله دنانير بحلي ذهب فوجد في دنانيره
دينارا مغشوشا لانتقض الجميع، وكذلك لو راطله دنانير بدنانير مخالفة لها في
الوزن أو في الوزن والعين، فوجد فيها دينارا رديئا لانتقض جميع المراطلة؛
إذ لا يمكن أن يرد الدينار المغشوش ويأخذ وزنه من الدنانير الآخر، إذ لا
تنقسم ولا تتبعض، وهذا كله بين على معنى ما في المدونة وغيرها.
[يكون له على الرجل الدنانير القائمة]
ومن كتاب حبل حبلة وقال في الرجل يكون له على
الرجل الدنانير القائمة: إنه لا يصلح أن يتقاضى كسر دينار ذهبا
ويتقاضى بالبقية دراهم، مثل أن تكون له عشرة دنانير قائمة فيتقاضى منه تسعا
ونصفا ذهبا، ويتقاضى بالنصف دراهم، فهذا لا يحل ولا يصلح، وإنما يجوز هذا
في الدنانير المجموعة إذا كانت لك على رجل؛ لأنه يجوز لك أن تتقاضى منه
النصف والثلث والثلثين؛ لأن المجموعة مقطوعة، فكل ما كان لا يجوز لك أن
تأخذ منه مجموعا فلا يجوز لك أن تأخذ منه كسر ذهب ودراهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة وقد مضى القول فيها في رسم حلف بطلاق
امرأته من سماع ابن القاسم، ومضت أيضا في رسم صلى نهارا من السماع المذكور،
وفي أول سماع أشهب، فلا معنى لإعادة ذلك. ولما لم يجز أن يقتضي من القائمة
مجموعة أكثر من عددها، وكان إذا فعل ذلك قد باع القائمة بالمجموعة بزيادة
عدد المجموعة على عدد القائمة لفضل عينها، لم يجز أن يأخذ بالدينار القائم
نصفا ذهبا ونصفا
(7/16)
دراهم؛ لأنه إذا فعل ذلك كان قد باع
الدينار القائم الباقي له من العشرة بذهب وورق، فحرم ذلك ولم يجز.
[مسألة: كان له على رجل ألف دينار مجموعة]
مسألة قال: وإذا كان لك على رجل مجموعة فلا بأس أن تأخذ منه قائمة بعددها؛
لأن القائمة أوزن من المجموعة. قال: ولو كان له على رجل ألف دينار مجموعة،
فلا بأس أن يأخذ منها ألف دينار إلا دينارا قائمة، انظر أبدا إن لم تشك أن
عدد القائمة أكثر وزنا من عدد كيل المجموعة التي عليه، فلا بأس أن يأخذ من
عدد القائمة ما لا شك فيه أنه أكثر وزنا من المجموعة وإن اختلف العددان،
وإن كان بغير وزن، وقاله أصبغ كله، والوزن أجل وأحسن يدخل في الوزن ما دخل،
وإن كان أقل عددا فلا بأس به كما لو دخل فيه أكثر.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى منصوصة في المدونة فلا
وجه للقول فيها.
[مسألة: قاضى الرجل من الرجل يكون عليه الدينار
القيراط والقيراطين دراهم]
مسألة قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا بأس أن يتقاضى الرجل من الرجل يكون
عليه الدينار القيراط والقيراطين دراهم؛ لأنه جزء معلوم من الدينار.
(7/17)
قال محمد بن رشد: يريد أنه لا بأس أن يأخذ
الرجل من الرجل يكون له عليه الدينار صرف قيراط أو صرف قراطين دراهم، ويبقى
له عليه دينار إلا قيراطا وإلا قيراطين، ثم يجوز له أن يأخذ منه في بقية
ديناره دراهم أو عرضا أو طعاما، ولا يجوز له أن يأخذ منه بالباقي ذهبا،
قاله في المدونة. وهذا في الدينار القائم، وأما في الدينار المجموع فيجوز
له أن يأخذ منه ببعضه ذهبا وببقيته ورقا في مجلسين باتفاق، وفى مجلس واحد
على اختلاف، وقد مضى ذلك في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم.
[حكم بيع الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف]
ومن كتاب النسمة وسئل: عن الفلوس مراطلة وفي العدد اختلاف، قال: هذا حرام
لا يحل، ولا يجوز أحد هذا من أهل العلم؛ لأن جواز الفلوس بعيونها وإن كان
بعضها أثقل من بعض، فأحدهما يخاطر صاحبه، ولو جاز أن يباع الفلوس بالفلوس
مراطلة، لجاز أن تباع الفلوس مراطلة بالدراهم والدنانير ولا يدري ما يدخل
في عددها فهو غرر، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عن بيع الغرر» .
وسئل: عن الرجل يشتري رطل فلوس بدرهم أو رطل دراهم بدينار، لم لا يجيزه
مالك، بين لي. قال ابن القاسم: أما الفلوس فلا خير
(7/18)
فيه، وأما الورق فإن كان الرطل وزنا معروفا
بمنزلة هذه الحديدة التي قد ضربت وجعلت للناس معيارا في وزنهم، فلا بأس به،
وإن كانوا يعرفون ما يدخل فيه من دراهم ولم تجر معرفته بين الناس حتى تكون
مثل هذه الحديدة فلا خير فيه، وقاله أصبغ أيضا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة في المعنى مثل ما في المدونة، أما الفلوس
فإنما تجوز عددا وهو العرف، فالانتقال عن المعروف فيها من العدد إلى الوزن
لا يجوز؛ لأنه غرر؛ كما أن ما العرف فيه أن يباع وزنا من جميع الأشياء، فلا
يجوز أن يباع كيلا، وما العرف فيه أن يباع كيلا فلا يجوز أن يباع وزنا،
وهذا منصوص عليه في المدونة وغيرها، فلا تجوز المراطلة فيها ولا بيعها
بالوزن، وأما بيع الدراهم بالرطل، فكما قال: إن كان الرطل يعلم كم فيه من
درهم فهو جائز، وإلا لم يجز.
[مسألة: يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في
بعضها النحاس]
مسألة وسئل: عن الرجل يشتري السلعة بدراهم زيوف قد ظهر في بعضها النحاس، هل
ترى به بأسا إذا كانت معرفة البائع فيها كمعرفة المشتري ورضي بذلك؟ قال ابن
وهب: إن كانت زيوفا فليخبر الذي يريد أن يشتري بها أنها زيوف حتى يتقدم
البائع منهما على علم لأخذه إياها، وقد بلغنا ذلك عن عمر بن
(7/19)
الخطاب، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا كان
ممن يغر بها الناس مثل الصيارفة وغيرهم، فلا أرى ذلك، وإن كان ممن يريد
كسرها، فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: قول ابن وهب هذا خلاف قول مالك هنا وفي كتاب الصرف والصلح
من المدونة. وتحصيل القول في هذه المسألة: أن الدراهم أو الدنانير المغشوشة
بالنحاس، لا يحل لأحد أن يغش بها فيعطيها على أنها طيبة، ولا أن يبيعها ممن
يعلم أنه يغش بها، ويكره له أن يبيعها ممن لا يأمن أن يغش بها، مثل
الصيارفة وغيرهم من أشباههم. ويختلف هل يجوز له أن يبيعها ممن لا يدري ما
يصنع بها، فأجاز ذلك ابن وهب هنا، وروي إجازة ذلك عن جماعة من السلف، وعمر
بن الخطاب جاء عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الفضة بالفضة وزنا
بوزن، والذهب بالذهب وزنا بوزن، أيما رجل زافت عليه ورقه، فلا يخرج يخالف
الناس على أنها طيوب، ولكن ليقل من يبيعني بهذه الزيوف سحق ثوب رثيثا.
وكرهه ابن القاسم ورواه عن مالك هنا وفي المدونة، وإنما الذي أجاز ابن وهب
أن يباع ممن لا يدري ما يصنع بها ما كان فيه منفعة ويمكن الغش به لمن أراد،
قاله في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب السلطان، ويجوز أن تباع باتفاق
ممن يكسرها أو ممن يعلم أنه لا يغش بها، إلا على قياس قول سحنون في نوازله
من كتاب السلم، فإن باعها
(7/20)
ممن يخشى أن يغش بها لم يكن عليه إلا
الاستغفار، وإن باعها ممن يعلم أنه يغش بها، فواجب عليه أن يستصرفها منه إن
قدر على ذلك، وقد اختلف إذا لم يقدر على استصرافها فيما يجب عليه من التوبة
فيما بينه وبين خالقه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يجب عليه أن يتصدق بجميع
الثمن. والثاني: أنه لا يجب عليه أن يتصدق إلا بالزائد على قيمتها لو باعها
ممن لا يغش بها - إن كان يزيد فيها شيئا. والثالث: أنه لا يجب عليه أن
يتصدق بشيء منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للاختلاف، وقد مضى توجيه هذا
الاختلاف في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب.
[ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم
فضة]
ومن كتاب إن أمكنتني من حلق رأسك
وقال في رجل ابتاع سلعة بثلثي درهم ثم ذهب
فأتاه بدرهم ورد عليه بائع السلعة ثلث درهم فضة، قال: لا بأس به.
قلت: فلو كان أسلفه ثلثي درهم فأتى بدرهم فرد عليه المسلف ثلث درهم فضة،
قال: لا خير فيه.
قلت له: لم؟ قال: لأنه لو ابتدأ الشراء فاشترى بثلثي درهم وأخذ بثلثه فضة،
لم يكن له بأس؛ ولأنه لو أخذ منه قطعة فضة بثلثين وثلث درهم بغير كيل
افترقا أو كانا في مجلس واحد، لم يكن فيه خير، وهذا وجه ما سمعت.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة لو ابتدأ الشراء فاشترى بثلثي درهم
وأخذ بثلثه فضة، معناه: فاشترى بثلثي درهم فدفع درهما، وأخذ بثلثه فضة،
وتكلم في هذه المسألة على درهم قائم، فليست بخلاف لما في أول رسم سماع أشهب
في الرجل يكون له على الرجل عشرة دنانير مجموعة فيأتيه بها فيجدها تزيد
خروبة، أنه لا يجوز
(7/21)
أن يأخذها ويعطيه بالخروبة ذهبا، وكان
القياس والنظر في هذه المسألة ألا يجوز في البيع ولا في السلف، من أجل أنه
درهم قائم، فلا يجوز فيه ما يجوز في المجموع من أن يأخذه ويعطي بالزائد
فضة، إلا أنه استخف ذلك في البيع من أجل أنه درهم واحد قائم، وقد جوزوا له
أن يأخذ به للضرورة بنصفه طعاما، وبنصفه فضة، وقد مضى القول على هذه
المسألة في أول رسم من سماع أشهب، وأشرنا هناك إلى ما ذكرناه هاهنا من معنى
هذه المسألة، وبالله التوفيق.
[اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه]
ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته وقال في رجل
اشترى من رجل سلعة بثلثي دينار ثم أتاه بعد ذلك فاستسلفه دراهم فأسلفه،
ثم جاءه بدينار، فقال له: هل لك أن تأخذه في الثلثين ومالك علي من الدراهم؛
قال: لا بأس به؛ لأنه كان يجوز له أن يعطيه دينارا ويرد عليه دراهم فلا بأس
به. قال: ولو كان استسلفه دينارا فيه ثلثا دينار دراهم، ثم أتاه بدينار فيه
وبالثلثي الدينار والدراهم، لم يكن فيه خير؛ لأنه صار ذهبا وورقا بذهب.
قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان صحيحتان، أما المسألة الأولى فوجه جوازها
أنه قضاه وصرف؛ لأنه قضاه ثلثي الدينار وصارفه في ثلثه، لما كان له عليه من
الدراهم مصارفة ناجزة؛ لأن ما في الذمة على مذهب مالك كالعين الحاضرة،
بمنزلة ما لو دفع إليه الدينار قبل أن يستسلف منه الدراهم، فأخذ منه صرف
ثلثه كما قال. وأما المسألة الثانية فإنه أخذ بثلثي الدينار والدراهم
دينارا قائما، فدخله ذهب وورق بذهب كما قال؛ لأن للدينار القائم فضلا في
عينه على الناقص، ولو استسلف منه ثلثي دينار من ذهب مقطعة مجموعة لا يجوز
إلا بالوزن، ثم استسلف
(7/22)
منه دراهم فقضاه دينارا مقطعا مجموعا فيما
كان أسلفه من الذهب والدراهم لجاز، لسقوط التهمة في السلف بخلاف البيع،
والله أعلم.
[يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار]
من سماع يحيى بن يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة
قال يحيى بن يحيى: وسئل ابن القاسم: عن الذي
يقول أبيعك ثوبي هذا بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، وهذا
الثوب الآخر بنصف دينار من صرف عشرة دراهم بدينار، أيجوز هذا؟ وما يلزم
المشتري من الثمن في الثوبين؟ قال: أما الذي قال بعشرة دراهم من صرف
الدينار بعشرين، فله نصف دينار تحول الصرف كيفما حال. وأما الذي قال بنصف
دينار من صرف عشرة دراهم بدينار، فله خمسة دراهم تحول الصرف كيف حال، وذلك
أن الذي باع بعشرة دراهم من صرف عشرين درهما بدينار، إنما أوجب له ثوبه
بنصف دينار، إذ جعل العشرة التي باع بها من صرف عشرين بدينار. وأما الذي
باع بنصف دينار من صرف عشرة بدينار، فإنما أوجب ثوبه بنصف العشرة التي
جعلها صرف نصف دينار، وإنما يؤخذ في مثل هذا بالذي يقع به إيجاب البيع وإن
سمح الكلام.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة في المعنى وقد تقدمت والقول فيها في رسم
البيوع الأول من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته.
[صرف الفلوس بالتأخير]
ومن كتاب الأقضية قال: وسئل ابن نافع: عن صرف
الفلوس بالتأخير يعجل
(7/23)
الدينار والدراهم ويقبض الفلوس إلى أجل.
فقال: كان مالك يكره ذلك إذا صارت سكة تجري ثمنا للأشياء، ولست آخذ به ولا
أراه، وأنا أرى الفلوس عرضا من العروض، كالنحاس الذي لم يضرب فلوسا، ولا
أرى بأسا بما تأخذ منها ولا عده صرفا.
قال محمد بن رشد: قول ابن نافع هذا مثل رواية عبد الرحيم عن مالك في كتاب
القراض من المدونة، وإنما كره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المشهور عنه
التأخير في صرف الفلوس؛ لأن العلة عندهم في الربا في العين من الذهب
والورق، هو أنه ثمن للأشياء وقيم للمتلفات، فرأى على هذا القول هذه العلة
علة متعدية إلى الفلوس، لما كانت موجودة فيها إذا صارت سكة تجري بين الناس
يتبايعون بها ويقومون كثيرا من المتلفات بها، ورآها على رواية عبد الرحيم
عنه علة واقعة لا تتعدى إلى ما سوى الذهب والورق، ولكلا القولين وجه من
النظر، وبالله التوفيق.
[يكون له على الرجل الدينار فيعطيه دينارا
رديئا]
ومن سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب
قال أصبغ: وسئل ابن القاسم: عن الرجل يكون له على الرجل الدينار، فيعطيه
دينارا رديئا يغره به فيحتاج القابض إلى قطعه فيقطع منه فيجده رديئا. قال:
يرد مثله صحيحا في رداءته ويرجع بديناره، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا وروايته عن ابن القاسم أنه يرد دينارا رديئا
مثله صحيحا، لا يلتئم على المشهور في المذهب المعلوم
(7/24)
من قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن
الدينار المغشوش بالنحاس لا يجوز أن يباع ممن يغش به الناس؛ لأنه قد غر به،
فالواجب ألا يرده إليه لئلا يغر به غيره، وأن يكسر أو يباع ممن يكسره؛ فإذا
كان الواجب أن يكسر على الدافع أو يباع عليه ممن يكسره، ولا يترك له لئلا
يغر به؛ فالواجب أن يرده القابض إليه مقطوعا، ولا يكون عليه في قطعه شيء،
ولو استهلكه ثم علم بعد ذلك أنه مغشوش، لكان القياس أن يكون عليه فيه قيمته
على أن يباع ممن يقطعه. وقد قال سحنون في نوازله من كتاب السلم والآجال:
إنه يرد وزن ما كان فيه من الوزن والصفران علم ذلك؛ لأن من استهلك ما يوزن
فعليه فيه المثل، وإن لم يعلم وزن ما فيه من الوزن والصفر، كان عليه في
الورق قيمته من الذهب جزء من دينار يكون به شريكا معه فيه وفي الصفر قيمته
من الورق؛ لأن القيمة لا تكون إلا بالذهب والورق، وهو بعيد خارج عن القياس،
ويأتي على قياس قوله أن الحكم فيه أن يكسر على كل حال، ولا يحل أن يباع على
حال ولا ممن يكسره، وذلك خلاف الموجود من قولهم، وقد مضى تحصيل القول في
هذا المعنى في رسم النسمة من سماع عيسى، وبالله التوفيق.
[يشتري رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا
بدراهم]
ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس أن يشتري
رجلان من رجل دينارا بينهما جميعا يعني بدراهم، ويوكل أحدهما الآخر بقبضه،
وينقلب ويقبضه أحدهما، والذهب كلها والحلي والورق كذلك.
(7/25)
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه
المسألة مستوفى في رسم طلق من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادته.
[مسألة: يكون لرجلين على رجل نصفان لكل واحد
منهما نصف دينار]
مسألة قال: ولا بأس أن يكون لرجلين على رجل نصفان، لكل واحد منهما نصف
دينار فيقضيهما دينارا جميعا، ولا بأس أن يكون لرجلين على رجل ثلثا دينار،
لكل واحد منهما ثلث، فيأخذ من كل واحد منهما سدسا، سدسا، ويعطيهما دينارا
بينهما جميعا؛ لأنه إنما قضاهما ثلثيه وباعهما جميعا الثلث الآخر، ولا خير
في أن يكون لرجلين على رجل لأحدهما نصف دينار وللآخر ثلث دينار، فيأخذ من
الذي له الثلث سدس دينار ويعطيهما الدينار بينهما؛ لأنه الحول في الصرف؛
لأنه قضى هذا ثلثا وهذا نصفا، وباع السدس الآخر من هذا فأحاله به، فلا خير
فيه حتى يكون القضاء فيه كله والبيع فيه كله فيهما جميعا سواء.
قال محمد بن رشد: أجاز أن يكون لرجلين على رجل نصفان نصف لكل واحد منهما
فيقضيهما جميعا دينارا؛ لأنه على مراعاة ما ثبت لكل واحد منهما في ذمته
قضاء صرف فجاز، وإن قبض أحدهما الدينار لنفسه ولصاحبه بعد أن ذهب، وعلى
مراعاة ما يجب لكل واحد منهما عليه أن يقضيه مصارفة صرف؛ لأنهما أخذا منه
بما كان يجب لهما عليه من الدراهم دينارا ذهبا، فجاز أيضا إن قبضا الدينار
جميعا أو قبضه أحدهما بحضرة صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، وإن وكل أحدهما
صاحبه بقبضه فقام فذهب فقبضه بعد ذهابه على ما ذكرناه من الاختلاف في
المسألة التي قبل هذه حيث تكلمنا عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم،
وأجاز أيضا
(7/26)
أن يكون لرجلين على رجل ثلثا دينار، ثلث
لكل واحد منهما، فيأخذ من كل واحد منهما سدسا، سدسا، أي: صرف سدس سدس من
الدراهم، ويعطيهما دينارا بينهما جميعا؛ لأنه على مراعاة ما ثبت لكل واحد
منهما في ذمته قضاء في الثلثين وصرف في الثلث بينهما، فيجوز إن قبضا
الدينار جميعا أو قبضه أحدهما بحضرة صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، وبعد أن
فارقه على ما ذكرناه من الاختلاف فوق هذا في مسألة الرجلين يشتريان الدينار
بينهما، وعلى مراعاة ما يجب لكل واحد منهما عليه أن يقبضه مصارفة صرفا؛
لأنهما قبضا الدينار بينهما فيما وجب لهما عليه من الدراهم، وفيما دفعا
إليه من الدراهم أيضا، فجاز إن قبضا الدينار جميعا، أو قبضه أحدهما بأمر
صاحبه قبل أن يفارقه باتفاق، أو بعد أن فارقه على ما ذكرناه من الاختلاف،
لم يجز أن يكون لرجلين على رجل نصف لأحدهما وثلث للآخر، فيأخذ من الذي له
عليه ثلث سدس دينار دراهم ويعطيهما دينارا بينهما.
قال في الرواية: لأنه الحول في الصرف، وفي ذلك من قوله نظر؛ لأنه إنما يكون
حولا في الصرف، إذا قبض جميع الدينار الذي كان له منهما نصف دينار؛ ولأنه
حينئذ يكون قد أحال بسدس دينار الذي وجب له في الدراهم التي دفع على شريكه
الذي قبض جميع الدينار؛ وأما إذا قبضا الدينار جميعا، فإنما لم يجز من أجل
أنه لم يبين بالسدس الذي وجب له من الدينار في الدراهم التي دفع لبقاء يد
شريكه معه عليه؛ ولو قبض جميع الدينار الذي كان له ثلثه وصارف في سدسه،
لجاز ذلك على مذهب أشهب، ولم يجز على مذهب ابن القاسم؛ أصل هذا الدينار
يكون بين الرجلين فيصرف أحدهما نصفه من أجنبي، فلا يجوز ذلك عند ابن
القاسم، وإن قبض جميع الدينار إذا لم يبين بنصيبه منه، من أجل الشركة التي
فيه للشريك، ويجوز عند أشهب إن قبض جميع الدينار؛ لأنه قد ناجز من صارفه إذ
لم يبق بينه وبينه شرك، ولا يضر عند شركته في الدينار مع الأجنبي إذا قبض
جميع الدينار، وبالله التوفيق.
(7/27)
[مسألة: يكون
لرجل على رجلين على واحد منهما نصف وعلى الآخر ثلث]
مسألة ولا بأس أن يكون لرجل على رجلين على واحد منهما نصف، وعلى الآخر ثلث،
فيعطي أحدهما سدسا ويأخذ منه دينارا، يكون ما بقي من الدينار سلفا منه
لصاحبه وقضاء عنه.
قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا لأنه قد انفصل بالدينار إذا اشترى سدسه وخلص
له، ولا شركة ولا تباعة لأحد عليه فيه، ويرجع الذي دفع الدينار بنصفه على
صاحبه؛ لأنه سلف منه له أداه عنه، وبالله التوفيق.
