البيان
والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة [كتاب العيوب الأول]
[اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت قد ولدت
مع سيدي الذي باعني منك]
كتاب العيوب الأول
(8/241)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على محمد، عونك يا الله من سماع ابن القاسم
من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه
قال فيمن اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت قد ولدت مع سيدي الذي باعني
منك، فقال لا يحرمها ذلك على سيدها، وذلك عيب ترد منه إن باعها وكتمه. قال
سحنون: قال ابن القاسم: يريد إذا باعها للمشتري الذي زعمت له ذلك، فإنه إذا
لم يبين ذلك لمشتريها منه أنها قد ذكرت له أنها قد ولدت مع سيدها الأول كان
عيبا ترد منه؛ لأن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا.
قال محمد بن رشد: قوله إن الجارية لا تحرم على سيدها بقولها
(8/243)
له بعد سنين قد ولدت من سيدي الذي باعني
صحيح لأنها تدعي الحرية أو عقد عتق إن كان سيدها الذي باعها حيا، وقد قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى
واليمين على من أنكر» وتتهم أيضا على إرادة الرجوع إليه وأن ذكرت ذلك
بحدثان شرائه إياها، فكيف إذا لم تذكره إلا بعد سنين، إلا أن يرع هو في
خاصة نفسه إذا لم تظهر له تهمتها فيما قالته فهو حسن، وقد قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحلال بين والحرام بين وبينهما
أمور مشتبهات فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه» الحديث، وأخبر - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - عن رضاع امرأة فتبسم وقال: «كيف وقد قيل» ، وذلك بين من قوله
إنه عيب إن باعها ولم يبين من أجل أن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا. ولو
أخبره قبل أن يشتريها مخبر صدق أنها حرة من أصلها وأن سيدها أعتقها أو أنها
ولدت منه لما حل له أن يشتريها من جهة قبول خبر الواحد لا من طريق الشهادة.
ولو قالت ذلك في عهدة الثلاث أو في الاستبراء لكان له ردها به على قياس
قوله إن ذلك عيب يجب عليه أن يبين به إذا باعها؛ لأن ما حدث من العيوب في
العهدة والاستبراء فضمانه من البائع، وبذلك أفتى ابن لبابة وابن مزين وعبد
الله بن يحيى وغيرهم من نظرائهم، وقع ذلك في أحكام ابن زياد، خلاف ما روي
عن مالك من رواية المدنيين عنه بأن ذلك ليس بعيب ترد منه إذ لا يقبل ذلك
منها. وقد روى داود بن جعفر عن مالك نحوه، قال إذا سرق العبد في عهدة
الثلاث رد بذلك، وإن أقر على نفسه بالسرقة لم يرد لأنه يتهم على إرادة
الرجوع إلى سيده. ومعنى ذلك عندي إذا كانت سرقته التي أقر بها لا يجب عليه
القطع فيها، وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على]
مسألة وقال في الذي يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على
(8/244)
الذي اشتريته منه، ولعله ليس من أهل البلد
ولا المعروف وهو حاضر يشير إليه أو غائب وهو معروف. قال مالك: إن كان
معروفا وهو غائب أو حاضر فهو سواء، وشرطه باطل إلا أن يكون عند مواجبة
البيع، وهو أحب ما فيه إلي. وقال مالك: كل من اشترط عهدة لم تكن عند الصفقة
فهو باطل وتباعته على بائعه.
قال محمد بن رشد: قوله: وهو أحب ما فيه إلي دليل على الاختلاف، وفي ذلك
ثلاثة أقوال: قيل إن الشرط عامل، وقيل إنه غير عامل، وقيل إنه عامل بالقرب
دون البعد. وإذا لم يكن عاملا فقيل إن البيع به فاسد، وقيل يبطل الشرط ويصح
البيع، وهو قوله في هذه الرواية، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في
رسم سلم دينارا في ثوب إلى أجل من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، وسيأتي
أيضا في هذا الرسم من سماع عيسى من هذا الكتاب.
[مسألة: اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه
أبق عند سيده الأول]
مسألة قال مالك فيمن اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه أبق عند سيده
الأول، قال: إن كان بائعه أخبره أنه لغيره فلا يمين عليه، وإن لم يكن أخبره
فلا بد من اليمين.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم في هذه المسألة إيجاب اليمين على البائع
وإن لم يعلم أنه أبق عند المشتري إلا بقوله، مثل ظاهر روايته هذه عن مالك
في قوله: وإن لم يكن أخبره فلا بد من اليمين، إذ لم يفرق فيما بين أن يثبت
إباقه عند المشتري أو لا يثبت ذلك عنده، خلاف ما في المدونة، ومذهب أشهب
أنه لا يمين عليه في ذلك، مثل
(8/245)
روايته عن مالك في رسم الأقضية الثاني من
سماعه بعد هذا، ومثل ما في المدونة، حكى ذلك ابن المواز عنها وقال هو من
رأيه قولا ثالثا إنه لا يمين عليه إلا أن يظهر العيب عند المشتري، فالذي في
المدونة إنما هو لأشهب لا لابن القاسم. وكذلك القول في السرقة والزنا
والعيوب التي تكون في الأخلاق، وأما [العيوب] التي تكون في الأبدان ويمكن
أن تكون حادثة عند المشتري فلا اختلاف في وجوب اليمين فيها على البائع،
وإنما يختلف في صفه اليمين، فقيل إنه يحلف علي البت في الظاهر والخفي، وهو
قول ابن نافع ورواية يحيى عن ابن القاسم بعد هذا في رسم أول عبد ابتاعه فهو
حر، وقيل إنه يحلف على العلم في الظاهر والخفي، وهو قول أشهب، وقيل إنه
يحلف على البت في الظاهر وعلى العلم في الخفي، وهو مذهب ابن القاسم. وأختلف
قوله إن نكل عن اليمين فقال في المدونة إنها ترجع علي المبتاع على نحو ما
كانت على البائع، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وقال في رسم الفصاحة من سماع عيسى
إنه يحلف على العلم في الوجهين جميعا. وقد كان بعض الشيوخ يقول ليست هذه
الرواية بخلاف لما في المدونة؛ لأنه إنما أوجب فيها اليمين على البائع من
أجل قول العبد إنه أبق عند سيده، فهي شبهة وجبت بها اليمين عليه، وذلك غلط
ظاهر، لا تأثير لقول العبد في ذلك؛ لأنه يتهم على إرادة الرجوع إلى سيده.
[وبالله التوفيق] .
[مسألة: اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه]
مسألة قال مالك فيمن اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه فرأى
(8/246)
صاحبه فأخبره بذلك وأشهد عليه أنه غير راض
به وأنه بريء به، فأقبل ليأخذ عبده فوجده قد هلك بعد قول المشتري أو أبى
البائع أن يقبضه فذهب المشتري يستأدي عليه فهلك العبد، قال: العبد من
المشتري حتى يرده إلى البائع بقضاء السلطان أو بأمر يعرفه صاحب العبد فيقبض
عبده. قال ابن القاسم: قال لي مالك إذا قضى به السلطان فهو من البائع وإن
لم يقبضه من المشتري.
قال محمد بن رشد: قول مالك في آخر المسألة إن السلطان إذا قضى برده فهو من
البائع وإن لم يقبضه من المشتري مبين لقوله قبل ذلك حتى يرثه إلى البائع
بقضاء من السلطان. وقد اختلف بماذا تدخل السلعة المردودة بالعيب في ضمان
البائع علي أربعة أقوال: أحدها أنها تدخل في ضمانه بإشهاد المبتاع على
العيب وأنه غير راض به وإن لم يرض البائع بقبض عبده ولا حكم عليه به حاكم،
وهو قول أصبغ؛ والثاني أنها لا تدخل في ضمانه حتى يرضى بقبض عبده أو يثبت
العيب عند السلطان وإن لم يحكم بعد برده، وهو الذي يأتي على قول مالك في
موطأه وعلى قول غير ابن القاسم في الشهادات من المدونة؛ والثالث أنه لا
يدخل في ضمانه وإن رضي بقبضه حتى يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه، وإن ثبت
العيب عند السلطان فحتى يقضي برده ويمضي من المدة أيضا ما يمكنه فيه قبضه،
وهو معنى قول مالك في هذه الرواية، فإذا قضى برده ومضى من المدة ما يمكنه
فيه قبضه دخل في ضمان البائع بالحكم وإن لم يقبضه من المشتري، ولا خلاف في
هذا؛ لأن حكم الحاكم لا يفتقر إلى قبض وحيازة، وإنما يختلف إذا رضي البائع
بأخذ عبده دون حكم هل يدخل في ضمانه بنفس الرضي دون القبض؟ أو لا يدخل في
ضمانه بنفس الرضي حتى يقبضه [أو يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه؟ أو لا
يدخل في ضمانه حتى يقبضه وإن مضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه؟ فقيل إنه
يدخل في ضمانه بنفس الرضى دون القبض، وقيل إنه لا يدخل في ضمانه بنفس
(8/247)
الرضى حتى يقبضه أو يمضي من المدة ما يمكنه
فيه قبضه] وقيل إنه لا يدخل في ضمانه حتى يقبضه وإن مضى من المدة ما يمكنه
فيه قبضه، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية أو بأمر يعرفه صاحب العبد فيقبض
عنده وهذا هو القول الرابع، وهو علي قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء
بيع، وأن على البائع في البيع حق توفيه. ووجه القول الأول أن المبتاع لما
كان بالخيار بين أن يرد بالعيب أو يمسك شاء البائع أو أبى لم يكن للاعتبار
برضاه معنى ووجب إذا أشهد المبتاع أنه قد رد أن ينتقض البيع فتكون المصيبة
من البائع؛ والقول الثاني على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع فإذا وجب
بثبوت العيب أو بإقرار البائع به وجب أن يكون الضمان من البائع؛ والقول
الثالث على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع وأن البائع ليس عليه حق
توفيه، فإذا مضى من المدة ما يمكنه فيه القبض فالمصيبة منه وإن لم يقبض؛
والقول الرابع على قياس القول بأن الرد بالعيب ما لم يقبض المبتاع وإن مضى
من المدة ما كان يمكنه فيه القبض. والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في
المكيال إذا سقط من يد المشتري وهو يكيل لنفسه بعد أن امتلأ وقبل أن يفرغه
في وعائه، فروى يحيى عن ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع للتجارة من
كتاب جامع البيوع أن ضمانه من البائع، وعلى هذا يأتي قوله في هذه الرواية
فيقبض عبده. وقال سحنون في نوازله من الكتاب المذكور: مصيبة ما في المكيال
من المشتري، فعلى قوله يدخل العبد المردود بالعيب في ضمان البائع بنفس رضاه
بقبضه. وقد قيل إن على البائع في العروض حق توفية وأنها في ضمانه وإن طال
الأمد وكان قد قبض الثمن ما لم يقبضها المبتاع أو يدعوه البائع إلى قبضها
فيأبى، وهو قول أشهب في ديوانه، وعلى قياس قوله يأتي القول الرابع حسبما
بيناه. وقد قال ابن دحون: قوله في هذه
(8/248)
الرواية ويقبض العبد قول غريب يوجب أن كل
من اشترى شيئا بعينه فمات قبل قبض المشتري له أنه من بائعه، ولا اختلاف في
ذلك إلا في هذه القولة النادرة، وليس قوله بصحيح، إذ قد بينا وجه دخول
الاختلاف فيه، وأنه قول من رأى على البائع حق توفية في العروض. قال ابن
دحون: وإنما الاختلاف إذا احتبسه البائع بالثمن، فابن القاسم يقول حكمه حكم
الرهن، وغيره يقول هو من البائع.
قال محمد بن رشد: والقولان لمالك في كتاب العيوب من المدونة، قوله فيه: وقد
قال مالك بقولهما جميعا بعد أن ذكر اختلاف سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار
في ذلك، فلو كان البائع لما رضي بقبض عبده بالعيب أبى المبتاع أن يرجعه
إليه حتى يرد إليه الثمن فهلك فيما بين ذلك لجرى الأمر فيه على هذا
الاختلاف. [وبالله التوفيق] .
[مسألة: تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب فيه]
مسألة قال وسمعت مالكا [يقول] قال فيمن تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب
فيه، قال يأخذ قيمة العبد كما لو أعتقه لأنه قد فات فلا يستطيع رده. قال
سحنون وعيسى: قيمة العيب للمتصدق به.
محمد بن أحمد: قوله إنه يأخذ قيمة العيب إذا تصدق به أو أعتقه هو المشهور
في المذهب، وقد قيل إنه إذا تصدق به أو أعتقه فهو فوت ولا رجوع له بقيمة
العيب، روى ذلك زياد عن مالك، ففي قياسه الصدقة على العتق نظر، إذ لا فرق
بينهما، الاختلاف فيهما سواء ومن حق القياس أن يقاس ما اختلف فيه على ما
اتفق عليه. وفي تعليله أيضا بقوله لأنه قد
(8/249)
فات فلا يستطيع رده نظر؛ لأنه يفوت بالبيع
ولا يستطيع رده ولا يرجع للعيب بشيء على مذهبه، فكان وجه القياس أن يقول
يأخذ قيمة العيب كما لو فات لأنه قد خرج من يده بغير عوض. وقول سحنون وعيسى
إن قيمة العيب للمتصدق به صحيح على معنى ما في الشفعة من المدونة في الذي
يهب العبد لرجل ثم يستحق فيأخذ له ثمنا أنه لا شيء للموهوب له من الثمن،
وبالله التوفيق.
[باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه]
ومن كتاب القبلة قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال من
باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه
إنه يعاقب البائع ويرد عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الواجب على من غش
أخاه المسلم أو غره أو دلس له بعيب أن يؤدب على ذلك مع الحكم عليه بالرد؛
لأنهما حقان مختلفان، أحدهما لله ليتناهى الناس عن حرمات الله، والآخر
للمدلس له بالعيب، فلا يتداخلان ولا ينوب أحدهما عن الآخر، كالقطع في
السرقة الذي يجب مع رد السرقة إلى المسروق منه.
[مسألة: ابتاع عبدا فأبق منه ثم وجد من يشهد له
أنه كان أبق عند الذي باعه]
مسألة قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: من ابتاع عبدا فأبق منه ثم وجد من
يشهد له أنه كان أبق عند الذي باعه، فقال الذي باعه لم يأبق منك ولكنك
غيبته أو بعته، قال: يحلف بالله ما بعته ولقد أبق مني ثم يأخذ ثمنه من
البائع.
قال محمد بن رشد: إنما كان القول قول المبتاع إنه أبق عنده،
(8/250)
لأن مصيبته في الإباق من البائع إذا أثبت
أنه باعه إياه وهو آبق. وهذا مثل ما حكى بعض الرواة عن سحنون أنه سئل عن
الرجل يشتري العبد أو الأمة فيدعي أنه أبق في العهدة ولا بينة له في إباقه،
فقال إن ادعى ذلك في الأيام الثلاثة حلف على ذلك، وإن لم يدع ذلك إلا بعد
العهدة لم يقبل إلا ببينة، فجعل القول قول المبتاع في إباق العبد بالموضع
الذي لو ثبت أنه أبق فيه لكانت مصيبته من البائع، فهو أصل واحد، والله
تعالى ولي التوفيق.
[يبيع الميراث فيبيع الجارية ويقال إن الجارية
تزعم أنها عذراء]
ومن كتاب حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها وسئل عن الذي يبيع الميراث فيبيع
الجارية ويصاح عليها ويقول الذي يصيح عليها إنها تزعم أنها عذراء ولا يكون
ذلك شرطا منهم في ذلك إنما يقولون إنها تزعم ثم يجدها غير عذراء فيريد أن
يردها. قال: ذلك له. فقيل له: إنهم يزعمون أنا لم نشترط وإنما قلنا ذلك
بأمر زعمته، قال: أرى أن يردها إلا أن يكونوا لم يقولوا له شيئا فأما أن
يقولوا مثل هذا ثم يشتري المشتري وهو يظن ذلك فأرى أن يردها، وكذلك إن قال
إنها تنصب القدور وتخبز، ويقولون إنها تزعم ولا يشترطون ذلك، فإذا هي ليست
كذلك، فإني أرى أن يردها إلا ألا يخبروا شيئا فلا أرى عليهم شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم البيوع من سماع أصبغ بعد هذا، وفي رسم
يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه، سواء قال
في الجارية أبيعها منك على أنها عذراء أو
(8/251)
على أنها رقامة أو خبازة أو وصفها بذلك
فقال أبيعها منك وهي عذراء أو رقامة أو خبازة، وذلك كله كالشرط لأنه إذا
قال: إنها تزعم أنها على صفة كذا وكذا، أو قالت هي عند البيع إني على صفة
كذا وكذا ولم يكذبها في قولها ولا تبرأ منه فقد أوهم أنها صادقة فيما زعمت،
فكأنه قد باع على ذلك وشرطه للمبتاع. وإنما يفترق الشرط من الوصف في النكاح
حسبما مضى القول عليه في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح فلا معنى
لإعادته. [وبالله التوفيق] .
[مسألة: يشتري العبد فيجده أعسر]
مسألة وسئل عن الرجل يشتري العبد فيجده أعسر أتراه عيبا؟ قال نعم أراه عيبا
وأرى أن يرده به. قال ابن القاسم وإن كان أيسر وانتفع بيديه جميعا فلا أرى
أن يرد.
قال محمد بن رشد: في حديث عمر أنه كان أعسر أيسر. قال أبو عبيدة هو الذي
يعمل بيديه جميعا، وقال والمحدثون يقولون أعسر أيسر وهو خطأ، قال ابن
لبابة: الأعسر الذي لا يعمل إلا باليد اليسرى، والأيسر الذي يعمل بيديه
جميعا. فإذا كان يعمل بيديه جميعا فليس ذلك بعيب كما قال لأنها زيادة منفعة
إلا أن تنقص يمناه في قوتها والبطش بها عن يمنى من لا يعمل بيسراه فيكون
ذلك عيبا، قاله ابن حبيب في الواضحة في الأعسر الذي هو أعسر أيسر يعمل
بيديه جميعا. وقوله صحيح مفسر لقول ابن القاسم، وبالله التوفيق.
(8/252)
[باع غلاما من رجل فأقام عنده ما شاء الله
ثم وجد به عيبا كان عند بائعه]
ومن كتاب أوله
الشجرة تطعم بطنين في السنة وسئل عمن باع غلاما
من رجل فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا كان عند بائعه،
وبالعبد عيب يحدث مثله يكون عند الأول والآخر ولا يدرى متى حدث، قال أرى
أنه مردود بالعيب الأول، وليس على الآخر في العيب الذي حدث شيء، وإنما هو
مدع فيه أن يقول حدث عندك ومن يعلم ذلك، وليس على المبتاع أكثر من أن يحلف
بالله ما علمت أنه حدث عندي.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة، إنما كان القول قول المبتاع في
العيب الذي يقدم ويحدث إنه ما حدث عنده من أجل أنه قد وجب له أن يرد بالعيب
القديم ويأخذ جميع الثمن، فالبائع يريد أن ينتقصه من الثمن بأن يقول حدث
عندك العيب فلا ترده إلا أن ترد ما نقصه ذلك، فهو مدع عليه في ذلك، إن نكل
المبتاع عن اليمين حلف البائع أنه ما يعلم العيب كان عنده أو ما كان عنده
إن كان من العيوب الظاهرة على مذهب ابن القاسم، ثم كان المشتري بالخيار بين
أن يرد ويرد ما نقصه العيب، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب؛ فإن نكل البائع
أيضا لزمه العيبان جميعا، وكان المبتاع مخيرا بين أن يمسك ولا شيء له أو
يرد ولا شيء عليه، قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم الفصاحة من سماع عيسى،
وهو صحيح. [وبالله التوفيق] .
[مسألة: الجارية تشترى فتوجد غير مخفوضة]
مسألة وسئل عن الجارية تشترى فتوجد غير مخفوضة، أترى أن
(8/253)
ترد؟ قال قد سئلت عن ذلك قبل اليوم، فقيل
له فماذا قلت فيه؟ قال: رأيت أنها إن كانت من جواري العرب الذين يخفضون
فإنه يردها، وإن كانت من رقيق العجم الذين لا يخفضون لم أر أن ترد منه.
فقيل له: فالخدم؟ فقال: لا، ليس الخدم مثل المرتفعات، لا يرد الخدم من رقيق
العجم ولا من رقيق العرب.
قال محمد بن رشد: وكذلك العبد يشترى فيوجد غير مختون، قاله ابن القاسم بعد
هذا في رسم الجواب من سماع عيسى، وزاد أن من طال مكثه في أيدي العرب فهو
بمنزلة ما ولد عندهم. وقال في سماع محمد بن خالد بعد هذا: إن الجارية
الرائعة ترد إذا وجدت غير مخفوضة، ولم يفرق بين أن تكون من رقيق العرب ولا
من رقيق العجم، وينبغي أن يحمل على أن هذا تفسير له، ولا يحمل على ظاهره من
الخلاف؛ لأنه يبعد أن يرد رقيق العجم بذلك. وذهب ابن حبيب إلى أنه يرد بترك
الختان والخفاض الرفيع والوضيع من بلاد المسلمين، وقال إن ما طال لبثه في
أيدي المسلمين من رقيق العجم فهو بمنزلة ما ولد عندهم، يرد بذلك الرفيع
والوضيع إلا أن يكونا من الصغر بحيث لم يفت ذلك منهما. وهذا كله في
المسلمين من الرقيق، وأما النصارى منهم فلا يردون بترك الختان ولا الخفاض،
قاله ابن حبيب. وقال في سماع محمد بن خالد في العبد المسلم يوجد غير مختون
إنه يرد بذلك ولم يفرق بين وضيع ولا رفيع، مثل قول ابن حبيب في الواضحة،
خلاف ما في رسم الجواب من سماع عيسى.
والصحيح في القياس والنظر ألا يفرق في الختان بين رفيع ولا وضيع بخلاف
الجواري في الخفاض، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن يرد الرفيع
والوضيع من الغلمان والجواري بترك الختان والخفاض، وهو قول ابن حبيب في
الواضحة، والثاني أنه لا يرد بذلك إلا
(8/254)
الرفيع دون الوضيع من الجواري والغلمان
جميعا، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى، والثالث الفرق بين الجواري
والغلمان على ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
[الغلام يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت]
ومن كتاب طلق بن حبيب وسئل مالك عن الغلام
يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت ولا يعلم أنه
مات في العهدة أو بعد ذلك، فقال البائع هو منك وقال المبتاع لا بل هو منك،
فقال: أراه من المبتاع ضامنا حتى يأتي عليه ببينة أنه مات في عهدة الثلاث،
فإن لم يعلم ذلك وجهل فهو من المبتاع. فقيل له: والعور وغير ذلك من العيوب؟
قال نعم هو من المبتاع إلا أن يعلم أن ذلك أصابه في العهدة. وأخبرني العتبي
قال: قال ابن نافع عن مالك: إن المصيبة من البائع حتى تعلم البينة أنه خرج
سالما من عهدة الثلاث.
