البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [كتاب السلم
والآجال الثاني] [الدجاجة بالبيض إذا كان فيها بيض يدا بيد]
(7/153)
ومن كتاب حبل حبلة قال ابن القاسم لا بأس
بالدجاجة بالبيض إذا كان فيها بيض يدا بيد، ولا خير فيه إلى أجل، ولا بأس
بالدجاجة التي لا بيض فيها بالبيض إلى أجل؛ قلت وإن باضت قبل الأجل؟ قال
نعم، وكذلك الشاة اللبون باللبن إذا كان للشاة لبن فلا بأس به يدا بيد، ولا
خير فيه إلى أجل؛ قال ابن القاسم ولا بأس بها إلى أجل إذا لم يكن لها لبن،
وإن صار لها لبن قبل الأجل فلا بأس به، كانت الشاة نقدا واللبن إلى أجل، أو
اللبن نقدا والشاة إلى أجل، لا بأس به إذا لم يكن للشاة لبن، وكذلك قال لي
مالك في الشاة غير مرة، وفي سماع أبي زيد لا بأس بالدجاجة البياضة بالبيض
إلى أجل.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة من المزابنة مستوفى في أول
رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: اللبن بجدي إلى أجل]
مسألة وسئل عن اللبن بجدي إلى أجل، قال إن كان الجدي
(7/155)
يستحيى، فلا بأس به، وإن كان لا يستحيى،
فلا خير فيه! لأنه طعام بطعام إلى أجل. ولو كأن يدا بيد لم يكن به بأس، قال
ولا يحل بيع الكبش الخصي بالطعام إلى أجل، إلا أن يكون كبشا يقتنى لصوفه،
فإن ههنا أكباشا تقتنى لصوفها؛ وأما إن لم يكن إلا اللحم، فلا خير فيه؛
وأما التيس الخصي بالطعام إلى أجل فلا يحل؛ لأن التيس الخصي لا يقتنى وليس
فيه صوف، وإنما هو للذبح، فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة صحيح جار على أصله؛ لأنه
لا يراعي الحياة فيما لا يقتنى إلا مع اللحم؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - عن الحيوان باللحم. فلا يجيز شيئا من ذلك باللحم من صنفه
بحال؛ لأنه يحكم له معه بحكم الحي، ولا يجيز شيئا من ذلك بحي ما يقتنى ولا
بشيء من الطعام إلى أجل، ولا بعضه ببعض، إلا مثلا بمثل على التحري؛ لأنه
يحكم له في ذلك بحكم اللحم الحي، وأشهب يراعيها في كل حال، فلا يجيز شيئا
من ذلك باللحم من صنفه بحال؛ للنهي الوارد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ
- في بيع الحيوان باللحم، ويجيز ذلك كله بعضها ببعض، وبالطعام وبحي ما
يقتنى مثلا بمثل ومتفاضلا يدا بيد، وإلى أجل، وهو قول ابن نافع؛ قال ابن
المواز وذلك بخلاف الشارف (والكبير) ، فكأنه ذهب إلى أن الشارف والكبير في
حكم اللحم عند جميعهم.
(7/156)
[مسألة: الرجل
يسلف في مائة إردب قمح فلما حل الأجل تقاضى خمسين]
مسألة وسألته عن الرجل يسلف في مائة إردب قمح، فلما حل الأجل تقاضى خمسين،
وبقيت له عليه خمسون؛ فأتاه رجل يستوليه الخمسين الباقية. قال لا بأس بهذا،
وهذا حلال طيب.
قلت فإن أراد أن يوليه المائة كلها الخمسين التي تتقاضى، والخمسين الباقية.
قال لا خير فيه، وهذا حرام بين. قلت لم؟ قال لأنه لو لم يأخذ الخمسين
الباقية لم يعطه هذه التي تقاضى.
قال محمد بن رشد: لم يجز في كتاب ابن المواز أن يوليه الخمسين الباقية،
ووجه ذلك أن ذمته قد تضعف بقبض الخمسين منه، فلا تكون فيه قيمة الخمسين
الباقية إلا أقل من نصف ثمن الجميع؛ فإذا ولاه إياها بنصف الثمن، كان قد
أخذ فيها أكثر مما يجب له؛ فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى، وهو قول له
وجه ولم يراع في الكتاب هذا المعنى، ورأى أن كل جزء منه بجزئه من الثمن،
وأن لا فضل لما قبض منه على ما بقي، فأجازه، وأما إذا ولاه جميع ما قبض وما
بقي، فلا إشكال في أن ذلك لا يجوز، إذ لا شك أن قيمة المقبوض بعد قبضه أكثر
من قيمته قبل قبضه، فإنما رضي أن يأخذ ما لم يقبض على أن يعطيه ما قبض
فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى.
[مسألة: باع طعاما من رجل بثمن نقدا أو إلى أجل
ثم استقال أحدهما]
مسألة وسألت ابن القاسم عن رجل باع طعاما من رجل بثمن نقدا، أو إلى أجل، ثم
استقال أحدهما البائع أو المبتاع، وقد نقد الثمن أو لم ينقد، وقد اكتال
الطعام أو لم يكتل، وقد تفرقا أو لم يتفرقا بزيادة ما كانت الزيادة؛ قال
أما إذا لم يكتل فلا تحل
(7/157)
له الزيادة فيه على حال من واحد منهما ما
كانت الزيادة لا نقدا ولا إلى أجل، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ نقد أولم
ينقد، افتراقا أو لم يفترقا؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى، ولا يحل فيه
إلا الإقالة برأس المال بعينه، لا ينفع فيه غير ذلك من زيادة ولا تأخير ولا
غير نقده؛ قال وإن كان قد اكتاله ولم يتفرقا، ولم يغب عليه المبتاع، وكان
الثمن نقدا ولم يكن انتقد، فلا يحل أن يستقيل منه المبتاع بزيادة شيء من
الأشياء مؤخرة؛ لأنه إن كان الذي اشتراه به ذهبا وكان الذي يزيده ذهبا إلى
أجل كان بيعا وسلفا من قبل أن البائع كأنه اشترى منه الطعام الذي باعه منه
ببعض الثمن الذي وجب له عليه نقدا أو أسلفه بقيته إلى أجل، فكان بيعا
وسلفا، قال: وإن كان الذي يزيده ورقا نقدا، فلا بأس؛ وإن كان إلى أجل فلا
خير فيه؛ لأنه ذهب بورق إلى أجل، وطعام مع ذلك معجل؛ قال وإن كان الذي
يزيده عرضا إلى أجل، كان ذلك دينا بدين؛ لأنه يحول من الثمن الذي وجب له
عليه نقدا في طعام معجل وسلعة مؤخرة، وكان الدين بالدين لا شك فيه؛ قال ولا
بأس أن يزيده شيئا معجلا من ذهب، أو ورق، أو عرض، أو حيوان، أو طعام من صنف
طعامه، أو من غير صنفه، قال: وأما إذا كان قد نقد الثمن واكتال الطعام
فليست تهمة، وهو بيع حادث يبتدئان فيه ما يبتدئان في غيره؛ فإن كان الثمن
إلى أجل وقد اكتاله ولم يتفرقا، فلا بأس به أيضا أن يستقيل منه المبتاع
بزيادة ما كانت الزيادة من شيء من عرض أو حيوان أو طعام من صنفه أو من غير
صنفه- نقدا، ما لم تكن
(7/158)
الزيادة من الثمن الذي عليه، فإن كانت
كذلك، فلا خير فيه نقدا، ولا بأس به إلى أجل بعينه في عينه ونحوه، ووزنه
وسكته، يجري مجرى العروض سواء؛ لأنه كأنه اشتراه منه ببعض ماله عليه، وبقيت
عليه بقية إلى أجله، فلا بأس به؛ قال ولا يزيده ورقا نقدا، ولا إلى أجل
أبعد من الأجل؛ لأنه ذهب بورق إلى أجل وطعام معجل؛ لأنه وإن كان الثمن
ورقا، فهو مجرى الذهب أيضا، ولا يزيده شيئا من العروض، ولا الطعام، ولا
الحيوان إلى الأجل؛ لأنه دين بدين؛ قال وإن كانا قد تفرقا وغاب عليه
المبتاع، فلا يحل أن يستقيل منه المبتاع أيضا بزيادة شيء من الأشياء لا عين
ولا عرض ولا طعام، لا من صنفه ولا من غير صنفه، ولا إدام، ولا غير ذلك
نقدا، ولا إلى الأجل؛ لأن ذلك الزيادة في السلف، فذلك الربى. قال وإن كان
البائع هو المستقيل بزيادة ولم ينتقد، فسواء كان الثمن نقدا أو إلى أجل،
وسواء تفرقا أو لم يتفرقا؛ فإن كان قد اكتاله فلا بأس أن يزيده ما شاء من
العين الذهب، والورق، والعروض، والحيوان، نقدا أو إلى أجل؛ لأنه كأنه اشترى
ذلك الطعام بالثمن الذي كان له عليه وزيادة زاده إياها نقدا أو إلى أجل؛
إلا أن تكون الزيادة منه في الاستقالة من الطعام طعاما، فإنه إن كان طعاما
وكان من غير صنفه ومما يحل متفاضلا يدا بيد، فلا بأس به نقدا، ولا خير فيه
(7/159)
إلى أجل؛ لأنه طعام بطعام إلى أجل، وإن كان
من صنف طعامه مما لا يجوز إلا مثلا بمثل؛ فلا يحل على حال نقدا ولا إلى
أجل؛ لأنه إن كان نقدا كان قمحا وذهبا بقمح أو شعير، أو ذهبا بقمح، أو ذهبا
وسلتا بقمح، فلا يحل على حال؛ وإن كان الثمن إلى أجل، فهو أشد، ويدخله غير
وجه واحد، وهو حرام صراح.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة، وقد مضى القول عليها في رسم القبلة
ما فيه بيان لها؛ ولا اختلاف في شيء منها إلا في موضعين، أحدهما إن كان
المبتاع هو المستقيل بزيادة ورق وكان الثمن حالا فإنه أجازه؛ ومعناه على
مذهبه إذا كان ذلك أقل من صرف دينار، ويجوز على مذهب أشهب وإن كان أكثر من
صرف دينار، والثاني قوله إذا كان البائع هو المستقيل بزيادة طعام من غير
صنفه، فإنه أجاز ذلك إذا كانت الزيادة نقدا وإن كان الثمن إلى أجل؛ ولم يجز
ذلك ابن حبيب إلا إذا كان الثمن حالا؛ وقد اختلف في هذا الأصل قوله فيمن
باع طعاما بثمن إلى أجل، أنه يجوز له أن يشتريه منه قبل أن يغيب عليه
وزيادة عليه بمثل الثمن إلى ذلك الأجل مقاصة، وطعام من غير صنفه يزيده إياه
معجلا؛ لأنه اشترى منه طعاما قبل أن يغيب وزيادة عليه بالثمن الذي له عليه
معجلا يزيده إياه، فجاز وإن كان الثمن إلى أجل؛ لأنه يسقط عنه بالمقاصة
فيتباريان، مثل قول ابن القاسم في المسألة التي بعد هذه على أصله في هذه،
وهذا الاختلاف جار على اختلافهم في مراعاة الأجل مع انحلال الذمم، فمرة
راعاه واعتبره وإن سقط الدين ووقعت البراءة منه،
(7/160)
ومرة لم يراعه إذ قد سقط الدين ووقعت
البراءة منه، فجوابه في هذه المسألة وفي التي تأتي له بعدها على ترك
الاعتبار.
[مسألة: كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله المبتاع
ولم يتفرقا]
مسألة قال وإن كان الثمن إلى أجل وقد اكتاله المبتاع ولم يتفرقا، فأراد
البائع أن يشتري بعضه أو كله بنقد أو مقاصة، فلا بأس به أن يشتريه بمثل
الثمن أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ ولا خير في أن يشتريه كله بأدنى من الثمن
نقدا؛ لأنه كأنه أعطاه قليلا في كثير، وكان القمح بينهما لغوا؛ ولا بأس به
مقاصة من الثمن إذا كانا لم يتفرقا، ولا خير أيضا في أن يشتري بعضه ببعض
الثمن نقدا وإن كانا لم يتفرقا؛ لأنه بيع وسلف؛ ولا بأس به مقاصة؛ ولا بأس
أن يشتري بعضه بمثل الثمن أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ لأنه ليس فيه تهمة؛ وهذا
كله إذا لم يتفرقا، غير أنه إذا اشترى بعضه بنقد لم يحل له أن يشتري شيئا
منه إلا بجميع الثمن؛ وإن اشترى مقاصة، فلا تبالي بأي ثمن اشتراه؛ وهذا كله
إذا لم يتفرقا ولم يغب المبتاع عليه؛ وإن كان قد تفرقا وغاب المبتاع على
الطعام، فلا يحل أن يشتري منه البائع بعضه ببعض الثمن نقدا ولا مقاصة؛ لأنه
إن كان نقدا كان بيعا وسلف دنانير؛ وإن كان مقاصة كان بيعا وسلف طعام، كأنه
باعه خمسين إردبا - إلى أجل على أن يسلفه خمسين إردبا، فانتفع بها ثم ردها
إليه؛ ولا بأس أن يشتري منه مثل كيله في صفته بمثل الثمن، أو أكثر نقدا أو
مقاصة
(7/161)
ليس فيه تهمة، ولا خير في أن يشتري منه
أدنى من كيله بمثل الثمن أو أكثر مقاصة؛ لأنه أخذ من ثمن الطعام طعاما، وهو
قول مالك استثقالا منه له إذا كان أخذ أقل من كيله وهو سهل؛ ولو أن قائلا
قاله وأجازه، لم أره خطأ، ولا بأس أن يشتري منه أقل من كيله بمثل الثمن، أو
أكثر بنقد وليس فيه تهمة؛ ولا خير في أن يشتري منه أكثر من كيله، ولا كيله
وزيادة معه ما كانت الزيادة بمثل الثمن، ولا بأكثر نقدا؛ لأن ذلك الزيادة
في السلف، وذلك حرام؛ لأنه إن كان نقدا، كان بمنزلة رجل باع ثوبا بعشرة إلى
شهر، ثم اشتراه وشيئا آخر معه بعشرة نقدا قبل الأجل، فذلك الزيادة في السلف
لا شك فيه، رجعت إليه سلعة وأعطاه عشرة نقدا بعشرة يأخذها إلى شهر وسلعة
يتعجلها فذلك حرام؛ وإن كان الثمن في الطعام مقاصة، صدر كأنه أعطاه طعاما
في طعام أكثر منه إلى أجل، أو في طعام مثله وزيادة شيء آخر معه؛ وكان الثمن
لغوا إذا كان مثل الثمن؛ وإن كان بأكثر من الثمن، كان قد وقع أيضا من ذلك
لطعامه حصة من الزيادة التي يزدادها على كيل طعامه؛ فكان ذلك الزيادة في
السلف لا شك فيه، ودخله أيضا أن يأخذ من ثمن الطعام طعاما؛ وإن كانا لم
يتفرقا، فلا خير فيه أيضا، وإن كان قد اكتاله أو يشتري منه أكثر منه، ولا
طعامه وزيادة شيء آخر معه بمثل الثمن، ولا بأكثر نقدا؛ لأنه إن كان بمثل
الثمن؛ كان الزيادة في السلف ورجع إليه طعامه، وأعطاه مائة في مائة مثلها
إلى أجل وزيادة تعجلها؛
(7/162)
وإن كان بأكثر من الثمن، كان بيعا وسلفا
رجع إليه طعامه واشترى منه الزيادة التي أخذ مع طعامه بالزيادة التي زاده
على الثمن، وأسلفه الثمن برده إليه إلى الأجل فلا يحل؛ ولا بأس به مقاصة
بمثل الثمن وأكثر، كانت الزيادة التي مع الثمن معجلة، أو مؤخرة؛ فليس فيه
تهمة إذا كانا لم يتفرقا؛ لأنه إنما اشترى منه طعامه ولم يغب عليه المبتاع
وزيادة معه بالثمن الذي كان له عليه أجلا وزيادة يزيدها معجلة أو مؤخرة ما
كانت؛ فهو ههنا إذا لم يتفرقا يجري مجرى العروض، فلا بأس به ما لم تكن
الزيادة المؤخرة طعاما؛ وإن كان من غير صنفه فيكون الطعام بالطعام إلى أجل،
أو تكون الزيادة التي يزداد مع كيل الطعام مؤخرة إن كانت عرضا فيكون الدين
بالدين؛ وإن كان نقدا فلا بأس به، ما لم تكن الزيادة من صنفه؛ ولا خير في
أن يشتريه أيضا وزيادة معه من صنفه، ولا من غير صنفه، ولا ما كانت بأدنى من
ثمنه ولا بثمنه نقدا؛ وإن كانا لم يتفرقا من قبل أنه كأنه أعطاه دنانير في
أكثر منها إلى أجل وزيادة مع ذلك أيضا معجلة وهو بين؛ ولا بأس به مقاصة من
الثمن؛ لأنه إنما اشتراه منه وزيادة معه ببعض الثمن الذي كان له عليه وبقي
بقيته إلى أجل، فليس في هذا تهمة؛ لأنه لم يغب عليه المبتاع؛ والطعام ههنا
إذا لم يكن يغيب عليه، فإنما هو بمنزلة العروض؛ لأن العروض وإن غاب عليها
المبتاع فلا بأس أن يشتريها البائع إذا كان بعينه وعرضا آخر معه مقاصة ببعض
الثمن الذي كان له عليه، ويبقى ما بقي
(7/163)
إلى أجله، أو بالثمن كله الذي له عليه
مقاصة؛ وليس يدخله الزيادة في السلف؛ لأنها سلعته بعينها، فليس فيه تهمة،
وهو بيع حادث؛ وإنما يدخله ذلك إذا كان إنما يرد إليه عرضا من صنف عرضه،
وعرضا آخر معه؛ فأما سلعته بعينها فليس فيه تهمة، وأما التهمه في الطعام
إذا غاب عليه؛ لأنه لا يعرف أنه طعامه بعينه فتدخله الزيادة في السلف وغيره
أيضا.
قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة وإن كان الثمن إلى أجل، يريد وإن كان
الثمن الذي باع به الطعام إلى أجل؛ لأنها معطوفة على المسألة التي قبلها،
وهذه مسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة، وثمان عشرة في الشراء
بالنقد، وثمان عشرة في الشراء إلى الأجل مقاصة، وثمان عشرة في الشراء إلى
أبعد من الأجل؛ وذلك أنه قد يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قبل أن
يغيب عليه بمثل الثمن وبأقل منه، وبأكثر نقدا؛ وقد يشتريه منه وزيادة عليه
بمثل الثمن أيضا، وبأقل منه، وبأكثر نقدا وقد يشتريه منه بعضه بمثل الثمن
أيضا، وبأقل منه وبأكثر نقدا؛ فهذه تسع مسائل إذا لم يغب المبتاع على
الطعام، وتسع آخر إذا غاب عليه، فهو ثمان عشرة مسألة في الشراء نقدا،
ومثلها في الشراء إلى أجل مقاصة، ومثلها أيضا في الشراء إلى أبعد من الأجل،
فأما الست والثلاثون مسألة المتفرعة في الشراء بالنقد، وإلى الأجل، فمنها
خمس عشرة مسألة لا تجوز، وهي أن يشتري منه بأقل من الثمن، نقد الطعام الذي
باع منه بعينه قبل أن يغيب عليه، أو بعضه أو كله وزيادة عليه؛ وأن يشتري
منه بأقل من الثمن أيضا مثل الطعام الذي باع منه بعد أن غاب عليه أو أقل
منه، أو أكثر نقدا أو مقاصة؛ وأن يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه
وزيادة عليه بمثل الثمن أو بأكثر منه نقدا، وأن يشتري منه مثل الطعام بعد
أن غاب عليه وزيادة عليه بمثل الثمن، أو بأكثر منه نقدا ومقاصة؛ ومسألة
يختلف في
(7/164)
جوازها وهي أن يشتري منه أقل من الطعام بعد
أن غاب عليه بمثل الثمن إلى الأجل؛ لأنه يكون مقاصة فيدخله الاقتضاء من ثمن
الطعام طعاما؛ فكرهه مالك في أحد قوليه، واتهمه في أن يكون دفع طعاما في
أقل منه إلى أجل ليحرزه في طعامه إلى ذلك الأجل؛ واستخفه في القول الثاني
لما بعدت التهمة عنده في ذلك؛ لأن الناس في الأغلب لا يقصدون إلى أن يدفعوا
كثيرا في قليل للضمان؛ وعشرون جائزة وهي الباقية، وأصل ما يعرف به الجائز
منها من غير الجائز وهو أن الشراء بأقل من الثمن لا يجوز، وشراء أكثر من
الطعام لا يجوز؛ فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما نقدا ولا مقاصة إن
غاب على الطعام، ولا نقدا إن لم يغب على الطعام؛ ويعرف الفساد فيما لا يجوز
منها بأن ينظر إلى ما خرج عن يد كل واحد منهما وما يرجع إليه؛ فتجد المكروه
قد وقع بينهما، ومتى وجد المكروه قد وقع بين المتبايعين باجتماع الصفقتين
أنهما على القصد إليه، والعمل عليه على مذهب مالك في الحكم بالمنع من
الذرائع، ومن قال بقوله في ذلك، وأما الثمان عشرة مسألة المتفرعة في الشراء
إلى أبعد من الأجل، فمنها ثلاث عشرة مسألة تجوز، ومسألة لا تجوز؛ ومسألة
مختلف في جوازها، وهي أن يشتري منه مثل الطعام بمثل الثمن إلى أبعد من
الأجل؛ لأنه يدخله أسلفني وأسلفك فاستخفه ابن القاسم، وكرهه ابن الماجشون؛
ولو لم يغب على الطعام، لجاز باتفاق؛ لأن طعامه رجع إليه بعينه فكان لغوا،
وأسلف المبتاع الأول البائع الأول عشرة دراهم عند شهر يأخذها منه عند
شهرين، فآل الأمر بينهما إلى قرض صحيح من المبتاع للبائع؛ وأربع جائزة،
وأصل ما يعرف به الجائز منها من غير الجائز، هو أن الشراء بأكثر من الثمن
لا يجوز، وشراء بعض الطعام لا يجوز؛ فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما،
غاب على الطعام أو لم يغب عليه؛ وما عدا هذين الوجهين يجوز إن لم يغب على
الطعام، ولا يجوز إن غاب عليه حاشا المسألة المختلف فيها المتقدمة الذكر،
ويعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن ينظر أيضا إلى ما خرج عن يد كل واحد
منهما وما يرجع إليه؛ فتجد المكروه قد وقع بينهما، فيتهمان على القصد إليه
والاستحلال له، لما
(7/165)
أظهراه من البيعتين الصحيحتين في الظاهر؛
هذا إذا كان الطعام الذي يشتريه منه بعد أن غاب عليه من صفة الطعام الذي
باع منه؛ فإن كان من غير صفته فله حكم غير هذا؛ وحكم العروض في ذلك حكم
الطعام إذا لم يغب عليه، وقد أفردنا لهذه المسألة المتفرعة إلى هذه المسائل
جزءا، أنزلنا فيه المسائل كلها مسألة مسألة؛ وذكرنا علل ما لا يجوز منها،
ووجه جواز الجائز منها؛ وبسطنا القول في ذلك بسطا شافيا، فمن أحب الوقوف
على ذلك طالعه وتأمله، وفيما ذكرناه ههنا وأصلناه كفاية لمن له فهم.
[مسألة: العجين بالدقيق هل يجوز فيه السلم]
مسألة وسئل ابن القاسم عن العجين بالدقيق فقال الأخير فيه على وجه من
الوجوه. قلت وإن تحرى؟ قال الأخير فيه وإن تحرى، فرددته مرارا، فقال إن
تحرى فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم كتب عليه ذكر
حق من سماع ابن القاسم.
[مسألة: باع طعاما بمائة دينار إلى شهر]
مسألة وسألته عن رجل باع طعاما بمائة دينار إلى شهر، فلما حل الشهر اشترى
بائع الطعام من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن. قال لا بأس بذلك، قال
مالك: وإنما نهى سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم، وابن شهاب، عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري بالذهب قبل
أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة؛ فأما أن
(7/166)
يشتري بالذهب الذي باع به الحنطة إلى أجل
تمرا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض منه الذهب، ويحيل الذي
اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب الذي له عليه في ثمن
التمر، فلا بأس بذلك؛ قال مالك: وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم،
فلم يروا به بأسا؛ قلت لابن القاسم فلو أحال الذي عليه المائة الدينار بائع
الطعام على غريم له عليه مائة دينار، فيجوز لبائع الطعام أن يأخذ من الذي
احتال عليه بالمائة دينار طعاما؟ قال لا يجوز ذلك، قلت أفيجوز للذي اشترى
منه بائع الطعام تمرا وأحاله بثمن التمر على المشتري للطعام؟ أيجوز لبائع
التمر أن يأخذ من مشتري الطعام طعاما في المائة التي أحيل بها عليه؟ قال لا
خير فيه.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن باع طعاما بمائة إلى شهر، فلما حل الشهر اشترى
من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن، أنه لا بأس به صحيح؛ لأنه باع من رجل
واشترى من غيره، فلم يكن في ذلك وجه من التهمة؛ ولو اشترى بمائة دينار
بعينها طعاما من غيره لجاز أيضا، إذ لم يأخذ الطعام من الذي باع منه
الطعام، فيتهم على أنه باع منه طعاما بطعام، فكيف إذا لم يشتر بها بعينها،
وإنما اشترى على ذمته، ثم أحاله على ثمن الطعام؟ وليس في قوله في السؤال:
فلما حل الشهر، دليل على أن ذلك لا يجوز قبل محل الشهر، بل جائز وإن لم يحل
الشهر أن يشتري بها طعاما من غيره، وأن يشتري طعاما بمائة دينار حالة عليه
ثم يحيل بها على المائة التي له من ثمن الطعام إلى شهر؛ لأنه يجوز للرجل أن
يستحيل بما حل من دينه فيما حل وفيما لم يحل؛ ولما جاء النهي مجملا عن
سعيد،
(7/167)
وسليمان، وأبي بكر، وابن شهاب، أن يبيع
الرجل حنطة بذهب، ثم يشتري بالذهب، قبل أن يقبضها تمرا؛ بين مالك أن معنى
قولهم إنما هو إذا اشترى التمر من بيعه الذي باع منه الحنطة بالذهب التي له
عليه؛ لأنه إذا فعل ذلك، كان قد أخذ من ثمن الحنطة تمرا، فاتهم على أنه باع
منه الحنطة بالتمر إلى أجل؛ وأما إذا اشترى التمر من غير الذي باع منه
الحنطة بتلك الذهب التي له عليه، - أي على الذي باع منه الحنطة واشترى
التمر بثمن حال عليه، ثم أحال الذي باعه منه بثمنه على الذي باع منه الحنطة
فذلك جائز، إذ لا تهمة في ذلك؛ وقول مالك فيما تأوله عليهم، هو نص قوله في
موطئه، وهو صحيح على ما بيناه، وقول ابن القاسم إنه لا يجوز للذي وجبت له
المائة دينار من ثمن الطعام إذا أحيل بها أن يأخذ من الذي استحال عليها بها
فيها طعاما صحيح؛ لأنه غريم غريمه، فلا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان
يجوز له أن يأخذه من غريمه. وأما قوله إنه لا يجوز للذي استحال بثمن التمر
على ثمن الطعام أن يأخذ ممن استحال عليه طعاما فذلك بين، إذ لم يكن يجوز
أيضا للذي أحاله أن يأخذ من الذي أحاله عليه طعاما؛ وأصل هذا أن من أحال
رجلا على رجل بحق له عليه كائنا ما كان، فلا يجوز للمحال أن يأخذ من الذي
أحيل عليه إلا ما كان يجوز له أن يأخذ من الذي أحاله، وما كان يجوز للذي
أحاله أن يأخذ من المحال عليه؛ إنه ينزل في الدين الذي أحمل به بمنزلة من
أحاله، ومنزلته في الدين الذي أحيل به.
[مسألة: باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر ثم
استقال صاحبه فأبى إلا بشرط]
ومن كتاب النسمة قال ابن القاسم في رجل باع ثوبا بعشرة دنانير إلى شهر،
(7/168)
ثم استقال صاحبه، فأبى أن يقيله إلا أن
يسلفه عشرة دنانير إلى أبعد من الأجل، أو إلى دون الأجل؛ قال: لا خير فيه،
ويدخله بيع وسلف؛ فإن كان إلى الأجل بعينه، فإن ناسا يجيزونه، وناسا
يكرهونه؛ وقد كان مالك يتقيه، وأنا أكرهه وأتقيه ولا أحرمه.
قال محمد بن رشد: أما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة دنانير حالة، أو إلى دون
الأجل، أو إلى أبعد من الأجل، أو أقل من عشرة، أو أكثر؛ فلا اختلاف في أن
ذلك لا يجوز، ولا إشكال في وجه الفساد فيه؛ لأنه بيع وسلف عن ظهر يد، فهو
صريح البيع والسلف، وفي قوله إنه يدخله بيع وسلف نظر، إذ لا يقال إن هذا
الفعل يدخله بيع وسلف، إلا إذا كان ظاهره الصحة ولم يصرح فيه بالبيع
والسلف؛ إلا أن ذلك يؤخذ فيه بالاعتبار مثل أن يبيع الرجل سلعة بعشرة
دنانير إلى أجل، ثم يقيله منها على أن يزيده المبتاع دينارا نقدا أو إلى
أبعد من الأجل؛ وأما إذا أقاله على أن يسلفه عشرة إلى الأجل بعينه، فأجازه
أشهب وحمله لما رجعت إليه سلعة بعينها، كأنه اشتراها منه بالعشرة التي دفع
إليه؛ فإذا حل الأجل، أخذ منه العشرة التي كان باع بها منه السلعة، وكان
ذكر السلف لغوا؛ ومن كرهه اعتبر فساد اللفظ وراعاه؛ وقول أشهب أظهر؛ لأن
الفعل إذا كان مستقيما لم ينظر إلى قبيح اللفظ، وهو نص قول مالك في
المدونة، وبالله التوفيق.
[باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر ثم اشتراها
بخمسة نقدا وستة إلى ذلك الشهر]
ومن كتاب أوله يدير ماله وقال فيمن باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم
اشتراها بخمسة نقدا، وستة إلى ذلك الشهر. قال لا بأس به؛ لأنه إذا كان
الشهر قاصه بستة من العشرة التي له عليه، واسترجع منه أربعة، فليس في هذا
تهمة أن يعطي خمسة ويأخذ أربعة، ولو كان باعها بخمسة نقدا وخمسة إلى شهر،
ثم اشتراها بخمسة نقدا وبستة إلى شهر، لم يكن فيه خير، إلا أن يكونا في
مجلسهما ذلك
(7/169)
لم يتفرقا ولم يغب على الدينار، فلا بأس
به؛ لأن هذا حينئذ باع سلعة ابتداء بستة إلى شهر، فإذا كان الشهر، قاصه
بخمسة مما له عليه واسترجع دينارا، فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، فلا بأس
به.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين على ما قال؛ لأنهما بيعتان صحيحتان في
الظاهر، فإذا ظهر فيهما بمجموعها فساد، اتهما على القصد إليه، فلم يجز ذلك
من فعلهما؛ وإذا لم يظهر فيهما بمجموعها فساد، جاز ذلك من فعلهما؛ والمسألة
الأولى آل الأمر فيها بينهما إلى أن رجعت للبائع سلعته بعينها، وكان قد دفع
إلى المبتاع خمسة نقدا ويأخذ منه إذا حل الأجل أربعة؛ فلا يتهم أحد في دفع
خمسة في أربعة، والمسألة الثانية معناها أنه باع السلعة بخمسة نقدا، وخمسة
إلى شهر، فانتقد الخمسة وبان بها وغاب عليها، ثم لقيه بعد ذلك فاشتراها منه
بخمسة نقدا وستة إلى شهر؛ فوجب ألا يجوز ذلك؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن
رجعت إلى المبتاع سلعته بعينها، ودفع المبتاع إلى البائع خمسة نقدا؛ فانتفع
بها وردها إليه ويعطيه دينارا إذا حل الأجل، فاتهما على أنهما قصدا إلى أن
سلفه خمسة دنانير، على أن يعطيه دينارا إذا حل الأجل؛ فإن كان لم ينقده
الخمسة الدنانير، أو كان قد نقده إياها، فلم يغب عليه جاز ذلك؛ لأن الأمر
آل إلى أن سلعته بعينها، ويعطيه إذا حل الأجل دينارا دون أن يسلفه شيئا أو
يغيب له عن شيء. وقوله فيها واسترجع دينارا، اللفظ وقع على غير تحصيل، إذ
لم يدفع إليه شيئا يسترجع منه الدينار، وإنما كان حق الكلام أن يقول فإذا
كان الشهر قاصه بالخمسة من الستة التي له عليه وأخذ منه الدينار الزائد.
وكذلك قوله فكان ثمن السلعة إنما هو دينار، كلام وقع أيضا على غير تحصيل،
والمراد به: فكان الذي ربح معه في السلعة إنما
(7/170)
هو دينار؛ لأن الدينار إنما هو ربح في
السلعة للمبتاع لا ثمن لها؛ وذلك أنه لما اشترى منه السلعة بخمسة نقدا
وخمسة إلى شهر، ثم اشتراها منه البائع بخمسة نقدا وستة إلى شهر؛ كانت
الخمسة النقد بالخمسة النقد مقاصة، والخمسة التي إلى شهر بخمسة من الستة
التي إلى شهر مقاصة أيضا، ويبقى للمبتاع الأول قبل البائع دينار ربح ربحه
معه في السلعة يأخذه منه.
[مسألة: السلف في الخوخ]
مسألة وقال في الخوخ لا بأس به اثنين بواحد أخضر كله، أو يابس كله؛ وعين
البقر كذلك، ولا خير في رطبه بيابسه من صنف واحد؛ لأن ذلك مخاطرة؛ فهو وإن
كان يصلح متفاضلا، فلا يصلح رطبه بيابسه، وإنما هو بمنزله التين الرطب لا
بأس به واحد بواحد أخضر كله، أو يابس كله؛ ولا خير في رطبه بيابسه وإن كان
واحدا بواحد، للحديث أيضا أنه نهي عن الرطب باليابس، وهو بمنزلة الرطب
بالتمر يابسا أيضا.
قال محمد بن رشد: أما الرطب باليابس من الصنف الواحد الذي لا يجوز فيه
التفاضل، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز لما جاء في الحديث من أن «رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص
الرطب إذا يبس؟ قالوا نعم، قال فلا إذا» . وأما الرطب باليابس من الصنف
الواحد الذي يجوز فيها التفاضل كالتفاح، والخوخ، وعيون البقر، وشبهها؛
فاختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: أن ذلك لا يجوز وإن تبين التفاضل، وهو
دليل احتجاجه في هذه الرواية، وفي سماع
(7/171)
أصبغ بعد هذا، لعموم لفظ النهي عن الرطب
باليابس. والثاني أن ذلك جائز وإن لم يتبين الفضل بينهما، وهو قول ابن
القاسم في رسم باع شاة بعد هذا، فمنه ما يجوز فيه التفاضل بالتحري. والثالث
أن ذلك جائز إن تبين الفضل بينهما، وغير جائز إن لم يتبين الفضل بينهما؛
وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب جامع البيوع في القرط الرفيع
بالقرط اليابس، والتفاح الأخضر بالتفاح المقدد؛ وهو دليل اعتلاله في هذه
الرواية، وفي سماع أصبغ أيضا بالغرر، والمخاطرة، والمزابنة؛ وقياسه فيها
الخوخ وعيون البقر على التين والتمر بعيد؛ لأن التمر لا يجوز فيه التفاضل،
فلا خلاف في أنه لا يجوز بالرطب على حال. وكذلك التين لا يجوز فيه أيضا
التفاضل؛ لأنه مما ييبس ويدخر؛ روى ذلك ابن وهب عن مالك، فالأخضر منه
باليابس لا يجوز أيضا على حال؛ وقد قيل إن ذلك كله ليس باختلاف من القول،
وإنما يرجع ذلك إلى أنه إن تبين الفضل بينهما وسلما من المزابنة جاز، وإن
لم يتبين الفضل بينهما لم يجز، وإلى هذا ذهب الفضل؛ وأما الرطب باليابس من
صنفين كانا مما يجوز فيه التفاضل، أو مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف
في جوازه بكل حال.
[مسألة: باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل]
مسألة وسألته عمن باع ثوبين بسلعة موصوفة إلى أجل، ثم باع تلك السلعة قبل
الأجل من صاحبها الذي هي عليه بثوب من صنف ثوبيه، قال لا بأس به، وإنما هو
بمنزلة دينارين في سلعة إلى أجل، ثم باعها منه بدينار، فليس في هذا شيء.
قال محمد بن رشد: إنما جاز هذا؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى
المبتاع ثوبين، ثم أخذ منه بعد ذلك ثوبا واحدا من صنف ثوبيه، وإلى أن دفع
المسلم إلى المسلم إليه دينارين، ثم أخذ منه بعد ذلك دينارا واحدا؛ ولا
يتهم أحد في أن يدفع ثوبين في ثوب من صفته إلى أجل، ولا دينارين في دينار
واحد إلى أجل، وإن كان لا يجوز أن يسلم الرجل ابتداء
(7/172)
دينارين في دينار واحد إلى أجل، ولا ثوبين
في ثوب من صنف ثوبيه إلى أجل؛ فقف على هذا واعرفه، وقد تقدم قبل هذا في رسم
أسلم، وبالله التوفيق.
[باع من رجل شيئا من العروض ثم يندم مبتاعه قبل
أن ينقده الثمن]
ومن كتاب البراءة قال عيسى: وسألته عن رجل باع من رجل شيئا من العروض مما
يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن مما عدا الطعام؛ ثم يندم مبتاعه قبل
أن ينقده الثمن، فيريد أن يعطيه دينارين أو ثلاثة على أن يقيله من سلعته؛
أيجوز ذلك له، وإنما اشتراه بدينار أو يعطيه دراهم، وإنما كان اشتراه منه
بالدنانير؟ قال إن كان الثمن نقدا فلا بأس به أن يزيده ما شاء معجلا ولا
يكون مؤخرا، فإنه إن كان الذي باعه به ذهبا فأخر عنه ما يزيده من الذهب،
كان بيعا وسلفا؛ وإن زاده ورقا متأخرا، كان ذهبا بورق إلى أجل وعرضا معجلا؛
وإن زاده عرضا مؤخرا، كان دينا بدين؛ ولا يصلح في هذا، إلا أن يكون كل ما
زاده معجلا؛ وإن كان الثمن إلى أجل، فكان الثمن ذهبا أو ورقا، فإن كان
الثمن ذهبا؛ فلا يزيده ذهبا نقدا ولا إلى دون أجلها، ولا إلى أبعد من
أجلها، ولا مخالفة لسكتها؛ ولا يصلح إلا أن يكون الذي يزيده مثل نقده في
عينه وجودته إلى أجله، ولا يزيده ورقا نقدا ولا إلى أجل دون أجلها، ولا إلى
أبعد من الأجل؛ وإن كان الثمن ورقا يزيده دراهم نقدا ولا إلى دون أجلها،
ولا إلى أبعد
(7/173)
من أجلها، وهي في الورق بمنزلتها في الذهب،
مجراهما واحد؛ ولا بأس أن يزيده عرضا معجلا ولا يؤخره، وإن كان الثمن عرضا
فلا يزيده عرضا يشبه العرض الذي له عليه نقدا، ولا إلى دون الأجل، ولا إلى
أبعد من الأجل، ولا بأس به إلى الأجل؛ لأنه يجري مجرى الذهب والورق، ولا
بأس أن يزيده عرضا نقدا مخالفا للعرض الذي له عليه يعجله ولا يؤخره؛ قال
وإن كان البائع هو الزائد، فلا بأس أن يزيده ذهبا أو ورقا أو عرضا معجلا أو
مؤخرا، إلا أن يكون ذلك العرض يشبه العرض الذي يستقيله منه، فإن كان يشبهه
فلا خير فيه إلى أجل؛ ولا بأس به معجلا، وذلك أنه يبتاع منه سلعة بعشرة
دنانير عينا عليه، وبدينار زاده إلى أجل أو نقدا؛ قال وهو مثل ما لو كان لي
عليك عشرة دنانير إلى أجل، فابتعت منك سلعة بالعشرة دنانير التي لي عليك،
ودينارين إلى أجل؛ فافهم واستعن بالله يعينك، والله الموفق، اللهم عونك يا
معين.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم القبلة من
سماع ابن القاسم في الطعام، وحكم المكيل والموزون من غير الطعام في استقالة
البائع والمبتاع بزيادة ممن كانت منهما، كحكم الطعام في ذلك بعد استيفائه
بالكيل أو الوزن على ما قد ذكرناه هناك، لجواز بيع المكيل والموزون من غير
الطعام قبل استيفائه على مذهب مالك، فلا معنى لإعادته.
