البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة

 [كتاب العيوب الثاني]
[يشتري العبد على أنه إفرنجي بلغته ثم يتبين أنه فصيح بالعربية]
كتاب العيوب الثاني

(8/333)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد
وآله وسلم تسليما من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش [قال] يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري العبد على أنه إفرنجي بلغته فيقيم أياما ثم يتبين له أنه فصيح بالعربية، هل ذلك عيب يرد به؟ أو وجده مختونا، وإنما اشتراه مجلوبا من أرض العدو فيما يرى؟ فقال: كل أمر إذا علم به المشتري كان عيبا عند أهل البصر في البيع والاشتراء فهو مردود، وإن كان الذي ظهر منه أفضل مما كان عليه حين اشترى، ولا حجة للبائع بأن يقول الفصيح أفضل من الأعجمي والمختون أفضل من الأغلف؛ لأن الناس لعلهم في المجلوب الأغلف أرغب لما يرجى من استقامته وصلاحه في تأديبهم إياه منهم في فصيح قد صار إلى أرض العدو بعد الفصاحة فيستراب بذلك وتخشى غائلته، والمختون كذلك، فإنما ينظر في مثل هذا إلى ما يكون عيبا عند أهل البصر مما ينقص الرقيق عندهم من أثمانها إذا علموا بالذي كتم المشتري مما ظهر له بعد في العبد.

(8/335)


قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الجواب من سماع عيسى أن ذلك ليس بعيب، وهذا القول أظهر. [وبالله التوفيق] .

[مسألة: يشتري الجارية فيدعي أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها]
مسألة [قال] يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري الجارية فيدعي قبل السنة أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها فلا يظهر خنقها إلا بعد السنة وقد رفع أمرها إلى السلطان قبل انقضاء عهدة السنة، غير أن حقيقة الجن لم يتبين للعدول إلا بعد السنة، أيستوجب الرد برفعه أمرها إلى السلطان قبل السنة أم لا؟ فقال: ليس له أن يردها حتى يثبت له أنها جنت في عهدة السنة، ولا ينظر إلى رفعه أمرها ولكن ينظر إلى وقت خنقها، فإن كان بعد السنة فقد انقطعت العهدة عن البائع، ولا يضره دعوى المشتري ولا ما كان خفي عليها قبل السنة وادعى أنه بها مما لم يظهر حتى مضت العهدة وانقضى أجلها، قلت: أرأيت لو خاف المشتري على العبد أو الأمة أن يكون مجذوما أو ظهر به سبب من برص والذي يتهم به من الجذام والبرص قبل انقضاء السنة، فإذا سئل عنه أهل العدل من أهل البصر، قالوا: لا نشهد أنه جذام أو برص بين، ولكننا لا نشتري مثل هذا ولا نبيعه للخوف عليه ولما تبين من أسباب ذلك به، قال: ليس للمشتري أن يرده بما يخاف أو يتقى ولا بما يترك

(8/336)


التجار من بيع مثله واشترائه، ولا يكون له الرد حتى يشهد فلان أنه جذام بين أو برص بين.
قال محمد بن رشد: قوله: غير أن حقيقة الخنق لم تتبين للعدول إلا بعد السنة دل أنه قد تبين لهم من أسبابه ما لم يتحققوا أنه خنق، ثم لم ير له ردة بتحققه بعد السنة، ويلزم مثل هذا في الجذام، [وقد حكاه ابن حبيب عن ابن كنانة وابن القاسم في الجذام] ، أيضا، وحكاه ابن المواز عن ابن القاسم أيضا خلاف ما في رسم الأقضية بعد هذا من هذا السماع، وخلاف ما ذهب إليه ابن المواز وابن حبيب وحكاه عن ابن وهب وأشهب وأصبغ ولا اختلاف في أنه لا يرد في السنة بما يستراب دون أن يتحقق من جنون أو جذام أو برص، ولا بما يتحقق من ذلك بقرب انسلاخ السنة إذا لم تظهر دلائله في السنة، ويرد على ما في المدونة من الجنون وذهاب العقل وإن لم يكن ذلك من مس جنون إذا لم يكن ذلك من جناية، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجب رده إلا من الجنون، وذهب ابن وهب إلى أنه يرد بذهاب العقل، وإن كان ذهابه بجناية عليه، فهي ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق.

[يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه ثم باعه المشتري من رجل آخر]
ومن كتاب الصبرة وسئل: عن الرجل يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه، ثم باعه المشتري من رجل آخر فأعتقه أو أحدث فيه ما يفوت به، كيف يترادون قيمة العيب؟ فقال: الذي غر والذي جهل في الغرم سواء، على كل واحد منهما أن يغرم لصاحبه ما بين قيمة العبد معيبا وقيمته صحيحا، قلت: أرأيت لو لم يتبع

(8/337)


البائع الآخر بقيمة العيب أكان له أن يتبع [البائع] ، الأول بقيمة ذلك العيب؟ قال: لا؛ لأنه قد باعه، فإن لم يتبع لم يتبع.
قلت: أرأيت إن مات العبد من العيب الذي كان به كيف يترادون الثمن؟ فقال: يعدى المشتري الأول على البائع الأول بالثمن الذي أخذه منه ثم يدفعه إلى المشتري الآخر، فإن كان باعه بأكثر مما كان اشتراه به غرم ذلك للمشتري الآخر، فإن كان باعه بأقل مما اشتراه به حبس فضل ذلك لنفسه، قلت: فإن كان البائع الأول معدما فهل يعدى المشتري الآخر على بائعه بالثمن الذي أخذه منه؟ فقال: لا، ليس له عليه إلا قدر قيمة العيب، ويتبع المشتري الآخر البائع الأول بالثمن الذي أخذ من البائع الثاني حتى يستكمل الثمن الذي أخذ منه بائعه، وليس له على بائعه إذا كان البائع الأول معدما إلا قدر قيمة العيب.
قال محمد بن رشد: قوله: إن العبد إذا فوته المشتري الثاني بعتق أو ما أشبهه، يريد أو مات في يده من غير عيب التدليس إن الذي دلس والذي لم يدلس سواء، على كل واحد منهما أن يغرم لصاحبه ما بين قيمة العبد معيبا وقيمته صحيحا، يريد من الثمن الذي باعه به يوم باعه منه، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن التدليس وغير التدليس سواء في وجوب الرد في القيام أو القيمة في الفوات، وإنما يفترق التدليس من غير التدليس في خمسة أشياء قد ذكرناها في غير هذا الكتاب؛ أحدها: موت العبد من العيب، وقوله: إنه إن لم يتبعه المشتري الثاني الذي اشترى منه بقيمة العيب لم يكن له هو أن يتبع البائع الأول الذي باع منه بشيء، هو المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من باع ما اشترى قبل أن

(8/338)