قال محمد بن رشد: رواية ابن نافع هذه وقعت في بعض الروايات مختصرة، وهي في
المدونة وفي أول سماع أشهب كاملة، قال فيها: إن المصيبة من البائع حتى يعلم
أنه خرج من العهدة سالما، ووقع في آخر سماع أشهب أن المصيبة من المبتاع حتى
يعلم أنه مات في العهدة مثل رواية ابن القاسم هذه. والخلاف إنما هو إذا عمي
أمره فلم تعلم حياته ولا موته أو علم أنه مات ولم يعلم إن كان موته في عهدة
الثلاث أو بعدها. وأما إن علم أنه مات في عهدة الثلاث فمصيبته من البائع
بلا خلاف، فإن عمي أمره فترادا الثمن على إحدى روايتي أشهب وابن نافع عن
مالك في أن المصيبة من البائع، ثم أتى العبد، كان للبائع ولم يرد إلى
المبتاع، ولو أتى قبل أن يترادا الثمن كان للمبتاع، حكى ذلك محمد
(8/255)
ابن المواز عن أشهب. ومعنى ذلك عندي إذا
تراضيا على ذلك بغير حكم، وأما لو حكم بذلك عليهما لوجب أن يرد العبد إلى
المبتاع لانكشاف خطأ الحكم في ذلك بما لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق.
[يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية
حاملة]
ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات وسئل عن الرجل
يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع
جملة فتوجد بينهم جارية حاملة أترد؟ قال: ما أرى ذلك لهم؛ لأنهم
وخش.
قال محمد بن رشد: قوله فتباع جملة يريد صفقة واحدة وقد عرف عددهم، إذ لا
يجوز بيع الرقيق جزافا. ولم ير أن ترد الحامل منهن بعيب الحمل إذ لا ينقص
الحمل من جملة الثمن شيئا من أجل أنهم وخش. ولو اشتراها وحدها لكان له أن
يردها، قال ذلك في آخر سماع أصبغ على قوله في المدونة وغيرها إن الحمل عيب
في الوخش والمرتفعات. وكان القياس إذا كان له أن يردها إذا اشتراها وحدها
أن يكون له أن يردها بما ينوبها من الثمن إذا اشتراها مع غيرها جملة كما
قال في المدونة وغيرها في السلع تشترى جملة فيوجد ببعضها عيب أن المعيب يرد
منها بما ينوبه من الثمن، إلا أنه استحسن هذا في الحمل خاصة مراعاة لقول من
لا يرى الحمل عيبا في وخش الرقيق. وممن قال بذلك ابن كنانة، ورآه ابن حبيب
فيهن عيبا
[اشترى جارية من رجل فسأله عن حيضتها]
ومن كتاب سن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسئل عن رجل
اشترى جارية من رجل فسأله عن حيضتها،
فقال إنها صغيرة ولم تحض بعد وكانت قصيرة فطمع المشتري أن يكون لها نشوز
عند حيضتها، فلما اشتراها لم تقم إلا عشرا أو
(8/256)
نحوها حتى حاضت.
قال: قال مالك: إن كانت قد بلغت ومثلها تحيض ويخاف أن تكون تحيض، فأرى أن
يستحلفه أنها ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة فقد ائتمنه على ما قال، ولا أرى
أن يستحلفه.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كانت قد بلغت ومثلها تحيض، معناه: إن كانت قد
بلغت في حالها مبلغا يشبه أن يحيض مثلها ويخاف أن تكون [قد] حاضت عنده
استحلف ما حاضت عنده، واليمين ههنا يمين تهمة، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما
يدخل في لحوق يمين التهمة، وكذلك إن نكل عن اليمين لجرى الحكم في ذلك على
الاختلاف في رد يمين التهمة، ترد عليه في أحد القولين بالنكول دون رد يمين،
وفي القول الثاني لا ترد عليه إلا بعد يمين المشتري، والقول الأول هو
المشهور، وقوله: وإن كانت صغيرة أي وإن كانت فيما يظهر من حالها أنها صغيرة
لا يحيض مثلها فلا يمين عليه، وذلك بيّن على ما قال: لأن حيضتها وهي على
هذه الحال علة فيها ومصيبة دخلت عليه، فلا حجة له في ذلك على البائع.
[وبالله تعالى التوفيق] .
[مسألة: اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ
فوجدها مفتضة]
مسألة قيل لسحنون: ولو أن رجلا اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ فوجدها
مفتضة، قال: إن كانت من وخش الرقيق فليس ذلك بعيب، وإن كانت من علية الرقيق
فذلك عيب يردها به، وإن كانت مثلها توطأ فليس ذلك بعيب كانت من علية الرقيق
أو من وخشها.
(8/257)
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن
الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على أنها قد وطئت فليس له أن يردها إذا
وجدها مفتضة، والتي لا يوطأ مثلها محمولة على أنها لم توطأ، وليس ذلك
كالشرط فيها، فإذا وجدها مفتضة كان له أن يرد الرفيعة بذلك؛ لأن الافتضاض
ينقص من قيمتها، ولم يكن له أن يرد الوخش بذلك؛ إذ لا ينقص الافتضاض من
قيمتها إلا أن يشتريها على أنها غير مفتضة بشرط، وذلك قائم من قوله في
المدونة: إنه إذا اشترى الجارية البكر فافتضها فليس له أن يبيعها مرابحة
يبين إلا أن تكون من الوخش اللواتي لا ينقصهن الافتضاض شيئا فليس عليه أن
يبين، وبالله التوفيق.
[عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى مكة ووجد
المشتري بالعبد عيبا]
ومن كتاب أخذ يشرب خمرا قال: وسئل مالك: عن عبد ابتاعه رجل فخرج بائعه إلى
مكة، ووجد المشتري بالعبد عيبا توقيفا في يده فأتى به السلطان فأشهد عليه،
ثم إن الرجل قدم من مكة والعبد مريض، أترى أن يرده؟ قال: نعم، أرى أن يرده
إلا أن يكون مرضا مخوفا.
قال عيسى بن دينار: قال لي ابن القاسم: فإن كان مرضا مخوفا استؤني به ما لم
يدخل في ذلك ضرر، فإن كان برؤه قريبا رده، وإن كان مرضا يتطاول به أو هلك
رد إليه قدر قيمة العيب.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في رواية عيسى عنه في المرض المخوف إنه
يستاني به يريد إن رجي برؤه إلى مدة قريبة لا يكون في الاستيناء إليه ضرر،
تفسير لقول مالك فإن برئ بالقرب رد، وهو معنى قوله: وإن كان برؤه قريبا
رده، وإن لم يبرأ بالقرب وتطاول أمره أو هلك رد إليه قيمة العيب، [ولو كان
مرضه مرضا لا يرجى برؤه منه إلى مدة قريبة لم
(8/258)
يستأن به على قياس قوله ورجع بقيمة العيب]
وفي نوازل سحنون في بعض الروايات أنه يرده مريضا، وإن كان مرضه مرضا مخوفا
رده ورد معه ما نقصه عيب المرض المخوف، فقيل: إن الاختلاف في هذا جار على
اختلافهم في جواز بيع المريض، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن الاختلاف في ذلك
إنما هو مع تراضي المتبايعين على ذلك، والمردود عليه بالعيب لا يرضى أن
يأخذ عبدا مريضا يخشى عليه الموت، ويدل على ذلك أيضا قول مالك: إن المرض
المخوف فوت في الرد بالعيب، مع أن مذهبه جواز بيعه، فهو دليل قوله في
المدونة في كتاب بيع الخيار في الأمة تشترى بالخيار فتلد في أيام الخيار.
وظاهر قوله في كتاب الاستبراء منها وفي رسم الجواب من سماع [عيسى بعد هذا
وفي سماع] ، سحنون أيضا، ونص قول أصبغ في الثمانية قال: لا بأس ببيع المريض
ما لم يقارب الموت أو ينزل به أسبابه من شدة المرض أو البلاء في جسده، مثل
السل والمد ونحو ذلك، خلاف قول ابن الماجشون، واختيار ابن حبيب في أن بيعه
لا يجوز إذا بلغ منه المرض مبلغا لو كان حرا لم يجز القضاء له إلا في ثلث
ماله، وسحنون يميل أبدا إلى قول ابن الماجشون، فوجه قوله: إنه يرد بالعيب
وإن كان مريضا مرضا مخوفا مراعاة قول من يرى الرد بالعيب نقض بيع، وأنه
يرجع به إلى البائع المالك الأول. [وبالله تعالى التوفيق] .
[مسألة: ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له
أولادا ثم وجد بها عيبا]
مسألة وسئل عن رجل ابتاع جارية من رجل فزوجها فولدت له أولادا، ثم وجد بها
عيبا كان عند الأول، أترى ولادتها فوتا أو يردها بولدها إن شاء أو يمسك؟
فتفكر فيها، ثم قال: أرى إن أحب أن يردها ردها بولدها، وإن أحب أن يمسك
أمسك، ولا أرى له
(8/259)
في العيب شيئا.
قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن هذا فقال: ذلك رأيي لم يكن قول ابن القاسم
في كتاب سحنون.
قال محمد بن رشد: الزيادة في الرقيق في الرد بالعيب تنقسم على قسمين: زيادة
في الحال، وزيادة في العين، فأما الزيادة في الحال مثل العبد والجارية
يتخرجان أو يتعلمان الصناعات أو يفيدان الأموال، فهذا لا اختلاف فيه أنه
ليس بفوت، والمشتري مخير بين أن يرد أو يمسك ولا شيء له؛ وأما الزيادة في
العين، فتنقسم على ثلاثة أقسام: زيادة الولد، وزيادة الكبر، وزيادة السمن.
فأما زيادة الولد ففيها قولان؛ أحدهما: أن ذلك ليس بفوت وهو مخير بين أن
يرد الجارية وولدها إن كانوا على ما قال في هذه الرواية، أو يردها ويجمع
ثمنهم إن كان قد باعهم، على ما قال في رسم باع شاة من سماع عيسى، وبين أن
يسمك ولا شيء له؛ والثاني: أنه فوت يكون فيه مخيرا بين أن يرد ويرد الأولاد
أو ثمنهم إن كان باعهم وبين أن يسمك ويرجع بقيمة العيب، قاله ابن القاسم في
سماع موسى بن معاوية إذا كان قد باع الأولاد، ولا فرق بين أن يبيعهم أو
يكونوا قياما على هذا القول، كما لا فرق بين ذلك في القول الأول، وأصبغ
يقول: إنه إذا باع الأولاد رد الأم وأخذ حصتها من الثمن كأن البيع وقع
عليها معهم يوم ولدوا، وهو بعيد.
وأما زيادة الكبر ففيها أيضا قولان؛ أحدهما: أن ذلك فوت يكون المبتاع فيه
مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، وهو قول ابن حبيب في الواضحة
وحكاه عن مالك؛ والثاني: أنه فوت يوجب له الرجوع بقيمة العيب، وليس له أن
يرده إلى البائع إلا أن يرضاه، وهو الذي في المدونة، ولا فرق بين زيادة
الولد، وزيادة الكبر فيحمل كل واحد منهما على صاحبه، ويدخل فيه من الاختلاف
ما دخل فيه، فيكون في زيادة الولد ثلاثة أقوال وفي زيادة الكبر ثلاثة
أقوال.
وأما زيادة السمن في الجواري فلم يره ابن القاسم فوتا إلا أن فيه أيضا
قولين؛ لأن ابن حبيب يراه فوتا يوجب التخيير للمبتاع بين أن يرد أو يمسك
ويرجع بقيمة العيب، ويدخل فيه القول الثالث بالمعنى، والله الموفق.
(8/260)
[بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز]
ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان وسئل مالك: عن
بيع الرجل الأعداد من الكتان والبز،
تفتح فينظر إلى ثوبين أو ثلاثة أو رطل من الكتان أو رطلين، فيوجد الذي بعده
لا يشبهه، قال مالك: إن الأعدال يكون أولها أفضل من آخرها، فإذا فتح العدل
فجاء ذلك صنف واحد أو بعضه قريب من بعض، فإن كان الأول الذي نظر إليه هو
أجود إلا أنه صنفه أو قريب منه، فإني أرى البيع جائزا عليه، ومثل ذلك الرجل
يشتري البيت فيه تمر أو قمح فيكون أوله خيرا من آخره، فإذا جاء في ذلك تغير
قريب رأيت ذلك جائزا، وإن جاء أمر فاسد رأيت أن يرد عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبينة لما في المدونة وغيرها؛ لأن العرف
كالشرط عليه يدخل المتبايعان فلا قيام للمبتاع إلا فيما تفاحش وخرج عن
العرف.
[مسألة: يقدم البلد بالكتان وما أشبهه من
المتاع فتكون تلك السلعة من سلع الفسطاط]
مسألة وسئل: عن الذي يقدم البلد بالكتان وما أشبهه من المتاع فتكون تلك
السلعة من سلع الفسطاط، ويكون لها عمال معروفون بأعمالهم فيقدم بها الرجل
البلد، فيقول له بعض من يشتري منه من عمل من اشتريت؟ فيقول: من عمل فلان،
وهو عمل قد عرفوه، فيشترونه منه ولا يفتحونه ولا ينظرون إليه.
قال مالك: لا أحب لهم أن يشتروا حتى يفتحوه وينظروا إلى شيء منه.
(8/261)
محمد بن أحمد: وهذا كما قال: إن الاختيار
ألا يشتروه حتى يفتحوه وينظروا إليه، فإن لم يفعلوا جاز؛ لأنهم إنما اشتروا
على ما قد عرفوه وعاينوه، فلا يشبه شراء ذلك على الصفة؛ لأن الشراء على
الصفة غرر، إذ لا تقوم الصفة مقام العيان، وإنما جاز عند الضرورة لبيع
السلعة الغائبة إذ لا يمكن فيها المعاينة، وكبيع الأحمال على البرنامج [لما
في حلها ونشرها على السوام من الضرر على أرباب المتاع] ، [وبالله التوفيق]
.
[مسألة: بيع الثياب في الجراب بالبراءة]
مسألة وقال مالك في بيع الثياب في الجراب بالبراءة: لا خير فيه، وهو مما لا
يستطاع أن تدرك معرفته، فلذلك رأيت البراءة لا ينتفع بها فيه إلا أن يكون
الشيء غير المضر ولا المفسد.
قال محمد بن رشد: يحتمل أن يريد ببيع الثياب في الجراب بيع الأعدال في
لفائفها أو أوعيتها على صفة البرنامج، ويحتمل أن يريد بذلك بيع الثوب
الرفيع في جرابه الذي يفسده ويغيره إخراجه من جرابه ونشره؛ لأن هذا أجيز
بيعه على الصفة لهذه الضرورة على اختلاف في ذلك، وقال: إنه لا خير في
البراءة في ذلك من أجل أن معرفته غير مدركة، والمعنى في ذلك: أنه لما كان
بيع البراءة إنما جاز من أجل أنه يلزمه أن يبين ما علم ولا يبرأ إلا مما لم
يعلم، كره أن يبيع بالبراءة ما يجهل عيوبه، ورأى عيوب الثياب المبيعة على
هذه الصفة مما يخفى على البائع ولا تدرك معرفتها فكره البراءة فيها لذلك،
وقال: إنها إن وقعت برئ من الشيء اليسير مراعاة لقول من رأى أن البراءة
نافعة فيها في القليل والكثير، وهو قول جماعة من السلف وقول ابن وهب من
أصحاب مالك واختيار ابن حبيب، وقد كان مالك يراها في الرقيق والحيوان، قاله
في موطأه، ثم رجع إلى أنها لا تجوز إلا في الرقيق [وحده] ، وبالله التوفيق.
(8/262)
[أيام العهدة في الاستبراء متى هي]
ومن كتاب أوله اغتسل على غير نية وسئل مالك: عن
أيام العهدة في الاستبراء متى هي، أبعد الاستبراء أم قبله؟ قال: من
يوم تباع تدخل في الاستبراء، ليس بعد الاستبراء عهدة.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في رسم الأقضية من سماع أشهب، وإنما هذا إذا
أقامت في الحيضة ثلاث ليال أو أزيد، وأما إن كان الاستبراء أقل من ثلاث فلا
بد من تمام عهدة الثلاث، ولا تدخل عهدة الثلاث في عهدة السنة، قاله مالك في
رسم الأقضية المذكور من سماع أشهب.
والفرق على قوله بين دخولها في الاستبراء، ودخولها في عهدة السنة أن عهدة
الثلاث والاستبراء يتفقان في أن الضمان فيهما من البائع في كل شيء، فوجب أن
يدخل الأقل منهما في الأكثر، وعهدة السنة إنما هي من الجنون والجذام خاصة
فلم يدخل فيها الاستبراء ولا عهدة الثلاث.
وقد قال مالك في الواضحة إن عهدة السنة من يوم عقد البيع، وقاله ابن
الماجشون في كتاب ابن المواز، ووجه هذا القول أنه لما كان الاستبراء وعهدة
الثلاث وعهدة السنة يتفقان في الجذام والبرص وجب أن يدخل الأقل من ذلك في
الأكثر فيما يتفقان فيه، وذهب المشايخ السبعة إلى أن عهدة الثلاث بعد
الحيضة، فأحرى على قولهم أن تكون عهدة السنة بعد الاستبراء وبعد عهدة
الثلاث، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن العهدتين والاستبراء لا
يدخل شيء من ذلك في شيء ويبدأ بالاستبراء، ثم عهدة الثلاث ثم عهدة السنة،
وهو قول المشايخ السبعة، والثاني: أنهن يتداخلن جميعا فيكون الاستبراء
وعهدة الثلاث وعهدة السنة كلها من يوم عقد البيع، وهو قول مالك في الواضحة،
وقول ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، والثالث: أن الاستبراء وعهدة الثلاث
يتداخلان جميعا فيكونان من يوم البيع وعهدة السنة بعد تمامها جميعا، وهو
قول مالك في سماع أشهب ودليل قوله في هذه الرواية، وبالله التوفيق.
(8/263)
[يشتري الجارية الفاره فإذا هي لقية]
ومن كتاب البز وسئل مالك: عن الرجل يشتري
الجارية الفاره فإذا هي لقية أتراه عيبا ترد به؟ قال لي: نعم أرى
ذلك.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: أن غير الفاره لا ترد بذلك، ومثله في رسم
الأقضية الآخر من سماع أشهب، وفي رسم الأقضية الثاني منه أن الرد لا يجب
بذلك إلا أن يشترط الرشدة، وابن القاسم يرى الرد في ذلك في الفاره، وغير
الفاره وإن لم يشترط، فهي ثلاثة أقوال.
[مسألة: باع ثوبا فوجد به المبتاع خرقا فزعم
البائع أنه قد بينه له وأنكر المبتاع]
مسألة وسئل مالك: عن رجل باع ثوبا فوجد به المبتاع خرقا فزعم البائع أنه قد
بينه له وأنكر المبتاع، أترى أن يحلف في هذا عند المنبر؟ قال: لا أرى أن
يحلف عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدا.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذا أنه لا يحلف عند المنبر إلا أن تكون قيمة العيب
ربع دينار، وقد روي ذلك عن ابن المواز، وهو بعيد؛ لأنه يجب عليه إذا اختلف
المتبايعان فقال البائع: بعت بعشرة دراهم وقال المبتاع: بل ابتعت بتسعة
دراهم ألا يحلفا عند المنبر، وذلك لا يصح؛ لأن اليمين إنما هي في فسخ بيع
الثوب وثمنه أكثر من ربع دينار، فكذلك الثوب المعيب إنما ينظر إلى قيمته؛
لأنه هو الذي يرد لا إلى قيمة عيبه، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره
فيقال: معنى قوله: إلا في ربع دينار فصاعدا، أن تكون قيمة الثوب الذي فيه
العيب ربع دينار فصاعدا لا قيمة العيب، أو يقال: معناه إذا فات الثوب ووجب
الرجوع بقيمة العيب، وبالله التوفيق.
(8/264)
[يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا
في سفره]
ومن كتاب أوله نذر سنة يصومها وسئل مالك: عن الرجل
يشتري الدابة فيسافر عليها فيجد بها عيبا في
سفره، ثم يقدم بها وهي على حالها، أله أن يردها؟ قال: نعم ذلك له.
قيل له: وإن ركبها؟ قال: نعم.
قيل: أفترى عليه في ركوبها شيئا؟ قال: لا، الحاضر قد يركب فيجد العيب فلا
يكون عليه في ركوبها شيء، يريد قبل أن يجد.
قال ابن القاسم: وأما المسافر يجد العيب في سفره فليس عليه في ركوبها شيء
وليس عليه أن يتكارى عليها من يقودها، ولكن إذا أتى بها على حالها ردها ولم
يضره ركوبها، فإن عجفت في سفره كان بالخيار، إن أحب أن يردها ويغرم ما نقص
العجف منها، أو يمسكها ويأخذ قيمة العيب.
وأما الحاضر فإنه إن ركبها ركوب احتباس لها بعد أن يجد العيب وإقامته عليها
لزمته؛ لأن ذلك رضي منه بالعيب، فأما إن كان يركبها ليردها عليه وما أشبهه
فلا شيء عليه في ركوبها وليردها.
قال محمد بن رشد: ابن القاسم يجيز للمشتري إذا وجد العيب بالدابة اشتراها
في سفره أن يمضي في سفره ويركبها ولا يوجب عليه الرجوع بها إلا أن يكون
قريبا لا مؤنة عليه في الرجوع، ويستحب له أن يشهد أن ركوبه إياها ليس برضى
منه بالعيب، فإن لم يفعل لم يضره ذلك وكان له ردها، هو ظاهر قول مالك في
هذه الرواية ومعناه.
وابن كنانة يقول: إنه إذا وجد العيب بالدابة في سفره فليشهد عليه ويردها
ولا يركبها في ردها ألا أن يكون بين قريتين فيبلغ عليها إلى القرية ليشهد؛
وابن نافع يقول في المدنية: إنه لا يركبها ولا يحمل عليها إلا ألا يجد من
ركوبها أو الحمل عليها بدا في السفر أو الغزو، فليشهد على ذلك ويركب أو
يحمل حتى إلى الموضع الذي لا يجوز له أن يركبها فيه، يعني حتى يجد حكما
وبينة تشهد له بذلك الموضع
(8/265)
بما يستوجب ردها به، فاعرف أنها ثلاثة
أقوال في ركوبها إذا وجد العيب بها في السفر، وأما في الحضر فليس له أن
يركبها بعد وجود العيب بها إلا في ردها.