(7/174)
[الرجل له
الذهب بالمدينة أراد أن يشتري بها زيتا بالشام]
ومن كتاب الجواب وسألته عن الرجل من أهل الأندلس يكون له المال الموضوع
بمصر عند القاضي أو عند رجل وضعه له القاضي عنده من موروث أو غير ذلك؛ هل
يجوز للرجل أن يشتريه منه بالأندلس بعرض ويخرج إليه؟ قال ابن القاسم سئل
مالك عن الرجل له الذهب بالمدينة عند قاضيها أراد أن يشتري بها زيتا
بالشام، أو طعاما ولا يدري ما حدث على الذهب؟ قال مالك لا خير في ذلك. فقيل
له فكيف العمل في ذلك والصواب؟ قال يتواضعان الزيت والطعام على يد رجل ثم
يخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع بينهما؛ قال ابن القاسم فإن تواضعا
العرض على يد غيرهما لم يكن به بأس، ويخرج إلى الذهب، فإن وجدها تم البيع،
وإن لم يجدها فأخلف له مكانها، وأعطاه عرضا منها، لزم ذلك بائع العرض على
ما أحب أو كره، وإن كان بائع الدنانير الغائبة يقبض العروض ولا يتواضعانها،
فلا يحل ذلك إلا أن يكون ضامنا للدنانير إن لم توجد أعطاه مكانها غيرها؛
فإن كان كذلك فلا بأس به؛ وإن كان بائع الدنانير الغائبة فلا يقبض العرض،
ولا يمكنه منه صاحبه، ولا يتواضعانه ولا يخرج من يده، لم يكن بذلك بأس؛
وخرج إلى الدنانير، فإن وجدها لم يقبضها حتى يقبض المشتري العرض؛ لأنه يصير
حينئذ كمن اشترى سلعة غائبة بدنانير، فلا يصلح النقد فيها حتى تقبض السلعة
أو تحضر.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة حسنة وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن
القاسم ما فيه بيان لها، فلا معنى لإعادته.
(7/175)
[سلف عشرة دنانير في طعام إلى أجل]
ومن كتاب أوله إن أمكنتني وقال في رجل سلف عشرة
دنانير في طعام إلى أجل، فلما حل الأجل، قال: بعني طعاما أقضيكه،
فباعه بعشرة دنانير نقدا فقضاه عشرة. قال إذا باعه بعشرة دنانير مثل نقده
فلا بأس به؛ لأنها إقالة، فإذا باعه بأحد عشر دينارا فإنه حرام؛ لأنه باع
عشرة بأحد عشر إلى أجل وهو بيع الطعام قبل استيفائه؛ وإذا باعه بتسعة لم
يحل أيضا؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قال محمد بن رشد: قوله فباعه بعشرة دنانير نقدا فقضاه عشرة، معناه فنقده
العشرة التي اشترى منه بها الطعام وقضاه الطعام فيما كان له عليه من السلم
على ما شرط عليه؛ وعلى هذا أتى جوابه، وقد مضى القول على هذه المسألة في
أول مسألة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، والله الموفق.
[اشترى من رجل سلعة بثمن إلى أجل]
ومن كتاب القطعان قال عيسى وسمعت ابن القاسم وسئل عن رجل
اشترى من رجل سلعة بثمن إلى أجل، ثم إن
البائع أمر رجلا أن يشتري له سلعة بنقد ودفع إليه دنانيره فاشتراها المأمور
من المشتري بأقل من الثمن الذي كان ابتاعها به المشتري، وقد علم المأمور أن
الأمر باعها منه أو لم يعلم وقد فاتت السلعة، قال لا خير فيه.
(7/176)
فإن أدرك، فسخ البيع؛ وإن لم يدرك، لم أر
له عليه إلا رأس ماله؛ ولا ينبغي له أن يدفع إلى رجل ذهبا يسيرة في أكثر
منها إلى أجل، ويجعل السلعة محللة لذلك، وإن لم يعلم المشتري بأن البائع هو
الذي أدخل ذلك عليه، فذلك سواء؛ قال ابن القاسم: وقد سئل مالك عن الرجل
يبيع من الرجل السلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها من المشتري رجل عندهم قاعد،
فإذا وجب البيع ونقده، سأله البائع الأول أن يبيعها منه بربح؛ فكره ذلك
كراهية شديدة وقال: لا خير فيه. فهذا إنما هو بمنزلة التحليل، فمسألتك
مثلها في القياس؛ فإن قال قائل إن المشتري لم يظن أنه اشتراها منه رسول
البائع، فقد اشترى البائع الأول سلعته من رجل ليس هو رسول له، وهذا أدنى
مما سألته عنه، فلا أرى له إلا رأس ماله.
قال محمد بن رشد: إنما ساوى بين أن يعلم المأمور أن الآمر باعها؛ أو لم
يعلم ذلك؛ وبين أن يعلم المشتري أنه رسول للبائع، أو لم يعلم، وقال إن ذلك
كله سواء؛ لأنه لا يصدق واحد منهما في أنه لم يعلم؛ لأن السلعة قد رجعت
أيضا إلى صاحبها البائع لها أولا، وظهر المكروه من فعلهم، فهم كلهم متهمون
فيه، كالمسألة التي احتج بها في ذلك، وقد تكلمنا عليها في رسم حلف ألا يبيع
رجلا سلعة سماها من سماع ابن القاسم. وقوله فإن أدرك، فسخ البيع؛ يريد إن
أدركت السلعة قائمة بيد البائع الأول فسخ البيع الثاني، وردت السلعة إلى
المشتري الأول. وقوله وإن لم يدرك لم أر له عليه إلا رأس ماله. يريد بقوله
وإن لم
(7/177)
يدرك أي وإن لم يدرك السلعة بيده، وكانت قد
فاتت ولم يبين بماذا تفوت به، وقد مضى القول على ذلك في رسم حلف ليرفعن
أمرا من سماع ابن القاسم. وقوله لم أر له عليه إلا رأس ماله، ظاهره وإن
كانت قيمتهما أكثر من الثمن الذي باعها به أولا، مثل ظاهر قول مالك، وما
تأول أبو إسحاق التونسي على ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك، وذكر
الاختلاف فيه في رسم حلف المذكور، فلا وجه لإعادته.
[مسألة: تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير
بطعام]
مسألة قال ابن القاسم تباع الأرض إذا كان فيها زرع صغير بطعام إذا كان ذلك
الزرع يئول إلى الطعام، وإن كانت الأرض بيضاء، فلا بأس أن يشتريها بطعام
نقدا أو إلى أجل.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء، وسحنون يجيز ذلك على أصله في
إجازة بيع السيف المحلى بالذهب نقدا أو إلى أجل إذا كان الذي فيه من الذهب
الثلث فأقل، وفي إجازته بيع الحائط بثمرته قبل أن يبدو صلاحها بطعام نقدا
أو إلى أجل؛ وهو مذهب ابن الماجشون، وهو وجه القياس؛ لأنه إذا جاز أن يباع
الزرع وهو صغير بالدنانير والدراهم مع الأرض، لكونه تبعا للأرض؛ وكأنه لم
يقع عليه حصة من الثمن، جاز أن يباع بالطعام لكونه تبعا للأرض؛ فكأنه لم
يقع أيضا عليه حصة من الثمن؛ وأما بيعها بيضاء، لا زرع فيها، فلا اختلاف في
جواز بيعها بالطعام نقدا وإلى أجل، بخلاف الكراء.
[مسألة: اشترى قمحا إلى أجل فلما حل الأجل قال
المشتري للبائع أقلني]
مسألة قال ابن القاسم في رجل اشترى قمحا إلى أجل، فلما حل
(7/178)
أجل الطعام، قال المشتري للبائع إني أخاف
الوضعية فأقلني، فقال البائع للمشتري لا وضيعة عليك، خذ بعض هذا القمح فبعه
فما نقصت، دفعت ذلك إليك، ودفعت إليك بقية قمحك، قال ابن القاسم لا بأس به،
وهو بمنزلة ما لو دفع إليه الطعام كله ثم قال له بع فلا نقصان عليك، وما
وضعت فيه وضعت عنك.
قال محمد بن رشد: قوله اشترى قمحا إلى أجل يريد سلم في قمح إلى أجل، وهذه
مسألة قال فيها أبو عمر الأشبيلي إنها مخالفة لما في السلم الثاني من
المدونة. يريد مسألة الذي سلم مائة درهم في مائة إردب، ثم لقيه بعد ذلك
فاستزاده، فزاده مائة إردب إلى محل أجل الطعام، أو قبله أو بعده؛ لأنه قال
فيها لا بأس بذلك؛ لأنه لو اشترطه في أصل السلف لم يكن بذلك بأس؛ فاقتضى
تعليله أنه لا يجوز أن يزيده دنانير ولا دراهم، إذ لا يجوز أن يشترط ذلك في
أصل السلف؛ وأجاز في هذه المسألة أن يدفع المسلم إليه للمسلم ما نقص في
الطعام من رأس ماله دنانير كان أو دراهم؛ وهو لو اشترط ذلك في أصل السلم لم
يجز؛ لأنه كان يدخله البيع والسلف؛ لأن ما أعطاه من الدنانير يكون سلفا رده
إليه وما بقي سلما، ولا أقول إن ذلك اختلاف من القول، والمعنى في ذلك عندي
أنه تكلم ههنا على ما يجوز له فيما بينه وبين الله؛ فقال إنه لا بأس عليه
أن يأخذ منه ما وضع له إن كان لم يعمل معه على بيع وسلف، وقد تكلم في
المدونة على ما يوجب الحكم من أنه لا يقضي عليه بشيء مما زاده. إلا أن تكون
تلك الزيادة مما لو اشترطها في أصل السلم جازت، ولو أبى المسلم إليه
(7/179)
في هذه المسألة على معنى ما في المدونة أن
يدفع إليه ما أوجب له من ذلك على نفسه لم يحكم عليه بذلك، لاحتمال أن يكون
عقدا سلمهما على ذلك.
[مسألة: اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل
يوفيه إياه بموضع سماه له]
مسألة قال ابن القاسم في رجل اشترى من رجل طعاما ما مضمونا إلى أجل يوفيه
إياه بموضع سماه له، ثم أعطاه بعد ذلك دنانير على أن يتكارى لذلك الطعام
ويحمله إلى بلد آخر، قال ابن القاسم إن كان يوفيه إياه بالموضع الذي شرط له
في أول، ثم يتكارى له بعد استيفائه إياه من يحمله له إلى موضع آخر، فلا بأس
به؛ لأن الضمان على المشتري وقد برئت منه ذمة البائع؛ وإن لم يستوف منه
بالموضع الذي شرط عليه أو لا حتى تكارى له، وحمله (له) إلى الموضع الآخر،
فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على معنى ما في المدونة وغيرها؛
لأنه إذا كان يوفيه الطعام في الموضع الذي شرط عليه أن يوفيه فيه، فإنما هو
متطوع له في تمون الكراء عليه من ذلك الموضع بالدنانير التي دفع إليه بعد
أن برئت منه ذمته، وحصل في ضمان صاحبه؛ فذلك جائز لا بأس به، وإن كان إنما
يقضيه منه بالموضع الذي سأله أن
(7/180)
يتكارى له عليه إليه، صار قد اشترى منه
الطعام بذلك الموضع بالطعام الذي كان له عليه في الموضع الذي كان شرط عليه
في أصل السلم أن يوفيه، وبالدنانير التي دفع إليه عن الكراء؛ لأنه إذا كان
لا يقبض منه الطعام إلا في الموضع الذي أراد أن يحمله له إليه، فإنما يكرى
على طعام نفسه، وإن شاء لم يكر، وهذا بين، وبالله التوفيق، لا إله إلا هو.
[ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من الأشياء]
ومن كتاب أوله باع شاة قال عيسى قال لي ابن القاسم
ليس بين الذكر والأنثى اختلاف في شيء من
الأشياء حتى يحل من ذلك واحد في اثنين إلى أجل في شيء من الأشياء:
لا في الرقيق، ولا في الدواب، ولا في الأنعام، ولا في الماشية، ولا في
الطير؛ وإنما الذكر والأنثى إذا كان من صنف واحد هو واحد، لا يجوز أحد
باثنين من صنفه، إلا أن يختلف في غير ذلك؛ قلت له صف لي ما الاختلاف في
الرقيق من الجواري والعبيد الذي إذا بلغته، جاز منه واحد إلى أجل باثنين،
وهل اختلاف الأجناس والجنس، واختلاف الأثمان اختلاف، يجوز من ذلك واحد
باثنين إلى أجل؛ قال ابن القاسم ليس اختلاف الأجناس في الرقيق، ولا اختلاف
الأثمان، ولا اختلاف الصباحة بالذكور، ولا في الإناث
(7/181)
بشيء، ولا يجوز شيء من هذه الوجوه واحد
باثنين إلى أجل، وإنما الاختلاف في هذا الذي يجوز منه واحد باثنين إلى أجل؛
فأما في الرقيق الذكور، فالتجارة، والفصاحة، والنفاذ في الأمور؛ فإذا كان
فصيحا، تاجرا نافذا، فلا بأس أن يباع الواحد باثنين وبأكثر من ذلك إلى أجل،
من ذكور وإناث ليسوا مثله في التجارة، والفصاحة؛ ولا نبالي كانوا من جنسه
أو من غير جنسه. قلت فالجارية الصبيحة العربية التي ثمنها ألف دينار
بجاريتين وخشيتين ليستا من جنسها ولا بحسنها إلى أجل؛ قال ليس الحسن ولا
الفصاحة شيئا، لو كان لجارية ثمان ألف دينار لحسنها وفصاحتها، وليس في
يديها صنعة من طبخ ولا خبز ولا رقم، لم تحل بجاريتين ثمن عشرين دينارا إلى
أجل؛ قال وليس اختلاف الجنوس بشيء، لا تحل جارية نوبية ليس في يديها صنعة
من طبخ ولا خبز ولا رقم وإن بلغ حسنها ما يكون ثمن ألف دينار بجاريتين
صقليتين ولا بربريتين، ولا شيء من الأجناس. قلت أفيحل أن يعطي جاريتين أو
ثلاثا طباخات خبازات بجارية ليس في يديها عمل إلى أجل؟ قال: ليس بذلك بأس.
قلت فهل يجوز الصغير بالكبير أو الكبير بالصغير من الرقيق إلى أجل؟ قال ابن
القاسم ليس الصغر والكبر اختلافا في الرقيق، ولا يجوز صغير في المهد بكبير،
ولا كبير بصغير حتى يكون الكبير تاجرا فصيحا كما أخبرتك ليس الكبر والصغر
اختلافا في الرقيق حتى
(7/182)
يجوز واحد من ذلك باثنين إلى أجل؛ قلت له
فهل الغزل أو العمل للطيب صنعة في الجواري؟ قال ليس عمل الطيب بشيء؛ وأما
الغزل فجميع النساء يغزلن، فليست بصنعة والذي سمعت إذا كان كانت طباخة
وخبازة؛ وأنا أرى الرقم وما أشبه ذلك من الصنعة. قلت فالجارية التي تقرأ
وتكتب؛ قال ليس هذا بصنعة، وإنما الصنعة ما أخبرتك في الجواري في الطبخ
والخبز والرقم، وما أشبه ذلك؛ وفي الذكور التجارة، والفصاحة، والنفاذ. قلت
أرأيت إن كان العبد تاجرا وليس بفصيح، أو كان فصيحا وليس بتاجر، أو عبدا
فصيحا تاجرا بجاريتين أو ثلاث خبازات طباخات. قال أصل ذلك في الذكور
التجارة، ولا نبالي كان فصيحا أو غير فصيح؛ وأما إذا كان فصيحا ليس بتاجر
فليس ذلك بشيء؛ وأما العبد التاجر بالجاريتين الطباختين فلا بأس به؛ لأنه
قد اختلفت صناعتهم؛ قلت فالجارية الطباخة بالجاريتين الخبازتين؟ قال لا خير
فيه؛ لأن هذا كله بعضه قريب من بعض، إلا أن تكون رقامة أو صناعة.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه وجل أهل العلم على أنه لا يجوز سلم
الجنس الواحد بعضه في بعض من الحيوان والعروض، إلا أن تختلف وتتباين تباينا
متفاوتا، تختلف فيه الأغراض والأسواق، فيمكن أن يتفق أحد الصنفين دون الآخر
فيكونا في معنى الجنسين الذي لا يتيقن فيه الفضل لأحد المتبايعين، لإمكان
نفاق كل واحد منهما دون صاحبه عند
(7/183)
الأجل؛ لأنه إذا سلم الصنف في مثله أكثر
عددا أو أفضل صفة، لم يكن بيعا وكان سلفا جر منفعة، لتيقن المنفعة فيه
للدافع؛ فكان إنما أسلف ذلك الشيء على أن يأخذ فيه أكثر من عدده أو أفضل من
صفته، وذلك حرام لا يحل ولا يجوز، «لنهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن سلف جر منفعة» ، مبينا لما في كتاب الله من الربى
الذي حرمه فيه؛ وإن سلفه في مثله أقل عددا أو أدنى صفة، كان المسلم لذلك
الشيء إنما ترك له كثرة عدده أو فضل صفته ليحرزه له في ضمانه إلى ذلك
الأجل، فكان ما ترك له من ذلك ثمنا للضمان، وذلك غرر وحرام؛ هذه جملة
الاختلاف فيها بينهم، وقد يختلفون فيما يتباين فيه الصنف الواحد فيراه
بعضهم يسيرا لا يخرجه إلى صنف آخر، ويراه بعضهم كثيرا يخرجه إلى صنف آخر
بالاجتهاد الذي تعبد الله به العلماء من عباده فيما لا نص له فيه؛ إذ ليس
في ذلك حد يرجع إليه في الكتاب والسنة ولا في الإجماع، كالصباحة والحسن في
الجواري، لم ير ذلك ابن القاسم اختلافا يجوز به سلم القليل في الكثير إلى
أجل ورأى ذلك ابن حبيب اختلافا فيها يجوز به ذلك، وكالقراءة والكتاب،
الظاهر من هذه الروايات، أن ذلك ليس باختلاف في الذكور ولا في الإناث، ورآه
ابن حبيب اختلافا في الذكور والإناث؛ وحكى عن ابن القاسم أنه اختلاف في
الذكور دون الإناث، فالرقيق كلهم ذكورهم وإناثهم، صغارهم وكبارهم، صنف واحد
عند ابن القاسم وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم وصباحتهم؛ ما لم يختلفوا في
صنائعهم، كالعبد التاجر النافذ في الأمور، أو الصناع بيده كالنجار والخياط
أو الأمة الرقامة،
(7/184)
أو النساجة، أو الخبازة، أو الطباخة؛ فيجوز
من ذلك كله سلم ما له صنعة فيما لا صنعة له، وما له صنعة فيما له صنعة إذا
افترقت الصنع وتباينت؛ فهذه جملة في هذا الباب، وأصل يقاس عليه ويرجع إليه؛
وإنما كان الصغير والكبير من الرقيق صنفا واحدا بخلاف الدواب؛ لأن الدابة
لا ينتفع بها قبل الركوب، والصغير ينتفع به وهو صغير قبل البلوغ، ولما لم
يكن في ذلك حر وكان يختلف اختلافا متباينا حمل الباب كله محملا واحدا، فجعل
الصغير مع الكبير صنفا واحدا وإن كان معهودا؛ وأيضا فإن النفاق فيهم بمنزلة
سواء، إذا نفق الصغير، نفق الكبير؛ وإذا كسد الصغير، كسد الكبير، وهذه هي
العلة عندي في كون الذكور والإناث صنفا واحدا وإن كانت الأغراض في ذلك
مختلفة.