يعلم بالعيب فلا رجوع له فيه، إذ لم ينقص بسبب العيب شيئا، ولو نقص بسببه شيئا مثل أن يبين به وهو يظن أنه حدث عنده أو يبيعه وكيل له فبين به لكان له أن يرجع على بائعه بقيمة العيب، وإن كان قد باعه بمثل الثمن الذي كان اشتراه به أو أكثر، على قياس ما حملنا عليه قول ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى خلاف ما ذهب إليه ابن المواز من أنه يرجع [بالأقل مما نقص بسبب العيب أو من بقية رأس ماله وقد مضى هناك الاختلاف لما يرجع به] ، إذا رجع عليه، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا، وأشهب يرى إذا باع ولم يعلم بالعيب فله أن يرجع على البائع بالأقل من قيمة العيب أو من بقية رأس ماله [وقد مضى] ، وكان القياس أن يرجع عليه بقيمة العيب بالغة ما بلغت؛ لأنه قد بقي له عند البائع فلا يسقط رجوعه عليه بقيمة ربحه في الباقي، وإنما هو في التمثيل بمنزلة من اشترى خمسة أثواب فدفع إليه البائع أربعة وأوهمه أنه دفع إليه خمسة كما اشترى منه، فله أن يرجع عليه بما يجب للثوب الذي بقي عنده من الثمن الذي دفع إليه، وإن باع هو الأربعة الأثواب التي أخذ منه بمثل الثمن الذي اشترى به منه الخمسة أو أكثر.
[وأما إذا مات العبد عند المشتري الثاني من العيب الذي دلس به البائع الأول ففي ذلك أربعة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية: إن المشتري الأول يعدى على البائع الأول بجميع الثمن الذي أخذ منه، فيدفع منه للمشتري الثاني جميع الثمن الذي أخذ منه، ويكون له الفضل إن كان باعه بأقل مما كان اشتراه به، فإن كان باعه بأكثر مما كان اشتراه به غرم ذلك أي تمام ما أخذ منه، يريد إلا أن يكون ذلك أكثر من قيمة العيب فليس عليه أن يدفع إليه أكثر من قيمة العيب؛ لأنه لم يدلس له، فإن كان الأول معدما فأخذ الثالث من الثاني قيمة العيب على ما ذكر ثم أيسر الأول فلم يتبعه الثالث ببقية الثمن لم يكن للثاني على الأول إلا قدر قيمة العيب؛ لأنه لا مطالبة له بالتدليس إذ لم يطالبه به الثالث
والثاني: أنه

(8/339)


يؤخذ الثمن من المدلس فيدفع منه للثاني قيمة العيب لا أكثر، وهو قول أصبغ
والثالث: أن المشتري الثاني يرجع على المشتري الأول بقيمة العيب [من الثمن] ، الذي اشتراه به، ويرجع المشتري الأول على البائع الأول بالأقل مما رجع به عليه المشتري الثاني أو من جميع الثمن الذي باعه به، وهو قول محمد بن المواز.
والرابع: ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي، وقال: إنه القياس، هو أن يرجع الآخر بقيمة عيبه ويرجع المدلس عليه على المدلس بقيمة العيب من ثمنه أيضا أو بالأقل على القول الآخر.
والذي هو القياس عندي في هذه المسألة والنظر أن تكون مصيبة العبد إذا مات من العيب المدلس به من البائع الأول الذي دلس به، وتنتقض البيعتان جميعا، فإن كان الأول المدلس باعه بمائة [وباعه الثاني بمائة] وعشرين أخذت من الأول المائة التي أخذ، ومن الثاني العشرون التي استفضل، فيدفع ذلك إلى المشتري الثاني، وإن كان الأول المدلس باعه بمائة وباعه الثاني بثمانين أخذت من الأول المائة التي أخذ فدفع منها إلى البائع الثاني العشرون الذي خسر وإلى المشتري الثاني الثمانون التي وزن، والله تعالى هو الموفق.

[العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك]
ومن كتاب الصلاة وقال في العبد يشترى وله مال فيصاب ماله في أيام العهدة فيريد المشتري أن يرده بذلك ويراه كالعيب يحدث به في العهدة إن ذلك ليس له، واشتراؤه له لازم، ولا يعيب العبد في مثل هذا شيء من ذهاب ماله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المال تبع للعبد ولا حصة له من الثمن لو استحق لم يجب للمبتاع بذلك رجوع على البائع،

(8/340)


ولو تلف العبد في العهدة وبقي ماله انتقض البيع ولم يكن للمبتاع أن يختار البيع فيحبس المال ويدفع الثمن، وبالله التوفيق.

[يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة]
ومن كتاب الأقضية وسألته: عن الذي يشتري الجارية فيتغير منظرها ويقبح حالها قبل السنة حتى إذا نظر إليها الناظر ظن أن بها جذاما لخفة حاجبها وسوء منظرها، ثم ينظر إليها أهل البصر بها فيقولون: هو بها فيما نظن ولا نستيقن ذلك؛ لأن أول ما يبدأ لها فيشك الناظر إليها فيحول الحول وتمضي أيام عهدة السنة ولا يردها السلطان على بائعها لموضع الشك، ثم يصير أمرها إلى أن يتحقق بها جذام بين بعد السنة، فقال: أما إذا اشتريت في العهدة ورفع أمرها إلى القاضي ورأى أهل البصر أن الذي بدا بها سبب الجذام ويخاف عليها، فأرى إن استحق ذلك بها على قرب من انسلاخ السنة، وبحد ثان مضي العهدة أن يرد بالذي كان اشتريت [منه] لأن تلك التهمة اتصلت بالحقيقة، قال: وإن طال زمانها بعد انقضاء عهدة السنة لم أر أن ترد بتلك التهمة.
قال محمد بن رشد: هذا [مثل] ، ما ذهب إليه ابن المواز وابن حبيب خلاف ما حكي عن ابن القاسم وابن كنانة من أنه لا يجب ردها إلا أن يتحقق أنه جذام بين أو برص بين في داخل السنة، وقد مضى في رسم الكبش قبل هذا لابن القاسم دليل على ما حكى عنه ابن حبيب، وهو الذي يوجبه النظر، وذلك أنه لما كان يكمن ويخفى ولا يتحقق عند أول ما يبدأ جعلت السنة حدا لما يستتر فيه من أول ابتدائه إلى حين تحققه، فإذا تحقق في السنة حمل أمره على أن ابتداءه كان منذ سنة وهو في ملك البائع، وإذا

(8/341)


لم يتحقق إلا بعد السنة وجب أن يحمل أمره على ابتدائه كان منذ سنة من يومئذ وهو في ملك المشتري، وبالله التوفيق لا رب سواه.

[العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة]
ومن كتاب أوله أول عبد أبتاعه فهو حر وسئل: عن العبد يشترى بالعهدة إلا أن البائع تبرأ من الإباق، فأبق العبد في الأيام الثلاثة ثم لم يدر أمات في أيام العهدة أم لا وقد تبين أنه مات في إباقه ذلك، قال: سمعت مالكا يقول: هو من المشتري حتى يتبين أنه مات في أيام العهدة، قال: ولكن إن باعه بالعهدة ولم يتبرأ من إباقه فأبق في أيام العهدة فضمانه من البائع مات أو عاش، وذلك أنه لو وجده كان له رده، وإباقه في أيام العهدة من البائع.
قال محمد بن رشد: أما إذا باعه بالبراءة من الإباق فأبق في عهدة الثلاث ولم تعلم حياته من موته أو علم أنه مات ولم يعلم إن كان مات في العهدة أو بعدها، فقوله ههنا: إنه من المشتري هو مثل إحدى روايتي ابن نافع وأشهب عن مالك في سماعه، ومثل ما في رسم طلق من سماع ابن القاسم خلاف الرواية الثانية لأشهب وابن نافع عن مالك في [المدونة في أول] سماعه، وقد مضى القول على ذلك في المواضع المذكورة، فلا وجه لإعادته.
وأما إذا باعه بالعهدة ولم يتبرأ من الإباق فأبق في العهدة فضمانه من البائع كما قال؛ لأن ما أصاب العبد من العيوب في أيام العهدة فهو من البائع، والمبتاع فيه بالخيار، والإباق عيب من العيوب، فإذا أبق في العهدة فالمبتاع فيه بالخيار، فإذا مات قبل أن يختار وجب أن يكون ضمانه من البائع وإن كان موته بعد أيام العهدة كالعبد يموت في أيام الخيار، وكذلك إن غاب في العهدة ولم يرجع وجب على البائع أن يرد

(8/342)


الثمن ويطلب عبده، وكذلك إن دلس له بالإباق فأبق بعد العهدة ولم يرجع. [وبالله التوفيق] .