وقال ابن حبيب: إن ألجأ بائعها إلى الخصومة فيها فلا بأس أن يركبها في
مكانه بالمعروف حتى يحكم له بردها؛ لأن عليه النفقة ومنه الضمان، وكذلك
العبد والأمة له أن يستخدمهما بالمعروف، وليس له أن يطأ الأمة ولا يتلذذ
بشيء من أمرها ولا يلبس الثوب إن كان الذي وجد العيب به ثوبا، فإن فعل كان
رضى منه بالعيب، وليس على من وجد عيبا بدابة اشتراها في غير البلد الذي
اشتراها فيه أن يردها إلى البلد الذي فيه صاحبها إلا ألا يجد السبيل إلى
ردها عليه حيث هي لعدم بينة أو حكم، والسلعة بخلاف ذلك لما لزمه عن الكراء
عليها في حملها من بلد إلى بلد.
وروى أبو قرة عن مالك أنه إن دعاه صاحبها إلى ردها كان بالخيار بين أن
يردها أو يأخذ قيمة العيب، وكذلك من اشترى سلعة ثقيلة لا بد من الكراء
عليها فلما حملها من دار البائع أو من الموضع الذي اشتريت فيه للبيع إلى
داره وجد بها عيبا كان مخيرا بين أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه أو
يمسكها ويرجع بقيمة العيب، إلا أن يرضى البائع أن يأخذها حيث هي ويؤدي إليه
ما غرم في حملها فلا يكون للمبتاع أن يمسكها ويرجع بقيمة العيب، وإن كان
البائع دلس له بالعيب لزمه أن يأخذها من دار المبتاع ويؤدي إليه أيضا ما
غرم على حملها؛ لأنه غره في ذلك، وسواء في حمل السلعة من بلد إلى بلد دلس
له بالعيب أم لم يدلس.
والفرق بين الموضعين أن الذي يشتري الخابية وشبهها إنما يشتريها لحملها إلى
داره قد علم ذلك البائع، فوجب أن يفرق في ذلك بين التدليس وغير التدليس،
كالذي يشتري الثوب فيقطعه قطعا يقطع مثله، ثم يجد به عيبا وقد نقصه القطع،
وبالله تعالى التوفيق.
[باع متاعا بالبراءة]
ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق قال مالك: من
باع متاعا بالبراءة لم تنفعه البراءة فيه إلا أن يكون الشيء التافه
غير المضر ولا المفسد يوجد في الثوب أو في
(8/266)
العكم فلا أرى أن يرد، فأما كل شيء مفسد
مثل الخرق وما أشبهه، وكل ما كان مضرا بالثياب فإني أرى أن ترد عليه، وإن
تبرأ منه بائعه، ولا ينفعه فيه، والجواب مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام في هذه المسألة في رسم يسلف في المبتاع فلا
معنى لإعادته، وبالله تعالى التوفيق. [لا إله إلا الله ولا معبود سواه] .
[الثياب إذا بيعت بالبراءة]
ومن كتاب مرض وله أم ولد فحاضت قال مالك في
الثياب إذا بيعت بالبراءة مثل الأعكام وغيرها فتوجد فيها عيوب،
[قال] : إن كانت عيوب مفسدة، فلا أرى البراءة تنفعه، وإن كان خفيفا رأيت
ذلك ينفعه في البيع.
قال محمد بن رشد: إنما خففه في اليسير؛ لأن ربيعة وغيره أجازه في القليل
والكثير المفسد وغير المفسد، وقد مضى ذلك في رسم يسلف فلا معنى لإعادته
والحمد لله.
[يبيع الفرس فيجد المشتري به رهصة فيريد رده]
ومن كتاب مساجد القبائل وسئل مالك: عن الرجل
يبيع الفرس فيجد المشتري به رهصة فيريد رده ويقول البائع: اركبه
فإنها تذهب إلى يوم أو يومين [قال] : ليس به عيب، قال ابن القاسم: يركب
ويرده إن شاء.
(8/267)
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله أنه
لا يلزمه أن ينتظر زوال العيب ولعله لا يزول، فإن زال قبل أن يحكم له برده
لزمه إلا أن يكون عيبا تخشى عاقبته بعد برئه فيكون له أن يرده وإن برئ.
[بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. رب أعن]
[يشتري العبد بالبراءة]
من سماع أشهب وابن نافع من مالك من كتاب البيوع الأول قال سحنون: أخبرني
أشهب وابن نافع قالا: سئل مالك: عن الذي يشتري
العبد بالبراءة أيبيعه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولا يخبرهم أنه
اشتراه بالبراءة؟ قال: لا حتى يخبرهم أنه اشتراه بالبراءة.
قال محمد بن رشد: الاختيار أن يبيع بالبراءة من اشترى بالبراءة، وأن يبيع
بيع الإسلام وعهدة الإسلام من اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فإن باع
بيع الإسلام وعهدة الإسلام من اشترى بالبراءة دون أن يبين أنه اشترى
بالبراءة فهو مدلس بعيب؛ لأنه إن أعدم ووجد المشتري بالعبد عيبا لم يكن له
أن يرده على الذي باعه منه من أجل أنه باع بيع براءة، فذلك عيب فيما اشترى
يكون فيه مخيرا بين أن يمسكه أو يرده ولا خلاف في هذا الوجه.
وأما إذا باع بالبراءة وقد اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام فهو بيع فيه
غرر؛ لأنه ترك أن يكشف عما بالعبد الذي اشترى من العيوب التي يجب له بها
القيام على من باعه ليلزم ذلك من باع منه بيع براءة فأضر من باع منه ونفع
من ابتاع بمجهول لا يعلم قدره، واختلف في ذلك قول
(8/268)
مالك، فله قرب آخر هذا الرسم أنه بيع فاسد
يفسخ، وله في نوازل سحنون من كتاب الاستبراء إن ذلك يكره ولا يرد إذا وقع،
ووقع ذلك أيضا في نوازل سحنون من هذا الكتاب في بعض الروايات.
[مسألة: ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو
سمن بقر]
مسألة وسئل مالك: عمن ابتاع سمنا بدينار واستوجبه فإذا هو سمن بقر فقال:
والله ما أردت إلا سمن غنم، أله أن يرده؟ قال: نعم له أن يرده.
قال محمد بن رشد: إنما أوجب له الرد؛ لأنه رأى أن سمن الغنم أطيب وأفضل من
سمن البقر، وكذلك قال في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب جامع البيوع إن
سمن الغنم ولبنها وزبدها أجود وأطيب من الذي من البقر، وذلك خلاف ما عندنا
من أن سمن البقر أفضل من سمن الغنم.
فعلى ما عندنا ليس له أن يرد؛ لأنه وجد أفضل الصنفين، وهذا إذا كان سمن
الغنم هو الغالب في البلد أو كانا متساويين فيه، فعلى رواية أشهب هذه كل
شيء يباع من جنسين متساويين في البلد فالبيع يقع على أفضلهما، فإن وجد
الأدنى كان له أن يرده، وإن وجد الأفضل لم يكن له أن يرده إلا أن يكون
اشترى على أنه من الصنف الأدنى فوجده من الصنف الأعلى، فيكون له أن يرده
بشرطه إذا كان لاشتراطه وجه، كمن اشترى عبدا على أنه نصراني فوجده مسلما
فيكون له أن يرده إن قال: إنما اشترطت نصرانيا لأزوجه أمة لي نصرانية أو
ليمين علي ألا أشتري مسلما وما أشبه ذلك مما يذكره ويكون له وجه على ما قال
في رسم الجواب من سماع عيسى.
ولابن حبيب في الواضحة خلاف رواية أشهب هذه، قال: ومن اشترى أمة أو عبدا
فألفاه روميا وما أشبهه من الأجناس التي يكرهها الناس ولم يكن ذكر له جنسه،
فليس له أن يرده إلا أن يكون البائع نسبه إلى جنس فألفاه من جنس غيره أدنى
عند الناس فله أن يرده، وبالله التوفيق.
(8/269)
[مسألة: باعوا
رقيقا في ميراث فأرادوا أن يكتبوا على أحد البائعين دون أصحابه]
مسألة وسئل مالك: عن قوم باعوا رقيقا في ميراث فأراد المشترون أن يكتبوا
على أحد البائعين دون أصحابه فأبى ذلك عليهم، وقال: إنما بعناكم جميعا فلا
أكتب لكم إلا جميعا.
فقالوا: إنا نريد أن تكتب لنا نصيبك من ذلك، فقال مالك: ما وجه ما كنا نعرف
إلا أن يكتبوا عليهم جميعا.
قال محمد بن رشد: الذي يوجبه القياس والنظر أن لا امتناع له من أن يكتبوا
عليه ما يصيبه من الثمن الذي قبضه؛ لأن من حقهم أن يقولوا: نحن نثق بسواك
من البائعين فلا حاجة بنا إلى الإشهاد عليهم، ومن حقنا أن نشهد عليك بما
يصيبك من الثمن، ولا يضرك ترك إشهادنا على سواك ممن باع معك ببقيته.
ووجه ما ذهب إليه مالك أنه قد يطرأ غريم بدين له على الميت، فإذا وجد
الكتاب عليه بما ابتاع من تركة الميت كان من حقه أن يأخذ حقه منه ويقول له:
ارجع على من باع معك ولعلهم ينكرونه، فإذا وجد الكتاب عليهم جميعا أخذ دينه
منهم جميعا، وهذا استحسان؛ لأن من حقهم أن يقولوا له: إن كنت تخاف هذا فحصن
لنفسك بالإشهاد على من باع تركة الميت معك، وأما نحن فلا حاجة لنا في
الإشهاد عليهم، وبالله التوفيق.
[مسألة: العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام]
مسألة وسألت مالكا: عن العبد يباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام
(8/270)
بالبراءة من الإباق فيأبق في عهدة الثلاث،
فقال لي: أراه من البائع حتى يعلم أن قد خرج من الثلاث ولم يصبه عطب؛ لأني
لا أدري لعله مات في عهدة الثلاث التي يكون فيها من البائع، فأما إباقه في
الثلاث فليس له على البائع حجة في ذلك، فأراه من البائع حتى يعلم أنه قد
خرج من الثلاثة سالما فإذا علم ذلك كان من المبتاع.
ومن ذلك أن يوجد بعد الثلاث بيوم أو يومين فلا يكون للمبتاع رده على البائع
وتكون عهدة الثلاث قد مضت على البائع وبرئ منها، وليس عليه أن يضرب فيه
عهدة ثلاث أخرى من يوم يوجد، وكذلك لو وجده بعد شهر أراه يرجع إلى المبتاع
ولا يكون له في الإباق على البائع شيء؛ لأنه قد تبرأ من الإباق.
قال: فقلت له: أرأيت إذا أبق في عهدة الثلاث فرأيته من البائع؛ لأنك لا
تدري لعله قد تلف في الثلاثة أيرجع عليه بالثمن من ساعته فيؤخذ منه أم يضرب
لذلك أجل حتى يعلم خروج العبد من الثلاثة سالما أو عطبا؟ فقال لي: بل أرى
أن يضرب لذلك أجل حتى يتبين من أمر العبد، فإن علم أنه قد خرج من الثلاثة
سالما لم يكن على البائع منه شيء وكان ضمانه من المشتري، وإن لم يعلم ذلك
كان من البائع؛ لأنه لا يدري لعله عطب في الثلاثة، فهو أبدا في الثلاثة من
البائع حتى يعلم أنه قد خرج منها سالما.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في رسم طلق بن
حبيب من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه]
مسألة وسألت مالكا: كمن ابتاع رأسا وقبضه وصار منه وضمنه، أو
(8/271)
كانت جارية فتواضعاها، ثم قبضها حين حاضت،
فبقيت عند المشتري ما شاء الله من الزمان، ثم ظهر منها أو منه على عيب يرد
منه، فرده أو ردها بذلك العيب، أيكون على الذي رد ذلك العبد أو الجارية في
واحد منهما عهدة؟ قال لي: أما عهدة فلا عهدة عليه في واحد منهما، فإن كان
ذلك عبدا رده على البائع ولا عهدة فيه وهو من البائع، وإن كانت جارية فلا
عهدة فيها أيضا إلا أن ينتظر بها الحيضة [ثم يدفع إليه، ولا عهدة عليه في
ذلك، وإنما ينتظر بها الحيضة] إذا كانت من الجواري المرتفعات ذوات الأثمان
اللاتي إنما يبتعن للوطء، فأما إن كانت من وخش الرقيق ليست من المرتفعات
ردت على البائع ولم ينتظر بها حيضة ولا غيرها.
قال: قلت لمالك: أرأيت إن كانت من الجواري المرتفعات فوضعت للحيضة فتلفت
قبل الحيضة، ممن ترى ضمانها؟ قال: أرى ضمانها من البائع الذي ردت عليه،
[وإنما وضعت ليعلم أحامل هي أم لا، فإذا ماتت ولم يتبين بها حمل فأراها من
البائع الذي ردت عليه] ، وإن لم تحض حتى ماتت أو تلفت، قال: فقلت لمالك:
إنها إنما أقامت عند المشتري أشهرا، ثم علم بالعيب فردها فوضعت للحيضة،
فقال: نعم لا عهدة فيها على المشتري، وضمانها من البائع الذي ردت عليه، إلا
أنها توقف حتى يعلم أنها حبلى أم لا، فإن ماتت فضمانها من البائع الذي ردت
عليه، قيل له: أرأيت إن كان المشتري قد أصاب الجارية، ثم ظهر منها على عيب
فردها على البائع على من
(8/272)
ضمانها؟ فقال: ضمانها على البائع المردودة
عليه الجارية إن ماتت قبل أن تحيض، إنما توضع فإن كانت غير حامل فإنما هي
للبائع وضمانها عليه، وإن كانت حاملا لزمت المشتري ويرد عليه ما نقص العيب
من ثمنها.
قال محمد بن رشد: رواية أشهب هذه عن مالك مثل قوله في كتاب الاستبراء من
المدونة: إن الرد بالعيب نقض بيع وليس هو ابتداء بيع؛ لأنه لم ير على
المبتاع في الجارية مواضعة، وإن وطئ، ورأى ضمانها من البائع، وجعله ابن
القاسم فيه ابتداء بيع؛ لأنه رأى المواضعة على المبتاع في الجارية إذا ردها
بالعيب بعد أن خرجت من الحيضة وإن لم يطأ، وروي ذلك عن مالك، فكذلك تكون
عليه عهدة الثلاث والسنة على قياس هذا القول.
وقد رأيت لابن دحون أنه قال: لم يختلف ابن القاسم وأشهب في أن الراد ليست
عليه عهدة ثلاث ولا سنة، وإنما اختلفا في الاستبراء على من هو، فابن القاسم
يقول: هو على الراد، وأشهب يقول: هو على المردود عليه، فكأنه ذهب إلى أنه
لا اختلاف بينهما في أن الرد بالعيب نقض بيع إذ لم يختلفوا على زعمه في أنه
لا عهدة ثلاث ولا سنة على المبتاع، وإنما أوجب ابن القاسم المواضعة عليه
وجعل الضمان منه إذا ردها بعد أن خرجت من الحيضة، وإن كان لم يطأ فقد حكم
له بحكم البائع ابتداء، هذا مما لا إشكال فيه.
ومما يدل على صحة الاختلاف في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء بيع
اختلافهم؛ في الذي يعتق عبده وعليه دين يغترقه فيرد السلطان عتقه ويبيعه
عليه في الدين، ثم يجد المشتري به عيبا قديما قد علمه البائع فيرده عليه
وقد أفاد مالا، هل يعتق عليه بالعتق الذي كان أعتقه أم لا؟ فمن رأى الرد
بالعيب نقض بيع قال: إنه يعتق عليه؛ لأنه قد رجع إليه على الملك الأول
وانتقض البيع فكأن لم يكن، قال ذلك ابن القاسم في المدونة، وهو رجوع منه
إلى مذهب
(8/273)
أشهب، ومن رأى الرد بالعيب ابتداء بيع قال:
إنه لا يعتق عليه؛ لأنه ملك مبتدأ حادث، روي ذلك عن أشهب، وهو رجوع منه إلى
مذهب ابن القاسم، فهو أصل اضطربا فيه جميعا، ويأتي الاختلاف أيضا في غير ما
مسألة، ووجه قول مالك في رواية أشهب هذه عنه أن ضمان الجارية من البائع إذا
ماتت في استبرائها قبل أن يظهر بها حمل، وإن كان المبتاع قد وطئها هو أنه
يحملها على السلامة من الحمل، وابن القاسم يخالفه في ذلك ويحملها على الحمل
من ذلك الوطء حتى تظهر البراءة منه، فيرى الضمان منه إذا ماتت في
استبرائها، وإن كان الملك قد صح وثبت لغيره، قاله في سماع ابن القاسم من
كتاب الاستحقاق في الذي يستحق أمة له عند رجل اشتراها ويقيم عليها البينة
فتموت بعد ذلك أن مصيبتها منه ويرجع المبتاع بالثمن على البائع إلا أن يكون
قد وطئ فتكون المصيبة منه من أجل أن ماءه فيها، ويرجع المستحق على البائع
بالأكثر من القيمة والثمن إن كان غاصبا فلا يختلف قول ابن القاسم في أن
ضمان الجارية المردودة بالعيب من المبتاع إذا كان قد وطئها وماتت في
استبرائها، وإن كان قد اختلف قوله في الرد بالعيب هل هو نقض بيع أو ابتداء
بيع على ما بيناه، ويلزم على قياس قول أشهب فيمن اشترى جارية رفيعة أو
وضيعة وقد وطئها البائع فماتت في المواضعة قبل أن يظهر بها حمل أن ضمانها
من المبتاع، وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: يقول للرجل قد أوقف عبده للبيع بكم
عبدك هذا فيقول بعشرين]
مسألة وسئل: عن الرجل يقول للرجل: قد أوقف عبده للبيع بكم عبدك هذا؟ فيقول:
بعشرين دينارا، فيقول: قد أخذته بذلك، فيقول البائع مجيبا مكانه: لا أبيعه
بذلك، أترى البيع لازما له؟ قال: نعم إني لأرى ذلك له لازما، وليس له أن
يأبى أن يعطيه إياه بعشرين
(8/274)
دينارا.
وكذلك أصحاب الإبل يوقف أحدهم بعيره في السوق فيقال له: بكم بعيرك؟ فيقول:
بعشرين دينارا، فيقول السائم: ضع لي دينارا، فيقول: لا، فيقول: قد أخذته،
فأراه له إذا قال أخذته، وليس لصاحب البعير في ذلك قول.
قال محمد بن رشد: وكذلك لو قال السائم: أنا آخذه بكذا وكذا، فقال البائع:
قد بعتكه بذلك، فقال السائم: لا آخذه بذلك للزمه الشراء على قول مالك هذا،
خلاف ما في كتاب بيع الغرر من المدونة من أن ذلك لا يلزم البائع ولا
المشتري بعد أن يحلف كل واحد منهما أنه ما ساومه على الإيجاب والإمكان،
وإنما كان ذلك منه على وجه كذا وكذا لأمر يذكره وقال أبو بكر الأبهري: إن
كان ذلك قيمة السلعة وكانت تباع بمثله لزمهما البيع، وإن كان لا يشبه أن
يكون ذلك ثمن السلعة حلف أنه كان لاعبا ولم يلزمه البيع.
وهذا الاختلاف إنما هو في السلعة الموقوفة للبيع، وأما إن لقي رجل رجلا في
غير السوق فقال له: بكم عبدك هذا أو ثوبك هذا لشيء لم يوقفه للبيع، فقال
له: بكذا وكذا، فقال: قد أخذته بذلك فقال رب السلعة: لا أرضى بذلك وإنما
كنت لاعبا وما أشبه ذلك، فإنه يحلف على ذلك ولا يلزمه البيع إلا أن يتبين
صدق قوله فيسقط عنه اليمين قولا واحدا على ما يقتضيه ما في هذا الرسم بعينه
من هذا السماع من كتاب جامع البيوع.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن الخلاف أيضا في ذلك وإن لم تكن السلعة موقوفة
للبيع على ظاهر ما وقع في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب جامع
البيوع، إذ لم يذكر فيه أن السلعة كانت موقفة للبيع، وإلى أنه يتحصل في
المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البيع لا يلزم وإن كانت السلعة موقوفة
للبيع على ما في المدونة.
والثاني: أنه يلزم وإن لم تكن السلعة موقفة للبيع على ظاهر ما في رسم سلعة
سماها المذكور.
والثالث: الفرق بين أن تكون السلعة موقفة للبيع أو لا تكون موقفة له على ما
يقتضيه ما وقع في سماع أشهب من كتاب جامع البيوع، وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن
مسألة رسم سلعة سماها وإن لم تكن السلعة موقفة للبيع
(8/275)
فذهاب المشتري بها ليستشير فيها بإذن
البائع يخرجها من الخلاف، وقد بين هذا في تفسير ابن مزين.
وأما إن قال البائع: قد بعتك بكذا وكذا، وقال المشتري: قد اشتريت منك بكذا
وكذا فلا اختلاف في أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالإمضاء
والقبول في المجلس قبل التفرق، واختلف إذا قال المشتري: بعني بكذا وكذا
فلما أراد البائع أن يلزمه ذلك أباه، أو قال البائع: خذها بكذا وكذا أو
اشترها بكذا وكذا فلما أراد المشتري أن يأخذها بذلك أبى، فقيل: إن ذلك
كالمساومة يدخل في ذلك الاختلاف المذكور، وهو الذي يأتي على ما في المدونة؛
لأنه ساوى فيها بين الوجهين، وقيل: إن قول المشتري بعني بكذا بمنزلة قوله:
قد اشتريت بكذا، وإن قول البائع: خذها بكذا أو اشترها بكذا بمنزلة قوله: قد
بعتك بكذا، يلزم ذلك كل واحد منهما إذا أجابه صاحبه بالقبول والإمضاء في
المجلس قبل التفرق، وهو قول ابن القاسم وعيسى بن دينار في كتاب ابن مزين،
والقولان لمالك أيضا في كتاب ابن المواز [المذكور] ، وسنذكر ذلك إن شاء
الله في سماع أشهب من جامع البيوع. وبالله التوفيق.