[مسألة: راطل ذهبا بذهب فرجحت إحدى الذهبين]
مسألة وسألت ابن القاسم: عمن راطل ذهبا بذهب فرجحت إحدى الذهبين، أيجعل مع
الناقصة دينارا أو اثنين؟ أو راطل دنانير بدنانير فرجحت، أيجعل في الناقصة
تبرا؟ فهل ذلك سواء في الوجهين جميعا؟ وما قليل ما يجوز أن يجعل مع قليله
وكثيره؟
قال: إذا كان التبر الذي تراطلا به واحدا، فلا بأس أن يزيد من نقص تبره مع
تبره دنانير، يعدلها به قل ما يزيد من الدنانير أو كثر، وإنما يكره هذا أن
يكون أحد الذهبين أجود من الآخر، فيجعل الدنانير مع الرديئة من التبر،
فيكون حينئذ هذا الذي جعل الدينار قد أخذ فضول دنانيره في فضل تبر صاحبه
على تبره؛ وكذلك الدنانير يراطل بها فينقص إحداهما، لا بأس أن يزيد مع
الناقصة ما شاء من التبر، قل أو كثر يعدلها به إذا كانت عيون
(7/28)
الدنانير واحدة، فإن كانت النقص من
الدنانير أفضل من الأخرى، لم يصلح أيضا أن يجعل التبر مع الجيدة من العين
فيأخذ صاحبها فضل عيونها بما ألقي معها من التبر، فإن كان تبرا منفردا في
إحدى الكفتين ليس معه غيرها، وفي الأخرى دنانير فلا بأس بذلك، كان التبر
أفضل من تبر العيون، أو كان مثله إذا كان تبرا واحدا. وقال أصبغ مثله.
وسئل: عن الرجلين يراطلان يخرج أحدهما عشرة عتقاء ويخرج الآخر خمسة عتقاء،
وخمسة هاشمية، قال: ليس بهذا بأس.
قال محمد بن رشد: هذا كله صحيح على ما في المدونة، جائز أن يراطل الرجل
ذهبا بذهبين إذا كانت الذهب أدنى من الذهبين جميعا، أو أفضل منهما جميعا،
أو مثل إحداهما؛ وذهب سحنون إلى أنه لا يجوز مراطلة ذهب بذهبين كانت أدنى
منهما أو أفضل منهما جميعا، أو مثل أحدهما للذريعة، قياسا على ما قال مالك
في المدونة من أنه لا يجوز مد قمح ومد شعير بمد قمح ومد شعير وإن استوى ذلك
للذريعة.
وأما إذا كانت الذهب التي راطل بها الذهبين أفضل من إحداهما ودون الأخرى،
فلا تجوز المراطلة باتفاق؛ لأن صاحب الذهبين لم يرض أن يراطله بذهبه التي
هي أطيب من ذهبه لولا ما دخل معها من الذهب التي هي دون ذهبه، وأما إذا
راطل ذهبا بذهب فذلك جائز باتفاق، وإن كانت إحدى الذهبين أفضل من الذهب
الأخرى من وجه، وأدنى منها من وجه آخر، مثل أن يراطله بتبر ذهب أحمر طيب
بحلي ذهب مصوغ، أو دنانير مضروبة تبرها دون تبر الذهب الإبريز؛ وإن كان قد
علم أن صاحب التبر الإبريز لم
(7/29)
يكن يرضي أن يراطله بتبره الجيدة إلى تبره
التي هي دونها في الجودة لولا صياغتها أو سكتها؛ لأن الصياغة والسكة في
المراطلة ملغاة. ورد ابن حبيب مسألة المبادلة في الطعامين بالطعام إلى
مسألة المراطلة، فأجاز ذلك إذا كان الفضل من جهة واحدة، خلاف ما ذهب إليه
سحنون من رده مسألة المراطلة في ذلك إلى مسألة المبادلة، وكان الشيوخ
يختلفون في مراطلة الذهب الخالص بالذهب التي ليست بخالصة، كالمراطلة
بالعبادية والعبادية بالنصفية ونحو ذلك، فمنهم من كان يجيز ذلك قياسا على
قول أشهب في إجازته مبايعة الدراهم الستوق الزيوف بالدراهم الجياد وزنا
بوزن، ومنهم من كان لا يجيز ذلك لما فيه من التفاضل بين الذهبين، ويقول:
إنما معنى قول أشهب في اليسير من الدراهم قياسا على ما أجازوا من بذل
الوازن بالناقص في العدد اليسير من الدنانير على وجه المعروف، وهو الصحيح
من الأقوال والله أعلم.
وقد كان شيخنا أبو جعفر بن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا تجوز مراطلة
الذهب العبادية بالذهب العبادية، ولا النصفية بالنصفية؛ لأنها ذهب وفضة
بذهب وفضة، أو ذهب ونحاس بذهب ونحاس. وذلك إغراق لا أقول به، بل أرى ذلك
جائزا؛ لأن الفضة التي مع هذه كالفضة التي مع هذه، والنحاس التي مع هذه،
كالنحاس التي مع هذه، فلا يُتْقَى في هذا ما يُتْقَى من ذهب وفضة منفصلين
بذهب وفضة منفصلين؛ لأنه لم يكن يراطله الذهب بالذهب، لولا ما أضاف إليها
من الفضة.
(7/30)
[مسألة: اشترى
من رجل ثوبا بثلثي دينار ونصف قيراط]
مسألة قال أصبغ: سمعت أشهب، وسئل: عن الرجل اشترى من رجل ثوبا بثلثي دينار
ونصف قيراط، فدفع إليه قطعة فيها ثلثا دينار، وأعطاه بالنصف قيراطا ورقا.
قال: لا بأس بذلك فيما دون الدينار، وما دون الدينار فهو مجموع.
قال محمد بن رشد: أجاز هذا هاهنا واستثقله في رسم البيوع الثاني بعد هذا،
وقوله وما دون الدينار فهو مجموع، يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: أن يكون
إنما قال فيه بأنه مجموع، إذ العرف في البلدان أن الناس يتبايعون فيما دون
الدينار من الذهب بذهب مجموع موزون، والثاني: أن يكون أراد أن له حكم
المجموع في جواز أن يأخذ ببعضه ذهبا، وبما نقص ورقا وإن لم يكن مجموعا،
فالإجازة هاهنا على التأويل الأول بينة لا معنى للاستثقال فيه؛ لأن من له
ذهب مجموعة فجاز له إذا اقتضاها أن يأخذ بما نقص من حقه دراهم أو ورقا، أو
ما شاء من العروض.
وقول أصبغ فيما يأتي في رسم البيوع: وما كان دون الدينار فهو مجموع وبمنزلة
المجموع، كلام غير محصل، إذ لا يصح أن يكون مجموعا وبمنزلة المجموع، إما أن
يكون مجموعا على أحد التأويلين، أو غير مجموع على التأويل الثاني، وقد مضي
بيانهما، وتفسير الحكم فيهما، والكراهة في رسم البيوع الثاني بعد هذا على
التأويل الثاني؛ لأن الواجب له عليه أعني على التأويل الثاني صرفه من
الدراهم، فإذا أخذ في الدراهم الواجبة له عليه ذهبا وورقا في مجلس واحد وجب
أن لا يجوز، ولو كان ذلك في مجلسين لجاز، مثل أن يأتيه فيأخذ منه درهما أو
درهمين من ورق، ثم ينصرف عنه ويأتيه في مجلس آخر فيأخذ منه بقية
(7/31)
دراهمه ذهبا، ولو أخذ منه في مجلس واحد بعض
ما له عليه من الدراهم وبقيتها ذهبا لجاز، وإنما استثقل على هذا التأويل أن
يأخذ منه فيما دون المثقال ذهبا وبقيراط ورقا، ولم يقل إن ذلك لا يجوز؛
لأنه استخفه ليسارة القيراط، ورأى التهمة في ذلك عنه مرتفعة لقلته.
[مسألة: اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا فدفع إليه
الدينار وأخذ عنه الثمن]
مسألة قيل له: فرجل اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا، فدفع إليه الدينار وأخذ
عنه الثمن. قال: لا بأس بذلك، قيل له: فرجل اشترى بدينار إلا درهما أو
درهمين، فدفع إليه الدينار وأخذ الدرهم أو الدرهمين، قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: هاتان المسألتان من قول أشهب مخالفتان لقوله في المدونة،
ولقول ابن القاسم فيها وروايته عن مالك، وخارجة عن الأصول؛ لأنه ذهب بسلعة
ودراهم إلى أجل في المسألتين جميعا، ولا أعلم من يجيز ذلك في المذهب إلا
ابن عبد الحكم في أحد قوليه، والفساد في المسألة الأولى أشد؛ لأنه إذا
اشترى ثوبا بدينار إلا ثمنا، فإنما وقع شراؤه بسبعة أثمان دينار، يجب عليه
صرفها من الدراهم، فصار البائع قد اشترى من المبتاع الدينار الذي أخذ منه
بالدراهم
(7/32)
التي وجبت عليه، وبدراهم يزيده إياها إلى
أجل، فهو صرف خارج عن البيع تأخر فيه بعض النقد، فيجب إذا وقع هذا أن يفسخ
الصرف وينفذ البيع، إلا أن يكون باع منه السلعة بدينار إلا ثمنا على أن
يدفع إليه دينارا ويؤخر صرف الثمن، فيفسخ البيع والصرف. وأما الذي اشترى
السلعة بدينار إلا درهما أو إلا درهمين، فالمعنى في ذلك أنه اشترى السلعة
ودرهما أو درهمين بدينار، فيجوز عند ابن القاسم إذا تعجلت السلعة أن يتأخر
الدينار والدرهم أو الدرهمان إلى أجل واحد، ولا يجوز عنده أن يتعجل الدينار
والدرهم أو الدرهمين وتتأخر السلعة؛ ويجوز ذلك عند أشهب، ولا يجوز عند واحد
منهما أن يتأخر الدينار عن الدرهم، ويجوز ذلك عند ابن عبد الحكم في أحد
قوليه. ويحتمل أن يكون إنما تكلم على أن البيع وقع بينهما على النقد ثم
أخره بالدرهم أو الدرهمين على غير شرط كان في أصل عقد البيع فأجاز ذلك
مراعاة للخلاف، كما أجاز في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم البدل في
ذلك مراعاة للخلاف، وبالله التوفيق.
[اشترى ثوبا بنصف دينار فدخل في النصف دينار
خمسة عشر درهما]
ومن كتاب الوصايا والأقضيات قال أصبغ: سمعت ابن وهب: وسئل: عن رجل اشترى
ثوبا بنصف دينار، فدخل في النصف دينار خمسة عشر درهما، ودفع إليه فيه دراهم
وباعه مرابحة وانتقض الصرف. قال: إن كان نقده فيه دراهم فله عدد الدراهم،
وإن كان أعطاه دينارا فصرفه فأخذ نصفا
(7/33)
ورد على المشتري نصفا، فله نصف دينار بالغا
ما بلغ. قيل له: فإنه نقد فيه دراهم خمسة عشر درهما، ثم باع مرابحة وقد
انتقض الصرف ولم يبين، قال: لو كان درهما واحدا بدينار إذا فات الثوب، فله
ما نقد الخمسة عشر درهما، وإن كان الثوب لم يفت فهم على رأس أمرهم.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه باع على ما عقد عليه من الذهب
ولم يبين ما نقد فيه من الدراهم، وقوله وإن كان نقد فيه يريد المشتري الذي
اشترى مرابحة دراهم فله عدد الدراهم، وإن كان أعطاه دينارا فصرفه وأخذ نصفا
ورد على المشتري نصفا فله نصف دينار بالغا ما بلغ، يريد: إذا كانت السلعة
قائمة لم تفت صحيح؛ لأن الواجب فيها إذا كانت قائمة لم تفت، رد البيع إذا
لم يرضه المبتاع؛ فإذا رد رجع بما دفع.