[مسألة: الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس
عربي]
مسألة قلت لابن القاسم أرأيت الفرس إذا لم يعرف له جودة إلا أنه فرس عربي
سمين جميل، ثمنه مائة دينار ببرذونين ثمن عشرين دينارا إلى أجل؛ قال لا خير
فيه ولا يجوز، إلا أن يكون جوادا معروفا بالسبق فيحل. قلت فما متنهى السن
الذي إذا بلغته الخيل، لم يحل قارح باثنين منها إلى أجل؟ قال إذا أجذع
وركب، فقد صارت المنافع واحدة، فعند ذلك لا يحل.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أحفظه: أن
الخيل ثلاثة أصناف، كبارها صنف: ذكورها وإناثها؛ وصغارها صنف: ذكورها
وإناثها، والجواد منها المعروف بالسبق
(7/185)
والجري صنف. ذكورها وإناثها؛ فإذا اختلفت
هذه الأصناف، جاز منها الواحد بالاثنين إلى أجل؛ فيجوز سلم الصغار منها في
الكبار، والكبار في الصغار، والكبار في الكبار إذا اختلفت في الجودة
والسبق، وتباينت في ذلك تباينا بعيدا.
[مسألة: تسليف حولي بكبير إلى أجل]
مسألة قال ابن القاسم، أما حولي بكبير إلى أجل، فلا خير فيه؛ وأما صغيران
بكبير إلى أجل، فلا بأس به؛ لأنه بيع؛ قال وإنما يجوز الحولي بالقارح، وأما
القارح بحولي فلا يحل إلى أجل، ولا حولي بقارح إلى أجل؛ لأن هذا ليس بوجه
بيع؛ لأنه إذا كان القارح بالحولي، فإنما هو رجل أعطى فرسا على أن يضمن له
حوليا أدنى منه إلى أجل؛ فصار مبتاعا لضمان الحولي بزيادة سن القارح على
الحولي؛ وإن كان حوليا بقارح إلى أجل، فإنما هو رجل زاد في سلفه، أعطاه
حوليا إلى أجل على أن يقضي قارحا، ولا يكون البيع بينهما حتى يكون اثنان
بواحد، وتختلف فيهما المنافع؛ فإن كان على وجه ابتغاء الفضل، كان بيعا؛ وإن
لم يكن على وجه ابتغاء الفضل، كان على وجه السلف فحرم؛ لأنه إذا كان واحد
باثنين، أو اثنان بواحد؛ أو صغيران بكبيرين، أو كبيران بصغيرين؛ فهو عند
الناس بيع فيما تفاوت من أثمانهما وأسنانهما، فلا يكون بذلك بأس؛ قال ولا
بأس بعلوين من الحمير بقارح إلى أجل؛ ولا خير في صغير بكبير، ولا كبير
بصغير؛ ولا صغير بصغيرين؛ أو أكثر من ذلك إلى أجل؛ وأما كبارها بكبارها،
فلا خير في ذلك واحد باثنين إلى أجل؛ قلت له إنه يكون
(7/186)
منهما حمار يبلغ مائة دينار، وحماران ليس
ثمنهما خمسة عشر دينارا، فلا يحل منهما واحد بعدة من غيرها إلى أجل؟ قال:
ليس اختلاف أثمانها ولا جنسها ولا سيرها باختلاف يحل له منها واحد باثنين
إلى أجل، إلا أن يكون من حمر الأعراب، فلا بأس بالحمار المصري الفاره
بالأعرابيين وأكثر من ذلك؛ وأما حمر مصر، فكلها صنف واحد لا يحل منها واحد
باثنين إلى أجل؛ والحمير والبغال صنف واحد لا يحل بغل بحمارين إلى أجل، ولا
حمار ببغلين إلى أجل؛ إلا أن يكون كبير بصغيرين، أو صغير بكبيرين، فلا بأس
به؛ وهو مثل الحمير، وهي صنفها؛ وكذلك قال لي مالك، قال عيسى إذا بان
اختلاف الحمير، فأراها كالخيل والإبل، وقال أصبغ مثله.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم حمل صبيا القول في سلم الواحد في الواحد،
والاثنين في الواحد، والواحد في الاثنين من الصغار في الكبار، أو الكبار في
الصغار من جنس واحد مستوفى، فلا معنى لإعادته. وقوله في الحمير مثل ما له
في المدونة: أنها ثلاثة أصناف: صغارها وكبارها صنفان: حمر مصر منها إلى
الركوب صنف، وحمر الأعراب التي للخدمة صنف؛ وقال عيسى وأصبغ إن ما تباين من
حمر مصر في السير وتفاوت فيه، يجوز بما ليس بمسيار اثنان بواحد إلى أجل،
وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وقوله إن البغال والحمير صنف واحد، هو مثل قوله في
المدونة، خلاف ما ذهب عليه ابن حبيب من أن البغال صنف على حدة، فيجوز
كبارها بكبار الحمير، وصغارها بصغار الحمير اثنان بواحد إلى أجل؛ تكلم ابن
القاسم على ما يعرف بمصر من أن الحمير تتخذ للركوب كالبغال؛ وتكلم ابن حبيب
على ما يعرف بالأندلس من أن الحمير لا تتخذ للركوب،
(7/187)
وإنما هي للخدمة مع اختلاف أجناسها، ووجه
ما ذهب إليه ابن القاسم أنه راعى تشابههما في وجوه المنافع وإن افترقت
أصولها؛ فقوله في البغال والحمير نحو مذهب أشهب في أن رقيق ثياب القطن
والكتان صنف واحد، لتشابههما في المنفعة وإن اختلفت أصولهما؛ والذي يأتي
على مذهب ابن القاسم في البغال والحمير على ما يعرف بالأندلس من أنها صنف
واحد، لا يجوز صغير من البغال بصغيرين من الحمير إلى أجل وما كان يستمطى من
كبار البغال صنف لا يجوز بما لا يستمطى منها، ولا بكبار الحمير اثنان بواحد
إلى أجل؛ وما لا يستمطى منها وإنما هو للخدمة، فهو مع الحمير صنف واحد، لا
يجوز منها بغل بحمارين إلى أجل.
[مسألة: السلف في الدجاج والحمام والأوز وجميع
الطير الداجن]
مسألة قلت فالدجاج والحمام والأوز، وجميع الطير الداجن الذي يكون عند
الناس، هل يحل واحد باثنين إلى أجل مثل الدجاجة البياضة المعروفة بذلك
بالدجاجاتين أو الثلاث ممن ليست مثلها في كثرة ما تبيض غير أنها تبيض؛ قال
لا يحل دجاجة بدجاجتين، ولا إوزة بإوزتين؛ ولا شيء من الطير الداجن واحد
باثنين إلى أجل وإن تفاضلت في البيض والفراخ، ليس هذا اختلافا يحل به واحد
باثنين من جنسه إلى أجل؛ ولا يحل صغير الطير بكبيره، ولا كبيره بصغيره إلى
أجل؛ ولا يحل دجاجة كبيرة
(7/188)
بفروجين، ولا فروج بدجاجتين، ولا إوزة بفرخ
إوزة، ولا يحل صغير بكبير من جنسه في شيء من الطير؛ قال ابن القاسم إلا أن
يكون الطير الداجن مما ليست فيه منفعة إلا اللحم، مثل الدجاجة التي لا تبيض
وقد فسدت وليست تراد إلا للذبح، فإذا كان كذلك، فلا بأس أن يباع بما لا
يستحيى من الطير؛ لأنه لحم كله ولا يكون ذلك إلا يدا بيد، لا يدخل في شيء
منه أجل ولا تأخير على التحري.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه أن ما كان من
الطير الذي يقتنى للبيض أو الفرخ كالدجاج والإوز والحمام، فكل جنس منه صنف
على حدة: صغاره وكباره، ذكوره وإناثه، لا يجوز بعضه ببعضه اثنان بواحد إلى
أجل، وإن تفاضل في البيض والفراخ؛ فإن اختلفت الجنسان، جاز الواحد منه
بالاثنين إلى أجل، وأن ما كان منها لا يقتنى لبيض ولا فرخ، فسبيله سبيل
اللحم عند ابن القاسم، لا تراعى الحياة القائمة فيه إلا مع اللحم؛ وأشهب
يراعيها في كل حال، فيجوز على مذهبه فيها سلم بعضها في بعض إذا اختلفت
أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو لفراخ، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم حبل
حبلة من سماع عيسى، فقف على ذلك، وبالله التوفيق.
[مسألة: الخبز واللحم والبيض يباع بعضه ببعض
تحريا]
مسألة قال ابن القاسم وقد قال لي مالك إن الخبز واللحم والبيض يباع بعضه
ببعض تحريا أن يكون فيما يعطى ما يأخذ مثلا بمثل، بلا كيل ولا وزن؛ قال ابن
القاسم وذلك إذا بلغه التحري
(7/189)
ولم يكثر حتى لا يستطاع أن يتحرى، وكذلك كل
ما يباع وزنا ولا يباع كيلا، فإنه يجري مجرى هذا؛ وكل صنف من الطعام أو
غيره مما يجوز منه واحد باثنين من صنفه، فلا بأس باقتسامه على التحري، كان
مما يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن.
قال محمد بن رشد: قوله إن كل ما يباع وزنا ولا يباع كيلا مما لا يجوز فيه
التفاضل، يجوز بيع بعضه ببعض على التحري، هو مثل ما في المدونة، ومثل ما
مضى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم؛ وقد مضى القول على ذلك
هنالك. وقول ابن القاسم إن ذلك إنما يجوز فيما لم يكثر حتى لا يستطاع أن
يتحرى، تفسير لقول مالك؛ وكما يجوز بيع بعضه ببعض بالتحري، فكذلك يجوز
اقتسامه بالتحري، وقد قال ابن حبيب إن ذلك لا يجوز، ومعنى ذلك فيما كثر،
والله أعلم.
وأما ما يباع كيلا ولا يباع وزنا مما لا يجوز فيه التفاضل، فلا اختلاف في
أنه لا يجوز أن يباع بعضه ببعض بالتحري، ولا أن يقتسم على التحري؛ وأما ما
يجوز فيه التفاضل، فاختلف في جواز قسمته على التحري، وبيع بعضه ببعض على
التحري على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك جائز فيما لا يباع كيلا، وإنما يباع
وزنا كالفاكهة، أو جزافا كالبقول؛ وهو مذهب ابن القاسم فيما حكى عنه ابن
عبدوس. والثاني أن ذلك جائز فيما يباع كيلا أو وزنا أو عددا، وهو مذهب أشهب
وقول ابن القاسم في هذه الرواية، وإليه ذهب ابن حبيب. والثالث أن ذلك لا
يجوز فيما يباع كيلا ولا فيما يباع وزنا وعددا، وهو الذي في آخر كتاب السلم
الثالث من المدونة. ودليل ما وقع في كتاب القسم من المدونة
(7/190)
في البقول، أنه لا يجوز أن تقسم حتى تجز
وتباع؛ وقد وقع في بعض الكتب حتى تجز أو تباع، فإذا ثبت الألف في ذلك، دل
على جواز القسمة فيه على التحري بعد الجز على ما ذهب إليه ابن عبدوس من
جواز التحري فيما لا يكال مما يجوز فيه التفاضل.
[مسألة: باع ألف إردب بمائة إلى سنة فوجده
يبيعه في السوق فأراد أن يشتري منه بنقد]
مسألة قال ابن القاسم قال لي مالك لو أن رجلا باع ألف إردب بمائة دينار إلى
سنة، فوجده يبيعه في السوق، فأراد أن يشتري منه بنقد؛ قال إن اشترى منه
بنقد بمثل الثمن الذي له عليه، وبمثل الكيل الذي باعه إياه، أو أدنى من
كيله، فلا بأس به؛ فقيل لمالك فلو حل الأجل فأتاه يتقاضاه ثمنه، فلم يجد
عنده ثمنا فأراد أن يأخذ منه من صنف طعامه أقل من كيله بما يسأله من الثمن؛
قال مالك لا يعجبني، قال عيسى وقد قال مالك في كتاب الرطب باليابس من سماع
ابن القاسم لا بأس به.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى فيها القول مستوفى في رسم حبل حبلة؛
لأنها من جملة الفروع التي فرعنا المسألة الواقعة فيه إليها، وذكرنا حكمها
وأصلها، ووجه القياس فيها، فلا معنى لإعادتها.
[خبز القمح بخبز الأرز متفاضلا]
من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الصبرة قال يحيى قال ابن القاسم أكره
خبز القمح بخبز الأرز
(7/191)
متفاضلا؛ لأنهما إذا صارا خبزا، فقد صارا
صنفا واحدا؛ وهما عندي وما أشبهه هما يجمعه أسم الخبز، بمنزلة الخل: خل
العنب والتمر والعسل وأشباه ذلك مما أصوله مختلفة؛ فإذا اجتمع خلا، جمعه
الاسم والمنفعة، وحرم بعضه ببعض متفاضلا.
قال محمد بن رشد: الأخباز، والأخلال، والأنبذة، والأسوقة، لا يراعى أصولها؛
لأن المنفعة فيها واحدة؛ فلا يجوز التفاضل في الخبز، ولا في الخل، ولا في
النبيذ ولا في السويق وإن افترقت أصولها فكانت مما يجوز فيه التفاضل، خلاف
الزيوت يجوز التفاضل في الزيت إذا اختلفت أصوله، فكان هذا زيت زيتون، وهذا
زيت فجل أو جلجلان، وما أشبه ذلك؛ هذا هو المشهور، وقد روي عن ابن القاسم
أن التفاضل في الأخباز القطنية جائز باختلاف أصوله، وروى ابن جعفر الدمياطي
عنه أن خبز القطنية كلها صنف، وأن خبز ما عدا القطنية من القمح والشعير
والسلت والأرز والذرة والدخن صنف؛ فيجوز التفاضل في خبز ذلك كله بخبز
القطنية، ولا يجوز التفاضل في أخباز القطنية، ولا في أخباز ما عدا القطنية،
وإذا كانت أصول الأخباز مما يجوز فيه التفاضل، فتعتبر المماثلة في أعيان
الأخباز على مذهب من لا يجيز التفاضل فيها؛ وإن كانت مما لا يجوز فيه
التفاضل: مثل خبز القمح، وخبز السلت أو الشعير، فالمماثلة تكون فيها بأن
يتحرى كيل ما دخل في كل واحد منهما من الدقيق على ما في سماع أبي زيد من
كتاب جامع البيوع.
[مسألة: طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن
يستوفى]
مسألة وسئل عن طير الماء الذي لا يستحيى أيباع قبل أن يستوفى؟ قال لا، هو
عندي بمنزلة الطعام.
(7/192)
قال محمد بن رشد: معناه إذا أسلم فيه، وأما
إذا اشتراه بعينه فالنقد يدخل في ضمانه؛ لأنه جزاف؛ ويجوز بيعه قبل قبضه
كالصبرة تشتري جزافا؛ وهذا على أصل ابن القاسم في أن هذه الحياة غير مرعية؛
وأما على مذهب أشهب، فيجوز له أن يبيعه قبل أن يستوفيه وإن أسلم فيه؛ لأن
الحياة فيه مرعية عنده على ما قد ذكرناه في الرسم الذي قبل هذا، وفي رسم
حبل حبلة.
[مسألة: الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل
بمائة دينار]
مسألة قال ابن القاسم في الرجل يبيع السلعة من الرجل إلى أجل بمائة دينار،
ثم يتعدى فيبيعها من رجل آخر بعشرة دنانير نقدا، أن المشتري الأول أحق
بسلعته ما لم تفت؛ فإن فاتت خير، فإن شاء أخذ العشرة الدنانير من البائع،
وأعطاه عند الأجل عشرة ليس له عليه غيرها، ويوضع عنه التسعون التي أراد أن
يربي له بها عليه؛ وإن كانت قيمة السلعة أكثر من العشرة الدنانير التي
باعها بها نقدا، كان للمشتري الأول أن يغرم للبائع تلك القيمة ولا يقضيه
عند حلول أجل المائة إلا القيمة التي قبض من البائع، لا يصلح للمشتري أن
يرد على البائع عند الأجل المائة، إلا قرر ما قبض منه من عدة الدنانير
العشرة التي باع بها نقدا، أو القيمة إن كان قبض منه القيمة وليس للبائع
(7/193)
أن يأبى دفع ذلك إليه، وليس له أن يتعجل
قبض ذلك منه قبل الأجل، ولا أن يزداد عليه أكثر مما دفع إليه.
قال محمد بن رشد: جعل ابن القاسم تعدي البائع على السلعة وبيعها بالنقد بعد
أن كان باعها بثمن إلى أجل إذا اختار المشتري الأول أن يجيز البيع ويأخذ
الثمن الذي باعها به نقدا، أو القيمة إن كانت قد فاتت وهي أقل من الثمن
الذي كان اشتراها به؛ بمنزلة إذا اشتراها منه بالنقد بعد أن كان باعها منه
بثمن إلى أجل، وأنهما على القصد إلى دفع دنانير في أكثر منها إلى أجل؛ فقال
إنه يقضى له على البائع إن كانت السلعة قد فاتت بالأكثر من الثمن الذي
باعها به أو القيمة، ولا يأخذ منه عند الأجل إلا ذلك، ويطرح عنه الزائدة
ويدخل في هذا من الاختلاف ما يدخل فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها
بأقل من ذلك نقدا وفاتت السلعة؛ وذلك ثلاثة أقوال، أحدها هذا؛ والثاني أنه
يفسخ البيع الأول إذا أبى المبتاع الأول من أخذ سلعته وأراد أخذ الثمن، أو
فاتت وأراد أخذ القيمة؛ وإن كانت القيمة أكثر من الثمن، فلا يحكم له على
البائع بشيء من ذلك ويسقط عنه الثمن؛ وهو الذي يأتي على ظاهر ما في رسم حلف
من سماع ابن القاسم، وما في رسم القطعان من سماع عيسى. والثالث الفرق بين
أن تكون القيمة أو الثمن أكثر من الثمن الذي عليه إلى الأجل وأقل، فإن كان
أقل فسخ البيع الأول وسقط عنه الثمن ولم يقض له بقيمة ولا ثمن؛ وإن كان
أكثر، قضى له بأخذ القيمة أو الثمن؛ فإذا حل الأجل أدى ما عليه حسبما مضى
القول فيه في رسم حلف المذكور، وقد قيل إن عدا البائع على السلعة، بخلاف
شرائه لها، فلا يتهمان مع العداء، ويحكم له بأخذ الثمن أو القيمة إن كانت
السلعة قد فاتت، ويكون عليه إذا حل الأجل الثمن الذي كان عليه وإن كان أكثر
مما قبض من القيمة أو الثمن.