[مسألة: يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له بها
ولا يعلم المشتري بذلك]
مسألة وسألت مالكا فقلت له: قلت في العبد يباع من الرجل وله زوجة قد دلس له
بها ولا يعلم المشتري بذلك حتى يطلق العبد الزوجة أو تموت، ثم يعلم بذلك
فيريد رده بذلك على البائع، أله أن يرده بذلك على البائع؟ فقال: نعم قد
قلته، وهو الذي أرى ولم يكن مما سئلت عنه قديما فنظرت فيه وما أدرى ما هو
إلا أني كذلك أرى.
فقيل لمالك: أفرأيت الذي يبتاع الجارية وقد دلس له فيها بالوعك ثم لا يعلم
بذلك المشتري حتى تبرأ من ذلك ثم يعلم فيريد ردها، فقال: لا أرى ذلك مثل
الأول وهو أخف عندي.
(8/276)
قال محمد بن رشد: أما الوعك فلا اختلاف في
أنه إذا لم يعلم به المشتري حتى تبرأ منه أنه ليس له أن يرد؛ لأن عيبه يذهب
بالبرء منه.
وأما عيب الزوجية في الأمة والعبد فاختلف هل يذهب بارتفاع العصمة بموت أو
طلاق أم لا على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يذهب بذلك، ولمشتري العبد أن
يرده، وإن كان لم يعلم بأن له زوجة حتى ماتت أو طلقها؛ لأنها إن كانت ماتت
فاعتياده أن يكون له زوجة عيب به، وإن كان طلقها فهو أشد لما يخشى من تعلق
نفسه بها.
وكذلك لمشتري الأمة أن يردها، وإن كان لم يعلم بأن لها زوجا حتى مات عنها
أو طلقها لبقاء العيب فيها بعد الموت أو الطلاق بما ذكرناه، وهو قول مالك
في هذه الرواية.
والثاني: أن العيب يذهب بارتفاع العصمة بالموت دون الطلاق، وهو قول أشهب في
ديوانه وإليه ذهب ابن حبيب، قال: إلا أن تكون الأمة رائعة فيكون الزوج عيبا
فيها وإن مات عنها، وهو أعدل الأقوال.
والثالث: أن العيب يذهب بارتفاع العصمة بالموت أو الطلاق، وهذا القول تأوله
الفضل على ابن القاسم في قوله في المدونة إذا اشترى الأمة وهي في عدة من
طلاق، فلم يعلم بذلك حتى انقضت العدة أنه لا رد له، وليس بتأويل بين،
لاحتمال أن يكون قد علم أنه كان لها زوج ولم يعلم أنها في عدة منه.
وهذا القول اختار أبو إسحاق التونسي، وقال: لأن العصمة إذا ارتفعت بموت أو
طلاق فلم يبق إلا عيب اعتيادها الوطء، وهو لو وهبها لعبده يطؤها ثم انتزعها
منه ما كان عليه أن يبين ذلك، ولم ير بين اعتيادها الوطء بالزوجية والتسري
فرقا، ولعمري إن بينهما لفرقا؛ لأن للزوجة حقا على زوجها في الوطء إذ لا
تكون الزوجية إلا للوطء، ولا حق للأمة على سيدها في الوطء، فهي تسكن إلى
زوجها ما لا تسكن إلى سيدها، وبالله التوفيق.
[مسألة: يشتري القلنسوة السوداء فإذا ذهب بها
وجدها من ثوب ملبوس]
مسألة وسئل مالك: عن الذي يشتري القلنسوة السوداء فإذا
(8/277)
ذهب بها وجدها من ثوب ملبوس، فأراد ردها،
فقال: إن القلانس لتعمل من الخلقان فأراها له لازمة إلا أن تكون فاسدة جدا،
ولقد كان ينبغي للبائع أن يبين مثل هذا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العرف فيها إذا كان أنها تعمل
من الثياب الملبوسة فلا يلزم البائع أن يبين بذلك ويحمل المشتري على العلم
به فيلزمه ولا يكون له أن يردها إلا أن يكون الثوب الذي صنعت منه منهوكا
جدا ومعفونا ومحروقا فيكون به عيبا يجب به الرد، إلا أن يبين البائع بذلك،
ولو بين أنها من ملبوس، وإن لم يكن منهوكا ولا معفونا لكان أحسن مخافة أن
يكون المشتري ممن يجهل العرف في ذلك فيشتري وهو يظن أنها من ثوب جديد.
وبالله التوفيق.
[مسألة: ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام
فزعم البائع أنه باعه بالبراءة]
مسألة وسئل مالك فقيل له: إني ابتعت عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فلما
وجب لي وصار إلي قام علي البائع فجاءني فقال لي: إني كنت ابتعت هذا الغلام
بالبراءة فلم أعلمك بذلك وبعتكه بيع الإسلام وعهدة الإسلام، وهذا بيع مفسوخ
فقال: ما أرى ذلك، وأرى البيع جائزا، وإنما الذي أكره أن يبتاع رجل
بالبراءة ويبيعه بيع الإسلام وعهدة الإسلام ويكتمه أنه ابتاعه بالبراءة.
فأما من ابتاع بالبراءة وباع بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلا بأس بذلك وأراه
جائزا وأرى عليه أن يعلمه أنه ابتاعه بالبراءة، ولا أرى أن يكتمه ذلك، فقال
له صاحب السوق: إنك كنت أمرتني ألا يبيع من ابتاع بالبراءة إلا بالبراءة،
وألا يبيع من ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إلا بيع الإسلام وعهدة
الإسلام ولا يبيع بالبراءة، فقال له مالك: أما من ابتاع بالبراءة فلا أرى
بأسا أن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إذا بين له أنه ابتاع بالبراءة؛
لأنه إنما
(8/278)
يحكم على نفسه ويكون هو المتبع، وأما من
ابتاع بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلا يبع بالبراءة؛ لأنه إنما يحكم على
غيره يعمد إلى العبد فيشتريه بيع الإسلام وعهدة الإسلام، ولا يجب أن يخبر
بشيء من عيوبه ولا يقيم في يديه كبير شيء حتى يعهد إليه فيبيعه بالبراءة
فيحكم على المشتري بما لا يدري كيف هو، فامنعهم من ذلك أشد المنع وافسخ ذلك
بينهم، من ابتاع منهم بيع الإسلام وعهدة الإسلام، فلا تدعه يبيع بالبراءة؛
لأن هذا يكون في مثله التدليس، وإنما يبيع بالبراءة، وقد ابتاع بيع الإسلام
وعهدة الإسلام لسوء يريده، فأرى أن يمنعهم من ذلك أشد المنع، إلا رجل باع
في دين عليه أو ميراث ورثه أو بيع سلطان أو ما أشبه هذا من العذر فلا أرى
به بأسا أن تدعهم يبيعوا بالبراءة، وإن كانوا إنما ابتاعوا بيع الإسلام
وعهدة الإسلام.
قال مالك: وبيع الناس الذي كان فيهم ماضيا يتبايعون بيع الإسلام وعهدة
الإسلام، فقال له صاحب السوق: أرأيت الذي يبيع العبد بالبراءة على ألا يمين
على البائع، ثم يجد المشتري بالعبد عيبا قبيحا فيريد أن يستحلف له البائع
ما علم هذا العيب، قال: ما أرى ذلك له عليه؛ لأنه قد اشترط عليه ألا يمين
عليه ثم قال له مالك: وقد كنت أمرتك ألا تبيح هؤلاء الجلاب الذين يجلبون
الرقيق في السفن من مصر أن يبيعوا شيئا من ذلك إلا بيع الإسلام وعهدة
الإسلام ولا يبيعوا ذلك بالبراءة قال: قد فعلت فجاء علي وابن علي وأصحاب له
برقيق لهم فأمرتهم ألا يبيعوا إلا بيع
(8/279)
الإسلام وعهدة الإسلام، فقال له مالك: فإنه
بلغني أنهم يتبايعون بالبراءة، فقال: باطل، قد منعتهم من ذلك، فقال له:
فنعم امنعهم أن يبيعوا بالبراءة فإنهم يبيعون ما لا يعرفون، إنما يقدم
عليهم [الرقيق] اليوم ويبيعون من الغد، فامنعهم من ذلك فإنهم يبيعون ما لا
يعرفون وهم يجهلونهم.
قال محمد بن رشد: إذا باع على ما اشترى من عهدة أو براءة فلا كلام في جواز
ذلك، وإذا اشترى بالبراءة جاز أن يبيع بيع الإسلام وعهدة الإسلام إذا بين
قولا واحدا.
وإذا اشترى بيع الإسلام وعهدته فلا يجوز أن يبيع بالبراءة واختلف إن فعل،
فقيل: يفسخ وهو قول مالك هنا، وقيل: لا يفسخ وهو قوله في نوازل سحنون من
كتاب الاستبراء، وقد مضى ذلك كله في أول مسألة من السماع.
وأما إذا اشترط الذي باع بالبراءة ألا يمين عليه فأعمل ههنا شرطه عموما في
المأمون وغير المأمون وفي الذي يبيع لنفسه أو لغيره، إذ لم يفرق بين شيء من
ذلك، ولم يعمله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع
والوكالات إلا في الوصي والوكيل الذي يبيع لغيره، وفي الرجل المأمون، فحصل
الاختلاف بين الروايتين في الرجل الذي ليس بمأمون إذا باع لنفسه.
وكان من أدركنا من الشيوخ يذهبون إلى أن المعنى في هذه المسألة وفي التي في
رسم سلعة سماها من كتاب المديان والتفليس في أن الشرط في التصديق في اقتضاء
الدين دون يمين غير عامل، وأن له أن يحلفه سواء لحمل كل واحدة منهما على
صاحبتها، فيأتي فيهما جميعا ثلاثة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والفرق بين
المأمون والذي يبيع لغيره وبين الذي ليس بمأمون ويبيع لنفسه.
والصواب: أنهما مسألتان مفترقتا المعنى لا تحمل إحداهما على الأخرى؛ لأن
هذه اشترط فيها إسقاط يمين إن كانت قد وجبت حين الشرط ولم يعلما
(8/280)
بوجوبها، ومسألة سلعة سماها في اشتراط
التصديق في اقتضاء الدين دون يمين اشترط فيها إسقاط يمين يعلم أنها لم تجب
بعد، فالأولى بمثابة أن يقول الرجل: إن كان فلان قد اشترى هذا الشقص بكذا،
فقد سلمت له الشفعة، فهذا يلزمه التسليم إن كان قد اشترى؛ والثانية بمثابة
أن يقول: إن اشترى فلان الشقص فقد سلمت له الشفعة فهذا لا يلزمه التسليم إن
اشترى؛ لأنه أسقط حقه قبل أن يجب له، فلا يدخل الاختلاف في مسألة التصديق
في اقتضاء الدين دون يمين من مسألة العيوب هذه ولا فيها نص خلاف.
قال في الواضحة: وكل من وضع يمينا قبل أن تجب فهي غير موضوعة، وإنما يدخل
الاختلاف فيها بالمعنى؛ لأن إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه، من ذلك
اختلافهم فيمن شرط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها فأسقطت عنه الشرط
وأذنت له بالتزويج، فلما تزوج أرادت أن تقضي، وقد مضى القول على هذه
المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. [وبالله تعالى
التوفيق] .
[مسألة: الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم
ثلاثا]
مسألة وقال له صاحب السوق: أرأيت الرقيق يبعث إلينا بهم نصيح عليهم ثلاثا،
فأصيح عليهم وأبين لهم أني أصيح ثلاثا، فأصيح يومين فإذا كان اليوم الثالث
شغل أهلوهم فلم يرسلوهم إلينا اليوم واليومين والثلاثة، ثم يرسلونهم فيقول
الذين كانوا عليهم: قد حبسوا عنا وقد مضت أيام الصياح ولا حاجة لنا بهم،
فقال مالك: إذا كان اليوم واليومان وما أشبه ذلك فأرى أن يلزمهم ذلك، وأما
إذا كان العشرين ليلة وما أشبه ذلك فلا، فقال له: إن طلحة بن بلال بعث إلي
برقيق أبيعهم وأصيح عليهم ثلاثا، فصحت عليهم يومين ثم مات فشغل أهله بموته
فلم يبعثوا بهم إلا بعد يومين فأراد الذين كانوا عليهم تركهم، وقالوا: قد
حبسوا عنا
(8/281)
ومضت أيام الصياح، فقال له: لا أرى ذلك
لهم، وأرى أن يلزمهم إياهم، فقيل له: أيلزم ما كان مثل هذا؟ فقال له: أما
اليوم واليومان وشبه ذلك فأرى أن يلزمهم إياهم والعذر عذر، وأرى لمثل هؤلاء
عذرا، وأما الشيء الكثير فلا أراه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على ما في المدونة في الذي يشتري السلعة
على أنه بالخيار ثلاثا أن البيع لا يلزمه بمغيب الشمس من آخر أيام الخيار،
وأن له أن يردها بعد انقضاء أيام الخيار ما لم يتباعد ذلك؛ لأنه إذا صاح
على العبد وبين أنه يصيح عليه ثلاثا يطلب الزيادة فكل من أعطى فيه عطاء فقد
لزمه الشراء على أن صاحب العبد عليه، بالخيار ما لم تنقض أيام الخيار
فلصاحب العبد أن يلزمه الشراء، وإن انقضت أيام الصياح ما لم يتباعد ذلك،
وقد قيل: إنه ليس له أن يرد السلعة التي اشترى بالخيار بعد انقضاء أيام
الخيار، فعلى هذا ليس له أن يلزمه الشراء في العبد بعد انقضاء أيام الصياح.
ولو كان الذي يصاح عليه في بيع المزايدة مما العرف فيه أن يمضي أو يرد في
المجلس ولا يشترط أن يصيح عليه أياما لما كان له أن يلزمه الشراء بعد أن
ينقلب بالسلعة عن المجلس، وقد روي ذلك عن ابن القاسم سئل عن الرجل يحضر
المزايدة فيزيد، ثم يصاح عليها فينقلب بها إلى أهلها، ثم يأتونه من الغد
فيقولون له: خذها بما زدت هل يلزمه ذلك؟ فقال ابن القاسم: أما مزايدة
الميراث أو متاع الناس فلا يلزمه ذلك إذا انقلبوا بالسلعة أو تركوها في
المجلس وباعوا بعدها أخرى، وإنما يلزم هذا في بيع السلطان الذي يباع على أن
يستشار السلطان فإن ذلك يلزمه إذا أمضاه السلطان، وجدت هذه المسألة لابن
القاسم بخط يد أبي عمر الإشبيلي، وهي صحيحة على أصولهم.
ومعنى قوله: إن ذلك يلزمه إذا أمضاه السلطان يريد ما لم يتباعد على ما مضى
من قول مالك في مسألة الصياح، وبالله التوفيق.
(8/282)
[ابتاع عبدا بالبراءة بيع الميراث]
ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: عمن ابتاع عبدا
بالبراءة بيع الميراث لا عهدة فيه، فأقام عنده ما شاء الله، ثم باع
بيع الإسلام وعهدة الإسلام ولم يخبرهم أنه كان اشتراه بالبراءة، فأراد
المشتري أن يرده بذلك، فقال: ما أرى البائع إلا بئس ما صنع، وأن للمشتري أن
يرده [بذلك] إن أحب ما لم يبين ذلك له ولو علم المشتري بهذا لم يشتره فأرى
له أن يرده إن أحب، قيل له: إنه قد أقام عنده فلم ير إلا خيرا، قال: فما له
لم يبين ذلك له، أرى أن يرده إن أحب.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في أول الرسم الذي قبل
هذا وفى آخره فلا معنى لتكراره، وبالله التوفيق.
[مسألة: عهدة السنة هل هي بعد الثلاث]
مسألة وسئل مالك: عن عهدة السنة أمن بعد الثلاث؟ قال: نعم، فقلت له: عهدة
السنة إنما هي من بعد الثلاث؟ فقال لي: نعم، وسألت مالكا عن عهدة الثلاث
أتدخل في الحيضة أم تكون بعد الحيضة؟ فقال لي: بل أراها تدخل في الحيضة،
وذلك أنه يواضعها إياه المشتري حتى تحيض، فإذا حاضت قبضها وخلا بها فصارت
منه، فلذلك تدخل الأيام الثلاثة في الحيضة، فقيل لمالك: أفرأيت عهدة السنة؟
فقال: إذا قبضها استقبل السنة، قلت له: فإذا قبضها بعد الحيضة استقبل عهدة
السنة؟ فقال لي: نعم، إنما يستقبل عهدة السنة إذا قبضها بعد الحيضة.
(8/283)
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة
والقول فيها مستوفى في رسم اغتسل على غير نية من سماع ابن القاسم فلا معنى
لإعادته ههنا، وبالله التوفيق.
[عهدة الثلاث والسنة هل يحمل أهل الآفاق عليها]
ومن كتاب الأقضية الثاني قال أشهب: وسألته عن عهدة الثلاث والسنة أترى أن
يحمل أهل الآفاق عليها؟ فقال: ما أرى ذلك، وأرى أن يتركوا على حالهم، وليس
في هذا شيء، وهذا مثل بيع البراءة عندنا، وهم ههنا بمكة أقرب إلينا لا
يعلمون به، فأرى أن يقروا، وذلك مثل بيع البراءة عندنا، قيل له: أرأيت
الجواري؟ فقال: لا أرى أن يبعن كذلك، وأرى فيهن المواضعة في الحيضة بمنى
وغيرها.
قال محمد بن رشد: عهدة الثلاث والسنة ثابتة معمول بها في بلد الرسول قديما
وحديثا، واختلف منها إذا لم تكن جارية في البلد في موضعين؛ أحدهما: وجوب
حمل الناس عليها.
والثاني: وجوب الحكم بها بينهم، فأما وجوب حمل الناس عليها ففيه قولان؛
أحدهما: رواية أشهب هذه أنه لا يحمل الناس عليها.
والثاني: أنه يحمل الناس عليها، وهو قول المدنيين وروايتهم عن مالك، وحكى
ذلك ابن حبيب في الواضحة، ومثله في سماع ابن القاسم من كتاب السلطان قوله:
وددت ذلك، وأما وجوب الحكم عليهم بها فيما تبايعوه حيث لا يعمل بها قبل أن
يحملوا عليها ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه يحكم عليهم بها، وإن لم
يشترطوها، وهو قول المدنيين وروايتهم عن مالك؛ والثاني: أنه لا يحكم بها
بينهم إلا أن يشترطوها، وهي رواية المصريين عن مالك؟ والثالث: أنه لا يحكم
بها بينهم وإن اشترطوها، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز، ومحمد بن
عبد الحكم يرى عهدة السنة حراما لا يعمل بها، فالعهدة في الرقيق مخالفة
للأصول إلا أنها عند مالك سنة سلفه فيها أهل بلده فهو متبع لهم فيها، وسائر
فقهاء الأمصار يرون المصيبة في كل ما يحدث بالرقيق بعد الشراء من
(8/284)
المشتري قياسا على سائر الحيوان وعلى
العروض، وما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من رواية عقبة بن عامر
الجهني أنه قال: «عهدة الرقيق ثلاث ليال» منهم من يضعفه، وأصحاب الشافعي
يقولون: معناه في الخيار المشروط، وما اتصل عليه العمل بالمدينة فهو عند
مالك أصل يقدمه على القياس، فرواية المدنيين عنه في أنه يحمل الناس عليها
ويحكم بها عليهم وإن جهلوها ولم يشترطوها هو الذي يأتي على أصل مذهبه،
وسائر ما ذكرناه من الأقوال في ذلك فإنما هي استحسان ومراعاة للخلاف فمن
أصل مذهبه مراعاته، فإن باع بالبراءة في بلد قد عرفت فيه العهدة برئ من
عهدة الثلاث والسنة ومن كل عيب قديم لم يعلم به البائع، وإن باع بالبراءة
في بلد لا تعرف فيه العهدة فمعناه البراءة من كل عيب قديم لم يعلم به
البائع.
وأما المواضعة: فهي واجبة عند مالك وجميع أصحابه في الأمة التي وطئها سيدها
ولم يستبرئها رفيعة كانت أو وضيعة، وفي التي لم يطأها أو وطئها واستبرأها
إذا كانت رفيعة يخشى أن تكون حاملا، إلا أن تكون ذات زوج أو زانية؛ لأنها
تنفي الخطر والغرر من أجل أن الأمة الرفيعة ينقص الحمل من ثمنها كثيرا إذا
لم تكن ذات زوج ولا زانية؛ لأنها إن كانت ذات زوج أو زانية فقد دخل المشتري
على أن الحمل لا يؤمن منها فارتفع الغرر منها فيجب الحكم بها على الحاضر
والمسافر لم يختلف قول مالك في ذلك كما اختلف في العهدة.
وقد سئل عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند الخروج إلى الحج في الغرباء الذين
يقدمون فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو كرهوا.
وإنما وجبت المواضعة فيمن كانت هذه صفتها من الإماء مخافة الحمل إن ظهر بها
كسائر ما يظهر من العيوب بالمبيع فيكون المشتري مخيرا بين الرد والإمساك،
أو كالجنون والجذام والبرص الذي إن ظهر بالعبد أو الأمة في السنة رد به
وجاز البيع من غير
(8/285)
مواضعة؛ لأن الجنون والجذام والبرص أمر
نادر، وفي توقيف الأمة أو العبد حولا كاملا لاستبراء ذلك ضرر بالمتبايعين،
وأما الحمل فليس بنادر بل هو أمر عام؛ لأن جل النساء على الحمل، ومدة
إيقافها للمواضعة يسيرة لا ضرر فيها على المتبايعين [وهي تنفي الغرر والخطر
وغير ذلك مما لا يجوز من السلف الذي يجر نفعا إن] نقد الثمن، فوجب أن يجب
الحكم بذلك [وبالله التوفيق] .
[مسألة: بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت
الوصيفة عن أبيها فلم تعرفه]
مسألة وسئل فقيل له: بعت وصيفة مولدة من رجل بالبراءة فسئلت الوصيفة عن
أبيها فلم تعرفه، فسألني أن أكتب له لطيبة وأنا لا أدري لطيبة أم لا وإنما
اشتريتها من رجل من أهل اليمامة، فقال: أراك قد شرطت له مولدة، وليست
المولدة إلا الطيبة، فأرى أن تحلف بالله لقد بعته وما تدري أمولدة أم لا؛
لأنه يتهمك أن تكون ندمت فيها، فإذا حلفت فإن شاء ردها، وإن شاء أمسكها،
قلت: أرأيت إن قال البائع: هو ندم واستغلاها وقد بعته إياها وإنما ابتعتها
من قوم لا علم لي بهم؟ فقال: هذا الذي أرى.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه لما باع منه على أنها مولدة،
ومعنى المولدة التي هي لرشدة وهي التي تعرف أمها وهي أمة لولادتها في
الإسلام، وذلك لا يحل إلا بالتزويج، فقد باع منه على أنه يعرف ذلك فاشترى
المشتري على الثقة بقوله، فلما قال له بعد ذلك: إنه لا يعرف ذلك اتهم على
أنه أراد أن يزهده فيها بقوله: إنه لا يعرف أنها لرشدة وهو يعرف ذلك، فهي
يمين تهمة فيها للمشتري منفعة وهي أنه إن نكل عن اليمين تبين له بنكوله
عنها أنه يعرف أنها لرشدة وأنه إنما أراد أن يزهده فيها
(8/286)
رجاء أن يردها عليه فتطيب حينئذ نفسه على
إمساكها إن شاء، وجبر على أن يكتب له أنها لرشدة ليقوم عليه بذلك متى ثبت
أنها لغير رشدة، وإن حلف لم يجبر على ذلك وكان بالخيار أيضا بين أن يردها
من ساعته أو يمسكها فلا يردها إلا أن يثبت أنها لغير رشدة.