[مسألة: يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة]
مسألة وسألته: عن الرجل يبيع العبد بالعهدة ثم يجد به المشتري عيبا بعد العهدة يرد منه ولا يجد البينة أنه كان بالعبد عند البائع، كيف يحلف البائع على البت أن ذلك العيب لم يكن بالعبد يوم باعه أم على علمه؟ فقال: أما كل عيب ظاهر يرى أنه لم يكن يخفى عليه وأنه قد دلس به فيما يرى وهو مما لا يحدث مثله في قدر ما كان عند المشتري، فإنه يرد بلا بينة ولا يقبل فيه يمين البائع إذا كانت معرفة ذلك ثابتة عند الناس أن العيب قديم وأنه بموضع لم يكن ليخفى مثله على البائع في طول ما ملكه وكان في يديه.
قال: وأما العيب الظاهر فإن رئي أن مثله لا يخفى غير أنه مما يحدث مثله في قدر ما كان العبد عند المشتري فإنه يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب على البت، ولا ينفعه أن يقول ما علمت [به، فإن نكل حلف المشتري بالله الذي لا إله إلا هو ما حدث عندي على البت أيضا ولا ينفعه أن يقول: ما علمته حدث عندي] ثم يرده إن شاء، فإن نكل لزمه حبسه.
قال: وكذلك يحلف البائع أيضا فيما يخفى من العيوب التي تحدث على البت أيضا [ولا ينفعه أن يقول: ما علمته حدث عندي ثم يرده إن شاء] ، فإن نكل حلف المشتري أنها لم تحدث عنده على

(8/343)


البت أيضا، وأما ما يخفى مما يرى أنه بالعبد قديم فهو مثل ما يظهر مما يرى أنه بالعبد قديم إذا ثبت معرفة ذلك عند الناس رده بلا بينة، ولا يقبل للبائع في ذلك يمين.
قال محمد بن رشد: رواية يحيى هذه في وجوب اليمين على البت فيما يخفى مما يحدث ويقدم من العيوب خلاف المشهور في المذهب، وقد مضى تحصيل القول في ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم، ومضى طرف منه في رسم الفصاحة من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا معنى لإعادته. [وبالله التوفيق] .

[مسألة: يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا]
مسألة قال: قلت: فالذي يشتري العبد بالبراءة ثم يجد به عيبا أو خفيا مما يحدث أو مما لا يحدث مثله كيف يحلف؟ فقال: كل عيب يوجد بعبد اشتري بالبراءة كان ظاهرا أو خفيا مما يرى أنه بالعبد قديم فإن البائع يحلف فيه على علمه بالله الذي لا إله إلا هو لباعه ولا يعلم به هذا العيب ثم يبرأ، فإن نكل حلف المشتري بالله ما علم أن هذا العيب حدث عنده ثم رده.
قال: وكذلك يحلف أيضا فيما يحدث ويقدم على علمه ثم لا شيء عليه؛ لأنه قد تبرأ عند البيع من عيوبه [كلها] فكل عيب لا يثبت عليه أنه علمه وإن كان بالعبد يوم باعه فإنه منه بريء، فلذلك لم يحلف إلا على علمه، قلت: أرأيت إن كان بالعبد شيء ظاهر لا يشك أنه قد علم به فيما يرى الناس، أتنفعه البراءة في مثله؟.

(8/344)


قال محمد بن رشد: أما بيع البراءة فلا اختلاف أعلمه في أن الأيمان فيها إنما تكون على العلم سواء كانت العيوب مما تخفى أو مما لا تخفى، وإنما اختلف في بيع الإسلام وعهدته حسبما مضى القول فيه في أول سماع ابن القاسم، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب لمن أحب الوقوف عليه، وأما إذا كان العيب ظاهرا لا يشك أن البائع قد علمه وباع بالبراءة فلم يقع في ذلك في الرواية جواب، والجواب في ذلك: أن البراءة لا تنفعه في ذلك، كذلك روى زياد عن مالك، قال: ومن باع عبدا بالبراءة فوجده المشتري مقعدا أو قد ذهب يده أو رجله أو عينه أو وجده أعمى ونحو هذه العيوب التي يرى أن صاحبه قد علمها وكتمه لم تنفعه البراءة وكان بيعا مردودا، ومثله في كتاب أصبغ عن ابن القاسم، ومعنى هذا إذا كان غائبا فباعه على الصفة، وأما إذا كان حاضرا فرآه المشتري عند الشراء فليس شيء من هذا بعيب؛ لأنها ظاهرة ترى على ما قال في المدونة [وبالله التوفيق] .

[العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها]
من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وسألت ابن القاسم: عن العبد يجرح موضحة فيبين سيده قبل أن يبرأ أو يحكم له بأرشها، قال: هذا بيع فاسد إلا أن يكون قد باعه وقد برأ الجاني من الجرح، وأما إن لم يبرئه فمات العبد في يد المشتري أيرجع بالقيمة فهذا غرر لا يدري العبد اشترى أو ما يأخذ من القيمة؟ وإن كان البائع برأ الجاني لم أر به بأسا؛ لأنه قد باعه عبدا به عيب، فإن مات فهي مصيبة، وإن بقي فهو عبده، قلت له: فلو أراد سيده البائع قبل أن يبيعه أن يتعجل أرش الموضحة أكان ذلك له؟ قال: لا.
قال سحنون:

(8/345)


وروى التونسيون في الرجل يشتري العبد المجروح موضحة أن البيع لا يجوز؛ لأنه إن سلم كان له العبد، وإن مات كانت له القيمة، فيدخله الخطر، وسألت ابن القاسم عنها فقال: البيع جائز وهو بمنزلة ما أصابه في عهدة الثلاث، وكلمت فيها أشهب فقال: البيع جائز ويوقف الثمن، فإن سلم كان للمشتري، وإن مات كان من البائع بمنزلة مواضعة الجارية للاستبراء، فكنت أستحسن قول أشهب، إلا أنه يدخله إلى أن الاستبراء له أمر معروف يوقف به، وإن زادت وتمادى بها الاستبراء كان عيبا وكان له الرد، وهذا لا أمد له ينتهي إليه إلا إلى البرء، ولعله يطول فيكون فيه ضرر؛ ولأن هذا اشترى فبان بما اشترى، وهذا باع فانتقد ثمن ما باع، فدخله هذا فوجدت الخطر أملك به.
قال محمد بن رشد: قال ابن القاسم: أولا في العبد المجروح موضحة إن بيعه لا يجوز إلا أن يكون قد برأ الجاني من الجرح؛ لأنه إن باعه ولم يبرأ الجاني من الجرح كان غررا، إذ لا يدري هل يسلم العبد فيكون له أو يموت فتكون له القيمة مثل رواية التونسيين؛ وقال في القول الآخر: إن البيع جائز ويكون بمنزلة ما أصابه في عهدة الثلاث، يريد أنه إن مات كانت قيمته للبائع وانفسخ البيع، وإن سلم كان للمشتري، وكان الأرش للبائع، كما إذا أصابه ذلك في عهدة الثلاث فرضي المشتري بأخذه إن مات كانت قيمته للبائع وانفسخ البيع، وإن سلم كان للمشتري وكان الأرش للبائع، فلا يجوز النقد في ذلك بشرط، كما لا يجوز في المواضعة ولا في عهدة الأيام الثلاث ولا في أيام الخيار، وقول أشهب: إن الثمن

(8/346)