وأما قوله إنه إذا باع على ما عقد عليه من الذهب ولم يبين ما نقد فيه من
الدراهم وقد حال الصرف بنقصان، أن له إذا فات الثوب ما نقد الخمسة عشر
درهما- ولو كان الصرف قد حال إلى درهم واحد- بعيد في النظر، خارج عن
الأصول، خلاف لما في المدونة والواضحة وغيرهما من الدواوين، فهو من الغلط
الذي لا يعصم منه البشر، وإنما يكون له إذا فات الثوب ما نقد إذا حال الصرف
بزيادة، فكان ما نقد خيرا للمشتري، وقد نص في المدونة على ذلك فقال: إن
الثوب إذا فات يصرف له الربح على ما نقد إذا كان خيرا للمشتري، إذ لا يصح
أن يلزم المشتري إذا فات الثوب ما نقد البائع فيه إذا كان ذلك أكثر مما
اشترى عليه ورضي به إلا باختياره، وإنما الحكم في ذلك أن يكون عليه قيمة
الثوب، إلا أن يكون أكثر مما نقد البائع فيه فلا يزاد عليه، أو يكون أقل
(7/34)
مما اشترى عليه ورضي به فلا ينقص منه على
حكم من باع سلعة بثمن ما مرابحة، ثم جاء بعد أن فات أنه اشتراها بأكثر من
ذلك. وقد قال ابن دحون على إتباع ظاهر هذه الرواية أن الحكم فيها حكم من
ابتاع سلعة بعشرة وصبغها بعشرة وباعها مرابحة بعشرين: إن المشتري يخير في
القيام ويمضي بالثمن في الفوات، وهو غلط بين، إذ لا شبه بينها وبينها،
فالحكم في هذه المسألة: إذا اشترى الرجل سلعة بنصف دينار فقد صرفه خمسة
عشرة درهما، ثم باعها مرابحة على أن شراءها نصف دينار، ولم يبين ما نقد فيه
من الدراهم، أن ينظر إلى صرف النصف الدينار من الدراهم يوم باعها مرابحة،
فإن كان أقل من خمسة عشر درهما والسلعة قائمة، خير المشتري بين أن يأخذها
على أن شراءها خمسة عشر درهما أو يتركها، إلا أن يشاء البائع أن يسلمها له
على ما باعها عليه من أن شراءها نصف مثقال، وإن كانت السلعة قد فاتت ولم
يرض المشتري أن يربحه على ما فقد فتكون عليه القيمة، إلا أن تكون أكثر من
الخمسة عشر درهما وربحها، فلا يزاد البائع على ذلك، أو يكون أقل من صرف
الدينار يوم اشتراها مرابحة، والربح على ذلك فلا ينقص من ذلك؛ لأنه قد رضي
به، وإن كان صرف نصف الدينار يوم اشترى المشتري مرابحة أكثر من الخمسة عشر
درهما التي نقد البائع فيها والسلعة قائمة، خير البائع بين أن يسلمها له
بالخمسة عشر درهما التي نقد فيها أو يأخذ سلعة، إلا أن يرضى المبتاع بأخذها
على ما اشتراها عليه من أن شراءها نصف دينار، فيؤدي صرفه بالغا ما بلغ، وما
يجب لذلك من الربح؛ وإن كانت السلعة قد فاتت، فهنا قال في المدونة وغيرها:
إنه يكون على المبتاع الخمسة عشر درهما التي نقد البائع فيها، وقد كان
القياس أن يكون في ذلك القيمة معتبرة أيضا بالأقل والأكثر، إلا أنهم لم
يقولوا ذلك. وقوله في الرواية: وباعه مرابحة وانتقض الصرف، معناه: وباعه
مرابحة بعد أن انتقض الصرف على أن شراء نصف دينار ولم يبين ما نقد فيه،
وعلى هذا أتى جوابه في المسألة، والله أعلم.
(7/35)
[اشترى ثوبا أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا]
ومن كتاب البيوع الثاني وسئل: عمن اشترى ثوبا
أو سلعة باثنين وعشرين قيراطا، فأعطاه دينارا فيه أحد وعشرون قيراطا
وأعطاه القيراط ورقا. قال: إنه لثقيل، قال أصبغ: لا بأس به فيما دون
الدينار، وما كان دون الدينار فهو مجموع وبمنزلة المجموع، فلا بأس به في
المجموع أن يعطي بعضها ذهبا وما نقص ورقا، وكذلك ما زاد على الدينار؛ قيل
لابن القاسم: فلو أعطاه دينارا فيه الاثنان والعشرون قيراطا، قال: لا بأس
بذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة مستوفى قبل هذا في رسم
البيع والصرف فلا معنى لإعادته.
[مسألة: يشتري الدراهم بدينار ثم يبيعها في
مقامه قبل أن يقبضها وقبل أن يستوفيها]
مسألة وسئل ابن القاسم: عن الرجل يشتري الدراهم بدينار، ثم يبيعها في مقامه
قبل أن يقبضها وقبل أن يستوفيها. قال: لا بأس بذلك إذا قبضها هو ودفعها إلى
مشتريها منه. فأما أن يقول له قبل أن يقبضها ادفعها إليه فلا خير فيه، قال
أصبغ: ولو باعها المصرف نفسه من الصراف نفسه قبل أن يقبضها بما يجوز له
بيعه، لم يكن به بأس.
قال محمد بن رشد: قوله إنه لا يجوز أن يبيع الدراهم الواجبة له من صرف
الدنانير قبل قبضها إلا أن يقبضها هو فيدفعها إلى المشتري، صحيح على مذهبه
في أن الحوالة في الصرف لا تجوز وإن قبض المحال من المحال عليه قبل مفارقة
الذي أحاله، خلاف قول سحنون؛ وقد مضى
(7/36)
ذلك في آخر رسم القبلة من سماع ابن القاسم،
ويأتي على قول سحنون في إجازة الحوالة في الصرف إذا قبض المحال من المحال
عليه قبل مفارقة الذي أحاله، أن يجوز أن يبيع الدراهم التي وجبت له على
الصراف من الصرف من غير الصراف فيحيله على الصراف ويقبضها منه بحضرته؛ وأما
بيعه إياها من الصراف نفسه قبل أن يقبضها منه، فذلك جائز على ما قال، إذا
باعها منه بما يجوز له به بيعها منه، وهو يجوز له أن يبيعها منه بما شاء من
العروض يدا بيد، وبما شاء من الورق والدراهم مراطلة، وقد مضى في رسم شك ما
يجوز له أن يبيعها به منه من الذهب مما لا يجوز، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: كل ما لم يكن عند الناس تسمية درهم فلا
بأس بالقطع منه]
مسألة قال ابن القاسم: كل ما لم يكن عند الناس تسمية درهم، فلا أرى بأسا
بالقطع منه. يريد: أنه لا بأس أن يقطع، يريد كل ما لم يكن منه مدورا، قال
أصبغ: فيكره الصرف والبيع مخافة أن يئول إلى الصرف المتأخر باستحقاق السلعة
بعد قبضها منه وقد جرى الصرف في الجميع فجرى الصرف في البيع والبيع في
الصرف، ومكروه البيع مع النكاح أن يئول ذريعة إلى أن يكون الفرج أبيح بلا
صداق، ويكون الثمن كله للسلعة وقدرها، ويبقى الفرج مرهونا بلا صداق وإن صح
مرة فهو ذريعة ردا عنه، والنهي لجميع العام والخاص مخافة الذرائع؛ وأما
الشركة والبيع فهو شركة بإفضال ونقصان، والشركة لا تجوز إلا باعتدال، وأما
القراض والبيع فهو قراض بزيادة، وكذلك المساقاة وهي في أكثر النسخ.
(7/37)
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في
هذه المسألة في رسم تأخير صلاة العشاء في الحرس من سماع ابن القاسم وغيره،
فلا معنى لإعادته.
[كان له على رجل نصف دينار إلى أجل فدفع إليه
الذي له الحق نصف دينار دراهم]
من سماع أبي زيد بن أبي الغمر
قال أبو زيد: سئل ابن القاسم: عن رجل كان له على رجل نصف دينار إلى أجل،
فدفع إليه الذي له الحق نصف دينار دراهم، وأخذ منه دينارا قبل الأجل. قال:
لا خير فيه، قيل له: فإن أعطاه عرضا بالنصف وهو لا يساوي إلا الثلث أو
نصفا، قال مالك: لا أرى به بأسا. وكرهه ابن القاسم.
قال محمد بن رشد: لم يجز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يأخذ منه دينارا قبل
الأجل على أن يعطيه بالنصف دراهم، وأجاز أن يأخذه منه قبل الأجل على أن
يعطيه بالنصف عرضا، وساوى ابن القاسم بينهما فلم يجز ذلك في العرض ولا في
الدراهم، وهو القياس، وإياه اختار ابن المواز؛ لأن تعجيل نصف الدينار سلف
فلا يجوز أن يقارنه بيع، كما لا يجوز أن يقارنه صرف، ولابن القاسم فيما
يأتي في هذا السماع مثل قول مالك، فإنما أجاز ذلك مالك وابن القاسم في أحد
قوليه في البيع؛ لأنهما استخفاه فيه لقلته، ولم يستخفاه في الصرف؛ لأنه
أضيق من البيع؛ ألا ترى أن البيع والسلف إذا ترك الذي اشترط السلف أو رده
على الاختلاف في ذلك، جاز البيع، والسلف يفسخ باتفاق، ولا يجوز في قول قائل
أن يمضي الصرف وإن رضي مشترط السلف بتركه.
[مسألة: أعطى صرافا دينارا قائما وأخذ دينارا
بحبة وقطعة ذهب فيها حبة عينا بعين]
مسألة وسئل: عن رجل أعطى صرافا دينارا قائما وأخذ دينارا بحبة
(7/38)
وقطعة ذهب فيها حبة عينا بعين، قال: لا بأس
به. قيل له: فإن أعطاه ثلاثة دنانير قائمة ودينارا بخروبة، فأخذ أربعة بحبة
حبة وازنة بها. قال: إذا لم يكن في عين الدينار الذي بخروبة فضل عن الذي
أخذ أن لو كان الذي بخروبة قائما، لكان له فضل في عينه على الدينار التي
أخذ لو كانت قائمة فلا بأس.
قال محمد بن رشد: أما الذي راطل دينارا قائما بدينار بحبة وقطعة ذهب فيها
حبة، فذلك جائز كما قال، وإن كانت قطعة الذهب أفضل تبرا من المثقال القائم،
أو الدينار الذي بحبة أدنى منه، أو قطعة الذهب أدنى، والدينار الذي بحبة
أفضل؛ لأن الحبة يسيرة، إنما دخلت في المراطلة ليعدل بها الميزان، ولتحصل
بها المماثلة، فلا يتهمان في ذلك. وأما الذي راطل ثلاثة دينار قائمة
ودينارا بخروبة، فأخذ بها أربعة بحبة حبة موازنة بها، فإنه أجاز ذلك بشرط
لا يستقيم أراه وهما، وذلك أن الدينار القائمة أفضل لا شك من الدنانير التي
بحبة حبة، فلا يجوز أن تدخل مع الدنانير القائمة في مراطلته بها الدنانير
التي بحبة حبة، إلا ما يكون مثل الدنانير التي بحبة حبة أو أفضل منها،
ليكون الفضل من جهة واحدة؛ وأما إن دخل معها ما يكون دون الدنانير التي
بحبة حبة، فلا تجوز المراطلة؛ لأنه حينئذ يكون قد أخذ فضل دنانيره القائمة
على دنانير صاحبه التي بحبة حبة بما أدخل معها مما هو دون دنانير صاحبه
التي بحبة حبة؛ فكان يجب على هذا أن يقول: إن ذلك جائز إذا لم يكن في عين
الدينار الذي بخروبة نقصان عن الذي أخذ أن لو كان الذي بخروبة قائما، لكان
له نقصان في عينه ... إلى آخر قوله، وأن يقول: إن ذلك جائز إذا كان في عين
(7/39)
الدينار الذي بخروبة فضل إلى آخر قوله
فتستقيم المسألة. وأما قوله إذا لم يكن في عين الدينار الذي بخروبه فضل إلى
آخر قوله، فلا يستقيم ولا يصح، وقد خفف ذلك محمد بن المواز في ظاهر قوله.