ومعنى لطيبة أي لأم طيبة المنكح، وأصله التشديد، ولكن يخفف كهين وميت.
[وبالله التوفيق] .
[مسألة: ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده]
مسألة وسئل: عمن ابتاع وصيفا فوجده ولد زنى أله أن يرده؟ قال: نعم إذا كان
شرط له لطيبة، فقيل له: ماذا؟ فقال: إن كان شرط له لطيبة ثم وجده ولد زنى
فله أن يرده.
قال محمد بن رشد: لم ير له الرد في هذه الرواية بذلك ألا إذا اشترى وشرط
الرشدة، وابن القاسم يرى الرد في ذلك، وإن لم يشترط الرشدة، وقد مر في رسم
البز من سماع ابن القاسم أن العلية ترد بذلك، ومثله في آخر سماع أشهب هذا،
فهي ثلاثة أقوال.
[مسألة: وقف جارية بالسوق وليس عليها إلا إزار]
مسألة وسأله صاحب السوق: عمن وقف جارية بالسوق وليس عليها إلا إزار، فقال
للسوام: إني لا أبيعها إلا عريانة أنزع هذا الإزار عنها، فاشتريت على ذلك،
فأراد نزع الإزار عنها وقال: هو شرطي عليكم في بيعي فهاتوا ما تلبس جاريتكم
حتى آخذ الإزار عنها، أفترى ذلك أم ترى أن يفسخ البيع؟ فقال: بل أراه بيعا
جائزا لا يفسخ، ولا أرى له أن يعطيهم إياها عريانة، عليه أن يعطيهم إياها
بما يواريها إما بذلك الإزار الذي باعها به وهو عليها، وإما أن
(8/287)
يعطيهم إياها بثوب غيره مما يواريها، وليس
له أن يعطيهم إياها عريانة، وإن كان قد اشترط ذلك عليهم، فقال له: فإنه قد
أبى أن يعطيهم، وقال: على ذلك بعتهم الجارية، فقال له: أرى البيع ماضيا
وأرى أن يكلفه [أن يعطيهم ثوبا يواريها به إزارا أو غيره، فإن أبى فالشرط
أرى ذلك عليه وأرى أن يكلفه] إياه، فقال له: فإن رجلا أيضا أتى بجارية
فباعها على أن الثياب التي عليها عارية، وأن لها في المنزل خلق ثوبين وإنما
أبيعكموها بهما ليس لكم علي غيرهما، فباعها بذلك من الشرط ثم جاء بالثوبين،
فإذا هما لا يواريانها، فقال له: ذلك لا أراه له وإن اشترطه، وأرى أن يجاز
البيع بينهما ولا يفسخ، ويلزمه أن يعطيها ثوبا يواريها به، فأما خلقا لا
يواريها فلا أرى ذلك له، وأرى أن يكلف أن يعطيها إزارا، فقال له: فالقميص؟
فقال: لا أرى ذلك عليه، وأرى أن يعطيها إزارا يواريها وليس له أن يعطيها
ذلك الثوبين الخلقين إذا لم يكونا يواريانها، وليس الأخلاق كلها سواء رب
ثوب خلق يواري، فأما إذا كان لا يواريها فلا أرى أن تجيز ذلك له، وأرى أن
تلزمه أن يعطيها ثوبا أو إزارا يواريها، فقال له: فألزمهم هذا؟ فقال له:
نعم، تلزمهم هذا فإن هذا رأيي.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة مخالفة للأصول؛ لأن الشروط المشترطة في البيوع
على مذهب مالك تنقسم على أربعة أقسام: قسم يبطل فيه البيع والشرط، وهو ما
آل البيع به إلى الإخلال بشرط من الشروط
(8/288)
المشترطة في صحة البيع؛ ومنها ما يفسخ به
البيع ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه؛ وقسم يجوز فيه البيع والشرط، وهو
ما كان الشرط فيه جائزا لا يؤول إلى فساد ولا يجر إلى حرام، وقسم يجوز فيه
البيع ويفسخ الشرط وهو ما كان الشرط فيه حراما إلا أنه خفيف فلم يقع عليه
حصة من [جملة] الثمن، فالذي يوجبه القياس والنظر في الذي باع الجارية على
أن ينتزع ما عليها من الثياب ويبيعها عريانة أن يكون البيع جائزا والشرط
عاملا جائزا؛ لأنه شرط جائز لا يؤول إلى غرر ولا خطر في ثمن ولا مثمون ولا
يجر إلى ربا، ولا حرام، فوجب أن يجوز ويلزم؛ لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على شروطهم» ، وعلى مذهب جابر بن
عبد الله وهو قول عيسى بن دينار في المدنية وروايته عن ابن القاسم أن الرجل
إذا اشترط أن يبيع جارية عريانة فذلك له، وبه مضت الفتوى بالأندلس.
وأما الذي باع الجارية على أن ينتزع الثياب التي عليها عنها ولا يكون لها
إلا ثوبان خلقان في المنزل، فكان القياس والنظر فيها على المذهب أن يكون
البيع فاسدا؛ لأن الأخلاق من الثياب تختلف، فوقع البيع على غرر، إذ لم ير
المشتري خلق الثوبين ولا وصفا له ولو وصفا له لما وجب أن يجوز البيع على
ذلك إلا على اختلاف، إذ ليسا بغائبين عن البلد.
فرواية أشهب هذه مضاهية لقول ابن أبي ليلى في أن البيع والشرط إذا وقعا
يجاز البيع ويفسخ الشرط جملة من غير تفصيل على ظاهر حديث بريرة. [وبالله
التوفيق] .
[مسألة: ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام
فلم يقم عنده إلا شهرا]
مسألة وسئل: عمن ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا
شهرا] حتى أبق منه، فأراد أن يستحلف البائع ما أبق
(8/289)
عنده، فقال: أرى عليه يمينا لعله أن يكون
ضربه أو أساء إليه فأبق من ذلك، ما أرى له عليه من يمين إلا أن يأتي بشبهة
أو أمر يتهم عليه، فقيل له: ليس إلا أنه اشتراه فلم يقم عنده إلا شهرا حتى
سرق أو أبق فاتهمه أن يكون قد كان يفعل عنده مثل هذا فأراد استحلافه على
هذا، فقال: ما أرى ذلك له عليه، وذلك يختلف عندي.
أما الجليب الذي إنما جلب ثم باعه فإني لا أرى له عليه يمينا، وأما
[الغلام] الذي نشأ عنده اعتاده، فإن ذلك عندي مختلف، قيل له: فإنه غلام نشأ
بالمدينة وكان بها ليس بجليب باعه هذا من هذا بيع الإسلام وعهدة الإسلام
فلم يقم عنده إلا شهرا حتى سرق أو أبق، أفترى له عليه يمينا لما فعل عنده
من ذلك شيئا قبل أن يبيعه؟ فقال: ما أرى ذلك عليه إلا أن يكون لذلك شبهة أو
أمر يستبين.
قال محمد بن رشد: قال: إن الجليب يختلف عنده من غير الجليب في إيجاب اليمين
على البائع، ثم رجع عند تحقيق الجواب إلى أنه لا يمين عليه في الوجهين
جميعا إلا بشهبة أو أمر يستبين وقد مضت هذه المسألة، والقول عليها في أول
رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. [وبالله التوفيق] .
[مسألة: الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق
فيقيم اليوم واليومين]
مسألة وسئل [مالك] عن الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق فيقيم اليوم
واليومين، فإذا بلغ وكبر باعه سيده ولم يبين إلى المشتري من ذلك ويعلمه
إياه، ثم يعلم المشتري بعد ذلك
(8/290)
بأمره، أترى له رد العبد على البائع بذلك؟
فقال: نعم، أرى ذلك له عليه ولمثل هذا من الإباق عادة وهو عيب فأرى له رده.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العيوب في الأخلاق عوائد تبقى عاقبتها،
فعلى البائع أن يبين بما كان من ذلك عنده وإلا كان مدلسا. [وبالله التوفيق]
.
[مسألة: يبيع الجارية ولا يعرف أبكر هي أم ثيب]
مسألة وسئل مالك: عن الرجل يبيع الجارية فيقال له: أبكر هي أم ثيب؟ فيقول:
والله ما أدري ولكني أبيعكموها بكرا كانت أو ثبيا، فقال: لا أرى بذلك بأسا،
قيل له: لا ترى بذلك بأسا؟ قال: نعم لا أرى بذلك بأسا، لا سيما في الجارية
الدنية التي لا ثمن لها، قيل له: من جواري الخدمة واللاتي لا بال لهن؟
فقال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على
أنها قد وطئت، فإنما يشتري المشتري على ذلك، وإن سكت البائع ولم يذكر شيئا
من ذلك، فكيف إذا تبرأ من معرفة ذلك، وإنما يجب للمشتري أن يردها إذا
ألفاها ثيبا واشتراها على أنها بكر، أو كانت ممن لا يوطأ مثلها، وهي من غير
الوخش على ما مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم. وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: أوقف جارية له بالسوق فسيم بها]
مسألة وسئل: عمن أوقف جارية له بالسوق فسيم بها فقال: لا أنقص فيها من ثلاث
وعشرين دينارا، فقال له رجل: إن جاريتك عريانة
(8/291)
فضع لي نصف دينار في كسوتها، ففعل، ثم إن
الذي اشتراها باعها فقالت الجارية: للذي ابتاعها قد كان لي عند الذي باعني
نصف دينار، قال ابن كنانة: قلت له: إن مالكا قد قال فيها يستحلف الذي باعها
لقد باعها وهو نازع للنصف دينار منها.
قال مالك وأنا أسمع: صدق ابن كنانة قد قلته، ثم أخبرني ابن كنانة بعد أن
مالكا نزع عنها وقال: أرى أن يؤخذ من البائع النصف دينار فيدفع إلى
الجارية.
قال محمد بن رشد: حكم لما وضع البائع للمشتري في كسوة الجارية بحكم كسوتها
ولم يحكم له بحكم مالها، إذ حكم مال العبد أن يكون بنفس البيع للبائع إلا
أن يشترطه المبتاع على ما جاء في السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -، ولا أراه مالا من مال المشتري الذي وضعه له، وذلك نحو ما في
رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، فيقوم من قوله الأول الذي
قال فيه: إن البائع يستحلف لقد باعها وهو نازع للنصف دينار منها أن من باع
عبدا وله عنده كسوة تشبه لبسته أنها لا تكون إلا بعد يمينه لقد باعها وهو
منتزع لها، وكان القياس أن يكون له إذا باعه كسائر ماله إلا أن يشترطه
المبتاع أو يشترط ماله فيدخل فيه على ما حملنا عليه ما وقع في رسم الوضوء
والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، وما وقع في رسم إن خرجت من سماع عيسى
من كتاب التجارة لأرض الحرب، ووجه القول الذي رجع إليه أنه حكم للنصف دينار
الموضوع في كسوتها بحكم ما كان عليها من الكسوة التي يبتذل مثلها عند البيع
فيكون ذلك للمبتاع، وإن لم يشترطه على ما قال في أول سماع ابن القاسم من
كتاب جامع البيوع، وهو في القياس بعيد أبعد من القول الأول، وبالله
التوفيق.
(8/292)
[حضر جارية
تباع في السوق فقال له رجل كف عني فيها فإن لي بها حاجة]
ومن كتاب أوله مسائل بيوع ثم كراء وسئل: عمن حضر جارية تباع في السوق فقال
له رجل: كف عني فيها فإن لي بها حاجة، فقال: أما الرجل الخاص يقول لصاحبه
إن لي بهذه الجارية حاجة [فكف عني فيها] فليس بذلك بأس، أرجو ذلك، فأما
الأمر العام فلا أحبه، إن تواطأ الناس بهذا فسدت السلع، فأما الرجل الواحد
الخاص فأرجو ألا يكون به بأس. [قيل له: أرأيت إن قال: اكفف عني ولك نصفها؟
فقال: لا، والأول أعجب إلي] .
قال محمد بن رشد في المبسوط من رواية ابن نافع عن مالك: أنه كره ذلك في
الواحد وقال: لا أراه حسنا؛ لأنه لو قال: لكل من يراه يريد أن يزيد عنه كف
عني أضر بذلك بالبائع وأخذ السلعة بحكمه فلا أرى ذلك جائزا لأحد، وذلك قريب
مما في الكتاب؛ لأنه إنما كره الواحد من ناحية الذريعة لئلا يتطرق به إلى
استجازة ذلك في الجماعة، ولو قال للواحد: كف عني ولك دينار جاز ذلك ولزمه،
اشترى أو لم يشتر، ولو كان قوله كف عني ولك نصفها على طريق الشركة لجاز
أيضا، وإنما لم يجز ذلك في الرواية إذا أعطاه النصف على طريق العطية، فكأنه
أعطاه على ألا يزيد عليه ويكف عنه ما لا يملك فلذلك لم يجزه، والله أعلم،
قاله ابن دحون، وهو صحيح إن شاء الله.
ولو اشتراها للتجارة فوقف عليه رجل من التجار بها فكف عنه فيها ثم سأله
الشركة فيها للزمه ذلك على اختلاف سنذكره إن شاء الله في رسم البيوع الأول
من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع وبالله التوفيق.
(8/293)
[مسألة: يبيع
الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم بمكروه ذلك]
مسألة قال: وسئل مالك عن الذي يبيع الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم
بمكروه ذلك، فقال البائع: أنا أضع عنك الشرط، أترى أن يمضي البيع إذا وضع
عنه؟ قال: لا أرى ذلك، وأرى أن يفسخ البيع ويرد، وليس ذلك مثل الذي يبيع
ويشترط سلف عشرة دنانير فيدع السلف، وأرى إذا باعها منه على أن يتخذها أم
ولد فيعلم بذلك وقد حملت أن تكون للمشتري بقيمتها يوم اشتراها، والله أعلم.
قال محمد بن أحمد: قد ساوى في المدونة بين المسألتين فقال: إنه إذا رضي
بترك الشرط جاز البيع كالبيع والسلف، وهو المشهور في المذهب، وجعل في هذه
الرواية البيع والسلف أخف من الذي يبيع الأمة على أن يتخذها أم ولد وقد
قيل: إنه أشد منه، فيفسخ البيع والسلف على كل حال في القيام، وتكون فيه
القيمة في الفوات، بالغة ما بلغت، ولا يفسخ البيع في الذي يبيع الأمة على
أن يتخذها أم ولد إذا رضي البائع بإسقاط الشرط، فإن فات البيع كان فيه
الأكثر من القيمة أو الثمن على حكم بيوع الثنيا.
وقد مضى وجه الفرق بينهما عند من رآهما مفترقين وذكر الاختلاف في ذلك في
سماع يحيى من كتاب السلم والآجال، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، وقوله بقيمتها
يوم اشتراها معناه إذا كان الشراء والقبض في يوم واحد، وأما إن تأخر القبض
عن الشراء فإنما يكون عليه قيمتها يوم قبضها، وبالله تعالى التوفيق.
[يبتاع العبد بالبراءة ثم يظهر منه على بياض]
ومن كتاب الأقضية وسئل مالك: عن الرجل يبتاع العبد بالبراءة ثم يظهر منه
على
(8/294)
بياض فيقول للبائع: احلف ما علمت به هذا
البياض، فيقول: لا أحلف ولكن احلف أنت بالله الذي لا إله إلا هو ما رأيته
فرضيته بعد الروية، فقال: لا أرى ذلك للبائع على المبتاع، لا أرى له عليه
يمينا.
قال محمد بن رشد: قال إن البائع يحلف ما علم بالبياض، يريد وإن كان ظاهرا
من أجل أنه بيع بيع براءة، وقد نص على ذلك في سماع يحيى، وإنما يختلف إذا
لم يكن البيع بيع براءة حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن
القاسم، ولم يبين هل ثبت قدم البياض الذي ظهر عليه أم لا، وقد اختلف في
إيجاب اليمين عليه إن لم يثبت قدمه، فقيل: إنه لا يحلف في بيع البراءة إلا
في الموضع الذي يجب الرد به في غير بيع البراءة، وهو أن يثبت قدم العيب
عنده، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، ومثله في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه
يحلف كما يحلف إذا لم يكن البيع بيع براءة وهو ظاهر هذه الرواية، ونص قول
ابن القاسم في رسم أول عبد أبتاعه من سماع يحيى بعد هذا، وكذلك اختلف أيضا
إن نكل عن اليمين، فقيل: إنه يرد عليه دون يمين، وهو قول مالك في كتاب ابن
المواز، ومثله في الواضحة، وهو دليل قوله في هذه الرواية لا أرى له عليه
يمينا؛ لأن ظاهره ألا يمين له عليه بحال على ظاهر ما جاء في حديث قضاء
عثمان على عبد الله بن عمر من قوله فيه: فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف
وارتجع العبد.
وأما قوله في الرواية: إنه لا يمين له عليه أنه ما رآه فرضيه بعد الروية،
فهذا مثل ما في المدونة، قال فيها: إنه لا يحلف له إلا أن يدعي أنه بلغه
ذلك أو أن مخبرا أخبره بذلك، قال في العشرة بعد أن يحلف على ذلك فتكون
يمينه على ذلك توجب له اليمين.
قال بعض المتأخرين: ويحلف لقد أخبره بذلك مخبر صدق، فإن كانت له بينة على
إخباره إياه أو أتى بالمخبر فقال: هذا أخبرني سقطت عنه اليمين، وإن كان
المخبر الذي أتى به غير عدل.
(8/295)
[مسألة: ابتاع
من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها]
مسألة وسئل: عمن ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب
عليها، فلما كان بالعشي جاءه بها فقال: لم أجدها عذراء، فقال له البائع:
أما أنا فلم أبعك إلا عذراء وقد غبت عليها ولست أدري لعلك افترعتها أو
غيرك، فقال مالك: أرأيت لو جاءه بها من ساعته أنه ليس بمثل هذا من خفاء،
فأرى أن يريها النساء، فإن قلن: نرى أثرا قريبا من افتراعها حلف البائع
بالله الذي لا إله إلا هو [ثم لزمت المبتاع، فإن قلن: ما نرى شيئا، إن هذا
فيما نرى لقديم أحلف المبتاع بالذي لا إله إلا هو ثم] ردها؛ لأن النساء لم
يشهدن على أنها لم تفترع عند هذا، وإنما قلن: لا نرى شيئا قريبا، فقلت له:
افهمني يا عبد الله ما تقول إذا قال النساء: ما نرى أثرا قريبا [من
افتراعها] ، وإن افتراعها لقديم غير حديث، فقيل للمبتاع: أحلف فأبى؟ فقال
لي: إذا أبى أن يحلف ردت اليمين على البائع ثم لزمت الجارية المبتاع.
قال محمد بن رشد: جعل مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - شهادة النساء، إذا لم
يشهدن قطعا من جهة النظر أنها لم تفترع عند البائع ولا عند المبتاع وإنما
قلن: نرى أثرا قريبا وإن افتراعها فيما نرى لقريب، أو نرى أثرا بعيدا وإن
افتراعها فيما نرى لبعيد، دليلا يوجب أن يكون القول قول من شهدن له بذلك من
البائع أو المبتاع مع يمينه، كالشاهد واليد والرهن وإرخاء الستر ومعرفة
العفاص والوكاء وما أشبه ذلك من الأشياء، ولو كان ما رأى النساء من
افتراعها أمرا بينا لا يشككن فيه أنه حديث لا يمكن أن يكون عند البائع، أو
قديم لا يمكن أن يكون حدث عند المبتاع، فقطعن على ذلك وبتتن
(8/296)
الشهادة فيه، إذ ذلك مما تدرك معرفة حقيقته
بالنظر والعيان لكانت شهادتهن في ذلك عاملة دون يمين على ما نص عليه في رسم
يدير ماله بعد هذا من سماع عيسى، وعلى ما دل عليه قوله أيضا في هذه الرواية
أرأيت لو جاء بها من ساعته أنه ليس بمثل هذا من خفاء، وقد كان جميع من
أدركنا من الشيوخ يحملون رواية أشهب هذه على الخلاف لرواية عيسى، وعلى ذلك
يحملها أيضا من لم ندرك من الفقهاء المتقدمين فيما بلغنا عنهم، فكانوا
يختلفون على ذلك في الحائط يكون بين الدارين لرجلين فيدعيه كل واحد منهما
ملكا لنفسه ويشهد الشهود لأحدهما أنه من حقوق داره بدليل عقود البناء وما
أشبه ذلك، فهل يقضى بشهادتهم لمن شهدوا أنه من حقوق داره بيمين أو بغير
يمين؟ وهي عندي مسألة أخرى لا ينبغي أن يختلف في إيجاب اليمين فيها، إذ لا
يمكن الشهود أن يشهدوا أنه ملك لأحدهما من جهته [دليل] البناء، إذ قد يكون
لمن لا دليل له فيه بشرط في أصل مقاسمة الدار أو بيع أو هبة أو ما أشبه
ذلك، وباليمين كان يفتي أبو عمر الأشبيلي، وهو نص قول عبد الملك بن
الماجشون في الثمانية، ولو كان المتداعيان في الحائط، لا يدعيه كل واحد
منهما لنفسه ملكا وإنما يقول: إنه من حقوق داره [لوجب أن يقضى به لمن شهدت
البينة منهما له أنه من حقوق داره] دون يمين وبالله التوفيق.
[مسألة: اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه
لا يعرف أبوها]
مسألة وسئل مالك: عمن اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه لا يعرف أبوها،
أله أن يردها؟ فقال: ذلك له [إن كانت ذات ثمن] .
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم
(8/297)
الأقضية الثاني من هذا السماع وفي رسم البز
من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أن
أحد جديها أسود]
مسألة قيل له: أرأيت إن أخبر أن أحد جديها أسود، أله أن يردها؟ فقال: لا
أرى ذلك له.