موقف [هو على] معنى الاختلاف في وجوب توقيف الثمن في الاستبراء، وسيأتي القول على هذا في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستبراء إن شاء الله، ولو وقع البيع على أنه إن سلم أخذه المبتاع، وإن مات كانت القيمة على الجاني لم يجز باتفاق، وإنما الاختلاف إذا وقع البيع على غير بيان أو على أنه إن مات كانت القيمة للبائع على الجاني وانفسخ البيع، فمرة أجيز البيع قياسا على مواضعة الجارية في الاستبراء، ومرة لم يجز وفرق بين الموضعين من أجل أن الاستبراء له أمد معروف وهذا لا أمد له إلا إلى البرء، وقد تكون السنة أو أكثر من السنة، ولا نص خلاف في أن ذلك إذا أصابه في عهدة الثلاث يكون المشتري مخيرا بين أن يرده من ساعته أو يأخذه إن سلم ويكون الأرش للبائع.
وقال الفضل: الصواب ألا يكون للمشتري أن يقبل العبد مجنيا عليه إلا أن يسقط البائع تبعته عن الجاني، وإلى هذا ذهب ابن عبدوس فقال: كل ما لا يجوز ابتداؤه فلا يجوز أخذه بعد الخيار وكأنه ابتداء شراء.
وقد أنكر سحنون على ابن القاسم قوله في الكافر يشتري العبد الكافر على أنه بالخيار فيسلم العبد في أيام الخيار إنه إن اختار بيع عليه، وقال: لا يجوز أن يختار الشراء بعد إسلام العبد؛ لأن يصير مشتريا لعبد مسلم، وهذا أصل مختلف فيه، فمنه اختلافهم في الذي يشتري العبيد جملة فيستحق أكثرهم هل له أن يأخذ ما بقي بما ينوبهم من الثمن أم لا؟ اختلف في ذلك قول ابن القاسم، وفي إجازة شراء العبد المجروح موضحة إذا أبرأ السيد الجارح جواز شراء المريض، وقد مضى مثل هذا في رسم الجواب من سماع عيسى، ومضى ذكر الاختلاف في هذا في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف عليه.
وأما قوله: إنه ليس له أن يتعجل أرش الموضحة ففي ذلك اختلاف، قيل: إن له أن يتعجلها، فإن مات العبد منها وفي تمام قيمته، وهو مذهب

(8/347)


ابن الماجشون وسحنون.
فهذا حكم الجناية على العبد في عهدة الثلاث، وأما جنايته فيها على غيره ففيها تفصيل على معنى ما في [الأمهات] ، المدونة والواضحة وغيرهما، سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب الجنايات، وبالله التوفيق.

[العهدة في العبد المقرض والعبد المسلف فيه]
من نوازل سئل عنها سحنون [بن سعيد] قال سحنون: لا عهدة ثلاث ولا سنة في العبد المقرض ولا في العبد المسلف فيه ولا المصالح به، ولا في العبد الغائب يشترى على صفة، ولا العبد المأخوذ من دين، ولا في العبد المنكح به، ولا في العبد المخالع به، ولا العبد المقاطع به من كتابة المكاتب، ولا العبد المأخوذ من دم عمد، وهذا كله على مذهب ابن القاسم؛ قال: وعلى ما روى أشهب في العبد المنكح به أن فيه عهدة الثلاث وعهدة السنة.
قال محمد بن رشد: أما العبد المقرض فلا اختلاف في أنه لا عهدة فيه إذ ليس ببيع، والعهدة إنما جاءت فيما اشتري من الرقيق.
وأما العبد المسلف فيه فابن حبيب يرى فيه العهدة؛ لأنه مشترى، ووجه قول ابن القاسم: أنه ليس مشترى بعينه وإنما هو ثابت في الذمة بصفته فأشبه القرض.
وأما المصالح به فمعناه المصالح به على الإنكار، وأما المصالح به على الإقرار فهو بيع من البيوع تكون فيه العهدة، وإنما لم تكن في المصالح به على الإنكار عهدة؛ لأنه أشبه الهبة في حق الدافع؛ ولأنه

(8/348)


يقتضي المناجزة؛ لأنه أخذه على ترك خصومة فلا يجوز لهما التأجيل فيه، ولو استحق لما رجع بالعرض على حكم البيوع.
وأما المأخوذ من دين أو دم عمد فإنما لم تكن في ذلك العهدة لوجوب المناجزة في ذلك اتقاء الدين بالدين.
أما العبد المشترى على الصفة، فإنما لم يكن فيه عهدة؛ لأن وجه البيع يقتضي إسقاطها لاقتضائه التناجز إذا كان الناس يتبايعون الغائب على ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من المبتاع، فإن اشترط الصفقة لم تكن فيه عهدة؛ لأن بيع الصفقة موجز قاطع للضمان والعهدة، وإن لم يشترطها فمرة حمل مالك البيع على ذلك، ومرة رأى السلعة في ضمان البائع حتى يقبضها المبتاع فيكون قبضه لها على هذا القول قبضا ناجزا لا عهدة فيه.
وأما العبد المنكح به فوجه وجوب العهدة فيه قياسه على البيوع، وقد قال مالك: أشبه شيء بالبيوع النكاح.
ووجه إسقاطها فيه هو أن طريقه المكارمة، ويجوز فيه من الغرر والجهول ما لا يجوز في البيوع، وقد سماه الله نحلة، والنحلة ما لم يعتض عليه، فوجب ألا تكون فيه عهدة.
وأما العبد المخالع به: فإنما لم تكن به عهدة؛ لأن طريقه المناجزة؛ لأن المرأة لما كانت تملك نفسها بالخلع ملكا تاما ناجزا لا يتعقبه رد ولا فسخ وجب أن يملك الزوج في العرض ملكا ناجزا [لا يتعقبه رد ولا فسخ] .
وأما العبد المقاطع به: فإنما لم تكن فيه عهدة؛ لأنه إن كان عبدا بيعنه فكأنه انتزعه منه وأعتقه، وإن كان بغير عينه فأشبه المسلم فيه الثابت في الذمة فسقطت فيه العهدة.
وقد اختلف في العهدة في العبد المستقال منه، فقال ابن حبيب وأصبغ: فيه العهدة، وقال سحنون: لا عهدة فيه، وهذا

(8/349)


عندي إذا لم ينتقد، وأما إذا كان قد انتقد فلا عهدة في ذلك قولا واحد؛ لأنه كالمعبد المأخوذ من دين.
وقال ابن العطار: إنه لا عهده في العبد إذا كان رأس مال المسلم، وقوله صحيح؛ لأن السلم يقتضي المناجزة، وقد قيل: لا يجوز أن ينعقد السلم على أن يتأخر رأس مال السلم اليوم واليومين والثلاثة، وإنما يجوز أن يتأخر إلى هذا المقدار إذا وقع على المناجزة، وهذا القول قائم من المدونة [بدليل] ، وعلى قياس قوله: لا عهدة فيما بيع من الرقيق بدين إلى أجل، واعترض ابن الهندي على ابن العطار قوله ورأى فيه العهدة، وحكى ابن حبيب في الواضحة أنه لا عهدة في العبد الموهوب على الثواب.
والوجه في ذلك أنه بيع على المكارمة لا على المكايسة، فأشبه العبد المنكح به يدخل فيه من الاختلاف ما دخل في العبد المنكح به، والله أعلم، [وبالله عز وجل التوفيق] .

[يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه]
من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى بن معاوية: قال ابن القاسم في الرجل يشتري الشاة وهي حامل فتلد عنده فيأكل لبنها وسخلتها ثم يجد بها عيبا ترد منه، قال: إن أحب أن يردها ويقاص بقيمة ولدها الذي أكل من ثمنها فذلك له، وإن أحب أن يمسكها ويأخذ قيمة العيب من بائعها فذلك له، وإنما كان له أن يأخذ قيمة العيب ويمسكها؛ لأن، الولد ربما جاء من ثمنه ما هو أكثر من ثمنها الذي ابتاعها به، فيصير إن قاصه لم يرجع على البائع بشيء حينئذ، فلذلك يكون له أن يحبسها ويأخذ قيمة العيب، وما أكل من لبن أو لبإ أو شعر انتفع به لم يقاص بشيء منه؛ لأنه كان له بالضمان، وهو بمنزلة الغلة؛ لأنه لو فلس صاحبها فأدركها وولدها أخذهما، ولو وجد لها لبنا أو شعرا قد أخذ منها لم يكن له منه شيء.

(8/350)


قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب أن يتأمله فلا وجه لإعادته، ومضى أيضا في رسم باع شاة من سماع عيسى، والله المعين.

[الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب]
من سماع محمد بن خالد وسؤاله ابن القاسم [قال] محمد بن خالد: سألت ابن القاسم عن الفصوص يشتريها الرجل فيحكها فيظهر بها عيوب عند الحك لم يكن بها قبل ذلك في الظاهر، فقال: قال مالك: المبتاع لها ضامن، وكذلك كل ما يباع فكان المبتاع والبائع في معرفته سواء لا يظن أن البائع قد عرف من سلعته ما لم يعرف المبتاع، فإن المبتاع لما اشترى من ذلك ضامن ليس له إلى رده سبيل، قال: ومن ذلك الخشب والجوز والرانج، قال مالك: والبيض مخالف لهذا، وذلك؛ لأن فسادها يعرف، فما وجد فيه من فاسد رده.
قال مالك: [وإن الناس ليردون القثاء إذا وجدوه مرا كأنه يراه بمنزلة ما ذكرنا مما معرفة المبتاع فيه والبائع سواء] .
وقال ابن نافع وداود مثل ذلك، غير أن ابن نافع قال في الجوز إذا اشتراه الرجل فوجد عامته فاسدا: إنه يرده ويأخذ الثمن من بائعه، وإن كان فساده يسيرا لم يرده ولزمه ما اشترى، وقال محمد بن خالد: وقوله في الجوز أحب إلينا.
قال محمد بن رشد: الأصل في هذا أنه لا يرد من العيوب إلا ما يمكن أن يعرفه الناس، فيكون البائع غارا به ومدلسا فيه، فأما ما لا يمكن

(8/351)


أن يعرفه الناس ويستوي في الجهل بمعرفته البائع والمبتاع ولا يمكن الوصول إلى العلم به بوجه من وجوه الاختبار، ولا كان من سبب حادث يمكن أن يعلم ولا من سوء صنعة، فإنه لا يجب الرد بشيء من ذلك ولا القيام به، مثل العفن يكون في داخل العود والخشبة من قبل القطع لا يعلم به إلا بعد نشره وشقه، ومثل الجذري يكون في الجلود لا يتبين إلا بعد إدخالها في الدباغ، ومثل الجوز والرانج يباع فيوجد فيه إذا كسر فاسدا أو معفونا، ومثل القثاء يباع فيوجد فيها مرا وما أشبه ذلك، فأما ما أمكن معرفته بالاختبار مثل القثاء والقثاتين توجد مرة فإنها ترد؛ لأنها يوصل إلى معرفة مرارتها من غير أن تقطع بالعود يدخل فيها، فإن الرد يجب بذلك، قاله أشهب، أو مثل الأحمال من القثاء توجد مرة كلها أو الجوز يوجد فاسدا كله فإنها ترد؛ لأن هذا مما لا يمكن أن يخفى على البائع، أو كان فساده من سبب حادث مثل الجلود تفسد من حرارة الشمس أو قلة الملح، أو ماء بحر يصيبها، على ما قال ابن حبيب، أو سوء صنعة مثل العره أو الجبنة على ما قال ابن مزين، فإن الرد يجب بذلك كله، وكذلك كل ما كان القدم يفسده مثل البيض وما أشبهه فإن الرد يجب بذلك كله، وهذا كله لا اختلاف فيه، فقول ابن نافع ليس بخلاف لقول ابن القاسم، وإنما قال ابن خالد: وقوله: أحب إلينا؛ لأنه رأى قول من فسر أحسن من قول من أجمل، ويتخرج في المذهب قولان فيما كان الفساد فيه لا يعرف ولم يكن من الأصل ولا كان حادثا بسبب يعلم، فعلى ما ذهب إليه ابن حبيب يحب الرد بذلك، قال: لأن هذا مما يمكن أن يعلمه بعض الناس، وعلى ظاهر ما في هذه الرواية وغيرها لا يجب به الرد، والله أعلم. [وبالله التوفيق] .

[مسألة: الجارية تشترى وهي لم تخفض]
مسألة قال: وقال ابن القاسم: قال مالك في الجارية تشترى وهي

(8/352)


لم تخفض يريد أنها لم تختن إنها إذا كانت فارهة ردت؛ لأنه عيب من العيوب.
قال محمد بن أحمد: معناه إذا كانت من رقيق العرب الذين يخفضون على ما مضى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم وفي رسم الجواب من سماع عيسى.

[مسألة: يشتري العبد المسلم فيجده أغلف]
مسألة قال: وسألت ابن نافع عن الرجل يشتري العبد المسلم فيجده أغلف، قال يرده بذلك عليه؛ لأنه عيب.
قال محمد بن رشد: معناه إذا كان من رقيق العرب الذين يختنون ولم يكن مجلوبا من رقيق العجم على ما مضى أيضا في سماع ابن القاسم وفي سماع عيسى، وظاهر قوله أن الرفيع والوضيع في ذلك بمنزلة سواء مثل قول ابن حبيب في الواضحة خلاف ما مضى في سماع عيسى، وقد مضى تحصيل القول في هذا في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

[يبيع البقرة على أنها حامل]
من سماع عبد الملك بن الحسن من أشهب قال عبد الملك: سئل أشهب عن الذي يبيع البقرة على أنها حامل، فقال: إذا لم توجد حاملا ردت، قيل: فالجارية تباع على أنها حامل فتوجد غير حامل، فقال: ذلك يختلف إن كانت من الجواري المرتفعات اللاتي ينقصهن الحمل فإنما ذلك تبري وليس عليه شيء، [وإن كانت من الجواري اللاتي يزيدهن الحمل فوجدها غير حامل ردها] .

(8/353)


قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا في بيع البقرة والجارية التي يزيدها الحمل على أنها حامل إن البيع جائز ويردها إن لم تكن حاملا خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك، لا يجوز على مذهبهما بيع الشاة ولا البقرة ولا الجارية الدنية التي يزيدها الحمل على أنها حامل وإن كانت ظاهرة الحمل، والبيع على ذلك مفسوخ، وذلك بين من قوله في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وأجاز ذلك سحنون إذا كانت ظاهرة الحمل، وقال ابن أبي حازم في المدنية: البيع جائز ولا يردها إن لم يجدها حاملا، قال ذلك في الذي يبيع الرمكة ويشترط أنها عقوق إذا باعها وهو يرى أنها كما قال، قال: ولو باعها وهو يعلم أنها على غير ذلك بمعرفته أن الفحل ينزو عليها لكان للمشتري أن يردها؛ لأنه قد غره بما أطمعه من عقاقها، فإذا لم يعلم بأنها عقوق فشرط له أنها عقوق فالبيع جائز ولا يلزمه ما شرط إذ لا علم له به ولا للمشتري، فكلاهما في عمى، فالبيع ماض ولا ينتقض، فتحصل في المسألة أربعة أقوال: أظهرها قول سحنون: أن البيع فاسد إلا أن يكون الحمل ظاهرا، وقال ابن عبد الحكم: لا خير في أن بيع الرجل الدابة ويشترط عقاقها، ولو قال: هي عقوق ولم يشترط ذلك لم يكن به بأس.

[يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه]
من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الرجل يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرد منه، فيقول البائع: بعته بعشرين، ويقول المشتري: بل بثلاثين، وكيف إن قال البائع: بعتكه بعرض؟ قال: القول قول البائع في جميع ذلك مع يمينه إلا أن يأتي بما لا

(8/354)


يشبه. قال أصبغ: فيرجع القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه، فإن أتى أيضا هو بما لا يشبه ولا يعادل ولا يقارب رأيت الثمن بقدر قيمة العبد يوم قبضه معيبا يرد ذلك البائع على المشتري ويرد عليه العبد، وما سمعت فيه شيئا وهو رأيي.
قال محمد بن أحمد: قوله: إنهما إذا اختلفا في الثمن عند وجود العيب إن القول قول البائع إذا أتى بما يشبه صحيح؛ لأنه مدعى عليه منكر لما ادعى عليه المشتري، وقد أحكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين على من أنكره، وقول أصبغ: فإن أتى بما لا يشبه رجع القول قول المشتري إذا أتى بما يشبه صحيح أيضا لا إشكال فيه ولا اختلاف، وأما قوله: فإن أتى أيضا بما لا يشبه رأيت الثمن بقدر قيمة العبد يوم قبضه معيبا، فإنه كلام ليس على ظاهره؛ لأن البائع لم يقبض الثمن فيه إلا على أنه صحيح فإنما تكون القيمة فيه على أنه صحيح، فمعنى قوله: إن الثمن يكون بقدر قيمة العبد صحيحا يوم قبضه معيبا أي يوم باعه معيبا، إلا أن يكون البيع والقبض في يوم واحد، وذلك أيضا بعد أيمانهما جميعا أو نكولهما جميعا، فإن حلف أحدهما، ونكل الآخر كان القول قول الحالف منهما، وإن كان لا يشبه؛ لأن صاحبه قد مكنه من دعواه بنكوله وبالله التوفيق.