(7/194)
[مسألة: يشتري
من الرجل عبدا بمائة دينار إلى أجل]
مسألة وقال ابن القاسم في الرجل " يشتري من الرجل عبدا بمائة دينار إلى
أجل، وللمشتري على البائع مائة مثلها إلى ذلك الأجل أو حالة، فاستقال
المشتري البائع من العبد، فقال البائع لا أقيلك إلا أن تضع عني المائة
الدينار التي لك علي؛ فقال المشتري قد فعلت؛ إن ذلك جائز؛ لأنه رجل قضاه ما
له عليه من المائة الدينار، وزاده مع القضاء عطية العبد؛ وإنما يجوز ذلك
إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع حالة أو إلى أجل ثمن العبد، وكان
ما لكل واحد منهما على صاحبه متكافئا؛ ألا ترى أنها إذا كانت حالة، فقد عجل
له قضاء مائة محاها عنه بمائة كانت له عليه إلى أجل، وأعطاه العبد بلا ثمن
أخذه منه؛ وكذلك أيضا إذا كانت إلى أجل ثمن العبد، فهو يمحو عنه المائة
بالمائة التي قبله ويزيده العبد بلا ثمن؛ ولم يدخل ذلك شيء من المكروه، قال
وإن كان للمشتري قبل البائع أكثر من المائة التي عليه من ثمن العبد حالة أو
إلى أجل ثمن العبد؛ فاستقاله على أن وضع ذلك عنه، فهو مثل ما وصفنا من
المسألة الأولى حلال جائز؛ قال وإن اختلفت الآجال، فكان الذي بكل واحد على
صاحبه مثل الذي لصاحبه عليه أو أقل أو أكثر، لم يصلح له أن يقيله على أن
يفسخ المشتري عن البائع دينه الذي له عليه؛ وذلك أن يبيع الذهب بالذهب
إحداهما معجلة والأخرى إلى
(7/195)
أجل يدخله؛ ألا ترى أنه إذا كانت مائة
المشتري على البائع إلى شهر، وقد وجبت عليه مائة من ثمن العبد إلى سنة،
فاستقاله على أن محا عنه المائة التي إلى شهر، فإنما اشترى المائة التي
عليه إلى سنة بالعبد الذي رد، وبمائة يقاصه بها إلى شهر؛ وكذلك إن كانت
مائة المشتري على البائع إلى أبعد من أجل ثمن العبد لم يصلح أيضا، ولا تصلح
هذه الإقالة على فسخ ما للمشتري على البائع حتى يكون حقه حالا أو إلى أجل
ثمن ما اشترى.
قال محمد بن رشد: أما إذا كانت مائة المشتري على البائع حالة، فجواز ذلك
بين لا أشكال فيه؛ لأن المبتاع عجل للبائع المائة التي عليه إلى أجل، إذ
أعطاه بها المائة التي له عليه حالة؛ وله أن يعجلها فعجل له ما من حقه
تعجيله وزاده مع التعجيل عطية العبد، وكذلك إن كان الذي للمشتري على المائع
أكثر من مائة؛ لأنه عجل له حقه ووضع عنه الزائد، وزاده عطية العبد، وأما إن
كان الذي للمشتري على البائع أقل من مائة، فلا يجوز بحال؛ لأن البائع يصير
قد أخذ من المائة التي له أقل من مائة والعبد، فيدخله عرض وذهب بذهب إلى
أجل، وضع وتعجل؛ وأما إذا كانت المائة التي له عليه إلى أجل ثمن العبد،
فقال إن ذلك جائز؛ لأنه محا عنه المائة بالمائة، وزاده العبد؛ وفي ذلك من
قوله نظر؛ لأن محو المائة عنه بالمائة ليس من حقه، فصار البائع إنما أجابه
إلى المقاصة على أن أخذ منه العبد؛ ولعله خشي هو إن لم يقاصه أن يقوم عليه
الغر ماء قبل حلول الأجل، فيتحاص معهم في المائة التي عليه؛ فرضي أن يعطيه
العبد على أن يقاصه بالمائة في المائة، ليتخلص بالمائة التي عليه دون
الغرماء، فيدخله ذهب وعرض بذهب؛ وهذا بين، فلا فرق في القياس بين أن تكون
مائة المشتري على البائع إلى أجل ثمن العبد، أو إلى دونه إذا لم تكن حالة؛
وأما إذا كانت المائة التي للمشتري على البائع إلى أبعد من أجل
(7/196)
ثمن العبد، أو إلى دونه؛ فالمكروه في ذلك
بين؛ لأنه أخذه بالمائة التي وجبت عليه من ثمن العبد إلى أن يحل أجل المائة
التي عليه، فتكون مقاصة على أن يعطيه العبد فتدخله الزيادة في السلف وبيع
ذهب وعرض بذهب إلى أجل.
[مسألة: يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى
شهر وبثوب نقدا]
مسألة وسألته عن الرجل يبيع من الرجل السلعة بعشرة دنانير إلى شهر وبثوب
نقدا على أن يسلف المشتري البائع عشرة دنانير إلى أجل ثمن السلعة، ففاتت
السلعة أو لم تفت؛ فقال: أما إذا كان السلف شرطا في أصل البيع إلى أجل ثمن
السلعة بعينه، وعلى أن يتقاضى بما صار لكل واحد منهما على صاحبه فلا بأس
به، ولا يفسخ البيع، فاتت السلعة أو لم تفت؛ وذلك أن فعلهما وقع على وجه
الحلال وإن قبح كلامهما؛ ألا ترى أنه إنما اشترى السلعة بعشرة دنانير نقدا
وبثوب نقدا؛ لأن أجل السلف وأجل ثمن السلعة واحد؛ فهذا إذا حل الأجل لم يكن
لواحد منهما على صاحبه شيء؛ قلت فإن باعها إياه بعشرة إلى شهر وبثوب نقدا
على أن يسلفه خمسة دنانير إلى ذلك الأجل؟ قال وهذا أيضا مثل الأول لا بأس
به، إنما باعها إياه بخمسة وثوب نقدا، وبخمسة إلى أجل؛ قال فإن اختلفت
الآجال، لم يجز البيع؛ لأنه يصير بيعا وسلفا؛ ألا ترى لو باعه إياها بعشرة
إلى شهر على أن يسلفه المشتري عشرة إلى شهرين أو إلى عشرين يوما، أن كل
واحد منهما يقتضي حقه من صاحبه عند محل أجله، ولا تصلح فيه المقاصة لاختلاف
الآجال، فهو البيع والسلف؛ فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع وردت؛ وإن فاتت رد
السلف ونقض البيع، وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم قبضها؛ قلت أرأيت إن باعها
إلى شهر بعشرة دنانير على أن يسلفه مائة درهم إلى شهر والصرف
(7/197)
عشرة دراهم بدينار؛ قال هذا لا خير فيه ذهب
بوزن إلى أجل.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال إن الآجال إذا اختلفت يدخله بيع وسلف،
إذ لا تكون في ذلك مقاصة، لاختلاف الآجال؛ وأما قوله إن السلعة إن لم تفت
فسخ البيع وردت، وإن فاتت رد السلف ونقض البيع وصيرت السلعة إلى قيمتها يوم
قبضها؛ فالظاهر منه أن البيع يفسخ على كل حال- ما كانت السلعة قائمة، ولا
يكون في ذلك خيار لمشترط السلف، وتكون فيها القيمة إن فاتت بالغة ما بلغت؛
ومثله في العشرة ليحيى عن ابن القاسم على حكم البيع الفاسد لغرر يكون فيه،
أو فساد في ثمن أو مثمون، خلاف المشهور في المذهب من أنه لا يفسخ إذا أرضى
مشترط السلف بتركه على مذهب سحنون، أو رده على مذهب ابن القاسم إن كان قد
قبضه. يريد ما لم يمض أجله، أو مقدار ما يرى أنه أسلفه إليه؛ فإن فاتت
السلعة كان فيها الأكثر من القيمة، أو الثمن إن كان البائع هو مشترط السلف،
أو الأقل من القيمة، أو الثمن إن كان المشتري هو مشترط السلف على البائع
حكم بيوع الثنيا في المشهور من الأقوال فيها؛ وقد قيل إن البائع إن كان هو
مشترط السلف وفاتت السلعة، كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن، ما لم تكن
القيمة أكثر من الثمن والسلف، فلا يزاد البائع على ذلك شيئا؛ وإن كان
المشتري هو مشترط السلف على البائع، كان فيها الأقل من القيمة أو الثمن، ما
لم تكن القيمة أقل من الثمن بعد أن يطرح منه السلف، فلا ينقص المبتاع من
ذلك شيئا، وهو قول أصبغ؛ ويتخرج في المسألة قول ثالث وهو أن يرجع مشترط
السلف منهما على صاحبه بقدر ما نقصه أو زاده بسبب الشرط؛ ووجه العمل في
ذلك، أن تقوم السلعة بشرط السلف ودون شرط، فيؤخذ اسم ما بين القيمتين من
الثمن، ويرجع بذلك البائع على المبتاع إن كان هو مشترط السلف؛ والمبتاع على
البائع إن كان هو مشترط السلف؛ وقال سحنون إذا قبض السلف وغيب عليه، فقد تم
الحرام بينهما ووجب فسخ البيع على كل حال ما كانت السلعة قائمة؛ وأن تكون
فيها القيمة بالغة ما بلغت إذا كانت قد فاتت، هو مذهب ابن حبيب، ووجه رواية
يحيى أن البيع والسلف يؤول الأمر فيه إلى
(7/198)
الفساد في الثمن أو المثمون؛ لأن البائع إن
كان هو مشترط السلف على المبتاع، فكأنه قد باع منه سلعة نجما سمى من الثمن،
وبما يربح في السلف إلى الأجل الذي سمى السلف إليه؛ وإن كان المبتاع هو
مشترط السلف على البائع، فكأنه قد اشترى منه السلعة وما يربح في السلف بما
سمى من الثمن؛ فوجب أن يفسخ البيع على كل حال في القيام، وأن تكون فيه
القيمة بالغة ما بلغت في الفوات؛ ووجه القول الثاني أن السلف قد لا يزيده
مشترطه ليتجر به، وإنما يزيده لغير ذلك من الوجوه، فلا يؤول ذلك إلى فساد
في الثمن ولا في المثمون، ويكون البيع على ذلك من بيوع الثنيا؛ وأما إذا
اشترى السلعة بعشرة دنانير إلى شهر على أن يسلف للبائع مائة درهم إلى ذلك
الأجل، والصرف عشرة دراهم بدينار؛ فإن الجواب فيها سقط من بعض الروايات،
وثبت في بعضها وهو صحيح، إذ لا يوجب الحكم المقاصة بالدينار من الدراهم؛
ولو وقع البيع بشرط المقاصة، لوجب أن يجوز وإن قبح اللفظ؛ لأن مآل أمرهما
إلى أن باع منه السلعة بمائة درهم نقدا، وقد قال ذلك ابن أبي زيد.
[مسألة: خل التمر بنبيذ التمر]
مسألة قال ابن القاسم لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل لأن
حالهما متقاربة؛ ولا خل التمر بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛ لأن منفعتهما
متقاربة.
قال محمد بن رشد: لم يجز في هذه الرواية خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا
بمثل، وكذلك على قياس قوله لا يجوز خل الزبيب بنبيذ الزبيب إلا مثلا بمثل؛
وإذا لم يجز خل التمر بنبيذ التمر، ولا خل الزبيب بنبيذ الزبيب متفاضلا،
لقرب ما بينهما؛ وكان التمر بنبيذ التمر، والزبيب بنبيذ الزبيب، لا يجوز
على حال، لقرب ما بينهما؛ وجب ألا يجوز خل التمر
(7/199)
بالتمر، ولا خل الزبيب بالزبيب على حال
أيضا، لقرب ما بينهما؛ بخلاف خل العنب بالعنب، وهو نحو قول ابن الماجشون؛
لأنه لم يجز خل التمر بالتمر إلا في اليسير، ومنع منه في الكثير؛ وكذلك
الرقيق بالحنطة عنده، رواه أبو زيد عنه، خلاف ما في المدونة من أن خل التمر
بالتمر متفاضلا جائز، كخل العنب بالعنب؛ والفرق بين خل العنب بالعنب، وبين
خل التمر على هذه الرواية، ما قيل إن خل التمر والزبيب والتين تخليله
متقارب، بخلاف خل العنب؛ والى هذا ذهب الفضل، واستحسن هذه الرواية لهذا
المعنى؛ ويحتمل أن يفرق بين المسألتين بأن يقال إن النبيذ لا يصلح بالتمر
لقرب ما بينهما، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، لقرب ما بينهما أيضا، ويصلح
التمر بالخل لأنه يبعد ما بينهما، وذلك أن الخل والتمر طرفان بعيد ما
بينهما، فيجوز التفاضل بينهما؛ والنبيذ واسط بينهما يقرب من كل واحد منهما،
فلا يجوز بالتمر على حال، ولا بالخل إلا مثلا بمثل، وهذا أظهر لما وقع في
رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع في بعض الروايات من أنه لا بأس
بخل التمر بالتمر، ولا يجوز النبيذ بالتمر، ففرق بين المسألتين؛ فلا يكون
على هذا التأويل ما في المدونة من جواز الخل بالتمر مخالفا لقوله في هذه
الرواية إنه لا يصلح خل التمر بنبيذ التمر إلا مثلا بمثل، وأما خل التمر
بنبيذ الزبيب، فإنما لم يجز إلا مثلا بمثل، من أجل أن أحوالهما متقاربة، لا
من أجل أن منفعتهما متقاربة كما قال في الرواية؛ فالجواب صحيح،
(7/200)
والتعليل غير صحيح؛ لأن منفعة الخل متباينة
لمنفعة النبيد.
[مسألة: يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن
الدار سنة]
مسألة وسئل عن رجل يبيع الدار بثمن إلى أجل على أن يسكن الدار سنة، أترى
الدين بالدين يدخل هذا؟ فقال: أما السكنى القريب والأشهر اليسيرة، فلا بأس
به؛ قال وقد سمعت مالكا وربما خفف السنة وهو أبعد ذلك عندي.
قال محمد بن رشد: لم يخفف إلا الأشهر والسنة، وكره ما هو أبعد من ذلك، من
أجل أن الدين بالدين يدخله عنده في البعيد، ولا مدخل للدين بالدين في ذلك؛
لأن ضمان الدار من المشتري، وإن استثنى البائع سكناها؛ ولو كان الضمان فيها
من البائع إلى انقضاء استثنائه، لما دخل ذلك أيضا الدين بالدين إلا على
قياس رواية أصبغ التي تقدمت في رسم أوصى من سماع عيسى، وذلك خلاف لما في
المدونة؛ فلا فرق في هذا بين أن يشتري الدار بدين أو أن ينقده، وإنما كره
مالك أن يستثنى سكنى أكثر من السنة. لأنه رأى أن الدار يتغير بناؤها إلى
هذه المدة، فلا يدري المشتري كيف ترجع إليه الدار التي اشترى؛ فهذا هو
الأصل في هذه المسألة، أنه يجوز للبائع أن يستثني من المدة ما يؤمن تغيير
بناء الدار فيها؛ وفد اختلف في حد ذلك اختلافا كثيرا، فلابن شهاب في
المدونة إجازة ذلك العشرة الأعوام، ومثله لابن القاسم في كتاب ابن المواز؛
ويقوم ذلك من كتاب العارية من المدونة؛ لأنه أجاز فيه أن
(7/201)
يعير الرجل الرجل الأرض على أن يبني فيها
ويسكنها عشر سنين إذا بين البنيان ما هو، وهو قول المغيرة؛ وأجاز ذلك سحنون
في سماع أبي زيد من كتاب طلاق السنة في الخمسة الأعوام، وقد روى ابن وهب عن
مالك السنة ونصف؛ وينبغي أن ينظر في هذا إلى حسن البناء وتحصينه، فرب بناء
يتغير إلى المدة القريبة، ورب بناء لا يتغير المدة الطويلة. وأما بيع الأرض
واستثناؤها أعواما، فهو أخف يجوز في العشرة الأعوام؛ وهو قول ابن القاسم في
أول سماع أصبغ من كتاب الحبس، ومثله في كتاب ابن المواز؛ وقال المغيرة يجوز
في ذلك السنين ذوات العدد، ولا يجوز في الدار إلا العشر سنين ونحوها؛ ولابن
القاسم في المدنية لا يجوز ذلك في الأرض ولا في الدار أكثر من السنة، وهو
بعيد وشاذ في الأرض، والله الموفق.
[أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل ثم اشتراها
منه بنقد أو إلى أجل]
ومن كتاب المكاتب وسئل عن رجل أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل، ثم اشتراها
منه بنقد أو إلى أجل، فقال: أما إذا كانت الحنطة على المستسلف حالة، فلا
بأس أن يشتريها منه بنقد؛ وذلك أن حنطته رجعت إليه وأعطاه دينارا بحنطة
أخرى يقبضها حالة؛ قلت أما تراه الآن سلف في طعام مضمون إلى غير أجل؟ فقال
قد يدخله ما ذكرت لك، وما كنت آمر أحدا بمثل هذا ولا أبلغ تحريمه ولا قسطه؛
لأن مالكا قال لنا لا بأس بالتسليف في
(7/202)
الطعام إلى اليومين والثلاثة، فإذا وقع ما
سألت عنه أجزته، ولا آمر بالعمل به قبل أن يقع؛ وأما إذا كان الطعام إنما
استسلفه إلى أجل ثم اشتراه المسلف بثمن إلى أجل، فهذا لا يحل؛ لأنه بيع
الدين بالدين، صار أن رجع إليه طعامه بعينه وأوجب على نفسه ثمنا إلى أجل
بطعام يقبضه إلى أجل، فهذا لا يحل؛ وإن كان أسلفه الطعام إلى أجل واشتراه
بالنقد، فلا بأس به؛ لأن طعامه قد رجع إليه بعينه، وأعطاه ثمنا نقدا يأخذ
به طعاما إلى أجل، فهو كالتسليف الصحيح.
قال محمد بن رشد: هذا الرسم بجملة المسألة التي فيه وقع فيه بعض الروايات،
وكان يمضي لنا عند من أدركنا من الشيوخ أنه يقوم منها إجازة السلم الحال
إذا وقع، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يقع فيها مقصودا إليه، ولو وقع مقصودا
إليه بأن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في طعام يكون له حالا عليه يأخذ؛ به
متى أحب، لما أجازه والله أعلم؛ لأنه من بيع ما ليس عندك، وقد مضى القول في
بيع ما ليس عندك مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم؛ وقد قال أشهب إنه
إنما كره من أجل أنه كأنه قيل له خذ هذه الدنانير فاشتر بها كذا وكذا، فما
زاد فلك، وما نقص فعليك، فتدخله المخاطرة والغرر؛ وإنما أجازه؛ لأنهما فعلا
فعلين جائزين صحيحين في الظاهر: قرض وابتياع، فلم يتهمهما على القصد إلى
استجازة السلم الحال، إذ بعدت التهمة عنده عليهما في ذلك، فلم يفسخ ما آل
أمرهما إليه في ذلك من السلم الحال وإن كان يفسخه لو فعلاه
(7/203)
ابتداء، وقد مضى نحو هذا المعنى في رسم
أسلم، ورسم يدير ماله من سماع عيسى، وبالله التوفيق:
[يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل ويبيع القمح
بمائة دينار إلى أجل سنة]
من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب.
قالا سحنون وسئل أشهب عن الرجل يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل، ويبيع
القمح بمائة دينار إلى أجل سنة؛ فإذا حل الأجل، أقيل كل واحد منهما مما
عليه، فلم يدفعا ما أقيلا به حتى طال ذلك؛ لم يدفع الذي اشترى الطعام بمائة
إلى أجل لما أقيل من الطعام- الطعام حتى تباعد ذلك بشهر أو نحوه، ولم يدفع
الذي أعطى الدنانير في قمح إلى أجل الدنانير لما أقيل حتى تباعد ذلك بشهر
أو نحوه؛ قال الإقالة جائزة ولا تبطل وإن طال، إلا أن يكونا أخرا ذلك صنعا
له؛ فتكون الإقالة باطلة، ويكون على الذي أعطى الدنانير في قمح قمح كما هو،
وعلى الذي اشترى القمح بدنانير، دنانير كما هي.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في
السلم الثالث من المدونة؛ لأنه لم يجز فيه أن يتأخر ما أقاله فيه يوما ولا
ساعة بشرط ولا بغير شرط كالصرف، وهو أظهر من قول أشهب؛ لأن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع الدين بالدين» ، وعن
(7/204)
بيع الطعام قبل أن يستوفى كما نهي عن
التأخير في الصرف. وقد أجمعوا أنه لا يجوز التأخير في الصرف بشرط ولا بغير
شرط، فوجب أن يرد ما اختلفوا فيه من فسخ الدين في الدين إلى ما اتفقوا عليه
في الصرف، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف تفصيل
القول فيما تأخر من الصرف.