قال محمد بن رشد: في الواضحة لمالك أن العلية ترد بذلك، وهو صحيح، لما يخشى
من أن ينزع عرقه فيأتيه منها ولد أسود، والأصل في ذلك ما جاء من «أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أتاه رجل فقال: يا رسول الله،
إن أهلي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها، قال:
حمر، قال: فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا، قال: فأنى ترى ذلك جاءها؟
قال: عرق نزعه، قال: فلعل ابنك نزعه عرق» ولم يرخص له في الانتفاء منه.
[مسألة: ابتاع جارية ثم جاء فزعم أنها تبول في
الفراش]
مسألة وسئل: عمن ابتاع جارية ثم جاء فزعم أنها تبول في الفراش، فأنكر ذلك
البائع وكذبه، أيهما يحلف؟ قال: هذا أمر يعرف يضعانها على يدي عدل حتى
يعرفوا ذلك منها، وهذا مما يجوز فيه قول النساء، ومما يجوز فيه قول الرجال
يجدون
(8/298)
تحتها البول قيل: أفتراه مما يحدث؟ قال: لا
ويسأل عن ذلك أصحاب الرقيق وهم أعرف بهذا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر؛ لأن الجارية تتهم على أن تفعل ذلك
عند الذي وضعت عنده لترجع إلى سيدها، وقد قال ابن عبد الحكم في الكتاب
المعروف بالمولدات لا يثبت مثل هذا إلا بإقرار البائع؛ لأن العبد يتهم على
أن يبول عامدا أو يلقي ماء في فراشه، والصحيح فيها ما حكاه ابن حبيب في
الواضحة قال: لا يردها حتى يقيم بينة أنها كانت تبول في الفراش عند البائع؛
لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر، ويحلف البائع على علمه ولا يحلف بدعوى
المبتاع حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة، فيذكر ذلك، ويقبل قول المرأة
في ذلك وقول زوجها عليها، فتجب بذلك اليمين على البائع، وليس بمعنى الشهادة
[ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها بالغداة مبلولا فلا بد من رجلين؛ لأن
هذا من معنى الشهادة] ثم يحلف حينئذ البائع.
قال: والغلام مثل هذا، وكذلك قال كل من كاشفت من أصحاب مالك.
[مسألة: عبد بيع بالبراءة من الإباق فعطب أو
مات]
مسألة وسئل عن عبد بيع بالبراءة من الإباق، فعطب أو مات، فقال: إن أقام
البينة أنه عطب في الثلاث فهو من البائع، قيل: من يكلف ذلك؟ قال: المشتري،
وهو مثل ما لو غاب عليه فعليه البينة أنه مات في الثلاث.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف روايته عنه في أول السماع مثل رواية ابن القاسم
عنه في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك القول على ذلك فلا وجه
لإعادته، وبالله التوفيق.
(8/299)
[ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدا أخضر]
ومن كتاب البيوع الأول قال: وسئل عمن ابتاع شاة
فوجد جوفها فاسدا أخضر فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، أترى له أن
يردها؟ فقال: لا والله ما أظن له أن يردها قد يشتري المشتري فيقال له:
سمينة ثم تأتي عجفاء فيردها، ويقول: هات الثمن، ما أرى له عليه شيئا، قيل
له: فيحلف؟ قال: إن جاء بوجه حلف.
قال محمد بن رشد: قوله: فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، يدل على أنه لو علم أن
ذلك من ضربة ضربت لكان له أن يردها، فلم ير له أن يردها حتى يعلم ذلك؛ لأنه
حمل أمرها على أن ذلك بها من غير جناية عليها كالسوس في الخشب لا يعلم به
إلا بعد القطع، ولم ير على البائع يمينا أنه ما ضربها ولا علم أنها مضروبة
إلا أن يأتي بوجه شبهة، وذلك على القول بأن يمين التهمة لا تلحق دون شبهة.
وقوله: قد يشتري المشتري الشاة ويقال له: سمينة ثم تأتي عجفاء إنه لا رد
له، معناه أن البائع لم يقل له ذلك، وإنما قاله له غيره فاشتراها وهو يظنها
سمينة.
وإما لو قال ذلك له البائع وشرط أنها سمينة، فوجدها عجفاء لكان ذلك عيبا
فيها يجب له الرجوع بقيمته من الثمن؛ لأن الذبح فيها فوت.
وفي المبسوطة لأشهب أنه يرد فيها إلى القيمة، ومعنى ذلك إذا كانت قيمتها
سمينة والثمن الذي اشتراها به سواء، فيرجع قوله إلى أن له الرجوع بقيمة
العيب من الثمن كما قلناه؛ لأنه لا يرد إلى القيمة بعد الفوات إلا البيع
الفاسد، وليس هذا ببيع فاسد، وإنما هو بيع عيب، وقد كان الشيوخ يختلفون من
هذا المعنى في الذي يشتري الضحية فيجدها عجفاء، فمنهم من كان لا يرى في ذلك
للمبتاع حجة على البائع ويحتج بهذه الرواية، وممن كان يذهب إلى ذلك ابن
الفخار وابن القطان، وكان ابن الفخار يقول: ولو رضي البائع أن يأخذها منه
مذبوحة ويصرف عليه الثمن لم يجز
(8/300)
له لأنه بيع الحيوان باللحم، وجواز هذا
يتخرج على اختلاف قول مالك في سماع أشهب من كتاب السلم والآجال في الذي
يبيع من الرجل الثمرة في رؤوس النخل بعد أن بدا صلاحها بدين إلى أجل، فإذا
يبست واستجدت أخذها منه بماله عليه من الثمن أو أقل أو أكثر، ومنهم من كان
يقول: له أن يردها عليه مذبوحة كمن دلس لرجل بعيب في ثوب ثم اطلع على العيب
بعد أن قطع الثوب أنه يرده ولا شيء عليه في قطعه؛ ومنهم من كان يقول:
القيام عليه بالعيب يريد فيرجع عليه بقيمته ويرى الذبح فوتا، وإلى هذا كان
يذهب ابن عتاب، وقال بذلك ابن مالك وذكر أنه في كتاب ابن شعبان.
والذي أقول به في هذا: أنه إن أتى إلى رب الغنم فقال له: أخرج إلي شاة
سمينة أضحي بها أو شاة أضحي بها ولم يقل سمينة، فأخرج إليه شاة فسامه فيها
واشتراها منه، فلما ذبحها وجدها عجفاء لا تجوز في الضحايا، فله ردها مذبوحة
وأخذ ثمنها، وأما إن أتى الغنم فوضع يده على شاة منها فقال له: بعني هذه
الشاة أضحي بها فاشتراها منه فلما ذبحها وجدها عجفاء، لا تجوز في الضحايا،
فلا قيام له عليه فيها، إلا أن يقر البائع أنه علم أنها كانت مهزولة لا
تجوز في الضحايا فيكون له ردها عليه، وكذلك إن لم يقل: أضحي بها إذا كان
ذلك في وقت شراء الضحايا وفي سوقها؛ لأن أمره إنما يحمل على أنه إنما
اشتراها ليضحي بها إذا لم يكن من أهل التجارة بذلك مثل الجزارين وشبههم
وبالله التوفيق.
[مسألة: ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند
الاشتراء]
مسألة وسئل: عمن ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند الاشتراء، ثم جاء بعد
الاشتراء إلى البائع فقال له: إنه قد كان لي أن استثني مال العبد فلم أفعل،
فأنا أشتري منك الآن ماله ما كان بكذا وكذا، أيصلح ذلك؟ فقال: لا والله ما
يصلح. قيل له: أفرأيت الذي يبتاع أصل الحائط وفيه ثمر قد أبر فلم يستثنه
عند عقدة الشراء، ثم يجيء بعد ذلك فيريد أن يشتريه، أيجوز ذلك له؟ فقال: لا
(8/301)
والله إذا باع الرجل أصل حائطه وثمره بلح
جاز للمشتري أن يستثنيه، فإن لم يستثنه فإنه إنما جاء الآن يشتري بلحا في
رؤوس النخل، لا يصلح هذا، وهذا بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، والنخل يباع
وفي رؤوسها البلح فيكون للمشتري إذا استثناها، فإذا ذهب يشتريها بعد اشتراء
الأصل فقد صار بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وسواء بعد ذلك أو قرب لا
يصلح، والعبد بمنزلة ذلك في ماله قرب ذلك أو بعد.
قال محمد بن رشد: أجاز ذلك ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب
جامع البيوع، ولم يفرق في ذلك بين قريب ولا بعيد، ومثل ذلك في الجوائح من
المدونة في شراء الثمرة بعد الأصل، وفرق عيسى في ذلك بين القرب والبعد، وهي
رواية أصبغ عن ابن القاسم، فمن الناس من يحمل رواية أصبغ عن ابن القاسم
وقول عيسى على الخلاف لرواية عيسي ويقول في المسألة ثلاثة أقوال: المنع،
والجواز، والتفرقة بين القرب والبعد، ومنهم من يقول: إن قول ابن القاسم في
رواية أصبغ عنه مفسر لقوله في رواية عيسى عنه، وإن الاختلاف إنما هو في
القرب ولا اختلاف في البعد؛ لأن الأمر إذا طال فليس الذي اشترى هو الذي كان
يجوز له أن يستثني، [وقد كنت أقول بذلك ثم بان لي أنه قول ثالث في المسألة؛
لأن كل قول منها له وجه من النظر قد ذكرته وبينته في أول رسم نقدها من سماع
عيسى من كتاب جامع البيوع] ، وقد أجاز أشهب في قول شراء ثمر النخل ولم يجز
شراء مال العبد، في الجواز من إلحاق مال العبد بالأوإلحاق ثمر النخل بالأصل
أبين صل؛ لأن المشتري يضمنها بالعقد؛ لأنها في أصوله، والحادث فيها من
النماء إنما حدث بعد أن صارت في ضمانه وفي أصوله، وإنما نهي عن بيع الثمار
قبل أن يبدو صلاحها لكونها في ضمان البائع وفي أصوله.
وقول النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أرأيت إذا منع الله
الثمر ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه» ، دليل على هذا.
(8/302)
[اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع
فوجد ورثة المبتاع بالعبد عيبا]
ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها وقال في رجل
اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع فوجد
ورثة المبتاع بالعبد عيبا كان به عند البائع يشهد بذلك الشهود ولم
يعرفوا عدة الثمن، جهلوا ذلك ولم يعلم، والعبد قائم بعينه أو فائت: إن
مجهلة الثمن فوت وإن كان قائما، ويرجع بقدر العيب في الوجهين جميعا، ينظركم
قيمته يوم قبضه المبتاع، مثل أن تكون أرفع القيمة يومئذ خمسين دينارا
وأدناها أربعين دينارا فبين ذلك عشرة دنانير فالعشرة تنقسم بين القيمتين
بنصفين، فيكون الثمن خمسة وأربعين، ثم ينظركم العيب من ذلك فيرجع به.
قال عيسى: أرى ألا ينظر في شيء من هذا إلى وسط القيمة، ولكن إلى قيمته يوم
بيع فتجعل القيمة ثمنه، ثم يرجع بقدر العيب في القيمة، ومجهلة الثمن فوت.
قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أن مجهلة الثمن ليس بفوت، وأنه يرجع
بقيمته يوم قبضه قيمة وسطه ويرد العبد، حكى القولين عنه ابن المواز،
والقيمة إنما تكون في هذا يوم البيع لا يوم القبض، إذ ليس ببيع فاسد،
فقوله: إنه ينظر إلى قيمته يوم قبضه المبتاع معناه إذا كان القبض والبيع في
يوم واحد، ولم يذكر في هذا يمينا، واليمين في ذلك واجبة على القول بلحوق
يمين التهمة، فلا يكون هذا الذي قاله ابن القاسم من رد العبد والرجوع
بقيمته أو إمساكه والرجوع بقيمة العيب من القيمة على هذا القول إلا بعد
أيمانهما أو نكولهما، فإن حلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون عدة الثمن ونكل
ورثة المشتري عن اليمين استبرئ بما يؤدي إليه اجتهاد الحاكم من السجن، ولو
تجاهلوا معرفة
(8/303)
الثمن وتصادقوا على أنه لم يقبض والسلعة
قائمة لحلفوا جميعا ورد البيع على ما قاله في كتاب تضمين الصناع من
المدونة، وإن فاتت كانت على ورثة المشتري بقيمتها، ثم ينظر في العيب بينهم
على ما تقدم.
ووجه القول بأن مجهلة الثمن فوت هو أنه لما كان فوات العبد بالعيوب المفسدة
فوتا في الرد بالعيب لئلا يظلم البائع بأن يؤخذ منه جميع الثمن ويرد إليه
العبد معيبا، وزيادته في عينه كالصغير يكبر فوتا لئلا يظلم المبتاع، وجب أن
يكون مجهلة الثمن فوتا لئلا يظلم ورثة البائع إن كانت القيمة أكثر من الثمن
الذي قبض، أو يظلم ورثة المبتاع إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي دفع.
ووجه القول بأن ذلك ليس بفوت هو أنه لما كان ذلك لا يحققه أحدهما على صاحبه
ولا يدعيه عليه وجب ألا يلتفت إليه.
وقول عيسى بن دينار إنه لا ينظر في شيء من هذا إلى وسط القيمة يرجع إلى قول
ابن القاسم في المعنى ولا يخالفه إلا في صفة التقويم؛ لأنه لا يقول إنه
يقوم أعلى القيم التي لا توجد إلا في النادر على الطالب ولا أدنى القيم
التي يبيع بها المحتاج المضطر إلى تعجيل البيع، وإنما يقول: إنه يقوم على
الوسط من ذلك، فهو راجع إلى قوله في المعنى، وأما قوله: إنه يقوم يوم البيع
فقد ذكرنا أنه معنى قول ابن القاسم وإرادته، وبالله التوفيق.
[مسألة: يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع
ويجد بها المشتري عيبا لم يعلم به]
مسألة وقال في الرجل يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع ويجد بها المشتري
عيبا لم يعلم به وهو نقط برص في غير موضع ولم يطلع منها عند الاستبراء إلا
على نقطة واحدة، والبائع غائب، كيف يصنع؟ قال: يقيم البينة عند الإمام أنه
اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة، قال: فإذا أقام البينة
عنده على
(8/304)
ذلك باعها السلطان، وإن كان البائع غائبا،
فإن كان نقصانا اتبع به البائع، وليس عليه في الوطء شيء؛ لأنه كان لها
ضامنا إلا أن تكون بكرا فيكون عليه ما نقص إن نقص، قيل له: فعليه يمين أنه
ما وطئها منذ اطلع على ذلك منها؟ قال: إن كان ممن لا يتهم لم يحلف، وإن كان
ممن يتهم كان عليه اليمين أنه ما وطئها منذ رأى ذلك.
وسئل عنها سحنون فقال: أخبرني أشهب بن عبد العزيز وابن نافع عن مالك أنه
سئل عن رجل يشتري الجارية فيجد بها عيبا فيردها على صاحبها فيريد صاحبها أن
يستحلفه أنه ما وطئها منذ رأى العيب بها، فقال مالك: ليس له أن يستحلفه ولا
أرى عليه يمينا، واستحسنها سحنون وقال: هي جيدة.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يقيم البينة عند الإمام أنه اشترى بيع الإسلام
وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة، يريد في يوم كذا وكذا من أجل العيوب التي
تقدم وتحدث، ويريد: ويقيم البينة عنده أيضا أنه قد نقده الثمن، ويحلف ما
بينه العيب الذي قام به، وحينئذ يكون ما قال من بيع العبد على الغائب ودفع
الثمن إليه، فإن لم يقم البينة على أن البيع كان بيع الإسلام وعهدة الإسلام
حلف على ذلك كما كان يحلف لو ادعى البائع أنه باع بيع براءة، وإن لم يقم
البينة على دفع الثمن إلى البائع حلف على ذلك أيضا، وذلك إذا كان قد مضى من
المدة ما لو أنكره البائع القبض كان القول قوله مع يمينه أنه قد دفعه إليه،
وذلك العام والعامان على ما ذهب إليه ابن حبيب، والعشرون عاما ونحوها على
مذهب ابن القاسم؛ لأن السلطان يستقضي للغائب حقوقه ويقوم له بحجته، وقوله:
إنه لا يحلف أنه ما وطئها منذ اطلع على ذلك إلا أن يكون ممن يتهم صحيح؛
لأنها يمين تهمة، فلا يحلف فيها من لا يتهم، واحتجاج سحنون برواية أشهب عن
مالك على أن الإمام لا يحلفه على ذلك صحيح؛ لأن الإمام إنما يحلفه فيما لو
كان حاضرا وأراد أن يحلفه فيه لكان له أن يحلفه، وبالله التوفيق.
(8/305)
[بتاع العبد
ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق]
ومن كتاب أوله استأذن سيده في تدبير جاريته وسألت ابن القاسم عن الرجل
يبتاع العبد ويشترط على البائع أنه إن أبق فهو منك فيأبق، قال: هو من
المبتاع بالقيمة، وهو مثل ما لو اشترط عليه أنه إن مات في عهدة السنة فهو
منك، فهو من المبتاع، قلت له: فلو أعتقه المبتاع؟ قال: إذا فات في يديه
بوجه من وجوه الفوت كانت فيه القيمة. قلت: فإن كان العبد معروفا بالإباق أو
لم يكن معروفا هو عندك سواء؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأنه بيع فاسد بما شرط من ذلك يجب
فسخه، فإن فات بعد القبض بوجه من وجوه الفوت لزمه بقيمته يوم القبض، وستأتي
هذه المسألة في رسم الجواب كاملة. وبالله التوفيق.
[مسألة: يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به فيتصدق
بنصفه ثم يعثر على العيب]
مسألة وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به فيتصدق
بنصفه ثم يعثر على العيب، قال: يرجع بقيمة العيب كله إذا لم يدخله من الفوت
في نقصان جسده أكثر من الصدقة، ويكون البائع مخيرا في أن يعطيه قيمة العيب
كله ويمضي البيع، وفي أن يعطيه نصف قيمة العيب ويسترد النصف الذي بقي في يد
المشتري بنصف الثمن. قلت: ولا يكون المشتري مخيرا في هذا النصف الذي بقي في
يديه بين أن يرده ويأخذ قيمة نصف العبد الذي تصدق به وبين أن يمسكه ويرجع
بجميع قيمة العيب إذا دخله الفوت بهذه الصدقة؟ قال: لا يكون
(8/306)
في هذا مخيرا، وإنما يكون الخيار فيه
للبائع؛ لأنه يقول: إما أن ترد على جميعه، وإما أن تمسك الذي بقي في يديك
وأنا أرد عليك ثمن العيب؛ لأني لا أرضى أن يرجع إلي نصف عبد وقد بعته تاما،
ولم أكن أرضى أن يكون لي فيه شريك، فإنما الخيار في هذا إلى البائع إن شاء
أسلم إليه جميعه وغرم ثمن العيب كله، وإن شاء أخذ النصف الذي بقي في يده
وغرم نصف قيمة العيب، ولو في ذلك مخير؛ ألا ترى أنه لولا الصدقة التي دخلته
لم يكن للمبتاع إلا أن يرده أو يمسك ولا شيء له في العيب إذا لم يدخله
النقصان في بدن، ولو كان دخله مع الصدقة نقصان في بدن لم يكن في ذلك للبائع
خيار ولزمه غرم قيمة العيب، وقد قال: لا أرى له خيارا، وكان مما احتج به
فيه أن قال: إذا رد هذا النصف الذي بقي في يديه حتى صار أفضل منه كله قال:
أنا آخذه وأرد نصف قيمة العيب في النصف الفائت بالصدقة، وإذا نقص قال: لا
أرضى أن آخذه معيبا وأرد العيب كله، فلا أرى أن يكون الحكم فيه إلا واحدا،
فعليه أن يرد نصف قيمة العيب للنصف المتصدق به فقط.
قال محمد بن رشد: أما النصف الذي فات بالصدقة فقد وجب على البائع أن يرد له
نصف قيمة العيب لا كلام في ذلك، وأما النصف الذي بقي في يد المشتري لم
يتصدق به ففيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن البائع فيه مخير بين أن يسترده بنصف
الثمن، وبين أن يتركه ويرد قيمة نصف العيب الثاني، وهو قوله في المدونة
وأول قوله ههنا، والثاني: أنه لا خيار له في أخذه ويلزمه رد جميع قيمة
العيب، وهو الذي يدر عليه قوله في أول كلامه، وقد قال: لا أرى خيارا يريد
في أخذه، ويلزمه أن يرد جميع قيمة العيب؛ والثالث: أنه لا خيار له في تركه،
ويلزمه أن يسترده بنصف الثمن، ويغرم نصف قيمة العيب للنصف الذي تصدق به
فقط، وهو ظاهر قوله في
(8/307)
آخر كلامه. فهذا تحصيل القول في هذه
المسألة، ولا خيار للمبتاع في قول من الأقوال، والله ولي التوفيق.
[مسألة: يشتري العبد وبه عيب لم يعلم به ثم
يبيع نصفه]
مسألة قال: ولو باع نصفه فقط، ثم ظهر على العيب فإنه إن رجع عليه بشيء فيما
باع رجع بجميع قيمة العيب، وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة
العيب في النصف الذي بقي في يديه، بمنزلة ما لو تصدق بنصفه وباع نصفه لم
يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي تصدق به، ولم يرجع في النصف الآخر
بشيء، إلا أن يرجع عليه.
قلت: فلو كان باع نصفه وتصدق بنصفه؟ قال: يرجع بنصف قيمة العيب الذي تصدق
به، ولا يرجع فيما باع بقليل ولا كثير إلا أن يرجع عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا باع نصفه إنه إن رجع عليه بشيء فيما باع رجع
بجميع قيمة العيب، يريد بجميع قيمة العيب من ثمنه الذي اشتراه به بالغا ما
بلغ، وإن كان ذلك أكثر مما رجع به عليه وأكثر من بقية رأس ماله.
هذا ظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب
من ثمنه أو مما رجع به عليه، [وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز،
وقيل: إنه يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه أو
من بقية العيب من ثمنه أو مما رجع به عليه] ، أو من بقية رأس ماله، وهو
اختيار ابن المواز وأحد قولي ابن القاسم في كتابه، مثال ذلك أن يشتري العبد
بمائة وبه عيب لم يعلم به، وقيمته من
(8/308)
الثمن الذي اشتراه به يوم اشتراه فيه ثلاثة
دنانير، فيبيعه بتسعة وتسعين، ويفوت عند المشتري فيطلع على العيب وقيمته من
الثمن الذي اشتراه به في الوقت الذي اشتراه فيه ديناران، فيرجع عليه
بالدينارين، فإنه يرجع على رواية عيسى على الذي باعه العبد بجميع قيمة
العيب من ثمنه وذلك ثلاثة دنانير؛ ويرجع عليه في القول الثاني بالدينارين
اللذين رجع بهما عليه لا أكثر، ويرجع عليه في القول الثالث الذي هو اختيار
ابن المواز بدينار واحد؛ لأنه بقية رأس ماله وهو أقل الثلاثة الأشياء.