[مسألة: باع من رجل سلعة ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب]
مسألة قال: وسألت ابن القاسم عن رجل باع من رجل سلعة، ثم باعها المشتري من آخر ثم غاب ثم أتى من استحق السلعة، فقال المشتري الثاني للبائع الأول: أنت بعتها من بيعي هذا، هل يعدى

(8/355)


عليه أم لا؟ قال: نعم يرجع عليه، وقاله أصبغ، قال أصبغ: وكذلك العيوب إلا أن عليه في العيوب أن يقيم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام بغير براءة، فإن أقام ذلك رجع على البائع الأول ورد عليه ماله حتى يقيم هو البينة أنه بايع صاحبه بيع البراءة أو تبرأ إليه منه؛ لأن الأوسط لو كان حاضرا فرد عليه لكان له الرد على صاحبه حتى يثبت عليه التبرئة والمعاملة عليها فهو في مقامه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن الأول غريم غريمه فيكون عليه في الاستحقاق والرد بالعيب ما كان يكون لغريمه عليه لو رجع عليه، فيرجع عليه في الاستحقاق بأقل الثمنين، وكذلك إذا رد عليه بالعيب إنما يأخذ منه أقل الثمنين، فإن كان ثمنه أكثر من الثمن الذي باعه به الأول اتبع الذي باعه هو ببقية ثمنه، وكذلك إذا كان قد فات فإنما يرجع عليه بالأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه [يوم باعه، أو الأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه] به الأول يوم باعه، وقد مضى هذا في رسم البراءة من سماع عيسى [لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته] .
وقال أصبغ: إن عليه أن يقيم البينة على أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته، وسكت عما يجب عليه من إقامة البينة على أنه نقد الثمن، وقد مضى ذلك والحكم فيه إذا عجز عن إقامته في رسم نقدها من سماع عيسى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته. وبالله التوفيق.

[مسألة: باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف]
مسألة قال ابن القاسم في رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار وأحال على المشتري غريما له بالنصف فأعطاه فيه عشرة دراهم،

(8/356)


ثم وجد المشتري بالثوب عيبا بم يرجع على البائع؟ قال: بنصف دينار وليس بالدراهم، وقاله أصبغ إتباعا، وفيه غمز وضعف.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يرجع عليه بالدراهم، وقد مضت هذه المسألة، ووجه الاختلاف فيها مستوفى في أول مسألة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فلا معنى لإعادته [هنا مرة أخرى، وبالله تعالى التوفيق] .

[مسألة: باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني]
مسألة وسألت ابن القاسم: عمن باع عبدا وبه عيب إباق دلسه فباعه مشتريه فأبق عند المشتري الثاني، فمات في ذلك الإباق أو لم يمت والبائع الأول والثاني قيام بأعينهما، إلا أن البائع الثاني عديم، فقال: إن الثمن يؤخذ من البائع الأول المدلس، يؤخذ منه قدر الثمن الذي اشترى به الثاني، فيدفع إلى المشتري الثاني، ثم إن شاء المشتري الأول اتبعه ببقية ماله إن كان فيه فضل، وإن شاء ترك، فإن كان البائع الأول قد فات رجع المشتري الثاني على المشتري الأول بما بين القيمتين، ولا يرجع بالثمن كله؛ لأنه لم يدلس؛ فإن وجد البائع الأول يوما ما أخذ منه الثمن فأتم للمشتري الثاني منه بقيمة حقه الذي اشتراه به، وكان ما بقي للمشتري الأول.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم الصبرة من سماع يحيى، وذكرنا أنه يتحصل في ذلك خمسة أقوال، فلا معنى لإعادة شيء منها ههنا. وبالله التوفيق.

(8/357)


[مسألة: باع جارية وشرط البائع أنها حامل]
مسألة وسئل ابن القاسم: عن رجل باع جارية وشرط البائع أنها حامل، قال: لا يجوز هذا الشرط والبيع مفسوخ.
قال محمد بن رشد: معناه إذا كانت الجارية غير رائعة مما يكون الحمل زيادة في ثمنها، وقد مضى ذلك وتحصيل القول فيها في سماع عبد الملك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

[مسألة: باع جارية وقال إنها تزعم أنها بكر فألفيت ثيبا]
مسألة وإن باع جارية، وقال: إنها تزعم أنها بكر فألفيت ثيبا، فإن مالكا قال: ترد لأنه قد قال قولا رغب الناس فيها وازداد في ثمنها.
قال أصبغ: وكذلك لو قال: إنها تزعم أنها طباخة أو رقامة فلم توجد كذلك فإنها ترد.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم حلف ألا يبيع سلعة سماها من سماع ابن القاسم، وقد مضى القول على ذلك هناك فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

[مسألة: العبد يشترى فيوجد ضرسه منزوعة أو به كي]
مسألة قال أصبغ: سمعت ابن القاسم، وسئل عن العبد يشترى فيوجد ضرسه منزوعة أو به كي أن الضرس خفيف إلا أن ينقص من ثمنه، مثل الجارية الرائعة وما أشبهها فيكون ذلك ينقص من ثمنها فيكون عيبا ترد منه.
وأما الكي فهو خفيف إلا أن يخالف اللون فيرد به، وقاله أصبغ. قال أصبغ: ويكون الكي الفاحش أو الكثير المترق، وإن لم يخالف اللون وفي المواضع التي يراد من

(8/358)


الجارية الفرج وما والاه أو في الوجه يسمج مما يخاف فإذا ظهر كان سمجا ونقصانا فهذه عيوب كلها ترد بها، وإلا فلا.
قال محمد بن رشد: قال في السن الواحدة الناقصة: إنها عيب في الجارية الرائعة، زاد ابن حبيب وسواء كان في مقدم الفم أو في مؤخره، قال: وليس هو عيب في غير الرائعة ولا في العبد إن كان في مؤخر الفم، وما زاد على السن الواحدة فهو عيب في كل العبيد والإماء كان في مقدم الفم أو في مؤخره، وهو تفصيل حسن، قال: وأما السن الزائدة فهو عيب في العبد والجارية رفيعين كانا أو وضيعين.
وقوله فتي الكي نحو ما في الواضحة، حكى ابن حبيب فيها عن مالك أنه قال: ما كان من العيوب لا ينقص ثمنا ولا يخاف عاقبته مثل الكي غير الفاحش يكون بالعبد أو الأمة فلا يرد به، وإن كان عند النخاسين عيبا، قال: وإنما يرد العبد والأمة من كل عيب ينقص الثمن أو يخاف عاقبته، وقال هو من رأيه في الكية الواحدة إنه عيب في الأمة الرائعة إن كان لها أثر قبيح، وليس بعيب في غير الرائعة وفي العبد إلا أن يكون كيا كثيرا منتثرا، وقال ابن دحون: من اشترى عبدا فوجد به كيا، فقال أهل المعرفة: إنه كوي لعلة لم يرده إن كان بربريا ويرده إن كان روميا؛ لأن الروم لا يكتوون إلا لعلة، وهو حسن من القول، وبالله التوفيق.

[باع عبدا بالبراءة فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب]
ومن كتاب البيع والصرف قال أصبغ: قال ابن القاسم فيمن باع عبدا بالبراءة، فباعه المشتري فظهر منه الثالث على عيب قامت عليه به البينة عند الأول إن المشتري يرده على الأوسط، وليس على الأول إلا اليمين ما علمه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال، وهو مما لا إشكال فيه ولا وجه للقول.