وتحصيل القول في هذه المسألة أن النقصان من أوزان الدنانير حبة حبة، أو
خروبة خروبة إن كان لا يعيبها فلا ينقص من قيمتها إلا ما نقص من وزنها وكان
يعيبها عيبا متساويا، فلا ينقص من قيمة الناقص خروبة إلا ما ينقص من قيمة
الناقص حبة، فالمراطلة فيها جائزة؛ لأن النقصان إن كان لا يعيبها، فلا
تفاضل في المراطلة بها وإن كان يعيبها عيبا متساويا بالتفاضل في المراطلة
من ناحية واحدة. وأما إن كان عيب الناقص منها خروبة أكثر من عيب الناقص
منها حبة فالمراطلة فيها غير جائزة؛ لأن صاحب الدنانير الثلاثة القائمة أخذ
فضل دنانيره القائمة على دنانير صاحبه الناقصة حبة حبة بما جعل معها من
الدينار الناقص خروبة.
[مسألة: يأتي بدنانير جعفرية ولعيونها فضل
فيصارف بها دنانير مثاقيل]
مسألة وسئل: عن رجل يأتي بدنانير جعفرية ولعيونها فضل، فيصارف بها دنانير
مثاقيل ويجعل مع الدنانير الجعفرية قراضة حتى يعتدل الميزان فيأخذ ويعطي،
قال: إن كان صاحب الدنانير الجعفرية إنما جعل القراضة فيها ليعتدل بها فضل
عيون دنانيره فلا خير فيه، وإن كان إنما جعل القراضة فيها ليعتدل بها عين
الميزان، فلا بأس به مثل الثمن والسدس أو الثلث فلا بأس به. قيل له: فإن
كان في القراضة دينار، قال: لا خير فيه ولا في أن يجعل في الجعفرية دينارا
قبيحا.
(7/40)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في
المعنى لا يسع الخلاف فيها وتحديده في مقدار ما يستخف في ذلك مما يقصد به
إلى تعديل الوزنة إلى اعتدال إدراك الفضل: الثمن والسدس والثلث، إنما معناه
في مقدار ما يستخف فيه ذلك مما يقع فيه المراطلة من عدد الدنانير على قدر
قلتها وكثرتها، فلا يستخف في الدينار الواحد إلا الحبة ونحوها، كما مضى في
المسألة التي فوق هذه؛ والعشرة دنانير ونحوها يمكن أن يستخف فيها الحبتان
والثلاث والثمن في مثل العشرين والثلاثين، والسدس في مثل الخمسين والستين،
والثلث في مثل المائة والمائتين؛ وأما المثقال فهو كثير في نهاية ما يحمل
في موازين الأذهاب المعروفة من الأوزان.
[مسألة: صرف من رجل دينارا بدراهم فوجد الصراف
قد سرق من وزنها]
مسألة وسئل: عمن صرف من رجل دينارا بدراهم فذهب بوزنها فوجد الصراف قد سرق
من وزنها أو غلط، فأراد أن يتجاوز النقصان مخافة أن ينتقض الصرف. قال: ليس
ذلك له، قيل له: ولا الشيء اليسير، قال: لا. وقال: قد كان قبل ذلك يقول إذا
كان الشيء اليسير قدر الدانق أو نصف الدانق، فلا بأس أن يتجوزه ولا ينتقض
الصرف.
قال محمد بن رشد: قوله وقد كان يقول قبل ذلك إذا كان الشيء اليسير قدر
الدانق أو نصف دانق فلا بأس أن يتجوزه ولا ينتقض الصرف، وليس باختلاف من
قول ابن القاسم، وإنما يرجع ذلك إلى أن ما كان مما يمكن أن يختلف فيه
الموازين، فجائز أن يتجاوزه ولا ينتقض الصرف، وما كان مما لا يمكن أن تختلف
فيه الموازين فلا يجوز أن يتجاوزه، ولا
(7/41)
ينتقض الصرف. فقوله أولا ولا الشيء اليسير،
معناه: ولا الشيء اليسير الذي تتفق الموازين على نقصانه. وقوله آخرا إذا
كان الشيء اليسير قدر الدانق ونصف الدانق، معناه: فيما كان من العدد يمكن
أن تختلف فيه الموازين، وقد قاله أصبغ في الدرهم من الألف، وذلك أن
الموازين قد تختلف على هذا المقدار؛ وأشهب يرى أن الصرف يجوز ولا ينتقض إذا
تجاوز النقصان وإن كثر؛ وأما إذا أراد أن يرجع بالنقصان فيأخذه، فلا يجوز
إلا على مذهب من أجاز البدل في الصرف، فهذا هو الحكم فيما تأخر من الصرف
بغير قصد إلى ذلك بعد وقوعه على المناجزة؛ ولو علم بالغلط أو النقصان قبل
أن يفارقه أو استحق منها شيئا قبل أن يفارقه، لجاز أن يأخذ النقصان، ولا
ينتقض الصرف عند ابن القاسم، وقال أشهب: يلزمه ذلك.
وأما إن كانت دراهم بأعيانها فلا يلزمه ذلك إلا أن يشاء، فإن لم يرد أن
يعطيه ما نقص أو استحق، انتقض الصرف، وقد مضى في آخر رسم القبلة من سماع
ابن القاسم القول على الصرف إذا انعقد على المناجزة، ثم أخر أحدهما صاحبه
بشيء منه، وإذا انعقد على أن يتأخر منه شيء، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: ان لي على رجل ثمانية قراريط فقضاني
منها دراهم فوجدت درهما منها زائفا]
مسألة قال ابن القاسم: لو كان لي على رجل ثمانية قراريط فقضاني منها دراهم،
فوجدت درهما منها زائفا، أينتقض قيراط من الثمانية ولا تنتقض القراريط
كلها، وإن كان درهمين زائفين انتقض قيراطان.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة إذا كان إنما أخذ بالثمانية قراريط
ثمانية دراهم، وأما لو أخذ بالثمانية قراريط أقل منها، أو أكثر من الدراهم
الوازنة بسبعة أو تسعة، فوجد فيها درهما زائفا لانتقض من
(7/42)
القراريط ما يجب للزائف؛ هذا إن كانت
القراريط مجموعة مقطوعة تجري بالوزن، وأما إن كانت صحاحا لا تقطع، فلا سبيل
إلا إلى انتقاض الصرف كله، إذ لا يتبعض درهم من الدراهم أيضا، وقد مضى بيان
هذا في رسم نقدها ورسم العرية من سماع عيسى، وبالله التوفيق.
[مسألة: كان لي على رجل عشرة دراهم فأعطاني بها
عشر خراريب ذهب قراضة]
مسألة وقال: لو كان لي على رجل عشرة دراهم، فأعطاني بها عشر خراريب ذهب
قراضة، فوجدت فيها قيراطا من ذلك التبر نحاسا أو رديئا، انتقض درهم واحد
فقط، ولم ينتقض الدراهم كلها.
قال محمد بن رشد: وهذا بين على ما قال لا فرق بين أن يصارف دنانير وازنة
بدراهم مقطوعة أو تبر فضة، وبين أن يصارف دراهم وازنة بتبر ذهب أو دنانير
مقطوعة مجموعة في أنه إذا وجد في صرف الدنانير الوازنة درهما رديئا انتقض
صرف دينار، إلا أن يكون الذي وجد رديئا أكثر من صرف دينار، فينتقض صرف
دينارين كذا أبدا، وفي أنه إذا وجد في صرف الدراهم الوازنة خروبة من التبر
رديئا انتقض صرف درهم، إلا أن يكون الذي وجد رديئا من التبر أكثر من صرف
درهم، فينتقض صرف درهمين كذا أبدا. وأما إذا صرف دنانير وازنة بدراهم وازنة
لا تنقسم على عدد الدنانير إلا بكسر، فوجد في شيء من الدنانير أو الدراهم
زائفا، فإن الصرف كله ينتقض على ما مضى القول فيه قبل هذا في الموضع
المذكور فيه.
[مسألة: القراريط التي يتبايع الناس أربع
وعشرون قيراطا بدينار]
مسألة قال ابن القاسم: كلمنا مالكا في القراريط التي يتبايع الناس
(7/43)
أربع وعشرون قيراطا بدينار، فكرهه، وقال:
لا أعرف هذا ولم يرخص لنا فيه، قال ابن القاسم: لا أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: معناه في القراريط التي تضرب من الذهب كل قيراط من ثلاث
حبات، فتكون زنة المثقال أربعة وعشرين قيراطا، فيعطي الرجل المثقال ويأخذ
أربعة وعشرين قيراطا معدودة بغير مراطلة، فكره ذلك مالك، إذ لا يخلو من أن
يزيد في وزنها على المثقال أو ينقص منه؛ لأن الشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق
زاد أو نقص؛ فقول مالك في كراهية ذلك هو القياس، لا سيما والصرافون يزعمون
أن الدراهم إذا وزنت مفرقة ثم جمعت نقصت، فيكون صاحب القراريط إنما ترك فضل
عدد قراريطه بفضل عين الدينار الوازن، وما يرجو من زيادة وزنه على وزن
قراريطه، وأجازه ابن القاسم استحسانا على وجه المعروف في الدينار الواحد،
كما أجازوا مبادلة الدينار الناقص بالوزن على وجه المعروف.
[مسألة: يكون له علي ثلاثة أرباع الدينار فأدفع
إليه دينارا فيه ثلثا دينار]
مسألة وقال في رجل يكون له علي ثلاثة أرباع الدينار فأدفع إليه دينارا فيه
ثلثا دينار، وأدفع إليه قيراطين من ذهب، قال: أرجو أن يكون خفيفا وما هو
بالبين.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة في الجواز لا إشكال فيها؛ لأنه قبض ذهبا
من ذهب ترتبت له في ذمتك، فإن كانت مجموعة فقبض مجموعا من مجموع، وإن كانت
قائمة غير مجموعة فقبض ذهبا من دراهم يجب له عليك في الثلاثة الأرباع التي
لا تقدر على أن تقضيه إياها ذهبا.
(7/44)
[مسألة: يصرف
دينار من رجلين فيذهب أحدهما وتخلف الآخر على أخذ الدينار]
مسألة وقال: لا بأس بصرف دينار من رجلين فيذهب أحدهما وتخلف الآخر على أخذ
الدينار.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم طلق من سماع
ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وقد تقدمت أيضا في رسم البيع والصرف من سماع
أصبغ.
[مسألة: كان لرجل علي نصف دينار ولآخر علي ثلث
دينار]
مسألة قال: ولو كان لرجل علي نصف دينار، ولآخر علي ثلث دينار، فأردت أن آخذ
من الذي له علي الثلث دينار سدس دينار، وأدفع الدينار إليهما، لم يكن فيه
خير.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها في رسم البيع والصرف من
سماع أصبغ فلا معنى لإعادته.
[مسألة: رجل له على رجل نصف دينار فأعطاه قراضة
فيها نصف دينار]
مسألة وسئل: عن رجل له على رجل نصف دينار، فأعطاه قراضة فيها نصف دينار،
قال: أرجو أن يكون خفيفا.
قال محمد بن رشد: لا معنى لقوله في هذه أرجو؛ لأن الجواز فيها بين لا شبهة
فيه ولا لبس؛ لأنه قضاه مجموعا عن مجموع أو عن دراهم يجب عليه في النصف إن
كان غير مجموع.
(7/45)
[مسألة: كان له
على رجل دينار فأعطاه قراضة فيها دينار إلا قيراط]
مسألة قيل له: فكان له على رجل دينار فأعطاه قراضة فيها دينار إلا قيراط،
قال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز هذا؛ لأنه قضاه مجموعا عن قائم أقل وزنا،
فاغتفر له زيادة الوزن وفضل العين لفضل العدد، وهذا على ما في المدونة
وغيرها لا اختلاف فيه.