وقوله: وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الذي
بقي في يديه، يريد على أحد الثلاثة الأقوال التي ذكرناها في المسألة التي
قبل هذه، وعلى القول الثاني فيها يكون البائع مخيرا بين أن يسترد النصف
الباقي في يده بنصف الثمن [وبين أن يرد نصف قيمة العيب، وعلى القول الثالث
فيها يلزمه أن يسترد النصف الباقي في يدي المشتري بنصف الثمن] ولا خيار في
ذلك لواحد منهما ومذهب أشهب، وهو اختيار ابن حبيب، أنه إن باع بأقل من
الثمن الذي اشترى به قبل أن يعلم بالعيب رجع على البائع بالأقل من قيمة
العيب أو من بقية رأس ماله، وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري
ثم باعه المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه]
مسألة قلت: أرأيت الذي يبيع العبد وبه عيب لا يعلمه المشتري، ثم باعه
المشتري فحدث به عيب آخر عند مشتريه من المشتري، ثم عثر على ذلك العيب،
قال: مشتريه من المشتري مخير بين أن يرده ويرد ما نقصه العيب الذي حدث عنده
به، وبين أن يحبسه ويرجع بقيمة العيب.
قلت: أرأيت إن اختار حبسه ورجع على مشتريه بقيمة العيب ثم يرجع هذا الذي
رجع عليه
(8/309)
على بائعه الأول؟ ينظر إلى قيمته صحيحا يوم
باعه ثم ينظر إلى قيمته يوم باعه وبه ذلك العيب، فإن كانت قيمته صحيحا ذلك
اليوم خمسين دينارا وقيمته معيبا ذلك اليوم أربعين دينارا فبين القيمتين
عشرة، فعشرة من خمسين خمسها، فيرجع على بائعه الأول بخمس الثمن قل الثمن أو
كثر، على حساب هذا يرجع عليه في الثمن، ولا ينظر فيما بين هذا الأوسط وبين
بائعه الأول إلى هذا الثمن الذي باعه به هذا الأوسط، وكذلك يرجع هذا الآخر
أيضا على هذا الأوسط ينظر إلى قيمته صحيحا يوم باعه هذا الأوسط من هذا
الآخر وإلى قيمته يومئذ وبه هذا العيب، فإن كانت قيمته صحيحا ستين وقيمته
معيبا خمسين، فبينهما عشرة فهي من الستين سدسها، فالآخر يرجع على الأوسط
بسدس الثمن الذي ابتاعه به منه بالغا ما بلغ قل الثمن أو كثر، وإن اختار
المشتري الآخر أن يرده ويرد ما نقصه العيب عنده كان ذلك له، وكان هذا
الأوسط أيضا مخيرا بين أن يرده ويرد ما نقصه العيب وبين أن يمسكه ويرجع
بقيمة العيب على ما وصفت لك.
قال محمد بن رشد: قد مضى في المسألة التي قبل هذه تحصيل مذهب ابن القاسم في
هذه المسألة وأن له فيها ثلاثة أقوال قد بيناها وشرحناها فلا معنى لإعادة
ذكرها وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا]
مسألة قال ابن القاسم: ولم ير مالك هزال الرقيق نقصانا ولا عيبا يرد معها
مبتاعها قيمة الهزال إذا وجد به عيبا يرد به؛ لأن العبد النبيل التاجر
قيمته مهزولا وقيمته سمينا واحدة، فكذلك الدابة على ما ذكرت لك من أمر
العبد إذا سمنت عنده ثم وجد بها عيبا
(8/310)
دلسه البائع أو لم يدلسه فهو مخير إن شاء
ردها وأخذ الثمن الذي ابتاعها به ولا شيء له في زيادتها، وإن شاء أمسكها
ولا شيء له في العيب، وأما إذا نقصت بعجف أو دبر أو نقصان بدن فإنه يقال
له: إن شئت فردها ورد ما نقصها العجف أو العيب الذي أصابها عندك وخذ الثمن،
وإن شئت فأمسك وخذ قيمة العيب الذي وجدت بها، والتدليس وغير التدليس في ذلك
سواء.
قال محمد بن رشد: أما هزال الذكور من الرقيق وسمنهم فلا اختلاف في أن ذلك
ليس بفوت، وأما سمن الجواري منهن وعجفهن فلم يختلف قول مالك وابن القاسم في
أن ذلك ليس بفوت، ورأى ذلك ابن حبيب فوتا، يكون بذلك مخيرا بين أن يرد أو
يمسك ويأخذ قيمة العيب.
واختلف قول مالك في سمن الدواب، فمرة رآه فوتا يكون المبتاع فيه مخيرا بين
أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ومرة لم يره فوتا، وقال: إنه ليس له إلا
الرد، واختيار ابن القاسم أن ذلك فوت، وقع ذلك له في رسم أوصى بعد هذا، ولم
يختلفوا في هزال الدواب أنه فوت يكون به مخيرا بين أن يمسك ويرجع بقيمة
العيب، وبين أن يرد ويرد ما نقصه الهزال، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه
المسألة، وبالله تعالى التوفيق.
[عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه]
ومن كتاب العرية قال ابن القاسم: من عدا على
غلام فخصاه فزاد في ثمنه، قال: يقوم على قدر ما نقص منه الخصاء.
قال محمد بن رشد: يريد إن لم يرد تضمينه واختار حبسه، ومعنى قوله: على قدر
ما نقص منه الخصاء، أي ما نقص منه عند غير أهل الطول من الأعراب وشبههم
الذين لا رغبة لهم في الخصيان.
وقال سحنون: معناه أن ينظر إلى عبد دنيء ينقص من مثله
(8/311)
الخصاء فما نقص منه كان على الجاني في هذا
المجني عليه ذلك الجزء من قيمته، وقد تأول بعض الناس ما وقع لمالك في رسم
القبلة [من سماع ابن القاسم] ، من كتاب الجراحات إن المعنى في ذلك أن ينظر
[إلى] ، ما تقع الزيادة من قيمته فيجعل ذلك نقصانا منها يكون عليه غرمه،
وذلك بعيد لا وجه له في النظر، والذي يوجبه النظر أن يكون عليه إن خصاه
فقطع أنثييه أو ذكره جميع قيمته، وإن قطعهما جميعا فتبعته فكما يكون عليه
في الحر إذا قطع ذكره وأنثييه ديتان قياسا على قول مالك في المأمومة
والجائفة والمنقلة والموضحة أنه يكون عليه في ذلك من قيمته بحساب الحر من
ديته.
وابن عبدوس يقول: إن زاده الخصاء فلا غرم على الجاني، ولا يصح ذلك على
المذهب، وإنما يأتي على قياس قول من يقول: إنه لا شيء عليه في المأمومة
والجائفة وشبههما مما لا نقصان فيه بعد البرء، والله سبحانه ولي التوفيق.
[العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة]
ومن كتاب أوصى لمكاتبه وسئل ابن القاسم: عن
العبد يحدث شرب خمر في عهدة الثلاث أو زنى أو سرقة، أيرده بذلك؟
قال: نعم يرده بكل ما أحدث أو أصابه في عهدة الثلاث.
قيل له: وكذلك الجارية تحدث شرب خمر في أيام الحيضة أو تزني أو نحو ذلك؟
قال: نعم هي في ذلك مثل العبد فيما أحدثته في حيضتها من هذه الوجوه فإنه
يردها بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب؛ لأن عهدة
الثلاث من كل شيء، فلا فرق فيما يحدث فيها في الأبدان وفي الأديان أو في
الأخلاق، إلا أن يتبرأ البائع بشيء من ذلك أنه
(8/312)
فعله قبل البيع فبرئ منه، وإن أحدث مثله في
العهدة أو بعدها.
وفرق أصبغ في ذلك بين الإباق والسرقة وبين الزنى وشرب الخمر فيما أحدثه
العبد أو الأمة في الثلاث وفي الإستبراء.
قال فضل: وقول أصبغ على رواية أشهب وابن نافع [عن مالك] في الذي يبيع العبد
ويتبرأ من الإباق ثم يأبق في عهدة الثلاث، وجعل السرقة مثله؛ لأنه لا يدري
ما يؤول إليه من ذهاب الجسد. وبالله التوفيق.
[مسألة: السمانة في الدواب فوتا إذا وجد
مشتريها بها عيبا]
مسألة قال ابن القاسم: أرى السمانة في الدواب فوتا إذا وجد مشتريها بها
عيبا يمسكها إن شاء ويأخذ قيمة العيب وهو قول مالك، وقد قال: ليس بفوت،
وأحب قوليه إلي أن يكون فوتا.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في آخر رسم استأذن من هذا
السماع، فلا وجه لإعادته، وبالله تعالى التوفيق.
[باع عبدا واشترط الخيار ثلاثا]
ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده وسئل: عمن
باع عبدا واشترط الخيار ثلاثا، فلما مضت
الثلاث أوجب له البيع، أتكون العهدة في أيام الخيار أم عهدة مبتدأة؟ قال:
لا بد من العهدة ثلاثة أيام مبتدأة.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور في المذهب في أن بيع الخيار إذا أمضي
فإنما يقع يوم أمضي، ويأتي على ما وقع في كتاب الشفعة من المدونة من أنه
إذا أمضى على العقد فكأنه وقع حينئذ في قوله في الذي يشتري شقصا بخيار ثم
يباع الشقص الآخر ببيع بت فيختار
(8/313)
الشراء إن الشفعة تكون له في الشقص المبيع
بيع بت وإن العهدة تكون في أيام الخيار.
[مسألة: سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار
فأبى صاحبه أن يبيعه بذلك]
مسألة وسئل: عمن سام عبدا ليشتريه فأعطاه به مائة دينار فأبى صاحبه أن
يبيعه بذلك، فأتى رجل إلى صاحبه بغير علم من المشتري، فقال له: لم منعت
فلانا غلامك وهو رجل لا بأس به يقع في ملك رجل حسن الملكة بعه منه بما
أعطاك وأنا أعطيك عشرين دينارا، ففعل، فعلم بذلك المشتري بعد ذلك فأراد
رده، هل تراه عيبا؟ قال: ليس هذا بعيب إلا أن يكون اشتراه على العتق.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا اشتراه للعتق فقد أعان فيه الرجل
بعشرين دينارا، فمن حق المشتري أن يقول: لا أريد أن أعتق عبدا يعينني أحد
في ثمنه بشيء، فإن علم بذلك قبل أن يعتقه كان له أن يرده، وإن لم يعلم بذلك
حتى أعتقه ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا لمالك وابن
هرمز جميعا أن ذلك عيب من العيوب يرجع به المشتري على البائع فيأخذه من
الثمن ولم يبينا وجه ذلك.
قال ابن القاسم: وتعبيره أن ينظركم ثمنه بغير شرط العتق، وكم ثمنه لو شرط
فيه العتق، فينظركم بين القيمتين، فإن كان ذلك ربعا أو خمسا أو سدسا رجع
إلى الثمن فأخذ بقدر ذلك من البائع، بمنزلة ما لو باعه وعليه دين أو له
امرأة أو ولد أو به عيب، وهو تفسير لا وجه له بوجه، وإنما الذي يصح في ذلك
ولا يجوز غيره أن ينظر ما تقع العشرون دينارا التي زادها الرجل من جميع
الثمن الذي باعه به البائع وهو مائة وعشرون، فوجدنا ذلك السدس فيرجع
المبتاع على البائع بسدس المائة التي دفع إليه؛ لأن الذي زاد العشرين قد
شاركه في العبد الذي أعتق بسدسه إذ ودى سدس الثمن إلى البائع ولم يعلم
بذلك، فصار بمنزلة من اشترى عبدا فأعتقه ثم استحق
(8/314)
سدسه بحرية فإنه يرجع على البائع بسدس
الثمن الذي دفع إليه، ولو اشتراه على غير العتق لم يكن له في ذلك حجة كما
قال، إذ لم يستحق عليه من رقبة العبد شيئا ولا أضر به ما زاد البائع لرغبته
في أن يقع العبد عنده لما رجاه له من الخير لحسن ملكته، إذا اشتراه للعتق،
وأما إن لم يشتره بشرط العتق فليس له أن يرده إذا علم بما زاد الرجل
البائع، ولا يصدق في أنه اشتراه للعتق؛ لأنه يتهم على أنه ندم في شرائه
فادعى أنه اشتراه للعتق [ليرده على البائع، وأما إذا لم يعلم بذلك حتى
أعتقه فيصدق أنه إنما اشتراه للعتق] ، بما ظهر من عتقه إياه، ويكون له
الرجوع على البائع بما وصفناه. وبالله تعالى التوفيق.
[مسألة: اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري
الثاني عيبا]
مسألة وقال في رجل اشترى جارية فباعها فوجد بها المشتري الثاني عيبا، فأتى
بها يردها ويريد الخصومة فيها، فقال البائع الأول للمشتري الثاني: أنا
أقيلك فيها فرضي وكان البائع الأول باعها بستين، واشتراها الثاني بثمانين،
كم يكون له على البائع الأول الذي قال له أنا أقيلك؟ قال: زعم مالك أنه ليس
له إلا ستون، قيل لابن القاسم: أفيرجع على البائع الثاني ببقية ماله؟ قال:
لا.
قال محمد بن رشد: إنما هذا إذا كان المشتري قد علم أن البائع الأول كان
باعها بستين؛ لأنه إذا علم بذلك فقد رضي أن يأخذ منه الستين، ولو لم يعلم
بذلك وعلم هو أنه اشتراها بثمانين للزمه أن يدفع إليه الثمانين، ولو لم
يعلم هو بذلك أيضا، وقال: ظننت أنها بستين كما بعتها أنا لحلف على ذلك ولم
يلزمه إلا الستون، فإن أراد البائع الثاني أن يدفع إليه
(8/315)
بقية ماله لزمته الإقالة، وإن أبى من ذلك
انفسخت الإقالة وكان على خصومته معه، وبالله التوفيق.
[اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء ليردها]
ومن كتاب لم يدرك من صلاة الأمام إلا الجلوس. قال: وقال مالك في رجل
اشترى جارية فوجد المشتري في عينها شعرا فجاء
ليردها، فقال البائع للمشتري: احلف أنك لم تره، قال مالك: ليس ذلك
عليه، وقال: يبيع ولا يبين ويقول: احلف ليس ذلك عليه.
قال محمد بن أحمد: هذا مثل ما في المدونة أنه ليس له أن يحلفه إذا لم يدع
أنه أراه إياه.
قال محمد: أو أنه قد أقر عنده أنه قد رآه إلا أن يدعي أنه قد بلغه أنه رآه
ورضيه أو أن مخبرا أخبره بذلك، فإن ادعى ذلك كان له أن يحلفه.
قال ابن القاسم في العشرة بعد أن يحلف هو على ذلك، وقد مضى هذا المعنى
بزيادة عليه في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ومعنى هذا إذا كان الشعر
الذي وجد في عينها مما قد يخفى عند التقليب، وأما إن كان ظاهرا لا يخفى فلا
قيام له به [عليه] على ما قال في المدونة وبالله التوفيق.
[مسألة: أراد بيع غلامه فأعطاه رجل يريده رقبة
ثمن]
مسألة وقال في رجل أراد بيع غلامه فأعطاه رجل يريده رقبة ثمنا، فقال علي
المشي إلى بيت الله إن باعه بذلك، فأتاه قوم فقالوا له: اكتب علينا عشرين
دينارا نغرمها لك ولا تمنعه العتق، ففعل، فكتبوها هم على الغلام، فاشترى
المشتري وهو لا يعلم فأعتقه ثم ظهر على ذلك، فقال: إن كان البائع قد علم
أنها للذين تحملوا بها على الغلام سقطت عن الحميلين وعن الغلام، فإن لم
(8/316)
يعلم بذلك وإنما ظن أنهم تحملوا بها في
أموالهم كان ذلك له على الحملاء، وكان ذلك للحملاء على الغلام، ورجع مشتري
الغلام على البائع بثمن عيب الدين الذي عليه، وهو وجه ما سمعته.
قال محمد بن رشد: أما إذا كتبوا العشرين دينارا على الغلام بعلم المشتري
فهو عيب قد دخل عليه لا حجة له فيه، وسواء علم بذلك السيد أو لم يعلم، وأما
إن لم يعلم المشتري بذلك وعلم به السيد فآل الأمر إلى أنها للسيد على
العبد؛ لأنهم إنما كتبوها عليه ليأخذوها منه ويدفعوها إلى السيد بما
التزموا له، فقوله: إنها تسقط عن الحميلين وعن الغلام نحوه في رسم الشجرة
من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وفي نوازل أصبغ منه. مسألة
التحري، وذلك كله خلاف قوله في كتاب الكفالة من المدونة في الذي يبيع عبده
وله عليه دين أنه لا يسقط عنه، وهو عيب بالعبد إن شاء أمسكه، وإن شاء رده،
إلا أن يسقط عنه السيد دينه.
وعلى هذا الأصل كان الشيوخ يختلفون في الذي يبيع داره ومطمر مرحاضها مملوء
رحاضة ولا يتبرأ بذلك إلى المبتاع، فمنهم من كان يقول: هو عيب في الدار إن
شاء المشتري أمسك وإن شاء رد على حكم العيوب قياسا على مسألة كتاب الكفالة
من المدونة في الذي يبيع عبده وله عليه دين، ومنهم من كان يقول: ليس ذلك
بعيب في الدار، ويلزم البائع أن يخلي له المطمر قياسا على سائر المسائل
المذكورة، وهو الأظهر، بمنزلة أللو كان له زبل في بيت من بيوت الدار.
وأما إذا لم يعلم بذلك المشتري ولا السيد، فقال: إنها تثبت لهم على الغلام
ويكون عيبا فيه يرجع المشتري بقيمته على البائع إذ قد فات بالعتق، وكان
القياس أن تثبت على الحملاء للسيد وتبطل عن الغلام، إذ ليس لهم أن يعيبوا
عبده بدين يكتبونه عليه بغير إذنه، فانظر في ذلك، وقد قيل: إنها تسقط عن
الغلام على كل حال ويكون البيع فاسدا إن وقع ذلك بعلم المشتري. وبالله
التوفيق.
(8/317)
[مسألة: أنكر
أن يكون باعه بماله وقال المشتري اشتريته بماله]
مسألة قلت: فإن أنكر أن يكون باعه بماله، وقال المشتري اشتريته بماله، قال:
القول قول البائع إلا أن يكون للمشتري بينة، قلت: فإن أقام المشتري بينة
أنه أرسل إليه رسولا سامه فيه فقال له: إنما يشتريه لما في يديه وإنما يريد
عتقه ويريد أن يستغني بماله عن الناس، فسكت البائع وباع على ذلك ولم يقل
نعم ولا لا، قال: المال تبع للعبد إذا قال له مثل هذا فسكت وباع على ذلك.
قال. محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن
يشترطه المبتاع» فإذا قال له المبتاع: إنه اشتراه بماله فهو مدع على البائع
في اشتراط المال، وقد حكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من
أنكر.
وأما إذا قال المساوم إنما يشتريه لماله وليعتقه ويستغني فسكت وباع، فجعل
سكوته على قوله رضي ببيعه إياه بماله، وقد روى أشهب عن مالك أن المال
للبائع ولا شيء للمشتري فيه، وهذا على اختلافهم في السكوت هل هو كالإقرار
أم لا، وهو اختلاف معلوم مشهور موجود في المدونة وغيرها. وبالله التوفيق.
[مسألة: ابتاع عبدا فجنى عنده ثم وجد به عيبا
يرد بمثله]
مسألة وسئل: عن رجل ابتاع عبدا فجنى عنده ثم وجد به عيبا يرد بمثله، قال:
المشتري ضامن للجناية إن شاء حملها ورد
(8/318)
الغلام، وإن شاء أمسك الغلام وأخذ قيمة
العيب الذي وجد به.
قال محمد بن رشد: قوله: المشتري ضامن للجناية معناه أن ما فداه به إن فداه
ولم يسلمه بجنايته لا رجوع له به على البائع؛ لأنه يلزمه أن يضمن جنايته
للمجني عليه، وقوله: إن شاء حملها ورد الغلام وإن شاء أمسك الغلام وأخذ
قيمة العيب معناه إن شاء رد الغلام ولم يرجع بشيء مما فداه به، وإن شاء
أمسكه وأخذ قيمة العيب، وسواء كانت الجناية خطأ أو عمدا على ما ذهب إليه
ابن حبيب في قوله: إن العبد إذا زنى أو شرب أو سرق فوجد به المبتاع عيبا
أنه ليس عليه أن يرد معه ما نقصه عيب الزنى والسرقة والشرب، بخلاف عيوب
البدن، وأما على معنى ما في المدونة إذ لم يفرق في ذلك بين عيوب البدن
والأخلاق، وقال: إنه يرد معها ما نقصها عيب النكاح، وإن لم يكن لذلك في
البدن تأثير فإنما يكون له أن يرده إذا حمل الجناية خطأ، وأما إن كانت عمدا
فلا يرده وإن حمل الجناية عنه حتى يرد معه ما نقصه عيبها فظاهر هذه الرواية
يحملها على عمومها في العمد والخطأ مثل ما ذهب إليه ابن حبيب في الواضحة
خلاف ما يحمل عليه ما في المدونة. وبالله التوفيق.
[مسألة: اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة
أيام فجنى في تلك الثلاثة الأيام]
مسألة قيل له: فإن اشتراه على أن يكون فيه بالخيار ثلاثة أيام فجنى في تلك
الثلاثة الأيام؟ قال: يرده ولا شيء عليه من الجناية.
[قال محمد بن رشد: قوله: إنه يرده ولا شيء عليه من الجناية] بين لا كلام
فيه؛ لأن ضمانه من البائع إذ لم يتم البيع فيه، وإنما الكلام إذا اختار
أخذه بعيب جنايته فيتخرج ذلك على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن ذلك
(8/319)
لا يجوز له حتى يخير البائع، فإما أن يفتكه
وأما أن يسلمه، والثاني: أن له أن يختار ثم يخير البائع، فإن افتكه أخذه
المبتاع ولم يكن عليه شيء مما افتكه به، وإن أسلمه كان هو فيه بالخيار أيضا
بين أن يفتكه أو يسلمه.