(8/359)


[مسألة: بيع ولد المجذومين]
مسألة قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن ولد المجذومين يباع، هل تراه عيبا إذا كان] ، يرد به؟ أو هل يختلف إذا كان أبواه جميعا أو أحدهما؟ قال: نعم أراه عيبا يرد به؛ لأن الناس يكرهونه كراهية شديدة، وليس كل الناس يقدم عليه، فأراه عيبا كانا جميعا الأبوان أو أحدهما، وهو أمر يخاف والناس له كارهون إذا علموا به، فكل أمر إذا علمه الناس كانت فيه الكراهة عندهم فأراه عيبا، وقاله أصبغ [بن الفرج] ، وقال: هو مما يخاف وإن لم يخف خوفا عاما في الناس فأراه عيبا، وقال سحنون مثله.
قال محمد بن رشد: مثل هذا حكى ابن حبيب عن مالك: أنه عيب في الرائعة وغير الرائعة، خلاف ما حكى عنه في التي يوجد أحد أبويها أسود أنه لا ترد بذلك إلا الرائعة، وقد ذكرنا ذلك، والأصل فيه في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب، وقد روى داود بن جعفر [عن مالك] في ولد المجذومين أنه ليس بعيب ولا يوضع عنه شيء، وبه قال ابن كنانة، ووجه ذلك التعلق بظاهر قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا عدوى» ولا وجه للتعلق به في هذا؛ لأن المعنى إبطال ما كانوا يعتقدون من أن المريض يعدي الصحيح، ولم ينف وجود مرض الصحيح عند حلول المريض عليه غالبا بقضاء الله تعالى وقدره دون أن يكون للمريض في ذلك تأثير فعل، ألا ترى أنه لما قيل له: يا رسول الله، «إن الإبل تكون في

(8/360)


الرمل مثل الظباء فيرد عليها البعير الأجرب فتجرب كلها» ، لم يكذب قول من قال ذلك، وقال له: فمن أعدى الأول يريد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الله تبارك وتعالى الذي أجرب الأول هو الذي أجرب جميع الإبل عند حلول الجرب عليها من غير تأثير كان له فيها، فإذا كان الأمر على هذا كان للمبتاع أن يرد العبد أو الأمة إذا علم أن أبويه أو أحدهما كان مجذوما لما يخشى من أن يصيبه الجذام بقضاء الله وقدره إذا كان أبوه مجذوما وإن لم يكن لجذام أبويه أو أحدهما في ذلك تأثير، إذ قد أبطل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك بقوله: «لا عدوى» . وقال محمد بن دينار: سئل أهل العلم عن ذلك، فإن كان ذلك مرضا يعم الأقارب حتى لا يخطئ أحدا وخيف عليها ولم يؤمن ذلك عليها فأرى أن يردها، وإن كان مرضا لا يعم النسب وربما أصاب وربما لم يصب فإني لا أرى له سبيلا إلى ردها، والصحيح: أنه عيب من أجل أن الناس يكرهونه فينقص ذلك من قيمته، وإن قال أهل المعرفة بذلك إن ذلك لا يخشى ولا يتقى ولا يخاف، وبالله التوفيق.

[الدابة تباع فتوجد عثورا]
ومن كتاب الكراء والأقضية قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الدابة تباع فتوجد عثورا، قال: إن قامت له بينة أنها كانت عثورا ردها، وإن لم تكن له بينة وكان في مثل ما غاب عليها المشتري مما يقول أهل المعرفة والعلم أنه يحدث في مثله حلف البائع أنه ما علمه عنده، فإن نكل حلف المشتري بالله ما علمه ويردها، وإن كان في مثل ما غاب عليها لا يحدث في مثله في معرفة الناس أو يكون بها أثر في قوائمها أو غير ذلك يعرف أن ذلك من أثره ويستدل به ردها،

(8/361)


فقد يشتري الرجل الدابة فينصرف بها أو لعله يركبها ساعة فيجد ذلك بها من قريب، فإن قال أهل المعرفة: إن مثل هذا في قربه لا يحدث ردها، وإن كان يرى أن مثله يحدث حلف على ما فسرت لك وقاله أصبغ كله وهو الصواب [إن شاء الله] .
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا في عثار الدابة إن البائع يحلف ما علمه كان بها عنده إن أمكن أن يكون حادثا عند المشتري على حكم العيب الذي يحدث ويقدم، هو على أصل قوله وروايته عن مالك في العبد يأبق عند المبتاع إن له أن يحلف البائع ما أبق عنده خلاف رواية أشهب عن مالك، فعلى قياس روايته عنه لا يمين على البائع في عثار الدابة إذا أمكن أن يكون حادثا عند المشتري، وقد قال ابن كنانة في المدنية: إن علم أنها كانت عثورة عند البائع فهي رد عليه، وإن لم يعلم ذلك وكان عثارها قريبا من بيعها حلف البائع بالله ما علم بها عثارا.
قال: وإن كان عثارها بعد البيع بزمان وفي مثل ما يحدث العثار في مثله فلا يمين على بائعها، وقول ابن كنانة هذا في تفرقته بين القرب والبعد قول ثالث في المسألة.

[مسألة: يشتري جملة من الرقيق الوغد]
مسألة قال أصبغ: أخبرني ابن القاسم عن مالك في الذي يشتري جملة من] ، هذا الرقيق الوغد مثل السودان أو السند فيجد فيهم جارية حاملا ليس له أن يردها وهي تلزمه، ولو اشتراها وحدها رأيت أن يردها.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم مستوفى لمن أحب الوقوف عليه فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

(8/362)


[مسألة: يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله]
من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ قال أصبغ بن الفرج في الرجل يشتري العبد فيقبضه وينقد ثمنه ثم يأتي به يرده بعيب ظهر مثله يحدث في الشهر وما أشبهه ولا يحدث فيما هو أقل منه، فيزعم البائع أنه باعه منذ سنة، ويقول المشتري إنما اشتريته منك منذ عشرة أيام، أو يأتي به مجنونا أو مجذوما فيزعم أنه في داخل السنة ويقول البائع بل بعتكه منذ سنين، أو يموت فيدعى أنه مات في العهدة، أو الجارية تشترى فتموت في يد المشتري فيزعم المشتري أنها لم تحض وأنها لم تقم عنده بعد الاستبراء إلا أياما لا يكون في مثلها الاستبراء، ويقول البائع بعتكها منذ أشهر، هل يكون القول قول البائع في جميع ما ذكرت مع يمينه؟ وهل يختلف عندك إن لم ينقد؟ قال: القول في كل ما سألت عنه سواء أمر واحد، والقول قول البائع مع يمينه؛ لأنها دعوى بينهما، والمدعى عليه ههنا هو البائع؛ لأنه المدعى عليه النقصان للاسترجاع منه أو الرد والضمان، فكلها دعوى عليه، والمشتري مدعيها، فهو المدعي، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو المدعى عليه، فاحمل كل شيء تجده من الدعوى خالصا على ذلك، فمسألتك من ذلك وليس في هذا كلام.
وسواء في مسألتك انتقد أو لم ينتقد، وأظنك في النقد وغير النقد وحيرك مسألة ابن القاسم في العيب يوجد وقد فات الرأس فيرجع فيه إلى قيمة العبد لمعرفة قيمة العيب، فإن ابن القاسم قال فيها: إن كان انتقد فالقول قول البائع في الصفة؛ لأنه رأى أن البائع ههنا المدعى عليه

(8/363)