[مسألة: يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما لا
تستحيى]
مسألة قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما
لا تستحيى، فإذا حل الأجل أخذ في صنفها دونها أقل عددا، فلا بأس به؛ وإن
أخذ من غير صنفها أقل عددا فلا خير فيه، إلا أن يأخذ دونها في العدد من غير
صنفها من الطير مما لا يستحيى يتحرى أن يكون بقدر المائة. قلت له فما تقول
في المذبوح منه بالحي وكل ما لا يستحيى؟ قال هذا الأخير فيه، وهو الحي
بالميت الذي كره، وإنما يجوز أن يشتري بعضه ببعض إذا كانت أحياء يتحرى أن
يكون مثلا بمثل.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا أسلم في طير أحياء مما لا يستحيى أنه يجوز
له إذا حل الأجل أن يأخذ من صنفها دونها أقل عددا، فهو مما لا اختلاف فيه
عند جميعهم؛ لأنه أخذ من صنف ما سلم فيه أدنى في الصفة وأقل عددا، فوجب أن
يجوز كمن سلم في مائة إردب محمولة، فأخذ لما حل إلا جل خمسين محمولة أدنى
من صفة التي سلم فيها؛ ولو كان ذلك
(7/205)
قبل الأجل لما جاز، وأما إذا أخذ من غير
صنفها أقل عددا، فقوله إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون بقدر التي له على
التحري. يريد بعد حلول الأجل، هو على أصله الذي قد تقدم له في آخر رسم باع
شاة، وفي أول رسم حبل حبلة من سماع عيسى من أن مسألة الحياة التي فيما لا
يستحيى غير مرعية عنده إلا مع اللحم من صنفه، وأشهب يراعيها في كل حال،
فيحكم لها بحكم العروض؛ فيجوز على مذهبه أن يأخذ من صنفها بعد حلول الأجل
أقل أو أكثر، ولا يأخذ قبل الأجل من صنفها إلا مثل ما له، لا أقل ولا أكثر،
ويأخذ من غير صنفها ما شاء، وقول ابن القاسم إن الحي منها بالمذبوح لا يجوز
على حال، هو على أصله المذكور في مراعاة حياتها مع اللحم للحديث، وقد مضى
بيان ذلك كله في رسم حبل حبلة المذكور، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب
قمح يأخذ كل يوم أو إردبا]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب قمح،
أو مائة كبش موصوفة يأخذ كل يوم كبشا أو إردبا؛ قال لا بأس بذلك، وكذلك قال
مالك في الذي يعطي الحناط دينارا على أن يأخذ منه خمسة عشر صاعا، يأخذ كل
يوم صاعا، قلت له فإن سلف فيها إلى خمسة أيام يأخذها؟ قال ولو وقع لم
أفسخه، وأنا أتقيه؛ واحتج بقول مالك في الرجل يشتري الزرع وقد أفرك، فيفوت
ذلك وييبس؛ قلت (له) فإن
(7/206)
مرض المسلف إليه أو فلس؟ قال فهو ضامن
عليه، قلت له وإن كان رأس المال إلى أجل ولم يقدمه؟ قال لا بأس به. قلت له
ولم لا يكون هذا دينا في دين؟ قال هذا ليس من ذلك. قلت له فالجزار إن مات
أو مرض أو فلس؟ فقال الجزار ليس هو مثل هؤلاء، الجزار إن مرض مرضا بينا
وجاء عذر بين، فسخ ما بقي. وقال غيره لا يجوز في مسائل في الطعام والغنم
إلا لمن كان ذلك عنده، فأما إن كان ليس عنده، فهو لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: أما الذي سلم مائة دينار في مائة إردب أو في مائة كبش على
أن يأخذ كل يوم كبشا من ثاني يوم سلمه، فإنما جاز ذلك من أجل أن ما تعجل من
الأرادب أو الكباش قبل الأجل الذي يجوز إليه السلم على المشهور من قول مالك
إنه لا يجوز إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، يسير في جنب ما يتأخر
منها؛ وأما إجازة مالك أن يسلم الرجل دينارا إلى الحناط على أن يأخذ منه
خمسة عشر صاعا صاعا كل يوم؛ فيحتمل ذلك وجهين، أحدهما أن يكون إنما أجاز
ذلك على قوله الذي رجع إليه من إجازة السلم إلى اليومين والثلاثة. والثاني
أن يكون معنى المسألة إنما دفع إليه الدينار على أن يأخذ منه خمسة عشرة
صاعا كل يوم صاعا بعد أجل سمياه؛ وأما إجازة ابن القاسم السلم إلى خمسة
أيام إذا وقع، فقد بين أنه إنما أقاله مراعاة للاختلاف في ذلك؛ واحتج لما
ذهب إليه من مراعاة الخلاف بمراعاة مالك له في الذي يشتري الزرع قبل أن
ييبس وقد أفرك، أنه لا يفسخه إذا فات باليبس، مراعاة لقول من أجاز بيعه إذا
أفرك قبل أن ييبس؛ وقد قيل إن العقد فيه فوت مراعاة للاختلاف، وقد قيل إن
القبض فيه فوت، وقد قيل إنه يفسخ ما لم
(7/207)
يفت بعد القبض، وهو ظاهر ما في السلم الأول
من المدونة؛ وأما قوله إن السلف إليه ضامن لما عليه إن مرض أو فلس، وإن رأس
المال إن كان مؤخرا إلى أجل فلا بأس به، ولا يكون ذلك دينا في دين؛ فإنما
تكلم في السلم الذي أجازه فقهاء المدينة ولم يروه من الدين بالدين، واشتهر
ذلك في فعلهم حتى صار يسمى بيعة أهل المدينة؛ ذكر ذلك مالك عن عبد الرحمن
بن المجبر عن سالم بن عبد الله، أنه قال كنا نبتاع اللحم كذا وكذا رطلا
بدينار، نأخذ كل يوم كذا وكذا رطلا والثمن إلى العطاء، فلم ير أحد ذلك دينا
بدين، ولم يروا به بأسا؛ فهذا أجازه مالك وأصحابه اتباعا لما جرى عليه
العمل بالمدينة بشرطين، أحدهما أن يشرع في أخذ ما سلم فيه. والثاني أن يكون
أصل ذلك عند المسلم إليه على ما قال غير ابن القاسم ههنا، فليس ذلك بسلم
محض؛ ولذلك جازتا خير رأس المال فيه، ووجب فسخه إن مرض أو مات أو فلس، ولا
يشترى شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله؛
وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك، ورآه دينا بدين؛ قال وتأويل حديث ابن
المجبر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وإجازة ذلك على الشرطين
المذكورين، هو المشهور في المذهب، وعليه تكلم في هذه الرواية. وقوله فيها
إن المسلف إليه ضامن لما عليه، معناه إذا انتقد وكان الذي عليه مما يمكنه
دفعه مع مرضه
(7/208)
أو فلسه، أو لا يمكنه ذلك، ويمكن المسلم
تخيره بما وجب له عليه حتى يأخذه جملة من غير ضرر يكون عليه في ذلك؛ وأما
إذا لم ينتقد أو كان قد انتقد وكان الذي سلم إليه فيه مثل اللحم الذي لا
يمكنه أن يوفيه كل يوم شرطه منه مع مرضه؛ وإن أخره حتى يأخذه جملة، أضر ذلك
بالمسلم، إذ الغرض منه إنما هو أخذه رطبا يوما بيوم، فيفسخ السلم بمرضه أو
موته أو فلسه، ويأخذ منه بقية رأس ماله في المرض والموت، وما يجب له منه في
التفليس بالمحاصة، فهذا وجه تفرقة مالك بين الجزار وغيره.
[مسألة: يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى
أجل]
مسألة وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى
أجل، فيتعدى عليه البائع فيبيعه بخمسة دنانير نقدا أو بدراهم نقدا أو بطعام
نقدا أو إلى أجل، قال إذا باعه بعشرة دنانير، فإن خيف أن يكون إنما أراد به
وجه الذريعة، مثل أن يكون لا يبصر البيع، أو مثل أن يكون يريد عنته، فلا
بأس أن يجيز البيع؛ وإن خيف فلا أحبه، وأرى أن يفسخ البيع، وأما إن باعه
بطعام نقدا، فأراد أن يأخذ الطعام فذلك له.
(7/209)
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه
المسألة في أول سماع يحيى مستوفى، فلا معنى لإعادته.
[مسألة: لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد ولا
تشترى جزافا في أحمال ولا صبر]
مسألة قال ابن القاسم لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد، ولا تشترى جزافا
في أحمال ولا صبر، والحيتان الصغار تشترى جزافا في الظروف إذا عرف عدد
الظروف، وهو خلاف القثاء والبطيخ في أحماله وإن كان عظيما، فلا بأس أن
يشترى البطيخ (مصبرا) جزافا والقثاء.
قال محمد بن رشد: لم يجز أن تباع الحيتان الكبار جزافا لا في أحمال ولا في
صبر، وأجاز أن يباع البطيخ والقثاء وإن عظم في أحماله ومصبرا؛ لأن القثاء
والبطيخ لا تعظم حتى يكون في الحمل الواحد منها ما لا يشق عدده، والحيتان
إذا عظمت جدا لا يكون في الحمل الواحد منها ما يشق عدد، فأصل هذا أنه لا
يجوز أن يباع جزافا ما يعد عددا مما لا مؤنة في عدده من كبير إلا شياء،
فالحيتان الكبار والخشب الكبير الملقى بعضه على بعض، والظروف المملوءة من
الحيتان الصغار والسلال المملوءة من الفواكه وشبه ذلك؛ كما لا يجوز أن تباع
الثياب والعروض والحيوان من الإبل والبقر والدواب والغنم جزافا؛ لأن ترك
عدد ذلك وشراءه جزافا من المخاطرة والغرر، وإنما يجوز بيع الجزاف فيما عدا
الدنانير والدراهم مما يوزن أو يكال أو يعد من صغار الأشياء كالرمان
والفرسك وشبه ذلك؛ لأن الكثير من ذلك يشق كيله أو وزنه أو عدده،
(7/210)
والقليل منه يراه ويحزره ويحيط به بصره،
فلا غرر في ذلك إلا في الحيتان الصغار في الماء والطير الصغير في الأقفاص؛
لأنه يتداخل بعضه في بعض، فلا يحيط بصره بحزره؛ وإنما يجوز بيع الجزاف فيما
وصفنا أنه يجوز بيعه جزافا إذا لم يعلم البائع كيل ما يكال من ذلك، ولا وزن
ما يوزن منه، ولا عدد ما يعد منه؛ فإن علم ذلك وكتمه المبتاع، كان المبتاع
بالخيار كالعيب يجده فيما ابتاع؛ وكذلك لو علم ذلك المبتاع ولم يعلمه
البائع ثم اطلع بعد البيع أن المبتاع قد كان علم ذلك، لكان له الخيار؛ ولا
يكون لذلك حكم البيع الفاسد، إلا أن يقول البائع أنا أعرف كيل ذلك، أو وزنه
أو عدده؛ فأنا أبيعكه جزافا ولا أعلمك بذلك فيرضى به المشتري ويشتري على
ذلك، فيكون البيع على هذا فاسدا، قاله ابن حبيب.
[مسألة: يبيع من الرجل سلعة بخمسين إلى أجل ثم
يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين]
مسألة قال ابن القاسم عن الرجل يبيع من الرجل سلعة بخمسين دينارا إلى أجل،
ثم يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين دينارا نقدا، قال: إن كانت قائمة
فأحب المشتري أن يجيز البيع ويأخذ أربعين دينارا، كان ذلك له؛ وإن أبى،
فسخ؛ قلت فإن كانت فائتة؟ قال فإن أحب أخذ القيمة، وإن أحب أخذ الثمن؛ قلت
له: فإن كانت القيمة أربعين أو خمسة وأربعين؟ قال: إن ذهبت إلى القياس،
أخذت القيمة وأغرمته خمسين إذا حل الأجل، ولكني أتهمهم
(7/211)
أن يكونوا أرادوا الربى، فأغرم البائع
القيمة إن كانت أربعين أو خمسة وأربعين، فإذا حل الأجل جعلته يرجع بما أخذ
لا أكثر، قلت له فإن كانت القيمة ستين؟ قال تؤخذ الستون منه، فإذا حل الأجل
أعطى خمسين.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى مستوفى
فلا معنى لإعادته.
[مسألة: باع طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقده
دينارا]
مسألة قال سحنون: قال ابن القاسم في مسألة العينة في الذي باع طعاما بثمن
إلى أجل على أن ينقده دينارا، إنما كرهه كأنه قال له بع من هذا الطعام
بدينار فاعطني، وما بقي من الطعام فهو لك بما بقي من الثمن إلى أجل؛ قلت
فإن كان أعطاه دينارا من عنده؟ قال وإن كان أعطاه دينارا من عنده فهو يخلفه
من الطعام، وهذا وجهه؛ قال أصبغ وكذلك قال أشهب في الرجل يبيع الدار ويشترط
أنها رهن في يديه إلى ذلك الأجل، فلا خير فيه؛ وهو عندي كمسألة العينة
يعينها بثمن إلى أجل على أن يعجل له منه شيئا إذا كان من أهل العينة، فكأنه
باعهما بعد الخمسة من السلعة بباقي الثمن، فهو خطار؛ وقد ردت على مالك
واستنكرت عليه فلما أكثروا عليه فسر لهم هذا التفسير، ثم قال لهم على إثر
التفسير: والحجة حين أكثروا عليه ليس أنا قلته، قاله ربيعة وابن هرمز؛
وكذلك مسألة أشهب في الرهن يصير لا خير فيه، وذلك أنه إذا حل الأجل وأعسر
بالثمن بيعت، فإن كان فيها
(7/212)
نقصان، فعلى المشتري، وإن كان فيها فضل
فله؛ فكأنه باعه دارا لا يقبضها على أن يبيعها بثمن سماه له إلى أجل على أن
يضمن له ما نقص، ويكون له ما زاد؛ فهذا القمار، وسواه في هذا كانا من أهل
العينة أو لم يكونا؛ قال أصبغ فإن وقع، فمفسوخ بينهما؛ وإن بيعت قل ذلك،
فالزيادة والنقصان لرب الدار وعليه؛ كالذي يبيع السلعة على أن لا نقصان
عليه فقد جعله مالك هكذا بمنزلة الأخير، وهذا مثله في رأيي.
قال محمد بن رشد: أما الذي باع من أهل العينة طعاما أو شيئا بثمن إلى أجل
على أن ينقد من الثمن دينارا، فقد مضى القول عليها في رسم حلف من سماع ابن
القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك. وأما مسألة أشهب في الرهن التي نظرها بها
أصبغ ففيها اختلاف، قيل إنه يجوز أن يبيع الرجل الدار والعقار الذي يجوز
بيعه وتأخير قبضه بثمن إلى أجل ويشترط أن يكون في يديه رهنا إلى ذلك الأجل،
وكذلك يجوز في الحيوان والعروض التي لا يجوز بيعها وتأخير قبضها إذا وضعها
بيد عدل؛ فإن اشترط أن يكون بيده، لم يجز البيع وفسخ وهو قول ابن القاسم
وروايته عن مالك؛ وقيل: إن ذلك لا يجوز في الدور والعقار ولا في العروض
والحيوان على حال العلة التي ذكر في هذه الرواية، واختلف الأمر على القول
بأنه لا يجوز، فقيل إنه بيع فاسد يسلك به مسلك البيع الفاسد في كون الغلة
للمشتري بالضمان وسائر أحكام البيع الفاسد، وقيل إنه ليس ببيع فاسد وإنما
هو إجارة فاسدة؛ كأن رب المال استأجره على أن يبيعها له
(7/213)
بثمن قد سماه على أن يكون له ما ازداد على
الثمن إجارة له، فإن باعها كان الثمن لرب الدار، وكان للذي باعها أجرة مثله
في بيعه إياها؛ وإلى هذا ذهب أصبغ على ما أختاره من اختلافهم في الذي يبيع
من الرجل السلعة على ألا نقصان عليه، فقد قيل فيه القولان جميعا؛ واختلف في
ذلك قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.
[مسألة: تسلف درهم صفر من رجل فأعطاه لصا في
طريق فعلم أنه صفر]
من مسائل نوازل سئل عنها سحنون سئل سحنون عن رجل تسلف درهم صفر من رجل
فأعطاه لصا في طريق، فعلم أنه صفر؛ بأي شيء يرجع عليه الذي أسلف إياه؟ قال
إن كان يعلم ما فيه من وزن الورق ووزن الصفر، قضاه وزنه؛ لأن كل من استهلك
شيئا من الوزن والكيل فعليه مثله، ولسنا نأمره أن يرفع إليه درهما مثله
صفرا يغر به المسلمين؛ وإن كان لا يعلم ما فيه من الورق، فعليه أن يغرم له
قيمة ذلك يكون عليه في الورق قيمته ذهبا، وفي الصفر قيمته ورقا؛ لأن القيمة
لا تكون إلا بالذهب والورق، قيل له وما يصنع بقيمته من الذهب وهو إن أخذه
لم يكن فيه منفعة؛ لأنه أقل من ذلك؟ قال يقضى له بالقيمة ذهبا ما كان من
شيء في
(7/214)
الدينار بالصرف، ليس في قطعه ذهب إن كان
ذلك خروبة فخروبة، أو ما كان؛ فإذا كان له من دينار خروبة أو قيراط، قيل
لهما صرفا الدينار بدراهم، فخذ أنت منه حقك ما يقع بخروبة من الصرف أو
النصف قيراط، أو ما كان حقه من شيء.
قال محمد بن رشد: حكم سحنون لهذا الدرهم بحكم المكسور، إذ لم يراع سكته،
فحكم على مستهلكه بقيمة ما فيه من الورق ذهبا أو من الصفر ورقا إن لم يعلم
زنة ما فيه من كل واحد منهما فيكون عليه فيه مثله؛ وذلك خارج عما قيل في
ذلك مما قد ذكرناه في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب الصرف، وكان القياس
على قولهم أن يكون عليه قيمته من الذهب على أن يباع ممن لا يغش به، أو ممن
يكسره على الاختلاف في ذلك؛ وقد قال ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الصرف
أنه يرد مثله صحيحا في رداءته، وهو بعيد أيضا.
[مسألة: تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم
فخلطها فوجد فيها زائفا أو نقصا]
مسألة وسئل عمن تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم، فخلطها فوجد فيها
زائفا أو نقصا، ولا يدري من أي الدراهم هي؟ قال مالك لا يرد عليهم إلا
طيبا، ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا جيادا.
قال محمد بن رشد: قوله ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا طيبا، معناه أنه يحلف كل
واحد منهما على علمه ما أعطاه إلا جيدا، أو وازنا في علمه
(7/215)
ولا يلزم واحدا منهم أن يحلف على البتات،
فإن حلفا جميعا برئا ولزمه أن يعطيهما جميعا طيبا؛ وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر، لزم الناكل بدله؛ وكذلك إن نكلا جميعا أيضا بعد أن يحلف ما يعلم من
دراهم من هي منهما باتفاق بأن ادعى كل واحد منهما عليه أنه يعلم أنه ليس من
دراهمه، وعلى اختلاف إن لم تتحقق عليه الدعوى بذلك؛ وهذا إذا كانت له بينة
على أنه وجد فيها الزائف أو الناقص بعد أن خلطها وقبل أن يغيب عليها؛ وأما
إن ادعى ذلك بعد أن انقلب بها وغاب عليها، فليس له أن يحلف واحد منهم إلا
على القول في لحوق يمين التهمة.
[مسألة: أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم ثم
قبضه فمات العبد عنده ثم وجد به عيبا]
مسألة قال سحنون لو أن رجلا أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم، ثم قبضه فمات
العبد عنده ثم وجد به عيبا، أنه يغرم قيمة العبد ويرجع عليه بعبد مثله؛
وكذلك المرأة إذا نكحت بعبد موصوف ليس بعينه، ثم وجدت به عيبا، أنها ترده
أو تغرم قيمته إن فات، وترجع عليه بعبد مثله.