وهذان القولان على اختلافهم في استحقاق أكثر الجملة على العدد من يد
المشتري هل يكون له أن يأخذ ما بقي بما ينوبه من الثمن أم لا، والثالث أنه
إن اختار الأخذ كان هو المخير بين أن يفتك أو يسلم، وهذا على القول بأن بيع
الخيار إذا أمضى على العقد فكأنه وقع حينئذ وقد مضى ذلك في رسم أوصى من هذا
السماع.
[مسألة: المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار]
مسألة قيل له: فإن المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار، قال: ما أرى فعله
ذلك إلا رضي منه به، وأراه ضامنا للجناية.
قال محمد بن رشد: قال ابن حبيب في الواضحة: وكذلك إن حلقه على المشط، وإن
خضب يدي الأمة بالحك أو ضفر رأسها بالعسل فذلك رضي، إلا أن تفعل الجارية
ذلك بغير أمره فلا يكون ذلك رضي، وهذا كله صحيح، على مذهب ابن القاسم في
المدونة، فقد قال فيها: إنه إن أتى بالدابة إلى البيطار فهلها أو عزبها أو
ودجها فذلك منه اختيار لها خلاف قول غيره فيها من أن السوم بها والرهن
والتزويج وإسلامه إلى الصناعات ليس رضى، بعد يمينه أنه لم يفعل ذلك وهو
مختار له، وبالله التوفيق.
[يقدم بالسلع فيبيعها ويشترط العهدة فيها على
رجل يسميه]
ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل. وعن الرجل يقدم بالسلع من الحيوان
والعروض فيبيعها ويشترط العهدة فيها على رجل يسميه، كان الرجل الذي سمي
معروفا مقرا بالشرط أي غير ذلك أو منكرا فلا خير في هذا كله إلا
(8/320)
أن يكون رجلا اشترى سلعة فولاها أو باعها
عند مواجبة البيع فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: فولاها أو باعها يدل على أن هذه
العهدة تكون عليه في التولية والبيع إلا أن يشترطها على الأول، مثل قول
مالك في الموطأ وقول أصبغ في نوازله من كتاب جامع البيوع، خلاف قوله في هذا
الرسم من هذا السماع من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول هناك على هذه
المسألة مستوفى لمن أحب الوقوف عليه. وبالله التوفيق.
[مسألة: يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك
إلا للخدمة]
مسألة وقال ابن القاسم في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا
للخدمة وما أشبه ذلك إذا كان لم يزده في ثمنها لموضع غنائها فلا بأس به.
قيل لسحنون: فكيف يجوز بيع المغنية عندك وهو إن باع فبين لعل ذلك يوافق
المشتري ويرغب فيه، وإن أمسك عن إعلامه كان مدلسا وكان عيبا؟ فأطرق فيها
طويلا قال: كذلك يدخله، فأفضل ذلك أن يعلمه بعد البيع ووجوب الصفقة.
قال محمد بن أحمد: قوله في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها إلا
لحاجته إليها للخدمة: إنه لا بأس بذلك إن لم يزده في ثمنها لموضع غنائها،
يريد إذا لم يزده في ثمنها لرغبة في غنائها، وأما إن زاده في ثمنها لحاجته
إليها ورغبته فيها لغير غنائها إذا لم يبع منه إلا بزيادة على ثمنها من أجل
غنائها فذلك مكروه له من أجل أنه أضاع ماله وأعطاه لمن لا يحل له أخذه فصار
بذلك معينا له على الإثم، وقد قال عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:
2]
(8/321)
وقول سحنون في صفة بيع الجارية المغنية حسن
صحيح، وإن كانت ممن عرفت بالغناء في ذلك البلد فلا يجوز له أن يبيعها فيه،
وليخرجها منه إلى حيث لا تعرف فيه فيبيعها ثم يبين بعيب غنائها بعد البيع،
وقد قيل: إن غناءها إذا كان يزيد في قيمتها فليس للمشتري ردها به، وقيل له:
ردها إلا أن تكون دنية للخدمة، روى ذلك زياد عن مالك، والصحيح أن له أن
يردها بعيب غنائها رفيعة كانت أو وضيعة؛ لأن ذلك عيب فيها ما دامت مقيمة
عليه، إلا أن تكون قد تابت عنه فلا يكون له أن يرد بذلك إلا الرفيعة لما
يخاف من أن يلحق ولده منها عار ذلك وبالله التوفيق.
[يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا]
ومن كتاب أوله يدير ماله. وسألته عن الرجل
يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا، قال: ينظر إليها
النساء، فإن كان افتضاضها حادثا بالأيام اليسيرة أو قديما فهن يعرفنه وليس
يخفى وإنما هي قرحة نكيت فليس يخفى أثرها وهو معروف، فإن زعمن أن ذهاب
عذرتها وافتضاضها يعرف أنه لمثل ما قبضها المشتري فهي منه، وإن كان يرى أنه
قد كان قبل ذلك عند البائع ردها المشتري، قال: وليس في ذلك يمين على واحد
منهما لزم البائع القضاء على ما وصفت لك أو لزم صاحبه، وإنما يقطع في هذا
النساء.
قال محمد بن رشد: إنما لم يوجب اليمين في ذلك على واحد منهما إذا قطع
النساء في شهادتهن، وذلك بين من قوله: وإنما يقطع في هذا النساء، وقد مضى
القول على هذا المعنى في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب مستوفى لمن أحب
الوقوف عليه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
[باع عبدا فباعه مبتاعه من غيره فوجد به
المشتري عيبا كان عند بائعه الأول]
ومن كتاب البراءة. قال ابن القاسم: ولو أن رجلا باع عبدا فباعه مبتاعه من
(8/322)
غيره فوجد به المشتري عيبا كان عند بائعه
الأول، وقد فلس بائعه الثاني، فأراد المبتاع أن يرده على بائعه الأول أو
يرجع عليه بقيمة العيب إن كان قد فات العبد في يديه بعتق، فزعم البائع
المفلس أنه ابتاعه بذلك العيب، وادعى البائع الأول أنه باعه به ولا بينة
على ذلك، لم يقبل قوله إلا أن يكون له بينة على ما زعم أنه ابتاعه بذلك
العيب أو على إقرار منه بذلك قبل التفليس، وأما بعد التفليس فلا يقبل قوله
إلا ببينة، وهو يرجع على البائع الأول بقيمة العيب إن كان قد فات أو يرده
إن كان لم يفت.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن للمبتاع الثاني أن يرجع على بائع بائعه
إذا كان بائعه مفلسا؛ لأن غريم غريمه لو لم يكن مفلسا فرجع عليه لكان له هو
أن يرجع عليه، ولا اختلاف في هذا، ونحوه في رسم الصبرة من سماع يحيى وفي
رسم البيوع من سماع أصبغ، وقوله: إنه لا يقبل قول البائع الثاني بعد
التفليس إن البائع الأول تبرأ إليه من العيب أو إنه باعه بيع براءة صحيح
أيضا على أصولهم لا اختلاف فيه، إلا أنه إذا رده على الأول لا يأخذ منه إلا
أقل الثمنين، فإن كان الأول باعه من المفلس بعشرة وباعه المفلس بخمسة عشر
رجع على الأول بعشرة واتبع المفلس بالخمسة الباقية، وإن كان الأول باعه
بخمسة عشر [من المفلس وباعه المفلس من هذا الثاني بعشرة] رجع على الأول
بالعشرة التي كان له أن يرجع بها على المفلس، وكانت الخمسة للمفلس قبل
الأول يأخذها منه غرماؤه من حقوقهم، وكذلك إن كان العبد قد فات لا يرجع على
الأول إلا بالأقل من قيمة العيب من ثمنه الذي اشتراه به من المفلس يوم
اشتراه منه أو الأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه به من المفلس يوم
باعه منه. هذا معنى قوله: وإرادته، وبالله تعالى التوفيق.
(8/323)
[العيوب التي يرد بها العبد]
ومن كتاب أوله شهد على شهادة ميت. قال ابن القاسم: قال مالك: العبد يرد من
ثلاثة أشياء: الولد والزوجة والدين.
قال محمد بن رشد: العيوب التي يرد بها العبد
أكثر من أن تحصى بعدد، فيحتمل أن قول مالك هذا يكون خرج على سؤال سائل سأل
مالكا هل يرد العبد من الولد والزوجة والدين؟ فقال له: نعم يرد من الثلاثة
الأوجه: الولد والزوجة والدين فحكى عنه ابن القاسم ما سمع من قوله للسائل
الذي سأله عن العيوب الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد به أنه يرد من ثلاثة
أوجه يختص به من سبب غيره، وهم الولد والزوجة والدين، وبالله تعالى
التوفيق.
[يشتري العبد فيجده أغلف هل يرده بذلك]
ومن كتاب الجواب. قال: وسألته عن الذي يشتري
العبد فيجده أغلف هل يرده بذلك؟ قال ابن القاسم: العبد في ذلك
بمنزلة الإماء إن ما كان من رقيق العجم الذين لا يختنون لم يرد، كان من
علية الرقيق أو من وخثها، وإن كان من رقيق العرب رد إذا كان من علية
الرقيق، قلت له: وأيهم رقيق العرب وما تفسيره عندك وما معناه؟ أهو على
تلادهم وما طال مكثه عندهم وفي يديهم؟ قال: نعم تلادهم وما طال مكثه في
أيديهم وحتى يستحق وما أشبه ذلك.
وأما المجلوب فليس كذلك وإن كان قد ملكته العرب إذا كان بحدثان ذلك ولم تطل
إقامته عندهم.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم
بطنين في السنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.
(8/324)
[مسألة: يشتري
العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد به]
مسألة وسألته: عن الذي يشتري العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد
به؟ قال ابن القاسم: لا يرد به وليس ذلك عيبا فيه.
قال محمد بن رشد: في رسم الكبش من سماع يحيى أن ذلك عيب يرد به إذا كان
الناس في المجلوب الأغلف أرغب وثمنه أكثر لما يرتجى من تأديبه واستقامته
ويخاف من غائلة المختون بأن يكون قد كان ببلد الإسلام ففر منه إلى أرض
الحرب، وهو أصح في المعنى وأشبه في النظر.
[مسألة: يشتري الأمة على أنها نصرانية فيجدها
مسلمة]
مسألة وعن الرجل يشتري الأمة على أنها نصرانية فيجدها مسلمة غره بها، هل
يردها بذلك وهو يقول: أردت تزويجها غلاما لي نصرانيا أو غير ذلك؟ قال ابن
القاسم: إن عرف ما قال وعرف لذلك وجه من حاجته إلى النصرانية ليزوجها عبده
وما أشبه ذلك رأيته عيبا لردها به إن شاء؛ لأن ذلك يضطره إلى شراء غيرها
لما لا بد له منها للحاجة إليها، وإنما اشتراها على ذلك ليكف عنه شراء
غيرها، فأراه عيبا يرد به إن شاء، وإن لم يعرف تصديق ما قال، ولم يكن لذلك
وجه لم أر أن يردها ولم أره عيبا.
قال أصبغ بن الفرج: أو ليمين عليه ألا يملك مسلمة وما أشبه ذلك واشترطه له
فله شرطه، وهو عيب عند ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما قال في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب
النكاح في المسلم يغر النصرانية فينكحها ويقول لها: أنا على دينك فتطلع بعد
أن دينه غير ذلك أن فراقه بيدها.
وقد روى ابن نافع عن مالك: أن النكاح ثابت ولا خيار لها، وهو قول ربيعة إن
الإسلام
(8/325)
ليس بعيب، فعلى هذا لا يكون للرجل أن يرد
الأمة إذا وجدها مسلمة وقد اشتراها على أنها نصرانية؛ لأنه إذا لم ير
للنصرانية أن ترد الزوج إذا وجدته مسلما وقد كانت تزوجته على أنه نصراني
فأحرى بألا يكون للمسلم أن يرد العبد إذا وجده مسلما وقد كان اشتراه على
أنه نصراني، والصحيح أن له أن يرده بالشرط الذي شرط لغرضه الذي قصد، وإن
كان أدنى عن الذي وجد، وكذلك من اشترى أمة على أنها من جنس فوجدها من جنس
آخر أرفع منه كان له أن يردها إذا كان لاشتراطه وجه، وقيل: ليس له أن
يردها، وإن كان لاشتراطه وجه، وهو الذي يأتي على رواية ابن نافع المذكورة
قبل، وقيل له أن يرد بالشرط، وإن لم يكن لاشتراطه وجه، روى ذلك جبلة عن
سحنون، فهي ثلاثة أقوال.
[مسألة: يشتري العبد وهو آبق فيقول له البائع
إن أبق عندك فأنا له ضامن]
مسألة وسألته: عن الرجل يشتري العبد وهو آبق معلوم فيقول له البائع: إن أبق
عندك فأنا له ضامن، أو لعله لا يكون عرف بإباق فجعل له هذا الشرط أن ما حدث
من إباق فهو ضامن له، أو يبيعه وهو مريض فيجعل له مثل هذا إن مات من ذلك
المرض فهو له ضامن، أو بعينه ضرر فيزعم أنه من رمد فيجعل له هذا الشرط أن
ما جر إليه ذلك من بياض أو غير ذلك فهو له ضامن، قال ابن القاسم: لا يحل
هذا كله، وهذا كله بيع فاسد؛ لأن البائع لا يدري ما باع ولا المشتري ما
اشترى، وهو الخطار أيضا بعينه [والغرر، ويدخله البيع والسلف أيضا إذا كان
ينقد بمنزلة الذي يبيع السلعة الغائبة] ويشترط النقد، فإن سلمت السلعة
أخذها، [وإلا رد عليه الثمن فهو من السلف الذي يجر المنافع،
(8/326)
لأنه إن سلمت السلعة أخذها] وإن لم تسلم
ردها فكان سلفا جر منفعة، ومسألتك على كل حال فاسدة؛ لأنها من بيع الخطار
والغرر؛ لأنه يزيده في الثمن لمكان الضمان الذي شرطه عليه وضمنه له.
وقال أصبغ بن الفرج مثله، وقال: لا خير فيه انتقد أو لم ينتقد، ولا يحل على
حال، ولا يترك إن نزل، ويفسخ متى ما علم به، سلم مما شرط له أو فعله، كان
أو لم يكن، فإن أبق عند المشتري أو مات فالضمان منه؛ لأنه قد قبضه والبيع
بينهما مردود، والقيمة على حالته يوم تبايعا آبقا كان أو مريضا أو غير ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى لا وجه للقول فيها، غير
أن قوله فيها والقيمة على حالته يوم تبايعا آبقا كان أو مريضا، معناه إذا
كان القبض والبيع في يوم واحد، ولو تأخر القبض عن العقد لكانت القيمة يوم
القبض؛ لأنه بيع فاسد، فالقيمة فيه يوم القبض، بخلاف البيع الصحيح، وقد مضت
هذه المسألة مختصرة في أول رسم استأذن، وفي قوله: أو يبيعه وهو مريض دليل
على جواز بيع المريض، ومثله في سماع سحنون بعد هذا، وقد مضى ذكر الاختلاف
في ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم.
[مسألة: الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها
تربوا وجوهها بالتراب]
مسألة وسألته: عن الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها تربوا وجوهها
بالتراب لتحسن وتزيد في أثمانها، وربما غيب ذلك بعض ما فيها من العيوب،
والمشتري يعلم أو لا يعلم، هل ترى بذلك
(8/327)
بأسا؟ قال ابن القاسم: لا يعجبني أن تترب
وجوهها ولا أراه يحل ولا يصلح وأراه غشا إذا كان على ما وصفت لي، وأرى أن
يزجروا على ذلك، وإن اشترى أحد منها على ما وصفت فإن كان ممن يعلم ذلك كما
ذكرت أنها تترب وأن ذلك ربما غيب بعض ما فيها من العيوب فليس له أن يرد،
وإن اشترى منها من لا يعلم ذلك ولا يعرفه رأيت له أن يرد إن شاء وجد عيبا
أو لم يجد، علم أنه كان فيها قبل التتريب عيبا أو لم يعلم إذا كان التتريب
يغيب بعض عيوبها كما ذكرت.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك من الغش الذي لا يحل ولا يجوز، قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غشنا فليس منا» ،
فإن لم يعلم المشتري بذلك كان بالخيار بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت قبل أن
يعلم كان عليه فيها الأقل من القيمة أو الثمن على حكم الغش في البيوع، وإن
علم المشتري بذلك ودخل عليه لم يكن له أن يرد كما قال: معناه بحكم الغش إذ
قد علمه ودخل عليه، فإن وجد عيبا كان له الرد، وكذلك قال ابن القاسم في
الواضحة، وذلك بين لا إشكال فيه والحمد لله.
[باع الرجل عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام
فوجد المشتري عيبا]
ومن كتاب الفصاحة قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: إذا باع الرجل عبدا
بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة فوجد المشتري عيبا لا يحدث في
مثل ما كان فيه عند المشتري بمعرفة أهل البصر لقرب ذلك أو بينة قامت أنه
كان به قديما عند بائعه أو اعتراف
(8/328)
فإنه يرده، إلا أن يكون حدث به عند مشتريه
عيب آخر مفسد فيخير، وإن وجد به المشتري عيبا مثله يحدث بطول ما كان في يد
المشتري ولا يقدم مثله، فإنه لازم للمبتاع ولا يمين على البائع، وإن وجد به
المشتري عيبا مثله يحدث ويقدم في مثل ما كان عند المشتري نظر، إن كان عيبا
مثله يخفى حلف البائع بالله [لباعه] ، وما يعلم به هذا العيب ثم لا شيء
عليه، وإن كان عيبا يرى أن مثله لا يخفى على البائع حلف بالله الذي لا إله
إلا هو على البتات لباعه وما به هذا العيب، فإن نكل عن اليمين في الوجهين
جميعا ردت اليمين على المشتري فحلف بالله ما يعلمه حدث عنده، ثم يكون مخيرا
بين أن يرده ولا شيء عليه أو يمسكه ولا شيء له، وإن نكل المشتري عن اليمين
بعد نكول البائع لزم المشتري أخذه.
قال ابن القاسم: وإن حدث به عند المشتري عيب مفسد ووجد به عيبا مثله يكون
قديما ومثله يحدث في مثل ما كان فيه عند المبتاع فإنه يقول للبائع: احلف
أنك ما بعت وأنت تعلم هذا العيب، فإن حلف لزم المشتري، وإن نكل قيل
للمبتاع: احلف أنك لا تعلم هذا العيب حدث عندك، فإن حلف كان مخيرا بين أن
يمسك ويرجع بقيمة العيب، وبين أن يرد ويرد قيمة العيب المفسد الذي حدث
عنده، فإن نكل لزمه العيب. [قال ابن القاسم: قال مالك: إن وجد المشتري به
عيبا قديما لا يحدث في مثل ما كان عنده أو مثله يحدث إلا أن البينة تشهد
أنه كان به عند البائع، وحدث به عند
(8/329)
المبتاع عيب آخر مثله يحدث ويقدم قيل
للمبتاع: احلف فإن حلف رده، ولا شيء عليه، وإن نكل عن اليمين قيل للبائع:
احلف أنك لا تعلم هذا العيب كان عندك فإن حلف لزم المبتاع ذلك العيب الذي
نكل عنه المشتري أولا، وكان المشتري مخيرا بين أن يرده بالعيب ويرد قيمة
العيب وبين أن يمسكه ويأخذ قيمة العيب القديم، وإن نكل البائع أيضا لزمه
العيبان جميعا وكان المبتاع مخيرا بين أن يمسكه ولا شيء له وبين أن يرده
ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة حسنة في المعنى، ولا اختلاف في شيء
منها إلا في صفة اليمين في العيب الذي يحدث ويقدم هل يكون فيها على البت أو
على العلم، وكيف ترجع على المبتاع إذا وجبت على البائع فنكل عنها حسبما مضى
القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ لأن العيب القديم يجب الرد به،
والحادث يلزم المشتري ولا كلام له فيه، والعيبان أحدهما قديم والآخر حديث
يكون المشتري مخيرا بين أن يرد ويرد ما نقصه العيب الحادث عنده، وبين أن
يمسك ويرجع بقيمة العيب، والعيب الذي يحدث ويقدم القول فيه قول البائع إلا
أن يكون فيه عيب آخر قديم فيكون القول في الذي يحدث ويقدم قول المبتاع
لوجوب الرد له بالعيب القديم، هذا قوله في هذا الرسم، وقد مضى مثله في رسم
الشجرة تطعم بطنين في السنة، ولا اختلاف في شيء من هذا كله وبالله التوفيق.
[يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا فيبيع أولادها]
ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها وسألته: عن الذي
يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا
فيبيع أولادها، ثم يجد بها عيبا فيريد ردها وثمن هل يردها ولدها أو
لا يردها إلا وحدها؟ قال: يردها وثمن الولد؛ لأن مالكا قال لي: يردها
(8/330)
وولدها ولم يره فوتا ووافقته عليه، فقلت
له: أتراه فوتا؟ قال: لا، وقال: يردها وولدها إن أحب أو يمسكها ولا شيء
عليه.
قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة: أو يمسكها ولا شيء عليه، يريد ولا
شيء على البائع، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم أخذ يشرب
خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف منها على الشفاء، وستأتي أيضا في
سماع موسى [بن معاوية] ، والله تعالى الموفق.
[باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في صفقة أصابها]
ومن كتاب العتق قال عيسى: سئل ابن القاسم عن رجل
باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في
صفقة أصابها، لمن يكون ذلك المال؟ أو أوصي له بوصية وهو في ذلك
الوقف؟ قال: أما ما كان من ربح في صفقة أو ما أوصي له] ، به فهو للمشتري،
وهو بمنزلة ما نما من ماله، وذلك إذا اشتراه بماله، وإن كان لم يشتره بماله
فجميع ما حدث له من مال فهو للبائع ما كان في عهدة الثلاث؛ لأن مصيبته من
البائع.
قال محمد بن رشد: أما ما ربح العبد في عهدة الثلاث في ماله فبين أن ذلك تبع
للمال يكون للمشتري إن كان استثنى ماله وللبائع إن كان لم يستثنه.
وأما ما أوصي له به أو وهبه فكان القياس ألا يعتبر فيه بالمال، إذ ليس
المال بسبب له كما هو للربح، وأن يكون للبائع؛ لأن الضمان منه، وإن استثنى
المبتاع ماله. فقوله: إنه يكون للمبتاع إذا استثنى ماله استحسان
(8/331)
مراعاة لقول من لا يرى العهدة ويرى الضمان
من المبتاع في الرقيق بعقد البيع كالحيوان والعروض، وبالله التوفيق والحمد
لله لا رب غيره ولا خير إلا خيره.
[تم كتاب العيوب الأول بحمد الله وعونه]
(8/332)
|