[مسألة: رجل كان لي عليه دينار فجئت لأقتضيه
فدفع إلي عشرة دراهم]
مسألة وقال في رجل كان لي عليه دينار فجئت لأقتضيه، فدفع إلي عشرة دراهم،
ثم جئت من الغد فقلت له: انظر كيف الصرف فقاضني بعشرة وادفع إلي ما بقي.
قال: لا بأس به إذا كان أنفق العشرة وصارت دينا عليه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا أنفق العشرة وصارت دينا عليه، جاز
أن يقاضه بالعشرة ويأخذ منه تمام صرف الدينار؛ لأن ما في الذمة كالعين
الحاضرة، فقد أخذ منه في الدينار الذي كان له عليه عشرين درهما عشرة يقبضها
من نفسه لنفسه، وعشرة يأخذها منه؛ وكذلك كان يجوز له إذا أنفق العشرة وصارت
دينا عليه أن يقاضه بها من نصف دينار ويتبعه بالنصف الآخر؛ لأنه كان يجوز
له أن يأخذ منه صرف نصفه ويبقى له عليه باقي ديناره، إلا أنه فعل ذلك فلا
يجوز له أن يأخذ باقيه ذهبا.
ولا يجوز له أن يحاسبه بالعشرة قبل أن ينفقها وتصير دينا عليه وهي في بيته
حتى يحضرها؛ وقد أدخل ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر ووصل بقوله وصارت
دينا عليه - المسألة التي تأتي بعد هذا، فقال: ولو كان قبضها على وجه
القضاء من غير صرف ثم علم مكروه ذلك فأراد أن يأخذ ما بقي ويحاسبه،
(7/46)
فلا خير فيه وليرد الدراهم. قال: ولو فسخ
الأمر بينهما حتى تصير الدراهم دينا عليه، جاز أن يصارفه مكانه ويحاسبه
بها، وإن لم يردها وزاد فقال وهذا إذا كان الفسخ قد ثبت بقضاء فجعلهما
مسألتين، ورأى أنه لا يصدق في أنه قد أنفقها إذا كان قبضها على وجه القضاء
من غير صرف، بخلاف إذا قبضها على غير وجه القضاء، وليس بين الموضعين فرق
بين، بل كان أحرى أن يصدق أنه قد أنفقها إذا قبضها على وجه الاقتضاء، ولم
يقبضها على وجه الأمانة، وفي تراضيهما بالفسخ دون حكم حاكم اختلاف، وقد مضى
في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم.
[مسألة: اشترى حليا كثيرا ذهبا وأسورة وخلاخل
وغير ذلك في صفقة واحدة بدراهم]
مسألة وقال فيمن اشترى حليا كثيرا ذهبا وأسورة وخلاخل وغير ذلك في صفقة
واحدة بدراهم، فوجد فيها درهما زائفا، قال: يفسخ البيع كله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أنه إذا اشترى
أصنافا من الحلي في صفقة واحدة، فوجد في الدراهم درهما زائفا، أن البيع
يفسخ كله؛ لأن ما ينوب الدرهم الزائف شائع في جميع الحلي، ولا يصح أن ينصرف
إلى شيء بعينه منه فينتقض دون غيره إلا مع تراضيهما على ذلك، لاختلاف
الأغراض في ذلك، فيئول الأمر إلى التأخير في الصرف، ولو كان الحلي المشترى
بالدراهم أعدادا من صنف واحد، فوجد في الدراهم درهم زائف لانتقض الجميع
أيضا، إلا أن تستوي كاستواء الدنانير حتى لا تختلف الأغراض فيه فيفسخ منه
شيء
(7/47)
واحد على معنى ما قد ذكرناه في رسم استأذن
من سماع عيسى، وما يأتي في هذا السماع أيضا في الذي يشتري خلاخل وأسورة
فيجد في خلخال منها مسمار رصاص.
[مسألة: قال لرجل كيف تبيع الصرف قال أربعة
وعشرون رطلا بدينار قائم]
مسألة وسئل: عن رجل قال لرجل كيف تبيع الصرف؟ قال: أربعة وعشرون رطلا
بدينار قائم، قال: زن لي بدينار فوزن ما عنده فلم يجد عنده إلا اثنين
وعشرين رطلا أو عشرين رطلا، فأعطاه دينارا ينقص قيراطين بحقه. قال: ما
يعجبني ولو وجد فيه ثلاثة عشر رطلا أو عشرين رطلا، فأعطاه بها دينارا، ينقص
سدسا أو دينارا فيه ثلثان لم يكن به بأس.
قال محمد بن رشد: ذكر ابن المواز مسألة الصرف في كتابه وقال في قوله لا
يعجبني: هو عندي خفيف؛ لأنه من اشترى وزنا من شيء بعينه فلم يجد ذلك فيه،
لم يجب على البائع أن يأتي بتمامه، ووجبت فيه المحاسبة؛ وكذلك قال فضل ليس
لكراهيتها معنى، ومعنى الكراهية في ذلك عندي- هو أنه يأتي على مراعاة ما
ثبت في الذمة من الذهب اقتضاء مجموع بالميزان من قائم لا ميزان فيه، وأما
على مراعاة ما يوجبه الحكم من الواجب له صرف ما يجب لما وجد من الصرف من
الذهب، فذلك جائز لا مغمز فيه لأنه وجبت له عليه دراهم حالة فأخذ بها ذهبا.
وأما تفرقته بين أن يجد في الصرف اثنين وعشرين رطلا، وبين أن يجد فيه ستة
عشر رطلا أو عشرين، فلا وجه له بوجه، وإنما هو اختلاف من القول على ما
ذكرناه من مراعاة ما ثبت في الذمة من الذهب أو ما يوجبه الحكم من صرفه من
الدراهم، قال ذلك مالك والله أعلم- في موطنين، فوجد
(7/48)
المؤلف القولين فظنهما قولا واحدا بافتراق
الوجهين يجمع بينهما على هذا، والله أعلم.
[مسألة: يكون له عليه نصف دينار إلى أجل فيدفع
دينارا قبل الأجل]
مسألة وسئل: عن الرجل يكون له عليه نصف دينار إلى أجل فيدفع دينارا قبل
الأجل إلى صاحبه ويأخذ بالنصف الباقي منه ثوبه، قال: لا بأس به، وهو قول
مالك.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم خلاف قوله في أول السماع، وقد مضى
هناك القول على المسألة فلا معنى لإعادته.
[مسألة: قال لرجل أسلفني نصف دينار قال له خذ
هذا الدينار فاصرفه]
مسألة وقال في رجل قال لرجل أسلفني نصف دينار، قال له خذ هذا الدينار
فاصرفه فخذ نصفه وائتني بنصفه، قال: أخشى أن لا يكون عليه إلا مثل تلك
الدراهم التي أخذ، وإن كان قال خذ هذا الدينار فخذ نصفه وائتني بالنصف فله
عليه نصف عين.
قار! محمد بن رشد: ذكر ابن المواز أن أبا زيد قال: لا يعجبني قوله: أخشى،
ولا يكون له عليه إلا مثل تلك الدراهم التي أخذ؛ لأنه لو تلف الدينار لم
يلزمه فيه شيء لقوله صرفه، وليس اعتراض أبي زيد على ابن القاسم -عندي-
بصحيح، والمعنى الذي قال ابن القاسم من أجله أخشى ذلك ولم يحققه، لم يهتد
إليه أبو زيد، وذلك أن قوله صرفه يحتمل أن يكون أراد صرفه لي فخذ نصفه
وائتني بنصفه، فيكون الضمان في الدينار إن تلف من الدافع، ويكون على
المستسلف الدراهم التي قبض في نصف الدينار. ويحتمل أن يكون أراد بقوله صرفه
أي صرفه بيننا إذ قد
(7/49)
أسلفتك نصفه على ما سألتني فخذ نصفه وجئني
بنصفه، فيكون الضمان منهما جميعا في الدينار إن تلف قبل التصريف، ويكون على
الذي سأل السلف نصف الدينار الذي قبض سلفا لا الدراهم؛ فلما لم يكن أحد
الاحتمالين أظهر من صاحبه عند ابن القاسم، قال: أخشى ولم يحقق الجواب فيما
يجب على المستسلف؛ وكذلك لو سئل عن الضمان لتوقف فيه أيضا للاحتمال، كما
توقف فيما يجب على المستسلف، والحكم في ذلك إذا لم يغلب أحد الاحتمالين على
الآخر أن يسأل المسلف عما أراد من الوجهين، فيصدق في ذلك، قيل: مع يمينه،
وقيل: بدون يمين، على اختلافهم في لحوق يمين التهمة، إذ لا يمكن المستسلف
أن يدعى على ما نواه، فيجري الحكم على ذلك في الضمان وفيما يجب له في
السلف، وإن قال: لم تكن لي نية لم يحكم له بالضمان، وحكمنا له في السلف
بالأقل من الدراهم التي قبض في صرف نصف الدينار، أو الأقل من صرفه يوم
القضاء، ولو بين في حين الدفع أنه إنما أسلفه نصف الدينار بأن يقول خذ هذا
الدينار قد أسلفتك نصفه فصرفه واقبض نصفه وجئني بنصفه، أو بأن يقول: خذ هذا
الدينار، فخذ نصفه وجئني بنصفه، لجرى الحكم على ما بين في الضمان وفيما يرد
من السلف ولم يكن فيه اختلاف؛ وكذلك لو بين في حين الدفع أنه إنما أسلفه
نصف الدراهم بأن يقول: خذ هذا الدينار فصرفه لي وخذ النصف وجئني بالنصف،
لجرى الحكم على ما بين أيضا في الضمان وما يرد في السلف، ولم يكن فيه
اختلاف أيضا، وبالله التوفيق.
[مسألة: كان له علي نصف دينار بحبتين فدفع إليه
دينارا بحبة]
مسألة وسئل: عن رجل كان له علي نصف دينار بحبتين، فدفعت
(7/50)
إليه دينارا بحبة، فقلت: له في دينار فضل
فانظرْ كَمْ هو وصرفه فخذ نصف دينار ورد إلي ما بقي، قال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم سلف في المتاع والحيوان من سماع ابن القاسم
القول مستوفى في الرجل إذا كان له على الرجل نصف دينار فأعطاه دينارا
ليصرفه ويأخذ نصفه، فأغنى ذلك عن التكلم في هذه، إذ لا فرق بينها وبينها في
المعنى، والله الموفق.
[مسألة: اشترى سلعة بنصف درهم فدفع درهما فيه
ثلثان وأخذ دانق فلوس]
مسألة وسئل: عن رجل اشترى سلعة بنصف درهم فدفع درهما فيه ثلثان وأخذ دانق
فلوس، قال: ما أحب أن أتكلم في هذا، وأبى أن يرخصه، ورأيته في معنى قوله
كأنه لا يجيزه، وقال: ما أحب أن أتكلم في مثل هذا فأضيق على الناس.
قلت له: أرأيت إن كان لرجل علي درهم كيل من سلعة اشتريتها منه فدفعت إليه
درهما فيه درهم كيل ودانق فأخذت بالدانق منه فلوسا، قال: هذا بين أخبث عندي
من الأول، وقال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: أما المسألة الأولى فالمكروه فيها خفيف والإجازة فيها
أظهر؛ لأنه قضاه نصف الدرهم للذي كان عليه، وأخذ منه بالزائد فلوسا، فوجب
أن يكون ذلك جائزا؛ ووجه المكروه في ذلك أن الأمر آل بينهما إلى بيع سلعة
وفلوس بثلثي درهم السلعة معجلة، والفلوس والدراهم مؤخرة، وذلك خفيف في
الفلوس، إذ قد أجيز بيعها بالدنانير والدراهم نظرة.