قال محمد بن رشد: في النوادر لسحنون أيضا أنه ينظر ما قيمة العيب منه، فإن
كان ربعه رجع عليه بربع عبد، فيكون معه شريكا في مثله- يريد إذا فات. وقال
ابن عبد الحكم: إذا أسلم إليه في عبد فقبضه فأعتقه، أو كانت أمة فأولدها ثم
وجد بأحدهما عيبا أو استحق
(7/216)
نصفه بحرية، فإنه يرجع عليه بما نقصه العيب
من قيمته لا من الثمن؛ بخلاف العبد بعينه الذي يفسخ فيه البيع يرده، وهو أن
لو رده رجع بمثله، فينظر إلى قيمته سالما، فقيل قيمته مائتان، ثم يقال ما
قيمته وبه العيب؟ فيقال مائة فيرجع عليه بمائة، قال أبو محمد وهذا لا وجه
له. إما أن يجعله كأنه قبض نصف صفته فيرجع بنصف عبد كما قال سحنون، أو يكون
قبض غير صفته فليرد قيمته كما قال ابن القاسم، ويتبعه بعبد، وهذا أشبه
الأقاويل بالصواب؛ واعتراض ابن أبي زيد على ابن عبد الحكم صحيح، وقول سحنون
الواقع في النوادر غير صحيح أيضا، إذ لا يصح أن يقال: إنه قبض بعض صفته، إذ
لا تتبعض الصفة، إنما يصح أن يقال إنه قبض صفته إذا استحق بعضه برق أو
حرية؛ لأن الشركة فيه تعيبه وتنقص من قيمته، لا سيما إن كان الاستحقاق
بحرية، فليس استحقاق نصف العبد الذي سلم فيه بحرية أو ملك، بمنزلة من أسلم
في عبدين صفتهما سواء، استحق أحدهما بحرية أو ملك؛ لأن استحقاق أحدهما لا
يعيب الآخر، واستحقاق نصف العبد يعيب النصف الآخر؛ فلا يصح في المسألة إلا
قول سحنون الواقع في الكتاب، وقد قال ابن أبي زيد إنه قول ابن القاسم.
[الكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب
إلى أجل]
من سماع محمد
ابن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد سمعت ابن القاسم يقول: قال مالك
لا بأس بالكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب إلى أجل، ولا خير في
حب الكراث بالكراث إلى أجل، ولا بأس بحب الكراث واحد باثنين يدا بيد، ولا
بأس أن يباع قبل أن يستوفى.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حب الكراث ليس بطعام؛
(7/217)
وإن كان إذا زرع يخرج منه طعام، فيجوز أن
يسلم الكراث فيه، إذ لا يخرج من الكراث حب؛ ولا يجوز أن يسلم هو في الكراث
إلى أجل يكون منه كراث على أصولهم في المزابنة، وقد مضى القول في المزابنة
وحكمها وتفصيل وجوهها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى
لإعادة شيء منه.
[سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة]
من سماع عبد
الملك بن الحسن من ابن القاسم. قال عبد الملك سئل ابن القاسم وأنا أسمع عن
رجل سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة،
ثم إن المسلف إليه هلك، فأحب ورثته أن يصالحوا عنه صاحب السلف بأقل من
المائة؛ قال ابن القاسم أما بالدراهم فلا خير فيه إلا أن يعطوه جميع
الدراهم، وأما بالحنطة، فلا بأس بما صالحوا عليه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الورثة ينزلون في الطعام الذي على
موروثهم من السلم منزلته، فلا يجوز لهم فيه إلا ما كان يجوز له، وهذا ما لا
أعلم فيه اختلافا، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم.
[رجلين لهما على رجل مائة إردب فقاضاه أحدهما
حصته بغير إذن صاحبه]
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف. قال أصبغ سمعت
ابن القاسم يقول في رجلين لهما على
(7/218)
رجل مائة إردب فقاضاه أحدهما حصته بغير إذن
صاحبه، فعلم به فأتاه يطلبه؛ فقال له هبني إياها وأنا أضمن لك الخمسين التي
بقيت لك، إن ذلك لا يحل، وقاله أصبغ وهو شديد، وليس هذا مثل الذي فوقه،
وهذا فيه غير وجه واحد من الفساد، وسلف جر منفعة؛ كأنه يسلفه الخمسة
والعشرين التي كان له أخذها على أن يضمن الخمسة والعشرين الأخرى، ويدخله
البيع كأنه يبيعه إياها ويحيله بها على صاحبه ويزيده ضمانا؛ فهو طعام بطعام
متأخر وزيادة الضمان متفاضلا فلا يحل. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم ولكن لو
كان قدر ما يضمن له خمسة وعشرين، بقدر ما كان يصيبه مما قبض، لم يكن بذلك
بأس. وقال أصبغ لأن ذلك سلف خالص ليس معه زيادة، ولا فيه ازدياد شيء من
الأشياء، وفي ذمته أيضا محضا ومعروفا من المعروف، فلا بأس به إن شاء الله
تعالى.
قال محمد بن رشد: أما إذا ترك الرجوع عليه في الخمسين التي قبض بالخمسة
والعشرين الواجبة له منها على أن يضمن له الخمسين الباقية، فالمكروه في ذلك
بين على ما فسره أصبغ، وأما إذا ترك الرجوع عليه بالخمسة والعشرين من
الخمسين التي اقتضى على أن يضمن له من الخمسين الباقية خمسة وعشرين، فأجاز
ذلك ابن القاسم، وتبعه على ذلك
(7/219)
أصبغ، وقال إنه سلف خالص محض لا زيادة فيه
ومعروف من المعروف، وفي ذلك من قولهما نظر؛ لأنه ترك الرجوع عليه بالخمسة
وعشرين على أن يضمن له ما لم يكن يلزمه ضمانه؛ لأنه مخير بين أن يسلم له ما
اقتضى ولا يرجع عليه فيه، ويطلب الغريم بالخمسين التي بقيت عليه، ويكون
ضمانها منه إن فوتت؛ وكذلك قال في المدونة؛ لأن تسليمه له ما اقتضى، منزل
منزلة اقتسامهما للدين؛ وبين أن يرجع إليه بالخمسة وعشرين من الخمسين التي
اقتضى، فيكون كأنه اقتضيا منه خمسين، وبقيت لهما عليه خمسون يقتضيانها منه
جميعا، ويكون ضمانها منهما جميعا إن فوتت عنده؛ وقيل إنهما لا يرجعان جميعا
بالخمسين على الغريم، وإنما يقتضيها منه الذي رجع على المقتضي أولا بالخمسة
والعشرين، فإذا اقتضاها منه، رجع عليه صاحبه بالخمسة وعشرين التي أخذ منه،
والقولان في المدونة؛ فإذا كان هذا هو الحكم، كان الذي ترك الرجوع على
شريكه بالخمسة وعشرين قد أسلفه إياها على أن يحيله بها على غريمه، ويكون
ضامنا لها إن فوتت عنده بعدم أو فلس؛ ولا يجوز أن يسلف الرجل الرجل دنانير
ولا طعاما بشرط أن يحيله بها على غريم له وإن لم يشترط عليه الضمان؛ لأن
الحوالة بيع من البيوع؛ وكذلك قال في الهبات من المدونة إن ذلك لا يجوز وإن
كانت المنفعة في ذلك للقابض، فكيف إذا اشترط عليه في ذلك الضمان، ذلك بين
أنه لا يجوز؛ لأنه بيع ذهب بذهب إلى أجل.
(7/220)
[مسألة: يشتري
اللحم بالدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا فيغرم الحميل الدرهم]
مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري اللحم بالدرهم من
الجزار ويعطيه به حميلا، فيغرم الحميل الدرهم إلى الجزار؛ هل للحميل أن
يأخذ به من الغريم شيئا من الطعام؟ قال لا بأس به وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحميل لم يدفع طعاما إنما دفع درهما،
فجاز له أن يأخذ به طعاما، ولو أراد الجزار أن يأخذ بذلك الدرهم من الحميل
طعاما ما لم يجز؛ لأنه دفع طعاما؛ فلا يجوز له أن يأخذ من ثمنه طعاما قاله
ابن دحون، وفيه نظر؛ لأنه أنزل منزلة المحال عليه في أنه لا يجوز له أن
يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من الذي أحاله حسبما يأتي القول فيه
في سماع أصبغ من كتاب الكفالة والحوالة إن شاء الله وليس بمنزلته، إذ لم
يستحل عليه فيكون ما أخذه منه كأنه إنما أخذه من الذي أحاله به، فيكون قد
اقتضى من ثمن الطعام طعاما فيتهمان على أنه إنما باع منه لحما بطعام إلى
أجل، فلا موضع للتهمة في هذا إذ لم يأخذ الطعام من المشتري الذي باع منه
اللحم، وإنما أخذه من غيره وهو الحميل؛ فإن كان أخذه من الحميل على وجه
الابتياع له بالدرهم الذي له على المشتري، جاز باتفاق إن كان المشتري حاضرا
مقرا بالدرهم، فاتبعه به الحميل لابتياعه إياه من الجزار بالطعام الذي دفع
إليه فيه؛ وإن كان أخذ الطعام من الحميل صلحا عن المشتري الذي عليه الدرهم،
فقيل إن ذلك جائز، ويكون المشتري بالخيار
(7/221)
بين أن يجيز الصلح فيدفع الطعام الذي صالح
به عنه، وبين ألا يجيزه ويدفع الدرهم الذي تحمل به عنه، وقيل: إن ذلك لا
يجوز؛ لأنه يدفع طعاما ولا يدري إن كان يرجع به أو بالدرهم، من أجل الخيار
الذي في ذلك للمشتري المتحمل عنه؛ واختلف إن لم يبين على أن وجه دفع الطعام
على ماذا يحمل إن كان على الشراء فيرجع بالدرهم الذي ابتاع، أو على الصلح
عن المشتري المتحمل عنه؛ فلا يجوز في قول من أجل الخيار الذي للمتحمل عنه،
فلا يدري الحميل بما يرجع، ويجوز في قول من أجل أنه خيار أوجبه الحكم لم
يعملا عليه.
[مسألة: اشترى من رجل طعاما بعينه غائبا عنه]
مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه
غائبا عنه، ثم إذا الطعام قد قدم به وكيل البائع بعد الصفقة، كان قد حمله
قبل الصفقة أو بعدها ولا علم له؛ قال البيع للبائع لازم، فإن شاء أن يدفعه
إليه ههنا، دفعه إن رضي المشتري أن يأخذه منه ههنا، وإلا فعليه أن يرده له،
أو يدفع مكانه إليه شراءه هناك وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الطعام قد وجب للمبتاع بالشراء،
فإذا قدم به البائع أو وكيله، كان كمن تعدى على طعام رجل فحمله من بلد إلى
بلد؛ لأن الخطأ في هذا والعمد سواء، فيكون على المتعدي مثل الطعام الذي
حمله في الموضع الذي حمله منه، إلا أن يتراضيا على أخذه أو أخذ سواه في
البلد الذي حمله إليه، فيكون ذلك جائزا، وبالله التوفيق.
(7/222)
[مسألة: تضع عن
زوجها مهرها على أن يحجها]
مسألة قال أصبغ سألت ابن القاسم عن المرأة تضع عن زوجها مهرها على أن
يحجها، قال هذا حرام لا يحل؛ لأنه الدين بالدين، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قالا: إنه فسخ الدين في الدين؛ لأنها فسخت
ما لها عليه من المهر في شيء لم تنتجزه من إحجاجه إياها من ماله إما بشراء،
وإما بالكراء، والقيام بكل ما يحتاج إليه في ذلك ذاهبة وراجعة؛ وقد وقع في
رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات مسألة معارضة لهذه في
الظاهر، كان الشيوخ يحملونها على أنها خلاف لها؛ ومثل هذا لا يصح أن يختلف
فيه، فالواجب أن يتأول على ما يوافق الأصول؛ ونصها سئل ابن القاسم عن رجل
سأل من امرأته أن تضع عنه مهرها، فقالت له إن حملتني إلى أمي فهو عليك
صدقة؛ فتصدقت به عليه أن يحملها إلى أختها وكانت مريضة، ثم بدا له أن
يحملها بعد أن وضعت عنه الصداق، فخرجت هي من غير إذنه فسارت إلى أختها؛ هل
ترى الصداق له؟ فقال: إن كانت خرجت مبادرة إليها لتقطع بذلك ما جعلت لزوجها
فلا شيء عليه، وإن كان بدا له في حملانها وأبى أن يسير بها وعلم ذلك رجعت
عليه بما وضعت عنه، فنقول إن المعنى في هذه المسألة أنه إما وضعت عنه
الصداق على أن يخرج معها ولا تمضي مفردة دونه، لا على أن يحملها من ماله،
أو ينفق عليها في شيء من سفرها سوى النفقة التي تجب لها في مقامها؛ فإذا
حملت المسألة على هذا صحت وكانت موافقة للأصول، ولعلها لم تكن ذا محرم يخرج
معها، فكانت إنما بذلت له الصداق على رفع الحرج عنها بخروجه
(7/223)
معها لا على أن ينفق عليها في ذلك، إذ قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها» . وقد
مضى في سماع عيسى من كتاب الحج القول في وضعها الصداق عنه على أن يأذن لها
في الخروج إلى الحج، وبالله التوفيق.
[مسألة: باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر]
مسألة قال أصبغ سئل ابن القاسم وأنا أسمع عن رجل باع عشرة أمداد قمح بدينار
إلى شهر، ثم اشترى البائع من مشتري الطعام منه بدينار إلى أجل عشرين مدا
بدينار نقدا، فأعطاه عشرة وقال له اقبض العشرة التي لي قبلك بالدينار إلى
أجل أقضيكها، قال لا يصلح هذا؛ لأنه يعطيه دنانير نقدا ويعطيه دينارا إلى
أجل وقد أعطى آخذ الدينار نقدا معطيه الدينار عشرة أرادب، فكأنه أسلفه
دينارا على أن أعطاه عشرة أرادب؛ قال أصبغ الجواب صحيح والتفسير مظلم،
وكراهيته وفساده الزيادة في السلف محضا، والذهب بالذهب متفاضلا، والعشرة
الأرادب الأول لغو.
قال محمد بن رشد: هذا تحامل من أصبغ على ابن القاسم، بل جوابه صحيح،
وتفسيره بين واضح أبين من تفسير أصبغ؛ فتفسير أصبغ هو
(7/224)
المظلم؛ لأنه قال: إنه الزيادة في السلف
والذهب بالذهب متفاضلا والعشرة الأرادب الأول لغو؛ فأجمل القول، إذ لم يبين
ما هي الزيادة التي في السلف، ولا كيف يتصور التفاضل في الذهب في ذلك؛ وقد
بين ذلك كله ابن القاسم بيانا واضحا فقال لأنه يعطيه دينارا نقدا ويعطيه
دينارا إلى أجل؛ يقول لأن المبتاع الثاني وهو البائع الأول يعطي البائع
الثاني وهو المبتاع الأول دينارا نقدا ثمن العشرين مدا الذي ابتاع منه، ثم
يأخذ منه عند شهر دينارا ثمن العشرة الأمداد التي باع منه إلى أجل؛ فكأنه
أسلفه دينارا إلى أجل، وأخذ منه عشرة أمداد نقدا؛ لأنه باع منه عشرة أمداد
ثم اشترى منه عشرين مدا، فدفع إليه عشرة أمداد؛ لأنه قاصه بالعشرة الأخرى
على ما ذكر، وذلك نص قول ابن القاسم، وقد أعطى آخذ الدينار نقدا معطيه
الدينار عشرة أرادب، فبين أن الأمر آل بينهما إلى أن أسلف البائع الأول
للمبتاع الأول دينارا إلى شهر، على أن يعطيه عشرة أمداد قمح بيانا واضحا؛
وإذا كان قد أسلفه دينارا إلى أجلى على أن يعطيه عشرة أرادب، فقد صار ذلك
أيضا ذهبا وعرضا بذهب إلى أجل، وهو التفاضل في الذهب الذي قاله أصبغ؛ فقول
ابن القاسم على كل حال أبين، وهذه المسألة من أحد فروع مسائل رسم حبل حبلة
التي فرعناها إلى أربع وخمسين مسألة، وبينا أصل ما يعرف به الجائز منها
وغير الجائز.
[مسألة: باع حديدا جزافا بنقد]
مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم وسئل عن رجل باع حديدا جزافا بنقد، ثم أراد
أن يشترى منه وزنا يكون ثلث ذلك في العدد
(7/225)
أو أدنى بنقد أو إلى أجل؛ فقال: إن كان لم
ينتقد ثمنه حتى اشتراه منه وتقاصه بما عليه، فلا يجوز له أن يشتري منه إلا
ما كان يجوز له أن يستثنيه الثلث فأدنى، وهذا يجري في الطعام وغيره؛ وإن
كان انتقد وتفرقا، ثم اشترى منه بعد ذلك، فلا بأس به على حال، إلا أن يكون
بائعه من أهل العينة فلا يعجبني.
قال محمد بن رشد: أكثر من الثلث لا يجوز أن يشتريه منه على حال، إذ لا يجوز
له أن يستثنيه أقل من الثلث، قال إنه يجوز له أن يشتريه منه إن كان لم
ينتقد الثمن مقاصة، والمعروف من قولهم الذي يأتي على أصولهم أن ذلك يجوز
نقدا ومقاصة إذا لم يكونا من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم فيها إلا
أهل العينة، فإن كانا من أهل العينة، لم يجز له أن يشتري منه أقل من الثلث
إلا مقاصة؛ وأما إن كان انتقد وتفرقا، فقال إنه لا يتهم في ذلك إلا أهل
العينة، والصواب أنه لا يتهم في ذلك أهل العينة ولا غيرهم؛ إذ قد تناجزا في
البيع الأول ولم يبق بينهما فيه عمل ولا موضع للتهمة وقد تفرقا بعد
التقابض؛ فعلى قوله لا ترتفع التهمة عنهما إذا كانا من أهل العينة، إلا أن
يطول الأمر بعد افتراقهما الأيام، كمسألة الصرف من المدونة في الذي باع من
رجل دنانير بدراهم، ثم أراد أن يشتري منه بها دنانير، فلم يجز ذلك في
المجلس ولا بعد اليوم واليومين؛ وهو بعيد في هذه المسألة، وإنما يحسن أن
يتهم
(7/226)
أهل العينة في هذا إذا كان قد نقده ولم
يتفرقا، وقد مضى القول على هذه المسألة في رسم مرض من سماع ابن القاسم
مستوفى.
[مسألة: اشترى سلعة غائبة بعينها وهي ببلد على
أن يوفاها بموضع آخر]
مسألة قال أصبغ سألت ابن القاسم عمن اشترى سلعة غائبة بعينها وهي ببلد على
أن يوفاها بموضع آخر، أو بموضعه شك أصبغ. قال لا خير فيه للضمان.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال أن ذلك لا يجوز؛ لأن بعض الثمن قد وقع
للضمان، وذلك حرام لا يحل بإجماع.
[مسألة: اشترى طعاما بعينه على أن يحمل له إلى
بلد]
مسألة قال أصبغ وسمعته يسأل فيمن اشترى طعاما بعينه على أن يحمل له إلى
بلد، فقال إن كان يكتاله هناك حيث هو ولا يكون على البائع إلا الحملان، فلا
بأس به؛ وإن كان لا يكتاله إلا حيث يحمل، فلا خير فيه؛ لأن فيه ضمانا،
اشترى شيئا بعينه على أن يعطاه بموضع آخر؛ فهذا مثل مسألة السلعة، وبعض هذا
من بعض، يشبه بعضه بعضا، وقاله أصبغ وهما سواء.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في المسألة التي فوقها، إذ لا فرق في هذا
بين الطعام المعين وبين السلعة كما قال أصبغ.
[مسألة: اشترى جارية غائبة بالشام على أنها من
البائع]
مسألة وسئل عمن اشترى جارية غائبة بالشام على أنها من البائع
(7/227)
حتى يوفيه إياها بمصر، قال لا خير فيه، لما
فيه من الضمان والتغرير؛ ولو كان يقبضها في مكانها بالشام، لم يكن بذلك
بأس، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: وهذا أيضا مثل ما تقدم، إذ لا فرق بين السلعة والطعام
والجارية في أن اشتراط ضمان ذلك في البيع لا يجوز.