ليسترجع منه، وهو صواب، وزعم أنه إذا لم ينتقد فالقول قول المشتري [وهذا خطأ. وكذلك قال أيضا في مسألة العبدين يبيعهما صفقة واحدة ففات أحدهما من يد المشتري ووجد بالآخر عيبا فجاء ليرده بما يصيبه من الثمن مع صاحبه إن القول في قيمة الفائت وصفته زعم قول المشتري] إذا لم يكن نقد؛ لأنه رأى أن المشتري ههنا مدعى عليه وهو خطأ من قوله، وجعل المدعى عليه مدعيا وهو المشتري إذا كان قد نقد، وليس ذلك المدعي ههنا هو المشتري على كل حال والمدعى عليه البائع؛ لأن البائع وإن لم يكن انتقد فقد وجب له الثمن الذي تبايعا به، والمشتري ينتقصه منه، وقد سألت عنها أشهب فخالفه فقال مثل قولي، وإنما بنيت مسألتك على قول ابن القاسم هذا وأردت أن أبين فأرى أن قد أصبت في سؤالك ووقوفك على ما اشتبه عليك إلى علمه، والله الموفق لنا ولك.
قال محمد بن رشد: قد قال أصبغ في هذه المسألة: إن القول قول المبتاع؛ لأن العهدة قد لزمت البائع فهو مدع أنها قد انقضت، روى ذلك عنه عبد الأعلى، وعلى ذلك يأتي قوله في نوازله من كتاب طلاق السنة في النصرانية تسلم تحت النصراني ثم يسلم زوجها بعدها فيريد رجعتها فتزعم أنها قد حاضت ثلاث حيض بعد إسلامها وأن إسلامها كان أكثر من أربعين يوما لما يحاض في مثل ذلك ثلاث حيض، ويزعم الزوج أن إسلامها كان منذ عشرين ليلة لما لا يحاض في مثله ثلاث حيض؛ وفي الذي يطلق امرأته واحدة ثم يريد رجعتها ويقول: إنما طلقتها أمس تقول هي: بل طلقتني منذ شهرين وقد حضت ثلاث حيض أن القول قول الزوج، إذ

(8/364)


لا فرق بين دعوى انقضاء العهدة ودعوى انقضاء العدة، وإلى هذا القول ذهب سحنون فقال في قول أصبغ في هذه النوازل: إن القول قول البائع، هذا خلاف ما أجمع عليه سلفنا في معرفة المدعي من المدعى عليه، ومن لزمته العهدة والاستبراء فزعم أنهما قد انقضتا فمثله طلب المخرج منهما؛ لأن من قال قد كان فهو المدعي، وقد احتج بقوله في نوازله هذه، ولكلا القولين حظ من النظر، وقول سحنون أظهر.
ومن حجته على أصبغ أنه قد خطأ قول ابن القاسم في قوله: إن القول قول المبتاع إذا لم ينقد، فقال: وإن كان لم ينقد فقد وجب عليه النقد فهو مدع فيما يسقطه، فيقال له وكذلك البائع عليه العهدة ولزمه رد الثمن فيما ظهر من موت العبد أو جنونه أو جذامه فهو مدع فيما يسقط ذلك عنه، وسواء على مذهب سحنون نقد أو لم ينقد، القول قول المبتاع، وهو الظاهر من قول ابن القاسم في كتاب الوكالات من المدونة في الذي رد نصف حمل طعام اشتراه بعيب وجد به فقال البائع: بل بعتك حملا كاملا أن القول قول المبتاع، والظاهر أنه قد نقد لقوله إذا حلف البائع لم يرد من الثمن إلا نصفه، وإن كان قد تؤول أن معنى قوله يرد بحكم الحاكم في النصف، فالتفرقة بين النقد وغير النقد في هذه المسألة قول ثالث. وبالله التوفيق.

[مسألة: يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري]
مسألة قال أصبغ عن ابن القاسم في الرجل يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه المشتري، أو يشتري الجارية فيطؤها فتحمل ثم يظهر بها جنون أو جذام أو برص في عهدة السنة لا أرى أن يرجع بما بين القيمتين وأن عتقه العبد

(8/365)


وإيلاده الجارية قطع منه للعهدة. قال أصبغ: أرى أن يرجع بالعيب؛ لأن عيب العهدة كعيب كان به عند البائع في السنة لازما فيصرف به المبتاع على البائع. ألا ترى أنه لو لم يعتقه ولم تحمل الجارية رده به وهو حادث ولم يكن عليه أيضا لنقصانه شيء يرده معه، فالحمل فوت والعتق فوت لا رد معهما، وله الأرش بعدهما، وكذلك لو أعتقه في عهدة الثلاث لم يكن عتقه قطعا لتلك العهدة إن أصابه فيها أمر قد كان يرد بمثله ويلزم البائع أرشه، وهذا رأي، قال سحنون مثله. وقال: أصل ما أحدث له عهدة الثلاث الحمى الربع، وأصل عهدة السنة استقصاء الجنون والجذام والبرص والعيوب القديمة.
قال أصبغ: وكان ابن كنانة يقول في العبد يشتريه الرجل فيعتقه فيجذم في داخل السنة، قال: ينظر فيه فإن كان له ثمن معروف عرفت ثمنه ثم رجع المشتري على البائع بما بين ثمنه أجذم وثمنه صحيحا، وإن كان ليس له ثمن أصلا رجع بجميع الثمن ومضى فيه العتق، فإن مات العبد المعتق عن مال أخذ منه البائع الثمن الذي غرم للمبتاع وكان ما بقي بعد ثمنه للمبتاع، وإن كان المشتري لم يرجع بجميع الثمن وبقي له في العبد درهم فما فوقه فجميع ميراثه له.
وسئل ابن كنانة: عن الرجل يبتاع العبد بيع الإسلام وعهدة الإسلام فيعتقه ثم يظهر به جذام قبل السنة، قال: يرجع عليه بما بين القيمتين، وكذلك الجارية إذا حملت من سيدها أنه يرجع بما بين القيمتين.
قال ابن القاسم: وقد كان مالك يقول: يرد العتق

(8/366)


ويأخذ المشتري الثمن كله، ولست أرى هذا القول ولا قول ابن كنانة، ولا أرى عتقه إلا قطعا لعهدة السنة، ولا أرى أن يرجع عليه بشيء، ولو كنت أقول أحد القولين لقلت برد عتقه ويأخذ جميع الثمن، ولكني لست أرى ذلك، وأرى عتقه قطعا لعهدة السنة.
قال محمد بن رشد: معنى قول مالك الذي حكاه عنه ابن القاسم من أن العتق يرد ويأخذ المشتري الثمن كله إنما هو إذا لم يكن للعبد مجنونا أو مجذوما ثمن أصلا، وأما إذا كان له ثمن فيرجع على البائع بما بين القيمتين من الثمن ويمضي العتق كما قال ابن كنانة، وإنما يخالف مالك لابن كنانة إذا لم يكن له ثمن أصلا، وإنما وقع الإشكال في قول مالك لوقوعه إثر قول ابن كنانة قبل كماله، وكان من حقه أن يقع إثره بعد كماله على ما وقع أولا متصلا بقوله فجميع ميراثه له.
فالذي يتحصل في هذه المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية قطع لعهدة الثلاث ولعهدة السنة ولا يرجع على البائع بشيء وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه.
والثاني: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية لا يكون قطعا لعهدة الثلاث ولا لعهدة السنة ويرجع على البائع بقيمة العيب، وهو قول أصبغ وسحنون ههنا، إلا أن يكون لا ثمن له أصلا، فقال ابن كنانة: يرجع المبتاع على البائع بجميع الثمن ويمضي فيه العتق، فإن مات العبد المعتق عن مال أخذ البائع منه الثمن الذي دفع إلى المبتاع وكانت بقيته للمبتاع، وقال مالك: يرد العتق ويأخذ المشتري الثمن كله.
والثالث: أن عتقه العبد وإيلاده الجارية في عهدة الثلاث قطع لعهدة الثلاث ولا رجوع له على البائع بما أصابه فيما بعد العتق، وأن ذلك لا يكون قطعا لعهدة السنة، ويرجع على البائع بما أصابه في السنة بعد العتق من الجنون والجذام والبرص، يقوم صحيحا أو مجنونا أو مجذوما أو مبروصا فيرجع

(8/367)


على البائع بقدر ما بين القيمتين من الثمن، وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب في بعض الروايات، فإن لم يكن له ثمن أصلا فعلى ما تقدم من قول مالك وابن كنانة، وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[تم كتاب العيوب بحمد الله وحسن عونه]

(8/368)