وأما المسألة الثانية فالمكروه فيها بين ظاهر؛ لأنه فضة بفضة وفلوس إن كان
الدرهم الكيل الذي له عليه درهما قائما، وإن لم يكن قائما وكان مجموعا
فالإجازة فيها أظهر؛ لأنه قضاه ما كان له عليه وأخذ منه في الزائد فلوسا.
(7/51)
[مسألة: يتكارى
بدينارين إلا ثلثا دابة بعينها يركبها إلى مكان]
مسألة وعن الرجل يتكارى بدينارين إلا ثلثا دابة بعينها يركبها إلى مكان،
فأعطاه صاحب الدابة ثلث دينار دراهم، وأخذ الدينارين ساعتئذ، قال: لا بأس
به ولا يؤخر الدينارين إذا صارفه.
قلت: أرأيت إن ركب الدابة فماتت في بعض الطريق، كيف يرجع وقد صارفه
الدينارين؟ قال: أرأيت لو بعتك عبدا بعشرين دينارا إلا ثلثا، فأعطيتك ثلثا
دراهم وأخذت منك عشرين دينارا، ثم وجدت بالعبد عيبا، كيف ترجع؟ قال: أعطيه
العبد والدراهم وآخذ الدنانير. قال: فهكذا يرجع المتكاري. قال ابن القاسم:
يرد الكري الدينارين ويأخذ الدراهم ثم يرجع عليه بكراء ما ركب بحساب ما
تكارى.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم القول في
إجازة هذا الكراء على القول بإجازته، والاختلاف في ذلك، فلا معنى لإعادته.
وقوله هاهنا: إن الدابة إذا ماتت ببعض الطريق يرد الكري الدينارين ويأخذ
الدراهم، ثم يرجع عليه بكراء ما ركبه بحساب ما تكارى؛ كلام ملتبس يفتقر إلى
البيان والتفسير، ووجه العمل في ذلك إذا ماتت الدابة ببعض الطريق، أن يقوم
الركوب فيضاف إليه الدراهم، ثم ينظر ما يقع قيمة ما بقي من الركوب من جميع
ذلك، فيرجع بقدره من الدينارين على المكري صاحب الدابة؛ وتفسير ذلك: أن
يقوم الركوب ويعرف كم قيمته، فإن كان في التمثيل خمسة عشر
(7/52)
درهما والدراهم التي أخذ المكتري في الثلث
ثلاثة دراهم، فالجميع ثمانية عشر درهما، ثم ينظر إلى قيمة ما بقي من الركوب
فيسمى من الثمانية عشر درهما، فما كان من الأجزاء ثلثا أو ربعا أو أقل من
ذلك أو أكثر، رجع به في المثقالين على الكري.
[مسألة: يشتري الدراهم ألفا بكذا وكذا فيوزن له
الألف ثم يريد أن يوزن ألف أخرى]
مسألة وقال في الرجل يشتري الدراهم ألفا بكذا وكذا، فيوزن له الألف ثم يريد
أن يوزن ألف أخرى بعد ذلك، أو ألفان، ثم يرجع إليه جميع دنانيره والدنانير
معه وهو جالس يزن له. فكره ذلك إلا أن يقضيه كلما وزن له ألفا صرفها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه يكره إذا صرف منه ألفا فوزنها أن يقول
له زن لي ألفا أخرى قبل أن يزن له صرف الأولى وإن كان ذلك كله بالحضرة لما
فيه من التراخي، ولو صرف منه ألفين فوزن له ألفا ثم وزن له الألف الأخرى
قبل أن يزن صرف الألف الأولى لم يكره ذلك، والله أعلم.
[مسألة: النقري تكون من الفضة فيشتريها وزنا
على أن فيها مائة درهم بعشرة دنانير]
مسألة وسئل: عن النقرى تكون من الفضة فيشتريها وزنا على أن فيها مائة درهم
بعشرة دنانير، ولا يسمى لكل دينار شيئا، أو يسمى لكل دينار عشرة دراهم أو
أحب أن يشتريها جزافا ولا
(7/53)
يعرف لها وزنا ثم يجد في النقرة مسمار
نحاس. قال: ينتقض في ذلك صرف دينار ذلك كله سواء..
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأنه إن
اشتراها على أنها مائة درهم بعشرة دنانير، فقد علم أن لكل دينار عشرة
دراهم، فسواء ذكر ذلك أو سكت عنه في حكم ما يوجد فيها من النحاس؛ وأما إن
اشتراها كلها جزافا بكذا وكذا، أو ما بلغت إن كانت سواء كل كذا وكذا درهم
بدينار، فذلك جائز وهو سواء أيضا في حكم ما يوجد فيها من النحاس؛ لأن الفض
يكون فيها إذا اشتراها كلها بكذا وكذا على الوزن لا على القيمة. وأما إن لم
تكن متساوية فلا يجوز أن يشتريها ما بلغت كل كذا وكذا درهم بدينار، فإن
اشتراها كلها بكذا وكذا وهي مختلفة، ثم وجد في بعضها نحاسا انتقض الكل، ولو
وجد من الدراهم درهمين أيضا، انتقض من كل نقرة بحسابه بخلاف الحلي المختلف
حسبما ذكرناه في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى.
[مسألة: النقرة تشترى جزافا ثم يوجد فيها مسمار
نحاس]
مسألة وسئل: عن النقرة تشترى جزافا ثم يوجد فيها مسمار نحاس، قال: إن كان
الذي وجد أقل من دينار، انتقض صرف دينار وليس ينتقض أقل من دينار، كيف يكون
ذلك؟ أيكون شريكا بعشرة دنانير؟ قال: لا، ولكن ينتقض صرف دينار، وإذا كان
(7/54)
اشترى جزافا فهو صرف، سمى الصرف أو لم
يسمه.
قال محمد بن رشد: وهذا أيضا بين على ما تقدم، لا وجه للقول فيه ولا كلام.
[مسألة: الخلاخيل والأسورة الكثيرة يشترين
جزافا]
مسألة قلت له: فالحلي الكثير الخلاخيل والأسورة الكثيرة يشترين جزافا، ثم
يوجد في خلخال منها مسمار نحاس، قال: ليس هو بمنزلة النقرة، ينتقض منه أكثر
مما ينتقض من النقرة.
قلت: وما تفسير ينتقض منه أكثر مما ينتقض من النقرة؟ قال: ينتقض ما في
الخلخالين بما فيهما.
قال محمد بن رشد: قوله الخلاخيل والأسورة يريد الخلاخيل أو الأسورة؛ لأنه
إن اشترى الخلاخيل والأسورة معا، ثم وجد في شيء منها نحاسا، فلا بد من
انتقاض الجميع، وإنما ينتقض ما في الخلخالين بما فيهما، ولا ينتقض الكل إن
كانت الخلاخيل كلها متساوية كالدنانير لا تختلف الأغراض فيها. وأما إن كانت
مختلفة فينتقض الجميع على ما مضى في رسم استأذن من سماع عيسى.
[مسألة: يكون له على الرجل دينار فيتقاضاه]
مسألة وقال في رجل يكون له على الرجل دينار فيتقاضاه فيعطيه عشرة دراهم على
وجه القضاء على غير صرف، ثم يعلم بمكروه ذلك، فيريد أن يحاسبه ويأخذ منه
بقية ديناره، قال: لا خير فيه
(7/55)
ولكن يرد الدراهم؛ قيل: لا يجد دراهم
يردها، قال: إذا فسخ الأمر بينهم الذي صنعاه حتى تكون له العشرة قبله دينا،
فلا بأس أن يصارفه ساعتئذ ويحاسبه بها وإن لم يقبضها.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة قبل هذا في هذا السماع والقول فيها،
فلا معنى لإعادة ذلك.
[مسألة: يشتري نصف النقرة ويقبضها كلها أيكون
قد قبض صرفه]
مسألة وسئل: عن الرجل يشتري نصف النقرة ويقبضها كلها، أيكون قد قبض صرفه؟
قال: لا خير فيه. وكذلك الذي يشتري نصف الدينار بدراهم ويقبض الدينار كله،
قال: لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا جائز عند أشهب في النقرة والدينار، قاله في المدونة
وغيرها أنه يتناجز مع مصارفه، وتبقى الشركة بينه وبين من لم يصارفه؛ وأما
إذا كانت النقرة أو الدينار لرجل، فلا يجوز أن يبيع بعضها من غير شريكه وإن
قبضها كلها عندهما جميعا، لبقاء الشركة بينه وبين مصارفه فيما وقعت فيه
المصارفة بينهما.
[مسألة: اشترى تبرا أو قراضة أو سبيكة بدراهم]
مسألة ومن اشترى تبرا أو قراضة أو سبيكة بدراهم، فوجد في الدراهم درهما
زائفا رد من ذلك بقدر ما يصيب الدرهم، ينظر إلى الذهب فيقسم على عدة
الدراهم ثم يرد بقدر ما أصاب الدرهم.
(7/56)
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، لا
خلاف فيه ولا موضع للقول، وبالله التوفيق.
[مسألة: اشترى ذهبا يعني التبر والقراضة والذهب
وزنا بدراهم]
مسألة ومن اشترى ذهبا يعني التبر والقراضة والذهب وزنا بدراهم إذا كانت
الدراهم تعدو- الذهب، توزن مجموعة كانت أو غير مجموعة ثم وجد في الدراهم
درهما زائفا انتقض منها وزن دينار.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، إذ لا يجوز أن يشترى التبر والقراضة
والذهب المسكوك في صفقة واحدة وَزْنًا بدراهم دون أن يعلم وزن كل صنف من
ذلك على حدته، فالمعنى في المسألة أنه أراد فيها بقوله يعني التبر والقراضة
والذهب، أي يعني التبر أو القراضة أو الذهب.
وقوله إنه إذا وجد فيها درهما زائفا انتقض منها وزن دينار، إنما يعود على
شراء الذهب المسكوك وحده بالدراهم. وأما إذا اشترى تبرا أو قراضة بدراهم
فوجد فيها درهما زائفا فإنما ينتقض من التبر أو القراضة ما يجب للدرهم لا
أكثر، وهذا ما لا إشكال فيه.
[مسألة: اشترى خلخالين أو سوارين يعني المصوغ
من ذلك وما أشبهه بدراهم]
مسألة ومن اشترى خلخالين أو سوارين يعني المصوغ من ذلك وما أشبهه بدراهم،
فوجد في الدراهم درهما زائفا، انتقض ذلك كله أوله وآخره.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن ما ينوب الدرهم
شائع في الجميع، فلا بد بمن انتقاضه كله، وقد مضى ذلك في غير ما موضع.
(7/57)
[مسألة: دفع
إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين فمطله فاسترد دراهمه]
مسألة وسئل: عمن دفع إلى صائغ عشرين درهما يعمل له بها سوارين، فمطله
فاسترد دراهمه، فقال: ما عندي ولكن خذ عشرة وَأَنْظِرْنِي بالعشرة الأخرى
شهرا ففعل، فلم يجد عنده إلا ثمانية دراهم، فأعطاه بالدرهمين الباقيين تبرا
قليلا. قال: إن كان بعد الإيجاب وكان ذلك صلحا، وجب ومضى حتى لو أراد أن
يرجع فيه لم يكن له، فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في رسم نقدها من
سماع عيسى فلا معنى لإعادته.