[مسألة: سلف في عشرة أرطال لحم فأعطاه جزرة
فيها خمسون]
مسألة قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول فيمن سلف في عشرة أرطال لحم، فأعطاه
جزرة فيها خمسون؛ قال إن كان فيها صفته، أو قال على صفته، فلا بأس به؛ إنما
البقية حينئذ إفضال منه عليه بمنزلة ما لو كان له عليه مائة إردب قمح سلفه
فيها فأعطاه مائتين، وقاله أصبغ إذا كانت جميعا أو إحداهما كلها على الصفة
أو أرفع؛ وهذا في الجزرة أن تكون مذبوحة مسلوخة، فأما حية قائمة فلا يحل
الحي بالميت؛ وكذلك إذا حل اللحم له أيضا ولم يكن قبل محله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى، وقول أصبغ تفسير لقول
ابن القاسم وصحيح؛ وإنما اشترط في الجزرة أن تكون مسلوخة؛ لأنها إذا لم تكن
مسلوخة لا يدري لعل لحمها أدنى من الذي له، فيكون اللحم باللحم متفاضلا؛
لأنه أخذ أدنى صفة وأكثر وزنا وجلدا زائدا، فيدخله التفاضل فيما لا يجوز
فيه التفاضل، وبيع الطعام قبل أن يستوفى؛ ولو تحقق أن لحمها أطيب من أرطاله
لجاز، وبالله التوفيق.
(7/228)
[يسلف في قراطيس طولها عشرون ذراعا]
ومن كتاب البيوع العاشر. قال أصبغ وسمعت ابن القاسم يقول فيمن
يسلف في قراطيس طولها عشرون ذراعا، فلما
حل الأجل قال المشتري إنما لي بذارعي، وقال البائع بل بذراعي ولم يكونا
سميا؛ قال لا ينظر إلى قول هذا ولا هذا، وأرى أن يحمل على ذراع وسط؛ قال
ونزلت فأفتينا فيها بذلك، قال أصبغ ولم ير هذا فسخا، وهذا أحسن عندي،
والقياس الفسخ.
قال محمد بن رشد: في قوله ولم يكونا سميا، دليل على أنهما لو اتفقا على أن
السلم وقع بينهما على ذراع أحدهما بعينه لجاز؛ وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه
أجاز السلم على ذراع رجل بعينه؛ ويؤخذ قياسه، فيكون عندهم لئلا يموت؛ خلاف
ما ذهب إليه ابن حبيب من أنه لا يجوز السلم على ذراع رجل بعينه، قال ويكفي
أن يسميا الذراع فقط؛ فإن اختلفا فيه عند القبض كان له الوسط من أذرع
الناس؛ هذا إذا لم يكن القاضي قد جعل ذراعا للناس يتبايعون عليه، فإن كان
قد نصب ذراعا للناس يتبايعون عليه، وجب الحكم به والرجوع إليه عند الإبهام.
وتحصيل القول في هذه المسألة عندي أن القاضي إذا كان قد نصب للناس ذراعا
يتبايعون عليه، لم يجز اشتراط ذراع رجل بعينه، كما لا يجوز ترك المكيال
المعروف الجاري إلى مكيال مجهول؛ وإن لم يكن للناس ذراع منصوب، فهذا موضع
الاختلاف، قيل إن الذراع الوسط كالذراع المنصوب فلا يجوز السلم على ذراع
رجل بعينه، وإنما يجوز على الذراع الوسط، أو على ذراع ولم يسميا شيئا فيحكم
بينهما بذراع وسط وهذا الذي ذهب إليه ابن حبيب. وقيل إنه لا يكون الذراع
الوسط كالذراع المنصوب، ويجوز السلم على ذراع رجل بعينه، وعلى ذراع وسط،
كما يجوز شراء الطعام على مكيال مجهول في القرى من الأعراب حيث ليس
(7/229)
لهم ميكال يتبايعون عليه، وهو مذهب ابن
القاسم في المدونة، ودليل قوله في هذه الرواية، وإن لم يسميا شيئا؛ حملا
على ذراع وسط؛ وقول أصبغ استحسان، والقياس الفسخ، ولو اختلفا على هذا القول
فقال المسلم وقع السلم على ذراعي، وقال المسلم إليه بل على ذراعي، كان
الحكم في ذلك على حكم اختلافهما في عدد المسلم فيه؛ وأما على القول الآخر
فيفسخ السلم بينهما، لاتفاقهما على أنه وقع فاسدا، ولو ادعى أحدهما أن
السلم وقع على ذراع وسط، لكان القول قوله لأنه يدعي الصحة دون صاحبه؛ وكذلك
لو اختلفا حيث ثم ذراع منصوب فادعى أحدهما الذراع المنصوب.
[مسألة: ابتاع طعاما بعينه ونقد بعض ثمنه إلى
أن يأتيه بالبقية]
مسألة وسئل عمن ابتاع طعاما بعينه ونقد بعض ثمنه إلى أن يأتيه بالبقية، ثم
بدا له فأراد أن يكتال بقدر ما نقد ويستقيل من البقية، قال لا بأس بذلك؛
فإن كان قد نقد الثمن كله، فلا يصلح أن يأخذ بعضا ويستقيل من بعض، إلا أن
يكونا لم يتفرقا ولم يغيبا على الدنانير.
قال محمد بن رشد: الصحيح في هذه المسألة على أصولهم أن الإقالة من البعض
جائزة وإن نقده الثمن كله، إذ ليس في نفس الإقالة فساد؛ وإنما يوجد الفساد
في ذلك بمجموع البيع والإقالة إذا اتهما في ذلك، فوجب أن يجوز إذا لم يكونا
من أهل العينة؛ لأن بيوع النقد لا يتهم
(7/230)
فيها إلا أهل العينة، وقد مضى له في الرسم
الذي قبل هذا مثل هذا من اتهام غير أهل العينة في بيوع النقد وقد نبهنا
عليه هناك.
[مسألة: السلف في الزفيزفا]
مسألة وسمعته يقول في الزفيزفا أنه لا بأس به بواحد أخضر كله، أو يابس كله،
ولا خير في رطبه بيابسه على حال، والعين بقر كذلك؛ قال أصبغ لأن المزابنة
تدخله والخطر، ولا ينكر في هذا جواز التفاضل فيه أخضر كله؛ وقد يجوز الرطب
والعنب واحد بواحد رطبا كله، ولا يجوز رطبه بيابسه على حال؛ لأن المزابنة
تدخله، وكذلك هذا؛ والحديث في النهي على الرطب باليابس فيهم، فهو يقع على
الرطب باليابس في كل شيء.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم يدير ماله من سماع
عيسى مستوفى، فلا معنى لإعادته مرة أخرى.
[مسألة: قوم يقتسمون ماءهم بالقلد فيأخذ الرجل
على قدر حقه]
مسألة وسئل عن قوم يقتسمون ماءهم بالقلد وهو قدر نحاس، وقد عرفوا كم يصير
بلدهم منه، فيأخذ الرجل على قدر حقه فيتسلف الرجل من صاحبه في الشتاء
أقلادا، ثم يغفلون حتى تدخل الصيف فيلزمه، فيأبى أن يعطيه إلا في الشتاء
(7/231)
أو في وقته الذي أخذه، والماء عندنا في
الشتاء أرخص، وفي الصيف أغلى؛ قال أصبغ عليه أن يعطيه في أي وقت طلبه بعد
أن يكون السلف حالا لا وقت له، ولم يكن مؤجلا لم يحل أجله؛ ولا ينظر في هذا
إلى شتاء ولا صيف، (ولا حين إعطائه) ولا حين قبضه، ولا غير ذلك، إلا متى ما
طلبه، أو أراد المسلف قضاءه قبل أن يطلبه.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا خلاف مذهب ابن القاسم، والذي يأتي في هذه
المسألة على مذهب ابن القاسم، أنه ليس له أن يأخذ سلفه منه إلا في الفصل
الذي أسلفه إياه فيه؛ لأن سقي الصيف لا يشبه سقي الشتاء، والمماثلة في
الماء للسقي، إنما تكون بتساوي الأوقات والفصول؛ والذي يدل على أن هذا
مذهبه، قوله في سماع أبي زيد من كتاب القسمة في الشريكين في الماء لأحدهما
السقي بالليل، وللآخر السقي بالنهار، (فيتعدى الذي له السقي بالنهار) على
الذي له السقي بالليل فيسقي به؛ أنه إن لم يكن له سقي بالليل كانت عليه
القيمة؛ لأن سقي النهار لا يشبه سقي الليل؛ ووجه قول أصبغ أن الواجب في
السلف رد مثله من غير اعتبار قيمته يوم السلف ولا يوم الرد، ومعنى ذلك إذا
كان الماء قدره واحد في الوقت الذي استسلفه، وفى الوقت الذي يرده؛ لأن
العادة في المياه أنها تقل في الصيف وتكثر في الشتاء، فليس له إذا استلف
الأقلاد في الصيف أن يأخذها في الشتاء إذا كان المياه في الشتاء أكثر؛ لأنه
يأخذ فيها من الماء أضعاف ما أسلفه، وإذا لم يكن له أن يأخذها في الشتاء،
لم يكن للذي عليه السلف أن يجبره على أخذها؛ إذ ليس له أن يلزمه معروفا،
ولا للمسلف إذا أسلف للأقلاد في الشتاء، أن يردها في الصيف إذا كان الماء
في الصيف أقل؛ وإذا لم يكن له أن يردها
(7/232)
في الصيف، لم يكن للذي له السلف أن يأخذها؛
لأنه إن قال إنه تارك لبعض حقه، فليس له أن يلزم المسلف قبول معروفه؛ ويعلم
أنه إنما رضي أن يأخذه في الصيف، وهو أقل من أجل أنه أغلى؛ وهذا وجه
المبايعة التي لا تجوز إلا برضى المتبايعين. فالواجب على مذهبه إذا طلب
صاحب السلف سلفه من الأقلاد في غير الفصل الذي قبضه فيه، والماء ليس على ما
كان عليه، إلا أن يكون ذلك له، ويلزم الانتظار إلى الفصل الذي أسلفه فيه؛
كمن أسلف فيما له إبان فانقضى الإبان قبل أن يأخذ سلفه، ولا يدخل في هذه
الاختلاف الذي في تلك؛ لأن هذا قرض وذلك بيع؛ وفي صفة القلد الذي يقسم به
الماء بين الإشراك اختلاف؛ قيل إنه أن يؤخذ قدر فيثقب في أسفله، ثم يصب فيه
الماء من وقت إلى مثل ذلك الوقت من يوم آخر، فما اجتمع مما خرج من ذلك
الثقب من الماء اقتسمه الورثة أو الأشراك فيما بينهم على قدر حظوظهم، وعمل
واحد منهم قدرا يحمل مقدار حظه من ذلك الماء، ويثقب في أسفله بالمثقب الذي
ثقب به القدر الأول؛ ويسقون الأول فالأول على ما يتفقون عليه، أو يخرجه
الاقتراع لهم؛ فإذا وصل الماء في أرض الذي يأتي وقت سقيه؛ ملأ قدره من
الماء وفتح الثقب، فلا يزال يسقي حتى ينفذ الماء، ثم الذي يليه كذلك إلى
آخرهم؛ وقيل بل يقسم الماء على سهم أقلهم نصيبا، فإن كان لأحدهم السدس
وللثاني السدسان، وللثالث الثلاثة الأسداس؛ ثقب في جنب القدر الأول حيث
ينتهي السدس والماء، وحيث ينتهي السدسان، وحيث تنتهي الثلاثة الأسداس؛ فإذا
سقى صاحب الثلاثة الأسداس وضع الثلاثة الأسداس في القدر، وفتح الثقب الأول،
فإذا جرى
(7/233)
السدس من الماء، فتح الثقب الثاني؛ فإذا
جرى السدس الثاني من الماء، فتح الثقب الذي في أسفل القدر ويسقي حتى لا
يبقى في القدر شيء؛ ويفعل الذي له السدسان مثل ذلك، وكذلك الذي له السدس
يسقي حتى يجري السدس من الماء من الثقب الذي في أسفل القدر، وهذا أعدل من
القول الأول؛ لأن صاحب النصيب الكبير يغتبن على القول الأول؛ لأن كلما كثر
الماء في القلد، كان أسرع لخروجه من الثقب.
[مسألة: بيع دكار التين بالتين يدا بيد وإلى
أجل]
مسألة قال أصبغ لا بأس ببيع دكار التين بالتين يدا بيد وإلى أجل، وكيف ما
كان متفاضلا أو غيره، وهو مثل النوى بالتمر.
قال محمد بن رشد: أما قوله في دكار التين بالتين أنه لا بأس به بالتين مثلا
بمثل، ومتفاضلا يدا بيد، وإلى أجل؛ فصحيح على ما قال؛ لأنه لا يؤكل بحال،
فحكمه حكم العروض باتفاق؛ لا يدخل فيه من الاختلاف ما يدخل في التمر
بالنوى؛ لأن قول مالك اختلف فيه من أجل ما في التمر من النوى، فمرة أجازه،
ومرة كرهه، ومرة أجازه يدا بيد، وكرهه إلى أجل، فقوله إنه مثل النوى
بالتمر- يريد عنده على مذهبه في إجازة ذلك يدا بيد، وإلى أجل- وبالله
التوفيق.
[باع ثوبين بعشرة أرادب قمح إلى أجل]
من سماع أبي زيد ابن أبي الغمر من عبد الرحمن بن القاسم. قال أبو زيد سئل
ابن القاسم عن رجل باع ثوبين بعشرة أرادب قمح
إلى أجل، فلما حل الأجل، قال أقلني في أحد ثوبيك وخذ مني خمسة
أرادب؛ قال لا بأس به إذا كان الثوبان
(7/234)
معتدلين، فإذا كان أحدهما أرفع من الآخر،
لم يصلح أن يقيله من أحداهما.
قال محمد بن رشد: لسحنون في المجموعة أنه لا يجوز ويدخله بيع الطعام قبل أن
يستوفى؛ إذ قد يغلط في التقديم فيكون قد أقال من الطعام بأقل مما اشتراه به
أو أكثر؛ كما لا يجوز لهذه العلة إذا اشترى ثوبين مستويين أن يبيع أحدهما
مرابحة بنصف الثمن حتى يبين، ووجه قول ابن القاسم، أن اعتدال الثوبين مما
يدرك معرفته، فجاز أن يقيل من أحدهما بنصف الطعام إذا كانا مستويين؛ فعلى
هذا يجوز إذا اشترى ثوبين مستويين صفقة واحدة أن يبيع أحدهما مرابحة بنصف
الثمن ولا يبين، كما لو أسلم فيها، خلاف قوله في المدونة إن ذلك لا يجوز،
بخلاف إذا أسلم فيها؛ وقد قيل إنه إنما لم يجز بيع أحدهما مرابحة دون أن
يبين، من أجل أنه قد يزاد في ثمن الجملة؛ ذهب إلى هذا ابن عبدوس؛ فعلى هذا
لا يجوز أيضا إذا سلم في ثوبين أن يبيع أحدهما مرابحة دون أن يبين، وهو قول
سحنون.
[مسألة: باع خمسة أرادب قمح بدينار إلى شهر]
مسألة وقال ابن القاسم في رجل باع خمسة أرادب قمح بدينار إلى شهر، فقال
المبتاع للبائع قبل الأجل خذ مني عشرة أرادب من صفة قمحك، وامح عني الدين،
قال لا بأس به.
(7/235)
قال محمد بن رشد: هذه مسألة وقعت في بعض
الروايات، وهي مسألة رديئة خارجة عن الأصول؛ لأن مآل أمرهما إلى أن أسلم
البائع إلى المبتاع خمسة أرادب في عشرة إلى أجل.
[مسألة: كل زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء
يؤكل]
مسألة قال وكل زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل، فإنها تباع قبل أن
يستوفى؛ ويباع منها اثنان بواحد، ويباع بعضها ببعض إلى أجل؛ وكل زريعة تؤكل
ويستخرج من حبها طعام يؤكل، فإنه لا يباع حتى يستوفى، ولا يباع منه اثنان
بواحد.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في الرواية كل: زريعة لا تؤكل ويستخرج من حبها
شيء يؤكل، فإنها تباع قبل أن يستوفى، ويباع منها اثنان بواحد، ويباع بعضها
ببعض إلى أجل، وكل زريعة تؤكل ويستخرج من حبها طعام يؤكل، فإنها لا تباع
حتى يستوفى، ولا يباع منها اثنان بواحد، والصواب فيها كل زريعة لا تؤكل ولا
يستخرج من حبها شيء يؤكل؛ لأن ما كان من الزراريع التي يستخرج منها الزيت
كزريعة الفجل، وزريعة الكتان، فإنها من الطعام لا تباع حتى تستوفى، ولا
يباع منها اثنان بواحد، كذا قال في المدونة، ومعنى ذلك في البلد الذي تتخذ
فيه لذلك، فتأويل قوله في الرواية إذا صحت ويستخرج من حبها شيء يؤكل، أي
بأن يزرع فينبت منها ما يؤكل كزريعة البصل والكراث والبطيخ وشبه ذلك. ومعنى
قوله لا تؤكل أي لا تؤكل تقوتا ولا تفكها؛ لأن أكلها على سبيل التداوي
كالحرق وشبهه، لا يراعى. وقوله ويباع بعضها ببعض إلى أجل، يريد من صنفين
مختلفين، وقد حمل بعض الناس الرواية على ظاهرها في أن ما كان من الزراريع،
يؤكل فليس من الطعام وإن كان يخرج منه الزيت، خلاف ما في
(7/236)
المدونة. وأما قوله وكل زريعة تؤكل ويستخرج
من حبها طعام يؤكل، فالمعنى فيه وكل زريعة تؤكل أو يستخرج من حبها طعام
يؤكل؛ لأن الزريعة إذا كانت تؤكل فهي من الطعام وإن لم يخرج منها طعام؛ ولا
اختلاف في ذلك، كالكمون والكروياء، وشبه ذلك؛ وإذا كان يخرج منها طعام
كزريعة الفجل الذي يخرج منه الزيت وشبه ذلك، فهو من الطعام؛ وإن لم يؤكل
إلا على سبيل التداوي على ما وصفناه مما حمل عليه بعض الناس قوله: كل زريعة
لا تؤكل ويستخرج من حبها شيء يؤكل وهو بعيد، وقد اختلف في الحلبة، فقيل
إنها من الطعام لا تباع قبل أن تستوفى، وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى من
سماع عيسى من كتاب جامع البيوع. وقيل إنها ليست من الأطعمة وهي من الأدوية
فتباع قبل أن تستوفى، ويباع منها اثنان بواحد يدا بيد، وتباع بالقمح إلى
أجل، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه؛ قال ابن نافع قيل لي إنها باليمن
طعام فلا تباع بالقمح إلى أجل حيث هي طعام. وقال أصبغ للخضراء منها حكم
الأطعمة ولليابسة حكم الأدوية؛ وحكم ابن دينار في المدونة للزرايع التي لا
تؤكل ولا فيها طعام مثل زريعة القثاء والبطيخ وشبه ذلك، بحكم ما لا يدخر من
الفواكه، يجوز التفاضل في الصنف الواحد منها يدا بيد، ولا يجوز في شيء من
ذلك الأجل، ولا بيعه قبل استيفائه.
[مسألة: زيت الفجل بزيت الزيتون متفاضلا]
مسألة قال مالك لا بأس بزيت الفجل بزيت الزيتون متفاضلا يدا بيد.
(7/237)
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة،
بخلاف الأخلال، والأنبذة في ذلك، تلك لا يراعي فيها اختلاف أصولها؛ وقد
اختلف في الأخباز حسبما مضى القول فيه في أول سماع يحيى، وبالله التوفيق.
تم السلم الأول والثاني والآجال بحمد الله تعالى وعونه، وصلى الله على
سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما عونك يا الله.
(7/238)
|