[مسألة: يشتري من الرجل دنانير بدنانير مراطلة
فنقصت إحدى الذهبين]
مسألة وعن الرجل يشتري من الرجل دنانير بدنانير مراطلة، فنقصت إحدى
الذهبين، قال ابن القاسم: إنما كره مالك من ذلك أن يجعل قراضة أو ذهبا هي
أدنى من النقص مع التبر الجيد ليتخير بها ما زاد الجياد في وجوهها؛ فأما لو
أن رجلا أتى بمائة دينار عين سليمانية، وأتى الآخر بخمسين أو ستين كوفية
مقطعة ليست في عيون العتق، فجعلت معها ذهب قراضة أو ذهبا ليس بجيد، وراطل
بها العتق الجياد لم يكن بذلك بأس. وأما الذي لا يجيزه مالك، أن يأتي رجل
بمائة دينار عتق سليمانية، يجعل معها قراضة أو ذهبا ليس بجيد، ويأتي آخر
بعشرين ومائة دينار كوفية مقطعة وتجعل مع العتق الجياد عشرين قراضة أو تبرا
(7/58)
من تبر العمل، ليس ذلك عند الناس في نفاقه
وجودته كالذهب النقص الكوفية، وإنما أدخلها معها الفضل عيون العتق فلا خير
فيه، وهذا تفسير قول مالك.
وسئل: عن الرجل يراطل التبر بالتبر مع أحد التبرين دنانير؟ قال ابن القاسم:
إن كان التبران سواء فلا بأس به، وإن كانت الدنانير مع أوضعهما تبرا فلا
خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، ومضى تحصيل القول فيها في رسم
البيع والصرف من سماع أصبغ، وفي أول هذا السماع أيضا وفي غيره من المواضع.
[مسألة: يشتري الرجل بدرهم كيل فتجمع له قطع]
مسألة وقال: لا بأس أن يشتري الرجل بدرهم كيل فتجمع له قطع، ولقد كنت
أكرهه؛ لأنه لا يكون درهما مجموعا، فأجزته لما رأيت من حاجة الناس إليه.
قال محمد بن رشد: كره لمن اشترى بدرهم كيل ولم يشترط قائما أن يقضي مقطعا
بالميزان وخشي أن يكون البائع قد اقتضى مجموعا من قائم فترك فضل العين
لزيادة العدد، ثم خففه إذ لم يشترط قائما ولا كان العرف أن من باع بدرهم
إنما يبيع بقائم، ولو
(7/59)
اشترط قائما لم يجز أن يأخذ مقطعا مجموعا
باتفاق، ولو اشترط مقطوعا أو كان العرف بذلك صحيحا لجاز باتفاق، والله
أعلم.
[مسألة: يشتري دراهم وثوبا بدينار ثم يجد درهما
زائفا]
مسألة وسئل: عن الذي يشتري دراهم وثوبا بدينار، ثم يجد درهما زائفا؟ قال:
ينتقض البيع والصرف.
قال محمد بن رشد: قوله دراهم وثوبا، ظاهره ثلاثة دراهم فأكثر، فليس ذلك
بخلاف لما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من إجازته البدل لمن
اشترى ثوبا بدينار إلا درهمين، فوجد أحد الدرهمين زائفا، وقد مضى القول على
ذلك هناك.
[مسألة: يبتاع دراهم عددا]
مسألة وسئل: عن رجل ابتاع دراهم عددا، قال: لا خير فيه إلا أن لا يختلف
وزنها، قال: فإن كانت كذلك، فلا بأس به. قيل له: فإن كانت الدراهم في بلد
لا ميزان فيه، أترى أن تباع عددا؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إن الدراهم لا تباع عددا إلا أن لا
يختلف وزنها، فإن كانت يختلف وزنها لم يجز أن تباع عددا وإن كان ذلك في بلد
لا ميزان فيه؛ لأن ذلك غرر، وقد «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر» .
(7/60)
[مسألة: رجل
كان له على رجل دينار فقضاه نصفين وازنين]
مسألة وسئل: عن رجل كان له على رجل دينار فقضاه نصفين وازنين، قال: لا خير
فيه إلا أن يكون للدينار جريان معيار عنده.
قال محمد بن رشد: يعني بقوله جريان أن يكون للدينار عنده وزن معلوم فيأخذ
نصفين وازنين بمثل وزنهما أو أفضل من وزنهما، فيكون إذا فعل ذلك قد أخذ
أكثر عددا أو أكثر وزنا أو مثل وزنه، فجاز لكون الفضل من جهة واحدة؛ ومعنى
ذلك إذا لم يكن لعين الدينار فضل على عين النصفين الوازنين، وأما إن كان له
فضل في العين على عين النصفين، فلا يجوز؛ لأنه ترك فضل العين لزيادة العدد،
أو لزيادة العدد والوزن إن كان أكثر وزنا من زنة الدينار الذي كان له، وفي
آخر رسم القبلة من سماع ابن القاسم بيان هذا، فتدبره وقف عليه.
[مسألة: دفع إلى رجل تبرا يبيعه له ودفع إليه
آخر دنانير يشتري له بها تبرا]
مسألة وسئل: عن رجل دفع إلى رجل تبرا يبيعه له ودفع إليه آخر دنانير يشتري
له بها تبرا، فأراد أن يشتري لهذا ويبيع لهذا من نفسه، فذهب إلى الصراف
فاشترى بالدنانير دراهم ثم باع التبر من نفسه بتلك الدراهم من ذلك الصراف
الذي اشترى منه الدراهم بدنانير، قال: لا يصلح، ولا يصلح أيضا أن يعطيك رجل
تبرا تبيعه له ويعطيك آخر دنانير تشتري له بها تبرا تشتري لهذا من نفسك،
وتبيع لهذا من نفسك، إلا أن تحضر دراهم صاحب الدينار عند صاحب التبر، فيقول
له أخذ هذه الدراهم بهذا التبر.
(7/61)
قال محمد بن رشد: قوله بتلك الدراهم من ذلك
الصراف، يريد بتلك الدراهم الذي أخذ من ذلك الصراف؛ لأنه إنما تكلم على أنه
اشترى التبر من نفسه للذي أمره أن يشتري له تبرا، فاشترى تبر هذا لهذا
بدراهمه التي باع بها ذهبه ولم يحضر واحد منهما فلم يجز ذلك ابن القاسم
هاهنا حتى يحضر أحدهما، وحكى ذلك ابن المواز عنه أيضا، وله في رسم إن خرجت
من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات إجازة ذلك، وهو قول مالك في كتاب
ابن المواز، وحكى عنه أنه قال: جائز أن يدفع إليك رجل دنانير وآخر دراهم
للصرف، فتصرف لهذا من هذا؛ وقد أجاز مالك في أحد قوليه حسبما ذكرناه في رسم
البيوع من سماع أشهب لمن وكل على الصرف أن يصرف له من نفسه وهو أشد من هذا.
قال ابن دحون: وإنما كرهه لأن الصرف يحتاج إلى دافع ومدفوع إليه هاء وهاء،
وليس في هذا إلا واحد هو الدافع وهو المدفوع إليه، فخرج عن حد هاء، وهاء،
وليست هذه عندي بعلة صحيحة؛ لأن المعنى في هاء وهاء، إنما هو المناجزة وإن
لم يكن دفع ولا قبض، ألا ترى أنه يجوز أن يتقاضى الرجلان بالدنانير
والدراهم إذا حلت وإن لم يكن في ذلك دفع ولا قبض ولا دافع ولا مدفوع إليه،
وهاهنا قبض ودفع ودافع ومدفوع إليه؛ لأنه وكيل لكل واحد منهما فقبض لهذا
ودفع عن هذا، إذ يرى الوكيل كيد موكله، وقد أجازوا أن يخرج الرجل وليته من
نفسه فيكون هو الزوج وهو الولي مع قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا
نكاح إلا بولي» .
وإنما المعنى في كراهة ذلك عندي أن كل واحد منهما إنما وكله على أن يبذل له
مجهوده في المكايسة، وأن يفعل له في ذلك ما يفعل لنفسه، فإذا صرف
(7/62)
من هذا لهذا، فقد ترك المكايسة التي أرادها
كل واحد منهم منه وتوخى السداد فيما بينهما، فصار هذا معنى يشبه أن يكون
لكل واحد منهما الخيار في فعله، كما إذا صرف لأحدهما من نفسه، وبالله
التوفيق.
[مسألة: أسلف رجلا درهما فيه نصف فجاء الذي
تسلف بدرهم فأعطاه إياه]
مسألة وسئل: عن رجل أسلف رجلا درهما فيه نصف، فجاء الذي تسلف بدرهم فأعطاه
إياه، وقال له فيه نصف قضاء لك فاعطني بالنصف الباقي تمرا، قال: لا خير
فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد تكلمنا عليها في رسم سلف من سماع ابن
القاسم، وذكرنا أنها تتخرج على قولين، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك.
[مسألة: كان له على رجل دينار فطلبه فقال ما
عندي إلا ثلاثة أرباع دينار قراضة]
مسألة وسئل: عن رجل كان له على رجل دينار، فجاءه يتقاضاه، فقال: ما عندي
إلا ثلاثة أرباع دينار قراضة، فقال: آخذها بالدينار الذي لي عليك، قال: لا
خير في ذلك. قال أبو زيد: إلا أن يكون دينارا عينا فيه ثلاثة أرباع دينار،
فهذا إذا تجاوزه عنه فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن تأخذ من دينار ثلاثة أرباع دينار قراضة؛
لأنه اقتضاء مجموع من قائم فلم يجز؛ لأنه اغتفر الوزن والعين لعدد القراضة؛
لأنها كالمجموع المقطوع، فإذا أخذ ثلاثة أرباع دينار عينا مثل عينه أو أدنى
جاز؛ لأنه اقتضاء أقل من وزنه لغير شيء اعتراه فجاز.
(7/63)
[مسألة: له على
رجل دينار ونصف إلى أجل فيريد الذي عليه الحق أن يخرج إلى سفر]
مسألة وعن رجل له على رجل دينار ونصف إلى أجل، فيريد الذي عليه الحق أن
يخرج إلى سفر، فأتاه صاحب الحق يتقاضاه، فقضاه دينارا ونصف دينار بصرف يوم
قضاء، أيجوز ذلك أم لا؟
قال: قال مالك: لا خير فيه أن يعطيه نصف دينار دراهم، ولا خير في أن يعطيه
دينارا ويأخذ منه نصف دينار، ولا بأس أن يعطي دينارا ويأخذ بالنصف الباقي
عرضا.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم ولا بأس أن يعطى دينارا ويأخذ بالنصف
الباقي عرضا مثل ما تقدم له في أثناء هذا السماع، ومثل قول مالك في أوله
وخلاف قوله هناك، وقد أتينا من القول على ذلك هنالك بما فيه مقنع، وبالله
التوفيق.
[مسألة: يشتري الثوب بدينار ودرهمين فينقد
الدرهمين ويؤخر الدينار]
مسألة وعن الرجل يشتري الثوب بدينار ودرهمين فينقد الدرهمين ويؤخر الدينار،
هل بذلك بأس أم لا؟
قال: لا بأس بذلك. وأما إن اشترى ثوبا بدينار إلا درهمين، قال مالك: لا خير
في أن ينقد الدينار ويؤخر الدرهمين، أو ينقد الدرهمين ويؤخر الدينار، ولا
بأس أن يكون الدينار والدرهمان معا إذا انتقد الدينار دفع الدرهمين، وإن
تأخر الثوب وانتقد الدينار ودفع الدرهمين فلا خير فيه.
(7/64)
قال محمد بن رشد: هذا مثل قول ابن القاسم
وروايته عن مالك في المدونة، وأجاز أشهب أن يتعجل الدينار والدرهم وتتأخر
السلعة. وأجاز ابن عبد الحكم أن يتأخر الدرهمان ويتعجل الدينار، ومضى مثله
لأشهب في آخر رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، وقد مضى القول على ذلك هناك
مستوفى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
تم كتاب الصرف والحمد لله
(7/65)
|